المعزلدين الله
2011-05-27, 12:44
أوباما وخطابه
عناية جابر
2011-05-26
كنت أحبّ لو أحببت خطاب الرئيس أوباما، لكنني لم أحبّهُ . فيه تلك الدقّة الفانتازية، وأيضاً المتحذلقة، وفيه إبتسار للحياة العربية، ومأخوذ بفكرة مقايضة كل شيء من منظور سيادي. أوباما على عكس ما تمنيت (نظراً لشغفي بلونه المظلم)، من نمط الرجال الذين يُنصتون الى قصص الشعوب، بغباء وتبّرم (من دون حقد) وحذر، من دون أن يؤمنوا بها، ولا أن يتكلفوا التفكير في إحتمال حدوثها بشكل مغاير.
إكتفى أوباما بإستقاء معرفته، وهذا على ما يبدو جلّ ما يعرف، ممّا يُسّمى الحقائق الكبيرة التي يعرفها أكثر العالم. المعرفة الخالصة خذلته، مع أنها الشيء الذكي، والشيء المشؤوم الذي لابّد منه، والذي يُمزّق أرفع منجزات الكذب الإنساني. في خطابه، حاول أوباما الإيحاء بمعرفة خالصة، في حين خلا خطابه ممّا يُدعى الإحياء الروحي للقيم الأولية.
نداؤه المتكرر في تذكيرنا بكفالته غير المنقوصة (كرئيس أمريكي) في الدفاع عن أمن اسرائيل وحمايتها، بدا فكاهياً في وهلة أولى، مع ذلك أرخى أذاه الواسع في الصدور. كأنما إنتظرنا أمراً نعرف جيداً أنه مستحيل الحدوث، لكننا ننتظرهُ.
فلسطين، مستر أوباما، تعيش إفتراضياًً، وفي عيشها الإفتراضي ما يعكس شجاعة غير متناهية، حيث كل يوم في حياة الفلسطيني هو دخول أعمى في متاهات شتى، وحيث الحنين الى الأمر الحقيقي والوطن الحقيقي هو الأجمل والمؤكد الوحيد في أحلامه. كان لمارتن لوثر كينغ حلمهُ!!! أم تراك نسيت وتستعيد فحسب قصة السيدة الملونة التي رفضت التخلي عن مقعدها في الباص لصالح رجل أبيض، كما لو أمثولة حفظتها تعينك على النجاح في امتحانك المقبل.
كل صباح يستيقظ الفلسطيني ناظراً الى العالم كما لو لأول مرّة، كما لو لآخر مرة، وهو إذ يرى الى نهوض فلسطينه من نومها، إنما يكون يبحث عن الأحبّ الممكن.
ثم يا أوباما، هذه الفلسطين ليست بالثبات الذي تتظاهر به، إنها موجوعة فعلاً، ولعلها تُخطىء النهوض يوماً لمرّة اخيرة، فكل شيء فيها في الحقيقة، يخضع في كل لحظة الى تحوّل مرئي وغير مرئي، ولكن غير متوقف قط.
ثمة في خطابك، موقفك غير الحارس للحقائق، وفيه الشخصية/ المهنة، سمة الخواء الثابت في خطابات الرؤساء.
أيضاً في خطابك الهزيل، رغبتك في إظهار شيء خاص بك. ليس بإعتبارك مثقفاً ومتعلماً فحسب، وحائزاً ربما على 'تعاطف' العالم العربي لأسباب لا يعلمها إلإ القرود، وإنما للتأكيد على أن ثقافتك حيّة ومستشرفة المستقبل، كما حين أشرت الى الثورات العربية موحياً أنك المُلهم والمُخلّص وأنك وأمريكا من خلفك صانعها ومُباركها وتعرف تفاصيلها وأهدافها في رغبتك الى حظوة شرف أكثر، متناسياً أن الأمر هذه المرّة أكبر منك، ولست مُدركهُ أبداً.
