المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سلسلة الخليفة الأول والصديق الأول أبو بكر الصديق


-asma-
2011-05-06, 13:44
اسم وصفة
عرف الخليفة الأول في التاريخ بأسماء كثيرة، أشهرها أبو بكر الصديق ويليهما في الشهرة عتيق وعبد الله.
وقيل: إنه عرف بهذه الأسماء والألقاب في الإسلام والجاهلية على السواء.
عرف في الجاهلية بلقب الصديق لأنه كان يتولى أمر الديات وينوب فيها عن قريش، فما تولاه من هذه الديات صدقته قريش فيه وقبلته، وما تولاه غيره خذلته وترددت في قبوله وإمضائه.
وعرف بالعتيق لجمال وجهه، من العتاقة وهي الجودة في كل شيء، وقيل: بل من العتق، لأن أمه لم يكن يعيش لها ولد فاستقبلت به الكعبة وقالت: اللهم إن هذا عتيقك من النار فهبه لي، فعاش فعرف باسم عتيق، وقيل غير ذلك: إنه أحد ثلاثة أبناء: عتيق ومعتق ومعيتيق، سموا بذلك تفاؤلا بالعيش والعتق من الموت.
وعرف كما قيل في بعض الروايات باسم عبد الكعبة في الجاهلية، ثم عبد الله في الإسلام.
وسمي في الإسلام بالصديق لأنه صدق النبي عليه السلام بشره بالعتق من النار.
ومن الجائز أنه عرف بهذه الألقاب على محملها في الجاهلية وعلى محملها في الإسلام، ففي حياته وسيرته قبل الإسلام وبعده ما يحقق هذه التسمية أو هذا التلقيب.
ولد للسنة الثانية أو الثالثة من عام الفيل، فهو أصغر من النبي عليه السلام بنحو السنتين، وهو عبد الله بن عثمان الذي عرف باسم أبي قحافة، ويلتقي نسبه ونسب النبي صلى الله عليه وسلم عند مرة بن كعب، بعد ستة آباء، وكلا أبويه من بني تيم، وهم قوم اشتهر رجالهم بالدماثة والأدب، واشتهر نساؤهم بالدل والحظوة، وقيل: إن بنات تيم أدل النساء وأحظاهن عند الزواج. وربما كان مرجع ذلك إلى طول عهد القبيلة بحياة المدينة وأشغالها، وأن اشتغالها بالتجارة كان يقوم على المودة وحسن المعاملة ولا يقوم على بسطة النفوذ وصولة الوفر والغلبة. فبنو أمية مثلا: كانوا يتجرون وكان زعيمهم أبو سفيان يرسل القوافل بين الحجاز والشام، ولكنها قوافل أشبه بالحملات والبعوث، معولهم فيها على الوفر والوفرة، وليست كذلك تجارة أبي بكر، وإخوانه من أبناء البطون القرشية التي لها شرف النسب في غير مكاثرة بالعدد والعدة، ومغالبة بالصولة ودهاء القوة، كمغالبة الأمويين.
ومهما يكن من أثر المعاملة الودية وآداب الأسرة والمدنية في بني تيم، فهذه الآداب واضحة في أسرة الصديق رضي الله عنه أجمل وضوح، لم تذكر لنا قط أسرة كانت في عصره على مودة أجمل التي اتصلت بينه وبين أبيه وأمه وأبنائه، مدى الحياة. وقد كان له ابن حارب في صفوف المشركين، وأوشك أن يكون بينه وبين أبيه قتال، ولكننا إذا تجاوزنا هذه الفلتة من فلتات السن رجعنا إلى أبوة لا عقوق فيها بعد اهتداء ذلك الابن إلى الإسلام، كما اهتدى إلى سائر ذويه.
عاش أبو قحافة حتى رأى ابنه خليفة يرفع صوته على أناس لم يكن في مكة أرفع منهم صوتا وأعظم خطرا، وكان مكفوف البصر على باب داره بمكة يوم أبو بكرا إليها معتمرا بعد مبايعته بالخلافة، فقيل له: هذا ابنك: فنهض يتلقاه، ورآه ابنه يهم بالنهوض فعجل نازلا عن راحلته وهي واقفة قبل أن ينيخها، وجعل يقول: يا أبت لا تقم، ثم لاقاه والتزمه وقبل بين عينيه، ولم ينتظر –وهو في نحو الستين- أن ينيخ لينزل منها، مخافة على أبيه من مشقة النهوض.
ودعا الخليفة بأبي سفيان لأمر أنكره فأخذته الحدة التي كانت تراجعه فير بعض ثورات نفسه، وأقبل يصيح على أبي سفيان وهو يلين له ويسترضيه، فسأل أبو قحافة قائده: على من يصيح ابني؟ فقال: على أبي سفيان.... فدنا منه يقول له وفي كلامه من الغبطة أكثر مما فيه من الإنكار، وفيه من دهاء الطيبة أكثر مما فيه من سهو الشيخوخة: أعلى أبي سفيان تصيح وترفع صوتك يا عتيق؟ لقد عدوت طورك وجزت مقدارك. فابتسم أبو بكر والصحابة، وقال لأبيه المنكر في رضاء الراضي في إنكاره: يا أبت إن الله رفع بالإسلام قوما وأذل به آخرين.
وهذه الطيبة التي تخلو من دهائها هي التي ظهرت من هذا الأب صالح، يوم نعوا إليه رسول الله فقال: أمر جلل، وسأل : من ولي الأمر بعده؟ قالوا: ابنك، فعاد يسأل: فهل رضيت بذلك بنو عبد مناف بنو مغيرة؟ قالوا: نعم.... قال: لا مانع لم أعطى الله، ولا معطي لما منع.
بل هذه الطيبة التي لا تخلو من دهائها هي التي ظهرت منه حين هاجر ابنه مع النبي عليه السلام فأقبل على أحفاده يسألهم: ما ترك لكم بعد هجرته من المال؟ وهي التي ظهرت منه حين ذهب ابنه ينفق من ماله لإعتاق الأرقاء الذين عذبهم المشركون فكان يقول: لو أنك إذ فعلت ما فعلت أعتقت رجالا جلدا يمنعونك ويقومون دونك؟ ويقول له ابنه: يا أبت إني أريد ما عند الله.
ثم عاش الأب الصالح حتى قبض ابنه العظيم فرد ميراثه منه إلى أحفاده وسأل حين بلغته وفاته وهو يقول: رزء جلل، رزء جلل. فمن ولي الأمر بعده؟ قالوا: عمر، قال صاحبه، يعني صاحب الأمر أو صاحب الصديق، في إيجاز كاف كإيجاز ابنه العظيم.
كثير مما في أبي بكر من هذا الأب الصالح: طيبة في يقظة في استقامة، ويزيد عليه ابنه في كل وصف حميد.