المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الثورات العربية من منظور إسرائيلي.. تشكيك وقلق؟


المعزلدين الله
2011-06-06, 04:09
الثورات العربية من منظور إسرائيلي.. تشكيك وقلق؟
سمير جبور
2011-06-05




الأدبيات الصهيونية ولاسيما المنشورة منها باللغة العبرية حافلة بتقويمات مختلفة إزاء ما يمكن أن تؤول اليه الثورات العربية خاصة في مصر. وتتضمن هذه التقويمات بعض التشكيك في قدرة الثورات العربية على تحقيق أهدافها من جهة، وتخوفات وقلق وهواجس إزاء ما يحمله المستقبل وما ستؤول إليه الثورات العربية من قيام مجتمعات عربية تتمتع بحصانة وطنية من جهة أخرى.
المعروف ان إسرائيل نعمت خلال العقود الثلاثة الماضية ببيئة إستراتيجية مريحة خالية من التهديد في مواجهة عالم عربي مستكين، لم تشكل قضية فلسطين او الخطر الصهيوني أي همّ له. وكانت إسرائيل تراهن على بقاء أنظمة عربية مستبدّة، تقمع شعوبها التي تربطها بالقضية الفلسطينية علاقة وجدانية وعاطفية، وناقمة على عدوانية إسرائيل واستهدافها للشعوب العربية، ولاسيما الشعب الفلسطيني. والعقلية الصهيونية تقوم على أساس التعامل مع الحكام وإلغاء دور الشعوب.

نتائج 'غير مشجّعة'
يشكك بعض المعلقين إلإسرائيليين في نتائج الانتفاضات الشعبية ويؤكدون تعثرها وما يعتريها من مخاطر. على سبيل المثال في تقديرالبروفيسور شلومو أفينيري الخبير في شؤون الشرق الأوسط، انه بعد مرور اربعة شهور منذ بداية الثورات في العالم العربي يتبيّن من خلال مجمل مرحلي، أن النتائج 'بعيدة عن كونها مشجّعة'. مثلا انه تم إسقاط الطغاة في مصر وتونس ولكن 'مسيرة الدمقرطة لا تزال غير مضمونة'. وفي سورية لا يجد نظام الأسد حرجا من إطلاق النار على المتظاهرين. وفي ليبيا لا يزال الثوار عاجزين عن التغلب على القذّافي على الرغم من غارات الناتو. وفي اليمن فإن الوضع لا يزال غامضا. وعلى حد قول أفينيري ان أنظمة مستبدة 'معتدلة' مثل نظامي زين العابدين ومبارك سقطت. في حين أن 'انظمة عربية، ليست لديها مشكلة اخلاقية ولا حتى سياسية في قتل أبناء شعوبها، لا تزال صامدة '. واشار افينيري إلى نقطة أخرى تطمئن إسرائيل وهي أن 'المذبحة التي وقعت ضد الأقباط في الأسبوع الماضي تشير إلى أن الأخوّة الإسلامية ـ المسيحية (التي برزت) خلال المظاهرات، لم تنجح في التغلّب على عداوات دينية قديمة. كما أن خطر الفوضي يحوم في الأفق. وهذا ليس فجرا ليوم جديد' ، كما يعتقد افينيري.

أنظمة ديمقراطية
بغض النظر عن محاولات التشكيك هذه، تبقى اسباب القلق هي الطاغية على الكتابات الإسرائيلية. كانت إسرائيل تتخوّف دائما وأبدا من سقوط بعض الأنظمة العربية المتواطئة معها لتحل محلها أنظمة جديدة ديمقراطية تبني جيوشا قوية وقدرات دفاعية وهجومية، وتلتزم بحماية الوجود العربي. وهذا ما يسبب اختلال موازين القوى بينها وبين العرب. إسرائيل تدرك أن الأنظمة العربية التي ستفرزها انتفاضات اليقظة الشعبية لن تكون داعمة للقضية الفلسطينية، ولن تكون قادرة على التصدي للصلف الصهيوني ولن تكون مؤثّرة في إعادة الكرامة إلى شعوبها، إلاّ متى اقامت مجتمعات متطورة مرتكزة على مبادئ الديمقراطية والعلمانية والليبرالية التي هي أنجع الوسائل والمثل العليا التي تكفل سلامة الوحدة الوطنية وتقضي على الإنقسام وتقطع الطريق على محاولات إسرائيل وأعوانها في المنطقة لإشعال فتن طائفية وحروب دينية لا طائل تحتها. وهذا لا يتاح إلا بتطبيق العلمانية باعتبارها أسلوب حياة وليست إيديولوجية. إنها نهج يسمح بالتعددية الفكرية والثقافية والسياسية، وهذه أسس الديمقراطية الليبرالية الحقيقية..'يجب أن يبقى الخطاب العلماني ذا نظرة وطنية وديمقراطية شاملة قوامها احترام عقائد وديانات الشعوب العربية بجميع مشاربها ومصادرها..'

