جواهر الجزائرية
2011-05-30, 07:43
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
الاستهزاء
.
.حين يذكر الاستهزاء بالدين وأهله : يتبادر إلى الذهن سؤال بتعجب : لماذا هذا الاستهزاء ؟ ولماذا هذه السخرية ؟! .
ألسنا على الحق ؟ ألسنا من استجاب لداعي الله وآمن به ؟! .
فلماذا يسخر الناس بنا وبديننا ؟!! .
وللإجابة على ذلك أقول : إن للاستهزاء بواعث وعوامل انطوت على نفوس الهازلين الساخرين ، لعل من أهم هذه البواعث والأسباب ما يلي :
1) الكره والحقد من الملأ لهذا الدين العظيم : فإن الله – سبحانه وتعالى – جعل هذا الإسلام طريقاً وحيداً فريداً لصلاح الدنيا والآخرة (( وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلك وصاكم به لعلكم تتقون )) سورة الأنعام آية : 153 . فهذا الدين ينشئ الحياة من جديد ، نشأة فريدة ، على نمط فريد عما عهده الناس .
إنه يقلب موازين الجاهلية ، لينشئ – بإذن الله – في هذه الحياة أمة متميزة في كل شئ ، متميزة في فكرها وشعورها ، وسلوكها ، وموازينها ، ومن ثم فإن هذا الأمر لن تقابله الجاهلية – في القديم أو الحديث – بسهولة وترحاب !! كلا بل ستعانده وتقاومه بكل ما أوتيت من قوة ، وبكل حقد وكراهية .
إنها تفعل ذلك ( وهي عالمة بما فيه من الحق والخير ، وبأنه هو الذي يقوِّم ما أعوج من شؤون الحياة ، وتكرهه لأنها حريصة على هذا العوج لا تريد تقويمه ، وتود أن تبقى الأمور على اعوجاجها ولا تستقيم . تكرهه لأنها هي الجاهلية .. وهو الإسلام ) (11) .
قال – تعالى - : (( وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى )) سورة فصلت ، آية : 17 .
(( لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال ياقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم * قال الملأ من قومه إنا لنراك في ظلال مبين )) سورة الأعراف ، آية : 59 – 60 .
(( وإلى عاد أخاهم هوداً قال ياقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره أفلا تتقون * قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة )) سورة الأعراف ، آية : 65 – 66 .
(( ولوطاً إذا قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون * وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون )) سورة الأعراف ، آية : 80 – 82 .
إن هذا الكره الذي تصبه الجاهلية على دين الله وعلى الملتزمين به نابع من : (( خشيتها على كيانها ومصالحها وشهواتها وانحرافاتها من النور الجديد ، فهي تحس في دخيلة نفسها مقدار ما انحرفت عن الحق ، وحكمت الهوى واستسلمت للشهوات ، وتحس مقدار ما تحرمها العقيدة الصحيحة حين تحكم الأرض من مصالح ومنافع وشهوات اختلستها اختلاساً في غيبة النور ... يستوي في ذلك الذين استكبروا والذين هم مستضعفون ، فلكل في الجاهلية مصالح ومنافع وشهوات يحرص عليها )(12) .
وحين أرسل الله محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الناس بهذا الدين حرر الناس من عبودية البشر وعُبّدوا لله الواحد الأحد ، ومن ثم أصبح الولاء لله وحده ، وليس للعشيرة أو القبيلة او منبر او صرح اعلامي او مصدر ضال كما كان ولاء الجاهلية ، هذا الأمر قد أزعج الملأ الذين يريدون أن يكون الولاء لأشخاصهم وليس لله وحده .
ويأتي بعد الملأ طبقات متعددة من الأمة تكره هذا الدين وتستخدم سلاح السخرية والاستهزاء لمعارضة هذا الدين وأهله ، ومن هؤلاء كتاب وقصاصون وإذاعيون وفنانون ونساء فاجرات متحررات من كل فضيلة ، وأصحاب خمور ومخدرات وغيرهم وغيرهم . يفعلون ذلك لأن عملهم قائم على التجارة المحرمة التي إذا قام دين الله جفف ذلك المستنقع القذر الذي يعيشون في وحله ويتكاثرون في دنسه (13) . إن الحرص الشديد لأعداء الله على طمس وتشويه صورة الإسلام الناصعة أمر لا يجادل فيه إلا مكابر ، لذا لا غَرْوَ إذا استخدمت السخرية والهزء سلاحاً فتاكاً لتشويه هذه الصورة ونشر الضباب المعتم على وجهها المشرق ، ولكن الله مُتِمُّ نورِهِ ولو كره الكافرون .
ومن بواعث الاستهزاء :
النقمة على أهل الخير والصلاح : (( إنهم أناس يتطهرون )) سورة الأعراف ، آية : 82 . فمن المعلوم أن أهل الشر والفساد يزعجهم ويعكر صفو باطلهم وما هم عليه ذلك الطهر والعفاف الذي يتحلى به الأخيار ، لهذا يسعى أولئك المفسدون إلى تشويه سمعة أهل الخير ، ويسخرون منهم ويغمزونهم (( إنهم أناس يتطهرون )) فعلى منطق هؤلاء المفسدين لا بد من تحويل المجتمع كله إلى مجتمع رذيلة وسقوط ودنس ، أما أن يبقى في الأمة أصحاب طهر وعفة فهذا أمر لا يطيقه الأشرار (( وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد )) . سورة البروج ، آية : 8 .
ومن بواعث الاستهزاء والسخرية : الفراغ وحب الضحك على الآخرين :
فإن الإنسان حين يفقد الهدف الأسمى الذي من أجله جاء لهذه الحياة ، وهو عبادة الله وحده لا شريك له ، حين يفقد ذلك يحس – ولا شك – بفراغ قاتل في حياته ، لذا سرعان ما يتجه لدروب الشيطان التي تملأ عليه الفراغ ، ولو كان ذلك بالاستهزاء بالله وآياته ، ورسوله ، والمؤمنين ، وبعض النفوس المريضة لا تتلذذ إلا بالضحك على الناس والاستهزاء بهم ، والسخرية بخلقتهم وأفعالهم ، والافتراء عليهم ، وقد حذر المصطفى صلى الله عليه وسلم من هذا الخلق ، فقال في الحديث الصحيح : " وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله – تعالى – ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة " (14) .
وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الضاحك المضحك الهازل بقوله صلى الله عليه وسلم : " ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك القوم . ويل له ويل له " (15) . وفي المسند : " إن الرجل ليتكلم بالكلمة ليضحك بها جلساءه يهوي بها من أبعد من الثريا " (16) .
وقد يسخر الرجل الغني من الرجل الفقير ، والرجل القوي من الرجل الضعيف ، وقد يسخر الذكي الماهر من الساذج الخامل ، وقد يسخر ذو الأولاد من العقيم ، وذو العصبية من اليتيم ، وقد تسخر الجميلة من القبيحة ، والشابة من العجوز ، والمعتدلة من المشوهة ، والغنية من الفقيرة ، ولكن هذه وأمثالها من قيم الأرض ليست هي المقياس ، فميزان الله يرفع ويخفض بغير هذه الموازين .
ومن السخرية واللمز : التنابز بالألقاب التي يكرهها أصحابها ، ويحسون فيها سخرية وعيباً ، ومن حق المؤمن على المؤمن ألا يناديه بلقب يكرهه ويزري به ) (9) .
وخلاصة القول : إن الاستهزاء بالدين وأهله ناقض للإيمان ، سواء كان هذا الاستهزاء خفياً أم ظاهراً .
يقول ابن تيمية – رحمه الله - : ( الاستهزاء بالقلب والانتقاص ينافي الإيمان الذي في القلب منافاة الضد ضده ، والاستهزاء باللسان ينافي الإيمان الظاهر باللسان كذلك ) (10) .
ومن بواعث الاستهزاء :
الكبر والنظر للنفس بالعجب والإكبار ، وللغير بالمهانة والاحتقار ، وقد ضرب الله على ذلك أمثلة في كتابه العزيز منها ما في سورة الكهف في قصة الرجلين حيث قال أحدهما للآخر : (( أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً )) سورة الكهف ، آية : 34 . وفي هذا الخلق المذموم يقول العلامة السفاريني : (( المستهزئ بغيره يرى فضل نفسه بعين الرضا عنها ، ويرى نقص غيره بعين الاحتقار ، إذ لو لم يحتقر غيره لما سخر منه ))(17) . ثم يقول : (( كل من افتخر على إخوانه واحتقر أحداً من أقرانه وإخوانه أو سخر أو استهزأ بأحد من المؤمنين ، فقد باء بالإثم والوزر المبين )) (18) . وخلق الكبر الممزوج بالاستهزاء بالغير من أخلاق فرعون قال الله – تعالى – عنه إنه قال عن نبي الله موسى – عليه السلام - : (( أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين )) سورة الزخرف ، آيه 52 .
يقول العلامة ابن كثير : (( وهذا الذي قاله فرعون – لعنه الله – كذب واختلاق ، وإنما حمله هذا على الكفر والعناد ، وهو ينظر إلى موسى – عليه السلام – بعين كافرة شقية ، وقد كان موسى – عليه السلام – من الجلالة والعظمة والبهاء في صورة يبهر أبصار ذوي الألباب . وقوله : ( مهين ) كذب ، بل هو المهين الحقير خلقة وخلقاً وديناً ، وموسى هو الشريف الرئيس الصادق البار الراشد )) (19) .
(( وعند الجماهير الساذجة الغافلة لا بد أن يكون فرعون الذي له ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحته خيراً من موسى – عليه السلام – ومعه كلمة الحق ومقام النبوة ودعوة النجاة من العذاب الأليم )) (20) .
إن حب الظهور والرياء والسمعة على حساب الآخرين خلق من أخلاق ذوي السخرية والاستهزاء وأصحاب النفوس المريضة ، فهم كالنباتات السامة الضارة التي تتسلق على الأشجار الباسقة والثمرات الطيبة لتفسدها وتشوه صورتها .
ولهذا لا غرابة أن نجد أصحاب الكبر والإعجاب بالنفس يتخلقون بخلق السخرية وغمز ولمز المؤمنات لما انطوت عليه تلك النفوس الشريرة ومن بواعث الاستهزاء :
التقليد الأعمى لأعداء دين الله ، حدث هذا في الماضي ، فقال الله فيهم : (( كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون * أتواصوا به بل هم قوم طاغون )) سورة الذاريات ، آية : 52 – 53 .
( كأنما تواصوا بهذا الاستقبال على مدار القرون ، وما تواصوا بشيء إنما هي طبيعة الطغيان وتجاوز الحق والقصد تجمع بين الغابرين واللاحقين ) (21) .
ويحدث هذا في الحاضر ممن مسخت عقولهم وفتنوا بالحضارة الغربية ، ذلك أن انبهارهم بزيف وبريق هذه الحضارة وضحالة فكرهم ، وقلة ثقافتهم بدينهم ، جعلهم ينعقون بالسخرية والاستهزاء بدين الله وأحكامه وشرائعه وسنن نبيه صلى الله عليه وسلم فإذا رأيت أو سمعت يهودياً أو صليبياَ يهزأ بشرع الله ويقول : إن رجم الزاني فيه وحشية وقسوة وجدت له تابعاً وإمَّعَةً من أبناء المسلمين يردد بسخرية مقالة ذلك العدو الأصلي ، وإن أردت مزيد إيضاح فتأمل موقف هؤلاء المقلدة من المخترعات الغربية وغيرها ، تجدهم يمجدونها وينبهرون بها ، وإذا ذكرت السنن النبوية ومعجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمور الشرعية التي يعجز العقل البشري عن إدراكها ، سمعت منهم الغمز واللمز ، والاستهزاء (( أتواصوا به بل هم قوم طاغون )) وقد قال ربنا عن هؤلاء المقلدة إنهم قالوا : (( إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون )) سورة الزخرف ، آية : 23قال الله تعالى : (( ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي وما أنذروا هزواً )) سورة الكهف ، آية 56 . وقد ذكر العلماء أن الاستهزاء بآيات الله وشرعه من أشد أنواع التكذيب (46) . وقال تعالى : (( بل عجبت ويسخرون * وإذا ذُكِّروا لا يذكُرُون * وإذا رأوا آية يستسخرون )) سورة الصافات ، الآيات 12 ، 14 .
