djillali.38
2011-05-08, 23:15
أيهما أسبق الحق أم الواجب؟
المقدمة :
شاع التعريف السقراطي للعدالة (إعطاء كل ذي حق حقه) فهل يعني ذلك أن فكرة العدالة تتأسس على امتلاك الحقوق وتوزيعها قبل أداء الواجبات ولكن الحق ادعاء يمنحنا إياه المجتمع مقابل الالتزام الاجتماعي أفلا يمكن القول أن العدالة تتأسس حسب تعريف أفلاطون ( أداء الفرد لواجبه وامتلاكه لما يخصه ) بمعنى أولوية الواجب على الحق ؟
عرض الأطروحة :
أسبقية الحق على الواجب ( حسب فلاسفة القانون الطبعي شيشرون وولف – والعقد الاجتماعي )
تقتضي العدالة أن تتقدم الحقوق على الواجبات ، فالحقوق مرتبطة بالقانون الطبيعي الذي يكشفه العقل من الطبيعة البشرية يقول وولف ( كلما تكلمنا عن القانون الطبيعي لا ينبغي مطلقا قانونا طبيعيا ، بل بالأحرى الحق الذي يتمتع به الإنسان بفضل ذلك القانون ) والحقوق ليست مقدمة على الواجبات فحسب بل على سلطة الدولة أيضا ، فالدولة نتيجة عقد واتفاق بين الأفراد لحماية حقوقهم وهي مقيدة بالقوانين الطبيعية يقول جون لوك (لما كان الإنسان قد ولد ,كما له حق في الحرية وفي التمتع بلا قيود بجميع حقوق ومزايا قانون الطبيعة، على قدم المساواة مع أي شخص آخر، أو أي عدد من الأشخاص في العالم ، فإن له بالطبيعة الحق لا في المحافظة على ما يخصه أي حياته وحريته وممتلكاته ضد اعتداء الآخرين ، أو محاولتهم العدوانية فحسب ، بل أيضا في أن يحاكم الآخرين على خرقهم هذا القانون ومعاقبتهم بما يعتقد أن جريمتهم تستحقه من العقاب) .
المبررات :
فحق الفرد سابق عن الواجب من منطلق أن الحقوق الطبيعية ملازمة للطبيعة البشرية وسابقة عن وجود الدولة والمجتمع فانضمام الفرد للجماعة والعقد لم يكن لضمان الحقوق ، فالثورات والمواثيق الدولية تعزز هذا الطرح ، فقد جاء في إعلان حقوق الإنسان و المواطن الصادر في 1789 للثورة الفرنسية مايلي : ( هدف كل جماعة سياسية هو المحافظة على حقوق الإنسان الطبيعية التي لا يمكن أن تسقط) وهذه الحقوق هي الحرية و الملكية والأمن ومقاومة الاضطهاد، وكذلك الهيئة الدولية المتمثلة في منظمة الأمم المتحدة التي أصدرت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حيث أعطت الألوية لحقوق الإنسان على واجبات الفرد وقد جاء في هذا الإعلان مايلي ( يولد جميع الناس أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق ، وقد وهبوا عقلا وضميرا ، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضا بروح الإخفاء ) .
النقد :
في تقديس الحقوق وتقديمها على الواجبات اختلال في توازن الحياة الاجتماعية ، فبتقديس الحرية والملكية مساهمة في سلب حقوق الضعفاء وتدعيم سلطة الأقوياء وتعطيل للوظائف الاجتماعية ،وإلا كيف نفسر الهيمنة الاستعمارية من أطراف تدعي حماية حقوق الإنسان ،فالشعوب التي خضعت للاستعمار وما تبعه من أمية وتخلف اجتماعي وتعطل في التنمية أليس من حقها المساعدة ،أليس من واجب الاستعمار إصلاح ما أفسده؟ ومن هنا تكون فكرة الحياة الطبيعية والعقد الاجتماعي فكرة ساذجة تحمل بعدا ايديولوجيا وفلسفيا وفي ايلاء الاولوية للحقوق فتح للباب امام النزوات التي تؤدي الى الصرعات.
عرض نقيض الأطروحة : أولوية الواجب عن الحق بمقتضى اخلاقي او اجتماعي
تتأسس فكرة العدالة عند كانط على أساس فلسفة الواجب الأخلاقي لا فلسفة الحق لذلك يقدم الواجب على الحق لأن الواجب الأخلاقي يستلزم الخضوع والانصياع له دون النظر إلى ما يترتب عن ذلك من مقابل منفعة (الحق) فالواجب أمر صوري عقلي مطلق غاية في حد ذاته ( الواجب ليس واجب على دون غيري وليس واجب علي في ظرف دون آخر) كالصدقة و الإحسان والإتقان في العمل لا يدافع كسب ثقة الآخرين بل لكون الإتقان واجب أخلاقي فعندما تقوم بعمل في نظر إيمانويل كانط من أجل الحصول على منفعة لا يعد فعلا أخلاقيا بل الفعل الأخلاقي هو الذي يقوم به صاحبه من أجل الواجب لا غير فالصانع يجب عليه أن يتقن صنعته بغض النظر عن ثناء الناس يقول إيمانويل كانط (شيئان يملأن نفسي إعجابا ، السماء المرصعة بالنجوم فوق رأسي ، والضمير الخلقي الذي يسري في صدري) لأن الالتزام بالواجب الأخلاقي مقتضى عقلي وهذا ما يجعل من الارادة الخيرة مصدرا لكل تشريع فهي منبع العدالة، وبمقتضى اجتماعي فالعدالة في الالتزام و الخضوع للقوانين (القيام بالواجبات) لكون القوانين صادرة عن طبيعة الإنسان العاقلة والوجدانية من جهة ولكونها مطابقة للحق من جهة أخرى وفي أداء الوجبات انعكاس للطابع الاجتماعي وتكريس لقيم أخلاقية من إثار وتضحية ولما في المطالبة بالحقوق من نزعة فردية وأنانية ، وقد جسد المتصوفة فكرة الواجب والطاعة الإلاهية من منطلق الحب الإلاهية ( الرابعة العدوانية كنموذج على ذلك)
المبررات :
يقترن مفهوم الواجب بالتضحية والإثار وهي قيم أخلاقية سامية فالواجب يفرض الضمير لا المصلحة والحق على عكس فكرة المنطق التي تعد فكرة منافية للأخلاق كونها تفترض مبدأ الذاتية الفردية بينما الأخلاق ذات طابع موضوعي ففكرة الواجب أوسع من فكرة الحق والواجبات الأخلاقية يفرضها ويلزمها الضمير دون وجود حقوق مقابل لها ، فالقرض مثلا واجب إنساني وأخلاقي ولكن ليس من حق المقترض إجبار أو إلزام المقرض على ذلك
النقد :
في الطرح الأخلاقي أو الاجتماعي هدم للعدالة من أساسها لأن في تغليب الواجبات وتجاهل الحقوق وتشريع للظلم و الاستغلال ولا ينسجم مع طبيعة الإنسان وكل قانون يحدد واجب إلا وحدد مقابل له فلا واجب دون حق ، فالمؤمن يقوم بواجبه في العائلة والعمل أو في جميع مناحي الحياة يلزمه مع ذلك الخوف من الله تعالى وابتغاء مرضاته و الأمل في المغفرة أي أنه يسعى للحصول على منفعة آجلة (يوم القيامة) ،لكن إيمانويل كانط يرفض تأسيس الأخلاق على المنفعة لهذا تبقى أخلاقا صورية أو شكلية وهي لا تتناسب مع الطبيعة البشرية. .
التركيب :
كل إنسان له الحق في أن يطالب بحقه ولكن عليه واجب ينبغي أن يؤديه و إذا كان كل واحد أدى واجبه الشخصي والاجتماعي يعيش المجتمع في سعادة وهناء ويرى أوجيست كونت أن الأفراد إذا قام كل واحد منهم بواجبه تجاه الآخرين لتحققت حقوق الجميع من دون مطالبة بها لأن المطالبة بالحقوق تخل بالتوازن الاجتماعي وتفتح الباب على مصراعيه للرغبات الشخصية و بالخصوص عندما نلاحظ أعمال الناس في الواقع نجد أن الإنسان يطالب باستمرار أكثر مما يستحق إرضاء لموله الغريزية التي تتنافى مع الحياة الاجتماعية و تجعل الأشخاص يعتدون على حقوق غيرهم بحيث لو قام كل الناس بواجباتهم الحقيقية التي تتضمن حقوق غيرهم لما وجدت المطالبة بالحقوق
الاستنتاج :
وختاما نستنتج أنه إذا كان الحق مطلب و مكسب اجتماعي وطبيعي و الواجب هو الالتزام مقابل الحق ، فالحياة الاجتماعية لا تقوم إلا بالاثنين معا ، فالتعاملات (المعاملات هي تبادل للحقوق والواجبات ) ، و إذا كان الحق سابق منطقيا فذلك يعني امتلاكه بل تحديده كدافع للقيام بالواجب ، فبالتزام الجميع بأداء الواجبات فالكل يضمن حقوقه وإن كانت تقتضي الإنسانية والأخلاقية تقتضي من الإنسان أن يتنازل في بعض المواثق عن بعض حقوقه فعلاقات العمل مثلا كلما قام العامل بواجبه طالبه صاحب العمل بواجب أكبر وكذا الخضوع للاستعمار يعد من الواجبات في نظر المستعمر فلا يحق للشعوب أن تطالب بحقوقها فالعدالة الحقيقية هي التي تقيم التوازن بين الحقوق والواجبات .
