المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تذكَّر أنك بشر ___ أحلام مستغانمي


[مطمئنة]
2011-05-28, 16:26
تذكَّر أنك بشر ___ أحلام مستغانمي





كان الفراعنة يضعون صورة تابوت على المائدة ، كي يلجموا أنفسهم على الانغماس في الشهوات، ويفكروا في الأبديّة. ذلك أن فائض النِعم يعمي البصائر، ويُعطي إحساسا للإنسان بالعظمة والخلود.ـ

لقد ذهبت النِعم عبر التاريخ بإمبراطوريات لم تكن تغرب عنها الشمس . فإدمان الرفاهيّة والملذّات أسقط قلاع روما، ولم يُبقِ منها سوى الأعمدة لمن يعتبر.أما قادتها، فبفضل فتوحاتهم العابرة للقارات ، والانتصارات الساحقة لجحافل جيوشهم ، أخذوا أنفسهم مأخذ الآلهة . مما جعل مجلس الشيوخ ينصِب مُنادياً على مدخل روما لدى عودة أي قائد منتصر إلى المدينة ، ومعه بوق يردِّد فيه : "تذكّر أنك بشر . . تذكّر أنك بشر" .ـ

لو أن بعض طغاة هذه الأمة ، ممن استبدّوا وأبادوا ، وأفسدوا ونهبوا وتفرعنوا، سمعوا هذا النداء، لربما عادوا إلى صوابهم، وتذكّروا أنهم مجرّد بشر، وُجدوا لمصادفة تاريخيّة حيث هم. فتواضعوا قليلا ، ووفّروا على أنفسهم ذنوبا بين يديّ الله ، و فضائح أمام العالم .ـ

إن أناساً سطوا على ميزانيات دول، وحوَّلوها دون حرجٍ إلى ثروات شخصيّة ، موزَّعة على بنوك العالم، يعتقدون حتما أنهم خالدون . وأنهم سيُقيمون في كل القصور التي امتلكوها ، وينفقون كل الأموال التي نهبوها ، ويأخذون معهم حيثما سيذهبون ، ما خزّنوا ممّا سرقوه من فم جياع، اؤتُمِنوا أمام الله على قوتهم .ـ

يقول الله تعالى "وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفّار".ـ
ولا أظن مثلهم كان يملك من الوقت لعدّ نِعم الله، ولا من الخوف من ملاقاته ليُثابر على شكره. وقد قال الإمام علي رضي الله عنه " بالشكر تدوم النِعم ".ـ

جميعنا سمعنا من يقول " دوام الحال من المحال " لكن في أعماقنا لا نصدّق هذه الحكمة أو نتعظ بها. فالنفس البشريّة في اعتيادها على النِعم لا تُصدِّق زوالها. لا غنياً يتوقّع إفلاسه، لا شاباً يرى نفسه ذات يومٍ شيخاً. لاحاكماً يضع في حسبانه زوال الكرسي وجاه السلطة، لا المعافى المتمتّع بنعمة الصحة يضع المرض في حسبانه، ولا العاشق يتوقّع فقدان الحبيب، ولا الحيّ يرى بأمّ عينيه روحه ساعة سكرات الموت.ـ

إن مأساة الإنسان تكمن في عدم تصديقه لزوال النِعم، لذلك قليلون يستعدّون لخسارتها. كلّ ما يصنع زهو الإنسان ومباهجه زائل، لذا وحده المؤمن أو الحكيم ، يتعامل مع الشباب والحبّ والصحة والجاه والثراء والحياة ، كهدايا يمكن لله متى شاء استردادها . لأنها نِعم يختبرنا بها كي نكون أهلاً للنعمة الأبديّة : الجـــــنّة . ـ

****

بيروت، نيسان 2011
http://a1.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc6/253191_10150204416578427_7988408426_7052063_729191 3_n.jpg