احلام 2
2008-10-22, 17:02
من هو ذو القرنين؟
هذا الرجل طاف لمسافات كبيرة جداً في الكرةالأرضية، هو وفريق العلماء الذي يرافقه، ومفتاح شخصية هذا الرجل شيئين: الأول دنيويوالثاني إيماني. الشيء الدنيوي: هو حب اكتشاف المجهول، الشيء الإيماني: هو حب الخيروالإصلاح في الناس، فاستخدم حبه لاكتشاف المجهول من أجل الإصلاح فيالأرض.
قصته توجد في سورة الكهف، وبعد قصة موسى والخضر مباشرةً، ويقول اللهسبحانه وتعالى في الآية: "... قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً "(الكهف83)، فلم يحكي الله عنه كل شيء من تفاصيل مولده أو حياته الشخصية، لكنه حكىلنا عن القوة العالمية حينما توَجَه للخير، وحينما تكون هناك قوة عالمية في الأرضفلا تُنهبُ ثرواتُالشعوبِ وإنما تُصلحِ في الأرض، وهذه الزاوية التي سنراها اليوموهي لمن يُعطي ولا يأخذ خير الآخرين . ثم تأتي الآية: "إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِيالْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً "، إذن كل إمكانيات الإصلاح،والنهضة، والقوة العالمية موجودة لديه، من قوة عسكرية رهيبة، وقوة اقتصادية عظيمة،وقوة تكنولوجية، وعلمية غير موجودة في الأرض، وقوة روحية، وإيمانية، ودافعة غيرموجودة في الأرض، وهو رائد التنمية بالإيمان. وهي الفكرة التي ذكرناها في صناعالحياة، فإذا أردت أن تراها مُجسدة في قصة من قصص القرآن فستجدها في ذي القرنين: التنمية بالإيمان.
فإذا قارناه بنابليون، فيكون هوالأفضل؛ فنابليون هُزم فيالنهاية، وإذا قارناه بالإسكندر الأكبر، فيكون هو الأفضل؛ فالإسكندر أفسد فيالنهاية، فإذا قارناه بأمريكا، فيكون هو الأفضل؛ فأمريكا لديها بعض أسباب القوة،لكن لم يجتمع لأحد من كل شيء سبباً، فهي قوة لم تحدث من قبل! يقول سفيان الثوري:" لم يجتمع لبشر مَلَكَ الأرض إلا لمؤمنين: سُليمان وذي القرنين"، والآية تقول: "... وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً "، فالله تعالى أعطاه الأسباب ولا توجدخوارق، فهو ليس نبي ولا مَلِك، فالله تعالى أعطاه مفاتيح العلوم، والحضارة،والنجاح، وهو لديه حب اكتشاف المجهول، وتَربى على حب الخير والعطاء لكل البشر بصرفالنظر عن جنسياتهم أو أديانهم، وهو مشابه لإبراهيم عليه السلام ويوسف عليه السلام،ومن أشباه الفاتحين في الإسلام: خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص وغيرهم، ومن أشباهالمستكشفين: كولومبس، وتاسكو داجاما، و من أشباه زعماء العالم الذين طافوا الأرضكالإسكندر لكنه تفوق عليه بشدة. هو شخصية عالمية، فذة، مؤمنة، مُصلحة. فلماذا يحكيلنا الله قصته في القرآن؟ فهذا هو قرآننا والله آتانا من أسباب الإصلاحوالنهضة.