أية ديمقراطية تقلق إسرائيل؟
من المعروف ان السمة الغالبة على هذه الثورات الشعبية تتمثل في المطالبة بتحقيق الديمقراطية التي تعني إطلاق الحريات الفردية والجماعية. وهذا يتطلب من الأنظمة الجديدة إقرار مبدأ الحريات وضمان الحقوق، بحيث يسترد المواطن كرامته وإحساسه بالأمان داخل دولته. وهذا لا يتحقق إلاّ بإرساء اسس دولة للجميع، أي دولة الحق والقانون واشاعة ثقافة المساواة وحقوق الإنسان.
هذه هي الديمقراطية التي تخشاها إسرائيل والتي حذّر منها المعلٌق الإسرائيلي تسفي مازال: 'الثورات في الدول العربية لا تزال في أوجها. والجميع يتكلمون عن الديمقراطية، ولكن الاختبار الحقيقي لنتائج هذه الثورات لن يكمن في تغييرات محدودة في الدستور او في مؤسسات الحكم، وإنما في تغيير أساسي في النظام الديني والسياسي: فصل الدين عن الدولة، قوانين مدنية جديدة.. فصل واضح للسلطات ولا سيما الانفتاح على الآخر، ومنح النساء مساواة كاملة وكذلك جميع الأقليات، وتوفير حل ملائم للشعوب غير العربية التي تطالب باستقلالها.. '

ثورة مصر محور القلق الإسرائيلي
من نافل القول ان إسرائيل ظلت أكثر من 3 او 4 عقود تتمتع ببيئة إستراتيجية مريحة لم تحلم بها في حياتها، ولا سيما في ظل معاهدة 'السلام' بينها وبين مصر والأردن. تلك المعاهدة التي وفرت لها أمنا ورفاهية اقتصادية على حساب الشعبين المصري والفلسطيني، ويدا طليقة في شن الحروب (اجتياح لبنان 1982، وحرب حزيران/يونيو على لبنان وحرب الرصاص المسكوب ضد قطاع غزة 2009- 2010). وبالتالي تتمحور المخاوف الإسرائيلية حول الثورة في مصر، كما هي مستمدّة من الصحافة العبرية :
-التأخير في استمرار تدفق الغاز الطبيعي او انقطاعه كونه أهم بند في معاهدة السلام بين البلدين (7 مليارات متر مكعب في السنة).
- تصاعد القوى السياسية في مصر المعادية لإسرائيل ولاتفاق السلام معها. وإسرائيل قلقة من موقف النظام المصري الجديد تجاه الاتفاق.
- مدى تأثير الاصوات المعادية لإسرائيل على السلطة المؤقتة للمجلس العسكري.
- منذ توقيع اتفاق السلام بين مصر واسرائيل، فان الكثير من المصريين يؤمنون بأن هذا الاتفاق يكبّل ايادي مصر ويسيء الى مكانتها الإقليمية ويساهم في استمرار الطريق المسدود الذي وصلت إليه المفاوضات مع الفلسطينيين.
- إسرائيل قلقة لأن مصر تمر الآن في مرحلة انتقالية وليس معروفا من سيأتي الى الحكم، في ما بعد، وربما ستتعزز قوة القوى السياسية التي تعارض اتفاق السلام مع إسرائيل، وليس المقصود حركة الاخوان المسلمين وحسب، وإنما ايضا قوى سياسية أخرى مثل الحزب الناصري وأحزاب وطنية علمانية أخرى.