مصدر الجذب للعّامة في خطاب أوباما (وتراجع عنه مع ذلك، مرعوباً هلعاً من زلات لسانه) يكمن في قدرة أمريكا نفسها على البذل المادي على الرغم من انهيارها الإقتصادي المدّوي، وأوباما أثبت كرئيس للعالم أنه لا يقّل صفاقة وقدرة عن ربابنة الإقتصاد المجربين القدامى، إذ وعد بمليار أو مليارين بائسين لإعانة مصر، صفقة دخان متبدد مقايضة بأرواح شباب بُذلت في سبيل حرية مصر.
أوباما ليس شريراً بطبعه، نعرف ذلك من حسه المتطور جداً بالعائلة، الأسرة، البنات، ميشيل، الجدة، الأم، الأب، خصوصاً (حسين). لكن للأسف العقلانية الداخلية لحياته هي عقلانية المال، (العرض والطلب) وهي عقلانية أمريكية بأسنان معافاة ومعدة 'قطيّعة'. ببساطة، لقد حقق أوباما حلم حياته بطريقة تستبعد أيّة هفوة، من مثل أن يكون للفلسطينيين دولة على أمتار قليلة من أرضهم!! وهو الآن ككل الرؤساء العرب والأجانب، يئن تحت هذه المعرفة الثقيلة كحمّال بظهر محن. أوباما في البيت الأبيض علامة على زمن أضاع الأمان الداخلي للأزمنة المعافاة، والقيم.
لا خطاب أوباما ولا خطاب سواه يمكنه أن يؤشر الى بصيص حلّ لقضية فلسطين.
لا يمكن حلّ قضية فلسطين إلإ بقلب أبيض. تحتاج فلسطين الى ظهور إنسان جديد له رؤيا داخلية وإرادة نقية وقلب شجاع. الإنسانية التي نعرف، لم تحقق حتى اللحظة لفلسطين أيّ عون، بالأحرى تهبط بقضيتها الى مستوى مُخيف. ربما لناس هذه القضية المستعصية وجهة نظر أخرى ومراهنات أخرى، وربما لا يحسبون بمقاييس صغيرة ولا يحسبون رؤى أوباما المُعتمة، بل يؤمنون أن كل لحظة يمكن أن تكون لحظة تحوّل تاريخية في ضمير العالم.
تقّدم رشيقاً، مُعتماً، مهموماً أمام 'ايباك'، ألقى خطابهُ ورحل، شاعراً بوجود قلبين في صدره، مثل ساعة تضطرب نبضاتها في محل تصليح الساعات.
حتى اللحظة، عاش العالم كله ضد فلسطين، وهي عاشت في عطلة من الحياة من دون أن تعثر على ما يمنحها السلام. الحياة تمّر على بعض الأوطان بطريقة مريعة لا يمكن تصوّرها. مع ذلك، فلسطين تملك- أيها الرئيس أوباما- ما يجعل المرء يريد أن يعانقها وأن يدفن وجهه المبلل بالدمع فيها. كان خطاباً بائساً أيها السيّد، مراوغا بأنصاف حقائق تسّهل عليه الكذب. خطاب فاقد الإتزان، غير مريح ويستدعي الشفقة على شاعرية الرجل الذي ترنّح تحت قبضة السياسة الأمريكية المرعبة، أو القدر.
عناية جابر
2011-05-26
كنت أحبّ لو أحببت خطاب الرئيس أوباما، لكنني لم أحبّهُ . فيه تلك الدقّة الفانتازية، وأيضاً المتحذلقة، وفيه إبتسار للحياة العربية، ومأخوذ بفكرة مقايضة كل شيء من منظور سيادي. أوباما على عكس ما تمنيت (نظراً لشغفي بلونه المظلم)، من نمط الرجال الذين يُنصتون الى قصص الشعوب، بغباء وتبّرم (من دون حقد) وحذر، من دون أن يؤمنوا بها، ولا أن يتكلفوا التفكير في إحتمال حدوثها بشكل مغاير.
