المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جلباب .المراة. المسلمة .للشيخ .الالباني.


يارا رواء
2011-04-29, 19:56
صفحة رقم -35- مقدمة الطبعة الأولى :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين القائل في كتابه الكريم : ( يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون ) [ الأعراف : 26 ]
وصلى الله على محمد المبعوث رحمة للناس أجمعين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد فهذه رسالة لطيفة وبحوث مفيدة إن شاء الله تعالى جمعتها لبيان اللباس الذي يجب على المرأة المسلمة أن تدثر به إذا خرجت من دارها والشروط الواجب تحققها فيه حتى يكون لباسا إسلاميا واستندت في ذلك على الكتاب والسنة مسترشدا بما ورد فيه من الآثار والأقوال عن الصحابة والأئمة فإن أصبت فمن الله تعالى وله الفضل والمنة وإن كانت الأخرى فذلك مني وأسأله العفو والمغفرة لذنبي إنه عفو كريم غفور رحيم .
وقد كان ذلك بطلب من بعض الإخوان الأحبة الذين نظن فيهم الصلاح والاستقامة والحرص على العمل بما يدل عليه الكتاب والسنة





صفحة رقم -36- وقد دنا يوم زفافه جعله الله مباركا عليه وعلى أهله وذريته فرأيت من الواجب أن أبادر إلى إجابة طلبه وتحقيق رغبته على الرغم من ضيق وقتي وانصرافي إلى العمل في مشروعي الذي أسميته ( تقريب السنة بين يدي الأمة ) الذي شرعت فيه منذ سنتين وزيادة مبتدئا ب ( سنن أبي داود ) ثم توقفت عنه منذ أشهر لعارض طرأ على عيني اليمنى الذي أرجو الله تعالى أن يذهبه عني بفضله وكرمه . على الرغم من هذا فقد بادرت إلى تحرير هذه الرسالة القيمة ثم قدمتها إليه هدية عسى أن تكون له ولغيره - ممن عسى أن يقف عليها - عونا على طاعة الله ورسوله في هذه المسألة التي تهاون بها في هذا العصر أكثر الناس وفيهم كثير من أهل العلم المفروض فيهم أن يكونوا قدوة لغيرهم في كل أمر من أمور الشريعة فما بالك بغيرهم حتى ندر أن ترى في هذه البلاد من وقف عند ما حدده الشارع فيها كما سترى .
ولكنا نحمد الله تعالى على أنه لا تزال طائفة من أمته صلى الله عليه وسلم قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس .
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من هذه الطائفة وأن يجعل هذه الرسالة وكل ما كتبت وأكتب خالصا لوجهه وسببا لنيل مرضاته والفوز بجناته إنه خير مسؤول .
دمشق 7/5/1370 ه محمد ناصر الدين الألباني .





صفحة رقم -37- إن تتبعنا الآيات القرآنية والسنة المحمدية والآثار السلفية في هذا الموضوع الهام قد بين لنا أن المرأة إذا خرجت من دارها وجب عليها أن تستر جميع بدنها وأن لا تظهر شيئا من زينتها حاشا وجهها وكفيها - إن شاءت - بأي نوع أو زي من اللباس ما وجدت فيه الشروط الآتية :
شروط الجلباب
- 1 - استيعاب جميع البدن إلا ما استثني . ( ص 39 - 117 )
- 2 - أن لا يكون زينة في نفسه . ( ص 119 - 123 )
- 3 - أن يكون صفيقا لا يشف . ( ص 125 - 129 )
- 4 - أن يكون فضفاضا غير ضيق . ( ص 131 - 136 )
- 5 - أن لا يكون مبخرا مطيبا . ( ص 137 - 140 )
- 6 - أن لا يشبه لباس الرجل . ( ص 141 - 159 )
- 7 - أن لا يشبه لباس الكافرات . ( 161 - 212 )
- 8 - أن لا يكون لباس شهرة . ( 213 - 216 )





صفحة رقم -38- ( تنبيه ) :
واعلم أن بعض هذه الشروط ليست خاصة بالنساء بل يشترك فيها الرجال والنساء معا كما لا يخفى .
وأيضا فبعضها يحرم عليها مطلقا سواء كانت في دارها أو خارجها كالشروط الثلاثة الأخيرة ولكن لما كان موضوع البحث إنما هو في لباسها إذا خرجت انحصر كلامنا فيه فلا يتوهمن منه التخصيص .
وهاك الآن تفصيل ما أجملنا والدليل على ما ذكرنا .