هل تتأسس العدالة الاجتماعية على المساواة أم على التفاوت ؟
طرح المشكلة :
إن العدالة عامة هي كلمة متداولة في حياتنا اليومية يقصد بها المساواة فإذا سوينا بين الناس فقد أقما العدالة أما لغة فهي مرادفة للقسط و الإنصاف ومن الناحية الاصطلاحية عرفت بالعديد من التعريفات منها أنها إعطاء لكل ذي حق حقه ضد الظلم ،فمفهوم العدل لم يصبح شائعا في يومنا هذا إلا بعد الثورات التي قامت في العالم فصار بذلك كثيرا ما يقترن بمفهوم المساواة فيعتقد أن العدل في المساواة أما الظلم ففي التفاوت ولكن أليست المساواة المطلقة ظلما؟ فقد اختلف الكثير من المفكرين في الإجابة عن هذا السؤال فالبعض منهم يقول بالمساواة لأنها عدل و البعض الآخر يرفضها لأنها ظلم ، فهل العدل في التفاوت أم في المساواة وهل كل تفاوت يعد ظلما؟
محاولة حل المشكلة :
عرض الاطروحة:
يرى أنصار المساواة أن العدالة تتأسس على المساواة ، على اعتبار أن العدالة الحقيقية تعني المساواة بين جميع الأفراد في الحقوق والواجبات وأمام القانون ، وأي تفاوت بينهم يعد ظلم ، ويدافع عن هذا الرأي فلاسفة القانون الطبيعي وفلاسفة العقد الاجتماعي وكذا أنصار المذهب الاشتراكي .
الحجة :-
إن العدالة تتأسس على المساواة بين الأفراد في الحقوق والواجبات بحكم وحدة الطبيعة البشرية ، « فليس هناك شيء أشبه بشيء من الانسان بالإنسان فلنا جميعا عقل ولنا جميعا حواس و إن إختلفنا في العلم فنحن متساوون في القدرة على التعلم » يبرر شيشرون قوله كون الناس متساوون في القدرات العقلية وإن كانت هناك فوارق فكثيرا مايتفوق الضعيف على القوي بالحيلة و الدهاء وكل فرد يعتقد أنه أعرف الناس و راض بما لديه من قدرات عقلية ونفسية وعليه فالعدالة تقتضي المساواة بين جميع الأفراد في الحقوق والواجبات بحكم بطبيعتهم المشتركة ، ومادام الناس متساوون في كل شيء فما على العدالة إلا أن تحترم هذه المساواة ،أما فلاسفة العقد الاجتماعي ، فيؤكدون أن انتقال الإنسان من المجتمع الطبيعي إلى المجتمع السياسي تـمّ بناءً على تعاقد ، وبما أن اللأفراد في المجتمع الطبيعي كانوا يتمتعون بمساواة تامة وكاملة ، لم يكونوا ليقبلوا التعاقد مالم يعتبرهم المتعاقدون معهم مساوين لهم ، فالمساواة شرط قيام العقد ، وبالتالي فالعقد قائم على عدالة أساسها المساواة بين الجميع في الحقوق والواجبات يقول لوك« لما كان الإنسان قد ولد وله حق كامل في الحرية والتمتع بلا قيود بجميع حقوق ومزايا قانون الطبيعة على قدم المساواة مع أي شخص آخر ، فله بالطبيعة الحق في المحافظة على ما يخصه » ولقد جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (يولد جميع الناس أحرارا متساوين في الكرامة و الحقوق ووهبوا عقلا و ضميرا و عليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء دون تمييز ، ولكل فرد حق الحياة و الحرية و سلامة الشخصية والمساواة أمام القانون). في حين أن الإشتراكيين يؤكدون أنه لا عدالة حقيقية دون مساواة فعلية بين الأفراد في الحقوق والواجبات ، ولا تتحقق المساواة دون الإقرار بمبدأ الملكية الجماعية لوسائل الانتاج ، التي تتيح للجميع التمتع بهذا الحق ، لأن الملكية الخاصة تكرّس الطبقية والإستغلال وهي بذلك تقضي على روح المساواة التي هي أساس العدالة .
النقد :
إن أنصار المساواة مثاليون في دعواهم إلى إقامة مساواة مطلقة ، ويناقضون الواقع ، لأن التفاوت الطبيعي أمر مؤكد ، فالناس ليسوا نسخا متطابقة ولا متجانسين في كل شيء ، والفروق الفردية تؤكد ذلك ، ومن ثـمّ ففي المساواة ظلم لعدم إحترام الفروق الفردية الطبيعية وإجحاث في حق العاملين والأقوياء واستغلال من الضعفاء وقد تكون المساواة ذريعة للكسل وإهمال الواجبات وتعطيل لها و تثبيط لعزيمة العاملين والأكفاء فالله سبحانه وتعالى قد فرق بين الناس في القدرات العقلية وفي الميول و الأهواء لذلك قال عز وجل (ورفعنا بعضكم فوق بعض درجات) وذلك ليسخر بعضهم لبعض في الأعمال والإفادة ،إنه أوجد فروقا في القوة و الضعف والعلم و الجهل والمهارة و البلادة و الذكاء و الغباوة ، فلو سوى بينهم في كل الوجوه لم يفد أحدهم أحا و هذا بطبيعته يؤدي إلى خراب الدنيا واستحالة الحياة .
عرض نقيض الاطروحة :
يرى أنصار التفاوت ان العدالة لا تعني بالضرورة المساواة ، بل في المساواة ظلم لعدم احترام الاختلافات بين الناس ، ومن هذا المنطلق فإن العدالة الحقيقة تعني تكريس مبدأ التفاوت ، إذ ليس من العدل ان نساوي بين أناس متفاوتين طبيعيا . ويذهب إلى هذه الوجهة من النظر فلاسفة قدامى ومحدثين وأيضا بعض العلماء في ميدان علم النفس والبيولوجيا .
