تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : تعرف على فضل ذو القرنين علينا


احلام 2
2008-10-22, 17:02
من هو ذو القرنين؟
هذا الرجل طاف لمسافات كبيرة جداً في الكرةالأرضية، هو وفريق العلماء الذي يرافقه، ومفتاح شخصية هذا الرجل شيئين: الأول دنيويوالثاني إيماني. الشيء الدنيوي: هو حب اكتشاف المجهول، الشيء الإيماني: هو حب الخيروالإصلاح في الناس، فاستخدم حبه لاكتشاف المجهول من أجل الإصلاح فيالأرض.

قصته توجد في سورة الكهف، وبعد قصة موسى والخضر مباشرةً، ويقول اللهسبحانه وتعالى في الآية: "... قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً "(الكهف83)، فلم يحكي الله عنه كل شيء من تفاصيل مولده أو حياته الشخصية، لكنه حكىلنا عن القوة العالمية حينما توَجَه للخير، وحينما تكون هناك قوة عالمية في الأرضفلا تُنهبُ ثرواتُالشعوبِ وإنما تُصلحِ في الأرض، وهذه الزاوية التي سنراها اليوموهي لمن يُعطي ولا يأخذ خير الآخرين . ثم تأتي الآية: "إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِيالْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً "، إذن كل إمكانيات الإصلاح،والنهضة، والقوة العالمية موجودة لديه، من قوة عسكرية رهيبة، وقوة اقتصادية عظيمة،وقوة تكنولوجية، وعلمية غير موجودة في الأرض، وقوة روحية، وإيمانية، ودافعة غيرموجودة في الأرض، وهو رائد التنمية بالإيمان. وهي الفكرة التي ذكرناها في صناعالحياة، فإذا أردت أن تراها مُجسدة في قصة من قصص القرآن فستجدها في ذي القرنين: التنمية بالإيمان.

فإذا قارناه بنابليون، فيكون هوالأفضل؛ فنابليون هُزم فيالنهاية، وإذا قارناه بالإسكندر الأكبر، فيكون هو الأفضل؛ فالإسكندر أفسد فيالنهاية، فإذا قارناه بأمريكا، فيكون هو الأفضل؛ فأمريكا لديها بعض أسباب القوة،لكن لم يجتمع لأحد من كل شيء سبباً، فهي قوة لم تحدث من قبل! يقول سفيان الثوري:" لم يجتمع لبشر مَلَكَ الأرض إلا لمؤمنين: سُليمان وذي القرنين"، والآية تقول: "... وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً "، فالله تعالى أعطاه الأسباب ولا توجدخوارق، فهو ليس نبي ولا مَلِك، فالله تعالى أعطاه مفاتيح العلوم، والحضارة،والنجاح، وهو لديه حب اكتشاف المجهول، وتَربى على حب الخير والعطاء لكل البشر بصرفالنظر عن جنسياتهم أو أديانهم، وهو مشابه لإبراهيم عليه السلام ويوسف عليه السلام،ومن أشباه الفاتحين في الإسلام: خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص وغيرهم، ومن أشباهالمستكشفين: كولومبس، وتاسكو داجاما، و من أشباه زعماء العالم الذين طافوا الأرضكالإسكندر لكنه تفوق عليه بشدة. هو شخصية عالمية، فذة، مؤمنة، مُصلحة. فلماذا يحكيلنا الله قصته في القرآن؟ فهذا هو قرآننا والله آتانا من أسباب الإصلاحوالنهضة.

