المعزلدين الله
2011-05-11, 22:36
ذكرى النكبة.. وحقائق إسرائيلية!
د. فايز رشيد
2011-05-11
الذكرى 63 للنكبة تتميز في جملة من الحقائق الإسرائيلية على صعيد السياستين الداخلية والخارجية، المستندة إلى خلفية ايديولوجية توراتية. هذه الحقائق لو أدركها الساسة الفلسطينيون والعرب، لما طرحوا مبادرات سلام مع إسرائيل، ولصاغوا استراتيجية وتكتيكا سياسيا جديدين متوائمين مع هذه الحقائق، من حيث مجابهتها ولعل أبرزهذه الحقائق يتلخص في ما يلي:
أولاً: أن المشروع الصهيوني للمنطقة العربية وبفعل مستجدات واكبت تطور الصراع فيها، وبحكم حقيقة تتمثل في فشل إسرائيل في إقناع غالبية يهود العالم في الهجرة إليها، فإن مشروع إسرائيل في بناء دولتها من الفرات إلى النيل، وإن غاب في أذهان الساسة الاسرائيليين، باستبداله من الاحتلال الجغرافي إلى السيطرة الاقتصادية وبالتالي السياسية، لكنه يتعمق في أذهان اليمين الإسرائيلي، المرشح لازدياد قاعدة وهرم تأثيره في الحياة السياسية الإسرائيلية.
ثانياً: أن التحولات الجارية في داخل إسرائيل مذهلة في استطلاعاتها، وكلها تشي بارتفاع نسبة الأصوليين بين اليهود إلى مستويات قياسية عالية، فقد قال بحث أجرته جامعة حيفا ونشرت نتائجه: انه في العام 2003 نسبة المتدينين اليهود سترتفع عن 50' من نسبة السكان اليهود، وستتراوح بين 62' - 65' وهذا سيعد انقلاباً هائلاً في الحياة المدنية الإسرائيلية، ليس من حيث تأثيراته في الحياة الاجتماعية فحسب، ولكن بالضرورة أيضاً التداعيات التأثيرية على السياستين الداخلية والخارجية وتحديداً الصراع الفلسطيني العربي- الصهيوني. إذا ما بقيت إسرائيل حتى ذلك الزمن، فسنواجه إسرائيل جديدة. هذا لا يعني على الإطلاق الاستهانة في المواجهة السابقة والحالية معها، ولكن المقصود القول، اننا نواجه تشدداً إسرائيلياً أضعاف اضعاف التشدد السابق والحالي.
ثالثاً: المتتبع لمسيرة الداخل الإسرائيلي يلحظ وبلا أدنى شك، أن إسرائيل تتفنن تماماً في المزاوجة بين القوننة والسياسة، بما معناه أدلجة السياسة الخارجية بقوانين، في ما يتعلق بالصراع مع أعدائها، وأدلجة السياسة الداخلية بقوانين تعمل على تحصين إسرائيل من تأثيرات العرب بداخلها من جهة، ومن جهة أخرى تعبّد الأرضية لبناء هيمنة يهودية، في محاولة استباقية للتغلب على إمكانية قيام أغلبية عربية في إسرائيل (مثلما تشير بعض الاستطلاعات التي تتنبأ حصول ذلك في العام 2022). بالتالي هي تفرض مجموعة من القوانين العنصرية (بقراءاتها الثلاث في الكنيست)، وكان العام 2011 منذ بدايته مميزاً في فرض القوانين (منع العرب من الاحتفال بذكرى النكبة، إمكانية سحب الجنسية منهم.. الخ)، إضافة إلى خلق واقع اقتصادي - اجتماعي في إسرائيل للعرب، يصبح استمرار العربي في العيش في بلده فلسطين، مستحيلاً، وبالتالي فليس أمامه سوى الهجرة.
الغريب أن إسرائيل ورغم قوننتها للعنصرية (على شاكلة النظام العنصري الأبيض السابق في جنوب أفريقيا) تبقى في عرف الدول الغربية والكثيرين الآخرين (دولة ديمقراطية)، ففي الوقت الذي أدان فيه العالم عنصرية جنوب أفريقيا وروديسيا، يقف صامتاً أمام العنصرية الإسرائيلية.
