تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مدخل إلى علم القانون


E.SAKR
2011-08-11, 10:22
المــدخل إلى عــلم القانـون

تمـــــهيــد
- Iتعريف بكلمة القانون :

يجب قبل التطرق إلى فكرة المدخل إلى علم القانون، التعرف على كلمة القانون و على القانون نفسه.
اشتقاقيا فكلمة '' قانـون '' هي اقتباس من اليونانية حيث كلمة '' Kanon ''
تعني
'' العصا المستقيمة '' و يعبرون بها مجازيا عن القاعدة ( ''Regula'':la
Règle) ، و منها إلى فكرة الخط المستقيم التي هو عكس الخط المنحني
أوالمنحرف أو المنكسر، و هذا تعبير إستعاري للدلالة على الأفكار التالية
:الاستقامة (la Rectitude) و الصراحة ( la Franchise) و النزاهة (
laLoyauté) في العلاقات الإنسانية .
و يستخلص من هذا أن كلمة ''
قانـون'' تستعمل كمعيار لقياس انحراف الأشخاصعن الطريق المستقيم أي عن
الطريق التي سطره لهم القانون لكي يتبعوه فيمعاملاتهم. ولكن، لا يستخلص من
هذه المعاني إلى فكرة تقريبية عن القانون،فيجب إذا تفحص استعمال كلمة
القانون التي لها عدة معاني.


II ـ تعدد معاني كلمة '' قانـون''

يقصد بكلمة '' قانــون '' تارة معنى واسع و تارة معنى ضيق.
*ـ بمعنى واسع جدا، يقصد بكلمة '' قانون '' ، القانون الوضعي ( Droit Positif)،
وهو
مجموعة القواعد القانونية السارية المفعول في زمن معين وفي مكان محدد(
دولة ) . (به بالخصوص القانون الداخلي للدولة ( أو القانون الوطني )والتي
هو يكون النظام القانوني ( Ordre Juridique) الوطني ككل.
مثلا: القانون المدني + القانون التجاري + قانون العقوبات + القانون الدستوري ....... و غيرها من القوانين السائدة في الدولة.

ملاحظة: خاصة بكلمة '' التشريع '' التي يقصد به عدة معان:
ـ مجموعة القواعد القانونية التي يصادق عليها المجلس الشعبي الوطني .
ـ مجموعة قوانين دولة أو منطقة(O.U.AF . Ligue arabe. C.E.Européenne.
ـ
مجموعة القوانين المتعلقة بفرع من فروع القانون، و التي تنظم ميدان واحدمن
ميادين الحياة الاجتماعية ( مثلا: التشريع الجنائي (أو الجزائي
أوالإجرامي) : قانون العقوبات + قانون الإجراءات الجزائية + قانون
إصلاحالسجون + كل القواعد القمعية المتواجدة في قوانين أخرى ( قانون العمل
-قانون الإعلام - التشريع الأسعار ....).
*ـ كما تستعمل كلمة '' قانـون '' للدلالة على مجموعة نصوص قانونية ( قانون : Loi - أمر: Ordonnance - مرسومécret - قرار: (Arrêté جمعت بصفة متناسقة و منظمة بحيث تخص فرعا معين من التشريع و يطلق عليها البعض إسم '' مـدونة'' ( Code )
مثلا: القانون المدني (Code Civil ) ، قانون الإجراءات المدنية (Code de Procédure Civil) ، قانون العقوبات (Code Pénal ) ...
وعادة
ما يقسم هذه المجموعة القانونية (Code) إلى مواد (Articles)مرتبة (ترقيم
)، التي هي بدورها قد تنقسم ( أي المادة ) إلى فقرتين أو أكثر.
هذه
أفكار عامة عن مدلول كلمة '' قانون '' التي يجب أن نتطرق إلى أهدافهفي
المجتمع السياسي المنظم (الدولة) فأحد أهداف الدولة هو المحافظة علىحقوق
الأفراد المتعلقة بحماية أرواحهم و أعراضهم و أموالهم.
و هذا يقودنا
إلى القول بأنه من وظائف الدولة هناك وظيفة المحافظة علىالنظام الاجتماعي.
و بما أنه لا يجد نظام اجتماعي تلقائي ( عـفوي)، و بماأن حالة الفوضى لا
تكون إلا حكم الأقوى ، فللقانون وظيفة عامة التي هيتكريس و ضمان النظام
الاجتماعي.
غير أن هذا النظام الاجتماعي لا يكون الهدف النهائي
للمجتمعات ، حيث يهدفالمجتمع إلى غايات أدبية أو اجتماعية سواء كانت فردية
أو جماعية، و هذهالغايات متعددة و أحيانا متناقظة، فيلجأ القانون إلى
اختيار البعض و تكريسكل غاية بقواعد قانونية.
مثلا:
ـ غايات أدبية : حسن السيرة و الأخلاق - العدالة ......
ـ
غايات مادية : إدارات - مصالح عمومية : جيش ـ تربية ـ و التعليم ـ
الصحة.... و تشجيع بعض الأنشطة الاقتصادية و تحديد البعض الآخر....
و
نستخلص من هذه المعطيات بأن للفرد حقوق يحميها القانون و مقابل ذلك
عليهواجبات هو ملزم باحترامها، و من هنا تبرز فكرتا الحق و القانون.
*
فالحق مزية أو قدرة يقرها القانون و يحميها لشخص معين على شخص آخر (طبيعي
أو معنوي ) أو على شيء معين ( مادي أو أدبي: مثلا: حق الملكية ـ
حقالانتخاب Droits Subjectifs ) .
*
أما القانون فهو بصفة عامة مجموعة القواعد القانونية الملزمة التي
تحكمسلوك الأفراد و علاقاتهم في المجتمع ، و تتضمن أحكاما موضوعية تبين
الحقوقو الواجبات المختلفة في مجتمع ما و التي تسهر على احترامها
السلطةالعمومية (Droit Objectif).







III ـ تقسيمات القانون :

ـ دولي و داخلي :

يقسم القانون إلى قانون دولي (Droit International) و إلى قانون داخلي(أو وطني) .
أما القانون الدولي فهو ينظم العلاقات التي يدخل فيها عنصر أجنبي، و بدوره ينقسم إلى قانون دولي عام و قانون دولي خاص.
*
فالقانون الدولي العام هو مجموعة القواعد القانونية المتعلقة
بأشخاصالمجتمع الدولي ( دولة ـ منظمات دولية ) و هي كذلك مجموعة
المعاييرالقانونية التي تنظم العلاقات الدولية.
و القانون الدولي الخاص
هو فرع من فروع القانون الخاص ( الداخلي) يسيرالعلاقات القانونية بين
الأشخاص المختلف الجنسية، و يحكمه مفهومي الجنسيةوتنازع القوانين من حيث
المكان ( م.9 إلى 24 قانون مدني(..

ـ عام و خاص :
تقسيم القانون يرجع إلى زمن بعيد حيث كان معروفا لدى الرومان الذين قسموا القانون إلى عام و خاص.
إن
معيار التفرقة لديهم كان مناطه أن كل ما يتعلق بتنظيم الشيء العمومي
وتحقيق المصلحة العامة للمجتمع يعتبر من قبيل القانون العام، أما
القواعدالتي تتعلق بتنظيم معاملات الأفراد و مصالحهم فهي من قبيل القانون
الخاص.
و لكن إلى يومنا هذا لازال الجدل قائم حول معيار تقسيم القانون إلى عام وخاص (1)غير أن معظم الفقهاء متفق على هذا التقسيم.
و
مع ذلك فأحيانا تكون قواعد القانون منظمة لعلاقات بين الأفراد
والدولةباعتبارها شخصا معنويا يسعى لتحقيق مصلحة خاصة كفرد عادي.وهنا تكون
(مثلا: بيع أملاك الدولة ـ تأجير عقاراتها ...)، ففي هذه الحالات لا
تمارسالدولة سلطانها لتحقيق مصلحة عامة، بل تتعامل مع الأفراد لتحقيق
مصلحةخاصة.
* و نستخلص من هذا أن القانون العام هو مجموعة القواعد التي
تنظمالعلاقات، أي كان نوعها، كلما كانت الدولة طرفا فيها باعتبارها صاحبة
سلطةو سيادة.
* أما القانون الخاص، فهو مجموعة القواعد التي تنظم
العلاقات أيا كاننوعها فيما بين الأفراد أو فيما بين الأفراد و الدولة
باعتبارها شخصامعنويا لا يمارس سيادة و لا سلطة.




القانون الدستوري: و هو القانون الأساسي للدولة و يتكون من مجموعةالقواعد
القانونية ( الدستور) التي تنظم نظام الحكم في الدولة و تبينالسلطات
العامة فيها ( تشريعية ـ تنفيذية ـ قضائية ) و ممارسة السلطةالسياسية.

*ـ القانون الإداري:.

*ـ القانون المالي: و هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم
الماليةالعامة للدولة وتدير ميزانيتها السنوية حيث تحدد فيها مسبقا في
بدايةالعام، مصادر إيرادات الخزينة العامة( ضرائب ـ رسوم ـ تصدير ثرواتها
...)و على جانب آخر تبين مصروفاتها .

*ـ القانون العقوبات: و هو مجموعة القواعد القانونية التي تستهدف معاقبة الجرائم.

*ـ قانون الإجراءات الجزائية (أو الجنائية ): وهو مجموعة القواعدالقانونية
التي يجب إتباعها من أجل القيام بإثبات الجرائم والبحث عنمرتكبيها،
والمتابعات والملاحقات القضائية، والتحقيق في القضايا والحكمفيها.
ـ أما القانون الخاص الداخلي فهو يحتوي على عدة فروع و أهمهم:


القانون المدني: الذي هو يمثل القانون العام إذ غالبا ما استمدت منهفروع
القانون الأخرى مفاهيم أو قواعد عامة التي تحكم العلاقات الخاصة فيمابين
الأفراد ما لم يحكمها نص قانوني في فرع آخر من فروع القانون الخاصتأسيسا
على قاعدة '' الخاص يقيد العام'' ( مثلا: القانون التجاري ـ قانونالعمل.(
أما
قواعد القانون المدني نفسه، فهي تعالج تنظيم الحقوق الخاصة التي يمكنأن
يباشرها الأفراد في علاقاتهم فيما بينهم (حالة وأهلية الأشخاص،
الذمةالمالية، العقود...).

*ـ القانون التجاري: و هو يحتوي على
جميع القواعد القانونية المتعلقةبالتصرفات التجارية، التجارة، المحلات
التجارية، الإجراءات التسويةالقضائية، الشركات التجارية ...

*ـ القانون البحري: و هو مجموعة القواعد القانونية المتعلقة بالملاحة البحرية بما فيها نقل المسافرين و البضائع بحرا.


القانون الجوي: و هو مجموعة القواعد القانونية التي تحكم العلاقاتالناشئة
عن النشاط الإنساني في الغلاف الجوي، حيث تكون أداته الرئيسية هيالطائرة و
خاصة الطيران التجاري...


* القانون الدولي الخاص:

*
قانون العمل: و هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات
بينالمستخدمين والمستخدمين، كما يسير علاقات العمل بما فيها صلة
هؤلاءببعضهم، و الأجور.

* قانون الإجراءات المدنية: وهو مجموعة
القواعد القانونية التي من شأنهاأن تنظم سير الدعاوي المدنية أو التجارية
من البداية إلى النهاية (التحقيق في القضية، إجراء الخبرات، البحوث،
الطلبات العارضة، طرق الطعنالعادية و غير العادية ...).

IV المدخل إلى علم القانون :
من المعروف أن المدخل إلى أي علممن العلوم يقصد به تعريف هذا العلم و بيان
الخصائص التي يتميز بها عن غيرهمن العلوم الأخرى، مع تقديم المبادىء
الأساسية فيه و شرح الأفكار الرئيسيةو بعرض القواعد العامة التي يقوم
عليها، و بتعبير آخر نقول أن المدخل أيعلم هو هيكلة الخطوط العريضة لذلك
العلم لتكون بمثابة الأساس المتينالمترابط الذي يسهل للدارس أن يستوعب
تفاصيل ذلك العلم عند الدخول إلىفروعه وتقسيماته المتعددة، وفهم النظريات
المختلفة التي تحكم تلك التفصيلات.
ومن هذا المنطلق نقول أن المدخل إلى
علم القانون هو دراسة تمهيدية وشرحللمبادئ العامة المشتركة في العلوم
القانونية. وهذا يعني ابتداء أن المدخلإلى علم القانون ليس مرتبطا بفرع
معين من فروع القانون التي تنتظم جميعهافي إطار عام هو النظام القانوني
للدولة، لأنه يرتبط بكل فروع النظامالقانوني، فهو يمهد للفروع القانونية
جميعها.
ولكن مع التسليم بصحة هذا الرأي، فقد جرى العمل على أن دراسة
المدخل إلىعلم القانون تلحق بالقانون المدني، و ذلك تأسيسا على أن القانون
المدني هوالقانون العام حيث أختص بنصيب الأسد فيما يتعلق بالنص على أغلب
المبادىء والقواعد العامة التي تدخل الدراسة التمهيدية للقانون.
ونستخلص
من هذا إلى القول بأن النظام القانوني في أي دولة بما يشمله من القانون
العام والقانون الخاص بفروعهما، يقوم على أسس و مبادئ و نظرياتعامة،
تستخدم فيها تعبيرات ومصطلحات قانونية مشتركة، لها مدلولات ثابتة لاتتغير،
وهي موضوع الدراسة دائما في المدخل إلى العلوم القانونية، وهي التي تتضمنها
بوجه عام النظريتان الآسيتان وهما النظرية العامة في القانونوالنظرية
العامة في الحق، ولهذا ستكون هتان النظريتان هما موضوع هذهالدراسة.




الــقـسـم الأول

الـنظريــة العـامة للـقانـون

الفــــصل الأول
خـصائـص و أهـداف القـاعـدة القـانـونية
المبحث الأول: خصائص القاعدة القانونية
في
تعريف القانون تبين لنا بأن القواعد القانونية تنظم العلاقات التي قدتكون
بين فرد وآخر وقد تكون بين الدولة والأفراد وهذا في مجال من مجالاتالحيات
الاجتماعية أي تنظيم نشاط معين لجماعة أو لفرد كما أنها تنظم سلوكالأشخاص
في حياتهم اليومية.
ونستخلص من هذا أن القاعدة القانونية هي قاعدة
للسلوك الاجتماعي والتيتضمن السلطة العمومية احترامها وتنفيذها من جميع
المخاطبين بها حيث هذاالالتزام يتجسد في الجزاء الذي يحدده القانون لمن
يمتنع عن تنفيذ تلكالقاعدة أو يخالفها وهذا الإلزام هو العنصر الذي يميز
القاعدة القانونيةعن غيرها من القواعد(الأخلاقية ـ تهذيبية ـ الشرف ).
وبما أن القاعدةالقانونية لا تخاطب شخصا محددا بذاته فهي عامة ومجردة ،
وبما أنها معمولابها مدى حياتها وكل ما توفرت شروطها فهي دائمة.



المطلب الأول : القاعدة القانونية عامة و مجردة.
تعتبرالقاعدة القانونية الخلية الأساسية في القانون وما هي إلا خطاب
صاغهالمشرع بتعابير مجردة، حيث أنها لا تخص شخصا معينا أو طائفة
محددةبذاتهما، بل يجب أن تكون قابلة للتطبيق على كل من تتوفر فيه شروط
تطبيقهاأي أن تكون مطردة التطبيق في كل وقت على كل شخص مستوف لشروطها.
وعموميةالقاعدة القانونية هي ضمانُُ ضد كل تمييز بين الأشخاص.
مثلا:
تنص المادة 350 من قانون العقوبات على أن '' كل من اختلس شيئا غيرمملوك له
يعد سارقا ويعاقب '' و عبارة '' كل من '' يقصد بها '' أي شخص ''أو '' أي
كان هذا الشخص ''. إذا فأي شخص قام باختلاس شيء مملوك للغير، أيأنه قد قام
بتحويل شيء من حيازة الحائز الشرعي له إلى حيازته، ( أي الجاني) يعد سارقا
و تسلط عليه العقوبة المقررة لهذا الفعل ( السرقة )، إذاأصحبه عدم رضى
الضحية.
فالقاعدة القانونية وضعت دون التنبؤ بمن سيكون هذا السارق،
ولكن حددت شروطالسرقة وعندما تتوفر هذه الشروط في فعل فيعد مرتكبه سارقا و
يعاقب.
و بعبارة أخرى فالقاعدة القانونية وضعت مجردة من تحديد شخص بذاته أي دون التبوء مسبقا بمن تنطبق عليه.

المطلب الثاني : القاعدة القانونية ملزمة.

الإلزاميعني أن القاعدة القانونية واجبة الاحترام والتنفيذ من جميع
المخاطبينبها. فهي قد تفرض الالتزامات متعددة وعلى المعنيين بالأمر
بتنفيذها إذاكانت القاعدة القانونية آمرة. ولكن إذا كانت القاعدة
القانونية مكملةفيحوز للأشخاص الاتفاق على عكس ما قررته.
إذا، فالقاعدة
القانونية الآمرة فهي ملزمة ووجه الإلزام هنا يتجسد فيالجزاء الذي يحدده
القانون لمن يمتنع عن تنفيذ تلك القاعدة أو يخالفها.والمقصود بالجزاء هو
العقاب أو الإجبار على الالتزام والاحترام عن طريقاستعمال القوة العمومية
( درك الوطني وشرطة ) والعدالة.
والإلزام هو ما يميز القاعدة القانونية
عن قواعد الأخلاق والدين، وتبرزخاصية الإلزام في الجزاء الذي يوقع على من
يخالف تلك القاعدة القانونية،والجزاءات القانونية متعددة وأهمها، هي:
أولا: الجزاء الجنائي : هو العقوبات وتدبير الأمن.
أما
العقوبات الجنائية التي تلحق بمرتكبي الجرائم المنصوص عليها في
قانونالعقوبات هي: الإعدام، والسجن المؤبد، السجن المؤقت، الحبس والغرامة.
أما تدبيرا لأمن الشخصية فمثل المنع من ممارسة مهنة أو نشاط أو فن، وتدبير الأمن العينية مثل مصادرة الأموال وإغلاق المؤسسات.

ثانيا : الجزاءات المدنية : وهي البطلان أي إبطال التصرف المخالف للقواعد الملزمة
)أو العقد )، والتعويض على الضرر ( مادي ـ جسدي ـ معنوي.(
ثالثا
: الجزاءات الإدارية : التي تتمثل في إلغاء القرارات الإدارية التييشوبها
عيب قانوني، وتوقيع الإجراءات التأديبية على الموظفين الذينيخالفون
القواعد القانونية، والمنع من ممارسة مهنة أو نشاط، وإغلاقالمحلات
التجارية ...
المطلب الثالث : استمرار القاعدة القانونية.
للقاعدة
القانونية بداية ( نشرها رسميا في الجريدة الرسمية ) ونهاية (إلغائها
رسميا عن طريق الجريدة الرسمية ) ولا يمكن أن تبقى سارية المفعولإلى
الأبد. وما يقصد باستمرار القاعدة القانونية هو تطبيقها المستمر
أثناءوجودها كلما توفرت شروط تطبيقها.

مثلا: قواعد قانون المرور تطبيقها يومي،أما قواعد قانون انتخاب رئيس الجمهورية لا يكون إلا كل خمسة سنوات
في الحالة العادية.
المبحث الثاني : التمييز بين القواعد القانونية وغيرها.

لقد تكلمنا في البدايات عن أهداف القواعد القانونية، لكن توجد قواعدأخرى
تتعلق أيضا بالسلوك الاجتماعي وتشتبه بقواعد القانون مثل قواعد
الدينوقواعد المجاملات وقواعد الأخلاق.

المطلب الأول : قــواعــد الدين.

في الديانات السماوية يرتبط الإنسان المؤمن بربه بعلاقات روحية وينتظم
الدين عادة فيقواعد من نوعين : الأولى قواعد العبادات والثانية قواعد
المعاملات.

أولا : قــواعد العبادات.
تتعلق بعلاقات الفرد
نفسه بخالقهمباشرة وتتمثل في الشهادة، والصلات، والزكاة، والحج والصوم.
وهذا النوع منالقواعد لا تتدخل فيه قواعد القانون عن قرب وإن كانت تلمسه
عن بعد، ومثلذلك ما ينص عليه الدستور بقوله: '' الإسلام دين الدولة ''.و''
لا مساسبحرية المعتقد ولا بحرية الرأي '' ، وغير ذلك من نصوص قانون
العقوبات التيتحمي إقامة الشعائر الدينية.
ونستخلص من ذلك أن هذا النوع
من قواعد العبادات يعتبر مجالا شخصيا للفردبينه وبين خالقه ولا دخل
للقانون فيه، إلا بقدر ضئيل لتقريره أو لحمايةالحرية الدينية للأفراد.
ولكن لا شك أن هذه القواعد الدينية تعتبر قواعدسماوية ملزمة ويترتب على
مخالفتها جزاء إلا هي ينفد في الآخرة بعد الممات.