الحجة :-
فأفلاطون قديما قسم المجتمع الى ثلاث طبقات : طبقة الحكماء وطبقة الجنود وطبقة العبيد ، وهي طبقات تقابل مستويات النفس البشرية: النفس العاقلة والغضبية والشهوانية وهذا التقسيم يرجع إلى الاختلاف بين الأفراد في القدرات والمعرفة والفضيلة ، حيث أن أفلاطون اعتبر هذا التقسيم عين العدل (إن العبيد واهمون إذ يعتقدون في المساواة)، فعلى العدالة أن تحترم هذا التمايز الطبقي ، ومن واجب الدولة أن تراعي هذه الفوارق أيضا وتوزع الحقوق وفق مكانة كل فرد فأرسطو اعتبر التفاوت قانون الطبيعة ، حيث أن الناس متفاوتين بطبيعتهم ومختلفين في قدراتهم وفي إرادة العمل وقيمة الجهد المبذول ، وهذا كله يستلزم التفاوت في الإستحقاق ؛ فلا يجب أن يحصل أناس متساوون على حصص غير متساوية ، أو يحصل أناس غير متساويين على حصص متساوية وفي هذا قال : (ومن هنا تنجم الخصومات و الاعتراضات عندما لا يحصل أناس متساوون على حصص متساوية أو عندما يحصل أناس غير متساوين على حصص متساوية ). وحديثا يؤكد ( هيجل) على مبدأ التفاوت بين الأمم ، وإن الأمة القوية هي التي يحق لها امتلاك كل الحقوق وتسيطر على العالم ، على أساس أنها أفضل الأمم ، وعلى الأمم الأخرى واجب ، هو الخضوع للأمة القوية. وفي نفس الإتجاه ، يذهب ( نيتشه) إلى أن التفاوت بين الأفراد قائم ولا يمكن إنكاره ، فيقسم المجتمع إلى طبقتين : طبقة الأسياد وطبقة العبيد ، وإن للسادة أخلاقهم وحقوقهم ، وللعبيد أخلاقهم وواجباتهم بناءا على مبدأ الحياة الطبيعية و السيطرة والإرادة فالحق مع الأقوى(من يملك القوة يملك الحق) حيث يقول (لا أريد أن يخلطوا بيني وبين هؤلاء المبشرين بالمساواة وذلك لأن العدالة تصرخ بداخلي وتقول ليس الناس متساوين و إني لا أرغب أن يكون بيني وبينهم شيء مشترك) . أما أنصار المذهب الرأسمالي فيقيمون العدل على أساس التفاوت ، فالمساواة المطلقة مستحيلة وفيها ظلم ، إذ لا يجب مساواة الفرد العبقري المبدع بالفرد العادي الساذج ، ولا العامل المجد البارع بالعامل الكسول الخامل ، بل لابد من الاعتراف بهذا التفاوت وتشجيعه ، لأن ذلك يبعث على الجهد والعمل وخلق جو من المنافسة بين المتفاوتين. ويؤكد بعض العلماء أن كل حق يقابله واجب ، غير أن قدرة الأفراد في رد الواجب المقابل للحق متفاوتة في مجالات عدة : فمن الناحية البيولوجية ، هناك إختلاف بين الناس في بنياتهم البيولوجية والجسمانية ، مما ينتج عنه اختلاف قدرتهم على العمل ورد الواجب ، لذلك فليس من العدل مساواتهم في الحقوق ، بل يجب أن نساعد أولئك الذين يملكون أفضل الأعضاء والعقول على الإرتقاء إجتماعيا ، يقول الطبيب الفيزيولوجي الفرنسي ألكسيس كاريل: « بدلا من أن نحاول تحقيق المساواة بين الناس يجب أن نوسع شقي هذه الإختلافات و ننشئ رجالا عظماء » ويقول أيضا(يجب أن نساعد الذين يملكون فضل العقول على الارتفاع وننزع الضعفاء وكل فرد ينبغي أن يحصل على مكانه الطبيعي) . ومن الناحية النفسية ، نجد تمايز بين الأفراد من حيث مواهبهم وذكائهم وكل القدرات العقلية الأخرى ، ومن العبث أن نحاول مساواة هؤلاء المتفاوتون طبيعيا .ومن الناحية الاجتماعية ، فالناس ليسوا سواء ، فهناك الغني الذي يملك والفقير الذي لا يملك ، والملكية حق طبيعي للفرد ، وليس من العدل نزع هذه الملكية ليشاركه فيها آخرين بدعوى المساواة .
النقد :
إن التفاوت الطبيعي بين الأفراد أمر مؤكد ولا جدال فيه ، غير أنه لا ينبغي أن يكون مبررا لتفاوت طبقي أو إجتماعي أو عرقي عنصري . كما قد يكون الإختلاف في الإستحقاق مبنيا على فوارق إصطناعية لا طبيعية فيظهر تفاوت لا يحترم فيه الفروق الفردية ويترتب عنه ظلم كبير لذلك فالعدل يجب يكمن في احترام الكرامة لذا يقول برودون (إن العدل يكمن في احترام الكرامة الإنسانية ) بينما يدعو " كانط " في كتابة مشروع السلام الدائم إلى نظام دولي جديد ترتكز فيه العلاقات على الديمقراطية والمساواة والعدل و هكذا فإن الاعتماد على التفاوت في تحقيق العدل فيه ظلم للناس .
التركيب :
إن المساواة المطلقة مستحيلة ، والتفاوت الاجتماعي لا شك أنه ظلم ، ولهذا فالعلماء المسلمون يرو أن العدل يقوم من جهة على المساواة ومن جهة أخرى على التفاوت لكن ليس التفاوت الذي نراعي فيه الفوارق الاجتماعية وإنما الذي تتم فيه مراعاة الفوارق الطبيعية فالعدالة القانونية تقوم على المساواة المطلقة هي و العدالة التبادلية أو التعويضية بينما العدالة التوزيعية يتم فيها مراعاة الفوارق الطبيعية أو الفردية فتوزيع خيرات البلاد من مناصب شغل وثروات أخرى يتم من خلال مبدأ الاستحقاق فالرجل المناسب في المكان المناسب .
حل المشكلة :
وهكذا يتضح أن العدالة هي ما تسعى المجتمعات قديما وحديثها إلى تجسيدها ، ويبقى التناقض قائما حول الأساس الذي تبنى عليه العدالة ، ومن هنا فالعدل ليس تفاوتا ولا مساواة إنما الاثنان معا كما أن العدل لا يقف عند هذا الحد بل يتجاوزه أحيانا فالعدل معناه أن يكون الناس ناهضين بالمسؤوليات العامة متعاونين و مشتركيين في الخير فيهيئون بذلك فرصة لكل فرد في العمل و الحرية و الحياة الكريمة ، إن العدل هو الاحترام الصارم لحقوق كل ذي كرامة و إعطاء كل ذي حق حقه وهو صد لكل الاحتيالات و الشرور التي من شأنها أن تحط من قيمة الإنسان.
هل المنافسة الحرة جديرة بتحقيق الازدهار الاقتصادي ورفاهية الإنسان ؟
المقدمة :
إن العمل كلمة متداولة في حياتنا اليومية يقصد بها الوظيفة التي يحصل عليها الفرد ومن خلالها يوفر مطالبه أو حاجياته اليومية أما لغة فهو لفظ مرادف للشغل وهذا الأخير مأخوذ من اسم المفعول مشغول بمعنى ليس فارغا وهو يعني النشاط الذي يزاوله الإنسان من أجل إنجاز شيء ما أما اصطلاحا فهو كل جهد عضلي أو فكري يهدف إلى تحقيق أثر نافع أو هو فاعلية إنسانية إلزامية واعية تهدف إلى تحقيق منفعة معينة مثل تغيير الطبيعة و ترقية الإنسان من نتائجه ظاهرة التبادل التي اتخذت أشكالا متعددة منها المقايضة ..وظهور الملكية و الثروة بأنواعها وكذلك ظهور الأنظمة الاقتصادية ،وإذا كان لكل تنظيم إقتصادي أسس وقواعد يقوم عليها بعضها مادي و البعض الآخر أيديولوجي فهل ياترى أن النظام اللبرالي جدير بتحقيق الازدهار الاقتصادي أم أن هذا يعود إلى النظام الاشتراكي وحده؟
عرض الأطروحة : المنافسة الحرة جديرة بتحقيق الازدهار الاقتصادي (فلسفة النظام الرأسمالي )
لقد ظهر النظام الرأسمالي متأثرا بالأنظمة الفردية السابقة فآمن بدور الفرد في المجتمع والملكية المطلقة فركز على مصلحة الفرد وجعل الدولة جهاز يعمل على حماية الفرد ومصالحه , منها حفظ حرياته في التعامل الاقتصادي وفتح المجال العام بما يسمح له بالتملك والإنتاج والبيع وهذا يبعث على التنافس الشديد بين الناس وعليه تقوم العدالة.
فأنصار النظام الليبيرالي " الحزب الفيزيوقراطي "ينبى شعارهم على فكرة ( دع الطبيعة تعمل ما تشاء دعه يمر بما شاء ) وهي عبارة مشهورة عند أدم أسميث " دعه يعمل دعه يمر " فحفظ المصلحة الخاصة أحسن ضمان لحفظ المصلحة العامة . وبهذا يكون رأس المال مصدر لإنتاج كل القيم الإقتصادية .
المبررات:
ودليلهم على ذلك أن الشؤون الاقتصادية مثل الظواهر الطبيعية تخضع لنظام طبيعي إلهي لا لقوانين الدولة , فالقانون الطبيعي وحده المنظم لعلاقات السوق والعمل وهو ما يعرف بقانون العرض والطلب الذي يحدد العلاقة بين العامل ورب العمل فهو القانون الذي يحدد الأسعار و أجور العمال والذي يسير بطريقة آلية تلقائية ( العرض +الطلب = السعر) فإذا ازداد الطلب وقل العرض فإن السلعة تباع بثمن تجاري يطرق الربح بالرأسماليين وترتفع أجور العمال بينما تلحق الخسارة بالمستهلكين ،أما إذا قل الطلب وزاد العرض فإن ذلك يؤدي إلى إفلاس الرأسماليين وانخفاض الأجور، إذ تصبح لا تتناسب مع الجهد المبذول ،و في هذه الحالة في صالح المستهلك بينما إذا تساوى العرض والطلب فإن السلعة تباع بثمنها الطبيعي و هذا في صالح المستهلكين و الرأسماليين معا و تبقى الأجور على حالها بالنسبة للعمال، وفي هذا الاتجاه التنافس كفيل بتحقيق العدالة الاجتماعية ، فالحرية والمنافسة الإقتصادية تسمح بتطور وزيادة الإنتاج مع النوعية و بسعر أقل مما يضمن مصلحة الجميع ( المنتج و المستهلك ) ومنه تحقق الزيادة في الثروة ورفاهية الجميع .