ذو القرنين والطموح:
ملحوظة عجيبة: لماذا ذكره القرآن باسم ذوالقرنين؟ ألأنه بلغ قرنيِّ الشمس! أم لأنه ملك قرني الحضارة! وهو المعنى الأعمق،والحضارة إما مادية أو روحانية، وعادةً الذي يجمع بين الاثنين يكون قليلاً جداً،فالغرب يمتلك حضارة مادية عظيمة لكنه يفتقر للروحانيات، أما ذو القرنين فقد ملك قرنالعلم، وبتوجيهه العلم للإصلاح فقد ملك قرن الإيمان. "إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِيالْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً ". أنه مُكِن من كل الأرض،بالأسباب وليس بالتواكل، بل بالعمل، والهندسة، والجغرافيا، والطب، والتاريخ،والعلوم، واللغات، والمعمار والآلات الحربية، فعندما يجوب العالم سيحتاج لكل تلكالعلوم، فكفانا تواكل! ونحن ندعو كل رمضان أن ينصرنا الله ومع ذلك حالنا كما هو،لأنه دعاء بدون عمل، وفي سورة آل عمران صفحة كاملة دعاء: "رَّبَّنَا إِنَّنَاسَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّارَبَّنَا ... " (آل عمران 193)، ثم الرد على الفور "فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْأَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم ... "، ولم يقل دعوة داعٍ، وذو القرنينلم يكتفِ بأخذ الأسباب كلها، بل في الآية: "فَأَتْبَعَ سَبَباً " (الكهف85)، وجهشعبه وشباب الأُمة لمزيد من العلم، فعلم الله لا ينفذ وقد أعطاه مفاتيحه، وهذا طموحغير عادي.

فإذا أعطى الله أحد الشباب موهبة ما، تجده يحمد الله عليها ثميتوقف على ذلك، ويستخدمها عدة سنوات ثم يقف، مثل لاعب الكرة الذي يوقف طموحه ولاينطلق للعالمية لكي نرى أفضل لاعب مسلم على مستوى العالم، ومثل صاحب شركة محليةينجح بشدة ولا يصل بها إلى العالمية مثل الغرب لأن طموحه توقف، ومثل كاتب القصةالذي يصبح أفضل كاتب في الوطن العربي ولا ينطلق للعالمية لأنه لا يُطور مننفسه.

نشأة ذو القرنين :
الله تعالى جعل السماء عالية ليصبح طموحك بلانهاية، فتخيل إن كانت فوق رأسك مباشرة! أما ذو القرنين فهو يعمل بطموحه ليل نهار،والسؤال هو كيف أصبح هكذا؟ الجواب يتلخص في ثلاث نقاط:
1. ذو القرنين نتاج أُمةفمن غير الممكن أن يكون هكذا وحده، لكي لا نظلم أنفسنا، أو أظلم الشباب بأن أجبرهمعلى أن يكونوا ذا القرنين، فذو القرنين عمل تراكمي، من الممكن جداً أن يكون 300 سنةعمل من جيل لجيل، يبدأ بالتعليم مثل قصة موسى والخضر، ثم أُمة لها رسالة، ثم عزم،ثم قوة، ثم علم، ثم ينتج ذو القرنين، فذو القرنين ليس نتاج نفسه بل نتاج أُمة، مثلصلاح الدين الذي ليس نتاج نفسه، فأولاً خرج الإمام أبي حامد الغزالي، وقدم كتابإحياء علوم الدين، ليُفهَمَ الدين بشكل يناسب زمانهم، وبدأ ينشئ مدارس تَخَرج منهانور الدين محمود، وأسد الدين شيركوه، ثم خرج صلاح الدين، فإذ هم ثلاث أجيالٍ. فلننظلم الشباب ولكن على الأقل لابد من وضع بذور ينتج منها ذو القرنين، ولماذا يحكيالله تعالى لنا هذه القصة؟ أين الأُمة التي تُخرج ذو القرنين؟

2. ذو القرنينبدايته حلم، وأنا متأكد أن قصة مشرق الشمس ومغربها بدايتها حلم زُرع به منذ الطفولةمن والديه أو منه، ويتفكر ويرى الشمس والغروب وحب الاستكشاف وهي الصفة التي يفتقدهاشباب المسلمين اليوم، والمجهول لايزال كثير في العالم، المجهول في أعماق البحار،وآفاق السماء، وفي الكائنات الحية، وفي جسم الإنسان، وفي قاع الأرض من معادنوبترول. لذا فالمجهول لازال كثيراً ويبحث عن من يكتشفه، شباب الغرب مازال لديهم حبالاستكشاف، ومازال شباب المسلمين لديهم خجل وتوقف من اقتحام المجهول، فهل هذا بسببطريقة التعليم؟ أم قلة الثقة بالنفس؟ أم قلة الطموح؟ وذو القرنين حلمه الأرض كلها،والله تعالى لم يصف لنا الأماكن التي وصل لها جغرافياً، لكن أخبرنا أنه وصل لآخرالأرض غرباً وأخر الأرض شرقاً، وهكذا كان طموحه، فلم يُحَجمه بأماكن، فلماذا لاتحلم أنت؟ هل تخاف أن تدفع! أم تخاف أن تحلم! لا تكن ضعيفاً وتقول أنا أقلُ منالحلم، احلم فعلى الأقل من سيحلم يمكنه تنفيذ حلمه، فالذي لا يملك أن يحلم، سيقومغيره بهذا الدور بل سيضعه جزء من حلمه، والبلد التي لا تملك حلم، ستصبح جزء منأحلام بلاد أخرى، وذو القرنين كان حلمه استكشاف الأرض ولا تستهينوا بكلمةحلم.

