تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حوار بين محزون و القدر


الأخ ابراهيم
2011-04-22, 09:22
حوار بين محزون و القدر.
حدث و ان التقى محزون بالقدر في يوم من الأيام فجرى بينهم هذا الحوار.
كان هناك محزون يمشي في قرية من القرى اسمها الحياة و درب اسمه يوم من الأيام ،كان هذا المحزون يمشي في مهل أقرب الى العجز و حزن أقرب الى الجزع ، واذا به يرى شخص بدا له من بعيد و هو يمشي بقوة وحزم ، لا يبالي بالناس من حوله ،و كانه واثق من نفسه ، لا يلتفت يمنة ولا يسرى، وكان تارة وتارة ينتصب نظره الى شخص من الأشخاص المارة فيتجه نحوه مباشرة ,فيعطيه كتاب صغيرا أو كبيرا ,لا يحدثه ببنت شفة ، فترى ذلك الشخص اما أن يضحك أو اما ان يبكي أو اما أن يزمجر في وجه ذلك الشخص المجهول ، و يريد أن يفتك به و أنى له ذلك ،و لا تسمع منه جوابا عن اعتراض ذلك الشخص إلا : اسأل الملك إن كنت سائلا ،وسرعان ما يتركه مع كتابه ولا يبالي به، فاستغرب المحزون من حزم وجرأة ذلك الشخص وقال كيف له أن يكتب للناس ما يشاء و لماذا هم يستسلمون لكتابته راضين أو مكرهين ضاحكين أو باكين ،ومن هو هذا الملك، وقال: لن يمر هذا بخير إن مر علي حتى يفصح لي عن شخصه و عن سره و وظيفته.
فاستجمع قواه ذلك المحزون ، وقال اليوم يومك يامن أضحكت و أبكيت، اليوم أكشف سرك للناس . و لما رآه متجها نحوه قال له قف دونك يا أيها المجهول و أجب عن سؤالي ، فنظر اليه نظرة المتأمل المتفحص الذي كانه يواجه شيئا أو شخصا لا يبالي به و لا يبالي بشخصه كيفما كان ،قويا أو ضعيفا ،فقيرا او غنيا ،حزينا أو مسرورا ، فأجابه بكل ثقة و اطمئنان أنا القدر ، فما ان اكمل جوابه ، انفجر صاحبنا المحزون بدموع كانت مخزنة منذ مدة لهذه اللحظة التاريخية ،كانت تنتظر هذا اليوم الذي يلتقي به صاحبنا بالقدر،و ما اعظمها من لحظة أن تلتقي بالقدر ، فنظر اليه صاحبنا المحزون نظرة ترهقها عاطفة من الانكسار و التساؤل، تساؤل ما دار في رأسه كثيرا عن حاله و حال البؤساء و السعداء في هذه القرية . ثم استجمع نفسه و استلهم أفكاره و سأله سؤالا آخر: ما شأنك تبكي و تضحك الناس و تفرح و تسعد بدون عاطفة ولا اشفاق بدون تساؤل و لا مبالاة ، أنحن أصبحنا سلعة رخيصة الى هذه الدرجة، أم انك ميت القلب و الاحساس،
فرد عليه القدر ردا الواثق من نفسه المطمئن لفكرته: إنه الملك ، قال له صاحبنا : ومن الملك ، قال : هو الذي يملكك و يملكني ويملك هذه القرية وما فيها، قال له صاحبنا ولكني لم اعرفه قل لي اسما من اسمائه المألوفة في قريتنا عساني أعرفه، قال له : إنه الله ، إنه الله رب العالمين ، إنه الله ربي و ربك ورب السعداء و الأشقياء و رب الاغنياء و الفقراء و رب المرضى والاصحاء. فما إن أتم كلامه صاحبنا القدر و إذ بالمحزون يكمل سيل دموعه المتبقي في جوف قلبه المتفطر،و هو يقول سبحان الملك ، سبحان الملك.
و في هذه اللحظة كادت أن تقذف في قلب القدر عاطفة الاشفاق لولا أنه ليس من فطرته ذلك ، وانتظر حتى سكن نشيج صاحبنا المحزون ، وقال له امسك ،هاك كتابك ، فامسك كتابه و كله خوف و أمل مما سيحل به ، أخير يذهب حزنه أو شر يقضي عليه ، و لكنه رغم ذلك كان قد استسلم للقدر لأنه أمر من الله الذي عرفه ، فلا لوم عليه و لا حزن على ما يوجد في هذا الكتاب ، لان كل شيء بقدر، ومن ذلك اليوم أصبح صديقنا المحزون صديقا للقدر و لكنها صداقة من جانب واحد فقط.
منقولة من مشاركتي في موقع الألوكة.