صفحة رقم -39- الشرط الأول
( استيعاب جميع البدن إلا ما استثني )
فهو في قوله تعالى في [ سورة النور : الآية 31 ] :
( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ) .
وقوله تعالى في [ سورة الأحزاب : الآية 59 ] :
( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما ) .
ففي الآية الأولى التصريح بوجوب ستر الزينة كلها وعدم إظهار شيء منها أمام الأجانب إلا ما ظهر بغير قصد منهن فلا يؤاخذن عليه إذا بادرن





صفحة رقم -40- إلى ستره قال الحافظ ابن كثير في ( تفسيره ) :
( أي : لا يظهرن شيئا من الزينة للأجانب إلا ما لا يمكن إخفاؤه قال ابن مسعود : كالرداء والثياب يعني على ما كان يتعاطاه نساء العرب من المقنعة التي تجلل ثيابها وما يبدو من أسافل الثياب فلا حرج عليها فيه لأن هذا لا يمكن إخفاؤه ) .
وقد روى البخاري ( 7 / 290 ) ومسلم ( 5 /197 ) عن أنس رضي الله عنه قال :
( صحيح ) ( لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم مجوب عليه بحجفة له . . . ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم وإنهما لمشمرتان أرى خدم سوقهما ( يعني الخلاخيل ) تنقزان القرب على متونهما تفرغانه في أفواه القوم . . . ) .
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني :
( وهذه كانت قبل الحجاب ويحتمل أنها كانت عن غير قصد للنظر ) .
قلت : وهذا المعنى الذي ذكرنا في تفسير : ( إلا ما ظهر منها ) [ النور : 31 ] هو المتبادر من سياق الآية وقد اختلفت أقوال السلف في تفسيرها : فمن قائل : إنها الثياب الظاهرة .





صفحة رقم -41- ومن قائل : إنها الكحل والخاتم والسوار والوجه وغيرها من الأقوال التي رواها ابن جرير في ( تفسيره ) ( 18 / 84 ) عن بعض الصحابة والتابعين ثم اختار هو أن المراد بهذا الاستثناء الوجه والكفان فقال :
( وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : عنى بذلك الوجه والكفين يدخل في ذلك - إذا كان كذلك - الكحل والخاتم والسوار والخضاب وإنما قلنا : ذلك أولى الأقوال في ذلك بالتأويل لإجماع الجميع على أن على كل مصل أن يستر عورته في صلاته وأن للمرأة أن تكشف وجهها وكفيها في صلاتها وأن عليها أن تستر ما عدا ذلك من بدنها إلا ما روي [ الحديث منكر ] عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أباح لها أن تبدي من ذراعها قدر النصف فإذا كان ذلك من جميعهم إجماعا كان معلوما بذلك أن لها أن تبدي من بدنها ما لم يكن عورة كما ذلك للرجال لأن ما لم يكن عورة فغير حرام إظهاره وإذا كان لها إظهار ذلك كان معلوما أنه مما استثنى الله تعالى ذكره بقوله : ( إلا ما ظهر منها ) [ النور : 31 ] لأن كل ذلك ظاهر منها ) .






