seraj-wahhaj
2008-10-18, 13:15
مِنْ فَتَاوَى
الْعَقِيدَةِ الإِسْلاَمِيِّةِ
( مَسْأَلَةٌ فِي حُكْمِ مُنْتَقِصِ أئمةِ أهل السُّنةِ والجَمَاعَةِ الأشاعرة)
" استفتاءاتٌ يُجِيبُ عَلَيها "
الإمامُ أبو إسحقَ الشِّيرازيُّ الشافعي (476هـ)
والإمامُ أبو عبدالله الدَّامَغاني الحنفي (478هـ)
والإمامُ أبوبـكر الشَّـاشِـي الشـافعي ( 507هـ)
والإمامُ أبو الوَليدِ ابنُ رُشْدٍ المالكيُّ (520هـ )
والإمامُ ابنُ حَجَرٍ الهَيْتَمِيُّ الشافعيّ ( 974هـ)
بسم الله الرحمن الرحيم
[ نص الاستفتاء من بغداد]:
ما قول السادة الجلة الأئمة الفقهاء أحسن الله توفيقهم ورضي عنهم في قوم اجتمعوا على لعن فرقة الأشعري (1) وتكفيرهم؟ ما الذى يجب عليهم في هذا القول؟ يفتونا في ذلك منعمين مثابين إن شاء الله .
[ الجواب وبالله التوفيق ]:
إن كل من أقدم على لعن فرقة من المسلمين وتكفيرهم فقد ابتدع وارتكب مالا يجوز الإقدام عليه، وعلى الناظر في الأمور أعز الله أنصاره الإنكار عليه، وتأديبه بما يرتدع هو وأمثاله عن إرتكاب مثله . وكتب محمد بن علي الدامغاني .
الجواب وبالله التوفيق إن الأشعرية أعيان السنة، ونصار الشريعة، انتصبوا للرد على المبتدعة من القدرية والرافضة وغيرهم، فمن طعن فيهم فقد طعن على أهل السنة، وإذا رفع أمر من يفعل ذلك إلى الناظر في أمر المسلمين، وجب عليه تأديبه بما يرتدع به كل أحد . وكتب إبراهيم بن علي الفيروزبادي .
جوابي مثله . وكتب محمد بن أحمد الشاشي .(2) اهـ.
انظر التبيين للحافظ ابن عساكر ص332، وطبقات الشافعية الكبرى للإمام تاج الدين السبكي 2 / 260.
@@@@
[ استفتاء آخر من المغرب ] :
سأل عليُّ بن يوسف بن تاشفين أمير المسلمين بمراكش وثاني ملوك دولة المرابطين المتوفى سنة 537هـ الإمامَ القاضي الأوحد ابن رشد الجَدَّ القرطبي المالكي رحمه الله تعالى الملقب عند المالكية بشيخ المذهب عن رأي المالكية في السادة الأشاعرة وحكم من ينتقصهم .
[ وهذا نص السؤال والجواب ] :
ما يقول الفقيه القاضي الأجل الأوحد أبوالوليد وَصَل الله توفيقه وتسديده، ونهج إلى كل صالحة طريقَه، في الشيخ أبي الحسن الأشعري، وأبي إسحاق الإسفراييني (3)، وأبي بكر الباقلاني (4)، وأبي بكر بن فُوْرَك (5)، وأبي المعالي(6)، وأبي الوليد البَاجي (7)، ونظرائهم ممن ينتحل علم الكلام ويتكلم في أصول الديانات ويصنف للرد على أهل الأهواء؟ أهم أئمة رشاد وهداية ، أم هم قادة حَيْرة وعَمَاية ؟ وما تقول في قوم يسبونهم ويتنقصونهم، ويسبون كل من ينتمي إلى علم الأشعرية، ويكفرونهم ويتبرؤون منهم، وينحرفون بالولاية عنهم، ويعتقدون أنهم على ضلالة، وخائضون في جهالة، فماذا يقال لهم ويصنع بهم ويعتقد فيهم ؟ أيتركون على أهوائهم، أم يُكفّ عن غُلوائهم ؟ وهل ذلك جَرحة في أديانهم ودَخَل في إِيمانهم ؟ وهل تجوز الصلاة وراءهم أم لا ؟ بين لنا مقدار الأئمة المذكورين، ومحلهم من الدين، وأفصح لنا عن حال المتنقِصِ لهم، والمنحرف عنهم، وحال المتولي لهم المحب فيهم، مجمَلاً مفصَّلاً، ومأجورا إن شاء الله تعالى .