ثــانيا : قــواعـد المعاملات
وهي تتعلق بعلاقة الفرد بغيرهمن الأفراد، وتختلف الديانات السماوية في هذا
الشأن أي في احتوائها علىتلك القواعد في الدين الإسلامي قد عنى بقواعد
العبادات وقواعد المعاملاتمعا وأهتم بالعلاقات ذات الصبغة المالية كالبيع
والإيجار والرهن وغير ذلك،فنظم أمور الدين والدنيا معا.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل تتطابق قواعد القانون والقواعد الدينية في تنظيم المعاملات ؟
في
الواقع فإن المشرع عادة يضع تلك القواعد الدينية في اعتباره، ويطبقهابقدر
الإمكان، والدليل على ذلك هو أن المشرع نص في المادة الأولى منالقانون
المدني على ما يأتي: '' وإذا لم يوجد نص تشريعي، حكم القاضيبمقتضى مبادئ
الشريعة الإسلامية '' وهو الشأن بخصوص قانون الأسرة ( الزواجـ الطلاق ـ
النيابة الشرعية ـ الكفالة ـ الميراث ـ الوصية ـ الهبة ـ الوقف...).
ولكن
مجال المعاملات القانونية في عهدنا، مع تشعب نواحي النشاط الاجتماعي،يتسع
كثيرا عن مجال المعاملات الدينية الأمر الذي معه تتزايد باستمرارمجالات
المعاملات القانونية وقواعدها.
المطلب الثاني : قواعد الأخلاق والمجاملات والتقليد

أولا : قـــواعــد الأخلاق
وهي قواعد سلوكية اجتماعية يحددهاالمجتمع وقد تتأثر الأخلاق بالدين
وبالتقليد وبالمجاملات إلى حد كبير.وأحيانا قد تلتقي القواعد الأخلاقية
بالقواعد القانونية، ومثل ذلك معاونةالغير في الدفاع عن نفسه وماله وهو
جانب أخلاقي بالدرجة الأولى ومع ذلكتبناه المشرع وجعله قاعدة قانونية حيث
أباح الضرب والجرح و القتل في سبيلحماية النفس، الغير و المال وذلك في
المادة 39 الفقرة الثانية من قانونالعقوبات، ونصها هو:
'' لا جريمة :
-
إذا كان الفعل قد دفعت إليه الضرورة الحالة للدفاع المشروع عن النفس أوعن
الغير أو عن مال مملوك للشخص أو للغير، بشرط أن يكون الدفاع متناسبا
معجسامة الاعتداء.''
في موضوع آخر يوجب المشرع إغاثة الأشخاص
ومساعدتهم إن أمكن ذلك : تنصالمادة 182 فقرة 2 على ما يلي: '' ويعاقب ...
كل من امتنع عمدا عن تقديممساعدة إلى شخص في حالة خطر كان إمكانه تقديمها
إليه بعمل مباشر منه أوبطلب الإغاثة له وذلك دون أن تكون هناك خطورة عليه
أو على الغير.'' ( أنظرأيضا المادة 451 فقرة 8 من قانون العقوبات...).
أما
فيما يخص المجاملات والتقاليد الفرعية في المجتمع كتبادل التهاني
فيالمناسبات السعيدة، ومبادلات شعور الحزن والتعزية في المناسبات
المؤلمة،وتبادل التحية عند اللقاء، وغير ذلك من العادات المستقرة في ذهن
الجماعة.فهذه القواعد الاجتماعية لم يهتم القانون بها، فمجالها يختلف عن
مجالقواعد القانونية فلا يلتقيان.


المبحث الثالث: تصنيف القواعد القانونية

جري الفقهاء نحو تقسيم القواعد القانونية علميا إلى عدة أنواع، تختلف باختلاف زوايا النظر إليها.
* فمن حيث طبيعتها القانونية، تنقسم إلى نوعين: عـامـة وخـاصـة
* ومن حيث صورتها : مكتوبة وغير مكتوبة
* ومن حيث تنظيمها للحقوق : موضوعية وشكلية
* ومن حيث قوتها الإلزامية: قواعد آمرة أو ناهية، وقواعد مفسرة أو مكملة.

المطلب الأول : القواعد العامة والقواعد الخاصة

القـواعد العــامة :
وهي التي يتضمنها عادة القانون العامبفروعه، أما القواعد الخاصة فهي التي
يشملها القانون الخاص بفروعه. لقداستعرضنا هذا التقسيم في دراسة الفروع
للقانون.


المطلب الثاني : القواعد المكتوبة وغير المكتوبة
أولا : القـواعـد المكتوبة
إذا
كان مصدر القاعدة القانونية هو التشريع سواء كان هو الدستور أو
قانوناعاديا كالقانون المدني أو القانون الجنائي أو التجاري ... ، أو
أمرا، أومرسوما، أو قرارا، أو لائحة صدرت بناء على قانون، وتعتبر جميعها
من قبيلالقواعد القانونية المكتوبة لأنها تصدر وتنشر بالجريدة الرسمية،
وتعلنللأفراد في صورة مكتوبة، وهي قد صدرت من الهيئة التشريعية.

ثانيا: القــواعــد الغير مكتوبة
إذا نشأت أو تقررت القاعدةالقانونية من غير طريق السلطة التشريعية، أو
السلطة التنفيذية المختصةقانونا بإصدارها، فإن هذه القاعدة تعتبر من
القواعد القانونية غيرالمكتوبة، ومثالها قواعد العرف، وأحكام المحكمة
العليا للقضاء التي هيملزمة للمحاكم وللمجالس القضائية.
أما بالنسبة
للعرف، فإن المادة الأولى من القانون المدني، تنص على ما يلي: '' وإذا لم
يوجد نص تشريعي، حكم القاضي بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية،فإذا لم يوجد
فبمقتضى العرف.'' ( الفقرة 2.)



المطلب الثالث : القواعد الموضوعية والقواعد الشكلية

أولا : القـواعـد الموضوعية
يقصد بالقواعد الموضوعية كل قاعدة تقرر حقا أو تفرض واجبا.
ـ ومثل ذلك ما تنص عليه المادة 351 من القانون المدني :
'' البيع عقد يلتزم بمقتضاه، البائع أن ينقل للمشتري ملكية شيء أو حق آخر في مقابل ثمن نقدي.'' .
فهذه
القاعدة موضوعية لأنها تقرر حقا للمشتري وهو نقل ملكية الشيء إليه،وتفرض
على البائع واجب وهو نقل الملكية للمشتري، وفي نفس الوقت تقرر حقاللبائع
وهو المقابل النقدي أي ثمن الشيء، وتفرض على المشتري واجب دفعالثمن للبائع.
*
ومثل ذلك ما تنص عليه المادة 386 من قانون العقوبات بقولها :'' يعاقب...
كل من انتزع عقارا مملوكا للغير وذلك خلسة أو بطريق التدليس.''
فهذه
قاعدة موضوعية،أيضا، حيث تفرض احترام ملكية الغير، وتسلط عقوبة، هيالحبس
والغرامة كجزاء على من يتعدى على حق الملكية المقرر لصاحب العقار.
ثانيا : القــواعـد الشكلية
فهي
القواعد القانونية التي تبين الوسائل التي يمكن بها اقتضاء الحقالمقرر، أو
تقرير كيفية الالتزام بالقيام بالواجب. ومن أمثلة القواعدالشكلية معظم
قواعد قانون الإجراءات المدنية: وهي التي تنظم كيفية مباشرةالدعوى المدنية
واختصاصات الجهات القضائية المدنية.
ومن أمثلتها أيضا، أغلب قواعد
قانون الإجراءات الجزائية: وهي التي تنظمكيفية مباشرة الدعوى العمومية
واختصاصات الجهات القضائية الجنائية وكيفيةتشكيل المحاكم، وطرق الطعن في
أحكامها.

المطلب الرابع : القواعد الآمرة والقواعد المفسرة
بالنسبة إلى القوة الإلزامية للقاعدة القانونية يمكن تقسيم تلك القواعد إلى قواعد آمرة أو ناهية وقواعد مفسرة أو مكملة.

أولا : القواعد الآمرة والناهية
فهذه القواعد هي التي تتضمنخطابا موجها للأفراد بأداء عمل معين. فإذا كانت
القاعدة القانونية تتضمنأمرا بالقيام بعمل فهي قاعدة آمرة. ومثالها ما نصت
عليه المادة 61 منقانون الحالة المدنية(أمر رقم 20 الصادر في 19 فيفري
1970 ).'' يصرحبالمواليد خلال خمسة أيام من الولادة إلى ضابط الحالة
المدنية للمكان.
وإلا فرضت العقوبة المنصوص عليها في المادة 442 بالفقرة الثالثة من قانون العقوبات ''.
أما
إذا كانت القاعدة القانونية تتضمن نهيا عن أداء عمل معين، فهي قاعدةناهية.
ومثالها نص المادة 387 من قانون العقوبات التي تنهي على إخفاءالأشياء: '‘
كل من أخفى عمدا أشياء مختلسة أو مبددة أو متحصلة من جناية أوجنحة في
مجموعها أو جزء منها يعاقب ... .'' ...
ومن ذلك يتضح أن القواعد الآمرة
والناهية تتميز بأنها لا يجوزالإتفاق علىعكسها، أي لا يملك الأفراد حق
مخالفتها إيجابا أو سلبا، فهي ملزمة فيالحالتين، ووجه الإلزام هو الجزاء (
العقوبة ) المقررة الذي يوقع على كلمن يخالفها في الأمر أو في النهي على
سواء.

ثانيا : القواعد المكملة أو المفسرة
فيقصد بها القواعد
التيتهدف إلى تنظيم مصلحة مشتركة أو مصلحة فردية للأشخاص فقط في الحالات
التييكون هؤلاء الأفراد غير قادرين على تنظيم علاقاتهم بأنفسهم
وبالتاليللأفراد إذا تجاهلوا تلك القاعدة المفسرة ( أو المكملة )، بل يجوز
لهمالاتفاق على عكس ما قررته.
لكن في بعض الحالات تكون هذه القاعدة
ملزمة إذا لم يتفق المتعاقدين علىعكسها حيث يصبح اتفاقهم ناقصا ويحتاج إلى
تطبيق النص المفسر لإرادتهم،ويعتبرون ممن توافرت فيهم شروط تطبيق هذه
القاعدة المكملة لإرادتهم بصفةإلزامية.
ومثال ذلك ما نصت عليه المادة
367 من القانون المدني بقولها : '' يتمالتسليم بوضع المبيع تحت تصرف
المشتري بحيث يتمكن من حيازته و الانتفاع بهبدون عائق و لو لم يتسلمه
ماديا ...''، فهذا النص عبارة عن قاعدة مكملة(أو مفسرة) لإدارة المتعاقدين
) البائع والمشتري ) حينما لم يوجد اتفاق عنتسليم الشيء في مكان معين، أي
أن المتعاقدين لم يعبروا عن إرادتهم بخصوصهذه النقط بذاتها.
أما إذا
كان اتفاق مسبق، فيتم التسليم في المكان الذي اتفق عليهالمتعاقدين وهذا ما
نصت عليه المادة 368 من القانون المدني بقولها: '' إذاوجب تصدير المبيع
إلى المشتري فلا يتم التسليم إلا إذا وصل عليه ...''.
ولكن هذا النص
بدوره، قد يعتبر قاعدة مكملة لإدارة المتعاقدين إذا حصلنزاع بينهم بخصوص
الآونة التي أصبح فيها التسليم فعلي في حالة اتفاق علىتصدير المبيع :
فقد
يعتبر البائع بأن التسليم أصبح فعلي في الوقت الذي غادر فيه الشيءمخزنه،
ولكن تفسير المادة 368 من قانون المدني لهذه النقطة أكد بأنالتسليم يصبح
فعلي عند "وصول " الشيء إلى المشتري، وهذا إلا إذا كان اتفاقعلى عكس ذلك.
بهذا
نختم الفصل الأول الذي تطرقنا فيه إلى خصائص القاعدة القانونية
والتيتميزها عن غيرها من القواعد خاصة وأن مصادر القاعدة القانونية
تختلف،غالبا، عن مصادر القواعد الأخرى.


الفــــصل الثـانــي
مصــادر القــاعـدة القــانـونـية
فيتعريف القانون تبين لنا أنه يتكون من مجموعة قواعد قانونية التي هي
تكون،بدورها ، النظام القانوني للدولة ويعني بذلك القانون الوضعي أي
مجموعةالقواعد القانونية السارية المفعول في الدولة ، أي القواعد التي
تقرهاالدولة .فهذه الفكرة الأخيرة تطرح سؤال : من هو مصدر القاعدة
القانونية ؟ .
فالمصدر، لغة ، يقصد به " الأصل " ، أما مصدر القانون
كلمة لها عدةاستعمالات حسب الهيئة التي تصدر عنها القاعدة القانونية : حيث
أنه تصدرالقاعدة القانونية عن سلطات متعددة ، فهذه السلطات البعض منها يعد
القواعدالقانونية مباشرة ويفرض احترامها، والبعض الآخر يكتف بتطبيق هذه
القواعدوبتفسيرها .
إذ يوجد نوعان أساسيان لمصدر القاعدة القانونية :
مصادر أصلية ومصادر احتياطية أو تفسيرية .
المبحث الأول : المصادر الأصلية للقاعدة القانونية.
يقصد
بالمصادر الأصلية للقاعدة القانونية تلك المصادر الرسمية التي يلتزمبها كل
شخص سواء كان عمومي أو خاص . وبصفة أدق فهذا التشريع هو القانونالمكتوب
الصادر عن السلطة المختصة بإصداره في الدولة .
والتشريع بهذا المفهوم
يقصد به أنواعا ثلاثة على درجات متفاوتة من الأهميةوتفسير ذلك أنه يقصد
بالتشريع كلا من الدستور وهو التشريع الأساسي للدولة، ثم التشريع العادي
وهو القانون الذي يصدر من السلطة التشريعية ( م.و.ش+م.أ. ) ، ثم التشريع
الفرعي أي المراسيم والقرارات واللوائح التي تصدر عنالسلطة التنفيذية بناء
على قوانين تحولها حق إصدارها .

المطلب الأول : الدستور.
الدستور هو التشريع الأساسي أوالتأسيسي للدولة ، فهو قمة التشريعات فيها
ويتميز بخاصيتي الثبات والسموويتضمن القواعد الأساسية والمبادئ العامة
التي تبين شكل الدولة ونظامالحكم فيها ، ويحدد الهيئات والمؤسسات العامة
واختصاصاتها وعلاقاتهاببعضهما ، وينص على حريات الأفراد وحقوقهم في خطوط
رئيسية عريضة ، ومنهتأخذ كافة القوانين الأخرى ، مستوحية مبادئه وأحكامه
التي لا يجوز لأيقانون أن يخالفها .
وأما الثبات يعني أن الدستور لا
يتغير ولا يتعدل إلا في مناسبات قوميةكبرى ولا يحدث ذلك إلا في فترات
زمنية متباعدة ، في حالات التغييراتالجوهرية في شكل الدولة أو هيكلة
مؤسساتها العامة أو تبديل نظام الحكم أوالنظام الاقتصادي فيها .
أما
السمو يعني أنه يعلو على باقي قوانين الدولة ولا يجوز لأي قانون آخرأن
يتضمن نصوصا تخالف المبادئ والقواعد الأساسية التي ينص عليها الدستورعادة
، وإلا اعتبر ذلك القانون المخالف له باطلا أي غير دستوري .

أولا: الدستور الجزائري:
صدر أول دستور جزائري الذي عمل بهفعلا ، بالأمر رقم 76 - 97 في 22 نوفمبر
1976 بناء على موافقة الشعبالجزائري على مشروع الدستور المقترح من طرف
جبهة التحرير الوطني ، بعدالإعلان الرسمي عن النتائج النهائية للاستفتاء
في 19 نوفمبر 1976. ثم عدلهذا الدستور في سنة 1989، ومرة ثانية في نوفمبر
1996 .
ويتكون الدستور الحالي من 182 مادة موزعة على أربعة أبواب وكل منهما مقسم إلى عدة فصول .
الباب الأول : يتضمن النصوص المتعلقة بالمبادئ الأساسية لتنظيم المجتمع الجزائري ويشمل خمسة فصول، وهي:
الفصل الأول : في الجزائر .
الفصل الثاني : في الشعب .
الفصل الثالث : في الدولة .
الفصل الرابع : في الحقوق والحريات .
الفصل الخامس : في الواجبات .
الباب الثاني : في تنظيم السلطات .
الفصل الأول : في السلطة التنفيذية .
الفصل الثاني : في السلطة التشريعية .
الفصل الثالث : في السلطة القضائية .
الباب الثالث : في المراقبة والهيئات الاستشارية .
الفصل الأول : في المراقبة .
الفصل الثاني : في الهيئات الاستشارية
.الباب الرابع : في التعديل الدستوري .

ثانيا : طرق وضع الدساتير.
تختلف الدول في طريقة إصدار دساتيرها، وذلك بحسب ظروف كل دولة وبحسب الطرق
التي أتبعت في إصدارها من الناحيةالشكلية ، وطرق إصدار الدساتير هي خمسة:

أ ـ المنحة : يصدر الدستور في شكل منحة عندما يرى الملك أو السلطانوهو
صاحب السيادة المطلقة في دولة معينة ، أن يتنازل عن بعض سلطاته لأفرادشعبه
أو لبعض الهيئات الشعبية،فيصدر قانونا أساسيا يحد من بعض سلطاتهويمنحها
لرعاياه .
)الدستور المصري في سنة 1923. ملك فؤاد).

ب ـ
التعاقد : يجتمع السلطان مع بعض الأفراد الذين يمثلون الشعبويتفقون فيما
بينهم على أن يتنازل الملك ( أو السلطان ) عن بعض سلطاتهلصالح الشعب .

ج ـ الجمعية التأسيسية : ينتخب الشعب عددا من أفراده فيجتمعون في شكللجنة
أو جمعية أو هيئة ويراد بهم وضع دستور للدولة ، وما تقرره هذهالجمعية يصبح
دستورا واجب النفاذ.

د ـ الاستفتاء : تقوم هيئة أو لجنة سواء إن
كانت تشريعية أم تنفيذية أمسياسية تعينها الحكومة القائمة لتقوم بوضع
النصوص الدستورية في شكل مشروعللدستور ويعرض المشروع على الشعب ليبدي رأيه
فيه عن طريق الاستفتاء.
هـ ـ الطريقة الخاصة : تجمع هذه الطريقة بين
مزايا الطريقتين السابقتين ،بمعنى أن الجمعية التأسيسية التي يختارها
الشعب تضع مشروع الدستور ولكنهلا يصبح دستورا نافدا إلا بعد موافقة الشعب
عليه في استفتاء عام .

ثالثا : طرق تعديل الدساتير:
تنقسم الدساتير من حيث تعديلها إلى نوعين : مرنة وجامدة
أ ـ الدساتير المرنة : وهي التي يمكن تعديل نصوصها بالإجراءات التي تعدل بها القوانين العادية .
ب
ـ الدساتير الجامدة : وهي التي يشترط لتعديلها اتحاد إجراءات خاصة ،ومنها
اشتراط أغلبية كبيرة لاقتراح التعديل ، أو لإقرار ذلك التعديل .


رابعا ـ طريقة تعديل الدستور الجزائري
نص الدستور على طرق تعديله في المواد 174 إلى 178
ـ لرئيس الجمهورية اقتراح تعديل الدستور .
ـ لثلاثة أرباع الغرفتين للبرلمان الحق في اقتراح تعديل الدستور .
ـ
لرئيس الجمهورية الحق في التعديل المباشر للدستور دون وضع مشروع
التعديلإلى استفتاء شعبي كما هو الحال في النقطتين السابقتين ، ولكن هذا
بعدموافقة 3/4 الغرفتين .
ـ وأخيرا نص الدستور على أن رئيس الجمهورية يصدر القوانين المتعلقة بتعديل الدستور.

المطلب الثاني : الوضعي أو القانون.
يقصد بالقانون ( أوالقوانين العادية ) كل التشريعات التي يطلق عليها لفظ
المدونة ، أو لفظالتقنين ، أو القانون ، والذي تقوم عادة بوضعه السلطة
التشريعية (البرلمان ) في الدولة وهذا في شكل نصوص تنظم العلاقات بين
الأفراد أوبينهم وبين الدولة في جميع المجالات الاجتماعية المختلفة ( مثل
: القانونالمدني ، قانون الأسرة ، قانون العمل، قانون العقوبات ،القانون
التجاري ،قانون الانتخابات ، قانون الخدمة الوطنية.)...
ويطلق عليها
القوانين العادية ، أو التشريعات العادية ، أو التقنياتالرئيسية لتمييزها
عن القانون الأساسي أي الدستور من ناحية، وعن الأوامر (ordonnance
)،والمراسيم ( décret ) والقرارات التنفيذية واللوائح التيتضعها السلطة
التنفيذية والتي يعبر عنها بالتشريعات الفرعية أو الثانويةمن ناحية أخرى .
لما كان وضع القوانين العادية كقاعدة عامة من اختصاصالسلطة التشريعية في
الدولة فمن البديهي أن يختص به البرلمان ( المجلسالشعبي الوطني ومجلس
الأمة ) وذلك بحسب المادة 98 من الدستور الذي يتضمنأن يمارس السلطة
التشريعية البرلمان الذي هو يُعدُ القانون ويصوت عليه .
فالتشريع العادي يمر عادة بعدة مراحل إجرائية وهي :

أ ـ مرحلة الاقتراح : يقصد بها أن يتقدم المجلس الشعبي الوطني أوالحكومة
بعرض فكرة عن مشكلة تهم الأشخاص أو الدولة وتحتاج إلى تنظيمقانوني ، حيث
تنص المادة 119 من الدستور على أن " لكل من رئيس الحكومةوأعضاء المجلس
الشعبي الوطني حق المبادرة بالقوانين " .
وعادة يطلق على اقتراح النواب
( 20 نائب على الأقل) إسم " اقتراح قانون "، ويطلق على اقتراح الحكومة إسم
" مشروع قانون " . والفارق الوحيد بينهاهو أن الاقتراح بقانون يحال إلى
لجنة الاقتراحات بالمجلس لكي تصوغه في شكلقانوني لأن أغلب أعضاء المجلس لا
تتوافر لديهم خبرة المصايغة القانونيةأما المشروع بقانون المقدم من طرف
السلطة التنفيذية فيحال مباشرة إلىالمجلس ولكن بعد فتوى مجلس الدولة .