رابعاً: تحقيق الاعتراف الدولي بــ(يهودية دولة إسرائيل)، فها هو الرئيس الفرنسي ساركوزي، ووفقاً لما ورد على لسان نتنياهو بعد مقابلته له في باريس، يعترف بهذه اليهودية، بالطبع الولايات المتحدة كانت سابقاً قد اعترفت بذلك، والعديد من الدول الأوروبية مهيأة لذلك.
لقد مارس العالم خلطاً (مباشرةً أو بطريقة غير مباشرة) في عدم التمييز بين اليهودية كديانة (مثل الإسلام والمسيحية)، واليهودية كقومية، وهو ما حرصت الصهيونية منذ بداية تأسيسها على تحقيقه في المفهوم، فقررت في مؤتمرها الأول، إنشاء الدولة اليهودية في فلسطين. جاء وعد بلفور في عام 1917 ليؤكد هذا الهدف، وكذلك نص قرار التقسيم للأمم المتحدة في عام 1947 على إنشاء هذه الدولة. إسرائيل في بداية تكوينها لم تركز على تحقيق هذا الشعار، لاعتبارات تكتيكية ليس إلاّ، عنوانها ترسيخ دعائم دولتها أولاً، ومن ثم وحين تحين الظروف تطرح الشعار للاعتراف به دولياً، وذلك للتغطية على أية خطوات عنصرية مستقبلية تقوم بها تجاه المزيد من الحرمان والتضييق على العرب فيها (في منطقة 48) وتجريدهم من كل حقوقهم، وصولاً إلى إيجاد الحلول الملائمة والمناسبة لخروجهم طائعين منها.
خامساً: في ما يتعلق بسقف التسوية مع الفلسطينيين والعرب، جاء الشرط الإسرائيلي الجديد على الجانب الفلسطيني، من أجل الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل، مقابل الاعتراف الإسرائيلي بالدولة الفلسطينية العتيدة، هذا في الوقت الذي تدرك فيه إسرائيل بالمعنيين النظري والعملي أن هذه الدول (أو لو جرى تسميتها بالإمبراطورية) ليست أكثر من حكم ذاتي على القضايا الحياتية لسكانه، بعيداً عن أي مظهر من مظاهر السيادة. دولة كانتونات مقطعة الأوصال، بلا قدس، وبلا عودة للاجئين حتى إليها، باستثناء أولئك، الذين ستوافق عليهم إسرائيل.
شرط الاعتراف بيهودية الدولة سيفُرض مستقبلاً على العرب، من أجل تطبيع العلاقات الإسرائيلية معهم. الخطة الإسرائيلية تمثلت في سياسة: الانتقال من شرط إلى شرط آخر في التعامل مع أعدائها، فلو اعترف الفلسطينيون والعرب بيهودية دولة إسرائيل، فستفرض الأخيرة شروطاً جديدة عليهم وهكذا دواليك.
سادساً: ثبت بالملموس أن إسرائيل ترفض في صميم الأمر حل الدولتين، فهي ترى وجود الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة (على شاكلة الدول كافة)، نقيضاً لوجودها. من جانب آخر فإن تحقيق شعار يهودية الدولة يقطع الطريق على كافة الحلول المطروحة الأخرى، الدولة الديمقراطية العلمانية الواحدة، الدولة ثنائية القومية، وحتى على حل الدولة لكل مواطنيها، العنصرية الإسرائيلية لن تتجاوز ذاتها، لن تخلع إحدى الصفات الملازمة لوجودها، ولحركتها الصهيونية في الأساس، وإلا ستصبح حركة من نوع آخر، بالتالي فإن التعامل مع العرب كان وهو كذلك وسيظل من خلال الرؤية العنصرية لهم، وأنهم دون اليهود! هذه هي حقيقة إسرائيل.
في الذكرى 63 للنكبة، يمكن القول إن عودة الحقوق الوطنية الفلسطينية والأخرى العربية لن تتحقق ضمن الاعتراف الإسرائيلي بها، وإنما تصبح واقعاً عندما يجري فرضها على هذه الدولة الصهيونية، المشبعة والمتخمة بالتعاليم التوراتية، فرضاً هذه هي أبرز الحقائق.