[ فأجابه ابن رشد رحمه الله ] :
تصفحت عصمنا الله وإياك سؤالك هذا، ووقفت عليه، وهؤلاء الذين سمَّيْتَ من العلماء أئمة خير وهدى، وممن يجب بهم الاقتداء، لأنهم قاموا بنصر الشريعة، وأبطلوا شبه أهل الزيغ والضلالة، وأوضحوا المشكلات ، وبينوا ما يجب أن يدان به مِنَ المعتقدات، فهم بمعرفتهم بأصول الديانات العلماءُ على الحقيقة، لعلمهم بالله عز وجل وما يجب له، وما يجوز عليه، وما ينتفي عنه، إذ لا تُعْلَمُ الفروع إلا بعد معرفة الأصول، فمن الواجب أن يُعترف بفضائلهم، ويُقر لهم بسوابقهم، فهم الذين عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : ( يحمِل هذا العِلْمَ من كل خَلَفٍ عُدُولُه، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المُبْطِلين، وتأويلَ الجاهلين ) .
فلا يَعْتَقِدُ أنهم على ضلالة وجهالة إلا غَبِيٌّ جاهل، أو مبتدع زائغ عن الحق مائل، ولا يسبهم وينسب إليهم خلاف ما هم عليه إلا فاسق، وقد قال الله عز وجل: ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ) .
فيجب أن يُبَصَّرَ الجاهلُ منهم، ويؤدب الفاسق، ويستتاب المبتدع الزائغ عن الحق إذا كان مستسهلا ببدعة، فإن تاب وإلا ضرب أبدا حتى يتوب، كما فعل عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه بصَبِيغ (8) المتهم في اعتقاده، من ضربه إياه حتى قال: ( يا أمير المؤمنين إن كنت تريد دوائي فقد بَلَغْتَ مني موضع الداء، وإن كنت تريد قتلي فأجهِز عَلَيّ ) فخلى سبيله، والله أسأله العصمة والتوفيق برحمته، قاله: محمد بن رشد.
من فتاواه المطبوعة ( 2 / 802 ) ط1/ دار الغرب الإسلامي / بيروت / 1407هـ .
@@@@
استفتاء آخر ورد إلى الإمام الفقيه شيخ الإسلام شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمي المكي الشافعي بما صورته :
طعن بعض الناس في أبي الحسن وأبي إسحق الأشـعـريين، والبـاقـلانـي، وابـن فـورك، وأبـي المعالي إمام الحرمين، والباجي، وغيرهم ممن تكلم في الأصول ورد على أهل الأهواء، بل ربما بالغ بعض الملحدة فادعى كفرهم، فهل هؤلاء كما قال ذلك الطاعن أو لا ؟.
فأجاب بقوله :
ليسوا كما قال ذلك الخارق المارق المجازف، الضَّالُّ الغالِ الجاهل المائل، بل هم أئمة الدين وفحول علماء المسلمين، فيجب الاقتداء بهم لقيامهم بنصرة الشريعة وإيضاح المشكلات ورد شبه أهل الزيغ وما يجب من الاعتقادات والديانات، لعلمهم بالله، وما يجب له، وما يستحيل عليه، وما يجوز في حقه، ولا يُعرف الوصول إلا بعد معرفة الأصول .. والواجب الاعتراف بفضل أولئك الأئمة المذكورين في السؤال وسابقيهم، وأنهم من جملة المرادين بقوله e: " يحمل هذا العلم من كل خلف عُدُولُه، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين " فلا يعتقد ضلالتهم إلا أحمق جاهل، أو مبتدع زائغ عن الحق، ولا يسبهم إلا فاسق، فينبغي تبصير الجاهل وتأديب الفاسق واستتابة المبتدع، وإلا فقال بعض أئمة المالكية: " يضرب إلى أن يموت كما فعل سيدنا عمر t بصبيغ المشهور المتهم، وورد أنه لما أكثر ضربه قال له : " إن كنت تريد دوائي فقد بلغ موضع الداء، وإن كنت تريد قتلي فعَجِّل عَلَيّ " فخَلَّى سبيله.
" الفتاوى الحديثية " ص272 ط1/ إحياء التراث / بيروت.