صفحة رقم -50- وهذا الترجيح غير قوي عندي لأنه غير متبادر من الآية على الأسلوب القرآني وإنما هو ترجيح بالإلزام الفقهي وهو غير لازم هنا لأن للمخالف أن يقول : جواز كشف المرأة عن وجهها في الصلاة أمر خاص بالصلاة فلا يجوز أن يقاس عليه الكشف خارج الصلاة لوضوح الفرق بين الحالتين .
أقول هذا مع عدم مخالفتنا له في جواز كشفها وجهها وكفيها في الصلاة وخارجها لدليل بل لأدلة أخرى غير هذه كما يأتي بيانه وإنما المناقشة هنا في صحة هذا الدليل بخصوصه لا في صحة الدعوى فالحق في معنى هذا الاستثناء ما أسلفناه أول البحث وأيدناه بكلام ابن كثير . ويؤيده أيضا ما في ( تفسير القرطبي ) ( 12 /229 ) :





صفحة رقم -51- ( قال ابن عطية : ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بأن لا تبدي وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة ووقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه أو إصلاح شأن ونحو ذلك ف ( ما ظهر ) على هذا الوجه مما تؤدي إليه الضرورة في النساء فهو المعفو عنه ) .
قال القرطبي :
( قلت : هذا قول حسن إلا أنه لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعبادة وذلك في الصلاة والحج فيصلح أن يكون الاستثناء راجعا إليهما يدل على ذلك ما رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها : أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لها : يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وأشار إلى وجهه وكفيه فهذا أقوى في جانب الاحتياط ولمراعاة فساد الناس فلا تبدي المرأة من زينتها إلا ما ظهر من وجهها وكفيها والله الموفق لا رب سواه ) .
قلت : وفي هذا التعقيب نظر أيضا لأنه وإن كان الغالب على الوجه والكفين ظهورهما بحكم العادة فإنما ذلك بقصد من المكلف والآية حسب فهمنا إنما أفادت استثناء ما ظهر دون قصد فكيف يسوغ حينئذ جعله دليلا شاملا لما ظهر بالقصد ؟ فتأمل .
ثم تأملت فبدا لي أن قول هؤلاء العلماء هو الصواب وأن ذلك من دقة نظرهم رحمهم الله وبيانه : أن السلف اتفقوا على أن قوله تعالى : ( إلا ما ظهر منها ) يعود إلى فعل يصدر من المرأة المكلفة غاية ما في الأمر أنهم





صفحة رقم -52- اختلفوا فيما تظهره بقصد منها فابن مسعود يقول : هو ثيابها أي : جلبابها . وابن عباس ومن معه من الصحابة وغيرهم يقول : هو الوجه والكفان منها . فمعنى الآية حينئذ : إلا ما ظهر عادة بإذن الشارع وأمره . ألست ترى أن المرأة لو رفعت من جلبابها حتى ظهر من تحته شيء من ثيابها وزينتها - كما يفعل ذلك بعض المتجلببات السعوديات - أنها تكون قد خالفت الآية باتفاق العلماء فقد التقى فعلها هذا مع فعلها الأول وكلاهما بقصد منها لا يمكن إلا هذا فمناط الحكم إذن في الآية ليس هو ما ظهر دون قصد من المرأة - فهذا مما لا مؤاخذة عليه في غير موضع الخلاف أيضا اتفاقا - وإنما هو فيما ظهر دون إذن من الشارع الحكيم فإذا ثبت أن الشرع سمح للمرأة بإظهار شيء من زينتها سواء كان كفا أو وجها أو غيرهما فلا يعترض عليه بما كنا ذكرناه من القصد لأنه مأذون فيه كإظهار الجلباب تماما كما بينت آنفا .
فهذا هو توجيه تفسير الصحابة الذين قالوا : إن المراد بالاستثناء في الآية الوجه والكفان وجريان عمل كثير من النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده كما سترى في النصوص الآتية المتواترة معنى .
ويعود الفضل في التنبه لهذا التوجيه - بعد الله تعالى - إلى الحافظ أبي الحسن بن القطان الفاسي رحمه الله تعالى في كتابه القيم الفريد