3. ذو القرنين لديه منظومة قيم وأخلاقيات، إذا لم تكن عنده كان منالمستحيل أن يُمَكَن هذا التمكين وكان قد أفسد في الأرض فساداً شديد، ورصيد قيم ذوالقرنين كان: قيمة العمل، قيمة العلم، قيمة الأيدي النظيفة؛ فلم تمتد يده إلى خيراتالشعوب، قيمة الطموح، قيمة العطاء وحب الخير وإسعاد الآخرين، قيمة الإتقان التيتظهر عند بناء السد، قيمة العدل وكراهية الظلم والسلبية، هل يمكنك أن تُحضِر الآنورقةً وقلمًا وتكتب قيمك أنت، من أين تأتي القيم؟ من الأب والأم والدين، وهذه دعوةللآباء والأمهات، فحكاية قبل النوم هامة جداً خاصة إذا كانت مذاب فيها مجموعة قيم،ومثلما تشتري لهم الملابس وتزيد من رصيدك في البنك لكي تتركها لهم، فأهم من هذاوذاك أن تترك لهم قيماً، فهدايا القيم أغلى بكثير من هدايا المال، وإذا مت ولديهمقيم وليس لديهم مال؛ سينجحون، أما إذا مت ولديهم مال بدون قيم؛ فلن يحققوا شيئاً. أولادكم يحتاجونكم فأعطوهم وقتاً، فالأب والأم ليسوا شئوناً إدارية، يملون أوامركالأكل، والنوم، والنظافة، والمذاكرة، بل الأب والأم مخزون قيم يدخر للأولاد عنطريق القدوة، والمواقف، والتربية، والمعاشرة، والكلام، والحب وليس العنف، ولذلك ذوالقرنين كان مؤهل للتمكين بسبب ما يملكه من رصيد للقيم.

التوكل والأخذبالأسباب:
ولقد نزلت في ذي القرنين أكثر من عشرين آية، ألهذا القدر يحبه اللهتعالى! وقد سمع الصحابة هذه الآيات في مكة، ففعلوا ما فعل ذو القرنين في 25 عاماً،جيلُ وراء جيل، وحتى بعد موت النبي_ صلى الله عليه وسلم_، لم تكن حدثت بعد، فكانوالا يزالون في الجزيرة العربية، لكن يبدوا أنهم حين سمعوا سورة الكهف وقد أمرنا اللهتعالى بقراءتها كل يوم جمعة، حدث شيء ما في تفكيرهم.

فلماذا نصوم رمضان؟ألكي نعود للمعاصي أول يوم للعيد؟ أم أنه مخزون طاقة لكي نقوم بنهضة ونُصلحَونُعلمَ، فالصحابة وهم مستضعفون في مكة- كأني أرى أعينهم تلمع وهم يقرأون قصة ذوالقرنين كل يوم جمعة! والفكرة وصلتهم بما فيها من قيم، بالإضافة لمجئ هذه القصة بعدقصة الخضر مباشرةً، فالخضر كان يتكلم عن الغيب والروحانيات، فكان لابد من التوازنباتباع الأسباب في قصة ذو القرنين، فلو كان الكلام توقف عند الخضر لكان الجميعينتظر أفعال الله فيه بدون فعل منه. وقد تحدثنا كثيراً عن الرضا عن الله وأفعاله. أما ذو القرنين فقد قام بثلاث رحلات في كل منها كلمة قبلها "فَأَتْبَعَ سَبَباً" فليس متواكل، فالتوكل هو أن تأخذ بالأسباب وتقوم بكل شيء ثم تقول يا رب!