@@@@
************************
الحواشي :
************************
1 - هو شيخ أهل السنة والجماعة أبو الحسن علي بن إسماعيل ابن أبي بشر ابن إسحق بن سالم بن إسماعيل بن عبدالله بن موسى ابن بلال ابن أبي بردة بن صاحب رسول الله e أبي موسى الأشعري اليماني البصري، مولده سنة 260هـ ووفاته سنة 324هـ ، راجع ترجمته في : تبيين كذب المفتري على الإمام أبي الحسن الأشعري للحافظ ابن عساكر فقد أفرده في ترجمته، تاريخ بغداد 11/346 ، الأنساب 1/273 ، وفيات الأعيان 3/284 ، طبقات السُّبكي 3/347 ، البداية والنهاية 11/187 وسير أعلام النبلاء 15/85 وغيرها .
2 - هؤلاء الأئمة الثلاثة هم كبار العلماء في عصرهم، فالأول كبير الحنفية، والآخران إماما الشافعية، قال الحافظ بن عساكر في التبيين ص332 : (( فهذه أجوبة هؤلاء الأئمة الذين كانوا في عصرهم علماء الامة فأما قاضي القضاة أبو حنيفة أبو عبد الله الحنفي الدامغاني فكان يقال له في عصره أبو حنيفة الثاني، وأما الشيخ الإمام أبو إسحق فقد طبق ذكر فضله الآفاق، وأما الشيخ الإمام أبو بكر الشاشي فلا يخفى محله على منته في العلم ولا ناشي، فمن وفقه الله للسداد وعصمه من الشقاق والعناد انتهى إلى ماذكروا واكتفى مما عنه أخبروا، والله يعصمنا من قول الزور والبهتان ويغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ويجعلنا من التابعين لهم باحسان، ويحشرنا معهم في غرف الجنان )) اهـ.
3 - هو الإمام العلامة الأوحد الأستاذ أبو إسحق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران الإسفراييني المتوفى سنة 418هـ ، ترجمته في تبيين كذب المفتري 243 ، وفيات الأعيان 1/28 ، طبقات الشافعية للسبكي 4/256 وغيرها .
4 - هو الإمام القاضي العلامة الأوحد أبو بكر محمد بن الطيب ابن محمد بن جعفر بن قاسم البصري ثم البغدادي ابن الباقلاني، شيخ المالكية صاحب التصانيف ومضرب المثل في الفهم والذكاء، توفي سنة 403هـ وترجمته في: تبيين كذب المفتري 217 ، تاريخ بغداد 5/379 ، الأنساب 2/51 ، وفيات الأعيان 4/269 ، ترتيب المدارك 4/585 وغيرها كثير .
5 - هو الإمام المناظر الكبير محمد بن الحسن بن فورك المتوفى سنة 406هـ ، ترجمته في : طبقات السبكي 4/127، التبيين 232 ، وفيات الأعيان 4/272 وغيرها .
6 - هو الإمام الكبير شيخ الشافعية إمام الحرمين عبدالملك بن عبدالله بن يوسف الجويني المولود سنة 419هـ والمتوفى سنة 478هـ ترجمته في طبقات السبكي 5/165 وغيرها كثير .
7 - الإمام الحافظ القاضي الأوحد سليمان بن خلف الباجي الأندلسي المالكي ، ولد سنة 403هـ وتوفي سنة 474هـ ترجمته في : ترتيب المدارك 4/802 ، وفيات الأعيان 2/408 وغيرهما كثير .
8 - هو صَبِيغ بن عِسل ، تابعي سأل عمر بن الخطاب عن المتشابهات فعاقبه عمر رضي الله عنه ، انظر الإصابة للحافظ ابن حجر حرف الصاد القسم الثالث منه 3/258 ط الكتب العلمية.
الشيخ يوسف القرضاوي :
(( .. فالأمة الإسلامية في معظمها أشاعرة أو ماتريدية ، فالمالكية والشافعية أشاعرة ، والحنفية ماتريدية والجامعات الدينية في العالم الإسلامي أشعرية أو ماتريدية ، الأزهر في مصر، والزيتونة في تونس، والقرويين في المغرب، وديوبند في الهند، وغيرها من المدارس والجامعات الدينية .
فلو قلنا: إن الأشاعرة ليسوا من أهل السنة !! لحكمنا بالضلال على الأمة كلها، أو جلها، ووقعنا فيما تقع فيه الفرق التي نتهمها بالانحراف !! .
ومن ذا الذي حمل لواء الدفاع عن السنة ومقاومة خصومها طوال العصور الماضية غير الأشاعرة والماتريدية ؟؟ .