إن الحقيقة المرة التي نشاهدها اليوم هي أن الاستهزاء الفاضح والسخرية اللاذعة بدين الله وشريعته وسنة نبيه واضحة لكل ذي عينين وسأضرب أمثلة لهذه الصورة المشينة والتي تلتقي كلها على حرب دين الله وهدمه .
1) الاستهزاء ببعض مسائل عقيدة أهل السنة والجماعة كبعض الصفات الثابتة – لربنا – سبحانه وتعالى كالاستواء والنزول والغضب والرضى واليدين ، وغير ذلك مما هو في حكم المعلوم بالضرورة من معتقد أهل السنة والجماعة فإنك تجد كل مبتدع خرج على منهج أهل السنة يهزأ ويسخر بمن يثبت هذه الصفات على الوجه اللائق بالله ، والمؤولة يحملون وزر هذا الاستهزاء والسخرية فإنهم في مقام من يستدرك على الله وعلى رسوله ، وإلا فما معنى أن يرد حديث النزول وهو من الأحاديث المتواترة ، ثم تجد من يهزأ بذلك ويقيس صفات الخلق على صفات الخالق – تعالى – ربنا وتقدس عن ذلك علواً كبيراً !!! .
2) الاستهزاء بتحكيم الشريعة الإسلامية ووصمها بأنها شريعة الرجعيين والأصوليين ، وأن فيها وحشية ! إذ كيف تقطع يد السارق ويُرجم الزاني المحصن !!! .
وفي هذا يقول الداعية الموفق المسدد الشيخ عبد الرحمن الدوسري – رحمه الله - : هذا من أعظم طعن بجناب الله العظيم وإلحاد في أسمائه ، وتفضيل لخططهم وآرائهم على حكم الله ومراده ، ففي قولهم هذا إنكار لعلمه الواسع المحيط بكل شئ ، وتنديد بحكمته ورحمته ، فلم يجعلوا الله عليماً بما يصلح أحوال الناس في كل عصر ، ولا حكيماً يشرع لهم ما يصلح أحوالهم ، بل تمادى ورثة المنافقين في هذا الزمان فزعموا أن أحكام الله في شرعه قاسية لا تناسب الإنسانية !! وهذا يقتضي أن الله ليس رحيماً لأن شريعته مبنية على القسوة والخمول لا على الحكمة والرحمة ، فقد ارتكسوا في أبشع دركات النفاق غاية الإرتكاس . (47)
إن هذا الهلع والجزع من تحكيم الشريعة والذي يعقبه ويسبقه سخرية بهذه الشريعة خاصة من العلمانيين الذين لايريدون لهذه الأمة أي خير ، إن ذلك كله ليذكرنا مقولة قريش حيث أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الدين فقالوا : (( إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا )) (48) . سورة القصص ، آية 57 .
ومنطق العلمانية اليوم التي تهاجم تحكيم شريعة الله هو بذاته منطق فرعون ، حيث قال لقومه محذراً من دين الله الحق الذي أتى به موسى – عليه السلام – قال فرعون : (( إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد )) سورة غافر ، آية 26 .
هذا هو منطق المعادين لله ولدينه في كل عصر ومصر قال تعالى : (( أتواصوا به بل هم قوم طاغون )) سورة الذاريات ، آية 53 .
3) ومما يؤكد هذا الفزع لدى أعداء الله نشرهم للصور التي تهزأ بالمتدينين المطالبين بتحكيم الشريعة الإسلامية ، ومن هذا ما نشرته ( روز اليوسف ) حيث أخرجت للناس رسماً كاريكاتيرياً تصور فيه شاباً متديناً له لحية طويلة جداً يؤذن في منارة مسجد ، فبدلاً من أن يقول : حي على الفلاح قال : حي على السلاح !!! .ولهذا أفتى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز في هذا الشأن بما نصه : ( الاستهزاء بالإسلام أو بشيء منه كفر أكبر …… ومن يستهزئ بأهل الدين والمحافظين على الصلوات من أجل دينهم ومحافظتهم عليه ، يعتبر مستهزئاً بالدين ، فلا تجوز مجالسته ، ولا مصاحبته بل يجب الإنكار عليه ، والتحذير منه ، ومن صحبته ، وهكذا من يخوض في مسائل الدين بالسخرية والاستهزاء يعتبر كافراً ) (50) .
4) الاستهزاء بالصلاة قال تعالى : (( وإذا ناديتم إلى الصلاة أتخذوها هزواً ولعباً ذلك بأنهم قوم لا يعقلون )) سورة المائدة ، آية 58 .
كم سمعنا من ساخر بالصلاة والمصلين ، فهذا سفيه مستهزئ يقول : أيها المصلون إذا ذهبتم للجنة فخذونا معكم !!! .
وهذا نفعي مستهزئ يستقدم عاملاً كافراً مفضلاً إياه على العامل المسلم ثم يتبجح بقوله : لو أتينا بمسلم لأشغلنا وقطع وقتنا وعملنا بالصلاة !! .
5) السخرية بحجاب المرأة المسلمة . وهذا من أكثر صور الاستهزاء المنتشرة اليوم حيث تشن حرب مسعورة محمومة على الحجاب والمحجبات ، يقود هذه الحرب الدنسة أصحاب الميل للشهوات ، والمتاجرون في سوق النخاسة بأعراض الناس . تقول أمينة السعيد – وما أخالها أمينة – عجبت لفتيات مثقفات يلبسن أكفان الموتى وهنَّ على قيد الحياة (51) .