قرر ذو القرنين قراراً عظيم، فلديه إمكانيات وبداخله طموح وحب لاكتشافالمجهول، لذا قرر أن يأخذ أمته ويذهب بها للطواف بالأرض في ثلاث رحلات من غربهالشرقها لشمالها، وأثناء مروره يساعد البشرية ويُصلح في الأرض، فقد استكمل قوتهكأُمة فلمَ لا يفيض بالخير على الآخرين! ولا ينهب شيء من ثروات الشعوب بل يعطي هو،وقد أعطاه الله كثيراً حتى أصبح قوة عالمية، فكيف توظف لخير الآخرين، إذاً ففكرةالعولمة ليست جديدة بل بدأها ذو القرنين وهي عولمة الحق والخير، وأيهما أسعدللبشرية؟ عولمة التكنولوجيا أم عولمة الحق والخير؟ ففكرة ذو القرنين هي أنني أنجحوينجح معي الآخرين، وليس من الضروري لكي أنجح أن يفشل الآخرين! ونموذج ذو القرنينهو نموذج عالمي وليس مُهدى فقط للمسلمين، بل مهدى لكل القوى في العالم في كل زمانومكان، فالقرآن عالمي فلا تغلقوه علينا كمسلمين، وذلك ما قلته في كل القصص مثلقابيل وهابيل ومريم، وأن كلها قصص عالمية.

فالقوى العالمية تحتاج أن تَدرُسَذا القرنين، ورجال السياسة يحتاجون أن يدرسوا ذا القرنين، وذو القرنين كان عظيم فيقراره لأن لديه شباب وإمكانيات وعلوم. إذا لم تتحرك ماذا يحدث؟ وإذا كان العالمالعربي خالٍ من مشروع قومي للشباب فماذا يحدث؟ مخدرات، وتطرف، وإرهاب. فذو القرنينوجه أمته للحركة، وأنا أقول للشباب إذا لم يوجد ذو القرنين ولم يوجد مشروع قوميلبلدك فتحرك أنت، وإلا فلن تخرج الطاقة التي بداخلك، ولهذا تجد شباب يُصبح متدين ثميعود كما كان، وتجد شباب يتعاطون المخدرات ويجلسون مع أصحاب السوء، فابحث عن مشروعتقوم به، أو أسرة تنقذها، اصنع حياة إنسان، أو أسرة، انزل لقرية من القرى، علِّمالناس.

ذو القرنين قام بثلاث رحلات، أخذ الأرض عرضاً... ملايين الكيلومترات! أول رحلة لإقامة العدل التي هي أول النهضة، والرحلة الثانية هي رحلة تنمويةاقتصادية، والرحلة الثالثة هي مواجهة الأعداء الخارجيين المهاجمين لبلادنا، وسنشاهدخمس أُمم من الموجودين في الأرض، وستجد أنها مثل ما نراه اليوم، لأنها مثل الصور أوالمرايا التي نرى فيها أنفسنا اليوم، وسنأتي في النهاية للسؤال: يا ترى نحن أي أُمةمنهم؟

وتقبلوا مني فائق التقدير والاحترام
الموضوع مقتبس
لا تنسوا الدعاء من فضلكم

احلام 2
2008-10-22, 17:05
تكملة للموضوع السابق
رحلات ذو القرنين :
حلقة اليوم رسالة للعالم كله، ورسالةللمسلمين بأنه لا يصلح وضعهم هذا، ورسالة للقوى في العالم كله أن يتوجهوا للخيروالإصلاح، وسنتحدث عن الرحلة الأولى لذو القرنين. ويقال أنه خرج لليمن متجهاً إلىمغرب الشمس، وتخيل القوة العسكرية الخارجة معه والبلد تودعهم ومعهم العديدَ منالمهندسين، والأطباء، وعلماء الجغرافيا، واللغات.