وكل علمائنا وأئمتنا الكبار كانوا من هؤلاء :
الباقلاني، الإسفراييني، إمام الحرمين الجويني، أبو حامد الغزالي، الفخر الرازي، البيضاوي، الآمدي، الشهرستاني، البغدادي، ابن عبدالسلام، ابن دقيق العيد، ابن سيد الناس، البلقيني، العراقي، النووي، الرافعي، ابن حجر العسقلاني، السيوطي، ( ومن المغرب ) : الطرطوشي، والمازري، والباجي، وابن رشد (( الجد ))، وابن العربي [المالكي]، والقاضي عياض، والقرطبي، والقرافي، والشاطبي، وغيرهم .
( ومن الحنفية ) : الكرخي، والجصاص، والدبوسي، والسرخسي، والسمرقندي، والكاساني، وابن الهمام، وابن نجيم، والتفتازاني، والبزدوي، وغيرهم .. )) اهـ .
مجلة (( المجتمع )) العدد (( 1370 )) بتاريخ/ 25/ جمادى الآخرة / 1420هـ الموافق 5 / 10 / 1999م
العلامة محمد الشاذلي النيفر التونسي عميد كلية الشريعة بالزيتونة :
(( .. إذا نظرنا إلى الأشاعرة صح عندنا أنهم على السنة التي تركنا عليها النبي صلى الله عليه وسلم، والتي ليلها كنهارها، ورحم الله تعالى الإمام ابن عساكر 571هـ حين تصدى لإيضاح الأشعرية في وجهها الحقيقي في كتابه الشهير (( تبيين كذب المفتري فيما نسب للإمام أبي الحسن الأشعري )) فإنه وضح أنها الوسط، وخير الأمور الوسط بين التعطيل والتشبيه، وقد ألهم الله الأشعري إلى نصرة السنة بحجج العقول فانتظم شمل أهلها فأثبت لله سبحانه وتعالى ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات ونفى عنه ما لا يليق بجلاله، فالأشعرية كما قيل :
الأشعرية قوم * * قد وفقوا للصواب
لم يخرجوا في اعتقاد * * عن سنة وكتاب
ويكفي مذهبه صحة أن النبغاء من العلماء يكادون كلهم أن يكونوا أشعرية، حتى قبل ظهوره، لأنهم على طريقة السنة، ثم بعد ظهوره تقلدوا مذهبه وإن لم يكونوا كلهم فأكثريتهم.
وهذا ما أبداه ابن عساكر في (( تبيين كذب المفتري )) في ( باب ذكر جماعة من أعيان مشاهير أصحابه ) إذ كان فضل المقتدي يدل على فضل المقتدى به، ويكفيه أن من مقلديه القاضي أبا بكر بن الطيب الباقلاني البصري صاحب التصانيف المشتهرة في الرد على المخالفين، حتى أن أبا الحسن التميمي الحنبلي كان يقول لأصحابه : تمسكوا بهذا الرجل فليس للسنة عنه غنى أبدا.
وكذلك من رجاله الفحول الحاكم النيسابوري صاحب المستدرك على الصحيحين، وابن فورك، وأبو إسحق الإسفراييني، والحافظ الأصفهاني، وأبو محمد القاضي عيدالوهاب البغدادي 422هـ الفقيه المالكي، وكتبه أشهر من نار على علم، وقد اعتنى بأحدها الإمام المازري وهو كتاب التلقين، والمحدث الشهير الحافظ أبو ذر الهروي المالكي، والحافظ أبو بكر البيهقي، والحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي، والإمام أبو المعالي الجويني، وأبو الحسن الطبري، وإلكيا الهراسي، والإمام الشهير حجة الإسلام أبوحامد الغزالي .
ومنهم من أهل المغرب الإمامان الشهيران أبو الحسن القابسي، والإمام المازري.
وتتبع هؤلاء إنما هو استيعاب علماء المسلمين، فإذا كان هؤلاء على ضلال، فقد اجتمعت الأمة على ضلال، وفي ذلك تكذيب لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه سيدنا أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إن أمتي لن تجتمع على ضلالة، فإذا رأيتم اختلافا فعليكم بالسواد الأعظم )) رواه ابن ماجه أحد أصحاب الكتب الستة .. )) اهـ .
مفاهيم يجب أن تصحح ط2 1405هـ القاهرة .