إكتفى أوباما بإستقاء معرفته، وهذا على ما يبدو جلّ ما يعرف، ممّا يُسّمى الحقائق الكبيرة التي يعرفها أكثر العالم. المعرفة الخالصة خذلته، مع أنها الشيء الذكي، والشيء المشؤوم الذي لابّد منه، والذي يُمزّق أرفع منجزات الكذب الإنساني. في خطابه، حاول أوباما الإيحاء بمعرفة خالصة، في حين خلا خطابه ممّا يُدعى الإحياء الروحي للقيم الأولية.
نداؤه المتكرر في تذكيرنا بكفالته غير المنقوصة (كرئيس أمريكي) في الدفاع عن أمن اسرائيل وحمايتها، بدا فكاهياً في وهلة أولى، مع ذلك أرخى أذاه الواسع في الصدور. كأنما إنتظرنا أمراً نعرف جيداً أنه مستحيل الحدوث، لكننا ننتظرهُ.
فلسطين، مستر أوباما، تعيش إفتراضياًً، وفي عيشها الإفتراضي ما يعكس شجاعة غير متناهية، حيث كل يوم في حياة الفلسطيني هو دخول أعمى في متاهات شتى، وحيث الحنين الى الأمر الحقيقي والوطن الحقيقي هو الأجمل والمؤكد الوحيد في أحلامه. كان لمارتن لوثر كينغ حلمهُ!!! أم تراك نسيت وتستعيد فحسب قصة السيدة الملونة التي رفضت التخلي عن مقعدها في الباص لصالح رجل أبيض، كما لو أمثولة حفظتها تعينك على النجاح في امتحانك المقبل.
كل صباح يستيقظ الفلسطيني ناظراً الى العالم كما لو لأول مرّة، كما لو لآخر مرة، وهو إذ يرى الى نهوض فلسطينه من نومها، إنما يكون يبحث عن الأحبّ الممكن.
ثم يا أوباما، هذه الفلسطين ليست بالثبات الذي تتظاهر به، إنها موجوعة فعلاً، ولعلها تُخطىء النهوض يوماً لمرّة اخيرة، فكل شيء فيها في الحقيقة، يخضع في كل لحظة الى تحوّل مرئي وغير مرئي، ولكن غير متوقف قط.
ثمة في خطابك، موقفك غير الحارس للحقائق، وفيه الشخصية/ المهنة، سمة الخواء الثابت في خطابات الرؤساء.
أيضاً في خطابك الهزيل، رغبتك في إظهار شيء خاص بك. ليس بإعتبارك مثقفاً ومتعلماً فحسب، وحائزاً ربما على 'تعاطف' العالم العربي لأسباب لا يعلمها إلإ القرود، وإنما للتأكيد على أن ثقافتك حيّة ومستشرفة المستقبل، كما حين أشرت الى الثورات العربية موحياً أنك المُلهم والمُخلّص وأنك وأمريكا من خلفك صانعها ومُباركها وتعرف تفاصيلها وأهدافها في رغبتك الى حظوة شرف أكثر، متناسياً أن الأمر هذه المرّة أكبر منك، ولست مُدركهُ أبداً.
مصدر الجذب للعّامة في خطاب أوباما (وتراجع عنه مع ذلك، مرعوباً هلعاً من زلات لسانه) يكمن في قدرة أمريكا نفسها على البذل المادي على الرغم من انهيارها الإقتصادي المدّوي، وأوباما أثبت كرئيس للعالم أنه لا يقّل صفاقة وقدرة عن ربابنة الإقتصاد المجربين القدامى، إذ وعد بمليار أو مليارين بائسين لإعانة مصر، صفقة دخان متبدد مقايضة بأرواح شباب بُذلت في سبيل حرية مصر.
أوباما ليس شريراً بطبعه، نعرف ذلك من حسه المتطور جداً بالعائلة، الأسرة، البنات، ميشيل، الجدة، الأم، الأب، خصوصاً (حسين). لكن للأسف العقلانية الداخلية لحياته هي عقلانية المال، (العرض والطلب) وهي عقلانية أمريكية بأسنان معافاة ومعدة 'قطيّعة'. ببساطة، لقد حقق أوباما حلم حياته بطريقة تستبعد أيّة هفوة، من مثل أن يكون للفلسطينيين دولة على أمتار قليلة من أرضهم!! وهو الآن ككل الرؤساء العرب والأجانب، يئن تحت هذه المعرفة الثقيلة كحمّال بظهر محن. أوباما في البيت الأبيض علامة على زمن أضاع الأمان الداخلي للأزمنة المعافاة، والقيم.