ذو القرنين والطموح:
ملحوظة عجيبة: لماذا ذكره القرآن باسم ذوالقرنين؟ ألأنه بلغ قرنيِّ الشمس! أم لأنه ملك قرني الحضارة! وهو المعنى الأعمق،والحضارة إما مادية أو روحانية، وعادةً الذي يجمع بين الاثنين يكون قليلاً جداً،فالغرب يمتلك حضارة مادية عظيمة لكنه يفتقر للروحانيات، أما ذو القرنين فقد ملك قرنالعلم، وبتوجيهه العلم للإصلاح فقد ملك قرن الإيمان. "إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِيالْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً ". أنه مُكِن من كل الأرض،بالأسباب وليس بالتواكل، بل بالعمل، والهندسة، والجغرافيا، والطب، والتاريخ،والعلوم، واللغات، والمعمار والآلات الحربية، فعندما يجوب العالم سيحتاج لكل تلكالعلوم، فكفانا تواكل! ونحن ندعو كل رمضان أن ينصرنا الله ومع ذلك حالنا كما هو،لأنه دعاء بدون عمل، وفي سورة آل عمران صفحة كاملة دعاء: "رَّبَّنَا إِنَّنَاسَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّارَبَّنَا ... " (آل عمران 193)، ثم الرد على الفور "فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْأَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم ... "، ولم يقل دعوة داعٍ، وذو القرنينلم يكتفِ بأخذ الأسباب كلها، بل في الآية: "فَأَتْبَعَ سَبَباً " (الكهف85)، وجهشعبه وشباب الأُمة لمزيد من العلم، فعلم الله لا ينفذ وقد أعطاه مفاتيحه، وهذا طموحغير عادي.
فإذا أعطى الله أحد الشباب موهبة ما، تجده يحمد الله عليها ثميتوقف على ذلك، ويستخدمها عدة سنوات ثم يقف، مثل لاعب الكرة الذي يوقف طموحه ولاينطلق للعالمية لكي نرى أفضل لاعب مسلم على مستوى العالم، ومثل صاحب شركة محليةينجح بشدة ولا يصل بها إلى العالمية مثل الغرب لأن طموحه توقف، ومثل كاتب القصةالذي يصبح أفضل كاتب في الوطن العربي ولا ينطلق للعالمية لأنه لا يُطور مننفسه.
نشأة ذو القرنين :
الله تعالى جعل السماء عالية ليصبح طموحك بلانهاية، فتخيل إن كانت فوق رأسك مباشرة! أما ذو القرنين فهو يعمل بطموحه ليل نهار،والسؤال هو كيف أصبح هكذا؟ الجواب يتلخص في ثلاث نقاط:
1. ذو القرنين نتاج أُمةفمن غير الممكن أن يكون هكذا وحده، لكي لا نظلم أنفسنا، أو أظلم الشباب بأن أجبرهمعلى أن يكونوا ذا القرنين، فذو القرنين عمل تراكمي، من الممكن جداً أن يكون 300 سنةعمل من جيل لجيل، يبدأ بالتعليم مثل قصة موسى والخضر، ثم أُمة لها رسالة، ثم عزم،ثم قوة، ثم علم، ثم ينتج ذو القرنين، فذو القرنين ليس نتاج نفسه بل نتاج أُمة، مثلصلاح الدين الذي ليس نتاج نفسه، فأولاً خرج الإمام أبي حامد الغزالي، وقدم كتابإحياء علوم الدين، ليُفهَمَ الدين بشكل يناسب زمانهم، وبدأ ينشئ مدارس تَخَرج منهانور الدين محمود، وأسد الدين شيركوه، ثم خرج صلاح الدين، فإذ هم ثلاث أجيالٍ. فلننظلم الشباب ولكن على الأقل لابد من وضع بذور ينتج منها ذو القرنين، ولماذا يحكيالله تعالى لنا هذه القصة؟ أين الأُمة التي تُخرج ذو القرنين؟