صفحة رقم -53- الذي أطلعني الله عليه وأنا أهيئ مقدمة هذه الطبعة الجديدة ألا وهو ( النظر في أحكام النظر ) فقد تكلم فيها بعلم واسع ونظر ثاقب على كل مسائله ومنها ما نحن فيه فنبهني على ما أشرت إليه قوله فيه ( ق 14 /2 ) :
( وإنما نعني بالعادة هنا عادة من نزل عليهم القرآن وبلغوا عن النبي صلى الله عليه وسلم الشرع وحضروا به خطاب المواجهة ومن لزم تلك العادة بعدهم إلى هلم جرا لا لعادة النسوان وغيرهم المبدين أجسادهم وعوراتهم ) .
قلت : فابن عباس ومن معه من الأصحاب والتابعين والمفسرين إنما يشيرون بتفسيرهم لآية ( إلا ما ظهر منها ) إلى هذه العادة التي كانت معروفة عند نزولها وأقروا عليها فلا يجوز إذن معارضة تفسيرهم بتفسير ابن مسعود الذي لم يتابعه عليه أحد من الصحابة لأمرين اثنين :
الأول : أنه أطلق الثياب ولا قائل بهذا الإطلاق لأنه يشمل الثياب الداخلية التي هي في نفسها زينة كما تفعله بعض السعوديات كما تقدم فإذن هو يريد منها الجلباب فقط الذي تظهره المرأة من ثيابها إذا خرجت من دارها .
والآخر : أن هذا التفسير - وإن تحمس له بعض المتشددين - لا ينسجم مع بقية الآية وهي : ( ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن . . . ) الآية فالزينة الأولى هي عين الزينة الثانية كما هو معروف في الأسلوب العربي : أنهم إذا ذكروا اسما معرفا ثم كرروه فهو هو فإذا كان الأمر كذلك فهل الآباء ومن ذكروا معهم في الآية لا يجوز لهم أن





صفحة رقم -54- ينظروا إلا إلى ثيابهن الباطنة ؟ ولذلك قال أبو بكر الجصاص رحمه الله في ( أحكام القرآن ) ( 3/316 ) :
( وقول ابن مسعود في أن ( ما ظهر منها ) هو الثياب لا معنى له لأنه معلوم أنه ذكر الزينة والمراد العضو الذي عليه الزينة ألا ترى أن سائر ما تتزين به من الحلي والقلب والخلخال والقلادة يجوز أن تظهرها للرجال إذا لم تكن هي لابستها فعلمنا أن المراد مواضع الزينة كما قال في نسق الآية بعد هذا : ( ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن ) والمراد موضع الزينة فتأويلها على الثياب لا معنى له إذ كان مما يرى الثياب عليها دون شيء من بدنها كما يراها إذا لم تكن لابستها ) .
وكأنه لهذا لم يعرج عليه الحافظ ابن القطان في كتابه الآنف الذكر وقد ذكره في جملة ما قيل في تفسير الآية كما ذكر أقوال العلماء والمذاهب حولها بتفصيل وتحرير وتحقيق فيها لا أعرف له مثيلا ثم ساق بعض الأحاديث التي يمكن الاستدلال بها على جواز إبداء المرأة لوجهها وكفيها للأجانب ومع أنه فاته الكثير من الأحاديث التي ذكرت في كتابنا هذا فقد ناقشها مناقشة دقيقة وميز صحيحها وسقيمها وما يصح الاستدلال به وما لا يصح من الناحية الفقهية دون أن يتحيز لفئة .
ثم تكلم على الآية وفسرها تفسيرا بديعا يدل على أنه إمام في التفسير والفقه أيضا كما هو في الحديث فأفاد - رحمه الله - أن النهي فيها مطلق من وجوه ذكرها وهي أربعة وفصل القول فيها تفصيلا رائعا ويهمنا هنا منها رابعها فقال ( ق 15 / 1 ) :