تخوفات إسرائيلية أخرى:
-التخوف من امتداد 'تأثير الدومينو' الى المناطق الفلسطينية المحتلة. وتساءل احد المعلقين الإسرائيليين: 'هل ستصل الثورات في العالم العربي إلى المناطق الفلسطينية؟ انه ليس من المستبعد إمكان حدوث 'ثورة فلسطينية' يقوم بها الجيل الناشئ المتأثر كثيرا بما يحدث في الدول العربية. وهذه الثورة لن تحمل طابعا حزبيا او تنظيميا'، على حد قوله. وأشار الى أن شباب فلسطين حدد تاريخ 15 أيار/مايو للقيام بمظاهرات احتجاجية على الاحتلال. وهذا ما ثبت خلال المسيرات الشعبية الى المناطق المحتلة في ذكرى يوم النكبة .
- ونبّه آخر من مخاوف اسرائيل في هذه المرحلة من التغييرات التي قد تطرأ على وجود الكتلة الغربية في الشرق الأوسط.. احتمال خروج الأمريكيين من المنطقة. ويبدو ان الأوروبيين مهتمون بمزيد من النفوذ للحؤول دون غمر اوروبا بالمهاجرين.
-وفي رأي معلق إسرائيلي آخر انه ينبغي على إسرائيل أن تتحقق من أن حدودها آمنة جدا، وان المؤسسة الأمنية تجري تعديلات تتلاءم والتغييرات المستجدة، ويبدو انها قادرة على تجاوز المرحلة الحالية بسلام من خلال تأثير قليل عليها.
وعلى حد قول أحد المحللين الإسرائيليين فان 'المخاوف الإسرائيلية طبيعية، إذ فقدت إسرائيل نتيجة للثورة في مصر العلاقة مع الرئيس حسني مبارك ونائبه الجنرال عمر سليمان اللذين كانا حليفين مهمين ايدا الاستقرار الإقليمي وعارضا توسع إيران وتعاظم قوتها'. ويضيف هذا المحلل الإسرائيلي: 'الآن تنتظرإسرائيل نظام الحكم الجديد غير المعروف، وتلوح الآن بوادر تغيير في المناخ المصري، وتستطيع القوى المتطرفة التعبير عن رأيها في إسرائيل بحرية وضد اتفاق السلام، ويبدو أن السلطة العسكرية المؤقتة لا تعمل على إسكات هذه القوى'.
ربما سائل يسأل هل المخاوف الإسرائيلية حقيقية او دراماتيكية او مبالغ فيها؟ خلاصة القول ان المخاوف الإسرائيلية تصبح حقيقية متى قامت أنظمة عربية جديدة تؤمن بالديمقراطية الحقة وإلإصلاح وفصل الدين عن الدولة وإقامة مجتمع مدني قائم على المساواة والحريات الفردية والعامة. وتحرير المرأة العربية من جميع القيود لتصبح عضوا فعالا في المجتمع، إنما هو ضرورة ملّحة من أجل إقامة مجتمع الحداثة..