ب ـ مرحلة التصويت : عند إحالة الاقتراح إلى المجلس فإنه يعرض علىلجنة
متخصصة من لجان المجلس لتقوم بدراسته وكتابة تقرير عن محتواه وغايتهوتوصي
بعرضه على المجلس لمناقشته .
ثم يعرض الاقتراح على المجلس الشعبي
الوطني لمناقشته مادة بمادة حيث يجوزإدخال بعض التعديلات عليه . وبعد
المناقشة والتعديل يعرض على المجلسالشعبي الوطني للتصويت عليه ، وعند
الإقرار يحال الاقتراح على مجلس الأمةللتصويت عليه بأغلبية 3/4 أعضائه (
م.120 دستور.).

ج ـ مرحلة الإصدار : بعد موافقة البرلمان على نص
الاقتراح ، يحال ذلكالنص إلى رئيس الجمهورية ذلك النص إلى رئيس الجمهورية
ليصادق عليه ومع ذلكلا يكون لهذا القانون نافذ المفعول إلا بإصداره .
ويقصد

بالإصدار أن يقوم رئيس الجمهورية بإصدار أمر إلى رجال
السلطةالتنفيذية التي يرأسها ويوجب عليهم فيه تنفيذ ذلك القانون على
الواقع حيثأن السلطة التنفيذية مستقلة عن السلطة التشريعية التي لا تملك
حق إصدارأوامر إلى رجال السلطة التنفيذية .

د ـ مرحلة النشر : بعد كل هذه المراحل التي مر بها القانون ، يلزم لسريانه أن يمر بمرحلة النشر .
فالنشر
إجراء لازم لكي يصبح القانون ساري المفعول في مواجهة كافة الأشخاص، ولن
يكون كذلك إلا بإعلانه للعامة ، وذلك عن طريق نشره بالجريدة الرسمية،
وبمجرد نشره يعتبر العلم به مفروضا ، حتى بالنسبة لمن لم يطلع عليه
أولميعلم به .
وحسم المشرع هذا الأمر بقاعدة عامة أوردها في المادة الرابعة (04) من القانون المدني بقولها :
" تطبق القوانين في تراب الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ابتداء من يوم نشرها في الجريدة الرسمية ."
"
تكون نافذة المفعول بالجزائر العاصمة بعد مضي يوم كامل من تاريخ نشرهاوفي
النواحي الأخرى في نطاق كل دائرة بعد مضي يوم كامل من تاريخ وصولالجريدة
الرسمية إلى مقر الدائرة ويشهد على ذلك تاريخ ختم الدائرة الموضوععلى
الجريدة . "

ملاحظة : تترتب من جراء هذه المادة الرابعة (04)
قاعدة عامة وهي : "الجهل بالقانون ليس عذرا " ومعنى ذلك أنه لايجوزلأي شخص
أن يعتذر عنمخالفته للقانون بعدم علمه بصدورها .
أما بخصوص إنهاء العمل
بقانون ،يتم هذا عن طريق الإلغاء ، أي إزالة نصقانوني للمستقبل وذلك
باستبداله بنص قانوني جديد يتعارض معه صراحة أو ضمنا.

المطلب الثالث : التشريعات الاستثنائية.

في حالة الضرورة الملحة يقرر رئيس الجمهورية حالة الطوارئ أو الحصار ويتخذ كل التدابير اللازمة لاستثبات الوضع ( م.91 دستور.)
وإذا
كانت البلاد مهددة بخطر داهم ... يقرر رئيس الجمهورية الحالةالاستثنائية
في اجتماع للهيئات العالية للدولة ، أي بعد استشارة رئيسالبرلمان ( م.ش.و+
م.أ ) والمجلس الدستوري وبعد الاستماع إلى المجلسالأعلى للأمن ومجلس
الوزراء . وتحول الحالة الاستثنائية لرئيس الجمهوريةأن تُتَخذ الإجراءات
الاستثنائية التي تستوجبها المحافظة على استقلالالأمة والمؤسسات الجمهورية
( م.93 دستور.)
وفي حالة الحرب يوقف الدستور ويتولى رئيس الجمهورية جميع السلطات( م.96 دستور.)
ومفاد
هذه النصوص أن رئيس الجمهورية يباشر بنفسه السلطة التشريعية في كلهذه
الحالات وتكون له بالتالي سلطة وضع القوانين وإقرارها وإصدارها .

المطلب الرابع: التشريعات التفويضية .
كما نشير إلى أنه فيحالة شعور البرلمان أو فيما بين دورة وأخرى من دورات
البرلمان يجوز لرئيسالجمهورية أن يشرع بإصدار أوامر تعرض على البرلمان في
أول دورة مقبلة (م.124 دستور.).
ومفاد ذلك أن الدستور يفوض رئيس
الجمهورية في إصدار أوامر تكون لها قوةالقانون وهذا في فترات غياب السلطة
التشريعية عن العمل ، ويجب أن تقدم هذهالأوامر ساقة وباطلة الاستعمال.
وتعتبر هذه الأوامر الأخيرة لرئيسالجمهورية من التشريعات التفويضية .

المطلب الخامس: التشريعات الفرعية
يطلق على التشريع الذي يصدرمن السلطة التنفيذية في الظروف العادية ، الذي
يصدر من السلطة التشريعيةكمبدأ عام ،أو من رئيس الجمهورية كتشريع تفويضي.
وتكون
هذه التشريعات الفرعية في شكل لرائح تنفيذية لا تفترق عن القانونالصادر من
السلطة التشريعية لأنها قواعد اجتماعية عامة ومجردة وملزمةلجميع الأشخاص
المخاطبين بها الذين تنطبق عليهم الشروط الموضوعية التي تنصعليها اللائحة
بناء على قانون .
ويختلف القرار اللائحي عن القرار الفردي الذي يتعلق
هو بشخص معين بذاته (كتوظيفه في عمل) كما يختلف القرار اللائحي عن
القرارات التنظيمية التيتتعلق بأفراد معينين أو أشخاص معينين (كقتح محلات
تجارية) أو بتنظيم حالةمعينة وموقف (تنظيم المرور في الشارع ) وتعتبر هي
كلها إدارية .
أما اللوائح التنفيذية وما في حكمها فيمكن حصرها في ثلاثة أنواع ،هياللوائح التنظيمية ، واللوائح التنفيذية، ولوائح الأمن والشرطة .

أولا : اللوائح التنظيمية .
يقصد بها اللوائح والقراراتوالأوامر التي تصدرها السلطة التنفيذية
باعتبارها صاحبة الاختصاص في وضعالقواعد العامة لتنظيم المرافق العامة
التي تديرها أو تشرف عليها الدولة.
وتستند السلطة التنفيذية في إصدارها
إلى نص دستوري يجيز لها ذلك ومثلها مانصت عليه الفقرة الأولى من المادة
125 من الدستور بقولها : " يمارس رئيسالجمهورية السلطة التنظيمية في
المسائل غير المخصصة للقانون ."
وهذه المسائل المخصصة للقانون ( أي البرلمان) تنص عليها المادة 122 و123 من الدستور.
ويقوم رئيس الجمهورية بعمله التشريعي عن طريق المراسيم الرئاسية ( م.77 ف.6 وم.77ـ78 دستور.)

ومن المعلوم أن رئيس الجمهورية لا يباشرها بنفسه بل يضطلع بها رئسالحكومة
، ( م.87 دستور : كتعيين أعضاء الحكومة ،ورؤساء الهيئات
الدستورية،الصلاحيات المنصوص عليها في المواد :77ـ 78ـ91 ـ93 إلى 95 ـ97
ـ124 ـ126ـ 127و 128)، وبدوره قد يضطلع بها رئس الحكومة كل وزير حسب
اختصاصه
( قرار وزاري ـ أو قرار مشترك) .

ثانيا : لوائح الأمن والشرطة
يطلق عليها لوائح الضبط أولوائح البوليس ، ويقصد بها تلك القواعد التي
تضعها السلطة التنفيذية بغرضصيانة الأمن والسكينة والصحة وتمثلها لوائح
تنظيم المرور ولوائح المحلاتالعامة ، ولوائح مراقبة الأغذية ، ولوائح
المحافظة على الصحة العامة ....
وتصدر هذه اللوائح من رئيس السلطة
التنفيذية أو من رئيس الحكومة أو منالوزراء ، أو مديري إدارات الأمن
والصحة .... كل في دائرة اختصاصه طبقالنصوص دستورية .

ثالثا : اللوائح التنفيذية .
لا يمكن للسلطة التنفيذية إصدارهذه اللوائح تلقائيا وإنما تقوم بإصدارها
في حالة صدور قانون عادي وضعتهالسلطة التشريعية ونصت في ذلك القانون على
تحويل الوزير المختص بإصداراللائحة التنفيذية لذلك القانون ، لأنه أقدر
على تفصيل القواعد العامةالتي تضمنها القانون بحسب الواقع العملي الذي
يدخل في اختصاصه.

المبحث الثاني : المصادر الاحتياطية للقاعدة القانونية .
المصادر الاحتياطية هي التي يلجأ القاضي إليها إن لم يجد نصا في التشريع الوضعي ينطبق على النزاع المطروح أمامه .
لقد
نص المشرع في المادة الأولى من القانون المدني على تلك المصادر
بحسبأولويتها وأهميتها : " وإذا لم يوجد نص تشريعي ، حكم القاضي بمقتضى
مبادئالقانون الطبيعي وقواعد العدالة ."
فالقاضي مجبر أن يبحث في
المصدر الأول ولا يكون للقاضي أن يبحث في المصدرالثاني إلا بعد التأكد من
أن المصدر الأول خال تماما من القاعدة التي تحكمالنزاع الذي هو بصدده ،
وهكذا بالنسبة للمصدر الثالث .

المطلب الأول : الشريعة الإسلامية أو مبادئ الشريعة
الشريعةالإسلامية هي القواعد الدينية بوجه عام ، أي القواعد الإلهية التي
أبلغتللناس عن طريق الوحي إلى النبي محمد ( ص.س) ،وتلك القواعد السماوية
إماأنها تنظم علاقة الفرد بربه ، وإما أن تنظم علاقته بغيره من الناس ،
ولهذايقال بأن القواعد الدينية تكون دائما أوسع نطاق من القواعد القانونية
لأنمجال تطبيقها أوسع بكثير .
فالعلاقات للفرد بغيره من الناس هي وحدها
التي تمثل المجال المشترك بينقواعد الدين وقواعد القانون وبالتالي هي التي
يمكن أن تطبق فيها القواعدالدينية إذا لم توجد قواعد قانونية .
مع ظهور
الإسلام كانت الشريعة الإسلامية المصدر الأصلي والرسمي لكلالقواعد
القانونية ، خصوصا في الدول العربية الإسلامية وكان لا يستثنىمنها إلا غير
المسلمين فيما يتعلق بأحوالهم الشخصية إذ تركوا خاضعينلقوانينهم الدينية (
اليهود والمسيحيين).
وبعد ذلك انتزعت دائرة المعاملات المالية من نطاق
تطبيق قواعد الشريعةالإسلامية وصارت تخضع لنصوص القانون الخاص بها. وبذلك
أصبح مجال تطبيققواعد الشريعة الإسلامية قاصر على الأحوال الشخصية
للمسلمين ، ثم صدرتقوانين الأسرة والأحوال الشخصية فأصبحت هي الواجبة
التطبيق باعتبارهاقواعد قانونية لابإعتبارها قواعد دينية مع أنها مأخوذة
عن القواعد الدينية.
وواقع الحال أن الشريعة الإسلامية تعتبر أصلا تاريخيا لقواعد قانونية مدنية كالشفعة والوقف والمواريث والوصية ، والأحوال الشخصية .

المطلب الثاني : العرف .
هو مصدر من مصادر القانون وهو عبارة عنقواعد لم تفرضها السلطة التشريعية
إلا أنها ناتجة عن ممارسة عامة وطويلةفي مجتمع معين . والعرف لا يزال له
المركز الأول في بعض المجتمعات كالبدو، وسكان الصحاري ، وللعرف مركزه
وقوته في بعض المجالات مثل مجال التجارةحيث تسود أعراف متعددة تحكم
التعامل التجاري بنوع خاص . وفي القانونالدولي العام يعتبر العرف المصدر
الأول وكذلك يعتبر أحد مصادر القانونالدولي الخاص .


أولا : مزاياه .
هو التعبير الصحيح عن إرادة المجتمع وظروفه وحاجاته لأنه ينشأ ويتطور معه .
والعرف يسد نقص التشريع ويغطي ثغراته ويواجه كل احتمالات تطبيقه .

ثانيا : عيوبه .
* غموضه وعدم تحديد مضمونه وسريانه .
* يتطلب وقتا طويلا لظهوره ونموه واستقراره .
* إنه قد يختلف من منطقة إلى أخرى في الدولة الواحدة وبذلك يتعارض مع وحدة القانون الواجب في الدولة .

ثالثا : أمثلة لقواعد عرفية .
* رد الهدايا التي تقدم أثناء الخطبة في حالة فسخها .
* حق الزوجة في حمل إسم زوجها .
* حق الأرملة في حمل إسم زوجها المتوفي .


رابعا : شروط القاعدة العرفية .
* أن تكون القاعدة معمولا بها منذ زمن طويل .
* أن تكون القاعدة مستمرة ومستقرة أي يتكرر التعامل بها .
* أن تكون عامة ومجردة .
* أن يألف الناس احترامها والالتزام بها .
* إلا تكون هذه القاعدة مخالفة للنظام العام أو لنص تشريعي .

المطلب الثالث : القانون الطبيعي وقواعد العدالة .
لما كانالقانون يلزم القاضي بالفصل في كل نزاع يعرض عليه ، إذ لا يجوز
لهالامتناع عن إصدار الحكم في الدعوى المطروحة أمامه ، وإلا اعتبر
مرتكبالجريمة إنكار العدالة ، لهذا يلجأ المشرع دائما إلى أن يضع أمام
القاضيوسيلة تمكنه من الفصل في النزاع المعروض عليه في الحالات التي لا
تسعفهفيها نصوص قانونية خاصة ، وتلك الوسيلة هي الرجوع إلى مبادئ
القانونالطبيعي وقواعد العدل .
ـ فالقانون الطبيعي هو مجموعة المبادئ
العليا التي يسلم العقل الإنسانيالسليم بضرورتها لتنظيم العلاقات بين
الأفراد في أي مجتمع إنساني .
ويعرفه البعض بأنه " مجموعة القواعد التي تحقق العدالة في أسمى صورها " .
ـ
أما العدالة تعني ضرورة التسوية في الحكم ، على الحالات المتساوية
.والعدالة تقضي الأخذ بأقرب الحلول لموضوع واحد . وعند الحكم على
حالةمعينة يجب أن تراعي جميع الظروف الشخصية التي أدت إلى وجود هذه الحالة
.
فالعدالة بهذا المفهوم هي المساواة في الحكم ، على العلاقات فيما
بينالأفراد كلما كانت ظروفهم واحدة مع الاعتداد دائما بالجانب الإنساني
،وكذلك بالظروف الشخصية التي تحيط بالفرد في كل حالة .
من هذين
التعريفين نتبين أن مفهوم القانون الطبيعي ومفهوم العدالة واحدولا فرق
بينهما ولذلك فإن قواعد القانون الطبيعي وقواعد العدالة هما شيءواحد ولهذا
يستعمل التعبيرات كمترادفين لا فرق بينهما .
وبعبارة أخرى فالقانون
الطبيعي متصل بالكائن البشري إذ يأخذ بعين الاعتبارطبيعة الإنسان وغايته
في العالم .( أمثلة : العدالة ، النزاهة ، احترامالوعد ، الحاجة إلى الأمن
والاستقرار ،اقتران الأجناس
(بشري ـ حيواني) ، العناية بالنسل ، حماية الضعيف ، محبة الغير ، التصدق على المحتاج ...( .
ولقد عبر عنه اليونانيون بثلاث حكم :
" الحياة شريف" ـ " عدم الإساءة إلى الغير " ـ "المنح لكل واحد مستحقه " .
وخلاصة
القول أن قواعد القانون الطبيعي والعدالة لا يلجأ القاضي إليها إلاإذا
استعصى عليه تطبيق نص تشريعي ، ولم يجد حكما لموضوع النزاع في
المصادرالأخرى .

المطلب الرابع : آراء الفقهاء وأحكام القضاء .
تطبيقا لنصالمادة الأولى من القانون المدني تعتبر مصادر القانون هي
التشريع ومبادئالشريعة الإسلامية والعرف ومبادئ القانون الطبيعي وقواعد
العدالة . ومعنىذلك أن آراء الفقهاء وأحكام القضاء ليست مصادر القانون.
ولكن ذلك لا يمنعمن اعتبارهما مصدرين تفسيريين للقانون .
أما الفقه هو
ما يصدر عن الفقهاء من آراء باعتبارهم علماء في مادة القانونيستعرضون نصوص
بالشرح والتفسير في مؤلفاتهم أو بإبداء الفتاوى المتعلقةبتفسير المبادئ
والقواعد القانونية من الناحية النظرية .
أما المقصود بأحكام القضاء
فهو ما يصدر عن المحاكم على اختلاف درجاتهم منأحكام في الدعاوي التي تعرض
عليها . وأحكام القضاء ليست إلا تفسيراللقانون من الناحية العملية أي
التطبيقية ، ويأخذ القضاء بالتفسير النظريلكي يطبقه عمليا .
فأحكام
المحكمة العليا للقضاء هي ملزمة للمجالس القضائية والمحاكم ، كماأن أحكام
المجالس القضائية ملزمة للمحاكم ، حيث تعتبر تفسيرا للقانونوعرفا قضائيا .
وبهذا نقول أن الفقه والحكام القضائية تعتبر مصدرا رسمياللقانون.
وكخلاصة
لهذا الفصل الثاني ، نقول أن القواعد القانونية أيا كان نوعها ،إذا كانت
واضحة مستقيمة المعنى فهي ليست بحاجة إلى التفسير ، بل ولا يجوزمحاولة
تأويلها لمدلول آخر غير مفهومها الواضح. ولكن عندها يكون النصالقانوني غير
واضح الدلالة أو شابه عيب، فيلجأ للتفسير، وهو ما سنراه فيالفصل التابع.








الفصل الرابــع
مـجال تطبيـق القانـون

إن القوانين بعد إصدارها ونشرها تصبح نافذة سارية المفعول بحيث
يمكنتطبيقها على الأشخاص والوقائع التي تتوافر فيها الشروط الواردة في
نصوصالتشريع .
غير أن تطبيق هذه القوانين قد يطرح مشكلة تنازع القوانين
، وهو تواجدقاعدتين تشريعيتين ، أو أكثر ، صادرة عن سلطات مختلفة ، أو عن
نفس السلطة، وذلك لتطبيقها على نفس الواقعة القانونية .
وفي حالة ما
إذا القواعد القانونية صادرة عن سلطات مختلفة ، أي عن سياداتمختلفة ،(دول
أجنبية ) فنحن بصدد تنازع القوانين من حيث المكان ويتعلقالأمر بتواجد
أجانب في دولة غير دولتهم ( قانون دولي خاص ) وأما إذا كانتالقواعد
القانونية صادرة عن نفس السلطة ( التشريعية ) ، فنحن أمام تنازعالقوانين
من حيث الزمان الذي هو يحدث عند تواجد قانون قديم وقانون جديد كلواحد
منهما يحكم نفس الواقعة القانونية .
ولهذا يجب التطرق إلى حلول هذه المشكلات وهذا من خلال دراسة نطاق تطبيق القانون من حيث المكان ثم من حيث الزمان .


المبحث الأول : نطاق تطبيق القانون من حيث المكان .
تطبيقالقانون من حيث مكان تحكمه قاعدتان أساسيتان وهما قاعدة إقليمية
القوانينوقاعدة شخصية القوانين ، ويطلق عليهما مبدأ الإقليمية ومبدأ
الشخصية فيتطبيق القانون .

المطلب الأول : قاعدة إقليمية القوانين .
تعني هذه القاعدة أنالتشريع بإعتباره مظهرا أساسيا لسيادة الدولة ، فهو
يكون واجب التطبيق علىإقليمها ولا يتعداه لأي إقليم آخر. فيطبق على
المواطنين والأجانب داخلالتراب الوطني فقط .
ومن هذا نستنتج أن هذه القاعدة تقوم على محورين :

الأول : أن تشريعات الدولة تطبق داخل حدود إقليمها على من يقيمون فيه من وطنيين وأجانب.

الثاني : أن تشريعات الدولة لا تطبق داخل حدود دولة أخرى على مواطنيها لأنهم يخضعون لتشريع تلك الدولة .
* حالات تطبيق قاعدة إقليمية القوانين .
ـ لوائح الأمن والشرطة ( مثل : قوانين المرور ، والصحة وغيرها).
ـ قوانين الإجراءات المدنية والجزائية .
ـ القوانين العامة كالقانون الجنائي والقانون المالي ( المادة 3 من قانون العقوبات...).
ـ القواعد التي تتعلق بالعقارات والمنقولات والحقوق التي تترتب عليها .
ـ القواعد المتعلقة بالنظام العام والأدب العام .
ـ الالتزامات غير التعاقدية كالجريمة وشبه الجريمة .

المطلب الثاني : قاعدة شخصية القوانين .
نظرا لتطور وسائلالانتقال ورفع الحواجز بين الدول وزيادة حركة التجارة
والعمل والتعليمفيما بين الدول نجد في كل يوم تنقل آلاف الأشخاص من كل
دولة إلى دول أخرىوأصبحت قاعدة الإقليمية جامدة لا تساير التطور العالمي
في العصر الحاضر ،وظهرت فكرة شخصية القوانين على أساس أن أهم عناصر الدولة
هو الشعب، وأنالتشريعات يقصد بها أفراد الشعب وتطبيقها عليهم سواء كانوا
في إقليمهم أوحتى في إقليم دولة أخرى ، وتبلورت هذه الفكرة في قاعدة شخصية
القوانين ،وتقوم هذه القاعدة على محورين :

الأول : أن تطبيق تشريعات الدولة على جميع مواطنيها المقيمين على إقليمها أو على إقليم دولة أخرى .