ومغرب الشمس بالنسبة لأيإنسان هو مكان غروبها بالنسبة له سواء كان أمام بحر أو جبل، لكن ذو القرنين وصل إلىآخر الأرض غرباً كما أرشده مستشاريه من علماء الجغرافيا، "حَتَّى إِذَا بَلَغَمَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ... " (الكهف86)،والعين الحمئة (هي أرض زراعية خصبة جداً مليئة بالعيون مع انعكاس ضوء الشمس عليهاوعلى الطين الأسود) فتكون مثل العين الحمئة، وكانوا قوم لديهم حضارة ومال لكن للأسفظالمين، ووجد في هذه البلد مظلومون يزرعون الأرض بلا أي حق، وتجد عظماء البلدوأغنياءها استولوا على كل شيء، وعند دخول ذو القرنين البلد ظنوا بالتأكيد للوهلةالأولى أنه أتى لأخذ خيراتهم، ولم يصدقوه حين أخبرهم أنه لم يأتي لهذا السبب، "... قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَفِيهِمْ حُسْناً "، وهذا اختبار له بعد أن أصبح قوة عالمية ماذا سيفعل؟ فوضع ذوالقرنين دستور جديد ولم يعاقب الذي أخطأ من قبل كما ذكرت الآيات: "قَالَ أَمَّا مَنظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباًنُّكْراً " ، عقوبات رادعة ولا يوجد فوضى ولا محاباة، وقام بتشجيع الوازع الداخليفي الناس، "وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَىوَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً " وهذا لمن يُصلِحُ في الأرض والذي سيوضعفي مكانه المناسب بدون أي وسائط، وسيكون له جوائز تشجيعية، وهكذا أقام ذو القرنينالعدل في هذه البلد، وهذه كانت القصة الأولى.

بالتأكيد لم يتركهم ذو القرنينحتى استقروا وثبتوا على الدستور الجديد، ثم مشى ملايين الكيلومترات الأخرى اتجاهمشرق الشمس، فكم كيلومتراً مشيته أنت من أجل الإصلاح؟ أوحى الله إلى إبراهيم عليهالسلام: " أتدري لما اتخذتك خليلاً؟ "، فقال: لما يا رب؟، قال: " لأن حبك للعطاءأكثر من حبك للأخذ". فانظروا لمجهود ذو القرنين! وكيف احتمل من معه! غير أن حبهللعطاء غير عادي! اجعل أولادك يحبون العطاء. "حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَالشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَاسِتْراً "، مثل بعض المناطق الفقيرة في أفريقيا ليس بها شجر أو زرع أو ماء، فهميعيشون مأساة وكارثة طبيعية، بدون حتى ملابس تسترهم من الشمس، ولديهم جفاف وبدونماء، فمشكلتهم أنهم كانوا مستسلمين لهذه الكارثة، ويَدََعونَ أن هذا قَدرُهُم! ونسوا أن شق الآبار من قدَّر الله، وحفر الأنهار من قدر الله، وزرع الأرض من قدرالله، فلما لا تُصلحوا قَدَر الله بقَدَر الله!

وهذا كلام لنا، فمشكلةالقوم الأولين الظلم أما هؤلاء فمشكلتهم التحجج بالقدر. ألسنا نكرر نفس الكلامدائماً أن هذا قدرنا! وأننا في انتظار المهدي المنتظر لينقذنا! الله عز وجل يرينافي كل رحلة نوعُ من الأُمم، ونوعُ من الإصلاح، وذو القرنين ليس نمطي، فالرحلةالأولى احتاجت للعدل والثانية للإصلاح التنموي، حتى وصل لأفضل إنجاز استفدنا منهحتى اليوم وهو بناء السد الذي منع يأجوج ومأجوج من الدخول علينا حتىاليوم.

انطلق ذو القرنين وجنده حتى وصلوا لأرض فسيحة بين جبلين، في شمالالأرض من الممكن جداً أن تكون ناحية الصين، أو جورجيا، أو الاتحاد السوفيتي. لاأعلم بالتحديد. "حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَاقَوْماً لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً " وجد هناك جنسيات جديدة ولا يفقهونقولاً لا تعني أنهم لا يستطيعون الكلام، بل أنه حينما دخل عليهم كانوا في مصيبة،أطفال مقتلين، زرع محترق، خيرات منهوبة، "قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاًعَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً "، واضح أنهم يعرفونه جيداً، وأنشهرته في ذلك الوقت شهرة عالمية، وأنهم قوم مؤمنين، ويأجوج ومأجوج قبيلتين وظيفتهمأن يخرجوا على هؤلاء القوم لأخذ خيراتهم وذبحهم...وذلك منتهى الفساد، ثم يعودوا حيثأتوا وذلك يحدث مرة كل عام، حتى يبدأ القوم في الزراعة مرة أخرى فيخرج يأجوج ومأجوجمن بين السدين لأخذ خيراتهم ثم يعودوا، ومن أسمائهم تشعر بالغلظة التي بهم، فيأجوج: من تأججت النار، ومأجوج: من ماجت الماء مثل الطوفان الذي يُغرق كل شيء، فهم قبيلتينمفسدتين في الأرض.