2. ذو القرنينبدايته حلم، وأنا متأكد أن قصة مشرق الشمس ومغربها بدايتها حلم زُرع به منذ الطفولةمن والديه أو منه، ويتفكر ويرى الشمس والغروب وحب الاستكشاف وهي الصفة التي يفتقدهاشباب المسلمين اليوم، والمجهول لايزال كثير في العالم، المجهول في أعماق البحار،وآفاق السماء، وفي الكائنات الحية، وفي جسم الإنسان، وفي قاع الأرض من معادنوبترول. لذا فالمجهول لازال كثيراً ويبحث عن من يكتشفه، شباب الغرب مازال لديهم حبالاستكشاف، ومازال شباب المسلمين لديهم خجل وتوقف من اقتحام المجهول، فهل هذا بسببطريقة التعليم؟ أم قلة الثقة بالنفس؟ أم قلة الطموح؟ وذو القرنين حلمه الأرض كلها،والله تعالى لم يصف لنا الأماكن التي وصل لها جغرافياً، لكن أخبرنا أنه وصل لآخرالأرض غرباً وأخر الأرض شرقاً، وهكذا كان طموحه، فلم يُحَجمه بأماكن، فلماذا لاتحلم أنت؟ هل تخاف أن تدفع! أم تخاف أن تحلم! لا تكن ضعيفاً وتقول أنا أقلُ منالحلم، احلم فعلى الأقل من سيحلم يمكنه تنفيذ حلمه، فالذي لا يملك أن يحلم، سيقومغيره بهذا الدور بل سيضعه جزء من حلمه، والبلد التي لا تملك حلم، ستصبح جزء منأحلام بلاد أخرى، وذو القرنين كان حلمه استكشاف الأرض ولا تستهينوا بكلمةحلم.
3. ذو القرنين لديه منظومة قيم وأخلاقيات، إذا لم تكن عنده كان منالمستحيل أن يُمَكَن هذا التمكين وكان قد أفسد في الأرض فساداً شديد، ورصيد قيم ذوالقرنين كان: قيمة العمل، قيمة العلم، قيمة الأيدي النظيفة؛ فلم تمتد يده إلى خيراتالشعوب، قيمة الطموح، قيمة العطاء وحب الخير وإسعاد الآخرين، قيمة الإتقان التيتظهر عند بناء السد، قيمة العدل وكراهية الظلم والسلبية، هل يمكنك أن تُحضِر الآنورقةً وقلمًا وتكتب قيمك أنت، من أين تأتي القيم؟ من الأب والأم والدين، وهذه دعوةللآباء والأمهات، فحكاية قبل النوم هامة جداً خاصة إذا كانت مذاب فيها مجموعة قيم،ومثلما تشتري لهم الملابس وتزيد من رصيدك في البنك لكي تتركها لهم، فأهم من هذاوذاك أن تترك لهم قيماً، فهدايا القيم أغلى بكثير من هدايا المال، وإذا مت ولديهمقيم وليس لديهم مال؛ سينجحون، أما إذا مت ولديهم مال بدون قيم؛ فلن يحققوا شيئاً. أولادكم يحتاجونكم فأعطوهم وقتاً، فالأب والأم ليسوا شئوناً إدارية، يملون أوامركالأكل، والنوم، والنظافة، والمذاكرة، بل الأب والأم مخزون قيم يدخر للأولاد عنطريق القدوة، والمواقف، والتربية، والمعاشرة، والكلام، والحب وليس العنف، ولذلك ذوالقرنين كان مؤهل للتمكين بسبب ما يملكه من رصيد للقيم.
التوكل والأخذبالأسباب:
ولقد نزلت في ذي القرنين أكثر من عشرين آية، ألهذا القدر يحبه اللهتعالى! وقد سمع الصحابة هذه الآيات في مكة، ففعلوا ما فعل ذو القرنين في 25 عاماً،جيلُ وراء جيل، وحتى بعد موت النبي_ صلى الله عليه وسلم_، لم تكن حدثت بعد، فكانوالا يزالون في الجزيرة العربية، لكن يبدوا أنهم حين سمعوا سورة الكهف وقد أمرنا اللهتعالى بقراءتها كل يوم جمعة، حدث شيء ما في تفكيرهم.