الثاني : أن الأجانب المقيمين في غير دولتهم يخضعون لتشريعاتهم الوطنية .

ولاشك أن هذه القاعدة تبدو مقبولة وخصوصا فيما يتعلق بقوانين
الأحوالالشخصية كالزواج والطلاق والنسب والنفقة وغير ذلك لأنها أنسب للشخص
منقوانين أية دولة أخرى .


* حالات تطبيق قاعدة شخصية القوانين .
لقد جسد المشرع هذهالقاعدة في المواد 98 إلى 24 من القانون المدني والمواد
3 و589 من قانونالإجراءات الجزائية . وتطبيقا لقاعدة شخصية القوانين يسري
قانون الدولةعلى مواطنيها داخل وخارج إقليمها في الأمور التالية :
ـ قواعد صحة الزواج وتعدد الزوجات ، والمهر.
ـ الطلاق والنفقة .
ـ آثار الزواج فيما يتعلق بالحقوق المالية وغيرها .
ـ قواعد الحالة المدنية للأشخاص ، وقواعد أهلية .
ـ الميراث والوصية والهبة .
ـ مسائل الولاية والوصاية والحجز .





المطلب الثالث : الجمع بين القاعدتين .
مما سبق نتبين أنالقاعدة الإقليمية والشخصية في تطبيق القوانين لكل منهما
مزاياها ومجالتطبيقها . فقاعدة إقليمية القوانين تتجسد فيها سلطة الدولة
على ترابهاالوطني ، وقاعدة شخصية القوانين تتجسد فيها سلطة الدولة على
مواطنيهاواحترام حقوقهم الشخصية بالقدر الذي تسمح به قواعد القانون الدولي
الخاصلكل دولة .
ولكن في قواعد القوانين الجزائية نرى أن المشرع قد
يجمع بين القاعدتين فيوقت واحد ، فينص على تجريم المؤامرات على أمن الدولة
سواء وقعت الجريمةعلى أرض الوطن أو خارجه وسواء كان المجرمون من المواطنين
أم من الأجانب ،ومقيمين على أرض الوطن أم في دولة أخرى ( المادة588 من
قانون الإجراءاتالجزائية ) وأحيانا ينص المشرع على عقاب المواطنين عند
عودتهم للوطن علىجرائم ارتكبوها في الخارج ( المادة 582 و583 من القانون
الإجراءاتالجزائية).

ملاحظة : خاصة بالجنايات والجنح التي ترتكب على ظهر المراكب أو متن الطائرات
(المادة 590 و591 من القانون الإجراءات الجزائية).

المبحث الثاني : نطاق تطبيق القانون من حيث الزمان .
الأصلالعام في تطبيق القانون من حيث الزمان هو أن القانون يكون دائما
واجبالتطبيق من اليوم التالي لنشره بالجريدة الرسمية أو من التاريخ الذي
يحددنفس القانون لسريان أحكامه، وأن القانون لا يسري أحكامه إلا على
الحالاتالتي تتم في ظله أي بعد إصداره ، وأنه لا يسري على ما وقع من
الحالات قبلصدوره . وهذا الأصل العام ينطوي على مبدأين أساسيين يكملان
بعضهما ، وهما: مبدأ الأثر الفوري ( المباشر) للقوانين ، ومبدأ عدم رجعية
القوانين .

المطلب الأول : مبدأ الأثر الفوري للقوانين .
تنص
المادة 2 منالقانون المدني على ما يلي : " لا يسري القانون إلى على ما يقع
فيالمستقبل ولا يكون له أثر رجعي . ولا يجوز إلغاء القانون إلا بقانون
لاحقينص صراحة على هذا الإلغاء."
" وقد يكون الإلغاء ضمنيا إذا تضمن
القانون الجديد نصا يتعارض مع نصالقانون القديم أو نظم من جديد موضوعا سبق
أن قرر قواعده ذلك القانونالقديم ."
كما تنص المادة 2 من قانون العقوبات على أن : " لا يسري قانون العقوبات على الماضي إلا ما كان منه أقل شدة ".

يعني مبدأ الأثر الفوري للقانون أن كل تشريع جديد يطبق فورا منذتاريخ
سريانه أي وقت نفاذه، فيحدث آثاره مباشرة على كل الوقائع
والأشخاصالمخاطبين به على الحالات التي وقعت عقب نفاذه بصفة فورية ومباشرة
.فالقانون الجديد يصدر ويطبق على المستقبل ، لاعلى الماضي ، ويستخلص من
ذلكأن القانون القديم يحكم الحالات التي تمت في ظله ، فلا يطبق عليها
القانونالجديد .

مثلا : لو فرضنا أن قانون المالية لسنة 1998 يفرض
ضريبة على شراءالسيارات ، فيكون مشتري السيارة ملزم بأداء تلك الضريبة من
أول يوم لسنة1998 ، ولكن لا يلزم بأداء هذه الضريبة كل الأشخاص الذين
اشتروا سيارة فيالعام الماضي ، وحتى في آخر يوم لسنة 1997.

مثلا :
لو فرضنا أن قانونا جديدا صدر نافذا اليوم ونص على تجريم فعللم يكون مجرما
من قبل ، فمن البديهي أنه يسري ابتداء من اليوم على كل منيقوم بهذا الفعل
المجرم ، وبالتالي لا يمكن متابعة من قاموا بهذا الفعل فيالماضي ، وحتى
الأمس.

المطلب الثاني : مبدأ عدم رجعية القوانين .
أولا : المبدأ .
يعني
هذا المبدأ أن التشريع مادام ينتج أثاره فورا ومباشرة على الأفعالالتي
يقوم بها الأشخاص من تاريخ صدوره ونافذا ، فلا محل إذا للقول بأنهيمكن
تطبيقه بأثر رجعي أي على الوقائع التي تمت قبل إصداره ونفاذه .فالتشريع لا
يسري على الماضي فلا يمكن تطبيقه بأي حال على ما وقع قبلصدوره .
وكرس
هذا المبدأ بالمادة 4 من القانون المدني : " تطبق القوانين في
ترابالجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ابتداء من يوم نشرها في
الجريدةالرسمية ..." .
ومبدأ عدم رجعية القوانين مبدأ عام إلا أنه تدخل عليه بعض الإستثناءات .

ثانيا : الإستثناءات .
أ ـ القوانين الجنائية الأصلح للمتهم .
إن
قاعدة عدم رجعية القوانين تقررت لحماية الأفراد من تعسف السلطات ،
ولكنالحكمة من هذه القاعدة لا تتوافر إذا كان القانون الجديد ينص على
إلغاءالتجريم ، أو تخفيف العقاب . فيكون من صالح الأفراد المتهمين في
جرائمجنائية أن يطبق عليهم القانون الجديد بأثر رجعي مع أن جرائمهم قد
ارتكبوهافي الماضي في ظل قانون قديم. ويجب أن نلاحظ فرقا واضحا بين هاتين
الحالتينعند تطبيق القانون الأصلح للمتهم بأثر رجعي :

الحالة
الأولى : إذا كان القانون الجديد يبيح الفعل الذي كان مجرمافإنه يطبق بأثر
رجعي في جميع مراحل الدعوى العمومية أي أنه لا يمكن متابعةمرتكب الفعل ،
إلا إذا صدر في حقه حكم نهائي قبل صدور القانون الجديد .
الحالة
الثانية : إذا كان القانون الجديد قد خفف من العقوبة فقط ، لكنه لمينص على
إلغاء التجريم ، ففي هذه الحالة يطبق القانون الجديد إذا كانالمتهم لم
يصدر ضده حكم نهائي حيث يمكن له أن يعارض في ذلك الحكم ،ويستأنفه أو يطعن
فيه بالنقض ويطلب تطبيق القانون الجديد الذي هو الأصلحله .
ومعنى ذلك أن القانون الجديد الأصلح للمتهم لا يمتد أثره إلى الأحكام الجنائية التي أصبحت نهائية بقوة القانون .

ب ـ النص الصريح على سريان التشريع على الماضي .
يجوز للمشرع أنينص في تشريع مدني خاص وجديد على سريانه على الماضي ، أي
تطبيقه بأثررجعي، وذلك راجع إلى أن مبدأ عدم رجعية القوانين يقيد القاضي
فقط ولكنه لايقيد المشرع ، بغرض تحقيق مصلحة اجتماعية عامة أو فيما يخص
النظام العام .
ومثال ذلك أن يصدر المشرع قانونا جديدا ينص على أن التقادم المكسب للملكية مدته عشرين (20) سنة على أن يسري ذلك على الماضي .
فلو
فرضنا أن تلك المدة كانت في القانون القديم عشرة (10) سنوات واكتسببعض
الأشخاص ملكيتهم في ظل القانون القديم منذ خمس (05) سنوات فإن
القانونالجديد يطبق عليهم ولا يكتسبون الملكية إلا بمرور عشرين (20) عاما .

ج ـ إذا كان القانون الجديد قانونا تفسيريا .
إذا صدر تشريعالتفسير فقط بعض العبارات أو النصوص في القانون القديم فإن
ذلك التشريعالجديد يسري بأثر رجعي يمتد لتاريخ صدور القانون القديم ، وذلك
لأنالتشريع التفسيري ليس إلا موضحا للنصوص القديم فهو مكمل لها وكأنه
جزءمنها .

د ـ ملاحظة خاصة بالمراكز القانونية وآثارها ( الحق المكتسب والأمل).
تثور
مشكلة تحقق المراكز القانونية في بعض العقود في ظل القانون القديم ،وتحقق
آثارها في ظل قانون جديد . ومثل ذلك أن يوصي شخص لأخر بنصف تركته فيظل
قانون يبيح ذلك ، وبعد إجراء العقد يصدر قانون جديد ينص على أن الإيضاءغير
جائز إلا في حدود ثلث التركة ، فأي القانونين يطبق عند وفاة الموصي ؟ .
بما
أن العقد تم في ظل القانون القديم فهو صحيح ، ولكن أثر ذلك العقد (حصول
الموصي له على نصف التركة) لا تتحقق إلا بوفاة الموصي ، وهنا نفرقبين
حالتين .

الحالة الأولى : إذا حدثت الوفاة قبل صدور القانون
الجديد فإن المركزالقانوني للموصي له وآثاره قد تحققت جميعها في ظل
القانون القديم ولا يجوزتطبيق القانون الجديد بأثر رجعي في تلك الحالة .

الحالة الثانية : إذا حدثت الوفاة بعد صدور القانون الجديد فهو الذي يكون واجب التطبيق ولا يحصل الموصي فيه إلا على ثلث التركة .
وليس
هذا تطبيقا للقانون بأثر رجعي ، ولكنه تطبيق فوري ومباشر للقانونالجديد
على آثار العقد الذي تمت في ظله بعد صدوره . وقد كان الفقهاءيعبرون عن هذه
الحالة بفكرة "الحق المكتسب " و "الأمل" .
فإذا كان العقد قد تم في ظل
القانون القديم والوفاة حدثت في ظل القانونالجديد ، فإن العقد ليس حقا
مكتسبا ولكنه مجرد أمل لدى الموصي له ، وهذاالأمل يخضع ،

بإعتباره أثرا للعقد للقانون الذي لم يتحقق إلا في ظله
this was token from http://houwirou.akbarmontada.com/t4084-topic

rahma_imene
2011-08-11, 18:59
شكرا على هدا الموضوع
هو شامل لكل دروس السنة الاولى حقوق في المدخل و دستوري

E.SAKR
2011-08-12, 06:37
لاشكر على واجب
you are welcome

aminaa227
2011-11-18, 09:14
المصادر الاحتياطية الرسمية للقانون الجزائري

aminaa227
2011-11-18, 09:15
please المصادر الاحتياطية الرسمية للقانون الجزائري svp svp svp

hayet b
2011-11-20, 18:07
مشكور على هذا الشرح

sarasrour
2011-11-21, 00:09
المصادر الاحتياطية للقانون *خطّة البحث :

- المقدّمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـة.


* المبحث الأوّل : الشريعة الإسلامية كمصدر احتياطي للقانون .
• المطلب الأوّل: مـــفــــهــــوم الــــشــــريــعـــة الإسـلامـية لـغــة، و اصــطـلاحـا.
• المطلب الثاني: التفرقة بين الفقه الإسلامي، و مبادئ الشريعة الإسلامية.
• المطلب الثالث: مــصــادر الأحــكــام الــشــرعــيــة الــمــتّــفــق عـــلـــيـــهــــا.
• المطلب الرابع: مكانة مبادئ الشريعة الإسلامية من بين مصادر الـــقانون
الـجـزائـري .

*المبحث الثاني: العرف كمصدر احتياطي للقانون.
• المطلب الأوّل: مـــــفــهــوم الـــعـــرف، و أقـــســـامــه.
• المطلب الثاني: مــــــزايـــــا الـــعــــرف، و عــــيــوبــــه.
• المطلب الثالث: أركــــــــــان الــــــــعـــــــــــــــــــــــــــرف.
• المطلب الرابع: دور العرف، و أساس القوّة الملزمة له.

*المبحث الثالث: مبادئ القانون الطّبيعي، و قواعد العدالة.
• المطلب الأوّل: الـمـقــصــود بمــبادئ الــقانون الــطّـــبيعـي، و قـواعـد الــعــدالـة.

المطلب الثاني: المقصود بالإحالة على مبادئ القانون الطّبيعي،و قواعد
العدالة. • المطلب الثالث: مدى ملائمة الإحالة إلى مبادئ القانون
الطّبيعي، و قــواعد العدالة.

- الخـــــــــــــــــــــــــــاتمـــــــــــــــــ ـة.




** المقدّمة:

بسم الله عليه نستعين، و سلام على نبيّيه، و الصلاة على حبيبه الصادق الأمين أمّا بعد..
لا
شكّ أنّه حدث أن تساءلنا عمّا يلجأ إليه القاضي في حــال لم يجد نصّا،أو
حلاّ في التـّشريع المعروض عليه؛و من هذا المنطلق أتى بحثنا هذا مجيبا عن
هذا التساؤل لأهميته القصوى.
فكلنّا يعلم أنّ التشريع هو أولّ ما يلجأ إليه القاضي باعتباره المصدر الرّسمي الأوّل،و لـــكنّ
التشريع
كثيرا ما يكون قاصرا، و هذا ما يستدعي لجوء القاضي في هذه الحال إلى مصادر
أخرى فرعية تدعى: المصادر الاحتياطية للقانون، و يكون مجبرا على تطبيقها،
و إلاّ يُعتبر مرتكبا لجريمة إنكار العدالة.و هذه المصادر سنتناولها من
الأهمّ إلى المهمّ بدءًا بمبــادئ الـشريعة الإسلامية، كمصدر رسميّ
احتياطيّ بعد التّشريع- و هذا نظرًا لشمولــية الدّين الإسلامي،و ما
يتضّمنّه من أحكام عامّة، و شاملة؛ فالشريعة الإسلامية حسب اتفّاق العلماء
هي مصـدر كلّ تشريع، أو تنظيم في المجتمع الإسلامي- لِيليها العرف،ثمّ
مبادئ القانون الطّبيعي،و العدالة.
و موضوعنا هذا برّمته يتبلور في إشكالية أساسية مفادها:
- ماهي المصادر الاحتياطية للقانون،و ما مدى أهميتّها ؟








* المبحث الأوّل: الشريعة الإسلامية كمصدر احتياطي للقانون.

تعدّ
الشريعة الإسلامية المصدر الاحتياطي الأوّل حسب ما جاء في ترتيب المادّة
الأولى من القانون المدني الجزائري،فهي تعتبر مصدرا مادّيا،و رسميا في نفس
الوقت،أضف إلى ذلك هي نظام شامل لجميع مجالات الحياة - الرّوحية، و
الأخلاقية، و العملية – دون أن نفصّل بين أجزائها، و جوانبها المختلفة.

- المطلب الأوّل: مفهوم الشريعة الإسلامية لغة، و اصطلاحا
تستعمل
كلمة الشريعة في لغة العرب في معنيين:أحدهما الطّريقة المستقيمة؛ و من هذا
المعنى قوله تعالى:  ثمّ جعلناك على شريعة من الأمر فاتبّعها، و لا تتبّع
أهواء الذين لا يعلمون  الجاثية (08).
و الثاني هو مورد الماء الجاري
الذي يُقصد للشُرب، و منه قول العرب:'' شرعت الإبل إذا وردت شريعة الماء
لتشرب ''، شبهتها هنا بمورد الماء لأنّ بها حياة النّفوس، و العقول، كما
أنّ في مورد الماء حياة للأجسام.
و أمّا في الاصطلاح الفقهي: فتطلق على
الأحكام التّي شرّعها اللّه لعباده على لسان رسول مــن الرّسل، فسميّت هذه
الأحكام بالشريعة لأنّها مستقيمة لا انحراف فيها عن الطّريق المستقيم؛
محـــكمة الوضع لا ينحرف نظامها، و لا يلتوي عن مقاصدها.أمّا
الإسلامية:فهذه نسبة إلى الدّين الإسلامي الذي يستعمل في الاصطلاح
الشّرعي؛ بمعنى الانقياد لأوامر الله، و التّسليم بقضائه، و أحكامه، و إلى
العقائد الأهلية، و الأسس، و المبادئ للعقيدة الإسلامية، فالدّين، و
الشّريعة، و الملّة بمعنى واحد.
- و من الشّريعة الإسلاميّة بمعناها
الفقهي؛ اشتّق الشّرع، و التّشريع؛ بمعنى سنّ القواعد القانونية سواء عن
طريق الأديان،و يسمّى تشريعا سمويًا،أم كانت من وضع البشر،و صنعهم؛فتسمّى
تشــريعا وضعيًّا.


.المطلب الثانـي: التفرقة بين الفقه الإسلامي،و مبادئ الشريعة الإسلامية .
فـالفقه
هو الاجتهاد للتّوصّل إلى استنباط الأحكام الشرعية من الأدّلة
التّفصـيلية،و هو الجانب العملي من الشّريعة،و قد نشأ تدريجيا منذ عصر
الصّحابة نظرا إلى حاجة النّاس لمعرفة أحكام الوقائع الجديدة (1)، وظهرت
عدّة مذاهب فقهية إلى أن انتهى الأمر إلى اســتقرار الأربعة مذاهب
الرئيسية؛و هي:المذهب المالكي، و الحنفي، و الشافعي، و المذهب الحنبلي.و
تتميّز هـذه المذاهب باختلافها في بعض الأحكام التّفصيلية.
أمّا
بالنسبة لـمبادئ الشّريعة؛فهي الأصول الكليّة التّي تتفرّع عنها الأحكام
التّفصيلية،فهي المبادئ العامّة التّي لا تختلف في جوهرها من مذهب لآخر،و
هذا يعني أنّ النّظام القانوني في الشّريعة الإسلامية قائم على قواعد، و
أحكام أساسيّة في كلّ الميادين، و أنّ نصوص الشّريعة الإسلامية أتـــت في
القرآن،و السنّة بمبادئ أساسية،و تركت التفصيلات للاجتهاد في التّطبيق
بحسب المصالح الزمنية، إلاّ القليل من الأحكام التّي تناولتها بالتفصيل
كأحكام الميراث، و بعض العقوبات،و من ضمن المبادئ الأساسية في قسم الحقوق
الخاصّة:
أ. اعتبرت الشّريعة الإسلامية كلّ فعل ضارّ بالغير موجبا
مسؤولية الفاعل،أو المتسّبب، و إلزامه بالتعويض عن الضرر، و هذا المبدأ
تضمنّه الحديث الشّريف:" لا ضرر، و لا ضرار ".
ب. مبدأ حسن النيّة في المعاملات،تضمنّه الحديث الشّريف:" إنّما الأعمال بالنيّات ".
ج. مبدأ أنّ العقد ملزم لعاقديه،فقد تضمنّته الآية القرآنية: يا أيّها الذين آمنوا أوفوا بالعقود  سورة المائدة
د.
المتعاقدون أحرار في وضع شروطهم إلاّ ما يخالف النّظام العام،و الآداب
العامّة،و هذا ما تضمنّه الحديث الشّريف: " المؤمنون عند شروطهم إلاّ شرطا
أحلّ حراما، أو حرّم حلالا ".