' كاتب فلسطيني
د. فايز رشيد
2011-05-11
الذكرى 63 للنكبة تتميز في جملة من الحقائق الإسرائيلية على صعيد السياستين الداخلية والخارجية، المستندة إلى خلفية ايديولوجية توراتية. هذه الحقائق لو أدركها الساسة الفلسطينيون والعرب، لما طرحوا مبادرات سلام مع إسرائيل، ولصاغوا استراتيجية وتكتيكا سياسيا جديدين متوائمين مع هذه الحقائق، من حيث مجابهتها ولعل أبرزهذه الحقائق يتلخص في ما يلي:
أولاً: أن المشروع الصهيوني للمنطقة العربية وبفعل مستجدات واكبت تطور الصراع فيها، وبحكم حقيقة تتمثل في فشل إسرائيل في إقناع غالبية يهود العالم في الهجرة إليها، فإن مشروع إسرائيل في بناء دولتها من الفرات إلى النيل، وإن غاب في أذهان الساسة الاسرائيليين، باستبداله من الاحتلال الجغرافي إلى السيطرة الاقتصادية وبالتالي السياسية، لكنه يتعمق في أذهان اليمين الإسرائيلي، المرشح لازدياد قاعدة وهرم تأثيره في الحياة السياسية الإسرائيلية.
ثانياً: أن التحولات الجارية في داخل إسرائيل مذهلة في استطلاعاتها، وكلها تشي بارتفاع نسبة الأصوليين بين اليهود إلى مستويات قياسية عالية، فقد قال بحث أجرته جامعة حيفا ونشرت نتائجه: انه في العام 2003 نسبة المتدينين اليهود سترتفع عن 50' من نسبة السكان اليهود، وستتراوح بين 62' - 65' وهذا سيعد انقلاباً هائلاً في الحياة المدنية الإسرائيلية، ليس من حيث تأثيراته في الحياة الاجتماعية فحسب، ولكن بالضرورة أيضاً التداعيات التأثيرية على السياستين الداخلية والخارجية وتحديداً الصراع الفلسطيني العربي- الصهيوني. إذا ما بقيت إسرائيل حتى ذلك الزمن، فسنواجه إسرائيل جديدة. هذا لا يعني على الإطلاق الاستهانة في المواجهة السابقة والحالية معها، ولكن المقصود القول، اننا نواجه تشدداً إسرائيلياً أضعاف اضعاف التشدد السابق والحالي.
ثالثاً: المتتبع لمسيرة الداخل الإسرائيلي يلحظ وبلا أدنى شك، أن إسرائيل تتفنن تماماً في المزاوجة بين القوننة والسياسة، بما معناه أدلجة السياسة الخارجية بقوانين، في ما يتعلق بالصراع مع أعدائها، وأدلجة السياسة الداخلية بقوانين تعمل على تحصين إسرائيل من تأثيرات العرب بداخلها من جهة، ومن جهة أخرى تعبّد الأرضية لبناء هيمنة يهودية، في محاولة استباقية للتغلب على إمكانية قيام أغلبية عربية في إسرائيل (مثلما تشير بعض الاستطلاعات التي تتنبأ حصول ذلك في العام 2022). بالتالي هي تفرض مجموعة من القوانين العنصرية (بقراءاتها الثلاث في الكنيست)، وكان العام 2011 منذ بدايته مميزاً في فرض القوانين (منع العرب من الاحتفال بذكرى النكبة، إمكانية سحب الجنسية منهم.. الخ)، إضافة إلى خلق واقع اقتصادي - اجتماعي في إسرائيل للعرب، يصبح استمرار العربي في العيش في بلده فلسطين، مستحيلاً، وبالتالي فليس أمامه سوى الهجرة.
الغريب أن إسرائيل ورغم قوننتها للعنصرية (على شاكلة النظام العنصري الأبيض السابق في جنوب أفريقيا) تبقى في عرف الدول الغربية والكثيرين الآخرين (دولة ديمقراطية)، ففي الوقت الذي أدان فيه العالم عنصرية جنوب أفريقيا وروديسيا، يقف صامتاً أمام العنصرية الإسرائيلية.
رابعاً: تحقيق الاعتراف الدولي بــ(يهودية دولة إسرائيل)، فها هو الرئيس الفرنسي ساركوزي، ووفقاً لما ورد على لسان نتنياهو بعد مقابلته له في باريس، يعترف بهذه اليهودية، بالطبع الولايات المتحدة كانت سابقاً قد اعترفت بذلك، والعديد من الدول الأوروبية مهيأة لذلك.
لقد مارس العالم خلطاً (مباشرةً أو بطريقة غير مباشرة) في عدم التمييز بين اليهودية كديانة (مثل الإسلام والمسيحية)، واليهودية كقومية، وهو ما حرصت الصهيونية منذ بداية تأسيسها على تحقيقه في المفهوم، فقررت في مؤتمرها الأول، إنشاء الدولة اليهودية في فلسطين. جاء وعد بلفور في عام 1917 ليؤكد هذا الهدف، وكذلك نص قرار التقسيم للأمم المتحدة في عام 1947 على إنشاء هذه الدولة. إسرائيل في بداية تكوينها لم تركز على تحقيق هذا الشعار، لاعتبارات تكتيكية ليس إلاّ، عنوانها ترسيخ دعائم دولتها أولاً، ومن ثم وحين تحين الظروف تطرح الشعار للاعتراف به دولياً، وذلك للتغطية على أية خطوات عنصرية مستقبلية تقوم بها تجاه المزيد من الحرمان والتضييق على العرب فيها (في منطقة 48) وتجريدهم من كل حقوقهم، وصولاً إلى إيجاد الحلول الملائمة والمناسبة لخروجهم طائعين منها.
خامساً: في ما يتعلق بسقف التسوية مع الفلسطينيين والعرب، جاء الشرط الإسرائيلي الجديد على الجانب الفلسطيني، من أجل الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل، مقابل الاعتراف الإسرائيلي بالدولة الفلسطينية العتيدة، هذا في الوقت الذي تدرك فيه إسرائيل بالمعنيين النظري والعملي أن هذه الدول (أو لو جرى تسميتها بالإمبراطورية) ليست أكثر من حكم ذاتي على القضايا الحياتية لسكانه، بعيداً عن أي مظهر من مظاهر السيادة. دولة كانتونات مقطعة الأوصال، بلا قدس، وبلا عودة للاجئين حتى إليها، باستثناء أولئك، الذين ستوافق عليهم إسرائيل.
شرط الاعتراف بيهودية الدولة سيفُرض مستقبلاً على العرب، من أجل تطبيع العلاقات الإسرائيلية معهم. الخطة الإسرائيلية تمثلت في سياسة: الانتقال من شرط إلى شرط آخر في التعامل مع أعدائها، فلو اعترف الفلسطينيون والعرب بيهودية دولة إسرائيل، فستفرض الأخيرة شروطاً جديدة عليهم وهكذا دواليك.
سادساً: ثبت بالملموس أن إسرائيل ترفض في صميم الأمر حل الدولتين، فهي ترى وجود الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة (على شاكلة الدول كافة)، نقيضاً لوجودها. من جانب آخر فإن تحقيق شعار يهودية الدولة يقطع الطريق على كافة الحلول المطروحة الأخرى، الدولة الديمقراطية العلمانية الواحدة، الدولة ثنائية القومية، وحتى على حل الدولة لكل مواطنيها، العنصرية الإسرائيلية لن تتجاوز ذاتها، لن تخلع إحدى الصفات الملازمة لوجودها، ولحركتها الصهيونية في الأساس، وإلا ستصبح حركة من نوع آخر، بالتالي فإن التعامل مع العرب كان وهو كذلك وسيظل من خلال الرؤية العنصرية لهم، وأنهم دون اليهود! هذه هي حقيقة إسرائيل.
في الذكرى 63 للنكبة، يمكن القول إن عودة الحقوق الوطنية الفلسطينية والأخرى العربية لن تتحقق ضمن الاعتراف الإسرائيلي بها، وإنما تصبح واقعاً عندما يجري فرضها على هذه الدولة الصهيونية، المشبعة والمتخمة بالتعاليم التوراتية، فرضاً هذه هي أبرز الحقائق.
' كاتب فلسطيني