صفحة رقم -55- ( ومطلقة بالنسبة إلى كل ناظر ورد على إطلاقه منها استثناءان :
أحدهما : على مطلق الزينة وخصص به منها ( ما ظهر منها ) فيجوز إبداؤه لكل واحد .
والآخر : على مطلق الناظرين الذين يبدى لهم شيء من ذلك فخصص منهم البعولة ومن بعدهم ) .
وبعد أن ساق قول ابن مسعود وأقوال الصحابة والتابعين المخالفة وأقوال المذاهب والأحاديث المشار إليها آنفا قال ملخصا للموضوع وموضحا رأيه فيه ( ق 21 / 1 ) :
( الأحاديث المذكورة في الباب إما أن تدل على إبدائها جميع ذلك ( يعني : الوجه والكفين ) أو بعضه دلالة يمكن الانصراف عنها بتحميل اللفظ أو القصة غير ذلك لكن الانصراف عما يدل عليه ظاهر اللفظ أو سياق القصة لا يكون جائزا إلا بدليل عاضد يصير الانصراف تأويلا وإذا لم يكن هناك دليل كان الانصراف تحكما فعلى هذا يجب القول بما تظاهرت هذه الظواهر وتعاضدت عليه من جواز إبداء المرأة وجهها وكفيها لكن يستثنى من ذلك ما لا بد من استثنائه قطعا وهو ما إذا قصدت بإبداء ذلك التبرج وإظهار المحاسن فإن هذا يكون حراما ويكون الذي يجوز لها إنما هو إبداء ما هو في حكم العادة ظاهر حين التصرف والتبذل فلا يجب عليها أن تتعاهده بالستر بخلاف ما هو في العادة ( أي الشرعية ) مستور إلا أن يظهر بقصد كالصدر والبطن فإن هذا لا يجوز لها إبداؤه ولا يعفى لها عن بدوه ويجب عليها ستره في حين التصرف كما يجب من





صفحة رقم -56- ستره في حين الطمأنينة ويعضد هذه الظواهر وهذا المنزع قوله تعالى :
( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ) فمعنى الآية : لا يبدين زينتهن في مواضعها لأحد من الخلق إلا ما كان عادة ظاهرة عند التصرف فما وقع من بدوه وإبدائه بغير قصد التبرج والتعرض للفتنة فلا حرج فيه ) .
ثم قال ( ق 21 / 2 ) :
( ويتأيد المعنى الذي حملنا عليه الآية من أن الظاهر هو الوجه والكفان بقوله تعالى المتقدم متصلا به : ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) فإنه يفهم منه أن القرطة قد يعفيهن عند بدو وجوههن عن تعاهد سترها فتنكشف فأمرن أن يضربن بالخمر على الجيوب حتى لا يظهر شيء من ذلك إلا الوجه الذي من شأنه أن يظهر حين التصرف إلا أن يستر بقصد وتكلف مشقة وكذلك الكفان وذكر أهل التفسير أن سبب نزول الآية هو أن النساء كن وقت نزولها إذا غطين رؤوسهن بالخمر يسدلنها خلفهن كما تصنع النبط فتبقى النحور والأعناق بادية فأمر الله سبحانه بضرب الخمر على الجيوب ليستر جميع ما ذكر وبالغ في امتثال هذا الأمر نساء المهاجرين والأنصار فزدن فيه تكثيف الخمر . . . ) .
ثم ذكر حديث عائشة الآتي ( ص 78 ) لكن من رواية أبي داود بلفظ : ( شققن أكنف ( وقال ابن صالح : أكثف ) مروطهن فاختمرن بها ) . وقال :
( هذا إسناد حسن )





صفحة رقم -57- ثم قال الحافظ ابن القطان رحمه الله تعالى :
( فإن قيل : هذا الذي ذهبت إليه من أن المرأة معفو لها عن بدو وجهها وكفيها - وإن كانت مأمورة بالستر جهدها - يظهر خلافه من قوله تعالى : ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ) الآية ؟
فالجواب أن يقال :
يمكن أن يفسر هذا ( الإدناء ) تفسيرا لا يناقض ما قلناه وذلك بأن يكون معناه : يدنين عليهن من جلابيبهن ما لا يظهر معه القلائد والقرطة مثل قوله : ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) فإن ( الإدناء ) المأمور به مطلق بالنسبة إلى كل ما يطلق عليه ( إدناء ) فإذا حملناه على واحد مما يقال عليه ( إدناء ) يقضي به عن عهدة الخطاب إذ لم يطلب به كل ( إدناء ) فإنه إيجاب بخلاف النهي والنفي ) .
ويلاحظ القراء الكرام أن هذا البحث القيم الذي وقفت عليه بفضل الله من كلام هذا الحافظ ابن القطان يوافق تمام الموافقة ما كنت ذكرته اجتهادا مني وتوفيقا بين الأدلة : أن الآية مطلقة كما ستراه مصرحا به ( ص 87 ) فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
نعم حديث عائشة عند أبي داود دليل واضح على جواز إظهار المرأة الوجه والكفين لولا أن فيه ما بيناه في التعليق إلا أنه من الممكن أن