_____________________________
(1) د. وهبة الزحيلي : الفقه الإسلامي،و أدّلته،دار الفكر 1985 ،الجزء الأوّل،ص15 إلى 26 .
- المطلب الثالث: مصادر الأحكام الشرعية المتّفق عليها.
لقد
اتّفق جمهور المسلمين على الاستناد على أربعة مصادر؛وهي
القرآن،السنّة،الإجماع، و القياس، و الدّليل على ذلك حديث معاذ بن جبل(رضي
الله عنه)"الذي بعثه رسول الله(صلّى الله عليه،و سلم) قاضيا بالإسلام إلى
اليمن، -فقال له الرّسول:كيف تقضي يا معاذ إذا عُرِضَ لك قضاء ؟-قال: أقضي
بكتاب الله.-قال:فإن لم تجد في كتاب الله ؟-قال:فبسنّة رسول الله.-قال:فإن
لم تجد في سنّة رسول الله.-قال:أجتهد برأيي،ولا آلو.أي لا اُقصّر في
الاجتهاد.فضرب رسول الله(صلّى الله عليه،وسلّم) على صدره، و قال:الحمد لله
الذي وفّق رسول الله لما يرضى الله، و رسوله".
و نتناول هذه المصادر بالتّرتيب، و بالتّفصيل الآتي:
أوّلا: القرآن الكريم
هو
كتاب الله، نزل القرآن على النبيّ صلّى الله عليه،و سلّم، منّجمًا على مدى
ثلاث، و عشرين سنة؛ فبعض الآيات صرّحت بالأحكام مباشرة، و حدّدتها تحديدا
قاطعا، كآيات العبادات،و المواريث،و آيات تحريم الزنا،و القذف،و القتل
بغير حقّ،و بعض الآيات لم يُعَيَّن المراد منـها على وجه التّحديد؛ فكانت
محلّ الاجتهاد إذ لم يفصّل فيها، و جاءت بصيغة الإرشاد، والتّوجيه،
كالآيات المتعلّقة بالمعاملات الماليّة،و حتّى التّي فصّل فيها اكتفت
بالإرشاد، و التّوجيه، كآيات المداينة مثلا.
و قيل في تبرير هذا أنّ
هذه الآيات خاصّة بمعاملات تتغيّر بتغيّر الظروف،و تطوّر الزّمن، لذلك
اكتفى القرآن فيها بالقواعد الكليّة حتّى يكون النّاس في سعة من أمرهم.
و
الذي يتصدّى لاستنباط الأحكام الشّرعية من القرآن الكريم لابدّ أن يعرفه
كلّه،و هو أكثر من ستّة آلاف آية منها ما نسخ،و منها ما عدّلت أحكامها،و
لم يختلف الفقهاء في نسخ القرآن،و لكنّهم اختلفوا في نسخ القرآن
بالسنّة.فقد أجاز فقهاء المذهب الحنفي ذلك،و رأوا أنّ آية المواريث التّي
جاء
فيها :  كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصيّة
للوالدين، و الأقربين بالمعروف حقّا على المتّقين ، قد نسخت بحديث رسول
الله (صلّى الله

عليه،وسلّم): "لاوصيّة لوارث "، لكن جمهور
الفقهاء لا يتقّبلون نسخ الكتاب بالسنّة،و لو كانت متواترة (1) لـقوله
تعالى: ما ننسخ من آية،أو نسنّها نأت بخير منها، أو مثلها ألم تعلم أنّ
الله على كلّ شيء قدير.
ثانيا: السنّة
السنّة هي ما صدر عن قول
عن رسول الله(صلّى الله عليه، و سلّم) فتسمّى سنّة قولية،و قد تكون
فعلية؛و هي ما تستخلص من أفعال الرّسول (صلّى الله عليه،و سلّم)،و لا بدّ
من تحليل القول، و الفعل،و دراسة المصدر هل هو مقبول، أو لا. و قد تكون
السنّة تقريرية، و هي أن يسكت الرّسول عن عمل،أو قول، و هو حاضر، أو غائب
بعد علمه به.و قد يبدي الرّسول موافقته، أو يظهر استحسانه له (2)، و هناك
من يزيد عن سبعة آلاف حديث تتطّلب من المجتهد قدرا من النّباهة، و قد
اختلفت المذاهـب في الأخذ بالأحاديث وفقا للثقة في الرّاوي،و الصّفات
التّي يجب أن تتوافر فيه.
ثالثا: الإجماع
إنّ الحاجة المّاسة إلى
الحكم في القضايا الجديدة في عصر الصّحابة بعد وفاة النّبي(صلّى الله
عليه،و سلّم) أدّت إلى نشأة فكرة الإجماع عن طريق الاجتهاد الجماعي.ّ
و
الإجماع عند جمهور الفقهاء؛هو اتفّاق المجتهدين من اُمّة محمد(صلّى الله
عليه،و سلّم)بعد وفاته في عصر مـن العـصور على حكم شرعي (3)، و هنـاك من
يرى ضرورة اتـفّاق جميع المجتهدين لـقول الرّسول(صلّى الله عليه، و سلّم):
" لا تجتمع أمّتي على ضلالة "، و يذهب بعض الفقهاء إلى أنّه يكفي إجماع
أكثر المجتهدين، و يستدّلون بقول الرّسول(صلّى الله عليه و سلّم):" أصحابي
كالنّجوم بأيّهم اقتديتم،اهتديتم ".و الإجماع عند جمهور الفقهاء هو اتفّاق
جميع المجتهدين.
___________________________________
(1) د. وهبة الزحيلي :أصول الفقه الإسلامي،المرجع السّابق،الجزء الثاني،ص971 و 972.
(2) د. وهبة الزحيلي :أصول الفقه الإسلامي،المرجع السّابق،الجزء الأوّل،ص 450.
(3) د. وهبة الزحيلي : نفس المرجع،ص 490 .


و
يرى الأستاذ أبو زهرة أنّه بعد إجماع الصّحابة الذي كان متواترا، و الذي
لم يختلف على إجماعهم أحد، تنازع الفقهاء في الإجماع، و لا يكادون يجمعون
على إجماع (1).
و لكن يرّد على هذا الرأي بأنّه لا يمكن قصر الإجماع
على الصّحابة فهو في متناول أهل كلّ عصر (2) لقول رسول(صلّى الله عليه، و
سلّم): " لا تزال طائفة من أمتّي ظاهرين على الحقّ لا يضرّهم خلاف من
خالفهم حتّى يأتي أمر الله ".

رابعا: القياس
و هو إلحاق أمر غير
منصوص على حكمه الشّرعي بأمر منصوص على حكمه بالنصّ عليه في الكتاب و
السنّة لاشتراكهما في علّة الحكم.و هو مشتّق من أمر فطري تقرّه العقول، و
يفرضه المنطق،إذ أساسـه ربط بين الأشياء المتماثلة إذا وُجـِدَت صفات
موّحدة بينها، فلابدّ من اشتراكهما في الحكم. و القياس هو أعمال للنّصوص
الشّرعية بأوسع مدى للاستعمال، فهو ليس تزيّدا فيها، و لكن تفسير لها(3).
و
أركان القياس هي:الأصل؛ و هو المصدر من النّصوص الذي يبيّن الحكم، الفرع؛
و هو الموضوع الذي لم ينّص على حكمه، أمّا الحكم؛ فهو الأمر الذي اتّجه
القياس إلى تَعَدِّيه من الأصل إلى الفرع لوجود علّة مشتركة بينهما.فإذا
قال سبحانه،و تعالى مثلا :  إنّما الخمر،و الميسر، و الأنصاب، و الأزلام
رجس من عمل الشّيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون .
فهذا نصّ عن الخمر،و
الحكم هو تحريمه،و العلّة من تحريمه هي الإسكار،و كذلك هو الضرر الغالب إذ
يقول سبحانه،و تعالى : يسئلونك عن الخمر،و الميسر قل فيهما إثم كبير،و
منافع للنّاس. فيمكن بهذا إلحاق النّبيذ بالخمر، و يعتبر النّبيذ فرعا، و
يمكن الإلحاق به كلّ ما فيه ضرر غالب فيكون حراما. و القيّاس الصّحيح هو
الذي لا يتعارض مع الكتاب، و السنّة بل يعدّ تطبيقا لهما.
___________________________________
(1) الإمام محمد أبو زهرة:أصول الفقه، دار الفكر، القاهرة، بدون تاريخ ص 198.
(2) د. وهبة الزحيلي :أصول الفقه الإسلامي،المرجع السّابق،الجزء الأوّل،ص 533.
(3) الإمام محمد أبو زهرة:المرجع السّابق، ص 204 إلى 209.

- المطلب الرابع:
مكانة مبادئ الشريعة الإسلامية من بين مصادر القانون الجزائري.

إنّ الشّريعة الإسلامية تعدّ مصدرا رسميّا للقانون الجزائري إذ تنّص المادة الأولى من القانون المــــدني
على ذلك، فعلى القاضي إذا لم يجد حكما في التّشريع الرّجوع إلى مبادئ الشّريعة الإسلامية، و يقوم
باستخلاصها من الكتاب، و السنّة، و الإجماع، و القيّاس، و ذلك باعتبار الشّريعة الإسلامية المصدر
الرّسمي الثاني بعد التّشريع.
و تعدّ الشريعة الإسلامية أيضا مصدرا مادّيا للقانون الجزائري، و المقصود بذلك أنّ المصدر المـــادّي،
أو
جوهر بعض نصوص القانون استمدّها المشرّع من مبادئ الشريعة الإسلامية،
فيعدّ قانون الأسرة مستمّدا من الشريعة الإسلامية فيما يتعلّق بالزّواج، و
الطّلاق، و الولاية، و الميراث، و الوصيّة، و الوقف،وتعدّ الشريعة
الإسلامية أيضا مصدرا مادّيا لبعض نصوص القانون المدني منها حوالة
الدّين،و كذلك استّمد القانون المدني الأحكام الخاصّة بتصرّفات المريض مرض
الموت من الشريعة الإسلامية كما تعـدّ أحكام خيار الرؤية المعروفة في
الشريعة الإسلاميّة مصدرا مادّيا للمادّة 352 مدني.و نظرية الظروف
الطّارئة التّي نصّ عليها القانون الوضعي مأخوذة من نظرية العذر في
الشريـعة الإسلامية، و إن كان يتـرّتب عليها فسخ العقد بالنّسبة لمبادئ
الشريعة الإسلاميّة بينما يترّتب عليها تعديل الالتزامات مع بقاءالعقد
قائما بالنّسبة للقانون الوضعي.
و قد جعل المشرّع الجزائري القرض بفائدة بين الأشخاص باطلا وفقا للمادّة 454 من القانون المدني،
و المصدر المادّي لهذا النّص هو الشريعة الإسلامية.
و يلاحظ أنّه إذا كانت الشريعة الإسلامية مصدرا مادّيا لبعض النّصوص التّشريعية، فذلك يعني أنّ
القاضي ملزم بالنّـص التّشريعي،و لا يرجع إلى مــبادئ الشريعة الإسلامية إلاّ لمــساعدته على تفسير
النّصوص المستمدّة منها.*المبحث الثاني: العرف كمصدر احتياطي للقانون.

العرف هو ما ألّفه النّاس،و ساروا عليه في تصّرفاتهم،سواء كان فعلا،أو قولا،دون أن يصادم نصّا.
و
هو يعتبر من أقدم مصادر التّشريع الإنساني، إذ أنّ البشرية بدأت بعادات، و
أعراف جـعلت منها شريعة تحتكم إليها.و لا يزال العرف إلى يومنا هذا من
أهمّ المصادر للقوانين (المادّة 1/2 من القــانـون المدني الجزائري ).و
الشريعة الإسلامية حينما جاءت وجدت كثيرا من الأعراف في المجتمع
العـربي،فأقرّت الصالح منها، و ألغت الفاسد من تلك العادات،و الأعراف.
و العرف الصحيح، كالمصالح المرسلة، يعتبر مصدرا خصبا في الفتوى، و القضاء، و الاجتهاد،فينبغي
أن يراعي في كلّ من تشريع الأحكام، أو تفسير النّصوص.
و سنتعرّض لموضوع العرف في ما يلي :
- المطلب الأوّل: مفهوم العرف،و أقسامه.
العرف هو ما استقرّ في النّفوس، و تلّقته الطّباع السّليمة بالقبول، فعلا، أو قولا، دون معارضة لنصّ،
أو إجماع سابق.
يفهم من هذا التّعريف أنّ تحقّق العرف يعتمد على عدد كبير من النّاس، اعتادوا قولا، أو فعلا تكرّر
مرّة بعد أخرى حتّى تمكّن أثره من نفوسهم، و صارت تتلّقاه عقولهم بالقبول، و الاستئناس.و من ثمّ
فإذا لم يكن الأمر المتعارف عليه شائعا بين أكثر النّاس لا يتكون به عرفا معتبرا، بل يكون من قبيل
العادّة الفردية، و السلوك الشخصي.و العرف أصل أخذ به الحنفية، و المالكية في غير موضع النصّ،
و
هو عندهم ما اعتاده النّاس من معاملات،و استقامت عليه أمورهم.و قال ابن
العربي المالكي أنّ العرف دليل أصولي بنى الله عليه الأحكام، و ربط به
الحلال، و الحرام.و قد اتّخذ من قوله عليه السّلام: « ما رآه المسلمون
حسنًا فهو عند الله حسن ».و الذي مفاده أنّ الأمر الذي يجري عليه عرف
المسلمين على اعتباره من الأمور الحسنة، يكون عند الله أمرا حسنا،و أنّ
مخالفة العرف الذي



يعدّه النّاس حسنا بشروطه المعتبرة
شرعا، يكون فيه حرج، و ضيق، بقوله: « ما جعل عليكم في الدّين من حرج ». و
من هنا، قال علماء المذهب الحنفي، و المالكي بأنّ الثابت بالعرف الصّحيح
كالثابت بالنصّ الشّرعي(1).
- ينقسم العرف إلى أربعة أقسام رئيسية :
*1/ العرف اللّفظي(أو القولي) :
- هو اتّفاق النّاس على استعمال لفظ معيّن يخالف معناه اللّغوي لأنّه شاع بينهم استعماله، بحيث
أطلق
هذا اللّفظ فهم معناه العرفي دون معناه اللّغوي.كتعارف النّاس على إطلاق
كلمة الولد على الذكر،دون الأنثى، مع أنّ الأصل اللّغوي يفيد شموله لهما
(2)، و عدم إطلاق لفظ اللّحم على السمك، مع أنّ اللّغة لا تمنع ذلك (3).و
إطلاق لفظ الدّراهم على النّقود الرّائجة في بلد ما،مع أنّ الأصل الـلّغوي
يفيد النّقود الفضيّة المسكوكة بوزن معيّن.
*2/ العرف العملي(أو الفعلي) :
- و هو اعتياد النّاس على الأفعال العادّية، أو المعاملات المدنية، أو التّجارية، و هو إمّا أن يكون
معروفا
لدى الجميع فيسمّى عامّا ( حيث تمّ التّعامل به لدى كافّة النّاس مثلا )،
و إمّا أن يكون خاصّا ببلد معيّن، أو بحرفة معيّنة.كتعارف النّاس على
تعجيل الأجرة قبل استيفاء المنفعة، أو تعارفهم على البيع بالتعاطي من غير
صّيغة لفظية، أو تعارفهم على دفع مبلغ معيّن من المهر في الزّواج قبل
الدّخول و غيرها من الأعراف العملية.
*3/ العرف العامّ:
- و هو الذي ألّفه النّاس، و اعتادوه في كلّ البلاد في وقت من الأوقات، من حاجات، و لـــــوازم
أصبحت جارية في أغلب الحاجات، كتعارف النّاس في الصّناعات، و الحرف التّجارية، و الجلوس
في المقاهي دون تحديد المدّة،و دخول الحمّام دون شروط،و إقامة وليمة الزّفاف عند الزّوج،و غيرها.

___________________________________
(1) الإمام محمد أبو زهرة / أصول الفقه ص 261. (2) كقوله تعالى : " يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين...".
(3) كقوله تعالى: " و هو الذي سخّر البحر لتأكلوا منه لحما طريا " النّحل14.

*4/ العرف الخاصّ:
- و هو الذي يتعارف عليه أهل بلد دون بلد، أو إقليم دون آخر، أو طّائفة من النّاس دون أخرى
كتعارف التجّار على أنّ العيب ينقص الثمن في البيع، و تعارفهم على استعمال خيار الرؤية في البيع
عن رؤية نموذج من البضاعة كلّها، و تعارف أهل بعض البلاد على تقسيم المهر إلى جزئين معجـّل،
و مؤجّل، و غيرها.

. المطلب الثاني: مزايا العرف، و عيوبه.
*1/ مزايا العرف:
يرجع الفضل في إبراز أهميّة العرف، ومزاياه للمدرسة التّاريخية التّي تعطي الأولوية للعرف على
التّشريع؛ إذ تبيّن أنّ العرف:
1 – يلائم،أو يوافق حاجات الجماعة،لأنّه ينشأ باعتياد النّاس عليه،فيأتي على قدر متـطلّـــبـات
المجتمع باعتباره ينبثق من هذه المتطّلبات،فبظهور متطّلبات جديدة تنشأ أعراف جديدة تزول بزوال
هذه المتطلبّات.
2– كما أنّه يوافق إرادة الجماعة أيضا باعتباره يصدر عنها،و ينشأ في ضمير
الجماعة،فهو قانون أكثر شعبية من التّشريع لأنّ مصدره الشّعب، بينما
التّشريع يصدر من السّلطة فيوافق إرادتها فقط،و قد سبق القول بأنّ
القوانين إذا صدرت بهذا الشّكل لن تستمرّ طويلا.
3 – إنّ العرف قابل للتطّور وفقا لتطّور الظروف الاجتماعية، و الاقتصادية، فهو يـتـطّور بـتــطّــور
المجتمع،و يزول إذا زالت الحاجة التّي أدّت إلى ظهوره.
*2/ عيوب العرف:
يمكن إبراز عيوب العرف في المسائل التّالية :
1 – العرف بطيء التّكوين، و كان يعتمد عليه في مرحلة كان فيها التطّور الاقتصادي،و الاجتماعي
بطيئين،
و لكن الآن مع سرعة تطّور المجتمع في جــميع المجالات لا يمــكن الاعتماد
عـليه لتطــّورالمجتمع في الحالات التّي تتطّلب السرعة.


2 – العرف متعدّد بل قد يكون محلّيا خاصّا بمنطقة معيّنة،ممّا يؤدّي إلى تعدّد القواعد القانــونية،
بينما التّشريع موّحد يطّبق على الكّافة.لهذا يظلّ التّشريع أوّل مصدر للقـانون، و أهمّه، لأنّه يحقّـق

وحدة القانون، و الأمن، و الاستقرار، إلى جانب كونه قابلا للتطّور بسرعة كلّما
تطّلبت الأوضاع ذلك،فيتّم إلغاء التّشريع القديم، أو تعديله، و صدور تشريع
جديد.
3 – إنّ القواعد العرفية مرنة، و عدم كتابتها يجعلها صعبة بحيث يكون من العسير ضبطها،بينما
التّشريع يسهل ضبطه لكونه مكتوبا.
و لا تعني هذه العيوب أنّ العرف قليل الأهميّة، و لكنّه يعدّ أقلّ فائدة من التّشريع، و تـــظلّ له
مكانته بحيث يعدّ المخرج العملي في حالة عدم وجود نصّ تشريعي إذ يرجع القاضي على العــرف
الجاري،كما أنّ المشرّع يستعين بالعـرف في مسائل معيّنة لا عنه بصددها،إذ هناك مسائل تقـتـضي
طبيعتها أن تكون لها حلول متـنّوعة قابلة للتـغيير، و بفـضل عـدم تجميدها، أو تقـييدها بنصوص
تشريعية تحول دون تطّورها المستمّر.
. المطلب الثالث: أركان العرف.
للعرف ركنان:ركن مادّي،و ركن معنوي يميّزه عن العادّة الاتـّفاقية.

الركن المادّي:
و يتمثّل في اطّراد،أو تكرار سلوك النّاس في مسألة معيّنة بما يكفي لإنشاء عادة Usage تتوفرّ فيها
شروط أساسيّة، و هي:
- أن تكون عامّة(Usage général) و يكفي أن تكون كذلك،و لو كان العرف محلّيا،أو مهنيا.
-
أن تكون قديمة) (Usage ancien أي مضت على ظهورها مدّة كافية لتأكيد
استقرارها. و تختلف هذه المدّة باختلاف البيئة،و هكذا تتحقّق الأقدمية
للعادة التي تنشأ في البيئات التجارية لكثرة تكرارها في وقت أقصر مقارنة
بالعادة التي تنشأ في بيئة زراعية.
- أن تكون العادة ثابتة (Usage constant) أي اتبعت بنفس الصورة منذ ظهورها بغير انقطاع.



الركن المعنوي:
هو اعتقاد الناس بالزاميّة العادة، أي شعور الناس كافّة بأنّهم ملزمون باتّباع هذه العادّة لأنّــــــــها
أصبحت
قاعدة قانونية،و يتعرّضون لجزاء في حالة مخالفتهم لها،و لا يوجد ضابط يمكن
الاستناد إليه لتحديد الوقت الذي يتمّ فيه توافر الشــعور بإلزام العرف. و
لكن ينشأ هذا الشعور تـدريجيّا، و متـّى استقرّ أصبحت العادّة عرفا.و
الركن المعنوي هو الذي يفرّق بين العرف، و العادّة إذ لو افتقدت العادّة
الركن المعنوي، ظلّت عادة فقط،و ليست عرفا، فتكون غير واجبة التّطبيق كما
أنّ التقاليد الاجتـماعية كالعادات المتعلّقة بآداب الزيارات،و التهنئة،و
تقديم الهدايا في المناسبات حتّى لو كانت عادات عامّة ثابتة،و
قديمة،فإنّها ليست عرفا،لعدم شعور النّاس بإلزاميتها فمخالفتها لا يترّتب
عنها جزاء.

العرف، و العادة الاتّفاقية.
يشترط العرف توفرّ الركنين المادّي، و المعنوي في نفس الوقت، و من ثمّ يتميّز عن مجرّد العــــادة
التـّـي يعمل بها دون أن يسود الاعتقاد بإلزامها، و لا يتحقّق فيها هذا العنصر إلاّ باختـيار الأفـراد
حينما يعبّرون عن إرادتـهم إزاءها بالاتـّـفاق على الأخذ بها،و لذلك يطلق عليها العادة الاتــّفاقية
( L’usage conventionnel).
و بما أنّ العادة يكون إلزامها بالاتـّفاق عليها فهي تخـتلف عن القاعدة المكملّة تشـريعية كـــــانت،
أو عرفية التـّي لا يلزم تطبيقها إلاّ إذا لم يوجد الاتـّفاق على خلافها.
و جدير بالذكر أنّ العادة غالبا ما تنتهي إلى أن تصير عرفا، و ذلك حينما تتوفرّ على عنـصر الإلـزام
المبني
على عقيدة عامّة في وجوب احترام السنّة التّي تجري بها العادّة، و وجوب
كفالة هذا الاحترام بقوّة القهر المادّي التّي تمارسها السّلطة العامّة، و
يترّتب على التفرقة بيــن العرف، و العادة الاتفاقية نتائج هامّة نذكر من
بينها ما يلي: العرف كأيّ قاعدة قانونية يطبّق فــي شأنه مبدأ لا عــــذر
بجهل القانون،أمّا العادة،و هي واقعة مادّية أساس إلزامها إتـّفاق الأفراد
فلا يصّح افتراض العلم بها.