ويقول العلماني الحداثي أحمد عبد المعطي حجازي : إن للسفور مساوئ لكنها أقل – قطعاً – من مساوئ الحجاب والنقاب ، وشبيه بمن يدعونا للعودة إلى الحجاب من يدعونا للعودة إلى ركوب النياق والحمير والبغال هذه هي عقلية عصور الإنحطاط . (52)
أما الحداثي محمد جبر الحربي ، والمشهور بدفاعه عن أم جميل زوجة أبي لهب فاستمع إليه وهو يقول : ( والنساء سواسية منذ تبت ، وحتى ظهور القناع تشترى لتباع ، وتباع ، وثانية تشترى لتباع ) . (53)
ولا يقل في الغمز والسخرية عن هذا أن أحدهم سمى الطالبات المحجبات (( المسرحية والحراج )) (( قوارير سوداء )) ووصف خروجهن بالحجاب بأنه (( مسرحية مدهشة )) ويصفهن بأنهن بضائع (54) ، وهكذا يتحرك العلمانيون عبر وسائل إعلامية مهمة لنفث سمومهم وللطعن في حجاب المرأة المسلمة ، لتخرج عن عفافها وشرفها ، وتكون لقمة سهلة لذئاب البشر المسعورة ، ومن ثم تتوارى الفضيلة والعفة وتنتشر الإباحية والزنا والسقوط في حَمَأةِ الرذيلة حتى يتحول هذا المجتمع المحافظ على دينه ، وقيمه ، وأخلاقه إلى المجتمع الغربي الذي يرزح تحت وطأة الإباحية والسّعار الجنسي ، وتدمير الأسرة ومحاربة الفضيلة والعفة .
6) ومن السخرية بأحكام الشرع ما ذكره محمد الغزالي ضمن سخرياته وهزلياته الكثيرة – حيث قال : ( إن أهل الحديث يجعلون دية المرأة على النصف من دية الرجل ، وهذه سَوْأةٌ فكرية وخُلُقِيَّةٌ رفضها الفقهاء المحققون ) . (55)
ولقد غاب عن ذهن هذا المستهزئ أن هذه المسألة من مسائل الإجماع بين الأمة كما حكاه الحافظ ابن المنذر وغيره من أهل العلم . (56)
7) السخرية باللحية وتكاد تكون هذه المسألة من أكثر المسائل استهزاء من الهازلين الحاقدين ، ومن أكثر المسائل التي ابتلي بالسخرية فيها جمع من شباب الصحوة الإسلامية ، ولطالما سمعنا هذه الكلمة الجائرة التي تقول : لو كان في اللحية خير ما نبتت في الفَرْج !!! .
سبحان الله : (( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم * الذي خلقك فسواك فعدلك * في أي صورة ما شاء ركبك )) سورة الإنفطار ، آية 6 ، 8 .
أتهزأ باللحية أيها الساخر الضاحك وأنت تتجاهل أنها خلق الله وتصويرها لهذا الرجل بهذه الصورة المميزة ؟! .
أتهزأ باللحية أيها المستهزئ وهي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الواجبة وفي نتفها دية رجل كاملة ؟ إن اللحية علامة من علامات الرجولة المسلمة ، فقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم : ( خالفوا المشركين ، أحفوا الشوارب وأوفروا اللحى ) (57) .
ولما سئل الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ – رحمه الله – عن الذي يقول : إن اللحية وساخة هل يعتبر مرتداً ؟ فأجاب بقوله : فيه تأمل إن كان يعلم أنه ثابت عن الرسول فهذا استهزاء بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فحري أن يحكم عليه ذلك (58) .
8) ومن صور الاستهزاء بأحكام الله – تعالى – مسألة السخرية من تعدد الزوجات ، وهذه آفة تسربت لهذه الأمة نتيجة احتكاكها بالإفرنج الذين يبيحون الدياثة ويحرمون التعدد !! أما الخليلات والعشاق فبالعشرات لكل من الزوجين ، ولهذا نجد أن مسألة تعدد الزوجات قد أصحبت عند كثير من المتفرنجين جريمة لا تغتفر ، أما الزنا والسفر إلى بلاد الإباحية والمجون بقصد الفساد والإنحلال فذاك تقدم ورقي وسياحة وبعد عن الكبت !! ومن السخرية بهذه المسألة أنه عرض فيلم يصور حالة رجل تزوج باثنتين فكانت النتيجة أنه ( هبل ) وخرج للبرية هائماً على وجهه ، ولم يعد إلى بيته !! . (*)
وقد مر بك غمز صلاح جاهين في مقولته الخبيثة ( محمد جوز التسعة )
وهكذا ترى هذه السخرية اللاذعة كلها حرب على شباب الصحوة الإسلامية المباركة التي تجتاح الكرة الأرضية اليوم ، ولله الحمد والمنة
ولهذا فإن عقبة الاستهزاء تصدم بعض الدعاة وآخر تفت في عضده وآخر تقهقره وتجنبه وآخ لا تزيده إلا صلابة في الحق وإصراراً على الاستمرار في منهج الإصلاح ومقاومة الباطل وهذا النمط الأخير هو الذي تحتاجه الأمة ، وهو زاد الدعوة إلى دين الله الحق لأن صاحبه ينظر إلى أقوال الأنبياء والرسل – كما مرت بك آنفاً – فيعلم ويستيقن أنه وارث لتركتهم وهم لم يخلفوا للناس إلا دعوة الخير والتوحيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجتثاث الفساد من الأرض ، ولهذا لا يعبأ بهذا الاستهزاء ولو كدر خاطره فإنه من الأذى الذي لا بد منه في سبيل الدعوة ، ولهذا فقد ربح بيعه لا يقيل ولا يستقيل .