لا خطاب أوباما ولا خطاب سواه يمكنه أن يؤشر الى بصيص حلّ لقضية فلسطين.
لا يمكن حلّ قضية فلسطين إلإ بقلب أبيض. تحتاج فلسطين الى ظهور إنسان جديد له رؤيا داخلية وإرادة نقية وقلب شجاع. الإنسانية التي نعرف، لم تحقق حتى اللحظة لفلسطين أيّ عون، بالأحرى تهبط بقضيتها الى مستوى مُخيف. ربما لناس هذه القضية المستعصية وجهة نظر أخرى ومراهنات أخرى، وربما لا يحسبون بمقاييس صغيرة ولا يحسبون رؤى أوباما المُعتمة، بل يؤمنون أن كل لحظة يمكن أن تكون لحظة تحوّل تاريخية في ضمير العالم.
تقّدم رشيقاً، مُعتماً، مهموماً أمام 'ايباك'، ألقى خطابهُ ورحل، شاعراً بوجود قلبين في صدره، مثل ساعة تضطرب نبضاتها في محل تصليح الساعات.
حتى اللحظة، عاش العالم كله ضد فلسطين، وهي عاشت في عطلة من الحياة من دون أن تعثر على ما يمنحها السلام. الحياة تمّر على بعض الأوطان بطريقة مريعة لا يمكن تصوّرها. مع ذلك، فلسطين تملك- أيها الرئيس أوباما- ما يجعل المرء يريد أن يعانقها وأن يدفن وجهه المبلل بالدمع فيها. كان خطاباً بائساً أيها السيّد، مراوغا بأنصاف حقائق تسّهل عليه الكذب. خطاب فاقد الإتزان، غير مريح ويستدعي الشفقة على شاعرية الرجل الذي ترنّح تحت قبضة السياسة الأمريكية المرعبة، أو القدر.
عناية جابر
2011-05-26
كنت أحبّ لو أحببت خطاب الرئيس أوباما، لكنني لم أحبّهُ . فيه تلك الدقّة الفانتازية، وأيضاً المتحذلقة، وفيه إبتسار للحياة العربية، ومأخوذ بفكرة مقايضة كل شيء من منظور سيادي. أوباما على عكس ما تمنيت (نظراً لشغفي بلونه المظلم)، من نمط الرجال الذين يُنصتون الى قصص الشعوب، بغباء وتبّرم (من دون حقد) وحذر، من دون أن يؤمنوا بها، ولا أن يتكلفوا التفكير في إحتمال حدوثها بشكل مغاير.
إكتفى أوباما بإستقاء معرفته، وهذا على ما يبدو جلّ ما يعرف، ممّا يُسّمى الحقائق الكبيرة التي يعرفها أكثر العالم. المعرفة الخالصة خذلته، مع أنها الشيء الذكي، والشيء المشؤوم الذي لابّد منه، والذي يُمزّق أرفع منجزات الكذب الإنساني. في خطابه، حاول أوباما الإيحاء بمعرفة خالصة، في حين خلا خطابه ممّا يُدعى الإحياء الروحي للقيم الأولية.
نداؤه المتكرر في تذكيرنا بكفالته غير المنقوصة (كرئيس أمريكي) في الدفاع عن أمن اسرائيل وحمايتها، بدا فكاهياً في وهلة أولى، مع ذلك أرخى أذاه الواسع في الصدور. كأنما إنتظرنا أمراً نعرف جيداً أنه مستحيل الحدوث، لكننا ننتظرهُ.
فلسطين، مستر أوباما، تعيش إفتراضياًً، وفي عيشها الإفتراضي ما يعكس شجاعة غير متناهية، حيث كل يوم في حياة الفلسطيني هو دخول أعمى في متاهات شتى، وحيث الحنين الى الأمر الحقيقي والوطن الحقيقي هو الأجمل والمؤكد الوحيد في أحلامه. كان لمارتن لوثر كينغ حلمهُ!!! أم تراك نسيت وتستعيد فحسب قصة السيدة الملونة التي رفضت التخلي عن مقعدها في الباص لصالح رجل أبيض، كما لو أمثولة حفظتها تعينك على النجاح في امتحانك المقبل.