فلماذا نصوم رمضان؟ألكي نعود للمعاصي أول يوم للعيد؟ أم أنه مخزون طاقة لكي نقوم بنهضة ونُصلحَونُعلمَ، فالصحابة وهم مستضعفون في مكة- كأني أرى أعينهم تلمع وهم يقرأون قصة ذوالقرنين كل يوم جمعة! والفكرة وصلتهم بما فيها من قيم، بالإضافة لمجئ هذه القصة بعدقصة الخضر مباشرةً، فالخضر كان يتكلم عن الغيب والروحانيات، فكان لابد من التوازنباتباع الأسباب في قصة ذو القرنين، فلو كان الكلام توقف عند الخضر لكان الجميعينتظر أفعال الله فيه بدون فعل منه. وقد تحدثنا كثيراً عن الرضا عن الله وأفعاله. أما ذو القرنين فقد قام بثلاث رحلات في كل منها كلمة قبلها "فَأَتْبَعَ سَبَباً" فليس متواكل، فالتوكل هو أن تأخذ بالأسباب وتقوم بكل شيء ثم تقول يا رب!
قرر ذو القرنين قراراً عظيم، فلديه إمكانيات وبداخله طموح وحب لاكتشافالمجهول، لذا قرر أن يأخذ أمته ويذهب بها للطواف بالأرض في ثلاث رحلات من غربهالشرقها لشمالها، وأثناء مروره يساعد البشرية ويُصلح في الأرض، فقد استكمل قوتهكأُمة فلمَ لا يفيض بالخير على الآخرين! ولا ينهب شيء من ثروات الشعوب بل يعطي هو،وقد أعطاه الله كثيراً حتى أصبح قوة عالمية، فكيف توظف لخير الآخرين، إذاً ففكرةالعولمة ليست جديدة بل بدأها ذو القرنين وهي عولمة الحق والخير، وأيهما أسعدللبشرية؟ عولمة التكنولوجيا أم عولمة الحق والخير؟ ففكرة ذو القرنين هي أنني أنجحوينجح معي الآخرين، وليس من الضروري لكي أنجح أن يفشل الآخرين! ونموذج ذو القرنينهو نموذج عالمي وليس مُهدى فقط للمسلمين، بل مهدى لكل القوى في العالم في كل زمانومكان، فالقرآن عالمي فلا تغلقوه علينا كمسلمين، وذلك ما قلته في كل القصص مثلقابيل وهابيل ومريم، وأن كلها قصص عالمية.
فالقوى العالمية تحتاج أن تَدرُسَذا القرنين، ورجال السياسة يحتاجون أن يدرسوا ذا القرنين، وذو القرنين كان عظيم فيقراره لأن لديه شباب وإمكانيات وعلوم. إذا لم تتحرك ماذا يحدث؟ وإذا كان العالمالعربي خالٍ من مشروع قومي للشباب فماذا يحدث؟ مخدرات، وتطرف، وإرهاب. فذو القرنينوجه أمته للحركة، وأنا أقول للشباب إذا لم يوجد ذو القرنين ولم يوجد مشروع قوميلبلدك فتحرك أنت، وإلا فلن تخرج الطاقة التي بداخلك، ولهذا تجد شباب يُصبح متدين ثميعود كما كان، وتجد شباب يتعاطون المخدرات ويجلسون مع أصحاب السوء، فابحث عن مشروعتقوم به، أو أسرة تنقذها، اصنع حياة إنسان، أو أسرة، انزل لقرية من القرى، علِّمالناس.
ذو القرنين قام بثلاث رحلات، أخذ الأرض عرضاً... ملايين الكيلومترات! أول رحلة لإقامة العدل التي هي أول النهضة، والرحلة الثانية هي رحلة تنمويةاقتصادية، والرحلة الثالثة هي مواجهة الأعداء الخارجيين المهاجمين لبلادنا، وسنشاهدخمس أُمم من الموجودين في الأرض، وستجد أنها مثل ما نراه اليوم، لأنها مثل الصور أوالمرايا التي نرى فيها أنفسنا اليوم، وسنأتي في النهاية للسؤال: يا ترى نحن أي أُمةمنهم؟
وتقبلوا مني فائق التقدير والاحترام
الموضوع مقتبس
لا تنسوا الدعاء من فضلكم
هذا الرجل طاف لمسافات كبيرة جداً في الكرةالأرضية، هو وفريق العلماء الذي يرافقه، ومفتاح شخصية هذا الرجل شيئين: الأول دنيويوالثاني إيماني. الشيء الدنيوي: هو حب اكتشاف المجهول، الشيء الإيماني: هو حب الخيروالإصلاح في الناس، فاستخدم حبه لاكتشاف المجهول من أجل الإصلاح فيالأرض.
