المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مي شدياق: ثمن الحرية باهظ لأن أنظمتنا لا تقدر الانسان


المعزلدين الله
2011-06-06, 04:08
مي شدياق: ثمن الحرية باهظ لأن أنظمتنا لا تقدر الانسان
خضعت لـ33 عملية جراحية بعد محاولة اغتيالها وعادت بعدها للعمل الاعلامي

2011-06-05




التقتها فاطمة عطفة: اللقاء بالإعلامية المتألقة الدكتورة مي شدياق يذكرنا بالسيدات الرائدات في تاريخنا العربي كالخنساء وخولة وليلى الأخيلية وجميلة بوحيرد.
شعلة من الذكاء والنشاط والديناميكية وعشق الحرية، وهي تستنكر وتتحدى كل أنواع الظلم والاستبداد، كما تحدت أولئك القتلة الذين حاولوا اغتيالها وقاومت سلسلة من المخاطر والآلام بأكثر من ثلاثين عملية جراحية. هذه السيدة المحبوبة بحضورها الجميل المشرق، المرهفة بمشاعرها الإنسانية النبيلة، تتحدث عن مواجهة الموت وكأنها تحكي قصة من التاريخ البعيد. إنها الشهيدة الحية - شهيدة الكلمة الحرة الصافية التي يكره الطغاة المستبدون أن يسمعوها، وهي تبارك ثورة الشباب في سبيل الحرية والكرامة في كل أرض عربية من تونس إلى سورية، مرورا بليبيا واليمن وكل بلد صادر حكامه الهواء وكتموا أنفاس الجماهير طوال عشرات السنين. كان لقاؤنا بالمنتدى الإعلامي العربي في دبي. ويطيب لي أن أقدم لها خالص الشكر لتفضلها بهذا الحوار الذي تم على عجل بسبب ضيق الوقت وزحمة برنامج المؤتمر وكثرة الضيوف. هناك عبارات مؤثرة لم أستطع كتابتها كانت قد غصت فيها بالدمع الغالي، وجعلتني أغص بالمرارة وأنا أتساءل بحرقة: ماذا جرى لهذه الأمة حتى يحاول الأوصياء الظالمون فيها أن يخنقوا كل بادرة أمل ويسحقوا كل وردة فجر جديد؟ وكيف يعاملون أطفالهم حين يحاولون أن يطفئوا كل ابتسامة مشرقة تزهو على وجوه الأطفال؟ سأترك مي مع قراء 'القدس العربي' لتحدثهم بنفسها:

* ماذا عن البدايات وعودتك من سويسرا إلى لبنان؟
*'كنت أفضّل أن تتوليّ أنت التعريف عني إذ من الصعب التحدّث بلغة الأنا'.
*إنهاّ بطاقة تعريف موجزة عن مسيرتك وبطريقتك، ولنقل إنها نوع من البوح!
* 'عملت في السفارة اللبنانية في برن لسنة ونصف السنة. لكن الحنين إلى الوطن وللعمل الإعلامي المباشر عبر التلفزيون هو الذي أعادني إلى لبنان، لأعود إلى شاشة (إل بي سي)، فقد اضطررت إلى مغادرة البلد لسنة ونصف السنة بسبب حرب الإلغاء العبثية آنذاك. كان عندي حنين دائم وشغف إلى الإعلام فعدت الى بيروت وإلى العمل في الراديو والتلفزيون. في هذه الأثناء وفي موازاة العمل أكملت دراستي وحصلت على الدراسات العليا في الصحافة. في فترة لاحقة، أصبحت أستاذة في جامعة 'سيدة اللويزة' وأكملت في (ال بي سي) ببرنامج 'نهاركم سعيد' ونشرة الأخبار، إلا أن القتلة لم يتحملوا جرأة صوتي وطريقة إدارتي للحوار، حيث كنت أضع الأصبع على الجرح، وأضيء على حقيقة ما يحصل في البلاد وأكشف خيوطاً واضحة تومئ بهوية الجهة المحتملة التي ارتكبت جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري'.