فقالوا لذو القرنين: "... فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاًعَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً "، فهم أغنياء لذلك عرضوا المالعلى ذي القرنين ليجعل لهم سداً يحميهم، فسدُ بين جبلين سيكلف الكثير من المال، وهمأيضاً يعلمون أن الحل هو السد، بل ولديهم موارد طبيعية ألم يقل لهم: "آتُونِيزُبَرَ الْحَدِيدِ ... "، وأيدي عاملة، وقوى بشرية ألم يقل لهم: "... قَالَانفُخُوا ... قَالَ آتُونِي ... "، فماذا ينقص هؤلاء القوم؟ أرضهم مليئة بالبترول،لديهم شباب، لديهم فكر، لديهم مال، وتنقصهم الإرادة، القصة الأولى قصة عدل،والثانية قصة يأس، والثالثة قصة إرادة، فهم لا يريدون الحركة رغم أنهم في كل يوميموت منهم ، بل يرغبون في الجلوس كما هم حتى يأتيهم المُنقذ.

لعل رمضان هذايكون بداية لمائتي عام قادمين، ولن نخجل أن نقول كلمة نهضة، بالرغم من أننا سنموتلكن يكفينا أن نضع البذور، سأطرح سؤالاً: من نحن من هؤلاء؟ أُمة ذو القرنين؟ أمالأُمة المليئة بالظلم؟ أم الأُمة المليئة باليأس؟ أم يأجوج ومأجوج؟ أم الأُمة التيلديها كل شيء سوى الإرادة؟
لسنا كفاراً، ولسنا يأجوج ومأجوج،- رغم أن هناك منيقول عنا هكذا ! ولسنا مملوئين بالظلم لهذه الدرجة الخطيرة، أنا أرى أننا يغلُبعلينا الحالة الخامسة وهي الأُمة التي لديها كل شيء سوى الإرادة، رغم أن فينا منقوم ذو القرنين- لكي لا أكون يائساً.

وذو القرنين لم يستجب لأخذ مال علىبناء السد، بل قال: "... فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ ... " ، لأنه لو أبعد عنهم يأجوجومأجوج بمفرده بدون مساعدتهم اليوم سيأتيهم مئات مثلهم، ويقولون أن الشعوب نوعان: شعوب غير قابلة للاستعمار، وشعوب قابلة للاستعمار فإذا تركها المستعمر تبحث عنمستعمر يستعمرها، "... فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْرَدْماً "، وبدأ يجمع الحديد من ألواح متساوية، "آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ... "،وآلاف يعملون لنقله كمشروع قومي لهذه البلد، وبنى ما هو أعظم من الهرم، ورفعواالحديد وضبطوه في مكانه فلديه قوى علمية غير عادية: "... حَتَّى إِذَا سَاوَىبَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِيأُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً "، ثم أمرهم بتسخين الحديد فهو يعرف خواصه جيداً، حتىإذا أصبح محمراً، أمرهم أن يأتوه به وهو الذي سيفرغ عليه النحاس المذاب، فبدأالنحاس المذاب ينزل على الحديد الملتهب فيتخلله حتى يَجمُد ويصبح أملس لا أحديستطيع صعوده.

والجميل أنه قام بثلاثة أشياء، وهم قاموا بثلاثة أشياء: "آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَانفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً "،وهذا هو العمل الجماعي لمن لا يعرف كيف يعمل جماعياً، وهناك نكتة ظريفة ولكنهامؤلمة: نزل فريق ياباني ليسابق فريق عربي في السباحة ففاز الياباني بتفوق، فوجدواأن الياباني أحدهم مدير والباقون يقلدونه أما العربي ف9 مديرين وواحدُ يقلدهم! فأصلحوا الوضع وأعادوا ففاز الياباني بمراحل، فوجدوا أن الياباني أحدهم مديروالباقي يقلدونه، أما العربي فواحد مدير و3 مديرين إدارات و4 مديرين أقسام وواحديقلد، فقرروا اتخاذ قرار صارم بإعداد الشخص الذي يُقلد.