قصته توجد في سورة الكهف، وبعد قصة موسى والخضر مباشرةً، ويقول اللهسبحانه وتعالى في الآية: "... قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً "(الكهف83)، فلم يحكي الله عنه كل شيء من تفاصيل مولده أو حياته الشخصية، لكنه حكىلنا عن القوة العالمية حينما توَجَه للخير، وحينما تكون هناك قوة عالمية في الأرضفلا تُنهبُ ثرواتُالشعوبِ وإنما تُصلحِ في الأرض، وهذه الزاوية التي سنراها اليوموهي لمن يُعطي ولا يأخذ خير الآخرين . ثم تأتي الآية: "إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِيالْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً "، إذن كل إمكانيات الإصلاح،والنهضة، والقوة العالمية موجودة لديه، من قوة عسكرية رهيبة، وقوة اقتصادية عظيمة،وقوة تكنولوجية، وعلمية غير موجودة في الأرض، وقوة روحية، وإيمانية، ودافعة غيرموجودة في الأرض، وهو رائد التنمية بالإيمان. وهي الفكرة التي ذكرناها في صناعالحياة، فإذا أردت أن تراها مُجسدة في قصة من قصص القرآن فستجدها في ذي القرنين: التنمية بالإيمان.
فإذا قارناه بنابليون، فيكون هوالأفضل؛ فنابليون هُزم فيالنهاية، وإذا قارناه بالإسكندر الأكبر، فيكون هو الأفضل؛ فالإسكندر أفسد فيالنهاية، فإذا قارناه بأمريكا، فيكون هو الأفضل؛ فأمريكا لديها بعض أسباب القوة،لكن لم يجتمع لأحد من كل شيء سبباً، فهي قوة لم تحدث من قبل! يقول سفيان الثوري:" لم يجتمع لبشر مَلَكَ الأرض إلا لمؤمنين: سُليمان وذي القرنين"، والآية تقول: "... وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً "، فالله تعالى أعطاه الأسباب ولا توجدخوارق، فهو ليس نبي ولا مَلِك، فالله تعالى أعطاه مفاتيح العلوم، والحضارة،والنجاح، وهو لديه حب اكتشاف المجهول، وتَربى على حب الخير والعطاء لكل البشر بصرفالنظر عن جنسياتهم أو أديانهم، وهو مشابه لإبراهيم عليه السلام ويوسف عليه السلام،ومن أشباه الفاتحين في الإسلام: خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص وغيرهم، ومن أشباهالمستكشفين: كولومبس، وتاسكو داجاما، و من أشباه زعماء العالم الذين طافوا الأرضكالإسكندر لكنه تفوق عليه بشدة. هو شخصية عالمية، فذة، مؤمنة، مُصلحة. فلماذا يحكيلنا الله قصته في القرآن؟ فهذا هو قرآننا والله آتانا من أسباب الإصلاحوالنهضة.