* ماذا حصل معك في تلك الفترة؟
*'بعد تهديدات متكررّة تعرضت لمحاولة الاغتيال في أيلول/سبتمبر 2005. ومن بعد 33 عملية جراحية، عدت إلى مزاولة المهنة الإعلامية متنقلة على أطراف اصطناعية. تعايشت مع واقعي الجديد وعدت لمتابعة البرامج التلفزيونية بعد عشرة أشهر، مبتورة الساق واليد. كذلك أكملت رسالة الدكتوراه وحصلت على الشهادة من جامعة Pantheon- Paris 2- Assas وهي من أرقى الجامعات الفرنسية في علم الإعلام، بدرجة شرف وتميز من لجنة التحكيم'.
* هل كانت رغبتك في العودة بهذه السرعة إلى العمل الإعلامي في مكانها؟
*' أنا فخورة بالذي فعلته، ولكن في مرحلة ما، لم تعد الظروف السياسية في لبنان كما كنت أطمح إليها. ضقت ذرعاً فأعلنت على الهواء مباشرة وقف برنامجي 'بكل جرأة'. في الواقع، مورِست ضغوط كثيرة عليّ من داخل المؤسسة ومن قبل الفريق السياسي القريب من سورية وحزب الله. يبدو أنّ المشكلة كانت أنني، وعند كلّ إطلالة لي أذكّر المشاهدين بالمحكمة الدولية. في الواقع، تعرّضي لمحاولة الاغتيال واعتباري شهيدة حيّة من شهداء ثورة الأرز، جعلا منيّ رمزاً غصباً عنّي وإنمّا بإرادة القاتل! ضغوطٌ كثيرة مورِست بهدف تعطيل برنامجي ومنعي من متابعة مهنتي بحرية كما اعتدت، ففضّلت الاحتجاب لبعض الوقت على أمل أن نعود في أيام أفضل عندما تعود ممارسة المهنة ممكنة بكلّ حرية. ولكن لا أزال ناشطة سياسية وإعلامية، وطبعا ما زلت أدرّس بالجامعة، كما أنشأت مؤسسة مي شدياق- معهد الإعلام وهي مركز تدريب في ميادين الإعلام كافةً، ننظّم ورش عمل ودورات تدريبية يُشرف عليها اختصاصيون وهي موجّهة من جهة للصحافيين وخريجي الإعلام الذين يريدون صقل مواهبهم بشكل أكبر، ومن جهةٍ ثانية للتلامذة الذين يشكل المعهد بالنسبة إليهم جسر عبور بين العالم الأكاديمي وعالم التطبيق مما يتيح لهم الانخراط بحرفية وبشكل أفضل في سوق العمل'.
* من حاولوا أن يغتالوا صاحبة الكلمة أو بعبارة أخرى اغتيال الكلمة، يبدو أنّ الثورة في طريقها لإزالتهم؟ كيف ترين ثورة الشباب؟ وكيف تنظرين إلى بعض السلطات السياسية التي قمعت وما زالت تقمع الجماهير؟
* 'بدون شك إعلان العفو لم يعد ينفع بعد قمع المتظاهرين السلميين وأصحاب الرأي بالقتل والتعذيب الذي طال الأطفال الأبرياء حتى. لجنة الحوار الوطني التي شرعوا في تشكيلها تُذكرّنا بطاولة الحوار في لبنان التي استغلّها حزب الله لإلهاء الأفرقاء صيف 2006 في وقت كان يُحضرّ للحرب ليس لتحديّ إسرائيل فحسب، وإنّما كوسيلةٍ لقلب المعادلة الداخلية وسرقة الانتصار من فريق 14 آذار. إن الأساليب البائدة والبالية التي اعتمدت سابقاً لإسقاط وإسكات الأقلام الحرة والأصوات الصارخة عبر الإعلام المرئي والمسموع أو المكتوب، في طريقها إلى الزوال بثورة أهلها عليها. ربيع العرب بدأ من لبنان في 2005 مع تلك الثورة السلمية حيث نزل أكثر من مليون ونصف المليون إلى ساحات بيروت ليقولوا: 'كفى'! وهذه فئة كبيرة بالنسبة للشعب اللبناني الذي لا يعد أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون. اللبنانيون عمّوا الشوارع بعد شهرٍ على اغتيال الرئيس رفيق الحريري ليقولوا: خلص انتهينا من زمن القمع، آن لسورية أن تخرج من لبنان وتخرج قواتها العسكرية من لبنان وينتهي زمن التدخل في الشؤون اللبنانية، فاضطروا مرغمين إلى تطبيق القرار الصادر عن مجلس الأمن 1559 الذي أجبر الجيش السوري على الخروج من لبنان. وعلى الرغم من كل ذلك خرجوا من الباب ليعودوا من الشباك مستغليّن تداعيات حرب 2006 بين حزب الله وإسرائيل، وذلك عبر بعض عملائهم المحليين. وللمفارقة، لدي صديق يقول اليوم هؤلاء لم يعودوا حلفاء سورية، أصبحوا أيتام سورية، لأنّ على 'الدولة الشقيقة' أن تهتم بشؤونها. وعندما نقول سورية، لا نقصد البلد ولا نقصد الشعب، نقصد النظام الذي كان يسعى لتأمين وحماية استمراريته إلى قمع كل من تسول له نفسه أن يصرخ بالعالي'.