العرف كأيّ قاعدة قانونية يلزم القاضي حتّى، و لو لم يطلب الخصوم تطبيقه على خلاف العادّة
التّي لا تطبّق إلاّ عند التمسّك بها من طرف المتقاضين، و من ثمّ يقع عليهم إثبات وجودها المادّي في
حين يلزم القاضي بمعرفة العرف كما يلتزم بمعرفة القانون بوجه عامّ، و إن كان له أن يتوسّل بكلّ
الطرق للوقوف على العرف بما فيها الاعتماد على الإثبات المقدّم من الخصوم، و خاصّة حينما يتعلّق
العرف المراد إثباته بمهنة معينّة حيث تكون الكلمة الحاسمة لذوي الاختصاص، و الكلمة الأخـيرة
للقاضي بمقتضى سلطته التّقديرية،و إن كان يخضع في هذه السلطة لرقابة المحكمة العليا باعتبــار
العرف قانونا أحال عليه التّشريع صراحة،و لا يخضع القاضي طبعا لهذه الرّقابة حينما يتعلّق الأمر

بمجرّد العادة إلاّ في حدود إثبات المتقاضين وجود اتـّفاق بينهما بشأن هذه العادّة فيطّبق آنذاك المبدأ
القانوني:العقد شريعة المتعاقدين ممّا يخوّل المحكمة العليا سلطتها في الرّقابة على تطبيق هذا المبدأ.
- المطلب الرابع: دور العرف،و أساس القوّة الملزمة له.
من وظائف العرف الأساسية دوره التّكميلي للتّشريع،و هذا عند سكوت هذا الأخير لكن للعرف
وظائف أخرى فقد يلعب دورا مساعدا للتّشريع غالبا بإحالة من هذا الأخير لكن إلى أيّ مدى يصـحّ
مخالفة العرف للتّشريع ؟.
العرف المكمّل للتّشريع.
إنّ الدور الأساسي للعرف باعتباره مصدرا رسميّا احتياطيا للقانون هو دوره المكملّ للتّشريع فـــــإذا
وجد نقص في التّشريع فيمكن أن يلجأ إليه لحلّ نزاع قانوني مثلا،و ذلـــك تطبيقا للمادّة الأولى من
القانون المدني التّي تنّص على ذلك صراحة لكن لابدّ من معاينة القاضي لهذا النّقص في التّشريع من
جهة، و لعدم إمكان سدّ هذا النّقص باللجوء إلى مبادئ الشريعة الإسلامية باعتبارها
المصدر الاحتياطي الأوّل من جهة ثانية.و يعلّل الفقه دور العرف المكمّل في
القوانين التي لا تجعل منه مصدرا احتياطيـا صراحة بأمرين:أولّهما أنّ سكوت
المشرّع عن مسألة معينّة يحتمل أن يفسّر بوجود عرف ثـابت يدّل في ذاته على
صحّة السّلوك المتبّع ممّا يستبعد الحاجة إلى تدّخل المشرّع لتـــغييره،


و ثانيهما أنّه عندسلوك القانون من الأفضل الاعتراف للعرف الموجود بالقوّة
الإلزامية لما في ذلك من ضمان للاسـتقرار القانوني، فالنّظام القانوني
يكون آنذاك مزوّدا بقاعدة سلوك مشهورة، و شّائعة يمكن لأيّ شخص أن يرجع
إليها على الأقلّ طالما لم يتدّخل التّشريع بما يتنافى معها و يلعب العرف
دوره على هذا النّحو،أي كمصدر رسمي تكميلي بالنّسبة لكلّ المعاملات التّي
تسري في شأنها مختلف فروع القانون.على أنّ هذه القاعدة لا تطّبق بنفس
الوتيرة، و القوّة بالنسبة لكلّ فروع القانون.
فمثلا بالنّسبة لقانون العقوبات حيث يسود مبدأ لا جريمة، و لا عقوبة، و لا تدبير أمن بــــــغـير
قانون ( م 1 ق ع ) لا مكان إطلاقا للعرف بوصفه مصدرا تكميليا،و من ثمّ فعلى القاضي حين لا يجد
نصّا في التّشريع يقضي بتجريم الفعل، و العقاب عليه، أن ينطق بالبراءة دون تردّد.و لكن العرف قد
يلعب هنا؛ أي في القانون الجنائي كما في غيره من الفروع دورا مساعدا مثلا لتحديد مضمون النــصّ
كما سيأتي.
أمّا بالنسبة للقانون التجاري فنظرا للمكانة المتميّزة للعرف في هذا القانون فإنّ هذه القـاعدة قــــد
تستبعد أصلا للسّماح لقاعدة عرفية بمخالفة قاعدة تشريعية كـما سـيأتي. كما تجدر الإشـارة إلى أنّ
القواعد العرفية تتمتّع بمكانة خاصّة في مجال القانون الدّولي،و لكن يتعلّق الأمر هنا بالعرف الدّولي.

العرف المساعد للتّشريع.
يمكن أن يلعب العرف دورا مساعدا للتّشريع، و يلاحظ في هذا الصدد أنّ التّشريع ذاته غـــالبـا ما
يحيل على العرف كما هو الشأن في القواعد المكملّة التّي غالبا ما تنتهي بالعبارة التّالية ما لم يوجد
اتّفاق، أو عرف يقضي بغير ذلك كما جاء مثلا في المادّتين 387، و388 من القانون المدني )، و قـد يلعــب
العرف
دورا في تحديد مضمون النصّ التّشريعي، و من أمثلة ذلك القاعدة التي تقرّر
أنّ العقد لا يقتصر على إلزام المتعاقد بما ورد فيه فحسب بل يتناول أيضا
ما هو من مستلزماته وفقا للقانون،و العـرف،و العدالة بحسب طبيعة الالتزام
( م 107 من القانون المدني )،و هكذا يمكن الاستعانة هنا بالــعرف لتحديد
المقصود بعبارة " مستلزمات العقد "، و نفـس الأمر بالنّسبة للعيوب التـّي
يتضـمنّها المؤجـرّ،و مسؤولية البائع عن النّقص في مقدار المبيع التّي
تحدّد بحسب ما يقضي بــــــه


العرف (المادّة 365 ف1من القانون
المدني ) كما يكون للعرف أيضا دور في الكشف على القصد عند المتعاقدين، و
هكذا يحيل القانون على العرف للاسترشاد به من طرف القاضي للتعرّف على نيّة
المتعاقدين مثلا في المادّة 111 ف2 من القانون المدني التّي تنّص على أنّه
" إذا كان هـناك محلّ لتأويل العـقد فيجـب البحث عـن الـنيـّة المشتركة
للمتعاقدين دون الوقوف عند المـعنى الحرفي للألفاظ مع الاستهداء في ذلك
بطبيعة التّعامل، و بما ينبغي أن يتوافر من أمانة،و ثقة بين
المتعاقدين،وفقا للعرف الجاري في المعاملات ".

أساس القوّة الملزمة للعرف.
طرحت في الفقه الإسلامي مسالة الأساس الذي يستمّد منه العرف قوّته الإلزامية، و اقترحت في هذا
الصدد
عدّة نظريات من بين هذه النظريات تلك التّي تبني إلزام العرف على إرادة
المشرّع، و لكن سبق العرف للتّشريع كاف لدحض هذه النّظرية، و هجرها،و
البحث عن أساس آخر.و هكذا أوجد الفقـــه أساس الضّمير الجماعي باعتبار أنّ
الــــــقانون استنادا إلى المذهب التّاريخي ينشأ،و ينمو في ضــمير
الجماعة، و العـرف أفــــضل وسيلة للتّعبير عن ذلك، و الكشف عنه
مباشرة.لكن إلى هذا الحدّ يكون المذهب التّاريخي قد أسهم في بيان العناصر
المكونّة للعرف، و خاصّة العنصر المعنوي دون ينـــــفذ إلى جوهر أساس
إلزام العرف لغموض الفكرة المبنيّة عليها أصلا النظرية التّاريخية.
اقترح كذلك أساس آخر هو الأساس القضائي، بمعنى أنّ العرف يأخـذ قوّته الإلـزامية بعـد أخذ
المحاكم
به، و لا شكّ أنّ هذه الفكرة لها ما يبــررّها في نظام السّوابق القضائية
(النظام الإنجليزي )، و لكن يكفي الرّجوع إلى إلزامية القواعد العرفية
المهنية لدحض هذه النظرية التّي لا تستقيم أيضا مــن زّاوية كون القضاء
يطّبق القانون الذي يسبق إلزامه كلّ ما هنالك أنّ القضاء يمكن أن يساعد في
تحديد مضمون العرف، و تدعيم قوّته الإلزامية، و هكذا ينتهي الرأي الغالب
إلى أنّ للعرف قوّة إلزامية ذاتية معترف بها من السّلطة العامّة ( م 1 ق
مدني ).




*المبحث الثالث: مبادئ القانون الطّبيعي،و قواعد العدالة .
ذكر المشرّع الجزائري في-المادّة الأولى من القانون المدني- مبادئ القانون الطّبيعي، و قــــواعد العدالة
كمصدر
يــمكن أن يلجأ إليه القاضي عندما لا يجد قــاعدة يطّبقها لا في
التّـــشريع،و لا في المصدرين الاحتياطيين المدروسين سابقا؛ أي مبادئ
الشّريعة الإسلامية،و العرف.

- المطــــلب الأوّل: المقصود بمبادئ القانون الطّبيعي، و قواعد العدالة.
إنّ القانون الطّبيعي فكرة يسودها غموض كبير منذ نشأتها القديمة حيث كانت تعني نــــوعا من
إسقاط التوازن المثالي للطّبيعة على الحياة الاجتماعية،ممّا يضمن سيادة مبدأ سامي للعدالة،و مـن
ثمّ يقترن القانون الطّبيعي دائما بفكرة العدالة.
كما أنّ القانون الطّبيعي يقصد به تلك القواعد المثلى في المجتمع،كالقيم الإنسانية المتعلّقة بالـــخير،
و
الشرّ،و هناك مـن عرّفها أنّـها مجموعة المبادئ العليا التّي يسلّم العـقل
الإنساني السّـليم بضرورتها في تنظيم العلاقات بـين الأفراد داخل المجتـمع
الإسلامي، أمّا قواعد العدالة فهي تلك الفكرة المرنة،و التّي يختلف
مفهومها من شخص إلى آخر.
و من بـين المـبادئ المستعملة من قواعـد العدالة حماية حقوق الإنسان، و حماية الملكية الأدبية،
و الفنيّة، و عدم التعسّف في استعمال الحقّ.
- المطــــلب الثاني:
المقصود بالإحالة على مبادئ القانون الطّبيعي،و قواعد العدالة .
لكي نفهم المقصود بإحالة المشرّع على مبادئ القانون الطّبيعي،و قواعد العدالة،لابدّ من التــــــّذكير
بالكيفية التّي دخل فيها القانون الطّبيعي التّقنيات، و أخذ الصّبغة الرّسمية فيها.
لقد سبقت الإشارة إلى أنّ القانون الطّبيعي يعتبر المصدر المادّي الأسـاسي للـــــــقانون الوضعي، إذ
يستلهمه المشرّع من مبادئه العامّة لوضع القواعد التّفصيلية لهذا الأخير، و هي التّي يطبّقها القاضي.
و لكن ما دور مبادئ القانون الطّبيعي،و قواعد العدالة بالنّسبة للقاضي ؟


يتبيّن من قراءة أوليّة للمادّة الأولى من القانون المدني أنّ المشرّع قد رتّب مبادئ القانون الطّبيعي،
و قواعد العدالة في المرتبة الثالثة من بين المصادر الرّسمية الاحتياطية، و لكن سرعان ما يتبيّن مـن
قراءة تحليلية، و تّاريخية لهذا المصدر الاحتياطي للقانون أنّ المشرّع ما كان يقصد بالإحالة إليــــه
اعتباره حقيقة مصدرًا رسميًّا احتياطيًّا، و لكن مجرّد مصـدر مادّي يستعـين به القاضي في إيــــجاد
الحلّ للنّزاع المعروض عليه حينما لا تسعفه في إيجاد هذا الحلّ، المصادر الأصلية، و الاحتيـاطية.

فمن زاوية تحليلية لفكرة القانون الطّبيعي يلاحظ أنّه على خلاف المصادر الاحتياطية الأخـــــــرى
لا يتضمنّ هذا المصدر الأخير قواعد دقيقة محدّدة قابلة للتّطبيق، إذ هو من المبادئ، و القيّم المثـالية
التي تقوم بها البشرية جمعاء؛ فالقاضي لا يجد إذن أمامه قواعد يطبّقها هنا، و إنّما يعتمد عل هذه
المبادئ المثالية،و يضع نفسه في مكان المشرّع،و ينشئ قاعدة من هذه المبادئ،و يطبّـــقها على النّزاع
المعروض عليه،لكن هذه القاعدة ينتهي مفعولها بحلّها للنّزاع الذي وضعت من أجــل حلّه؛فالقاضي
يطبّق القانون،و لا ينشئه،و ممّا يؤكدّ هذه الفكرة أنّ الفقهاء بما فيهم كبار أنصار القـــانون الطّبيعي
لم ينظروا أبدا إليه كمجرّد قانون يتضمنّ مبادئ عامّة موّجهة للحلول العادلة التي يستــخلصها من
هذا القانون المشرّعون حسب الوضع الاجتماعي الذي يريدون تنظيمه، فلا يمكن إذن تصّور أن يكون
القانون الطّبيعي مصدرا رسميا للقانون، بل مصدرًا احتياطيًّا له.

- المطــــلب الثالث: مدى ملائمة الإحالة إلى مبادئ القانون الطّبيعي، و قواعد العدالة.

-
إننّا نرى أنّ نصّ المادّة الأولى من القانون المدني على إحالة القاضي إلى
مبادئ القانون الطبيعي، و قواعد العدالة ليس له ما يبرّره،ذلك أنّ هذه
المادّة تعدّ الشريعة الإسلامية المصدر الاحتياطي الرّسمي الأوّل بعد
التشريع،و مبادئها هي الأدّق،و الأكثر انضباطا،لكن مبادئ القانون الطبيعي،
و قواعد العدالة تنوب عنها، و المستخلص أنّ التشريع أصل يحيل إليها.
** الخاتمة:

و في ختام ما عرضناه في بحثنا هذا، يتلّخص لنا في الأخير أنّ المصادر
الرّسمــية للقانون التي تمّت دراستها سابقا ليست كافية،و القاضي يجب عليه
فصل النّزاع المعروض عليه، و ذلك باللّجوء إلى المصادر الاحتياطيّة
للقـانون، بـدءًا بالشّريعة الإسلاميـة،ثمّ العـرف، و آخِرُها مبادئ
القانون الطّبيعي و قـواعد العدالـة،نظرا للدّور الكبير الذي تلعبه في حال
قصور التشريع.و قـــد حاولنا جـهدنا أن نعطي لكلّ مصــــدر من المصادر
الاحتياطية حقّه في الشّرح، و التّفصيل،على ضـوء ما وجدناه في المصادر، و
المراجع القانونية التي بحثنا فيها، لذا نرجو أننّا وفّقنا،و وضحنّا، و لو
جزءا بسيطا من موضوع بحــثنا، و إن لم نـحقّق ذلك فحسبنا أننّا حاولنا،و
تبارك ذو الكمال سبحانه جلّ و على ،عليه توّكلنّا، و استعنا،و استهللنا
عرضنا،و بحمده نختمه، و سلام على إمام الهادين، و على الأنبياء، و
المرسلين،و الصّحابة أجمعين.

******************************
مصادر البحث، و مراجعه:

 الأستاذة / محمدّي زواوي فريدة مدخل إلى العلوم القانونية ،( ص 06 ).
__________________________________________


 الأستاذ الدكتور / زعلاني عبد المجيد المـدخـل لـدراسـة الــقــانــون
- النظرية العامّة للقانون – ،(ص 75 ).
___________________________________________

 الدكتور / بلحاج العربي" أستاذ محاضر بمعهد الحقوق – جامعة وهران -"
 المدخل لدراسة التّشريع الإسلامي،( ديوان المطبوعات الجامعية).

__________________________________________

 الدكتور / جعفور محمد سعيد مدخل إلى العلوم القانونية-الوجيز في نظرية القانون- ، ( الطبعة الثالثة عشر: دار هومه).
__________________________________________


الدكتور / بو الشعير سعيد القانون الدستوري،و النظم السياسية
المقارنة-النظرية العامّة للدولة و الدستور- ج01 ،( الجزائر: المؤسسة
الوطنية للكتاب:1992).

sarasrour
2011-11-21, 00:11
المصادر الاحتياطية للقانون *خطّة البحث :

- المقدّمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـة.


* المبحث الأوّل : الشريعة الإسلامية كمصدر احتياطي للقانون .
• المطلب الأوّل: مـــفــــهــــوم الــــشــــريــعـــة الإسـلامـية لـغــة، و اصــطـلاحـا.
• المطلب الثاني: التفرقة بين الفقه الإسلامي، و مبادئ الشريعة الإسلامية.
• المطلب الثالث: مــصــادر الأحــكــام الــشــرعــيــة الــمــتّــفــق عـــلـــيـــهــــا.
• المطلب الرابع: مكانة مبادئ الشريعة الإسلامية من بين مصادر الـــقانون
الـجـزائـري .

*المبحث الثاني: العرف كمصدر احتياطي للقانون.
• المطلب الأوّل: مـــــفــهــوم الـــعـــرف، و أقـــســـامــه.
• المطلب الثاني: مــــــزايـــــا الـــعــــرف، و عــــيــوبــــه.
• المطلب الثالث: أركــــــــــان الــــــــعـــــــــــــــــــــــــــرف.
• المطلب الرابع: دور العرف، و أساس القوّة الملزمة له.

*المبحث الثالث: مبادئ القانون الطّبيعي، و قواعد العدالة.
• المطلب الأوّل: الـمـقــصــود بمــبادئ الــقانون الــطّـــبيعـي، و قـواعـد الــعــدالـة.

المطلب الثاني: المقصود بالإحالة على مبادئ القانون الطّبيعي،و قواعد
العدالة. • المطلب الثالث: مدى ملائمة الإحالة إلى مبادئ القانون
الطّبيعي، و قــواعد العدالة.

- الخـــــــــــــــــــــــــــاتمـــــــــــــــــ ـة.




** المقدّمة:

بسم الله عليه نستعين، و سلام على نبيّيه، و الصلاة على حبيبه الصادق الأمين أمّا بعد..
لا
شكّ أنّه حدث أن تساءلنا عمّا يلجأ إليه القاضي في حــال لم يجد نصّا،أو
حلاّ في التـّشريع المعروض عليه؛و من هذا المنطلق أتى بحثنا هذا مجيبا عن
هذا التساؤل لأهميته القصوى.
فكلنّا يعلم أنّ التشريع هو أولّ ما يلجأ إليه القاضي باعتباره المصدر الرّسمي الأوّل،و لـــكنّ
التشريع
كثيرا ما يكون قاصرا، و هذا ما يستدعي لجوء القاضي في هذه الحال إلى مصادر
أخرى فرعية تدعى: المصادر الاحتياطية للقانون، و يكون مجبرا على تطبيقها،
و إلاّ يُعتبر مرتكبا لجريمة إنكار العدالة.و هذه المصادر سنتناولها من
الأهمّ إلى المهمّ بدءًا بمبــادئ الـشريعة الإسلامية، كمصدر رسميّ
احتياطيّ بعد التّشريع- و هذا نظرًا لشمولــية الدّين الإسلامي،و ما
يتضّمنّه من أحكام عامّة، و شاملة؛ فالشريعة الإسلامية حسب اتفّاق العلماء
هي مصـدر كلّ تشريع، أو تنظيم في المجتمع الإسلامي- لِيليها العرف،ثمّ
مبادئ القانون الطّبيعي،و العدالة.
و موضوعنا هذا برّمته يتبلور في إشكالية أساسية مفادها:
- ماهي المصادر الاحتياطية للقانون،و ما مدى أهميتّها ؟








* المبحث الأوّل: الشريعة الإسلامية كمصدر احتياطي للقانون.

تعدّ
الشريعة الإسلامية المصدر الاحتياطي الأوّل حسب ما جاء في ترتيب المادّة
الأولى من القانون المدني الجزائري،فهي تعتبر مصدرا مادّيا،و رسميا في نفس
الوقت،أضف إلى ذلك هي نظام شامل لجميع مجالات الحياة - الرّوحية، و
الأخلاقية، و العملية – دون أن نفصّل بين أجزائها، و جوانبها المختلفة.

- المطلب الأوّل: مفهوم الشريعة الإسلامية لغة، و اصطلاحا
تستعمل
كلمة الشريعة في لغة العرب في معنيين:أحدهما الطّريقة المستقيمة؛ و من هذا
المعنى قوله تعالى:  ثمّ جعلناك على شريعة من الأمر فاتبّعها، و لا تتبّع
أهواء الذين لا يعلمون  الجاثية (08).
و الثاني هو مورد الماء الجاري
الذي يُقصد للشُرب، و منه قول العرب:'' شرعت الإبل إذا وردت شريعة الماء
لتشرب ''، شبهتها هنا بمورد الماء لأنّ بها حياة النّفوس، و العقول، كما
أنّ في مورد الماء حياة للأجسام.
و أمّا في الاصطلاح الفقهي: فتطلق على
الأحكام التّي شرّعها اللّه لعباده على لسان رسول مــن الرّسل، فسميّت هذه
الأحكام بالشريعة لأنّها مستقيمة لا انحراف فيها عن الطّريق المستقيم؛
محـــكمة الوضع لا ينحرف نظامها، و لا يلتوي عن مقاصدها.أمّا
الإسلامية:فهذه نسبة إلى الدّين الإسلامي الذي يستعمل في الاصطلاح
الشّرعي؛ بمعنى الانقياد لأوامر الله، و التّسليم بقضائه، و أحكامه، و إلى
العقائد الأهلية، و الأسس، و المبادئ للعقيدة الإسلامية، فالدّين، و
الشّريعة، و الملّة بمعنى واحد.
- و من الشّريعة الإسلاميّة بمعناها
الفقهي؛ اشتّق الشّرع، و التّشريع؛ بمعنى سنّ القواعد القانونية سواء عن
طريق الأديان،و يسمّى تشريعا سمويًا،أم كانت من وضع البشر،و صنعهم؛فتسمّى
تشــريعا وضعيًّا.