م ن ق و ل
الاستهزاء
.
.حين يذكر الاستهزاء بالدين وأهله : يتبادر إلى الذهن سؤال بتعجب : لماذا هذا الاستهزاء ؟ ولماذا هذه السخرية ؟! .
ألسنا على الحق ؟ ألسنا من استجاب لداعي الله وآمن به ؟! .
فلماذا يسخر الناس بنا وبديننا ؟!! .
وللإجابة على ذلك أقول : إن للاستهزاء بواعث وعوامل انطوت على نفوس الهازلين الساخرين ، لعل من أهم هذه البواعث والأسباب ما يلي :
1) الكره والحقد من الملأ لهذا الدين العظيم : فإن الله – سبحانه وتعالى – جعل هذا الإسلام طريقاً وحيداً فريداً لصلاح الدنيا والآخرة (( وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلك وصاكم به لعلكم تتقون )) سورة الأنعام آية : 153 . فهذا الدين ينشئ الحياة من جديد ، نشأة فريدة ، على نمط فريد عما عهده الناس .
إنه يقلب موازين الجاهلية ، لينشئ – بإذن الله – في هذه الحياة أمة متميزة في كل شئ ، متميزة في فكرها وشعورها ، وسلوكها ، وموازينها ، ومن ثم فإن هذا الأمر لن تقابله الجاهلية – في القديم أو الحديث – بسهولة وترحاب !! كلا بل ستعانده وتقاومه بكل ما أوتيت من قوة ، وبكل حقد وكراهية .
إنها تفعل ذلك ( وهي عالمة بما فيه من الحق والخير ، وبأنه هو الذي يقوِّم ما أعوج من شؤون الحياة ، وتكرهه لأنها حريصة على هذا العوج لا تريد تقويمه ، وتود أن تبقى الأمور على اعوجاجها ولا تستقيم . تكرهه لأنها هي الجاهلية .. وهو الإسلام ) (11) .
قال – تعالى - : (( وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى )) سورة فصلت ، آية : 17 .
(( لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال ياقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم * قال الملأ من قومه إنا لنراك في ظلال مبين )) سورة الأعراف ، آية : 59 – 60 .
(( وإلى عاد أخاهم هوداً قال ياقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره أفلا تتقون * قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة )) سورة الأعراف ، آية : 65 – 66 .
(( ولوطاً إذا قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون * وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون )) سورة الأعراف ، آية : 80 – 82 .
إن هذا الكره الذي تصبه الجاهلية على دين الله وعلى الملتزمين به نابع من : (( خشيتها على كيانها ومصالحها وشهواتها وانحرافاتها من النور الجديد ، فهي تحس في دخيلة نفسها مقدار ما انحرفت عن الحق ، وحكمت الهوى واستسلمت للشهوات ، وتحس مقدار ما تحرمها العقيدة الصحيحة حين تحكم الأرض من مصالح ومنافع وشهوات اختلستها اختلاساً في غيبة النور ... يستوي في ذلك الذين استكبروا والذين هم مستضعفون ، فلكل في الجاهلية مصالح ومنافع وشهوات يحرص عليها )(12) .
وحين أرسل الله محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الناس بهذا الدين حرر الناس من عبودية البشر وعُبّدوا لله الواحد الأحد ، ومن ثم أصبح الولاء لله وحده ، وليس للعشيرة أو القبيلة او منبر او صرح اعلامي او مصدر ضال كما كان ولاء الجاهلية ، هذا الأمر قد أزعج الملأ الذين يريدون أن يكون الولاء لأشخاصهم وليس لله وحده .
ويأتي بعد الملأ طبقات متعددة من الأمة تكره هذا الدين وتستخدم سلاح السخرية والاستهزاء لمعارضة هذا الدين وأهله ، ومن هؤلاء كتاب وقصاصون وإذاعيون وفنانون ونساء فاجرات متحررات من كل فضيلة ، وأصحاب خمور ومخدرات وغيرهم وغيرهم . يفعلون ذلك لأن عملهم قائم على التجارة المحرمة التي إذا قام دين الله جفف ذلك المستنقع القذر الذي يعيشون في وحله ويتكاثرون في دنسه (13) . إن الحرص الشديد لأعداء الله على طمس وتشويه صورة الإسلام الناصعة أمر لا يجادل فيه إلا مكابر ، لذا لا غَرْوَ إذا استخدمت السخرية والهزء سلاحاً فتاكاً لتشويه هذه الصورة ونشر الضباب المعتم على وجهها المشرق ، ولكن الله مُتِمُّ نورِهِ ولو كره الكافرون .
ومن بواعث الاستهزاء :
النقمة على أهل الخير والصلاح : (( إنهم أناس يتطهرون )) سورة الأعراف ، آية : 82 . فمن المعلوم أن أهل الشر والفساد يزعجهم ويعكر صفو باطلهم وما هم عليه ذلك الطهر والعفاف الذي يتحلى به الأخيار ، لهذا يسعى أولئك المفسدون إلى تشويه سمعة أهل الخير ، ويسخرون منهم ويغمزونهم (( إنهم أناس يتطهرون )) فعلى منطق هؤلاء المفسدين لا بد من تحويل المجتمع كله إلى مجتمع رذيلة وسقوط ودنس ، أما أن يبقى في الأمة أصحاب طهر وعفة فهذا أمر لا يطيقه الأشرار (( وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد )) . سورة البروج ، آية : 8 .
ومن بواعث الاستهزاء والسخرية : الفراغ وحب الضحك على الآخرين :
فإن الإنسان حين يفقد الهدف الأسمى الذي من أجله جاء لهذه الحياة ، وهو عبادة الله وحده لا شريك له ، حين يفقد ذلك يحس – ولا شك – بفراغ قاتل في حياته ، لذا سرعان ما يتجه لدروب الشيطان التي تملأ عليه الفراغ ، ولو كان ذلك بالاستهزاء بالله وآياته ، ورسوله ، والمؤمنين ، وبعض النفوس المريضة لا تتلذذ إلا بالضحك على الناس والاستهزاء بهم ، والسخرية بخلقتهم وأفعالهم ، والافتراء عليهم ، وقد حذر المصطفى صلى الله عليه وسلم من هذا الخلق ، فقال في الحديث الصحيح : " وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله – تعالى – ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة " (14) .
وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الضاحك المضحك الهازل بقوله صلى الله عليه وسلم : " ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك القوم . ويل له ويل له " (15) . وفي المسند : " إن الرجل ليتكلم بالكلمة ليضحك بها جلساءه يهوي بها من أبعد من الثريا " (16) .
وقد يسخر الرجل الغني من الرجل الفقير ، والرجل القوي من الرجل الضعيف ، وقد يسخر الذكي الماهر من الساذج الخامل ، وقد يسخر ذو الأولاد من العقيم ، وذو العصبية من اليتيم ، وقد تسخر الجميلة من القبيحة ، والشابة من العجوز ، والمعتدلة من المشوهة ، والغنية من الفقيرة ، ولكن هذه وأمثالها من قيم الأرض ليست هي المقياس ، فميزان الله يرفع ويخفض بغير هذه الموازين .
ومن السخرية واللمز : التنابز بالألقاب التي يكرهها أصحابها ، ويحسون فيها سخرية وعيباً ، ومن حق المؤمن على المؤمن ألا يناديه بلقب يكرهه ويزري به ) (9) .
وخلاصة القول : إن الاستهزاء بالدين وأهله ناقض للإيمان ، سواء كان هذا الاستهزاء خفياً أم ظاهراً .
يقول ابن تيمية – رحمه الله - : ( الاستهزاء بالقلب والانتقاص ينافي الإيمان الذي في القلب منافاة الضد ضده ، والاستهزاء باللسان ينافي الإيمان الظاهر باللسان كذلك ) (10) .
ومن بواعث الاستهزاء :
الكبر والنظر للنفس بالعجب والإكبار ، وللغير بالمهانة والاحتقار ، وقد ضرب الله على ذلك أمثلة في كتابه العزيز منها ما في سورة الكهف في قصة الرجلين حيث قال أحدهما للآخر : (( أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً )) سورة الكهف ، آية : 34 . وفي هذا الخلق المذموم يقول العلامة السفاريني : (( المستهزئ بغيره يرى فضل نفسه بعين الرضا عنها ، ويرى نقص غيره بعين الاحتقار ، إذ لو لم يحتقر غيره لما سخر منه ))(17) . ثم يقول : (( كل من افتخر على إخوانه واحتقر أحداً من أقرانه وإخوانه أو سخر أو استهزأ بأحد من المؤمنين ، فقد باء بالإثم والوزر المبين )) (18) . وخلق الكبر الممزوج بالاستهزاء بالغير من أخلاق فرعون قال الله – تعالى – عنه إنه قال عن نبي الله موسى – عليه السلام - : (( أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين )) سورة الزخرف ، آيه 52 .
يقول العلامة ابن كثير : (( وهذا الذي قاله فرعون – لعنه الله – كذب واختلاق ، وإنما حمله هذا على الكفر والعناد ، وهو ينظر إلى موسى – عليه السلام – بعين كافرة شقية ، وقد كان موسى – عليه السلام – من الجلالة والعظمة والبهاء في صورة يبهر أبصار ذوي الألباب . وقوله : ( مهين ) كذب ، بل هو المهين الحقير خلقة وخلقاً وديناً ، وموسى هو الشريف الرئيس الصادق البار الراشد )) (19) .
(( وعند الجماهير الساذجة الغافلة لا بد أن يكون فرعون الذي له ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحته خيراً من موسى – عليه السلام – ومعه كلمة الحق ومقام النبوة ودعوة النجاة من العذاب الأليم )) (20) .
إن حب الظهور والرياء والسمعة على حساب الآخرين خلق من أخلاق ذوي السخرية والاستهزاء وأصحاب النفوس المريضة ، فهم كالنباتات السامة الضارة التي تتسلق على الأشجار الباسقة والثمرات الطيبة لتفسدها وتشوه صورتها .
ولهذا لا غرابة أن نجد أصحاب الكبر والإعجاب بالنفس يتخلقون بخلق السخرية وغمز ولمز المؤمنات لما انطوت عليه تلك النفوس الشريرة ومن بواعث الاستهزاء :
التقليد الأعمى لأعداء دين الله ، حدث هذا في الماضي ، فقال الله فيهم : (( كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون * أتواصوا به بل هم قوم طاغون )) سورة الذاريات ، آية : 52 – 53 .
( كأنما تواصوا بهذا الاستقبال على مدار القرون ، وما تواصوا بشيء إنما هي طبيعة الطغيان وتجاوز الحق والقصد تجمع بين الغابرين واللاحقين ) (21) .
ويحدث هذا في الحاضر ممن مسخت عقولهم وفتنوا بالحضارة الغربية ، ذلك أن انبهارهم بزيف وبريق هذه الحضارة وضحالة فكرهم ، وقلة ثقافتهم بدينهم ، جعلهم ينعقون بالسخرية والاستهزاء بدين الله وأحكامه وشرائعه وسنن نبيه صلى الله عليه وسلم فإذا رأيت أو سمعت يهودياً أو صليبياَ يهزأ بشرع الله ويقول : إن رجم الزاني فيه وحشية وقسوة وجدت له تابعاً وإمَّعَةً من أبناء المسلمين يردد بسخرية مقالة ذلك العدو الأصلي ، وإن أردت مزيد إيضاح فتأمل موقف هؤلاء المقلدة من المخترعات الغربية وغيرها ، تجدهم يمجدونها وينبهرون بها ، وإذا ذكرت السنن النبوية ومعجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمور الشرعية التي يعجز العقل البشري عن إدراكها ، سمعت منهم الغمز واللمز ، والاستهزاء (( أتواصوا به بل هم قوم طاغون )) وقد قال ربنا عن هؤلاء المقلدة إنهم قالوا : (( إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون )) سورة الزخرف ، آية : 23قال الله تعالى : (( ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي وما أنذروا هزواً )) سورة الكهف ، آية 56 . وقد ذكر العلماء أن الاستهزاء بآيات الله وشرعه من أشد أنواع التكذيب (46) . وقال تعالى : (( بل عجبت ويسخرون * وإذا ذُكِّروا لا يذكُرُون * وإذا رأوا آية يستسخرون )) سورة الصافات ، الآيات 12 ، 14 .