نقد :
تبنى الفلسفة الرأسمالية على إعتبار مصلحة الفرد هي مصلحة الجميع ،لكن لا تخدم إلا مصالح فئوية أي المالكة لرأس المال فقانون السوق لا يسير بطريقة طبيعية بل تتحكم فيه المؤسسات الإقتصادية عن طريق التكتلات الإقتصادية ( نظام الكارتيلات أو بالإحتكار و المضاربة ) كما يتعكس إيجابا على صاحب رأس المال بالزيادة في الثروة وهامش الربح وسلبا على العامل في حالة قلة الطلب بخفض الأجرة أو التسريح من العمل لذا تخلق الرأسمالية نظاما استغلاليا طبقيا ومجتمعا ماديا جشعا مما ترتب عنه ظهور شركات كبرى أدت إلى ظهور الأسلحة والحروب والتوترات من أجل بيع أسلحته التي تعتبر سلعة مربحة و الدليل على هذا دول العالم الثالث وفي هذا يقول جوريسكا( إن الرأسمالية تحمل الحروب كما يحمل السحاب المطر) ،
عرض نقيض الأطروحة : الاقتصاد الموجه جدير بتحقيق الازدهار الاقتصادي .( فلسفة النظام الإشتراكي)
في وقت بلغت فيه الرأسمالية قوتها وتحولت إلى توسع استعماري يلتهم خيرات الشعوب الضعيفة والبنوك هي المحرك الوحيد لعقول الناس ووجدت من أجل التدمير كما أشار إليها تشومبيتر في قوله : (الرأسمالية مذهب وجد ليدمر) ، ظهرت الماركسية كنظام إقتصادي يكشف عن التناقضات الموجودة في الرأسمالية , وتطالب بتدخل الدولة في تنظيم الاقتصاد , وهنا ما عمل على توضيحه " كارل ماركس "من خلال كتابه " رأس المال " الذي عمل فيه على فضح الرأسمالية فقال " الرأسمالية تحمل في طياتها آيات بطلانها " وكشف عن نظريته في الاشتراكية التي تقوم على قواعد مخالفة تماما لتلك التي قامت عليها الرأسمالية , فأقر بالملكية العامة لوسائل الإنتاج وذلك للقضاء على الظلم و استغلال الإنسان لأخيه الإنسان وبث ،روح الجماعية والمسؤولية الجماعية في العمل واعتبار الدولة هي الرأس المدبر و المخطط الأول و الأخير وهذا للقضاء على التنافس الذي يؤدي إلى الصراع وتحكم الفئة الثرية في المؤسسات الاقتصادية بحكم تعارض المصالح كما فتح المجال أمام نظام النقابات وذلك لحماية حقوق العمال واعتبار العامل لإنتاج كل القيم وتجنب للتضخم و الإفلاس الإقتصادي ووضع مخططا إقتصادي استراتيجي يحدد العملية الإنتاجية و التيسير العقلاني للثروات و المنتجات حسب حاجيات المجتمع في فترة معينة
البرهنة :
إذا كان العامل هو محور العملية الإنتاجية فينبغي تحسين مستواه المعيشي وتلبية متطلباته الضرورية فبتحقيق عدالة إجتماعية يمكن تحقيق توازن إقتصادي ثم إنه لن تتحقق العدالة الإجتماعية إلا بإلغاء الفوارق و نزع الملكية الفردية .
نقد :
هذا النظام نجح في القضاء على الطبقية وخفف من معاناة العمال إلا أنه لم يحقق التطور الاقتصادي المحدد مسبقا بدليل عدم ظهور الشيوعية و ذلك لأسباب موضوعية لم تلاحظها الماركسية ومنها بعد النظرية عن طبيعة الإنسان بمنعها لحق التملك فبإلغاء الملكية الفردية والتي تعتبر حق طبيعي لا يسقط لن تتحقق العدالة الإجتماعية التي يصبو إليها هذا النظام (الإشتراكية تتعارض مع الطبيعة البشرية) وبإلغاء الملكية إلغاء للحوافز المادية للزيادة في الإنتاج و المشجعة للعامل فهي مدعاة للكسل و الإهمال وما يترتب عنه من ركود اقتصادي و تخلف بالإضافة إلى ظهور المحسوبية و الرشوة وضعف الإنتاج في ظل غياب المنافسة وكثرة البطالة هذا بالإضافة إلى الخيال النظري الشيوعي الذي أدى إلى سوء تقدير الواقع و النتائج الاقتصادية .
التركيب : (فلسفة الإقتصاد الإسلامي)
إذا كان النظام الاقتصادي الرأسمالي اهتم بالفرد بإطلاق حرية المنافسة والنظام الاقتصادي الاشتراكي اهتم بالجماعة بتقييده لحرية الفرد , فإن كلتا النظريتين فيهما إجحاف وتبقى النظرة الموجهة إلى الاقتصاد الإسلامي الذي يتجاوزهما إلى الاهتمام بالفرد والجماعة وذلك بوضع الشرع شروطا للكسب المشروع فقيد طرق تحصيله بضوابط أخلاقية فحرمت الربى و الاحتكار و الغش لقوله سبحانه وتعالى (وأحل الله البيع وحرم الربا) حتى لا يتخذ من المال قوة استغلالية و أوجب صرفه باعتدال بلا تقتير و لا تبذير كما أوجبت للآخرين حق الملكية لمساهمتهم في وجودها فتقدم المصلحة العامة على المصلحة الفردية وبخلق روح جماعية بدل الفردية حثت على أشكال التكافئ ( الصدقة والبر والإحسان والقرض ) وأوجب الزكاة لمنع تمركز رأس المال لدى الفرد والتفجع إلى تنمية المال واستثماره بدل ادخاره فينتفع من الثروة الغني و الفقير وتتقلص الهوة بين الأغنياء والفقراء وقد توعد الله المنكرين بأشد العقاب يوم القيام لقوله تعالى (والذين يكنزون الذهب و الفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم)التوبة 34 وقال عليه الصلاة والسلام ( ليس منا من بات شبعان وجاره جائع) ، ثم إن هذا النظام ينادي بتحقيق العدالة و التكافل الإجتماعيين بطرق أخلاقية وعملية ، فالإنسان هو محور العملية الإقتصادية في الإسلام فهو يدعوا و يلح على العمل و الكسب الشريف و يوصي به
النقد :
إن تحقيق الأساس الأخلاقي في المعاملات الاقتصادية و التجارية أمر ليس بالسهل على الاطلاق فهو مرتبط بعمال آخر يتمثل في التربية التي هي صناعة الانسان قبل كل شيء وذلك بتلقينه المبادئ الأخلاقية حتى يتسنى له تطبيقها بعد ذلك مادام هو محور العملية الاقتصادية فالواقع يؤكد أن غالبية الناس في معاملاتهم التجارية و الاقتصادية يتغلب عليهم الطبع (القائم على الأنانية وحب المصلحة الذاتية ) على التطبع الذي يشمل حب الغير .
الخاتمة :
إن المنافسة الحرة وإن كانت تساهم في التطور الاقتصادي فإنها سبب في الصراع الاجتماعي وضحيته الإنسان الضعيف وسبب في ظهور الاستغلال والأمن . والتفكير في التنظيم الاقتصادي نتيجته الوقوف على أنظمة اقتصادية مختلفة والمنافسة المطلقة ليست وحدها كفيلة بتحقيق الرخاء الاقتصادي فلو سادت تعاليم الدين الإسلام و قواعده في مجتمع ما وخضع فيه النظام الاقتصادي للسلوك الأخلاقي لكان مجتمعا تتقارب طبقاته فلا فقير بائس ولا مرقع ولا غني جشع متوحش و لكان مجتمع يخلو من تعسف الأغنياء بالفقراء و تحل فيه أهم المشاكل التي عجز الاقتصاد وحده عن حلها ،ومن هنا يكون النظام الاقتصادي الإسلامي هو الكفيل بذلك والذي يجعل من المال كوسيلة وليس كغاية يقول تعالى( المال و البنون زينة الحياة الدنيا و الباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا).