.المطلب الثانـي: التفرقة بين الفقه الإسلامي،و مبادئ الشريعة الإسلامية .
فـالفقه
هو الاجتهاد للتّوصّل إلى استنباط الأحكام الشرعية من الأدّلة
التّفصـيلية،و هو الجانب العملي من الشّريعة،و قد نشأ تدريجيا منذ عصر
الصّحابة نظرا إلى حاجة النّاس لمعرفة أحكام الوقائع الجديدة (1)، وظهرت
عدّة مذاهب فقهية إلى أن انتهى الأمر إلى اســتقرار الأربعة مذاهب
الرئيسية؛و هي:المذهب المالكي، و الحنفي، و الشافعي، و المذهب الحنبلي.و
تتميّز هـذه المذاهب باختلافها في بعض الأحكام التّفصيلية.
أمّا
بالنسبة لـمبادئ الشّريعة؛فهي الأصول الكليّة التّي تتفرّع عنها الأحكام
التّفصيلية،فهي المبادئ العامّة التّي لا تختلف في جوهرها من مذهب لآخر،و
هذا يعني أنّ النّظام القانوني في الشّريعة الإسلامية قائم على قواعد، و
أحكام أساسيّة في كلّ الميادين، و أنّ نصوص الشّريعة الإسلامية أتـــت في
القرآن،و السنّة بمبادئ أساسية،و تركت التفصيلات للاجتهاد في التّطبيق
بحسب المصالح الزمنية، إلاّ القليل من الأحكام التّي تناولتها بالتفصيل
كأحكام الميراث، و بعض العقوبات،و من ضمن المبادئ الأساسية في قسم الحقوق
الخاصّة:
أ. اعتبرت الشّريعة الإسلامية كلّ فعل ضارّ بالغير موجبا
مسؤولية الفاعل،أو المتسّبب، و إلزامه بالتعويض عن الضرر، و هذا المبدأ
تضمنّه الحديث الشّريف:" لا ضرر، و لا ضرار ".
ب. مبدأ حسن النيّة في المعاملات،تضمنّه الحديث الشّريف:" إنّما الأعمال بالنيّات ".
ج. مبدأ أنّ العقد ملزم لعاقديه،فقد تضمنّته الآية القرآنية: يا أيّها الذين آمنوا أوفوا بالعقود  سورة المائدة
د.
المتعاقدون أحرار في وضع شروطهم إلاّ ما يخالف النّظام العام،و الآداب
العامّة،و هذا ما تضمنّه الحديث الشّريف: " المؤمنون عند شروطهم إلاّ شرطا
أحلّ حراما، أو حرّم حلالا ".

_____________________________
(1) د. وهبة الزحيلي : الفقه الإسلامي،و أدّلته،دار الفكر 1985 ،الجزء الأوّل،ص15 إلى 26 .
- المطلب الثالث: مصادر الأحكام الشرعية المتّفق عليها.
لقد
اتّفق جمهور المسلمين على الاستناد على أربعة مصادر؛وهي
القرآن،السنّة،الإجماع، و القياس، و الدّليل على ذلك حديث معاذ بن جبل(رضي
الله عنه)"الذي بعثه رسول الله(صلّى الله عليه،و سلم) قاضيا بالإسلام إلى
اليمن، -فقال له الرّسول:كيف تقضي يا معاذ إذا عُرِضَ لك قضاء ؟-قال: أقضي
بكتاب الله.-قال:فإن لم تجد في كتاب الله ؟-قال:فبسنّة رسول الله.-قال:فإن
لم تجد في سنّة رسول الله.-قال:أجتهد برأيي،ولا آلو.أي لا اُقصّر في
الاجتهاد.فضرب رسول الله(صلّى الله عليه،وسلّم) على صدره، و قال:الحمد لله
الذي وفّق رسول الله لما يرضى الله، و رسوله".
و نتناول هذه المصادر بالتّرتيب، و بالتّفصيل الآتي:
أوّلا: القرآن الكريم
هو
كتاب الله، نزل القرآن على النبيّ صلّى الله عليه،و سلّم، منّجمًا على مدى
ثلاث، و عشرين سنة؛ فبعض الآيات صرّحت بالأحكام مباشرة، و حدّدتها تحديدا
قاطعا، كآيات العبادات،و المواريث،و آيات تحريم الزنا،و القذف،و القتل
بغير حقّ،و بعض الآيات لم يُعَيَّن المراد منـها على وجه التّحديد؛ فكانت
محلّ الاجتهاد إذ لم يفصّل فيها، و جاءت بصيغة الإرشاد، والتّوجيه،
كالآيات المتعلّقة بالمعاملات الماليّة،و حتّى التّي فصّل فيها اكتفت
بالإرشاد، و التّوجيه، كآيات المداينة مثلا.
و قيل في تبرير هذا أنّ
هذه الآيات خاصّة بمعاملات تتغيّر بتغيّر الظروف،و تطوّر الزّمن، لذلك
اكتفى القرآن فيها بالقواعد الكليّة حتّى يكون النّاس في سعة من أمرهم.
و
الذي يتصدّى لاستنباط الأحكام الشّرعية من القرآن الكريم لابدّ أن يعرفه
كلّه،و هو أكثر من ستّة آلاف آية منها ما نسخ،و منها ما عدّلت أحكامها،و
لم يختلف الفقهاء في نسخ القرآن،و لكنّهم اختلفوا في نسخ القرآن
بالسنّة.فقد أجاز فقهاء المذهب الحنفي ذلك،و رأوا أنّ آية المواريث التّي
جاء
فيها :  كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصيّة
للوالدين، و الأقربين بالمعروف حقّا على المتّقين ، قد نسخت بحديث رسول
الله (صلّى الله

عليه،وسلّم): "لاوصيّة لوارث "، لكن جمهور
الفقهاء لا يتقّبلون نسخ الكتاب بالسنّة،و لو كانت متواترة (1) لـقوله
تعالى: ما ننسخ من آية،أو نسنّها نأت بخير منها، أو مثلها ألم تعلم أنّ
الله على كلّ شيء قدير.
ثانيا: السنّة
السنّة هي ما صدر عن قول
عن رسول الله(صلّى الله عليه، و سلّم) فتسمّى سنّة قولية،و قد تكون
فعلية؛و هي ما تستخلص من أفعال الرّسول (صلّى الله عليه،و سلّم)،و لا بدّ
من تحليل القول، و الفعل،و دراسة المصدر هل هو مقبول، أو لا. و قد تكون
السنّة تقريرية، و هي أن يسكت الرّسول عن عمل،أو قول، و هو حاضر، أو غائب
بعد علمه به.و قد يبدي الرّسول موافقته، أو يظهر استحسانه له (2)، و هناك
من يزيد عن سبعة آلاف حديث تتطّلب من المجتهد قدرا من النّباهة، و قد
اختلفت المذاهـب في الأخذ بالأحاديث وفقا للثقة في الرّاوي،و الصّفات
التّي يجب أن تتوافر فيه.
ثالثا: الإجماع
إنّ الحاجة المّاسة إلى
الحكم في القضايا الجديدة في عصر الصّحابة بعد وفاة النّبي(صلّى الله
عليه،و سلّم) أدّت إلى نشأة فكرة الإجماع عن طريق الاجتهاد الجماعي.ّ
و
الإجماع عند جمهور الفقهاء؛هو اتفّاق المجتهدين من اُمّة محمد(صلّى الله
عليه،و سلّم)بعد وفاته في عصر مـن العـصور على حكم شرعي (3)، و هنـاك من
يرى ضرورة اتـفّاق جميع المجتهدين لـقول الرّسول(صلّى الله عليه، و سلّم):
" لا تجتمع أمّتي على ضلالة "، و يذهب بعض الفقهاء إلى أنّه يكفي إجماع
أكثر المجتهدين، و يستدّلون بقول الرّسول(صلّى الله عليه و سلّم):" أصحابي
كالنّجوم بأيّهم اقتديتم،اهتديتم ".و الإجماع عند جمهور الفقهاء هو اتفّاق
جميع المجتهدين.
___________________________________
(1) د. وهبة الزحيلي :أصول الفقه الإسلامي،المرجع السّابق،الجزء الثاني،ص971 و 972.
(2) د. وهبة الزحيلي :أصول الفقه الإسلامي،المرجع السّابق،الجزء الأوّل،ص 450.
(3) د. وهبة الزحيلي : نفس المرجع،ص 490 .


و
يرى الأستاذ أبو زهرة أنّه بعد إجماع الصّحابة الذي كان متواترا، و الذي
لم يختلف على إجماعهم أحد، تنازع الفقهاء في الإجماع، و لا يكادون يجمعون
على إجماع (1).
و لكن يرّد على هذا الرأي بأنّه لا يمكن قصر الإجماع
على الصّحابة فهو في متناول أهل كلّ عصر (2) لقول رسول(صلّى الله عليه، و
سلّم): " لا تزال طائفة من أمتّي ظاهرين على الحقّ لا يضرّهم خلاف من
خالفهم حتّى يأتي أمر الله ".

رابعا: القياس
و هو إلحاق أمر غير
منصوص على حكمه الشّرعي بأمر منصوص على حكمه بالنصّ عليه في الكتاب و
السنّة لاشتراكهما في علّة الحكم.و هو مشتّق من أمر فطري تقرّه العقول، و
يفرضه المنطق،إذ أساسـه ربط بين الأشياء المتماثلة إذا وُجـِدَت صفات
موّحدة بينها، فلابدّ من اشتراكهما في الحكم. و القياس هو أعمال للنّصوص
الشّرعية بأوسع مدى للاستعمال، فهو ليس تزيّدا فيها، و لكن تفسير لها(3).
و
أركان القياس هي:الأصل؛ و هو المصدر من النّصوص الذي يبيّن الحكم، الفرع؛
و هو الموضوع الذي لم ينّص على حكمه، أمّا الحكم؛ فهو الأمر الذي اتّجه
القياس إلى تَعَدِّيه من الأصل إلى الفرع لوجود علّة مشتركة بينهما.فإذا
قال سبحانه،و تعالى مثلا :  إنّما الخمر،و الميسر، و الأنصاب، و الأزلام
رجس من عمل الشّيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون .
فهذا نصّ عن الخمر،و
الحكم هو تحريمه،و العلّة من تحريمه هي الإسكار،و كذلك هو الضرر الغالب إذ
يقول سبحانه،و تعالى : يسئلونك عن الخمر،و الميسر قل فيهما إثم كبير،و
منافع للنّاس. فيمكن بهذا إلحاق النّبيذ بالخمر، و يعتبر النّبيذ فرعا، و
يمكن الإلحاق به كلّ ما فيه ضرر غالب فيكون حراما. و القيّاس الصّحيح هو
الذي لا يتعارض مع الكتاب، و السنّة بل يعدّ تطبيقا لهما.
___________________________________
(1) الإمام محمد أبو زهرة:أصول الفقه، دار الفكر، القاهرة، بدون تاريخ ص 198.
(2) د. وهبة الزحيلي :أصول الفقه الإسلامي،المرجع السّابق،الجزء الأوّل،ص 533.
(3) الإمام محمد أبو زهرة:المرجع السّابق، ص 204 إلى 209.

- المطلب الرابع:
مكانة مبادئ الشريعة الإسلامية من بين مصادر القانون الجزائري.

إنّ الشّريعة الإسلامية تعدّ مصدرا رسميّا للقانون الجزائري إذ تنّص المادة الأولى من القانون المــــدني
على ذلك، فعلى القاضي إذا لم يجد حكما في التّشريع الرّجوع إلى مبادئ الشّريعة الإسلامية، و يقوم
باستخلاصها من الكتاب، و السنّة، و الإجماع، و القيّاس، و ذلك باعتبار الشّريعة الإسلامية المصدر
الرّسمي الثاني بعد التّشريع.
و تعدّ الشريعة الإسلامية أيضا مصدرا مادّيا للقانون الجزائري، و المقصود بذلك أنّ المصدر المـــادّي،
أو
جوهر بعض نصوص القانون استمدّها المشرّع من مبادئ الشريعة الإسلامية،
فيعدّ قانون الأسرة مستمّدا من الشريعة الإسلامية فيما يتعلّق بالزّواج، و
الطّلاق، و الولاية، و الميراث، و الوصيّة، و الوقف،وتعدّ الشريعة
الإسلامية أيضا مصدرا مادّيا لبعض نصوص القانون المدني منها حوالة
الدّين،و كذلك استّمد القانون المدني الأحكام الخاصّة بتصرّفات المريض مرض
الموت من الشريعة الإسلامية كما تعـدّ أحكام خيار الرؤية المعروفة في
الشريعة الإسلاميّة مصدرا مادّيا للمادّة 352 مدني.و نظرية الظروف
الطّارئة التّي نصّ عليها القانون الوضعي مأخوذة من نظرية العذر في
الشريـعة الإسلامية، و إن كان يتـرّتب عليها فسخ العقد بالنّسبة لمبادئ
الشريعة الإسلاميّة بينما يترّتب عليها تعديل الالتزامات مع بقاءالعقد
قائما بالنّسبة للقانون الوضعي.
و قد جعل المشرّع الجزائري القرض بفائدة بين الأشخاص باطلا وفقا للمادّة 454 من القانون المدني،
و المصدر المادّي لهذا النّص هو الشريعة الإسلامية.
و يلاحظ أنّه إذا كانت الشريعة الإسلامية مصدرا مادّيا لبعض النّصوص التّشريعية، فذلك يعني أنّ
القاضي ملزم بالنّـص التّشريعي،و لا يرجع إلى مــبادئ الشريعة الإسلامية إلاّ لمــساعدته على تفسير
النّصوص المستمدّة منها.*المبحث الثاني: العرف كمصدر احتياطي للقانون.

العرف هو ما ألّفه النّاس،و ساروا عليه في تصّرفاتهم،سواء كان فعلا،أو قولا،دون أن يصادم نصّا.
و
هو يعتبر من أقدم مصادر التّشريع الإنساني، إذ أنّ البشرية بدأت بعادات، و
أعراف جـعلت منها شريعة تحتكم إليها.و لا يزال العرف إلى يومنا هذا من
أهمّ المصادر للقوانين (المادّة 1/2 من القــانـون المدني الجزائري ).و
الشريعة الإسلامية حينما جاءت وجدت كثيرا من الأعراف في المجتمع
العـربي،فأقرّت الصالح منها، و ألغت الفاسد من تلك العادات،و الأعراف.
و العرف الصحيح، كالمصالح المرسلة، يعتبر مصدرا خصبا في الفتوى، و القضاء، و الاجتهاد،فينبغي
أن يراعي في كلّ من تشريع الأحكام، أو تفسير النّصوص.
و سنتعرّض لموضوع العرف في ما يلي :
- المطلب الأوّل: مفهوم العرف،و أقسامه.
العرف هو ما استقرّ في النّفوس، و تلّقته الطّباع السّليمة بالقبول، فعلا، أو قولا، دون معارضة لنصّ،
أو إجماع سابق.
يفهم من هذا التّعريف أنّ تحقّق العرف يعتمد على عدد كبير من النّاس، اعتادوا قولا، أو فعلا تكرّر
مرّة بعد أخرى حتّى تمكّن أثره من نفوسهم، و صارت تتلّقاه عقولهم بالقبول، و الاستئناس.و من ثمّ
فإذا لم يكن الأمر المتعارف عليه شائعا بين أكثر النّاس لا يتكون به عرفا معتبرا، بل يكون من قبيل
العادّة الفردية، و السلوك الشخصي.و العرف أصل أخذ به الحنفية، و المالكية في غير موضع النصّ،
و
هو عندهم ما اعتاده النّاس من معاملات،و استقامت عليه أمورهم.و قال ابن
العربي المالكي أنّ العرف دليل أصولي بنى الله عليه الأحكام، و ربط به
الحلال، و الحرام.و قد اتّخذ من قوله عليه السّلام: « ما رآه المسلمون
حسنًا فهو عند الله حسن ».و الذي مفاده أنّ الأمر الذي يجري عليه عرف
المسلمين على اعتباره من الأمور الحسنة، يكون عند الله أمرا حسنا،و أنّ
مخالفة العرف الذي



يعدّه النّاس حسنا بشروطه المعتبرة
شرعا، يكون فيه حرج، و ضيق، بقوله: « ما جعل عليكم في الدّين من حرج ». و
من هنا، قال علماء المذهب الحنفي، و المالكي بأنّ الثابت بالعرف الصّحيح
كالثابت بالنصّ الشّرعي(1).
- ينقسم العرف إلى أربعة أقسام رئيسية :
*1/ العرف اللّفظي(أو القولي) :
- هو اتّفاق النّاس على استعمال لفظ معيّن يخالف معناه اللّغوي لأنّه شاع بينهم استعماله، بحيث
أطلق
هذا اللّفظ فهم معناه العرفي دون معناه اللّغوي.كتعارف النّاس على إطلاق
كلمة الولد على الذكر،دون الأنثى، مع أنّ الأصل اللّغوي يفيد شموله لهما
(2)، و عدم إطلاق لفظ اللّحم على السمك، مع أنّ اللّغة لا تمنع ذلك (3).و
إطلاق لفظ الدّراهم على النّقود الرّائجة في بلد ما،مع أنّ الأصل الـلّغوي
يفيد النّقود الفضيّة المسكوكة بوزن معيّن.
*2/ العرف العملي(أو الفعلي) :
- و هو اعتياد النّاس على الأفعال العادّية، أو المعاملات المدنية، أو التّجارية، و هو إمّا أن يكون
معروفا
لدى الجميع فيسمّى عامّا ( حيث تمّ التّعامل به لدى كافّة النّاس مثلا )،
و إمّا أن يكون خاصّا ببلد معيّن، أو بحرفة معيّنة.كتعارف النّاس على
تعجيل الأجرة قبل استيفاء المنفعة، أو تعارفهم على البيع بالتعاطي من غير
صّيغة لفظية، أو تعارفهم على دفع مبلغ معيّن من المهر في الزّواج قبل
الدّخول و غيرها من الأعراف العملية.
*3/ العرف العامّ:
- و هو الذي ألّفه النّاس، و اعتادوه في كلّ البلاد في وقت من الأوقات، من حاجات، و لـــــوازم
أصبحت جارية في أغلب الحاجات، كتعارف النّاس في الصّناعات، و الحرف التّجارية، و الجلوس
في المقاهي دون تحديد المدّة،و دخول الحمّام دون شروط،و إقامة وليمة الزّفاف عند الزّوج،و غيرها.

___________________________________
(1) الإمام محمد أبو زهرة / أصول الفقه ص 261. (2) كقوله تعالى : " يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين...".
(3) كقوله تعالى: " و هو الذي سخّر البحر لتأكلوا منه لحما طريا " النّحل14.

*4/ العرف الخاصّ:
- و هو الذي يتعارف عليه أهل بلد دون بلد، أو إقليم دون آخر، أو طّائفة من النّاس دون أخرى
كتعارف التجّار على أنّ العيب ينقص الثمن في البيع، و تعارفهم على استعمال خيار الرؤية في البيع
عن رؤية نموذج من البضاعة كلّها، و تعارف أهل بعض البلاد على تقسيم المهر إلى جزئين معجـّل،
و مؤجّل، و غيرها.

. المطلب الثاني: مزايا العرف، و عيوبه.
*1/ مزايا العرف:
يرجع الفضل في إبراز أهميّة العرف، ومزاياه للمدرسة التّاريخية التّي تعطي الأولوية للعرف على
التّشريع؛ إذ تبيّن أنّ العرف:
1 – يلائم،أو يوافق حاجات الجماعة،لأنّه ينشأ باعتياد النّاس عليه،فيأتي على قدر متـطلّـــبـات
المجتمع باعتباره ينبثق من هذه المتطّلبات،فبظهور متطّلبات جديدة تنشأ أعراف جديدة تزول بزوال
هذه المتطلبّات.
2– كما أنّه يوافق إرادة الجماعة أيضا باعتباره يصدر عنها،و ينشأ في ضمير
الجماعة،فهو قانون أكثر شعبية من التّشريع لأنّ مصدره الشّعب، بينما
التّشريع يصدر من السّلطة فيوافق إرادتها فقط،و قد سبق القول بأنّ
القوانين إذا صدرت بهذا الشّكل لن تستمرّ طويلا.
3 – إنّ العرف قابل للتطّور وفقا لتطّور الظروف الاجتماعية، و الاقتصادية، فهو يـتـطّور بـتــطّــور
المجتمع،و يزول إذا زالت الحاجة التّي أدّت إلى ظهوره.
*2/ عيوب العرف:
يمكن إبراز عيوب العرف في المسائل التّالية :
1 – العرف بطيء التّكوين، و كان يعتمد عليه في مرحلة كان فيها التطّور الاقتصادي،و الاجتماعي
بطيئين،
و لكن الآن مع سرعة تطّور المجتمع في جــميع المجالات لا يمــكن الاعتماد
عـليه لتطــّورالمجتمع في الحالات التّي تتطّلب السرعة.