إن الحقيقة المرة التي نشاهدها اليوم هي أن الاستهزاء الفاضح والسخرية اللاذعة بدين الله وشريعته وسنة نبيه واضحة لكل ذي عينين وسأضرب أمثلة لهذه الصورة المشينة والتي تلتقي كلها على حرب دين الله وهدمه .
1) الاستهزاء ببعض مسائل عقيدة أهل السنة والجماعة كبعض الصفات الثابتة – لربنا – سبحانه وتعالى كالاستواء والنزول والغضب والرضى واليدين ، وغير ذلك مما هو في حكم المعلوم بالضرورة من معتقد أهل السنة والجماعة فإنك تجد كل مبتدع خرج على منهج أهل السنة يهزأ ويسخر بمن يثبت هذه الصفات على الوجه اللائق بالله ، والمؤولة يحملون وزر هذا الاستهزاء والسخرية فإنهم في مقام من يستدرك على الله وعلى رسوله ، وإلا فما معنى أن يرد حديث النزول وهو من الأحاديث المتواترة ، ثم تجد من يهزأ بذلك ويقيس صفات الخلق على صفات الخالق – تعالى – ربنا وتقدس عن ذلك علواً كبيراً !!! .
2) الاستهزاء بتحكيم الشريعة الإسلامية ووصمها بأنها شريعة الرجعيين والأصوليين ، وأن فيها وحشية ! إذ كيف تقطع يد السارق ويُرجم الزاني المحصن !!! .
وفي هذا يقول الداعية الموفق المسدد الشيخ عبد الرحمن الدوسري – رحمه الله - : هذا من أعظم طعن بجناب الله العظيم وإلحاد في أسمائه ، وتفضيل لخططهم وآرائهم على حكم الله ومراده ، ففي قولهم هذا إنكار لعلمه الواسع المحيط بكل شئ ، وتنديد بحكمته ورحمته ، فلم يجعلوا الله عليماً بما يصلح أحوال الناس في كل عصر ، ولا حكيماً يشرع لهم ما يصلح أحوالهم ، بل تمادى ورثة المنافقين في هذا الزمان فزعموا أن أحكام الله في شرعه قاسية لا تناسب الإنسانية !! وهذا يقتضي أن الله ليس رحيماً لأن شريعته مبنية على القسوة والخمول لا على الحكمة والرحمة ، فقد ارتكسوا في أبشع دركات النفاق غاية الإرتكاس . (47)
إن هذا الهلع والجزع من تحكيم الشريعة والذي يعقبه ويسبقه سخرية بهذه الشريعة خاصة من العلمانيين الذين لايريدون لهذه الأمة أي خير ، إن ذلك كله ليذكرنا مقولة قريش حيث أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الدين فقالوا : (( إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا )) (48) . سورة القصص ، آية 57 .
ومنطق العلمانية اليوم التي تهاجم تحكيم شريعة الله هو بذاته منطق فرعون ، حيث قال لقومه محذراً من دين الله الحق الذي أتى به موسى – عليه السلام – قال فرعون : (( إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد )) سورة غافر ، آية 26 .
هذا هو منطق المعادين لله ولدينه في كل عصر ومصر قال تعالى : (( أتواصوا به بل هم قوم طاغون )) سورة الذاريات ، آية 53 .
3) ومما يؤكد هذا الفزع لدى أعداء الله نشرهم للصور التي تهزأ بالمتدينين المطالبين بتحكيم الشريعة الإسلامية ، ومن هذا ما نشرته ( روز اليوسف ) حيث أخرجت للناس رسماً كاريكاتيرياً تصور فيه شاباً متديناً له لحية طويلة جداً يؤذن في منارة مسجد ، فبدلاً من أن يقول : حي على الفلاح قال : حي على السلاح !!! .ولهذا أفتى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز في هذا الشأن بما نصه : ( الاستهزاء بالإسلام أو بشيء منه كفر أكبر …… ومن يستهزئ بأهل الدين والمحافظين على الصلوات من أجل دينهم ومحافظتهم عليه ، يعتبر مستهزئاً بالدين ، فلا تجوز مجالسته ، ولا مصاحبته بل يجب الإنكار عليه ، والتحذير منه ، ومن صحبته ، وهكذا من يخوض في مسائل الدين بالسخرية والاستهزاء يعتبر كافراً ) (50) .
4) الاستهزاء بالصلاة قال تعالى : (( وإذا ناديتم إلى الصلاة أتخذوها هزواً ولعباً ذلك بأنهم قوم لا يعقلون )) سورة المائدة ، آية 58 .
كم سمعنا من ساخر بالصلاة والمصلين ، فهذا سفيه مستهزئ يقول : أيها المصلون إذا ذهبتم للجنة فخذونا معكم !!! .
وهذا نفعي مستهزئ يستقدم عاملاً كافراً مفضلاً إياه على العامل المسلم ثم يتبجح بقوله : لو أتينا بمسلم لأشغلنا وقطع وقتنا وعملنا بالصلاة !! .
5) السخرية بحجاب المرأة المسلمة . وهذا من أكثر صور الاستهزاء المنتشرة اليوم حيث تشن حرب مسعورة محمومة على الحجاب والمحجبات ، يقود هذه الحرب الدنسة أصحاب الميل للشهوات ، والمتاجرون في سوق النخاسة بأعراض الناس . تقول أمينة السعيد – وما أخالها أمينة – عجبت لفتيات مثقفات يلبسن أكفان الموتى وهنَّ على قيد الحياة (51) .