صفحة رقم -58- يقال : إنه يقوى بكثرة طرقه وقد قواه البيهقي كما يأتي أدناه فيصلح حينئذ دليلا على الجواز المذكور لا سيما وقد عمل به كثير من النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حيث كن يكشفن عن وجوههن وأيديهن بحضرته صلى الله عليه وسلم وهو لا ينكر ذلك عليهن وفي ذلك عدة أحاديث نسوق ما يحضرنا الآن منها :






صفحة رقم -60- 1 ( صحيح ) عن جابر بن عبد الله قال :
( شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة ثم قام متوكئا على بلال فأمر بتقوى الله وحث على طاعته ووعظ الناس وذكرهم ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن فقال : تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم فقامت امرأة من سطة النساء ( أي : جالسة في وسطهن ) سفعاء الخدين ( أي : فيهما تغير وسواد ) فقالت : لم يا رسول الله ؟ قال : لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير قال : فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقراطهن وخواتمهن ) .





صفحة رقم -61- 2 ( صحيح ) عن ابن عباس [ عن الفضل بن عباس ] :






صفحة رقم -62- ( أن امرأة من خثعم استفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع [ يوم النحر ] والفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم [ وكان الفضل رجلا وضيئا . . . فوقف النبي صلى الله عليه وسلم للناس يفتيهم ] ) الحديث وفيه :
( فأخذ الفضل بن عباس يلتفت إليها وكانت امرأة حسناء ( وفي رواية : وضيئة ) ( وفي رواية : فطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنها ) [ وتنظر إليه ] فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بذقن الفضل فحول وجهه من الشق الآخر ) . وفي رواية لأحمد ( 1 / 211 ) من حديث الفضل نفسه :
( فكنت أنظر إليها فنظر إلي النبي صلى الله عليه وسلم فقلب وجهي عن وجهها ثم أعدت النظر فقلب وجهي عن وجهها حتى فعل ذلك ثلاثا وأنا لا أنتهي ) .
ورجاله ثقات لكنه منقطع إن كان الحكم بن عتيبة لم يسمعه من ابن عباس .
وروى هذه القصة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وذكر أن الاستفتاء كان عند المنحر بعد ما رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة وزاد :
( فقال له العباس : يا رسول الله لم لويت عنق ابن عمك ؟ قال : رأيت شابا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما ) .





صفحة رقم -64- 3 ( صحيح ) عن سهل بن سعد :






صفحة رقم -65- ( أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم [ وهو في المسجد ] فقالت : يا رسول الله جئت لأهب لك نفسي [ فصمت فلقد رأيتها قائمة مليا أو قال : هوينا ] فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد النظر إليها وصوبه ثم طأطأ رأسه فلما رأت المرأة أنه لم يقصد فيها شيئا جلست ) الحديث .
4 ( صحيح ) عن عائشة رضي الله عنها قالت :
( كن نساء المؤمنات يشهدن مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهن ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفن من الغلس ) .
ووجه الاستدلال بها هو قولها : ( لا يعرفن من الغلس ) فإن مفهومه أنه لولا الغلس لعرفن وإنما يعرفن عادة من وجوههن وهي مكشوفة فثبت المطلوب . وقد ذكر معنى هذا الشوكاني ( 2 / 15 ) عن الباجي .
ثم وجدت رواية صريحة في ذلك بلفظ :