2 – العرف متعدّد بل قد يكون محلّيا خاصّا بمنطقة معيّنة،ممّا يؤدّي إلى تعدّد القواعد القانــونية،
بينما التّشريع موّحد يطّبق على الكّافة.لهذا يظلّ التّشريع أوّل مصدر للقـانون، و أهمّه، لأنّه يحقّـق

وحدة القانون، و الأمن، و الاستقرار، إلى جانب كونه قابلا للتطّور بسرعة كلّما
تطّلبت الأوضاع ذلك،فيتّم إلغاء التّشريع القديم، أو تعديله، و صدور تشريع
جديد.
3 – إنّ القواعد العرفية مرنة، و عدم كتابتها يجعلها صعبة بحيث يكون من العسير ضبطها،بينما
التّشريع يسهل ضبطه لكونه مكتوبا.
و لا تعني هذه العيوب أنّ العرف قليل الأهميّة، و لكنّه يعدّ أقلّ فائدة من التّشريع، و تـــظلّ له
مكانته بحيث يعدّ المخرج العملي في حالة عدم وجود نصّ تشريعي إذ يرجع القاضي على العــرف
الجاري،كما أنّ المشرّع يستعين بالعـرف في مسائل معيّنة لا عنه بصددها،إذ هناك مسائل تقـتـضي
طبيعتها أن تكون لها حلول متـنّوعة قابلة للتـغيير، و بفـضل عـدم تجميدها، أو تقـييدها بنصوص
تشريعية تحول دون تطّورها المستمّر.
. المطلب الثالث: أركان العرف.
للعرف ركنان:ركن مادّي،و ركن معنوي يميّزه عن العادّة الاتـّفاقية.

الركن المادّي:
و يتمثّل في اطّراد،أو تكرار سلوك النّاس في مسألة معيّنة بما يكفي لإنشاء عادة Usage تتوفرّ فيها
شروط أساسيّة، و هي:
- أن تكون عامّة(Usage général) و يكفي أن تكون كذلك،و لو كان العرف محلّيا،أو مهنيا.
-
أن تكون قديمة) (Usage ancien أي مضت على ظهورها مدّة كافية لتأكيد
استقرارها. و تختلف هذه المدّة باختلاف البيئة،و هكذا تتحقّق الأقدمية
للعادة التي تنشأ في البيئات التجارية لكثرة تكرارها في وقت أقصر مقارنة
بالعادة التي تنشأ في بيئة زراعية.
- أن تكون العادة ثابتة (Usage constant) أي اتبعت بنفس الصورة منذ ظهورها بغير انقطاع.



الركن المعنوي:
هو اعتقاد الناس بالزاميّة العادة، أي شعور الناس كافّة بأنّهم ملزمون باتّباع هذه العادّة لأنّــــــــها
أصبحت
قاعدة قانونية،و يتعرّضون لجزاء في حالة مخالفتهم لها،و لا يوجد ضابط يمكن
الاستناد إليه لتحديد الوقت الذي يتمّ فيه توافر الشــعور بإلزام العرف. و
لكن ينشأ هذا الشعور تـدريجيّا، و متـّى استقرّ أصبحت العادّة عرفا.و
الركن المعنوي هو الذي يفرّق بين العرف، و العادّة إذ لو افتقدت العادّة
الركن المعنوي، ظلّت عادة فقط،و ليست عرفا، فتكون غير واجبة التّطبيق كما
أنّ التقاليد الاجتـماعية كالعادات المتعلّقة بآداب الزيارات،و التهنئة،و
تقديم الهدايا في المناسبات حتّى لو كانت عادات عامّة ثابتة،و
قديمة،فإنّها ليست عرفا،لعدم شعور النّاس بإلزاميتها فمخالفتها لا يترّتب
عنها جزاء.

العرف، و العادة الاتّفاقية.
يشترط العرف توفرّ الركنين المادّي، و المعنوي في نفس الوقت، و من ثمّ يتميّز عن مجرّد العــــادة
التـّـي يعمل بها دون أن يسود الاعتقاد بإلزامها، و لا يتحقّق فيها هذا العنصر إلاّ باختـيار الأفـراد
حينما يعبّرون عن إرادتـهم إزاءها بالاتـّـفاق على الأخذ بها،و لذلك يطلق عليها العادة الاتــّفاقية
( L’usage conventionnel).
و بما أنّ العادة يكون إلزامها بالاتـّفاق عليها فهي تخـتلف عن القاعدة المكملّة تشـريعية كـــــانت،
أو عرفية التـّي لا يلزم تطبيقها إلاّ إذا لم يوجد الاتـّفاق على خلافها.
و جدير بالذكر أنّ العادة غالبا ما تنتهي إلى أن تصير عرفا، و ذلك حينما تتوفرّ على عنـصر الإلـزام
المبني
على عقيدة عامّة في وجوب احترام السنّة التّي تجري بها العادّة، و وجوب
كفالة هذا الاحترام بقوّة القهر المادّي التّي تمارسها السّلطة العامّة، و
يترّتب على التفرقة بيــن العرف، و العادة الاتفاقية نتائج هامّة نذكر من
بينها ما يلي: العرف كأيّ قاعدة قانونية يطبّق فــي شأنه مبدأ لا عــــذر
بجهل القانون،أمّا العادة،و هي واقعة مادّية أساس إلزامها إتـّفاق الأفراد
فلا يصّح افتراض العلم بها.


العرف كأيّ قاعدة قانونية يلزم القاضي حتّى، و لو لم يطلب الخصوم تطبيقه على خلاف العادّة
التّي لا تطبّق إلاّ عند التمسّك بها من طرف المتقاضين، و من ثمّ يقع عليهم إثبات وجودها المادّي في
حين يلزم القاضي بمعرفة العرف كما يلتزم بمعرفة القانون بوجه عامّ، و إن كان له أن يتوسّل بكلّ
الطرق للوقوف على العرف بما فيها الاعتماد على الإثبات المقدّم من الخصوم، و خاصّة حينما يتعلّق
العرف المراد إثباته بمهنة معينّة حيث تكون الكلمة الحاسمة لذوي الاختصاص، و الكلمة الأخـيرة
للقاضي بمقتضى سلطته التّقديرية،و إن كان يخضع في هذه السلطة لرقابة المحكمة العليا باعتبــار
العرف قانونا أحال عليه التّشريع صراحة،و لا يخضع القاضي طبعا لهذه الرّقابة حينما يتعلّق الأمر

بمجرّد العادة إلاّ في حدود إثبات المتقاضين وجود اتـّفاق بينهما بشأن هذه العادّة فيطّبق آنذاك المبدأ
القانوني:العقد شريعة المتعاقدين ممّا يخوّل المحكمة العليا سلطتها في الرّقابة على تطبيق هذا المبدأ.
- المطلب الرابع: دور العرف،و أساس القوّة الملزمة له.
من وظائف العرف الأساسية دوره التّكميلي للتّشريع،و هذا عند سكوت هذا الأخير لكن للعرف
وظائف أخرى فقد يلعب دورا مساعدا للتّشريع غالبا بإحالة من هذا الأخير لكن إلى أيّ مدى يصـحّ
مخالفة العرف للتّشريع ؟.
العرف المكمّل للتّشريع.
إنّ الدور الأساسي للعرف باعتباره مصدرا رسميّا احتياطيا للقانون هو دوره المكملّ للتّشريع فـــــإذا
وجد نقص في التّشريع فيمكن أن يلجأ إليه لحلّ نزاع قانوني مثلا،و ذلـــك تطبيقا للمادّة الأولى من
القانون المدني التّي تنّص على ذلك صراحة لكن لابدّ من معاينة القاضي لهذا النّقص في التّشريع من
جهة، و لعدم إمكان سدّ هذا النّقص باللجوء إلى مبادئ الشريعة الإسلامية باعتبارها
المصدر الاحتياطي الأوّل من جهة ثانية.و يعلّل الفقه دور العرف المكمّل في
القوانين التي لا تجعل منه مصدرا احتياطيـا صراحة بأمرين:أولّهما أنّ سكوت
المشرّع عن مسألة معينّة يحتمل أن يفسّر بوجود عرف ثـابت يدّل في ذاته على
صحّة السّلوك المتبّع ممّا يستبعد الحاجة إلى تدّخل المشرّع لتـــغييره،


و ثانيهما أنّه عندسلوك القانون من الأفضل الاعتراف للعرف الموجود بالقوّة
الإلزامية لما في ذلك من ضمان للاسـتقرار القانوني، فالنّظام القانوني
يكون آنذاك مزوّدا بقاعدة سلوك مشهورة، و شّائعة يمكن لأيّ شخص أن يرجع
إليها على الأقلّ طالما لم يتدّخل التّشريع بما يتنافى معها و يلعب العرف
دوره على هذا النّحو،أي كمصدر رسمي تكميلي بالنّسبة لكلّ المعاملات التّي
تسري في شأنها مختلف فروع القانون.على أنّ هذه القاعدة لا تطّبق بنفس
الوتيرة، و القوّة بالنسبة لكلّ فروع القانون.
فمثلا بالنّسبة لقانون العقوبات حيث يسود مبدأ لا جريمة، و لا عقوبة، و لا تدبير أمن بــــــغـير
قانون ( م 1 ق ع ) لا مكان إطلاقا للعرف بوصفه مصدرا تكميليا،و من ثمّ فعلى القاضي حين لا يجد
نصّا في التّشريع يقضي بتجريم الفعل، و العقاب عليه، أن ينطق بالبراءة دون تردّد.و لكن العرف قد
يلعب هنا؛ أي في القانون الجنائي كما في غيره من الفروع دورا مساعدا مثلا لتحديد مضمون النــصّ
كما سيأتي.
أمّا بالنسبة للقانون التجاري فنظرا للمكانة المتميّزة للعرف في هذا القانون فإنّ هذه القـاعدة قــــد
تستبعد أصلا للسّماح لقاعدة عرفية بمخالفة قاعدة تشريعية كـما سـيأتي. كما تجدر الإشـارة إلى أنّ
القواعد العرفية تتمتّع بمكانة خاصّة في مجال القانون الدّولي،و لكن يتعلّق الأمر هنا بالعرف الدّولي.

العرف المساعد للتّشريع.
يمكن أن يلعب العرف دورا مساعدا للتّشريع، و يلاحظ في هذا الصدد أنّ التّشريع ذاته غـــالبـا ما
يحيل على العرف كما هو الشأن في القواعد المكملّة التّي غالبا ما تنتهي بالعبارة التّالية ما لم يوجد
اتّفاق، أو عرف يقضي بغير ذلك كما جاء مثلا في المادّتين 387، و388 من القانون المدني )، و قـد يلعــب
العرف
دورا في تحديد مضمون النصّ التّشريعي، و من أمثلة ذلك القاعدة التي تقرّر
أنّ العقد لا يقتصر على إلزام المتعاقد بما ورد فيه فحسب بل يتناول أيضا
ما هو من مستلزماته وفقا للقانون،و العـرف،و العدالة بحسب طبيعة الالتزام
( م 107 من القانون المدني )،و هكذا يمكن الاستعانة هنا بالــعرف لتحديد
المقصود بعبارة " مستلزمات العقد "، و نفـس الأمر بالنّسبة للعيوب التـّي
يتضـمنّها المؤجـرّ،و مسؤولية البائع عن النّقص في مقدار المبيع التّي
تحدّد بحسب ما يقضي بــــــه


العرف (المادّة 365 ف1من القانون
المدني ) كما يكون للعرف أيضا دور في الكشف على القصد عند المتعاقدين، و
هكذا يحيل القانون على العرف للاسترشاد به من طرف القاضي للتعرّف على نيّة
المتعاقدين مثلا في المادّة 111 ف2 من القانون المدني التّي تنّص على أنّه
" إذا كان هـناك محلّ لتأويل العـقد فيجـب البحث عـن الـنيـّة المشتركة
للمتعاقدين دون الوقوف عند المـعنى الحرفي للألفاظ مع الاستهداء في ذلك
بطبيعة التّعامل، و بما ينبغي أن يتوافر من أمانة،و ثقة بين
المتعاقدين،وفقا للعرف الجاري في المعاملات ".

أساس القوّة الملزمة للعرف.
طرحت في الفقه الإسلامي مسالة الأساس الذي يستمّد منه العرف قوّته الإلزامية، و اقترحت في هذا
الصدد
عدّة نظريات من بين هذه النظريات تلك التّي تبني إلزام العرف على إرادة
المشرّع، و لكن سبق العرف للتّشريع كاف لدحض هذه النّظرية، و هجرها،و
البحث عن أساس آخر.و هكذا أوجد الفقـــه أساس الضّمير الجماعي باعتبار أنّ
الــــــقانون استنادا إلى المذهب التّاريخي ينشأ،و ينمو في ضــمير
الجماعة، و العـرف أفــــضل وسيلة للتّعبير عن ذلك، و الكشف عنه
مباشرة.لكن إلى هذا الحدّ يكون المذهب التّاريخي قد أسهم في بيان العناصر
المكونّة للعرف، و خاصّة العنصر المعنوي دون ينـــــفذ إلى جوهر أساس
إلزام العرف لغموض الفكرة المبنيّة عليها أصلا النظرية التّاريخية.
اقترح كذلك أساس آخر هو الأساس القضائي، بمعنى أنّ العرف يأخـذ قوّته الإلـزامية بعـد أخذ
المحاكم
به، و لا شكّ أنّ هذه الفكرة لها ما يبــررّها في نظام السّوابق القضائية
(النظام الإنجليزي )، و لكن يكفي الرّجوع إلى إلزامية القواعد العرفية
المهنية لدحض هذه النظرية التّي لا تستقيم أيضا مــن زّاوية كون القضاء
يطّبق القانون الذي يسبق إلزامه كلّ ما هنالك أنّ القضاء يمكن أن يساعد في
تحديد مضمون العرف، و تدعيم قوّته الإلزامية، و هكذا ينتهي الرأي الغالب
إلى أنّ للعرف قوّة إلزامية ذاتية معترف بها من السّلطة العامّة ( م 1 ق
مدني ).




*المبحث الثالث: مبادئ القانون الطّبيعي،و قواعد العدالة .
ذكر المشرّع الجزائري في-المادّة الأولى من القانون المدني- مبادئ القانون الطّبيعي، و قــــواعد العدالة
كمصدر
يــمكن أن يلجأ إليه القاضي عندما لا يجد قــاعدة يطّبقها لا في
التّـــشريع،و لا في المصدرين الاحتياطيين المدروسين سابقا؛ أي مبادئ
الشّريعة الإسلامية،و العرف.

- المطــــلب الأوّل: المقصود بمبادئ القانون الطّبيعي، و قواعد العدالة.
إنّ القانون الطّبيعي فكرة يسودها غموض كبير منذ نشأتها القديمة حيث كانت تعني نــــوعا من
إسقاط التوازن المثالي للطّبيعة على الحياة الاجتماعية،ممّا يضمن سيادة مبدأ سامي للعدالة،و مـن
ثمّ يقترن القانون الطّبيعي دائما بفكرة العدالة.
كما أنّ القانون الطّبيعي يقصد به تلك القواعد المثلى في المجتمع،كالقيم الإنسانية المتعلّقة بالـــخير،
و
الشرّ،و هناك مـن عرّفها أنّـها مجموعة المبادئ العليا التّي يسلّم العـقل
الإنساني السّـليم بضرورتها في تنظيم العلاقات بـين الأفراد داخل المجتـمع
الإسلامي، أمّا قواعد العدالة فهي تلك الفكرة المرنة،و التّي يختلف
مفهومها من شخص إلى آخر.
و من بـين المـبادئ المستعملة من قواعـد العدالة حماية حقوق الإنسان، و حماية الملكية الأدبية،
و الفنيّة، و عدم التعسّف في استعمال الحقّ.
- المطــــلب الثاني:
المقصود بالإحالة على مبادئ القانون الطّبيعي،و قواعد العدالة .
لكي نفهم المقصود بإحالة المشرّع على مبادئ القانون الطّبيعي،و قواعد العدالة،لابدّ من التــــــّذكير
بالكيفية التّي دخل فيها القانون الطّبيعي التّقنيات، و أخذ الصّبغة الرّسمية فيها.
لقد سبقت الإشارة إلى أنّ القانون الطّبيعي يعتبر المصدر المادّي الأسـاسي للـــــــقانون الوضعي، إذ
يستلهمه المشرّع من مبادئه العامّة لوضع القواعد التّفصيلية لهذا الأخير، و هي التّي يطبّقها القاضي.
و لكن ما دور مبادئ القانون الطّبيعي،و قواعد العدالة بالنّسبة للقاضي ؟


يتبيّن من قراءة أوليّة للمادّة الأولى من القانون المدني أنّ المشرّع قد رتّب مبادئ القانون الطّبيعي،
و قواعد العدالة في المرتبة الثالثة من بين المصادر الرّسمية الاحتياطية، و لكن سرعان ما يتبيّن مـن
قراءة تحليلية، و تّاريخية لهذا المصدر الاحتياطي للقانون أنّ المشرّع ما كان يقصد بالإحالة إليــــه
اعتباره حقيقة مصدرًا رسميًّا احتياطيًّا، و لكن مجرّد مصـدر مادّي يستعـين به القاضي في إيــــجاد
الحلّ للنّزاع المعروض عليه حينما لا تسعفه في إيجاد هذا الحلّ، المصادر الأصلية، و الاحتيـاطية.

فمن زاوية تحليلية لفكرة القانون الطّبيعي يلاحظ أنّه على خلاف المصادر الاحتياطية الأخـــــــرى
لا يتضمنّ هذا المصدر الأخير قواعد دقيقة محدّدة قابلة للتّطبيق، إذ هو من المبادئ، و القيّم المثـالية
التي تقوم بها البشرية جمعاء؛ فالقاضي لا يجد إذن أمامه قواعد يطبّقها هنا، و إنّما يعتمد عل هذه
المبادئ المثالية،و يضع نفسه في مكان المشرّع،و ينشئ قاعدة من هذه المبادئ،و يطبّـــقها على النّزاع
المعروض عليه،لكن هذه القاعدة ينتهي مفعولها بحلّها للنّزاع الذي وضعت من أجــل حلّه؛فالقاضي
يطبّق القانون،و لا ينشئه،و ممّا يؤكدّ هذه الفكرة أنّ الفقهاء بما فيهم كبار أنصار القـــانون الطّبيعي
لم ينظروا أبدا إليه كمجرّد قانون يتضمنّ مبادئ عامّة موّجهة للحلول العادلة التي يستــخلصها من
هذا القانون المشرّعون حسب الوضع الاجتماعي الذي يريدون تنظيمه، فلا يمكن إذن تصّور أن يكون
القانون الطّبيعي مصدرا رسميا للقانون، بل مصدرًا احتياطيًّا له.

- المطــــلب الثالث: مدى ملائمة الإحالة إلى مبادئ القانون الطّبيعي، و قواعد العدالة.

-
إننّا نرى أنّ نصّ المادّة الأولى من القانون المدني على إحالة القاضي إلى
مبادئ القانون الطبيعي، و قواعد العدالة ليس له ما يبرّره،ذلك أنّ هذه
المادّة تعدّ الشريعة الإسلامية المصدر الاحتياطي الرّسمي الأوّل بعد
التشريع،و مبادئها هي الأدّق،و الأكثر انضباطا،لكن مبادئ القانون الطبيعي،
و قواعد العدالة تنوب عنها، و المستخلص أنّ التشريع أصل يحيل إليها.
** الخاتمة:

و في ختام ما عرضناه في بحثنا هذا، يتلّخص لنا في الأخير أنّ المصادر
الرّسمــية للقانون التي تمّت دراستها سابقا ليست كافية،و القاضي يجب عليه
فصل النّزاع المعروض عليه، و ذلك باللّجوء إلى المصادر الاحتياطيّة
للقـانون، بـدءًا بالشّريعة الإسلاميـة،ثمّ العـرف، و آخِرُها مبادئ
القانون الطّبيعي و قـواعد العدالـة،نظرا للدّور الكبير الذي تلعبه في حال
قصور التشريع.و قـــد حاولنا جـهدنا أن نعطي لكلّ مصــــدر من المصادر
الاحتياطية حقّه في الشّرح، و التّفصيل،على ضـوء ما وجدناه في المصادر، و
المراجع القانونية التي بحثنا فيها، لذا نرجو أننّا وفّقنا،و وضحنّا، و لو
جزءا بسيطا من موضوع بحــثنا، و إن لم نـحقّق ذلك فحسبنا أننّا حاولنا،و
تبارك ذو الكمال سبحانه جلّ و على ،عليه توّكلنّا، و استعنا،و استهللنا
عرضنا،و بحمده نختمه، و سلام على إمام الهادين، و على الأنبياء، و
المرسلين،و الصّحابة أجمعين.

******************************
مصادر البحث، و مراجعه:

 الأستاذة / محمدّي زواوي فريدة مدخل إلى العلوم القانونية ،( ص 06 ).
__________________________________________


 الأستاذ الدكتور / زعلاني عبد المجيد المـدخـل لـدراسـة الــقــانــون
- النظرية العامّة للقانون – ،(ص 75 ).
___________________________________________

 الدكتور / بلحاج العربي" أستاذ محاضر بمعهد الحقوق – جامعة وهران -"
 المدخل لدراسة التّشريع الإسلامي،( ديوان المطبوعات الجامعية).

__________________________________________

 الدكتور / جعفور محمد سعيد مدخل إلى العلوم القانونية-الوجيز في نظرية القانون- ، ( الطبعة الثالثة عشر: دار هومه).
__________________________________________


الدكتور / بو الشعير سعيد القانون الدستوري،و النظم السياسية
المقارنة-النظرية العامّة للدولة و الدستور- ج01 ،( الجزائر: المؤسسة
الوطنية للكتاب:1992).

mimou2011
2011-11-21, 14:38
يأختي الكريمة لا استطيع ان أقول لك إلا

اللهم اجعل عملك هذا في ميزان حسناتك.....

sarasrour
2011-11-21, 17:48
سلام عليكم لما اخي الكريم

sarasrour
2011-11-21, 17:50
انا التي جمعتها وان كنت اخطئت ف شيء فمنكم نستفيد انا بحثت على الاستفادة وان كنت اوقعتكم في خطاء ارجو اخبار لاستدرك خطئي