وتخيلوا أن معادلاتذو القرنين مسجلة في كتاب الله، وهي معادلات كيماوية وعلمية، ونحن نتعبد لله ونُصليفي رمضان ونتهجد بالقرآن، ونريد دخول الجنة. أتى يأجوج ومأجوج بعد بناء السدبصياحهم وقوتهم، وذو القرنين منتظر مع جيشه في الناحية الأخرى، وهذا معناه أنه بقيمع القوم قرابة السنة، ولماذا لم يحارب يأجوج ومأجوج؟ لأنني لو أستطيع أن أحمي بدونحرب فهذا أفضل، فليست دائماً البطولة أن تختار الحرب، وإذا كاد أن يصبح بطلاًبالحرب مثل الإسكندر الأكبر فلن يقدر على فعل ذلك، فالإسكندر لديه حب المغامرة مثلذو القرنين.

وعندما جاء يأجوج ومأجوج لم يتمكنوا من صعود السد ولا نقره، "فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً "، ثم قالخطبته الأخيرة ونسب الفضل لله ولم يرى إنجازه ولهذا إنجازه مستمر: "قَالَ هَذَارَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُرَبِّي حَقّاً " فلما قال قارون: "... إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي ... " (القصص78) خسف الله به الأرض، ويقول النبي _صلى الله عليه وسلم_ أنه كل يوم يأجوجومأجوج يحاولون أن يحفروا في السد ولا يقدرون، حتى إذا جاء يوم القيامة فُتح السدوخرج يأجوج ومأجوج ليهلكوا البشرية كما في الآيات: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْيَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ } (الأنبياء 96) ، وأنالا أعرف مكانهم، ولا أين هم من الأرض، ولا لما لم تراهم الأقمار الصناعية؟ لكنيأُصدق القرآن، وسيكون فتح السد من علامات يوم القيامة.

خاتمة:
خرج _النبي صلى الله عليه وسلم_ من بيته يوماً مُحمَرَ الوجه، قالوا: ماذا يا رسول الله؟، قال: " ويلٌ للعرب من شرٍ قد اقترب، فُتِحَ اليوم من يأجوج ومأجوج مثل هذا " وهذا جزء صغير لمدة طويلة! فانظر كيف حمانا سد ذو القرنين طوال هذه المدة الكبيرة! فهو صاحب فضل علينا، فأماننا وأمان أولادنا وأمانكم بسببه، ففضل ذو القرنين علىالبشرية جمعاء، نموذج جميل! لم نره من قبل، وهو ليس نبي أو مَلَك بل بشر مثلنا! أحببته وفهمت لما يأمرنا الله تعالى بقراءة سورة الكهف كل جمعة.
فانظروا لهذهالنماذج واعلموا أي أمة أنتم؟! لتتوجهوا وتصروا على النهوض الجمعة التي تليها ولومني وهو في طريق النهضة، ومات ذو القرنين، فتخيل جنازته! هل كانت ستمشي بها كلالبشرية من مسلمين، وغير مسلمين، ومؤمنين، وغير مؤمنين؟ ولم نراه حارب في أي مرة،فليست الحرب دائماً هي البديل الصحيح، ولم نسمعه أصر على دخول قوم في الإسلام ،فالإصلاح والخير للبشر كلهم، ولهذا يوسف عليه السلام أصلح مصر وهو في السجن، وأناأقترح أن نُعَلِم أبنائنا قصة ذو القرنين في سن السابعة إلى الثامنة، فلربما يخرجمن هذا الجيل مثله، فأنا أنصح بشدة بقصة ذو القرنين وقيمه
وتقبلوا مني فائق التقدير والاحترام

امير الجود
2008-11-17, 00:35
شكرا لك اختي علي الموضوع المتميز و على طريقة كتابتك الخاصة،فعلا لا نعلم قطعا من هو ذو القرنين، كل ما يخبرنا القرآن عنه أنه ملك صالح، آمن بالله وبالبعث وبالحساب، فمكّن الله له في الأرض، وقوّى ملكه، ويسر له فتوحاته....بارك الله فيك.


http://www.s3udy.net/pic/thankyou003_files/16.gif