المقدمة :
شاع التعريف السقراطي للعدالة (إعطاء كل ذي حق حقه) فهل يعني ذلك أن فكرة العدالة تتأسس على امتلاك الحقوق وتوزيعها قبل أداء الواجبات ولكن الحق ادعاء يمنحنا إياه المجتمع مقابل الالتزام الاجتماعي أفلا يمكن القول أن العدالة تتأسس حسب تعريف أفلاطون ( أداء الفرد لواجبه وامتلاكه لما يخصه ) بمعنى أولوية الواجب على الحق ؟
عرض الأطروحة :
أسبقية الحق على الواجب ( حسب فلاسفة القانون الطبعي شيشرون وولف – والعقد الاجتماعي )
تقتضي العدالة أن تتقدم الحقوق على الواجبات ، فالحقوق مرتبطة بالقانون الطبيعي الذي يكشفه العقل من الطبيعة البشرية يقول وولف ( كلما تكلمنا عن القانون الطبيعي لا ينبغي مطلقا قانونا طبيعيا ، بل بالأحرى الحق الذي يتمتع به الإنسان بفضل ذلك القانون ) والحقوق ليست مقدمة على الواجبات فحسب بل على سلطة الدولة أيضا ، فالدولة نتيجة عقد واتفاق بين الأفراد لحماية حقوقهم وهي مقيدة بالقوانين الطبيعية يقول جون لوك (لما كان الإنسان قد ولد ,كما له حق في الحرية وفي التمتع بلا قيود بجميع حقوق ومزايا قانون الطبيعة، على قدم المساواة مع أي شخص آخر، أو أي عدد من الأشخاص في العالم ، فإن له بالطبيعة الحق لا في المحافظة على ما يخصه أي حياته وحريته وممتلكاته ضد اعتداء الآخرين ، أو محاولتهم العدوانية فحسب ، بل أيضا في أن يحاكم الآخرين على خرقهم هذا القانون ومعاقبتهم بما يعتقد أن جريمتهم تستحقه من العقاب) .
المبررات :
فحق الفرد سابق عن الواجب من منطلق أن الحقوق الطبيعية ملازمة للطبيعة البشرية وسابقة عن وجود الدولة والمجتمع فانضمام الفرد للجماعة والعقد لم يكن لضمان الحقوق ، فالثورات والمواثيق الدولية تعزز هذا الطرح ، فقد جاء في إعلان حقوق الإنسان و المواطن الصادر في 1789 للثورة الفرنسية مايلي : ( هدف كل جماعة سياسية هو المحافظة على حقوق الإنسان الطبيعية التي لا يمكن أن تسقط) وهذه الحقوق هي الحرية و الملكية والأمن ومقاومة الاضطهاد، وكذلك الهيئة الدولية المتمثلة في منظمة الأمم المتحدة التي أصدرت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حيث أعطت الألوية لحقوق الإنسان على واجبات الفرد وقد جاء في هذا الإعلان مايلي ( يولد جميع الناس أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق ، وقد وهبوا عقلا وضميرا ، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضا بروح الإخفاء ) .
النقد :
في تقديس الحقوق وتقديمها على الواجبات اختلال في توازن الحياة الاجتماعية ، فبتقديس الحرية والملكية مساهمة في سلب حقوق الضعفاء وتدعيم سلطة الأقوياء وتعطيل للوظائف الاجتماعية ،وإلا كيف نفسر الهيمنة الاستعمارية من أطراف تدعي حماية حقوق الإنسان ،فالشعوب التي خضعت للاستعمار وما تبعه من أمية وتخلف اجتماعي وتعطل في التنمية أليس من حقها المساعدة ،أليس من واجب الاستعمار إصلاح ما أفسده؟ ومن هنا تكون فكرة الحياة الطبيعية والعقد الاجتماعي فكرة ساذجة تحمل بعدا ايديولوجيا وفلسفيا وفي ايلاء الاولوية للحقوق فتح للباب امام النزوات التي تؤدي الى الصرعات.
عرض نقيض الأطروحة : أولوية الواجب عن الحق بمقتضى اخلاقي او اجتماعي
تتأسس فكرة العدالة عند كانط على أساس فلسفة الواجب الأخلاقي لا فلسفة الحق لذلك يقدم الواجب على الحق لأن الواجب الأخلاقي يستلزم الخضوع والانصياع له دون النظر إلى ما يترتب عن ذلك من مقابل منفعة (الحق) فالواجب أمر صوري عقلي مطلق غاية في حد ذاته ( الواجب ليس واجب على دون غيري وليس واجب علي في ظرف دون آخر) كالصدقة و الإحسان والإتقان في العمل لا يدافع كسب ثقة الآخرين بل لكون الإتقان واجب أخلاقي فعندما تقوم بعمل في نظر إيمانويل كانط من أجل الحصول على منفعة لا يعد فعلا أخلاقيا بل الفعل الأخلاقي هو الذي يقوم به صاحبه من أجل الواجب لا غير فالصانع يجب عليه أن يتقن صنعته بغض النظر عن ثناء الناس يقول إيمانويل كانط (شيئان يملأن نفسي إعجابا ، السماء المرصعة بالنجوم فوق رأسي ، والضمير الخلقي الذي يسري في صدري) لأن الالتزام بالواجب الأخلاقي مقتضى عقلي وهذا ما يجعل من الارادة الخيرة مصدرا لكل تشريع فهي منبع العدالة، وبمقتضى اجتماعي فالعدالة في الالتزام و الخضوع للقوانين (القيام بالواجبات) لكون القوانين صادرة عن طبيعة الإنسان العاقلة والوجدانية من جهة ولكونها مطابقة للحق من جهة أخرى وفي أداء الوجبات انعكاس للطابع الاجتماعي وتكريس لقيم أخلاقية من إثار وتضحية ولما في المطالبة بالحقوق من نزعة فردية وأنانية ، وقد جسد المتصوفة فكرة الواجب والطاعة الإلاهية من منطلق الحب الإلاهية ( الرابعة العدوانية كنموذج على ذلك)
المبررات :
يقترن مفهوم الواجب بالتضحية والإثار وهي قيم أخلاقية سامية فالواجب يفرض الضمير لا المصلحة والحق على عكس فكرة المنطق التي تعد فكرة منافية للأخلاق كونها تفترض مبدأ الذاتية الفردية بينما الأخلاق ذات طابع موضوعي ففكرة الواجب أوسع من فكرة الحق والواجبات الأخلاقية يفرضها ويلزمها الضمير دون وجود حقوق مقابل لها ، فالقرض مثلا واجب إنساني وأخلاقي ولكن ليس من حق المقترض إجبار أو إلزام المقرض على ذلك
النقد :
في الطرح الأخلاقي أو الاجتماعي هدم للعدالة من أساسها لأن في تغليب الواجبات وتجاهل الحقوق وتشريع للظلم و الاستغلال ولا ينسجم مع طبيعة الإنسان وكل قانون يحدد واجب إلا وحدد مقابل له فلا واجب دون حق ، فالمؤمن يقوم بواجبه في العائلة والعمل أو في جميع مناحي الحياة يلزمه مع ذلك الخوف من الله تعالى وابتغاء مرضاته و الأمل في المغفرة أي أنه يسعى للحصول على منفعة آجلة (يوم القيامة) ،لكن إيمانويل كانط يرفض تأسيس الأخلاق على المنفعة لهذا تبقى أخلاقا صورية أو شكلية وهي لا تتناسب مع الطبيعة البشرية. .
التركيب :
كل إنسان له الحق في أن يطالب بحقه ولكن عليه واجب ينبغي أن يؤديه و إذا كان كل واحد أدى واجبه الشخصي والاجتماعي يعيش المجتمع في سعادة وهناء ويرى أوجيست كونت أن الأفراد إذا قام كل واحد منهم بواجبه تجاه الآخرين لتحققت حقوق الجميع من دون مطالبة بها لأن المطالبة بالحقوق تخل بالتوازن الاجتماعي وتفتح الباب على مصراعيه للرغبات الشخصية و بالخصوص عندما نلاحظ أعمال الناس في الواقع نجد أن الإنسان يطالب باستمرار أكثر مما يستحق إرضاء لموله الغريزية التي تتنافى مع الحياة الاجتماعية و تجعل الأشخاص يعتدون على حقوق غيرهم بحيث لو قام كل الناس بواجباتهم الحقيقية التي تتضمن حقوق غيرهم لما وجدت المطالبة بالحقوق
الاستنتاج :
وختاما نستنتج أنه إذا كان الحق مطلب و مكسب اجتماعي وطبيعي و الواجب هو الالتزام مقابل الحق ، فالحياة الاجتماعية لا تقوم إلا بالاثنين معا ، فالتعاملات (المعاملات هي تبادل للحقوق والواجبات ) ، و إذا كان الحق سابق منطقيا فذلك يعني امتلاكه بل تحديده كدافع للقيام بالواجب ، فبالتزام الجميع بأداء الواجبات فالكل يضمن حقوقه وإن كانت تقتضي الإنسانية والأخلاقية تقتضي من الإنسان أن يتنازل في بعض المواثق عن بعض حقوقه فعلاقات العمل مثلا كلما قام العامل بواجبه طالبه صاحب العمل بواجب أكبر وكذا الخضوع للاستعمار يعد من الواجبات في نظر المستعمر فلا يحق للشعوب أن تطالب بحقوقها فالعدالة الحقيقية هي التي تقيم التوازن بين الحقوق والواجبات .