ذو القرنين والطموح:
ملحوظة عجيبة: لماذا ذكره القرآن باسم ذوالقرنين؟ ألأنه بلغ قرنيِّ الشمس! أم لأنه ملك قرني الحضارة! وهو المعنى الأعمق،والحضارة إما مادية أو روحانية، وعادةً الذي يجمع بين الاثنين يكون قليلاً جداً،فالغرب يمتلك حضارة مادية عظيمة لكنه يفتقر للروحانيات، أما ذو القرنين فقد ملك قرنالعلم، وبتوجيهه العلم للإصلاح فقد ملك قرن الإيمان. "إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِيالْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً ". أنه مُكِن من كل الأرض،بالأسباب وليس بالتواكل، بل بالعمل، والهندسة، والجغرافيا، والطب، والتاريخ،والعلوم، واللغات، والمعمار والآلات الحربية، فعندما يجوب العالم سيحتاج لكل تلكالعلوم، فكفانا تواكل! ونحن ندعو كل رمضان أن ينصرنا الله ومع ذلك حالنا كما هو،لأنه دعاء بدون عمل، وفي سورة آل عمران صفحة كاملة دعاء: "رَّبَّنَا إِنَّنَاسَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّارَبَّنَا ... " (آل عمران 193)، ثم الرد على الفور "فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْأَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم ... "، ولم يقل دعوة داعٍ، وذو القرنينلم يكتفِ بأخذ الأسباب كلها، بل في الآية: "فَأَتْبَعَ سَبَباً " (الكهف85)، وجهشعبه وشباب الأُمة لمزيد من العلم، فعلم الله لا ينفذ وقد أعطاه مفاتيحه، وهذا طموحغير عادي.
فإذا أعطى الله أحد الشباب موهبة ما، تجده يحمد الله عليها ثميتوقف على ذلك، ويستخدمها عدة سنوات ثم يقف، مثل لاعب الكرة الذي يوقف طموحه ولاينطلق للعالمية لكي نرى أفضل لاعب مسلم على مستوى العالم، ومثل صاحب شركة محليةينجح بشدة ولا يصل بها إلى العالمية مثل الغرب لأن طموحه توقف، ومثل كاتب القصةالذي يصبح أفضل كاتب في الوطن العربي ولا ينطلق للعالمية لأنه لا يُطور مننفسه.
نشأة ذو القرنين :
الله تعالى جعل السماء عالية ليصبح طموحك بلانهاية، فتخيل إن كانت فوق رأسك مباشرة! أما ذو القرنين فهو يعمل بطموحه ليل نهار،والسؤال هو كيف أصبح هكذا؟ الجواب يتلخص في ثلاث نقاط:
1. ذو القرنين نتاج أُمةفمن غير الممكن أن يكون هكذا وحده، لكي لا نظلم أنفسنا، أو أظلم الشباب بأن أجبرهمعلى أن يكونوا ذا القرنين، فذو القرنين عمل تراكمي، من الممكن جداً أن يكون 300 سنةعمل من جيل لجيل، يبدأ بالتعليم مثل قصة موسى والخضر، ثم أُمة لها رسالة، ثم عزم،ثم قوة، ثم علم، ثم ينتج ذو القرنين، فذو القرنين ليس نتاج نفسه بل نتاج أُمة، مثلصلاح الدين الذي ليس نتاج نفسه، فأولاً خرج الإمام أبي حامد الغزالي، وقدم كتابإحياء علوم الدين، ليُفهَمَ الدين بشكل يناسب زمانهم، وبدأ ينشئ مدارس تَخَرج منهانور الدين محمود، وأسد الدين شيركوه، ثم خرج صلاح الدين، فإذ هم ثلاث أجيالٍ. فلننظلم الشباب ولكن على الأقل لابد من وضع بذور ينتج منها ذو القرنين، ولماذا يحكيالله تعالى لنا هذه القصة؟ أين الأُمة التي تُخرج ذو القرنين؟
2. ذو القرنينبدايته حلم، وأنا متأكد أن قصة مشرق الشمس ومغربها بدايتها حلم زُرع به منذ الطفولةمن والديه أو منه، ويتفكر ويرى الشمس والغروب وحب الاستكشاف وهي الصفة التي يفتقدهاشباب المسلمين اليوم، والمجهول لايزال كثير في العالم، المجهول في أعماق البحار،وآفاق السماء، وفي الكائنات الحية، وفي جسم الإنسان، وفي قاع الأرض من معادنوبترول. لذا فالمجهول لازال كثيراً ويبحث عن من يكتشفه، شباب الغرب مازال لديهم حبالاستكشاف، ومازال شباب المسلمين لديهم خجل وتوقف من اقتحام المجهول، فهل هذا بسببطريقة التعليم؟ أم قلة الثقة بالنفس؟ أم قلة الطموح؟ وذو القرنين حلمه الأرض كلها،والله تعالى لم يصف لنا الأماكن التي وصل لها جغرافياً، لكن أخبرنا أنه وصل لآخرالأرض غرباً وأخر الأرض شرقاً، وهكذا كان طموحه، فلم يُحَجمه بأماكن، فلماذا لاتحلم أنت؟ هل تخاف أن تدفع! أم تخاف أن تحلم! لا تكن ضعيفاً وتقول أنا أقلُ منالحلم، احلم فعلى الأقل من سيحلم يمكنه تنفيذ حلمه، فالذي لا يملك أن يحلم، سيقومغيره بهذا الدور بل سيضعه جزء من حلمه، والبلد التي لا تملك حلم، ستصبح جزء منأحلام بلاد أخرى، وذو القرنين كان حلمه استكشاف الأرض ولا تستهينوا بكلمةحلم.