* ما هي مطالبُكم الآن؟
*'نحن نريد أن نعيش بكرامة وحرية، ناضلنا في لبنان وما زلنا نناضل لأننّا نريد لبنان أولاً في وقتٍ بعض الأدوات المحلية كانت ولا تزال تأخذ أوامرها من النظام السوري ومن إيران، ولا تمل من استخدام الساحة اللبنانية مطية لتحقيق أهدافها الإقليمية. ولكن اليوم، تحية احترام وإكبار إلى الشعب السوري، الذي انتفض على واقع المخابرات، ونحن نعرف أساليبهم وعانينا منها سنين مرّة في لبنان! هي ذاتها اليوم تقمع وتقتل الشعب السوري، والدبابات التي كانت تمشي على جثثنا في لبنان هي ذاتها تمشي على جثث السوريين، الشعب السوري المناضل الذي لا يريد إلا السلام ولا يريد إلا العيش بكرامة وحرية واستقلال. أظنّ أن ما حصل في ليبيا من معاناة ربما يعود يحصل في سورية، لأن هناك من لا يريد أن يِقرّ بأنّ زمنه انتهى. هناك من يريد أن يبقى على عرش عنجهيته مسيطراً ويأبى الرحيل. بعض الرؤساء مدى الحياة لا يأخذون العبر من تجارب الآخرين الذين سبقوهم على درب الخطأ. ما حصل في مصر وفي تونس يجب أن يكون عبرة للمتغطرسين. في النهاية لا بد لليل أن ينجلي، ولا بد لهذه الأنظمة القمعية أن تنتهي أيامها الذهبية وأن تقتنع أن جبروتها تلاشى وتغادر وتترك المجال لشعوبها لتعيش بحرية وكرامة'.
* دكتورة مي، أنت لست فقط إعلامية بل أنت تتمتعين بثقافة وفكر سياسي، لقد علّمنا التاريخ أنّ أوروبا دفعت الكثير لتحصل على الحرية والديمقراطية، برأيك كم من الأثمان على الشعوب العربية أن تدفع بعد؟
* 'نحن العرب رواد في هذا المجال. نحن الذين قلنا 'وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرّجة يدق'! الحرية لا تُعطى بل تؤخذ، وبشتّى الطرق حتى لو نزفنا من أجلها دمنا ودماء أحبّائنا. الحرية ثمنها باهظ، والمصيبة أننا خاضعون لأنظمة لا تفهم ولا تقدّر قيمة الإنسان، فنحن في حساباتهم لسنا سوى آلات يُحرّكونها كما يشاؤون. لكن أنا من المؤمنين أنّه لا يصحّ إلا الصحيح. كل قضية حق لا بدّ أن تصل إلى مبتغاها ولو كان الثمن غالياً، علينا أن لا نتراجع. المهم للذين يطالبون بحريتهم الإدراك أن الرجوع إلى الوراء ثمنه أغلى من الاستمرار بالثورة. عليهم الصمود والمقاومة والمثابرة وليتمسكوا بمطالبهم العادِلة مهما صعبت الظروف من دون يأس، ناظرين الى رجاء القيامة من ردهة القمع والذلّ للوصول الى عتبة الحرية والعيش بكرامة'.