ويقول العلماني الحداثي أحمد عبد المعطي حجازي : إن للسفور مساوئ لكنها أقل – قطعاً – من مساوئ الحجاب والنقاب ، وشبيه بمن يدعونا للعودة إلى الحجاب من يدعونا للعودة إلى ركوب النياق والحمير والبغال هذه هي عقلية عصور الإنحطاط . (52)
أما الحداثي محمد جبر الحربي ، والمشهور بدفاعه عن أم جميل زوجة أبي لهب فاستمع إليه وهو يقول : ( والنساء سواسية منذ تبت ، وحتى ظهور القناع تشترى لتباع ، وتباع ، وثانية تشترى لتباع ) . (53)
ولا يقل في الغمز والسخرية عن هذا أن أحدهم سمى الطالبات المحجبات (( المسرحية والحراج )) (( قوارير سوداء )) ووصف خروجهن بالحجاب بأنه (( مسرحية مدهشة )) ويصفهن بأنهن بضائع (54) ، وهكذا يتحرك العلمانيون عبر وسائل إعلامية مهمة لنفث سمومهم وللطعن في حجاب المرأة المسلمة ، لتخرج عن عفافها وشرفها ، وتكون لقمة سهلة لذئاب البشر المسعورة ، ومن ثم تتوارى الفضيلة والعفة وتنتشر الإباحية والزنا والسقوط في حَمَأةِ الرذيلة حتى يتحول هذا المجتمع المحافظ على دينه ، وقيمه ، وأخلاقه إلى المجتمع الغربي الذي يرزح تحت وطأة الإباحية والسّعار الجنسي ، وتدمير الأسرة ومحاربة الفضيلة والعفة .
6) ومن السخرية بأحكام الشرع ما ذكره محمد الغزالي ضمن سخرياته وهزلياته الكثيرة – حيث قال : ( إن أهل الحديث يجعلون دية المرأة على النصف من دية الرجل ، وهذه سَوْأةٌ فكرية وخُلُقِيَّةٌ رفضها الفقهاء المحققون ) . (55)
ولقد غاب عن ذهن هذا المستهزئ أن هذه المسألة من مسائل الإجماع بين الأمة كما حكاه الحافظ ابن المنذر وغيره من أهل العلم . (56)
7) السخرية باللحية وتكاد تكون هذه المسألة من أكثر المسائل استهزاء من الهازلين الحاقدين ، ومن أكثر المسائل التي ابتلي بالسخرية فيها جمع من شباب الصحوة الإسلامية ، ولطالما سمعنا هذه الكلمة الجائرة التي تقول : لو كان في اللحية خير ما نبتت في الفَرْج !!! .
سبحان الله : (( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم * الذي خلقك فسواك فعدلك * في أي صورة ما شاء ركبك )) سورة الإنفطار ، آية 6 ، 8 .
أتهزأ باللحية أيها الساخر الضاحك وأنت تتجاهل أنها خلق الله وتصويرها لهذا الرجل بهذه الصورة المميزة ؟! .
أتهزأ باللحية أيها المستهزئ وهي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الواجبة وفي نتفها دية رجل كاملة ؟ إن اللحية علامة من علامات الرجولة المسلمة ، فقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم : ( خالفوا المشركين ، أحفوا الشوارب وأوفروا اللحى ) (57) .
ولما سئل الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ – رحمه الله – عن الذي يقول : إن اللحية وساخة هل يعتبر مرتداً ؟ فأجاب بقوله : فيه تأمل إن كان يعلم أنه ثابت عن الرسول فهذا استهزاء بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فحري أن يحكم عليه ذلك (58) .
8) ومن صور الاستهزاء بأحكام الله – تعالى – مسألة السخرية من تعدد الزوجات ، وهذه آفة تسربت لهذه الأمة نتيجة احتكاكها بالإفرنج الذين يبيحون الدياثة ويحرمون التعدد !! أما الخليلات والعشاق فبالعشرات لكل من الزوجين ، ولهذا نجد أن مسألة تعدد الزوجات قد أصحبت عند كثير من المتفرنجين جريمة لا تغتفر ، أما الزنا والسفر إلى بلاد الإباحية والمجون بقصد الفساد والإنحلال فذاك تقدم ورقي وسياحة وبعد عن الكبت !! ومن السخرية بهذه المسألة أنه عرض فيلم يصور حالة رجل تزوج باثنتين فكانت النتيجة أنه ( هبل ) وخرج للبرية هائماً على وجهه ، ولم يعد إلى بيته !! . (*)
وقد مر بك غمز صلاح جاهين في مقولته الخبيثة ( محمد جوز التسعة )
وهكذا ترى هذه السخرية اللاذعة كلها حرب على شباب الصحوة الإسلامية المباركة التي تجتاح الكرة الأرضية اليوم ، ولله الحمد والمنة
ولهذا فإن عقبة الاستهزاء تصدم بعض الدعاة وآخر تفت في عضده وآخر تقهقره وتجنبه وآخ لا تزيده إلا صلابة في الحق وإصراراً على الاستمرار في منهج الإصلاح ومقاومة الباطل وهذا النمط الأخير هو الذي تحتاجه الأمة ، وهو زاد الدعوة إلى دين الله الحق لأن صاحبه ينظر إلى أقوال الأنبياء والرسل – كما مرت بك آنفاً – فيعلم ويستيقن أنه وارث لتركتهم وهم لم يخلفوا للناس إلا دعوة الخير والتوحيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجتثاث الفساد من الأرض ، ولهذا لا يعبأ بهذا الاستهزاء ولو كدر خاطره فإنه من الأذى الذي لا بد منه في سبيل الدعوة ، ولهذا فقد ربح بيعه لا يقيل ولا يستقيل .
م ن ق و ل