3. ذو القرنين لديه منظومة قيم وأخلاقيات، إذا لم تكن عنده كان منالمستحيل أن يُمَكَن هذا التمكين وكان قد أفسد في الأرض فساداً شديد، ورصيد قيم ذوالقرنين كان: قيمة العمل، قيمة العلم، قيمة الأيدي النظيفة؛ فلم تمتد يده إلى خيراتالشعوب، قيمة الطموح، قيمة العطاء وحب الخير وإسعاد الآخرين، قيمة الإتقان التيتظهر عند بناء السد، قيمة العدل وكراهية الظلم والسلبية، هل يمكنك أن تُحضِر الآنورقةً وقلمًا وتكتب قيمك أنت، من أين تأتي القيم؟ من الأب والأم والدين، وهذه دعوةللآباء والأمهات، فحكاية قبل النوم هامة جداً خاصة إذا كانت مذاب فيها مجموعة قيم،ومثلما تشتري لهم الملابس وتزيد من رصيدك في البنك لكي تتركها لهم، فأهم من هذاوذاك أن تترك لهم قيماً، فهدايا القيم أغلى بكثير من هدايا المال، وإذا مت ولديهمقيم وليس لديهم مال؛ سينجحون، أما إذا مت ولديهم مال بدون قيم؛ فلن يحققوا شيئاً. أولادكم يحتاجونكم فأعطوهم وقتاً، فالأب والأم ليسوا شئوناً إدارية، يملون أوامركالأكل، والنوم، والنظافة، والمذاكرة، بل الأب والأم مخزون قيم يدخر للأولاد عنطريق القدوة، والمواقف، والتربية، والمعاشرة، والكلام، والحب وليس العنف، ولذلك ذوالقرنين كان مؤهل للتمكين بسبب ما يملكه من رصيد للقيم.
التوكل والأخذبالأسباب:
ولقد نزلت في ذي القرنين أكثر من عشرين آية، ألهذا القدر يحبه اللهتعالى! وقد سمع الصحابة هذه الآيات في مكة، ففعلوا ما فعل ذو القرنين في 25 عاماً،جيلُ وراء جيل، وحتى بعد موت النبي_ صلى الله عليه وسلم_، لم تكن حدثت بعد، فكانوالا يزالون في الجزيرة العربية، لكن يبدوا أنهم حين سمعوا سورة الكهف وقد أمرنا اللهتعالى بقراءتها كل يوم جمعة، حدث شيء ما في تفكيرهم.