منقول عن احدى مشاركات الاخ الازهري ..
الْعَقِيدَةِ الإِسْلاَمِيِّةِ
( مَسْأَلَةٌ فِي حُكْمِ مُنْتَقِصِ أئمةِ أهل السُّنةِ والجَمَاعَةِ الأشاعرة)
" استفتاءاتٌ يُجِيبُ عَلَيها "
الإمامُ أبو إسحقَ الشِّيرازيُّ الشافعي (476هـ)
والإمامُ أبو عبدالله الدَّامَغاني الحنفي (478هـ)
والإمامُ أبوبـكر الشَّـاشِـي الشـافعي ( 507هـ)
والإمامُ أبو الوَليدِ ابنُ رُشْدٍ المالكيُّ (520هـ )
والإمامُ ابنُ حَجَرٍ الهَيْتَمِيُّ الشافعيّ ( 974هـ)
بسم الله الرحمن الرحيم
[ نص الاستفتاء من بغداد]:
ما قول السادة الجلة الأئمة الفقهاء أحسن الله توفيقهم ورضي عنهم في قوم اجتمعوا على لعن فرقة الأشعري (1) وتكفيرهم؟ ما الذى يجب عليهم في هذا القول؟ يفتونا في ذلك منعمين مثابين إن شاء الله .
[ الجواب وبالله التوفيق ]:
إن كل من أقدم على لعن فرقة من المسلمين وتكفيرهم فقد ابتدع وارتكب مالا يجوز الإقدام عليه، وعلى الناظر في الأمور أعز الله أنصاره الإنكار عليه، وتأديبه بما يرتدع هو وأمثاله عن إرتكاب مثله . وكتب محمد بن علي الدامغاني .
الجواب وبالله التوفيق إن الأشعرية أعيان السنة، ونصار الشريعة، انتصبوا للرد على المبتدعة من القدرية والرافضة وغيرهم، فمن طعن فيهم فقد طعن على أهل السنة، وإذا رفع أمر من يفعل ذلك إلى الناظر في أمر المسلمين، وجب عليه تأديبه بما يرتدع به كل أحد . وكتب إبراهيم بن علي الفيروزبادي .
جوابي مثله . وكتب محمد بن أحمد الشاشي .(2) اهـ.
انظر التبيين للحافظ ابن عساكر ص332، وطبقات الشافعية الكبرى للإمام تاج الدين السبكي 2 / 260.
@@@@
[ استفتاء آخر من المغرب ] :
سأل عليُّ بن يوسف بن تاشفين أمير المسلمين بمراكش وثاني ملوك دولة المرابطين المتوفى سنة 537هـ الإمامَ القاضي الأوحد ابن رشد الجَدَّ القرطبي المالكي رحمه الله تعالى الملقب عند المالكية بشيخ المذهب عن رأي المالكية في السادة الأشاعرة وحكم من ينتقصهم .
[ وهذا نص السؤال والجواب ] :
ما يقول الفقيه القاضي الأجل الأوحد أبوالوليد وَصَل الله توفيقه وتسديده، ونهج إلى كل صالحة طريقَه، في الشيخ أبي الحسن الأشعري، وأبي إسحاق الإسفراييني (3)، وأبي بكر الباقلاني (4)، وأبي بكر بن فُوْرَك (5)، وأبي المعالي(6)، وأبي الوليد البَاجي (7)، ونظرائهم ممن ينتحل علم الكلام ويتكلم في أصول الديانات ويصنف للرد على أهل الأهواء؟ أهم أئمة رشاد وهداية ، أم هم قادة حَيْرة وعَمَاية ؟ وما تقول في قوم يسبونهم ويتنقصونهم، ويسبون كل من ينتمي إلى علم الأشعرية، ويكفرونهم ويتبرؤون منهم، وينحرفون بالولاية عنهم، ويعتقدون أنهم على ضلالة، وخائضون في جهالة، فماذا يقال لهم ويصنع بهم ويعتقد فيهم ؟ أيتركون على أهوائهم، أم يُكفّ عن غُلوائهم ؟ وهل ذلك جَرحة في أديانهم ودَخَل في إِيمانهم ؟ وهل تجوز الصلاة وراءهم أم لا ؟ بين لنا مقدار الأئمة المذكورين، ومحلهم من الدين، وأفصح لنا عن حال المتنقِصِ لهم، والمنحرف عنهم، وحال المتولي لهم المحب فيهم، مجمَلاً مفصَّلاً، ومأجورا إن شاء الله تعالى .
