تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : رسالة إلى جسد ميت


sollo44
2011-04-26, 12:16
ها أنذا أكتب لك من جديد بعد أن عقدت العزم على أن لا أعود لهذا الأمر أبدا، لست أكتب لرغبة في التذكر و لكن رأفة بنفسي أولا . منذ ذلك اليوم و الهواجس تتنازعني بلا رحمة ، و الثواني تمر كالحقب فتجر علي فيما تجر عذابات لم يعد بإمكاني تحملها ، أتذكرين ذلك اليوم ؟ ذلك اليوم الربيعي المشرق عندما وقفنا جنبا إلى جنب أمام الحوض الزجاجي و رحنا نطعم السمك . كنا كالأطفال في تجريد حقيقي لما انتابنا من حبور ، الماء و الزجاج و السمك و كان كلام سار يدور بين قلبينا :
- أنظري إلى تلك السمكة إنها تستأثر بالأكل كله !
فتجيبين في بساطة :
- إنها شرهة مثلك تماما .
- أنا شره حقا و لكنني لست أنانيا .
- لقد اكتشفت فيك كل الصفات مؤخرا : الشراهة ، الغيرة ، سرعة الغضب و حبك السري لنعيمة .
فأجيب على اتهامك الأخير قائلا :
- حبي لنعيمة لم يكن إلا ماض لا أود الحديث عنه .
حاولت حينها أن أهرب من سؤالاتك بإطعام السمك و لكنك كنت ذكية بما يكفي حين سألتني :
- أليس الماضي جزءا من الحياة ؟
فتململت عيوني داخل رأسي و قلت مستاءا :
- الماضي السعيد جزء من الحياة حقا ، و لكن الماضي الذي نتحدث عنه سيئ للغاية
- فلتفكر في المستقبل إذن .
- لذلك وقع اختياري عليك .
تبدت في عيونها شعلة من الأمل و الخجل ، و ارتبكت و هي تطعم السمك حتى أوقعت جزءا من الأكل على الأرض ، و لكنها فوق ذلك كانت جميلة بشكل لا يصدق !! . ترى ماذا تقول لها لو سألتك عن جمالها ؟ كيف تصفه و كيف تمدحه ؟؟ سوف تكون في وضع حرج للغاية لو وقع المحذور .
في تلك الرحلة المجنونة إلى بن عكنون ، ذلك اليوم التاريخي المشهود ، أكلنا البوضة ، و لحية بابا ، و شاهدنا الحيوانات الأليفة و المتوحشة ، و ركبنا في العجلة الضخمة ، و عندما ارتقينا في السماء لاحت لنا العاصمة بضجيجها و بنيانها ، و ضبابها و بحرها المترامي الأطراف ، و قلت متعجبا :
- ما أجمل العاصمة !!
فقالت هي على الفور :
- ألم تر من قبل أجمل منها ؟
نظرت إلى عيونها اللوزية و شعرها الأسود و قلت مهزوما :
- رأيت العجب لو كنت تعلمين !!
فنظرت إلي في حنان و ابتسمت .
الهروب و الصراخ و الألم ، و الكل كان يبحث عن رحمة الله ، و المطر كان ينهمر بغزارة لا تصدق . حتى انشقت الأرض و تدهورت القمم العالية ، ها هو المطر يدمر كل شيئ ، المطر الذي صلينا من أجل انهماره صلاة الاستسقاء ،
و بكينا في ضراعة و خشوع من أجل عودته . أي نذير يلوح في الأفق ؟؟ إن سيوله القوية تطيح بالبنايات كأنها دمى !!
قوة الماء تحطم أشياء كثيرة بلا حصر ، البنايات الطينية القديمة بدأت في الانهيار تباعا ، و لكن أين تلك المخلوقة الجميلة البريئة ؟ أين هي في هذه اللحظة فأفديها بروحي ، هي التي قالت لي يوما :
- أنا فقيرة فكيف وقع اختيارك علي ؟
فقلت مازحا :
- لعل الفقر و الجمال نعمة تحسدين عليها .
فقالت متأثرة :
- و لعلك تشفق علي أيضا !!
و في الحين انفعلت في قلبي جملة من الأحاسيس و قلت باسما :
- لولا حبي لك لقتلت في الحين !!
و لكنها بذكاء واصلت :
- الرجال قوامون على النساء ، و أنت واحد من الرجال . و لكن كيف لك أن تبني مستقبلك مع واحدة فقيرة ؟؟
- فكيف تستعذبين الحياة و أنت تعلمين أن الموت سيخطفك من فوق الأرض خطفا ؟
فقالت بمكر :
- لا أعتقد أن الموت يتذكر سكان البيوت الطينية !!
ضحكنا معا ، و قررنا نسيان أمر البيت الطيني نهائيا .
حاولت أن أبحث عنها في الصباح فلم أجدها ، الطمي و الوحل في كل مكان ، و كان أهلها يقفون جنبا إلى جنب و الناس من حولهم متحلقون في حشود عظيمة ، أين أنت يا ملاكي ؟ أين أنت ؟ فلتجيبيني قبل ضياع الأمل .
واصل الرجال البحث بكل عزم، و من قلب الطين خرج جسم الفتاة بلا حراك ، جسم هزيل بارد و لكنه رغم ذلك حافظ على سر من أسرار البشر ، و راحت الأكتاف القوية تحملها بعيدا عن البيت المنهار ، و تباعا واصل الرجال اسخراج أجسام الولد بلال شقيقها الأصغر و البنت سمية بنت العامين .
- لا تلوميني لو تذكرتك عند انهمار المطر ، لا تلوميني لو كتبت عنك في جو غائم مشحون بالسحب . لا تلوميني أبدا لو قصرت ، لا تلوميني فقلبي ليس من حجر .

sollo44
2011-04-26, 15:18
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته :
- 20 مشاهدة و لا رسالة نقد واحدة !! أي بخل هذا يا أحبائي في المنتدى ؟