هل تتأسس العدالة الاجتماعية على المساواة أم على التفاوت ؟
طرح المشكلة :
إن العدالة عامة هي كلمة متداولة في حياتنا اليومية يقصد بها المساواة فإذا سوينا بين الناس فقد أقما العدالة أما لغة فهي مرادفة للقسط و الإنصاف ومن الناحية الاصطلاحية عرفت بالعديد من التعريفات منها أنها إعطاء لكل ذي حق حقه ضد الظلم ،فمفهوم العدل لم يصبح شائعا في يومنا هذا إلا بعد الثورات التي قامت في العالم فصار بذلك كثيرا ما يقترن بمفهوم المساواة فيعتقد أن العدل في المساواة أما الظلم ففي التفاوت ولكن أليست المساواة المطلقة ظلما؟ فقد اختلف الكثير من المفكرين في الإجابة عن هذا السؤال فالبعض منهم يقول بالمساواة لأنها عدل و البعض الآخر يرفضها لأنها ظلم ، فهل العدل في التفاوت أم في المساواة وهل كل تفاوت يعد ظلما؟
محاولة حل المشكلة :
عرض الاطروحة:
يرى أنصار المساواة أن العدالة تتأسس على المساواة ، على اعتبار أن العدالة الحقيقية تعني المساواة بين جميع الأفراد في الحقوق والواجبات وأمام القانون ، وأي تفاوت بينهم يعد ظلم ، ويدافع عن هذا الرأي فلاسفة القانون الطبيعي وفلاسفة العقد الاجتماعي وكذا أنصار المذهب الاشتراكي .
الحجة :-
إن العدالة تتأسس على المساواة بين الأفراد في الحقوق والواجبات بحكم وحدة الطبيعة البشرية ، « فليس هناك شيء أشبه بشيء من الانسان بالإنسان فلنا جميعا عقل ولنا جميعا حواس و إن إختلفنا في العلم فنحن متساوون في القدرة على التعلم » يبرر شيشرون قوله كون الناس متساوون في القدرات العقلية وإن كانت هناك فوارق فكثيرا مايتفوق الضعيف على القوي بالحيلة و الدهاء وكل فرد يعتقد أنه أعرف الناس و راض بما لديه من قدرات عقلية ونفسية وعليه فالعدالة تقتضي المساواة بين جميع الأفراد في الحقوق والواجبات بحكم بطبيعتهم المشتركة ، ومادام الناس متساوون في كل شيء فما على العدالة إلا أن تحترم هذه المساواة ،أما فلاسفة العقد الاجتماعي ، فيؤكدون أن انتقال الإنسان من المجتمع الطبيعي إلى المجتمع السياسي تـمّ بناءً على تعاقد ، وبما أن اللأفراد في المجتمع الطبيعي كانوا يتمتعون بمساواة تامة وكاملة ، لم يكونوا ليقبلوا التعاقد مالم يعتبرهم المتعاقدون معهم مساوين لهم ، فالمساواة شرط قيام العقد ، وبالتالي فالعقد قائم على عدالة أساسها المساواة بين الجميع في الحقوق والواجبات يقول لوك« لما كان الإنسان قد ولد وله حق كامل في الحرية والتمتع بلا قيود بجميع حقوق ومزايا قانون الطبيعة على قدم المساواة مع أي شخص آخر ، فله بالطبيعة الحق في المحافظة على ما يخصه » ولقد جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (يولد جميع الناس أحرارا متساوين في الكرامة و الحقوق ووهبوا عقلا و ضميرا و عليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء دون تمييز ، ولكل فرد حق الحياة و الحرية و سلامة الشخصية والمساواة أمام القانون). في حين أن الإشتراكيين يؤكدون أنه لا عدالة حقيقية دون مساواة فعلية بين الأفراد في الحقوق والواجبات ، ولا تتحقق المساواة دون الإقرار بمبدأ الملكية الجماعية لوسائل الانتاج ، التي تتيح للجميع التمتع بهذا الحق ، لأن الملكية الخاصة تكرّس الطبقية والإستغلال وهي بذلك تقضي على روح المساواة التي هي أساس العدالة .
النقد :
إن أنصار المساواة مثاليون في دعواهم إلى إقامة مساواة مطلقة ، ويناقضون الواقع ، لأن التفاوت الطبيعي أمر مؤكد ، فالناس ليسوا نسخا متطابقة ولا متجانسين في كل شيء ، والفروق الفردية تؤكد ذلك ، ومن ثـمّ ففي المساواة ظلم لعدم إحترام الفروق الفردية الطبيعية وإجحاث في حق العاملين والأقوياء واستغلال من الضعفاء وقد تكون المساواة ذريعة للكسل وإهمال الواجبات وتعطيل لها و تثبيط لعزيمة العاملين والأكفاء فالله سبحانه وتعالى قد فرق بين الناس في القدرات العقلية وفي الميول و الأهواء لذلك قال عز وجل (ورفعنا بعضكم فوق بعض درجات) وذلك ليسخر بعضهم لبعض في الأعمال والإفادة ،إنه أوجد فروقا في القوة و الضعف والعلم و الجهل والمهارة و البلادة و الذكاء و الغباوة ، فلو سوى بينهم في كل الوجوه لم يفد أحدهم أحا و هذا بطبيعته يؤدي إلى خراب الدنيا واستحالة الحياة .
عرض نقيض الاطروحة :
يرى أنصار التفاوت ان العدالة لا تعني بالضرورة المساواة ، بل في المساواة ظلم لعدم احترام الاختلافات بين الناس ، ومن هذا المنطلق فإن العدالة الحقيقة تعني تكريس مبدأ التفاوت ، إذ ليس من العدل ان نساوي بين أناس متفاوتين طبيعيا . ويذهب إلى هذه الوجهة من النظر فلاسفة قدامى ومحدثين وأيضا بعض العلماء في ميدان علم النفس والبيولوجيا .