[ فأجابه ابن رشد رحمه الله ] :
تصفحت عصمنا الله وإياك سؤالك هذا، ووقفت عليه، وهؤلاء الذين سمَّيْتَ من العلماء أئمة خير وهدى، وممن يجب بهم الاقتداء، لأنهم قاموا بنصر الشريعة، وأبطلوا شبه أهل الزيغ والضلالة، وأوضحوا المشكلات ، وبينوا ما يجب أن يدان به مِنَ المعتقدات، فهم بمعرفتهم بأصول الديانات العلماءُ على الحقيقة، لعلمهم بالله عز وجل وما يجب له، وما يجوز عليه، وما ينتفي عنه، إذ لا تُعْلَمُ الفروع إلا بعد معرفة الأصول، فمن الواجب أن يُعترف بفضائلهم، ويُقر لهم بسوابقهم، فهم الذين عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : ( يحمِل هذا العِلْمَ من كل خَلَفٍ عُدُولُه، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المُبْطِلين، وتأويلَ الجاهلين ) .
فلا يَعْتَقِدُ أنهم على ضلالة وجهالة إلا غَبِيٌّ جاهل، أو مبتدع زائغ عن الحق مائل، ولا يسبهم وينسب إليهم خلاف ما هم عليه إلا فاسق، وقد قال الله عز وجل: ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ) .
فيجب أن يُبَصَّرَ الجاهلُ منهم، ويؤدب الفاسق، ويستتاب المبتدع الزائغ عن الحق إذا كان مستسهلا ببدعة، فإن تاب وإلا ضرب أبدا حتى يتوب، كما فعل عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه بصَبِيغ (8) المتهم في اعتقاده، من ضربه إياه حتى قال: ( يا أمير المؤمنين إن كنت تريد دوائي فقد بَلَغْتَ مني موضع الداء، وإن كنت تريد قتلي فأجهِز عَلَيّ ) فخلى سبيله، والله أسأله العصمة والتوفيق برحمته، قاله: محمد بن رشد.
من فتاواه المطبوعة ( 2 / 802 ) ط1/ دار الغرب الإسلامي / بيروت / 1407هـ .
@@@@
استفتاء آخر ورد إلى الإمام الفقيه شيخ الإسلام شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمي المكي الشافعي بما صورته :
طعن بعض الناس في أبي الحسن وأبي إسحق الأشـعـريين، والبـاقـلانـي، وابـن فـورك، وأبـي المعالي إمام الحرمين، والباجي، وغيرهم ممن تكلم في الأصول ورد على أهل الأهواء، بل ربما بالغ بعض الملحدة فادعى كفرهم، فهل هؤلاء كما قال ذلك الطاعن أو لا ؟.
فأجاب بقوله :
ليسوا كما قال ذلك الخارق المارق المجازف، الضَّالُّ الغالِ الجاهل المائل، بل هم أئمة الدين وفحول علماء المسلمين، فيجب الاقتداء بهم لقيامهم بنصرة الشريعة وإيضاح المشكلات ورد شبه أهل الزيغ وما يجب من الاعتقادات والديانات، لعلمهم بالله، وما يجب له، وما يستحيل عليه، وما يجوز في حقه، ولا يُعرف الوصول إلا بعد معرفة الأصول .. والواجب الاعتراف بفضل أولئك الأئمة المذكورين في السؤال وسابقيهم، وأنهم من جملة المرادين بقوله e: " يحمل هذا العلم من كل خلف عُدُولُه، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين " فلا يعتقد ضلالتهم إلا أحمق جاهل، أو مبتدع زائغ عن الحق، ولا يسبهم إلا فاسق، فينبغي تبصير الجاهل وتأديب الفاسق واستتابة المبتدع، وإلا فقال بعض أئمة المالكية: " يضرب إلى أن يموت كما فعل سيدنا عمر t بصبيغ المشهور المتهم، وورد أنه لما أكثر ضربه قال له : " إن كنت تريد دوائي فقد بلغ موضع الداء، وإن كنت تريد قتلي فعَجِّل عَلَيّ " فخَلَّى سبيله.
" الفتاوى الحديثية " ص272 ط1/ إحياء التراث / بيروت.