كل صباح يستيقظ الفلسطيني ناظراً الى العالم كما لو لأول مرّة، كما لو لآخر مرة، وهو إذ يرى الى نهوض فلسطينه من نومها، إنما يكون يبحث عن الأحبّ الممكن.
ثم يا أوباما، هذه الفلسطين ليست بالثبات الذي تتظاهر به، إنها موجوعة فعلاً، ولعلها تُخطىء النهوض يوماً لمرّة اخيرة، فكل شيء فيها في الحقيقة، يخضع في كل لحظة الى تحوّل مرئي وغير مرئي، ولكن غير متوقف قط.
ثمة في خطابك، موقفك غير الحارس للحقائق، وفيه الشخصية/ المهنة، سمة الخواء الثابت في خطابات الرؤساء.
أيضاً في خطابك الهزيل، رغبتك في إظهار شيء خاص بك. ليس بإعتبارك مثقفاً ومتعلماً فحسب، وحائزاً ربما على 'تعاطف' العالم العربي لأسباب لا يعلمها إلإ القرود، وإنما للتأكيد على أن ثقافتك حيّة ومستشرفة المستقبل، كما حين أشرت الى الثورات العربية موحياً أنك المُلهم والمُخلّص وأنك وأمريكا من خلفك صانعها ومُباركها وتعرف تفاصيلها وأهدافها في رغبتك الى حظوة شرف أكثر، متناسياً أن الأمر هذه المرّة أكبر منك، ولست مُدركهُ أبداً.
مصدر الجذب للعّامة في خطاب أوباما (وتراجع عنه مع ذلك، مرعوباً هلعاً من زلات لسانه) يكمن في قدرة أمريكا نفسها على البذل المادي على الرغم من انهيارها الإقتصادي المدّوي، وأوباما أثبت كرئيس للعالم أنه لا يقّل صفاقة وقدرة عن ربابنة الإقتصاد المجربين القدامى، إذ وعد بمليار أو مليارين بائسين لإعانة مصر، صفقة دخان متبدد مقايضة بأرواح شباب بُذلت في سبيل حرية مصر.
أوباما ليس شريراً بطبعه، نعرف ذلك من حسه المتطور جداً بالعائلة، الأسرة، البنات، ميشيل، الجدة، الأم، الأب، خصوصاً (حسين). لكن للأسف العقلانية الداخلية لحياته هي عقلانية المال، (العرض والطلب) وهي عقلانية أمريكية بأسنان معافاة ومعدة 'قطيّعة'. ببساطة، لقد حقق أوباما حلم حياته بطريقة تستبعد أيّة هفوة، من مثل أن يكون للفلسطينيين دولة على أمتار قليلة من أرضهم!! وهو الآن ككل الرؤساء العرب والأجانب، يئن تحت هذه المعرفة الثقيلة كحمّال بظهر محن. أوباما في البيت الأبيض علامة على زمن أضاع الأمان الداخلي للأزمنة المعافاة، والقيم.
لا خطاب أوباما ولا خطاب سواه يمكنه أن يؤشر الى بصيص حلّ لقضية فلسطين.
لا يمكن حلّ قضية فلسطين إلإ بقلب أبيض. تحتاج فلسطين الى ظهور إنسان جديد له رؤيا داخلية وإرادة نقية وقلب شجاع. الإنسانية التي نعرف، لم تحقق حتى اللحظة لفلسطين أيّ عون، بالأحرى تهبط بقضيتها الى مستوى مُخيف. ربما لناس هذه القضية المستعصية وجهة نظر أخرى ومراهنات أخرى، وربما لا يحسبون بمقاييس صغيرة ولا يحسبون رؤى أوباما المُعتمة، بل يؤمنون أن كل لحظة يمكن أن تكون لحظة تحوّل تاريخية في ضمير العالم.