* المنطقة، كما يقول البعض تواجه مخططا أجنبيا، وهناك مشروع خارجي، وهناك محكمة دولية جاهزة.. وإلى آخره، كيف تنظرين إلى ما يقال؟
* 'أتقزَّز من هذه الأقاويل، فهل الحكاية أنني فجّرت نفسي؟ كما أن كل شهداء ثورة الأرز في لبنان انتحروا، فجّروا أنفسهم؟! خطر على بالنا أن نغتال أنفسنا فقط لكي نكون أداة تستخدمها أمريكا وإسرائيل ضد حزب الله وسورية؟ كفى، استُهلكت هذه النكتة بما فيه الكفاية! كفانا من كل تلك الأحاديث الباطلة، منطق اللامنطق ليس بإمكانه أن يسود بعد اليوم. كفى، الشعوب العربية تملك العقل والثقافة الكافية والقدرة على التحرك من تلقاء ذاتها، فقد ولّى زمن الانتداب على ما أظن. وكلّنا على علم ويقين بأن النظام السوري لا أحد يخاف من تغيره إلا النظام الإسرائيلي والولايات المتحدة، لأنها تخاف من البديل، تخاف من وصول المتطرفين الإسلاميين وإلى ما هنالك... على الرغم من كل تلك (الهوبقة) التي عبأتها هذه الأنظمة المستبدة بعقل الغرب حتى تحافظ على وجودها واستمراريتها، ثبت في مصر أن هذه المقولة غير صحيحة، وليس الأخوان المسلمون وحدهم الذين استلموا الحكم في البلاد، والأمر ذاته سوف ينطبق في سورية ربّما. كفانا استعمالاً لهذه الشعارات التهويلية لقمع الشعوب، هذه أساليب بالية انتهت صلاحيتها ولم تعد تؤثر أو تفيد، هذا المنطق انقلب على أصحابه الذي اتضح أنهم من كانوا يؤمّنون الهدوء والاستقرار لإسرائيل. منطق دول الممانعة سقط بفعل أنهم أبقوا أربعين سنة الجولان منطقة محتلة، لكن هادئة. أصبح ذلك جلياً أكثر بعد أن أرسل ابن خال الرئيس السوري رامي مخلوف رسالة عبر الـ'نيويورك تايمز' مفادها أنّه إذا لم يكُن من أمان لهذا النظام في سورية فلن يكون من أمان لإسرائيل!
* هل ترين أن عدم الاستقرار في سورية، وتطوّر الأحداث الدامية فيه سيكون له تأثير على الأوضاع في لبنان؟
* 'بالطبع لديه انعكاسات على لبنان، لكن ليس بالضرورة أن تكون الانعكاسات سلبية، هي فترة مخاض عسير ما قبل ولادة الحرية. نرى الأحرار والشعوب تكسر جدار الصمت والكبت والمنطق الاستخباراتي ونفرح في قلوبنا وننتظر اليوم القريب عندما سيصبح لبنان محاطاً بجوار يتنفّس الحرية وفق نظام ديمقراطي يحترم التعددية والانفتاح لنبنيَ معاً علاقة من دولة مستقلّة لدولة مستقلّة، من الندّ للندّ، ولنؤسسّ لعلاقات مميّزة بين دولتين شقيقتين متساويتين من حيث المصالح وترسيم الحدود، الخ..'.
* لم يكن للإعلام العربي أي دور تمهيدي لثورة الشباب، وبعد أن قامت هذه الثورات هل استطاع هذا الإعلام أن يواكب الأحداث، أم أن اعتماد الشباب على ثورة المعلومات تجاوز الفضائيات وأصحابها؟
*'لا يمكن أن تلغي ثورة المعلومات دور الإعلام التقليدي. ومما لا شك فيه أن اعتماد الشباب على التكنولوجيا ووسائل الإعلام الاجتماعي ساهم إلى حد كبير في نجاح الثورات، لكنّ ذلك لا يحل مكان دور الإعلام العربي في نقل الثورة وأحداثها. إنها مرحلة صهر وسائل الإعلام الاجتماعي والإنترنت مع وسائل الإعلام التقليدية. ولولا توليّ وسائل الإعلام التقليدية الأخبار والأفلام التي ينقلها الثوار والمعارضون عبر وسائل الاتصال الاجتماعية لما تحركّ الرأي العام العالمي والعربي لدعم هذه الثورات، ولما تمكّنت من تحقيق أهدافها. إنّ مسار الثورات عبارة عن حلقات تُكمّل بعضها البعض.