@@@@
************************
الحواشي :
************************
1 - هو شيخ أهل السنة والجماعة أبو الحسن علي بن إسماعيل ابن أبي بشر ابن إسحق بن سالم بن إسماعيل بن عبدالله بن موسى ابن بلال ابن أبي بردة بن صاحب رسول الله e أبي موسى الأشعري اليماني البصري، مولده سنة 260هـ ووفاته سنة 324هـ ، راجع ترجمته في : تبيين كذب المفتري على الإمام أبي الحسن الأشعري للحافظ ابن عساكر فقد أفرده في ترجمته، تاريخ بغداد 11/346 ، الأنساب 1/273 ، وفيات الأعيان 3/284 ، طبقات السُّبكي 3/347 ، البداية والنهاية 11/187 وسير أعلام النبلاء 15/85 وغيرها .
2 - هؤلاء الأئمة الثلاثة هم كبار العلماء في عصرهم، فالأول كبير الحنفية، والآخران إماما الشافعية، قال الحافظ بن عساكر في التبيين ص332 : (( فهذه أجوبة هؤلاء الأئمة الذين كانوا في عصرهم علماء الامة فأما قاضي القضاة أبو حنيفة أبو عبد الله الحنفي الدامغاني فكان يقال له في عصره أبو حنيفة الثاني، وأما الشيخ الإمام أبو إسحق فقد طبق ذكر فضله الآفاق، وأما الشيخ الإمام أبو بكر الشاشي فلا يخفى محله على منته في العلم ولا ناشي، فمن وفقه الله للسداد وعصمه من الشقاق والعناد انتهى إلى ماذكروا واكتفى مما عنه أخبروا، والله يعصمنا من قول الزور والبهتان ويغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ويجعلنا من التابعين لهم باحسان، ويحشرنا معهم في غرف الجنان )) اهـ.
3 - هو الإمام العلامة الأوحد الأستاذ أبو إسحق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران الإسفراييني المتوفى سنة 418هـ ، ترجمته في تبيين كذب المفتري 243 ، وفيات الأعيان 1/28 ، طبقات الشافعية للسبكي 4/256 وغيرها .
4 - هو الإمام القاضي العلامة الأوحد أبو بكر محمد بن الطيب ابن محمد بن جعفر بن قاسم البصري ثم البغدادي ابن الباقلاني، شيخ المالكية صاحب التصانيف ومضرب المثل في الفهم والذكاء، توفي سنة 403هـ وترجمته في: تبيين كذب المفتري 217 ، تاريخ بغداد 5/379 ، الأنساب 2/51 ، وفيات الأعيان 4/269 ، ترتيب المدارك 4/585 وغيرها كثير .
5 - هو الإمام المناظر الكبير محمد بن الحسن بن فورك المتوفى سنة 406هـ ، ترجمته في : طبقات السبكي 4/127، التبيين 232 ، وفيات الأعيان 4/272 وغيرها .
6 - هو الإمام الكبير شيخ الشافعية إمام الحرمين عبدالملك بن عبدالله بن يوسف الجويني المولود سنة 419هـ والمتوفى سنة 478هـ ترجمته في طبقات السبكي 5/165 وغيرها كثير .
7 - الإمام الحافظ القاضي الأوحد سليمان بن خلف الباجي الأندلسي المالكي ، ولد سنة 403هـ وتوفي سنة 474هـ ترجمته في : ترتيب المدارك 4/802 ، وفيات الأعيان 2/408 وغيرهما كثير .
8 - هو صَبِيغ بن عِسل ، تابعي سأل عمر بن الخطاب عن المتشابهات فعاقبه عمر رضي الله عنه ، انظر الإصابة للحافظ ابن حجر حرف الصاد القسم الثالث منه 3/258 ط الكتب العلمية.
الشيخ يوسف القرضاوي :
(( .. فالأمة الإسلامية في معظمها أشاعرة أو ماتريدية ، فالمالكية والشافعية أشاعرة ، والحنفية ماتريدية والجامعات الدينية في العالم الإسلامي أشعرية أو ماتريدية ، الأزهر في مصر، والزيتونة في تونس، والقرويين في المغرب، وديوبند في الهند، وغيرها من المدارس والجامعات الدينية .
فلو قلنا: إن الأشاعرة ليسوا من أهل السنة !! لحكمنا بالضلال على الأمة كلها، أو جلها، ووقعنا فيما تقع فيه الفرق التي نتهمها بالانحراف !! .
ومن ذا الذي حمل لواء الدفاع عن السنة ومقاومة خصومها طوال العصور الماضية غير الأشاعرة والماتريدية ؟؟ .