سيناريو إستراتيجي لمواجهة الانتفاضات الشعبية
وتحت عنوان 'تقييم وضع الأمن القومي في شرق أوسط قديم - جديد' عرض الجنرال متقاعد عوزي ديّان (الذي شغل منصبي نائب رئيس الاركان ورئيس مجلس الأمن القومي) التأثيرات الإستراتيجية المحتملة التي قد تنجم عن الثورات العربية بالنسبة الى إسرائيل، طارحا بعض التساؤلات ونافيا احتمال 'تشكل شرق اوسط جديد.
ولكن هناك شيئا جديدا في الشرق الأوسط' محذّرا من المبالغة في اهمية الثورات في العالم العربي بالنسبة الى منطقتنا والعالم بأسره'. ولكن من الواضح اليوم أن ما كان لن يكون. ولكن ماذا سيكون؟ وكيف سيؤثر هذا على إسرائيل؟ وفي الأساس كيف ستتعامل إسرائيل معه'؟ (27/03/2001)
وتوقّف الجنرال دّان عند بعض السمات التي تميز الثورات العربية واسبابها مثل: الخبز والعمل، والكراهية السنيّة ـ الشيعية، والامتعاض من فساد الأنظمة الحاكمة، والمطالبة بالديمقراطية ايضا ولكن ليس بمفهومها في دول اخرى.
- الانتفاضة من الأسفل، من جذور الشعب من دون حركة منظمة ومن دون حركة تضامن.
- ثبت أن النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني هو ليس أساس المشكلات في منطقتنا، وان إنهاء هذا النزاع 'لن يكون الحل ولا العلاج للتوتر بين الإسلام الأصولي والغرب' على الرغم من أن معظم الأنظمة المعرضة للخطر هي موالية للغرب، 'وفي خضم هذه الفوضى تبرز إسرائيل كجزيرة من الديمقراطية وتشكّل ثروة إستراتيجية للولايات المتحدة (التي لا تقدّرها حق قدرها).
- وابرزت الثورات فشل المخابرات ...
ويتساءل الجنرال ديّان: كيف سيؤثر كل ذلك على إسرائيل؟
- عودة عدم اليقين وعدم الاستقرار، وبصورة كبيرة، الى الشرق الأوسط، ليس في ليبيا النائية وحسب، وانما ايضا على عتبتنا: الى اين تسير مصر؟ كيف سيبدو العراق بعد عدد من السنين؟ والأردن جارنا؟ هل تهدد المظاهرات في سورية نظام الأسد؟ وعلى من سيأتي الدور؟
ويستطرد ديان: 'يمكن أن نرى في الأفق البعيد وميض ضوء ـ دمقرطة ورخاء. ولكن تلوح من الأفق القريب مكامن الفشل ومشكلات كبرى، وصراعات قوى عنيفة وأساس اقتصادي واه. على سبيل المثال، ستصحو مصر في القريب على واقع من البنى التحتية الضعيفة وعلى الفقر ...الخ
- الإرهاب سيطّل برأسه بصورة اشد عنفا.
- ستبقى إيران التي تسعى إلى امتلاك سلاح نووي تشكّل الخطر الأمني الأساسي على إسرائيل علاوة على 'الإرهاب النووي.'
ورسم ديّان خطوط السياسة التي ينبغي على إسرائيل انتهاجها لمعالجة تبعيات التطورات المستجدة في العالم العربي :
- حرب فعاّلة على الإرهاب ـ استعادة الثقة الشخصية وخلق ردع في مواجهة الإرهاب الصاروخي في الجنوب. يجب مواصلة سياسة الرد على كل عملية إطلاق نار من قطاع غزة ولكن بقوّة أكبر بكثير لبلوغ الهدف النهائي، انهيار حكم حماس وعزل القطاع واسترداد جلعاد شاليط..
-التخلص من وهم الصيغ التي برهنت على فشلها الذريع: بأن 'السلام سيجلب الأمن'.
يجب أن يكون أساس كل تسوية: الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية عاصمتها القدس الموحدة وعدم السماح للاجئ واحد بالعودة.
- حدود قابلة للدفاع، ولا سيما في غور الأردن كحد شرقي لإسرائيل.
- ضم الأردن إلى عملية المفاوضات. وربما ان صيغة مملكة أردنية هاشمية ـ فلسطينية لن تكون مقبولة الآن، ولكنها ستبقى في نهاية المطاف صيغة التسوية الأفضل والأكثر معقولية بالنسبة الى جميع الفرقاء .
- علينا عزل سورية وعدم تقويتها.
- بالنسبة الى مصر، فإن قدرتنا على التأثير في ما يجري في مصر ضئيلة، ثم أن لانتقال مصر الى 'محور الشر' مغزى إستراتيجيا. وبالتالي علينا في هذه المرحلة انتهاج سياسة علاقات تصحيحية من خلال الحرص على ثلاث قضايا: استمرار اتفاق السلام الإسرائيلي ـ المصري على ما هو، ولاسيما تجريد سيناء من السلاح، واستمرار تدفق الغاز، وحرمان إيران من قدرة نووية عملانية والمحافظة على حرية المرور في قناة السويس. وعلى إسرائيل استخدام سوط المساعدات المالية ضد مصر من اجل إلزامها بهذه الأمور'.
- بلورة القوة العسكرية في اتجاه بناء قوة عسكرية فعّالة واستخدامها عمليانيا وبصورة مرنة لمواجهة إمكان بلورة جبهة شرقية وحتى جبهة جنوبية .
- إنتهاج سياسة خارجية قائمة على دعم عملية دمقرطة، والتذكير بان الديمقـــــراطية ليست مجرد حكم الأكثرية الذي يتم التوصل إليه بواسطة انتخابات حرة متسرّعة، بل هي عملية ثقافية ـ تعليمية تشمل حكم القانون، وضــــمان حريات الأقليات والأفراد، ومنع التحريض والعمل على التثقيــف بالسلام الحقيقي..
ويستخلص عوزي ديان بأنه لا ينبغي الاكتفاء بعملية 'تقويم وضع'، بل أمامنا مهمة من الدرجة الأولى مواصلة بناء دولتنا اليهودية ـ الديمقراطي '.

' كاتب فلسطيني