صفحة رقم -66- ( صحيح ) ( وما يعرف بعضنا وجوه بعض ) .
5 ( صحيح ) عن فاطمة بنت قيس :
( أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة ( وفي رواية : آخر ثلاث تطليقات ) وهو غائب . . . فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له . . . فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال : تلك امرأة يغشاها أصحابي اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك [ عنده ] ( وفي رواية : انتقلي إلى أم شريك - وأم شريك امرأة غنية من الأنصار عظيمة النفقة في سبيل الله ينزل عليها الضيفان - فقلت : سأفعل فقال : لا تفعلي إن أم شريك امرأة كثيرة الضيفان فإني أكره أن يسقط خمارك أو ينكشف الثوب عن ساقيك فيرى القوم منك بعض ما تكرهين ولكن انتقلي إلى ابن عمك عبد الله بن أم مكتوم [ الأعمى ] . . . وهو من البطن الذي هي منه [ فإنك إذا وضعت خمارك لم يرك ] فانتقلت إليه فلما انقضت عدتي سمعت نداء المنادي ينادي : الصلاة جامعة فخرجت إلى المسجد





صفحة رقم -67- فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قضى صلاته جلس على المنبر فقال : إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ولكن جمعتكم لأن تميما الداري كان رجلا نصرانيا فجاء فبايع وأسلم وحدثني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال . . . ) الحديث .
وينبغي أن يعلم أن هذه القصة وقعت في آخر حياته صلى الله عليه وسلم لأن فاطمة بنت قيس ذكرت أنها بعد انقضاء عدتها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يحدث بحديث تميم الداري وأنه جاء وأسلم .
وقد ثبت في ترجمة تميم أنه أسلم سنة تسع فدل ذلك على تأخر القصة عن آية الجلباب فالحديث إذن نص على أن الوجه ليس بعورة .
6 ( صحيح ) عن ابن عباس رضي الله عنهما :





صفحة رقم -68- ( قيل له : شهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ولولا مكاني من الصغر ما شهدته حتى أتى العلم الذي عند دار كثير بن الصلت فصلى [ قال : فنزل نبي الله صلى الله عليه وسلم كأني أنظر إليه حين يجلس الرجال بيده ثم أقبل يشقهم ] ثم أتى النساء ومعه بلال [ فقال : ( يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ) فتلا هذه الآية حتى فرغ منها ثم قال حين فرغ منها : أنتن على ذلك ؟ فقالت امرأة واحدة لم يجبه غيرها منهن : نعم يا نبي الله قال : ] فوعظهن وذكرهن وأمرهن بالصدقة [ قال : فبسط بلال ثوبه ثم قال : هلم لكن فداكن أبي وأمي ] فرأيتهن يهوين بأيديهن يقذفنه ( وفي رواية : فجعلن يلقين الفتخ والخواتم ) في ثوب بلال ثم انطلق هو وبلال إلى بيته ) .





صفحة رقم -69- 7 ( صحيح ) عن سبيعة بنت الحارث :
( أنها كانت تحت سعد بن خولة فتوفي عنها في حجة الوداع وكان بدريا فوضعت حملها قبل أن ينقضي أربعة أشهر وعشر من وفاته فلقيها أبو السنابل بن بعكك حين تعلت من نفاسها وقد اكتحلت [ واختضبت وتهيأت ] فقال لها : اربعي على نفسك - أو نحو هذا - لعلك تريدين النكاح ؟ إنها أربعة أشهر وعشر من وفاة زوجك قالت : فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ما قال أبو السنابل بن بعكك فقال : قد حللت حين وضعت ) .

joe2rue
2011-04-29, 21:04
شكرا لك

لكن مكرر



رابط مزيف لمنتدى الجلفة الغرض منه سرقة العضويات

يارا رواء
2011-04-29, 22:11
حبيبتي مااستطعت الدخول اليه

علي الجزائري
2011-04-29, 22:19
حبيبتي مااستطعت الدخول اليه

رابط ملغم لا تدخلي إليه ...

و جزاك الله خيرا على الموضوع ...

يارا رواء
2011-04-29, 22:21
لقد ضغطت عليه ماذا افعل

علي الجزائري
2011-04-29, 22:54
لا عليك اخرجي منه و فقط