وكل علمائنا وأئمتنا الكبار كانوا من هؤلاء :
الباقلاني، الإسفراييني، إمام الحرمين الجويني، أبو حامد الغزالي، الفخر الرازي، البيضاوي، الآمدي، الشهرستاني، البغدادي، ابن عبدالسلام، ابن دقيق العيد، ابن سيد الناس، البلقيني، العراقي، النووي، الرافعي، ابن حجر العسقلاني، السيوطي، ( ومن المغرب ) : الطرطوشي، والمازري، والباجي، وابن رشد (( الجد ))، وابن العربي [المالكي]، والقاضي عياض، والقرطبي، والقرافي، والشاطبي، وغيرهم .
( ومن الحنفية ) : الكرخي، والجصاص، والدبوسي، والسرخسي، والسمرقندي، والكاساني، وابن الهمام، وابن نجيم، والتفتازاني، والبزدوي، وغيرهم .. )) اهـ .
مجلة (( المجتمع )) العدد (( 1370 )) بتاريخ/ 25/ جمادى الآخرة / 1420هـ الموافق 5 / 10 / 1999م
العلامة محمد الشاذلي النيفر التونسي عميد كلية الشريعة بالزيتونة :
(( .. إذا نظرنا إلى الأشاعرة صح عندنا أنهم على السنة التي تركنا عليها النبي صلى الله عليه وسلم، والتي ليلها كنهارها، ورحم الله تعالى الإمام ابن عساكر 571هـ حين تصدى لإيضاح الأشعرية في وجهها الحقيقي في كتابه الشهير (( تبيين كذب المفتري فيما نسب للإمام أبي الحسن الأشعري )) فإنه وضح أنها الوسط، وخير الأمور الوسط بين التعطيل والتشبيه، وقد ألهم الله الأشعري إلى نصرة السنة بحجج العقول فانتظم شمل أهلها فأثبت لله سبحانه وتعالى ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات ونفى عنه ما لا يليق بجلاله، فالأشعرية كما قيل :
الأشعرية قوم * * قد وفقوا للصواب
لم يخرجوا في اعتقاد * * عن سنة وكتاب
ويكفي مذهبه صحة أن النبغاء من العلماء يكادون كلهم أن يكونوا أشعرية، حتى قبل ظهوره، لأنهم على طريقة السنة، ثم بعد ظهوره تقلدوا مذهبه وإن لم يكونوا كلهم فأكثريتهم.
وهذا ما أبداه ابن عساكر في (( تبيين كذب المفتري )) في ( باب ذكر جماعة من أعيان مشاهير أصحابه ) إذ كان فضل المقتدي يدل على فضل المقتدى به، ويكفيه أن من مقلديه القاضي أبا بكر بن الطيب الباقلاني البصري صاحب التصانيف المشتهرة في الرد على المخالفين، حتى أن أبا الحسن التميمي الحنبلي كان يقول لأصحابه : تمسكوا بهذا الرجل فليس للسنة عنه غنى أبدا.
وكذلك من رجاله الفحول الحاكم النيسابوري صاحب المستدرك على الصحيحين، وابن فورك، وأبو إسحق الإسفراييني، والحافظ الأصفهاني، وأبو محمد القاضي عيدالوهاب البغدادي 422هـ الفقيه المالكي، وكتبه أشهر من نار على علم، وقد اعتنى بأحدها الإمام المازري وهو كتاب التلقين، والمحدث الشهير الحافظ أبو ذر الهروي المالكي، والحافظ أبو بكر البيهقي، والحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي، والإمام أبو المعالي الجويني، وأبو الحسن الطبري، وإلكيا الهراسي، والإمام الشهير حجة الإسلام أبوحامد الغزالي .
ومنهم من أهل المغرب الإمامان الشهيران أبو الحسن القابسي، والإمام المازري.
وتتبع هؤلاء إنما هو استيعاب علماء المسلمين، فإذا كان هؤلاء على ضلال، فقد اجتمعت الأمة على ضلال، وفي ذلك تكذيب لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه سيدنا أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إن أمتي لن تجتمع على ضلالة، فإذا رأيتم اختلافا فعليكم بالسواد الأعظم )) رواه ابن ماجه أحد أصحاب الكتب الستة .. )) اهـ .
مفاهيم يجب أن تصحح ط2 1405هـ القاهرة .
منقول عن احدى مشاركات الاخ الازهري ..