تقّدم رشيقاً، مُعتماً، مهموماً أمام 'ايباك'، ألقى خطابهُ ورحل، شاعراً بوجود قلبين في صدره، مثل ساعة تضطرب نبضاتها في محل تصليح الساعات.
حتى اللحظة، عاش العالم كله ضد فلسطين، وهي عاشت في عطلة من الحياة من دون أن تعثر على ما يمنحها السلام. الحياة تمّر على بعض الأوطان بطريقة مريعة لا يمكن تصوّرها. مع ذلك، فلسطين تملك- أيها الرئيس أوباما- ما يجعل المرء يريد أن يعانقها وأن يدفن وجهه المبلل بالدمع فيها. كان خطاباً بائساً أيها السيّد، مراوغا بأنصاف حقائق تسّهل عليه الكذب. خطاب فاقد الإتزان، غير مريح ويستدعي الشفقة على شاعرية الرجل الذي ترنّح تحت قبضة السياسة الأمريكية المرعبة، أو القدر.
عناية جابر
2011-05-26
كنت أحبّ لو أحببت خطاب الرئيس أوباما، لكنني لم أحبّهُ . فيه تلك الدقّة الفانتازية، وأيضاً المتحذلقة، وفيه إبتسار للحياة العربية، ومأخوذ بفكرة مقايضة كل شيء من منظور سيادي. أوباما على عكس ما تمنيت (نظراً لشغفي بلونه المظلم)، من نمط الرجال الذين يُنصتون الى قصص الشعوب، بغباء وتبّرم (من دون حقد) وحذر، من دون أن يؤمنوا بها، ولا أن يتكلفوا التفكير في إحتمال حدوثها بشكل مغاير.
إكتفى أوباما بإستقاء معرفته، وهذا على ما يبدو جلّ ما يعرف، ممّا يُسّمى الحقائق الكبيرة التي يعرفها أكثر العالم. المعرفة الخالصة خذلته، مع أنها الشيء الذكي، والشيء المشؤوم الذي لابّد منه، والذي يُمزّق أرفع منجزات الكذب الإنساني. في خطابه، حاول أوباما الإيحاء بمعرفة خالصة، في حين خلا خطابه ممّا يُدعى الإحياء الروحي للقيم الأولية.
نداؤه المتكرر في تذكيرنا بكفالته غير المنقوصة (كرئيس أمريكي) في الدفاع عن أمن اسرائيل وحمايتها، بدا فكاهياً في وهلة أولى، مع ذلك أرخى أذاه الواسع في الصدور. كأنما إنتظرنا أمراً نعرف جيداً أنه مستحيل الحدوث، لكننا ننتظرهُ.
فلسطين، مستر أوباما، تعيش إفتراضياًً، وفي عيشها الإفتراضي ما يعكس شجاعة غير متناهية، حيث كل يوم في حياة الفلسطيني هو دخول أعمى في متاهات شتى، وحيث الحنين الى الأمر الحقيقي والوطن الحقيقي هو الأجمل والمؤكد الوحيد في أحلامه. كان لمارتن لوثر كينغ حلمهُ!!! أم تراك نسيت وتستعيد فحسب قصة السيدة الملونة التي رفضت التخلي عن مقعدها في الباص لصالح رجل أبيض، كما لو أمثولة حفظتها تعينك على النجاح في امتحانك المقبل.
كل صباح يستيقظ الفلسطيني ناظراً الى العالم كما لو لأول مرّة، كما لو لآخر مرة، وهو إذ يرى الى نهوض فلسطينه من نومها، إنما يكون يبحث عن الأحبّ الممكن.
ثم يا أوباما، هذه الفلسطين ليست بالثبات الذي تتظاهر به، إنها موجوعة فعلاً، ولعلها تُخطىء النهوض يوماً لمرّة اخيرة، فكل شيء فيها في الحقيقة، يخضع في كل لحظة الى تحوّل مرئي وغير مرئي، ولكن غير متوقف قط.
ثمة في خطابك، موقفك غير الحارس للحقائق، وفيه الشخصية/ المهنة، سمة الخواء الثابت في خطابات الرؤساء.