فلماذا نصوم رمضان؟ألكي نعود للمعاصي أول يوم للعيد؟ أم أنه مخزون طاقة لكي نقوم بنهضة ونُصلحَونُعلمَ، فالصحابة وهم مستضعفون في مكة- كأني أرى أعينهم تلمع وهم يقرأون قصة ذوالقرنين كل يوم جمعة! والفكرة وصلتهم بما فيها من قيم، بالإضافة لمجئ هذه القصة بعدقصة الخضر مباشرةً، فالخضر كان يتكلم عن الغيب والروحانيات، فكان لابد من التوازنباتباع الأسباب في قصة ذو القرنين، فلو كان الكلام توقف عند الخضر لكان الجميعينتظر أفعال الله فيه بدون فعل منه. وقد تحدثنا كثيراً عن الرضا عن الله وأفعاله. أما ذو القرنين فقد قام بثلاث رحلات في كل منها كلمة قبلها "فَأَتْبَعَ سَبَباً" فليس متواكل، فالتوكل هو أن تأخذ بالأسباب وتقوم بكل شيء ثم تقول يا رب!
قرر ذو القرنين قراراً عظيم، فلديه إمكانيات وبداخله طموح وحب لاكتشافالمجهول، لذا قرر أن يأخذ أمته ويذهب بها للطواف بالأرض في ثلاث رحلات من غربهالشرقها لشمالها، وأثناء مروره يساعد البشرية ويُصلح في الأرض، فقد استكمل قوتهكأُمة فلمَ لا يفيض بالخير على الآخرين! ولا ينهب شيء من ثروات الشعوب بل يعطي هو،وقد أعطاه الله كثيراً حتى أصبح قوة عالمية، فكيف توظف لخير الآخرين، إذاً ففكرةالعولمة ليست جديدة بل بدأها ذو القرنين وهي عولمة الحق والخير، وأيهما أسعدللبشرية؟ عولمة التكنولوجيا أم عولمة الحق والخير؟ ففكرة ذو القرنين هي أنني أنجحوينجح معي الآخرين، وليس من الضروري لكي أنجح أن يفشل الآخرين! ونموذج ذو القرنينهو نموذج عالمي وليس مُهدى فقط للمسلمين، بل مهدى لكل القوى في العالم في كل زمانومكان، فالقرآن عالمي فلا تغلقوه علينا كمسلمين، وذلك ما قلته في كل القصص مثلقابيل وهابيل ومريم، وأن كلها قصص عالمية.
فالقوى العالمية تحتاج أن تَدرُسَذا القرنين، ورجال السياسة يحتاجون أن يدرسوا ذا القرنين، وذو القرنين كان عظيم فيقراره لأن لديه شباب وإمكانيات وعلوم. إذا لم تتحرك ماذا يحدث؟ وإذا كان العالمالعربي خالٍ من مشروع قومي للشباب فماذا يحدث؟ مخدرات، وتطرف، وإرهاب. فذو القرنينوجه أمته للحركة، وأنا أقول للشباب إذا لم يوجد ذو القرنين ولم يوجد مشروع قوميلبلدك فتحرك أنت، وإلا فلن تخرج الطاقة التي بداخلك، ولهذا تجد شباب يُصبح متدين ثميعود كما كان، وتجد شباب يتعاطون المخدرات ويجلسون مع أصحاب السوء، فابحث عن مشروعتقوم به، أو أسرة تنقذها، اصنع حياة إنسان، أو أسرة، انزل لقرية من القرى، علِّمالناس.
ذو القرنين قام بثلاث رحلات، أخذ الأرض عرضاً... ملايين الكيلومترات! أول رحلة لإقامة العدل التي هي أول النهضة، والرحلة الثانية هي رحلة تنمويةاقتصادية، والرحلة الثالثة هي مواجهة الأعداء الخارجيين المهاجمين لبلادنا، وسنشاهدخمس أُمم من الموجودين في الأرض، وستجد أنها مثل ما نراه اليوم، لأنها مثل الصور أوالمرايا التي نرى فيها أنفسنا اليوم، وسنأتي في النهاية للسؤال: يا ترى نحن أي أُمةمنهم؟
وتقبلوا مني فائق التقدير والاحترام
الموضوع مقتبس
لا تنسوا الدعاء من فضلكم