الحجة :-
فأفلاطون قديما قسم المجتمع الى ثلاث طبقات : طبقة الحكماء وطبقة الجنود وطبقة العبيد ، وهي طبقات تقابل مستويات النفس البشرية: النفس العاقلة والغضبية والشهوانية وهذا التقسيم يرجع إلى الاختلاف بين الأفراد في القدرات والمعرفة والفضيلة ، حيث أن أفلاطون اعتبر هذا التقسيم عين العدل (إن العبيد واهمون إذ يعتقدون في المساواة)، فعلى العدالة أن تحترم هذا التمايز الطبقي ، ومن واجب الدولة أن تراعي هذه الفوارق أيضا وتوزع الحقوق وفق مكانة كل فرد فأرسطو اعتبر التفاوت قانون الطبيعة ، حيث أن الناس متفاوتين بطبيعتهم ومختلفين في قدراتهم وفي إرادة العمل وقيمة الجهد المبذول ، وهذا كله يستلزم التفاوت في الإستحقاق ؛ فلا يجب أن يحصل أناس متساوون على حصص غير متساوية ، أو يحصل أناس غير متساويين على حصص متساوية وفي هذا قال : (ومن هنا تنجم الخصومات و الاعتراضات عندما لا يحصل أناس متساوون على حصص متساوية أو عندما يحصل أناس غير متساوين على حصص متساوية ). وحديثا يؤكد ( هيجل) على مبدأ التفاوت بين الأمم ، وإن الأمة القوية هي التي يحق لها امتلاك كل الحقوق وتسيطر على العالم ، على أساس أنها أفضل الأمم ، وعلى الأمم الأخرى واجب ، هو الخضوع للأمة القوية. وفي نفس الإتجاه ، يذهب ( نيتشه) إلى أن التفاوت بين الأفراد قائم ولا يمكن إنكاره ، فيقسم المجتمع إلى طبقتين : طبقة الأسياد وطبقة العبيد ، وإن للسادة أخلاقهم وحقوقهم ، وللعبيد أخلاقهم وواجباتهم بناءا على مبدأ الحياة الطبيعية و السيطرة والإرادة فالحق مع الأقوى(من يملك القوة يملك الحق) حيث يقول (لا أريد أن يخلطوا بيني وبين هؤلاء المبشرين بالمساواة وذلك لأن العدالة تصرخ بداخلي وتقول ليس الناس متساوين و إني لا أرغب أن يكون بيني وبينهم شيء مشترك) . أما أنصار المذهب الرأسمالي فيقيمون العدل على أساس التفاوت ، فالمساواة المطلقة مستحيلة وفيها ظلم ، إذ لا يجب مساواة الفرد العبقري المبدع بالفرد العادي الساذج ، ولا العامل المجد البارع بالعامل الكسول الخامل ، بل لابد من الاعتراف بهذا التفاوت وتشجيعه ، لأن ذلك يبعث على الجهد والعمل وخلق جو من المنافسة بين المتفاوتين. ويؤكد بعض العلماء أن كل حق يقابله واجب ، غير أن قدرة الأفراد في رد الواجب المقابل للحق متفاوتة في مجالات عدة : فمن الناحية البيولوجية ، هناك إختلاف بين الناس في بنياتهم البيولوجية والجسمانية ، مما ينتج عنه اختلاف قدرتهم على العمل ورد الواجب ، لذلك فليس من العدل مساواتهم في الحقوق ، بل يجب أن نساعد أولئك الذين يملكون أفضل الأعضاء والعقول على الإرتقاء إجتماعيا ، يقول الطبيب الفيزيولوجي الفرنسي ألكسيس كاريل: « بدلا من أن نحاول تحقيق المساواة بين الناس يجب أن نوسع شقي هذه الإختلافات و ننشئ رجالا عظماء » ويقول أيضا(يجب أن نساعد الذين يملكون فضل العقول على الارتفاع وننزع الضعفاء وكل فرد ينبغي أن يحصل على مكانه الطبيعي) . ومن الناحية النفسية ، نجد تمايز بين الأفراد من حيث مواهبهم وذكائهم وكل القدرات العقلية الأخرى ، ومن العبث أن نحاول مساواة هؤلاء المتفاوتون طبيعيا .ومن الناحية الاجتماعية ، فالناس ليسوا سواء ، فهناك الغني الذي يملك والفقير الذي لا يملك ، والملكية حق طبيعي للفرد ، وليس من العدل نزع هذه الملكية ليشاركه فيها آخرين بدعوى المساواة .
النقد :
إن التفاوت الطبيعي بين الأفراد أمر مؤكد ولا جدال فيه ، غير أنه لا ينبغي أن يكون مبررا لتفاوت طبقي أو إجتماعي أو عرقي عنصري . كما قد يكون الإختلاف في الإستحقاق مبنيا على فوارق إصطناعية لا طبيعية فيظهر تفاوت لا يحترم فيه الفروق الفردية ويترتب عنه ظلم كبير لذلك فالعدل يجب يكمن في احترام الكرامة لذا يقول برودون (إن العدل يكمن في احترام الكرامة الإنسانية ) بينما يدعو " كانط " في كتابة مشروع السلام الدائم إلى نظام دولي جديد ترتكز فيه العلاقات على الديمقراطية والمساواة والعدل و هكذا فإن الاعتماد على التفاوت في تحقيق العدل فيه ظلم للناس .
التركيب :
إن المساواة المطلقة مستحيلة ، والتفاوت الاجتماعي لا شك أنه ظلم ، ولهذا فالعلماء المسلمون يرو أن العدل يقوم من جهة على المساواة ومن جهة أخرى على التفاوت لكن ليس التفاوت الذي نراعي فيه الفوارق الاجتماعية وإنما الذي تتم فيه مراعاة الفوارق الطبيعية فالعدالة القانونية تقوم على المساواة المطلقة هي و العدالة التبادلية أو التعويضية بينما العدالة التوزيعية يتم فيها مراعاة الفوارق الطبيعية أو الفردية فتوزيع خيرات البلاد من مناصب شغل وثروات أخرى يتم من خلال مبدأ الاستحقاق فالرجل المناسب في المكان المناسب .
حل المشكلة :
وهكذا يتضح أن العدالة هي ما تسعى المجتمعات قديما وحديثها إلى تجسيدها ، ويبقى التناقض قائما حول الأساس الذي تبنى عليه العدالة ، ومن هنا فالعدل ليس تفاوتا ولا مساواة إنما الاثنان معا كما أن العدل لا يقف عند هذا الحد بل يتجاوزه أحيانا فالعدل معناه أن يكون الناس ناهضين بالمسؤوليات العامة متعاونين و مشتركيين في الخير فيهيئون بذلك فرصة لكل فرد في العمل و الحرية و الحياة الكريمة ، إن العدل هو الاحترام الصارم لحقوق كل ذي كرامة و إعطاء كل ذي حق حقه وهو صد لكل الاحتيالات و الشرور التي من شأنها أن تحط من قيمة الإنسان.
هل المنافسة الحرة جديرة بتحقيق الازدهار الاقتصادي ورفاهية الإنسان ؟
المقدمة :
إن العمل كلمة متداولة في حياتنا اليومية يقصد بها الوظيفة التي يحصل عليها الفرد ومن خلالها يوفر مطالبه أو حاجياته اليومية أما لغة فهو لفظ مرادف للشغل وهذا الأخير مأخوذ من اسم المفعول مشغول بمعنى ليس فارغا وهو يعني النشاط الذي يزاوله الإنسان من أجل إنجاز شيء ما أما اصطلاحا فهو كل جهد عضلي أو فكري يهدف إلى تحقيق أثر نافع أو هو فاعلية إنسانية إلزامية واعية تهدف إلى تحقيق منفعة معينة مثل تغيير الطبيعة و ترقية الإنسان من نتائجه ظاهرة التبادل التي اتخذت أشكالا متعددة منها المقايضة ..وظهور الملكية و الثروة بأنواعها وكذلك ظهور الأنظمة الاقتصادية ،وإذا كان لكل تنظيم إقتصادي أسس وقواعد يقوم عليها بعضها مادي و البعض الآخر أيديولوجي فهل ياترى أن النظام اللبرالي جدير بتحقيق الازدهار الاقتصادي أم أن هذا يعود إلى النظام الاشتراكي وحده؟
عرض الأطروحة : المنافسة الحرة جديرة بتحقيق الازدهار الاقتصادي (فلسفة النظام الرأسمالي )
لقد ظهر النظام الرأسمالي متأثرا بالأنظمة الفردية السابقة فآمن بدور الفرد في المجتمع والملكية المطلقة فركز على مصلحة الفرد وجعل الدولة جهاز يعمل على حماية الفرد ومصالحه , منها حفظ حرياته في التعامل الاقتصادي وفتح المجال العام بما يسمح له بالتملك والإنتاج والبيع وهذا يبعث على التنافس الشديد بين الناس وعليه تقوم العدالة.
فأنصار النظام الليبيرالي " الحزب الفيزيوقراطي "ينبى شعارهم على فكرة ( دع الطبيعة تعمل ما تشاء دعه يمر بما شاء ) وهي عبارة مشهورة عند أدم أسميث " دعه يعمل دعه يمر " فحفظ المصلحة الخاصة أحسن ضمان لحفظ المصلحة العامة . وبهذا يكون رأس المال مصدر لإنتاج كل القيم الإقتصادية .
المبررات:
ودليلهم على ذلك أن الشؤون الاقتصادية مثل الظواهر الطبيعية تخضع لنظام طبيعي إلهي لا لقوانين الدولة , فالقانون الطبيعي وحده المنظم لعلاقات السوق والعمل وهو ما يعرف بقانون العرض والطلب الذي يحدد العلاقة بين العامل ورب العمل فهو القانون الذي يحدد الأسعار و أجور العمال والذي يسير بطريقة آلية تلقائية ( العرض +الطلب = السعر) فإذا ازداد الطلب وقل العرض فإن السلعة تباع بثمن تجاري يطرق الربح بالرأسماليين وترتفع أجور العمال بينما تلحق الخسارة بالمستهلكين ،أما إذا قل الطلب وزاد العرض فإن ذلك يؤدي إلى إفلاس الرأسماليين وانخفاض الأجور، إذ تصبح لا تتناسب مع الجهد المبذول ،و في هذه الحالة في صالح المستهلك بينما إذا تساوى العرض والطلب فإن السلعة تباع بثمنها الطبيعي و هذا في صالح المستهلكين و الرأسماليين معا و تبقى الأجور على حالها بالنسبة للعمال، وفي هذا الاتجاه التنافس كفيل بتحقيق العدالة الاجتماعية ، فالحرية والمنافسة الإقتصادية تسمح بتطور وزيادة الإنتاج مع النوعية و بسعر أقل مما يضمن مصلحة الجميع ( المنتج و المستهلك ) ومنه تحقق الزيادة في الثروة ورفاهية الجميع .