أيضاً في خطابك الهزيل، رغبتك في إظهار شيء خاص بك. ليس بإعتبارك مثقفاً ومتعلماً فحسب، وحائزاً ربما على 'تعاطف' العالم العربي لأسباب لا يعلمها إلإ القرود، وإنما للتأكيد على أن ثقافتك حيّة ومستشرفة المستقبل، كما حين أشرت الى الثورات العربية موحياً أنك المُلهم والمُخلّص وأنك وأمريكا من خلفك صانعها ومُباركها وتعرف تفاصيلها وأهدافها في رغبتك الى حظوة شرف أكثر، متناسياً أن الأمر هذه المرّة أكبر منك، ولست مُدركهُ أبداً.
مصدر الجذب للعّامة في خطاب أوباما (وتراجع عنه مع ذلك، مرعوباً هلعاً من زلات لسانه) يكمن في قدرة أمريكا نفسها على البذل المادي على الرغم من انهيارها الإقتصادي المدّوي، وأوباما أثبت كرئيس للعالم أنه لا يقّل صفاقة وقدرة عن ربابنة الإقتصاد المجربين القدامى، إذ وعد بمليار أو مليارين بائسين لإعانة مصر، صفقة دخان متبدد مقايضة بأرواح شباب بُذلت في سبيل حرية مصر.
أوباما ليس شريراً بطبعه، نعرف ذلك من حسه المتطور جداً بالعائلة، الأسرة، البنات، ميشيل، الجدة، الأم، الأب، خصوصاً (حسين). لكن للأسف العقلانية الداخلية لحياته هي عقلانية المال، (العرض والطلب) وهي عقلانية أمريكية بأسنان معافاة ومعدة 'قطيّعة'. ببساطة، لقد حقق أوباما حلم حياته بطريقة تستبعد أيّة هفوة، من مثل أن يكون للفلسطينيين دولة على أمتار قليلة من أرضهم!! وهو الآن ككل الرؤساء العرب والأجانب، يئن تحت هذه المعرفة الثقيلة كحمّال بظهر محن. أوباما في البيت الأبيض علامة على زمن أضاع الأمان الداخلي للأزمنة المعافاة، والقيم.
لا خطاب أوباما ولا خطاب سواه يمكنه أن يؤشر الى بصيص حلّ لقضية فلسطين.
لا يمكن حلّ قضية فلسطين إلإ بقلب أبيض. تحتاج فلسطين الى ظهور إنسان جديد له رؤيا داخلية وإرادة نقية وقلب شجاع. الإنسانية التي نعرف، لم تحقق حتى اللحظة لفلسطين أيّ عون، بالأحرى تهبط بقضيتها الى مستوى مُخيف. ربما لناس هذه القضية المستعصية وجهة نظر أخرى ومراهنات أخرى، وربما لا يحسبون بمقاييس صغيرة ولا يحسبون رؤى أوباما المُعتمة، بل يؤمنون أن كل لحظة يمكن أن تكون لحظة تحوّل تاريخية في ضمير العالم.
تقّدم رشيقاً، مُعتماً، مهموماً أمام 'ايباك'، ألقى خطابهُ ورحل، شاعراً بوجود قلبين في صدره، مثل ساعة تضطرب نبضاتها في محل تصليح الساعات.
حتى اللحظة، عاش العالم كله ضد فلسطين، وهي عاشت في عطلة من الحياة من دون أن تعثر على ما يمنحها السلام. الحياة تمّر على بعض الأوطان بطريقة مريعة لا يمكن تصوّرها. مع ذلك، فلسطين تملك- أيها الرئيس أوباما- ما يجعل المرء يريد أن يعانقها وأن يدفن وجهه المبلل بالدمع فيها. كان خطاباً بائساً أيها السيّد، مراوغا بأنصاف حقائق تسّهل عليه الكذب. خطاب فاقد الإتزان، غير مريح ويستدعي الشفقة على شاعرية الرجل الذي ترنّح تحت قبضة السياسة الأمريكية المرعبة، أو القدر.