نقد :
تبنى الفلسفة الرأسمالية على إعتبار مصلحة الفرد هي مصلحة الجميع ،لكن لا تخدم إلا مصالح فئوية أي المالكة لرأس المال فقانون السوق لا يسير بطريقة طبيعية بل تتحكم فيه المؤسسات الإقتصادية عن طريق التكتلات الإقتصادية ( نظام الكارتيلات أو بالإحتكار و المضاربة ) كما يتعكس إيجابا على صاحب رأس المال بالزيادة في الثروة وهامش الربح وسلبا على العامل في حالة قلة الطلب بخفض الأجرة أو التسريح من العمل لذا تخلق الرأسمالية نظاما استغلاليا طبقيا ومجتمعا ماديا جشعا مما ترتب عنه ظهور شركات كبرى أدت إلى ظهور الأسلحة والحروب والتوترات من أجل بيع أسلحته التي تعتبر سلعة مربحة و الدليل على هذا دول العالم الثالث وفي هذا يقول جوريسكا( إن الرأسمالية تحمل الحروب كما يحمل السحاب المطر) ،
عرض نقيض الأطروحة : الاقتصاد الموجه جدير بتحقيق الازدهار الاقتصادي .( فلسفة النظام الإشتراكي)
في وقت بلغت فيه الرأسمالية قوتها وتحولت إلى توسع استعماري يلتهم خيرات الشعوب الضعيفة والبنوك هي المحرك الوحيد لعقول الناس ووجدت من أجل التدمير كما أشار إليها تشومبيتر في قوله : (الرأسمالية مذهب وجد ليدمر) ، ظهرت الماركسية كنظام إقتصادي يكشف عن التناقضات الموجودة في الرأسمالية , وتطالب بتدخل الدولة في تنظيم الاقتصاد , وهنا ما عمل على توضيحه " كارل ماركس "من خلال كتابه " رأس المال " الذي عمل فيه على فضح الرأسمالية فقال " الرأسمالية تحمل في طياتها آيات بطلانها " وكشف عن نظريته في الاشتراكية التي تقوم على قواعد مخالفة تماما لتلك التي قامت عليها الرأسمالية , فأقر بالملكية العامة لوسائل الإنتاج وذلك للقضاء على الظلم و استغلال الإنسان لأخيه الإنسان وبث ،روح الجماعية والمسؤولية الجماعية في العمل واعتبار الدولة هي الرأس المدبر و المخطط الأول و الأخير وهذا للقضاء على التنافس الذي يؤدي إلى الصراع وتحكم الفئة الثرية في المؤسسات الاقتصادية بحكم تعارض المصالح كما فتح المجال أمام نظام النقابات وذلك لحماية حقوق العمال واعتبار العامل لإنتاج كل القيم وتجنب للتضخم و الإفلاس الإقتصادي ووضع مخططا إقتصادي استراتيجي يحدد العملية الإنتاجية و التيسير العقلاني للثروات و المنتجات حسب حاجيات المجتمع في فترة معينة
البرهنة :
إذا كان العامل هو محور العملية الإنتاجية فينبغي تحسين مستواه المعيشي وتلبية متطلباته الضرورية فبتحقيق عدالة إجتماعية يمكن تحقيق توازن إقتصادي ثم إنه لن تتحقق العدالة الإجتماعية إلا بإلغاء الفوارق و نزع الملكية الفردية .
نقد :
هذا النظام نجح في القضاء على الطبقية وخفف من معاناة العمال إلا أنه لم يحقق التطور الاقتصادي المحدد مسبقا بدليل عدم ظهور الشيوعية و ذلك لأسباب موضوعية لم تلاحظها الماركسية ومنها بعد النظرية عن طبيعة الإنسان بمنعها لحق التملك فبإلغاء الملكية الفردية والتي تعتبر حق طبيعي لا يسقط لن تتحقق العدالة الإجتماعية التي يصبو إليها هذا النظام (الإشتراكية تتعارض مع الطبيعة البشرية) وبإلغاء الملكية إلغاء للحوافز المادية للزيادة في الإنتاج و المشجعة للعامل فهي مدعاة للكسل و الإهمال وما يترتب عنه من ركود اقتصادي و تخلف بالإضافة إلى ظهور المحسوبية و الرشوة وضعف الإنتاج في ظل غياب المنافسة وكثرة البطالة هذا بالإضافة إلى الخيال النظري الشيوعي الذي أدى إلى سوء تقدير الواقع و النتائج الاقتصادية .
التركيب : (فلسفة الإقتصاد الإسلامي)
إذا كان النظام الاقتصادي الرأسمالي اهتم بالفرد بإطلاق حرية المنافسة والنظام الاقتصادي الاشتراكي اهتم بالجماعة بتقييده لحرية الفرد , فإن كلتا النظريتين فيهما إجحاف وتبقى النظرة الموجهة إلى الاقتصاد الإسلامي الذي يتجاوزهما إلى الاهتمام بالفرد والجماعة وذلك بوضع الشرع شروطا للكسب المشروع فقيد طرق تحصيله بضوابط أخلاقية فحرمت الربى و الاحتكار و الغش لقوله سبحانه وتعالى (وأحل الله البيع وحرم الربا) حتى لا يتخذ من المال قوة استغلالية و أوجب صرفه باعتدال بلا تقتير و لا تبذير كما أوجبت للآخرين حق الملكية لمساهمتهم في وجودها فتقدم المصلحة العامة على المصلحة الفردية وبخلق روح جماعية بدل الفردية حثت على أشكال التكافئ ( الصدقة والبر والإحسان والقرض ) وأوجب الزكاة لمنع تمركز رأس المال لدى الفرد والتفجع إلى تنمية المال واستثماره بدل ادخاره فينتفع من الثروة الغني و الفقير وتتقلص الهوة بين الأغنياء والفقراء وقد توعد الله المنكرين بأشد العقاب يوم القيام لقوله تعالى (والذين يكنزون الذهب و الفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم)التوبة 34 وقال عليه الصلاة والسلام ( ليس منا من بات شبعان وجاره جائع) ، ثم إن هذا النظام ينادي بتحقيق العدالة و التكافل الإجتماعيين بطرق أخلاقية وعملية ، فالإنسان هو محور العملية الإقتصادية في الإسلام فهو يدعوا و يلح على العمل و الكسب الشريف و يوصي به
النقد :
إن تحقيق الأساس الأخلاقي في المعاملات الاقتصادية و التجارية أمر ليس بالسهل على الاطلاق فهو مرتبط بعمال آخر يتمثل في التربية التي هي صناعة الانسان قبل كل شيء وذلك بتلقينه المبادئ الأخلاقية حتى يتسنى له تطبيقها بعد ذلك مادام هو محور العملية الاقتصادية فالواقع يؤكد أن غالبية الناس في معاملاتهم التجارية و الاقتصادية يتغلب عليهم الطبع (القائم على الأنانية وحب المصلحة الذاتية ) على التطبع الذي يشمل حب الغير .
الخاتمة :
إن المنافسة الحرة وإن كانت تساهم في التطور الاقتصادي فإنها سبب في الصراع الاجتماعي وضحيته الإنسان الضعيف وسبب في ظهور الاستغلال والأمن . والتفكير في التنظيم الاقتصادي نتيجته الوقوف على أنظمة اقتصادية مختلفة والمنافسة المطلقة ليست وحدها كفيلة بتحقيق الرخاء الاقتصادي فلو سادت تعاليم الدين الإسلام و قواعده في مجتمع ما وخضع فيه النظام الاقتصادي للسلوك الأخلاقي لكان مجتمعا تتقارب طبقاته فلا فقير بائس ولا مرقع ولا غني جشع متوحش و لكان مجتمع يخلو من تعسف الأغنياء بالفقراء و تحل فيه أهم المشاكل التي عجز الاقتصاد وحده عن حلها ،ومن هنا يكون النظام الاقتصادي الإسلامي هو الكفيل بذلك والذي يجعل من المال كوسيلة وليس كغاية يقول تعالى( المال و البنون زينة الحياة الدنيا و الباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا).