ابو القعقاع2
2011-04-19, 15:44
معنى الكفر البواح في الحديث
قال الخطابي " يريد ظاهراً بادياً من قولهم باح بالشيء يبوح به بواحاً وبواحاً إذا أذاعه وأظهره".
وقال ابن حجر " عندكم من الله فيه برهان أي نص آية أو خبر صحيح لا يحتمل التأويل ".
وقال النووي " المراد بالكفر هنا المعاصي ومعنى عندكم من الله فيه برهان أي تعلمونه من دين الله تعالى ومعنى الحديث لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكراً محققاً تعلمونه من قواعد الإسلام فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم وقولوا بالحق حيث كنتم". انظر فتح الباري 13/5، ونيل الأوطار ج5/ ص367+ج7 ص198 والنووي 12/ ص243.
قال الكشميري في إكفار الملحدين، ص22: " ودل – أي هذا الحديث - أيضاً على أن أهل القبلة يجوز تكفيرهم وإن لم يخرجوا عن القبلة وأنه قد يلزم الكفر بلا التزام وبدون أن يريد تبديل الملة وإلا لم يحتج الزاني إلى برهان ".
قال أحمد شاكر " إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس هي كفر بواح لا خفاء فيه ولا مداورة ولا عذر لأحد ممن ينتسب للإسلام –كائنا من كان- في العمل بها أو الخضوع لها أو إقرارها فليحذر امرؤ لنفسه وكل امرئ حسيب نفسه ". انظر عمدة التفسير.
وخلاصة القول
أن المراد بالكفر البواح الخروج عن أحكام الشريعة إما بتبديلها أو الرضا بقانون وشرع غير شرع الله فمن فعل ذلك وجب منازعته والخروج عليه لرد الأمر إلى نصابه. ولا يشترط أن يعلن هو بنفسه الكفر كما يذهب إليه الكثير خطأ ولذلك يُكفرون ثم يخرجون والحق أن الخروج يجب ولو لم يعلن الكفر صراحة.
ويؤيد ما ذهب إليه النووي من أن الكفر البواح المراد به المعصية أن هناك بعض الروايات الأخرى للحديث جاء فيه قوله عليه الصلاة والسلام (إلا أن يكون معصية لله بواحاً) وجاء في رواية عند أحمد "ما لم يأمرك بإثم بواحاً" والمقصود المعاصي التي تخرق قواعد الإسلام وتشكل منهجاً مستقلاً في الانحراف أو الدعوة إلى المنكر والبدع.
ومن المبررات الشرعية لمقاومة الأنظمة توجد هناك مخالفات إذا وقعت في نظام وجب الخروج عليه ومقاومته لمن قدر عليها أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
1- اغتصاب الحاكمية: من عقائد المسلمين أن الحكم لله لقوله تعالى "إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ" [الأنعام: الآية57] وقوله تعالى "وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً" [الكهف: الآية 26] فالحكم الشرعي والقدري لله تبارك وتعالى فما على المسلم المؤمن إلا أن يخضع لحكم الله تعالى لقوله تعالى "إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" [النور: الآية 51] ومن هنا فالحاكمية لله تعالى لا شريك له وهذا أمر معلوم من الدين بالضرورة والحاكم المسلم يختاره المسلمون ليطبق عليهم حكم الله تعالى ولا يتعداه.
قال الإمام الغزالي في المستصفى 1/8 و83. "وفي البحث عن الحاكم يتبين أنه لا حاكم إلا الله ولا حكم للرسول ولا للسيد على العبد ولا لمخلوق على مخلوق بل كل ذلك حكم الله تعالى ووضعه لا حكم غيره... وأما استحقاق نفوذ الحكم فليس إلا لمن له الخلق والأمر، فإنما النافذ حكم المالك على مملوكه ولا مالك إلا الخالق فلا حكم ولا أمر إلا له أما النبي صلى الله عليه وسلم والسلطان والسيد والأب والزوج فإذا أمروا وأوجبوا لم يجب شيء بإيجابهم، بل بإيجاب الله تعالى كان للموجَب عليه أن تغلب عليه الإيجاب إذ ليس أحدهما أولى من الآخر فإذن الواجب طاعة الله تعالى –وطاعة من أوجب الله طاعته".
قال أبو زهرة في أصول الفقه ص63 " وهذا التعريف يومئ لا محالة إلى أن الحاكم في الفقه الإسلامي هو الله سبحانه وتعالى. إذ أن هذه الشريعة قانون ديني يرجع في أصله إلى وحي السماء فالحاكم فيه هو الله، وكل طرائق التعريف بالأحكام فيه إنما هي مناهج لمعرفة حكم الله تعالى وأحكام دينه السماوي –على هذا اتفق جمهور المسلمين بل أجمع المسلمون... فإن الإجماع قد انعقد على أن الحاكم في الإسلام هو الله تعالى، وأنه لاشرع إلا من الله وقد صرح بذلك القرآن الكريم فقال تعالى "إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ" وقال تعالى "وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ" [المائدة: الآية 49].
قال الدكتور السنهوري: "وفي كلمة واحدة فإن السيادة في الشريعة الإسلامية لله وحده ولكنه أناب عنه الأمة كلها وليس فرداً واحداً أياً كان حتى ولو كان خليفة أو هيئة أخرى متميزة ولو كانت هيئة دينية".
وقال فرج السنهوري في تاريخ الفقه "لا حاكم إلا الله ولا حكم إلا ما حكم به، على هذا اتفقت كلمة المسلمين حتى الذين قالوا للأفعال حسنا وقبحا عقليين أي يدركها العقل إذ أنهم لم يذهبوا إلى أكثر من اتخاذ الوصفين أساسا لحكم الله –سبحانه- يصدر على موقفهما فالعقل لا دخل له في إنشاء الأحكام وإصدارها وإن كان هو شرط التكليف وله أعظم الأثر في فهم الشرع".
قال د./ محمد ضياء الدين الريس في النظريات السياسية الإسلامية 374: "إذ الذي ينبغي أن يعتقد في الإسلام أن الله سبحانه هو المشرع الأصلي بل الأوحد فهو صاحب الدين والشريعة والنظام لا يقصد من إقامته إلا أن ينفذ تلك الشريعة وهو لم يقم إلا بمقتضاها".
قال د./ سليمان الطماوي في السلطات الثلاث 682. " فالتشريع – بمعناه الدقيق - في الإسلام إنما هو لله تعالى وعلى هذا الأساس لا تملك أي سلطة في الدولة الإسلامية سلطة التشريع أي ابتداع أحكام مبتدأة في الدولة، أما مواجهة الضرورات الجديدة فإنما يكون عن طريق استمداد ما يناسبها من أحكام من التشريع الإلهي، ولقد رأينا أن هذه الوظيفة إنما يقوم بها فئة خاصة من المسلمين هم المجتهدون".
وقال د/ السنهوري في فقه الخلافة وتطورها ص70. " روح التشريع الإسلامي تفترض أن السيادة بمعنى السلطة غير المحدودة لا يملكها أحد من البشر، فكل سلطة إنسانية محدودة بالحدود التي فرضها الله فهو وحده صاحب السيادة العليا ومالك الملك وإرادته هي شريعتنا التي لها السيادة في المجتمع ومصدرها والتعبير عنها هو كلام الله المنزل في القرآن، وسنة الرسول المعصوم الملهم ثم إجماع الأمة".
2- عدم الرد عند التنازع لله وللرسول:
الواجب عند كل خلاف الرد إلى الله [ أي لكتابه ] وللرسول أي [ لسنته ] وكذا إذا وقع خلاف بين الراعي والرعية بخلاف ما نراه في الدول "الإسلامية" فإنهم يقيمون الخلاف بالقانون الوضعي أو بسياسة الحديد والنار، قال تعالى: "وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ" [ الشورى: الاية10 ]. وقال تعالى " فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً" [النساء: الآية 59].
قال ابن كثير في تفسيره، ج2/ ص326: "وهذا أمر من الله عز وجل بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع إلى الكتاب والسنة كما قال تعالى "وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ" فما حكم به الكتاب والسنة وشهدنا له بالصحة فهو الحق وماذا بعد الحق إلا الضلال ولهذا قال تعالى "إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ" أي ردوا الخصومات والجهالات إلى كتاب الله وسنة رسوله فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم... فدل على أنه من لم يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنة ولم يرجع إليهما في ذلك فليس مؤمنا بالله واليوم الآخر".
قال محمد بن إبراهيم في رسالة تحكيم القوانين " إن من الكفر الأكبر المستبين تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين في الحكم به بين العالمين والرد إليه عند تنازع المتنازعين مناقضة ومعاندة لقول الله عز وجل "فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً" [النساء: الآية 59]... فإنه لا يجتمع التحاكم إلى غير ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم مع الإيمان في قلب عبد أصلاً بل أحدهما ينافي الآخر".
قال الخالدي في تصويبات في فهم بعض الآيات: "تبين الآية للحاكم والمحكومين طريق حل النزاع بينهم وتدلهم على المرجع الذي يرجعون إليه ويحتكمون عند الاختلاف والتنازع، إنها توجب عليهم جميعاً رد الأمر المختلف فيه إلى الله ورسوله أي إلى كتاب الله وسنة رسوله ولا تمنح الآية الحكام حق إعلان حالة الطوارئ وفتح أبواب السجون على المخالفين والمعارضين وتعذيبهم ومحاربتهم في إنسانيتهم وحريتهم ورزقهم وأولادهم وأعراضهم واغتيالهم وإعدامهم بل توجب عليهم سماع الرأي المخالف والاحتكام مع صاحبه إلى الحق والرجوع عن الخطأ إلى الصواب ولو كان عند المخالف".
تعليق:
فهل هذا هو المسلك الذي تسلكه الدول "الإسلامية" عندما يقع نزاع بين الراعي والرعية؟!
إنهم يدّعون الإسلام ولا يحكمونه في الخلافات مطلقاً، فهذه الجزائر مثال على ذلك عندما وقع خلاف بين السلطة أو الطغمة العسكرية بصفة أدق مع الجبهة الإسلامية لم ترجع إلى الكتاب والسنة وإنما اتخذت من القمع الهمجي وسيلة لها في إسكات أصوات المعارضة الجادة ففتحت المحتشدات في قلب الصحراء اللاهبة لشباب المسلمين وإطلاق الرصاص على المتظاهرين ليلاَ وهم يتلون القرآن الكريم غدراً، والرسول الكريم يقول (من رمانا بالليل فليس منا) ويقول أيضاً (نهيت عن ضرب أهل الصلاة) وعُذب الآلاف تعذيباً نُكرا وديست الكرامة الإنسانية وأهينت النساء ودوهمت البيوت و.. و... كل هذا من أجل مصادرة حق الأمة في اختيار الحاكم الذي تريد والعالم بأكمله ساكت صامت كما هو ساكت إزاء قضية البوسنة والهرسك وكما سكت من قبل على ما حدث في العراق وليبيا ومن قبل ذلك كله في فلسطين وكأن حكام المسلمين فُرِض عليهم أن يكونوا يد الاستعمار العالمي في قمع الشعوب، إنها مهمة قذرة ولكن يوم النصر قادم بإذن الله والشعوب الإسلامية بدأت تستيقظ وتدرك أن هذه الأنظمة التي تحكم ما هم إلا عملاء وخدام للكفرة وإلا فما هو السر في السكوت على ما يحدث في العالم من مآس للمسلمين؟!!.
قال الشيخ أبو الأعلى المودودي: في الخلافة والملك ص24" "إنها [أي الآية] تحدد المبادئ التي يقوم عليها دستور الدولة حيث توضح ست نقاط دستورية وهي:
1- طاعة الله ورسوله مقدمة على أية طاعة أخرى.
2- طاعة أولي الأمر تأتي تحت طاعة الله ورسوله.
3- أن يكون أولو الأمر من المؤمنين.
4- للناس حق منازعة الحكام والحكومة.
5- أن الفصل في النزاع هو قانون الله ورسوله.
6- ضرورة أن توجد في نظام الخلافة هيئة حرة مستقلة عن نفوذ الشعب وتأثير الحكام لتقضي في النزاعات طبق القانون الأعلى قانون الله ورسوله.
تعليق:
فأين هذه الهيئة في بلاد المسلمين التي تقف حاكماً عادلاً في النزاعات بين الرعية والراعي؟!
لقد رأينا في الجزائر مثلاً أن المجلس الدستوري الذي من واجبه أن يقف مع اختيار الشعب بكل قوة وعزيمة يقف خاذلاً للشعب وإلا فمن الذي اتخذ القرار بإيقاف المسار الانتخابي؟!
وعلى أي الأسس؟ ومن خولهم هذا الأمر؟!
وبأي حق يقتل الأبرياء ذنبهم الوحيد هو أنهم قاوموا السلطة التي خرجت عن أحكام الأرض والسماء وجميع الأعراف الإنسانية وإلى اليوم لم نسمع صوت هذا المجلس الدستوري في القضية ومن هو صاحب الحق!! ورغم ذلك كله ينعتون المجاهدين لظلم النظام – وهو حق أقرته شريعة السماء وقوانين الأرض - بالإرهابيين ويضعون قانوناً كافراَ جائراً على مقاسهم لتصفية المعارضة السياسية سياسياً بل وجسدياً فهل بمثل هذه التصرفات يا خلق الله تتقدم الدول وتزدهر؟!!
أما العبد الفقير إلى رحمة الله فيقولها صراحة إنني إرهابي بأوصاف ديمقراطيتهم مجاهد بشريعة ربنا من الطراز الأول لقوله تعالى "وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ". [الأنفال: الآية 60]. وصدق الله العظيم إذ يقول "لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ" [الحشر: الآية 13].
3- عدم التحاكم إلى شرع الله تعالى:
من الكفر البواح الذي حرمه الشارع الحكيم التحاكم لغير شرعه الحنيف، قال تعالى "فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً" [النساء: الآية 65].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى ج2/ ص192: "إذا عرف هذا فالرضا بالقضاء الديني الشرعي واجب وهو أساس الإسلام وقاعدة الإيمان فيجب على العبد أن يكون راضياً بلا حرج ولا منازعة ولا معارضة ولا اعتراض ثم يذكر الآية السالفة فيقول "فأقسم أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا رسوله صلى الله عليه وسلم وحتى يرتفع الحرج من نفوسهم من حكمه وحتى يسلموا لحكمه تسليما وهذه حقيقة الرضا بحكمه فالتحكيم في مقام الإسلام وانتفاء الحرج في مقام الإيمان والتسليم في مقام الإحسان". انظر أيضاً مدارج السالكين ج2/ ص201.
قال ابن القيم في إعلام الموقعين 1/51: "فإذا كان رفع أصواتهم فوق صوته سبباً لحبوط أعمالهم فكيف بتقديم آرائهم وعقولهم وأذواقهم وسياساتهم ومعارفهم على ما جاء به ورفعها عليه؟ أليس هذا أولى أن يكون محبطاً لأعمالهم".
تعليق:
فكل مسلم أو حاكم يدعي الإسلام ويتظاهر به ثم لا يتحاكم إلى شرع الله فأعماله لا وزن لها وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم فالإسلام حقائق وليس مجرد شعارات نخادع بها الشعوب المسلمة لنأمن مقاومتها ونستجلب رضاها.
قال ابن كثير في تفسيره ج1/520: "يقسم الله تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع أموره فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطناً وظاهراً ولهذا قال "ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً" أي إذا حكموك يُطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجاً مما حكمت به وينقادون له في الظاهر والباطن فيسلمون لذلك تسليماً كلياً من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة كما ورد في الحديث (والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به).
وقال في البداية والنهاية "فمن ترك الشرع المحكم والمنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر فكيف بمن تحاكم إلى الياسق وقدمها عليه؟! من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين".
قال الهضيبي في كتابه دعاة لا قضاة ص76: "ومن اعتقد بعد قيام الحجة عليه بوجوب الرد إلى غير شريعة الله تعالى التي بلغته أو بعدم لزوم الرد إليها، ولو لم يفعل شيئاً، ولو لم يحتكم فعلا فإنه يكون مشركاً كافراً جاحداً لأمر الله الذي بلغه وأن من جهر حراً مختاراً بأنه يريد التحاكم إلى غير شريعة الله التي بلغته ليعرف ما هو حلال وما هو حرام وما هو فرض عليه وما هو منهي عنه أو ماله من حق وما عليه من واجبات فإنه يكون قد أعلن عقيدته الفاسدة وأنه يفضل تلك الشريعة التي يريد التحاكم إليها على شريعة الله التي بلغته فهو كافر مشرك ولا شأن لنا بما في قلبه لأن من جحد بلسانه شيئاً مما افترض الله تعالى الإيمان به في غير إكراه فقد كفر وأشرك وارتد عن الإسلام".
ومن ذلك فقد قالها بوتفليقة على الهواء مباشرة " نحن لا نريد دولة اسلامية ولا دولة علمانية بل نرريد دولة ديمقراطية "
قال محمد حامد الفقي في فتح المجيد ص406: "من اتخذ من كلام الفرنجة قوانين يتحاكم إليها في الدماء والفروج والأموال ويقدمها على ما علم وتبين له من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهو بلا شك كافر مرتد إذا أصر عليها ولم يرجع إلى الحكم بما أنزل الله ولا ينفعه بأي اسم تسمى به ولا أي عمل من ظواهر أعمال الصلاة والصيام والحج ونحوها".
تعليق:
وهذه حال أغلب الحكام في بلاد المسلمين يكفرون بالإسلام – والواقع شاهد على ذلك - ثم يتظاهرون مخادعة للشعوب ببعض الطاعات فيؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض والله المستعان من مكر هؤلاء الماكرين.
قال الشيخ الشنقيطي في أضواء البيان ج4/ 92: "وبهذه النصوص السماوية التي ذكرناها يظهر غاية الظهور أن الذين يتبعون القوانين التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله عز وجل على ألسنة رسله صلى الله عليهم وسلم أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله على بصيرته وأعماه عن نور الوحي مثلهم".
قال سيد قطب في ظلال القرآن ج8/ ص146: "إن الذين يحكمون على عابد الوثن بالشرك ولا يحكمون على المتحاكم إلى الطاغوت بالشرك ويتحرجون من هذه ولا يتحرجون من تلك إن هؤلاء لا يقرأون القرآن ولا يعرفون طبيعة هذا الدين فليقرأوا القرآن كما أنزله الله وليأخذوا قوالبه بجد "وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ"".
قال د./ عبد الله عزام في العقيدة وأثرها في بناء الجيل ص79: "كل من رفض التحاكم إلى شريعة الله أو فضل أي تشريع على تشريع الله أو أشرك مع شرائع الله شرائع أخرى من وضع البشر وأهوائهم وكل من رضي أن يستبدل بشرع الله قانوناً آخر فقد خرج من حوزة الإسلام وألقى ربقة الإسلام من عنقه ورضي لنفسه أن يخرج من هذه الملة كافراً".
قال عبد الرحمن عبد الخالق في كتابه الحدود الشرعية كيف نطبقها ص20. "ولا يشك مسلم أن من لوازم الإيمان الإقرار بشرع الله سبحانه والتسليم بأمره، وهذا معنى الإسلام أي التسليم والاذعان والانقياد لأمر الله وقد دل على هذا المعنى آيات كثيرة كقوله تعالى "إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا" [النور: الآية 51] وكقوله تعالى "فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً" [النساء: الآية 65] وفي هذه الآية تعجب الله سبحانه ممن يدعي الإيمان وهو يريد أن يتحاكم إلى غير حكم الله وحكم رسوله وأخبر أنه لا يؤمن إلا من حكّم الله ورسوله في كل شجار يكون بينه وبين آخرين ورضي بحكم الله وحكم رسوله وسلم تسليما كاملاً لذلك ولا شك أن الحدود الشرعية للجرائم المعروفة: السرقة، والقتل، والزنا، وشرب الخمر، وقطع الطريق، والإفساد في الأرض وغير ذلك من الجرائم، هذه الحدود الشرعية أعني العقوبات المقدرة شرعاً لهذه الجرائم أصبحت لاشتهارها من المعلوم في الدين ضرورة، ولا يكاد بل ولا يصح من مسلم أن يجهل ذلك، وإذا كان هذا ثابتاً معلوماً في الدين فإن تكذيبه أو رده كفر مخرج من ملة الإسلام وهذا الحكم لا خلاف فيه بتاتاً أعني كفر من رد حكماً من أحكام الله الثابتة في كتابه أو على لسانه رسوله خاصة إذا كان هذا الرد معللا بأن هذا التشريع لا يناسب الناس أو لا يوافق العصر أو أنه وحشية أو غير ذلك لأن حقيقة عيب التشريع هي عيب المشرع، والذي شرع هذا وحكم به هو الله سبحانه وتعالى ولا يشك مسلم في أن عيب الله أو نسبة النقص أو الجهل له كفر به وخروج عن ملة الإسلام ولذلك فالأمر الأول الذي ينبغي أن يتعلمه الذين يردون هذا الحكم أنهم ليسوا من جماعة المسلمين ولا ينتمون إلى هذه الأمة أصلاً إلا أن يعلنوا توبتهم ورجوعهم إلى الله سبحانه وتعالى".
وبالتالي ثبت أن التحاكم إلى غير شرع الله كفر بواح ...
قال الخطابي " يريد ظاهراً بادياً من قولهم باح بالشيء يبوح به بواحاً وبواحاً إذا أذاعه وأظهره".
وقال ابن حجر " عندكم من الله فيه برهان أي نص آية أو خبر صحيح لا يحتمل التأويل ".
وقال النووي " المراد بالكفر هنا المعاصي ومعنى عندكم من الله فيه برهان أي تعلمونه من دين الله تعالى ومعنى الحديث لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكراً محققاً تعلمونه من قواعد الإسلام فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم وقولوا بالحق حيث كنتم". انظر فتح الباري 13/5، ونيل الأوطار ج5/ ص367+ج7 ص198 والنووي 12/ ص243.
قال الكشميري في إكفار الملحدين، ص22: " ودل – أي هذا الحديث - أيضاً على أن أهل القبلة يجوز تكفيرهم وإن لم يخرجوا عن القبلة وأنه قد يلزم الكفر بلا التزام وبدون أن يريد تبديل الملة وإلا لم يحتج الزاني إلى برهان ".
قال أحمد شاكر " إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس هي كفر بواح لا خفاء فيه ولا مداورة ولا عذر لأحد ممن ينتسب للإسلام –كائنا من كان- في العمل بها أو الخضوع لها أو إقرارها فليحذر امرؤ لنفسه وكل امرئ حسيب نفسه ". انظر عمدة التفسير.
وخلاصة القول
أن المراد بالكفر البواح الخروج عن أحكام الشريعة إما بتبديلها أو الرضا بقانون وشرع غير شرع الله فمن فعل ذلك وجب منازعته والخروج عليه لرد الأمر إلى نصابه. ولا يشترط أن يعلن هو بنفسه الكفر كما يذهب إليه الكثير خطأ ولذلك يُكفرون ثم يخرجون والحق أن الخروج يجب ولو لم يعلن الكفر صراحة.
ويؤيد ما ذهب إليه النووي من أن الكفر البواح المراد به المعصية أن هناك بعض الروايات الأخرى للحديث جاء فيه قوله عليه الصلاة والسلام (إلا أن يكون معصية لله بواحاً) وجاء في رواية عند أحمد "ما لم يأمرك بإثم بواحاً" والمقصود المعاصي التي تخرق قواعد الإسلام وتشكل منهجاً مستقلاً في الانحراف أو الدعوة إلى المنكر والبدع.
ومن المبررات الشرعية لمقاومة الأنظمة توجد هناك مخالفات إذا وقعت في نظام وجب الخروج عليه ومقاومته لمن قدر عليها أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
1- اغتصاب الحاكمية: من عقائد المسلمين أن الحكم لله لقوله تعالى "إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ" [الأنعام: الآية57] وقوله تعالى "وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً" [الكهف: الآية 26] فالحكم الشرعي والقدري لله تبارك وتعالى فما على المسلم المؤمن إلا أن يخضع لحكم الله تعالى لقوله تعالى "إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" [النور: الآية 51] ومن هنا فالحاكمية لله تعالى لا شريك له وهذا أمر معلوم من الدين بالضرورة والحاكم المسلم يختاره المسلمون ليطبق عليهم حكم الله تعالى ولا يتعداه.
قال الإمام الغزالي في المستصفى 1/8 و83. "وفي البحث عن الحاكم يتبين أنه لا حاكم إلا الله ولا حكم للرسول ولا للسيد على العبد ولا لمخلوق على مخلوق بل كل ذلك حكم الله تعالى ووضعه لا حكم غيره... وأما استحقاق نفوذ الحكم فليس إلا لمن له الخلق والأمر، فإنما النافذ حكم المالك على مملوكه ولا مالك إلا الخالق فلا حكم ولا أمر إلا له أما النبي صلى الله عليه وسلم والسلطان والسيد والأب والزوج فإذا أمروا وأوجبوا لم يجب شيء بإيجابهم، بل بإيجاب الله تعالى كان للموجَب عليه أن تغلب عليه الإيجاب إذ ليس أحدهما أولى من الآخر فإذن الواجب طاعة الله تعالى –وطاعة من أوجب الله طاعته".
قال أبو زهرة في أصول الفقه ص63 " وهذا التعريف يومئ لا محالة إلى أن الحاكم في الفقه الإسلامي هو الله سبحانه وتعالى. إذ أن هذه الشريعة قانون ديني يرجع في أصله إلى وحي السماء فالحاكم فيه هو الله، وكل طرائق التعريف بالأحكام فيه إنما هي مناهج لمعرفة حكم الله تعالى وأحكام دينه السماوي –على هذا اتفق جمهور المسلمين بل أجمع المسلمون... فإن الإجماع قد انعقد على أن الحاكم في الإسلام هو الله تعالى، وأنه لاشرع إلا من الله وقد صرح بذلك القرآن الكريم فقال تعالى "إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ" وقال تعالى "وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ" [المائدة: الآية 49].
قال الدكتور السنهوري: "وفي كلمة واحدة فإن السيادة في الشريعة الإسلامية لله وحده ولكنه أناب عنه الأمة كلها وليس فرداً واحداً أياً كان حتى ولو كان خليفة أو هيئة أخرى متميزة ولو كانت هيئة دينية".
وقال فرج السنهوري في تاريخ الفقه "لا حاكم إلا الله ولا حكم إلا ما حكم به، على هذا اتفقت كلمة المسلمين حتى الذين قالوا للأفعال حسنا وقبحا عقليين أي يدركها العقل إذ أنهم لم يذهبوا إلى أكثر من اتخاذ الوصفين أساسا لحكم الله –سبحانه- يصدر على موقفهما فالعقل لا دخل له في إنشاء الأحكام وإصدارها وإن كان هو شرط التكليف وله أعظم الأثر في فهم الشرع".
قال د./ محمد ضياء الدين الريس في النظريات السياسية الإسلامية 374: "إذ الذي ينبغي أن يعتقد في الإسلام أن الله سبحانه هو المشرع الأصلي بل الأوحد فهو صاحب الدين والشريعة والنظام لا يقصد من إقامته إلا أن ينفذ تلك الشريعة وهو لم يقم إلا بمقتضاها".
قال د./ سليمان الطماوي في السلطات الثلاث 682. " فالتشريع – بمعناه الدقيق - في الإسلام إنما هو لله تعالى وعلى هذا الأساس لا تملك أي سلطة في الدولة الإسلامية سلطة التشريع أي ابتداع أحكام مبتدأة في الدولة، أما مواجهة الضرورات الجديدة فإنما يكون عن طريق استمداد ما يناسبها من أحكام من التشريع الإلهي، ولقد رأينا أن هذه الوظيفة إنما يقوم بها فئة خاصة من المسلمين هم المجتهدون".
وقال د/ السنهوري في فقه الخلافة وتطورها ص70. " روح التشريع الإسلامي تفترض أن السيادة بمعنى السلطة غير المحدودة لا يملكها أحد من البشر، فكل سلطة إنسانية محدودة بالحدود التي فرضها الله فهو وحده صاحب السيادة العليا ومالك الملك وإرادته هي شريعتنا التي لها السيادة في المجتمع ومصدرها والتعبير عنها هو كلام الله المنزل في القرآن، وسنة الرسول المعصوم الملهم ثم إجماع الأمة".
2- عدم الرد عند التنازع لله وللرسول:
الواجب عند كل خلاف الرد إلى الله [ أي لكتابه ] وللرسول أي [ لسنته ] وكذا إذا وقع خلاف بين الراعي والرعية بخلاف ما نراه في الدول "الإسلامية" فإنهم يقيمون الخلاف بالقانون الوضعي أو بسياسة الحديد والنار، قال تعالى: "وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ" [ الشورى: الاية10 ]. وقال تعالى " فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً" [النساء: الآية 59].
قال ابن كثير في تفسيره، ج2/ ص326: "وهذا أمر من الله عز وجل بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع إلى الكتاب والسنة كما قال تعالى "وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ" فما حكم به الكتاب والسنة وشهدنا له بالصحة فهو الحق وماذا بعد الحق إلا الضلال ولهذا قال تعالى "إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ" أي ردوا الخصومات والجهالات إلى كتاب الله وسنة رسوله فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم... فدل على أنه من لم يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنة ولم يرجع إليهما في ذلك فليس مؤمنا بالله واليوم الآخر".
قال محمد بن إبراهيم في رسالة تحكيم القوانين " إن من الكفر الأكبر المستبين تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين في الحكم به بين العالمين والرد إليه عند تنازع المتنازعين مناقضة ومعاندة لقول الله عز وجل "فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً" [النساء: الآية 59]... فإنه لا يجتمع التحاكم إلى غير ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم مع الإيمان في قلب عبد أصلاً بل أحدهما ينافي الآخر".
قال الخالدي في تصويبات في فهم بعض الآيات: "تبين الآية للحاكم والمحكومين طريق حل النزاع بينهم وتدلهم على المرجع الذي يرجعون إليه ويحتكمون عند الاختلاف والتنازع، إنها توجب عليهم جميعاً رد الأمر المختلف فيه إلى الله ورسوله أي إلى كتاب الله وسنة رسوله ولا تمنح الآية الحكام حق إعلان حالة الطوارئ وفتح أبواب السجون على المخالفين والمعارضين وتعذيبهم ومحاربتهم في إنسانيتهم وحريتهم ورزقهم وأولادهم وأعراضهم واغتيالهم وإعدامهم بل توجب عليهم سماع الرأي المخالف والاحتكام مع صاحبه إلى الحق والرجوع عن الخطأ إلى الصواب ولو كان عند المخالف".
تعليق:
فهل هذا هو المسلك الذي تسلكه الدول "الإسلامية" عندما يقع نزاع بين الراعي والرعية؟!
إنهم يدّعون الإسلام ولا يحكمونه في الخلافات مطلقاً، فهذه الجزائر مثال على ذلك عندما وقع خلاف بين السلطة أو الطغمة العسكرية بصفة أدق مع الجبهة الإسلامية لم ترجع إلى الكتاب والسنة وإنما اتخذت من القمع الهمجي وسيلة لها في إسكات أصوات المعارضة الجادة ففتحت المحتشدات في قلب الصحراء اللاهبة لشباب المسلمين وإطلاق الرصاص على المتظاهرين ليلاَ وهم يتلون القرآن الكريم غدراً، والرسول الكريم يقول (من رمانا بالليل فليس منا) ويقول أيضاً (نهيت عن ضرب أهل الصلاة) وعُذب الآلاف تعذيباً نُكرا وديست الكرامة الإنسانية وأهينت النساء ودوهمت البيوت و.. و... كل هذا من أجل مصادرة حق الأمة في اختيار الحاكم الذي تريد والعالم بأكمله ساكت صامت كما هو ساكت إزاء قضية البوسنة والهرسك وكما سكت من قبل على ما حدث في العراق وليبيا ومن قبل ذلك كله في فلسطين وكأن حكام المسلمين فُرِض عليهم أن يكونوا يد الاستعمار العالمي في قمع الشعوب، إنها مهمة قذرة ولكن يوم النصر قادم بإذن الله والشعوب الإسلامية بدأت تستيقظ وتدرك أن هذه الأنظمة التي تحكم ما هم إلا عملاء وخدام للكفرة وإلا فما هو السر في السكوت على ما يحدث في العالم من مآس للمسلمين؟!!.
قال الشيخ أبو الأعلى المودودي: في الخلافة والملك ص24" "إنها [أي الآية] تحدد المبادئ التي يقوم عليها دستور الدولة حيث توضح ست نقاط دستورية وهي:
1- طاعة الله ورسوله مقدمة على أية طاعة أخرى.
2- طاعة أولي الأمر تأتي تحت طاعة الله ورسوله.
3- أن يكون أولو الأمر من المؤمنين.
4- للناس حق منازعة الحكام والحكومة.
5- أن الفصل في النزاع هو قانون الله ورسوله.
6- ضرورة أن توجد في نظام الخلافة هيئة حرة مستقلة عن نفوذ الشعب وتأثير الحكام لتقضي في النزاعات طبق القانون الأعلى قانون الله ورسوله.
تعليق:
فأين هذه الهيئة في بلاد المسلمين التي تقف حاكماً عادلاً في النزاعات بين الرعية والراعي؟!
لقد رأينا في الجزائر مثلاً أن المجلس الدستوري الذي من واجبه أن يقف مع اختيار الشعب بكل قوة وعزيمة يقف خاذلاً للشعب وإلا فمن الذي اتخذ القرار بإيقاف المسار الانتخابي؟!
وعلى أي الأسس؟ ومن خولهم هذا الأمر؟!
وبأي حق يقتل الأبرياء ذنبهم الوحيد هو أنهم قاوموا السلطة التي خرجت عن أحكام الأرض والسماء وجميع الأعراف الإنسانية وإلى اليوم لم نسمع صوت هذا المجلس الدستوري في القضية ومن هو صاحب الحق!! ورغم ذلك كله ينعتون المجاهدين لظلم النظام – وهو حق أقرته شريعة السماء وقوانين الأرض - بالإرهابيين ويضعون قانوناً كافراَ جائراً على مقاسهم لتصفية المعارضة السياسية سياسياً بل وجسدياً فهل بمثل هذه التصرفات يا خلق الله تتقدم الدول وتزدهر؟!!
أما العبد الفقير إلى رحمة الله فيقولها صراحة إنني إرهابي بأوصاف ديمقراطيتهم مجاهد بشريعة ربنا من الطراز الأول لقوله تعالى "وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ". [الأنفال: الآية 60]. وصدق الله العظيم إذ يقول "لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ" [الحشر: الآية 13].
3- عدم التحاكم إلى شرع الله تعالى:
من الكفر البواح الذي حرمه الشارع الحكيم التحاكم لغير شرعه الحنيف، قال تعالى "فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً" [النساء: الآية 65].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى ج2/ ص192: "إذا عرف هذا فالرضا بالقضاء الديني الشرعي واجب وهو أساس الإسلام وقاعدة الإيمان فيجب على العبد أن يكون راضياً بلا حرج ولا منازعة ولا معارضة ولا اعتراض ثم يذكر الآية السالفة فيقول "فأقسم أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا رسوله صلى الله عليه وسلم وحتى يرتفع الحرج من نفوسهم من حكمه وحتى يسلموا لحكمه تسليما وهذه حقيقة الرضا بحكمه فالتحكيم في مقام الإسلام وانتفاء الحرج في مقام الإيمان والتسليم في مقام الإحسان". انظر أيضاً مدارج السالكين ج2/ ص201.
قال ابن القيم في إعلام الموقعين 1/51: "فإذا كان رفع أصواتهم فوق صوته سبباً لحبوط أعمالهم فكيف بتقديم آرائهم وعقولهم وأذواقهم وسياساتهم ومعارفهم على ما جاء به ورفعها عليه؟ أليس هذا أولى أن يكون محبطاً لأعمالهم".
تعليق:
فكل مسلم أو حاكم يدعي الإسلام ويتظاهر به ثم لا يتحاكم إلى شرع الله فأعماله لا وزن لها وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم فالإسلام حقائق وليس مجرد شعارات نخادع بها الشعوب المسلمة لنأمن مقاومتها ونستجلب رضاها.
قال ابن كثير في تفسيره ج1/520: "يقسم الله تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع أموره فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطناً وظاهراً ولهذا قال "ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً" أي إذا حكموك يُطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجاً مما حكمت به وينقادون له في الظاهر والباطن فيسلمون لذلك تسليماً كلياً من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة كما ورد في الحديث (والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به).
وقال في البداية والنهاية "فمن ترك الشرع المحكم والمنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر فكيف بمن تحاكم إلى الياسق وقدمها عليه؟! من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين".
قال الهضيبي في كتابه دعاة لا قضاة ص76: "ومن اعتقد بعد قيام الحجة عليه بوجوب الرد إلى غير شريعة الله تعالى التي بلغته أو بعدم لزوم الرد إليها، ولو لم يفعل شيئاً، ولو لم يحتكم فعلا فإنه يكون مشركاً كافراً جاحداً لأمر الله الذي بلغه وأن من جهر حراً مختاراً بأنه يريد التحاكم إلى غير شريعة الله التي بلغته ليعرف ما هو حلال وما هو حرام وما هو فرض عليه وما هو منهي عنه أو ماله من حق وما عليه من واجبات فإنه يكون قد أعلن عقيدته الفاسدة وأنه يفضل تلك الشريعة التي يريد التحاكم إليها على شريعة الله التي بلغته فهو كافر مشرك ولا شأن لنا بما في قلبه لأن من جحد بلسانه شيئاً مما افترض الله تعالى الإيمان به في غير إكراه فقد كفر وأشرك وارتد عن الإسلام".
ومن ذلك فقد قالها بوتفليقة على الهواء مباشرة " نحن لا نريد دولة اسلامية ولا دولة علمانية بل نرريد دولة ديمقراطية "
قال محمد حامد الفقي في فتح المجيد ص406: "من اتخذ من كلام الفرنجة قوانين يتحاكم إليها في الدماء والفروج والأموال ويقدمها على ما علم وتبين له من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهو بلا شك كافر مرتد إذا أصر عليها ولم يرجع إلى الحكم بما أنزل الله ولا ينفعه بأي اسم تسمى به ولا أي عمل من ظواهر أعمال الصلاة والصيام والحج ونحوها".
تعليق:
وهذه حال أغلب الحكام في بلاد المسلمين يكفرون بالإسلام – والواقع شاهد على ذلك - ثم يتظاهرون مخادعة للشعوب ببعض الطاعات فيؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض والله المستعان من مكر هؤلاء الماكرين.
قال الشيخ الشنقيطي في أضواء البيان ج4/ 92: "وبهذه النصوص السماوية التي ذكرناها يظهر غاية الظهور أن الذين يتبعون القوانين التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله عز وجل على ألسنة رسله صلى الله عليهم وسلم أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله على بصيرته وأعماه عن نور الوحي مثلهم".
قال سيد قطب في ظلال القرآن ج8/ ص146: "إن الذين يحكمون على عابد الوثن بالشرك ولا يحكمون على المتحاكم إلى الطاغوت بالشرك ويتحرجون من هذه ولا يتحرجون من تلك إن هؤلاء لا يقرأون القرآن ولا يعرفون طبيعة هذا الدين فليقرأوا القرآن كما أنزله الله وليأخذوا قوالبه بجد "وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ"".
قال د./ عبد الله عزام في العقيدة وأثرها في بناء الجيل ص79: "كل من رفض التحاكم إلى شريعة الله أو فضل أي تشريع على تشريع الله أو أشرك مع شرائع الله شرائع أخرى من وضع البشر وأهوائهم وكل من رضي أن يستبدل بشرع الله قانوناً آخر فقد خرج من حوزة الإسلام وألقى ربقة الإسلام من عنقه ورضي لنفسه أن يخرج من هذه الملة كافراً".
قال عبد الرحمن عبد الخالق في كتابه الحدود الشرعية كيف نطبقها ص20. "ولا يشك مسلم أن من لوازم الإيمان الإقرار بشرع الله سبحانه والتسليم بأمره، وهذا معنى الإسلام أي التسليم والاذعان والانقياد لأمر الله وقد دل على هذا المعنى آيات كثيرة كقوله تعالى "إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا" [النور: الآية 51] وكقوله تعالى "فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً" [النساء: الآية 65] وفي هذه الآية تعجب الله سبحانه ممن يدعي الإيمان وهو يريد أن يتحاكم إلى غير حكم الله وحكم رسوله وأخبر أنه لا يؤمن إلا من حكّم الله ورسوله في كل شجار يكون بينه وبين آخرين ورضي بحكم الله وحكم رسوله وسلم تسليما كاملاً لذلك ولا شك أن الحدود الشرعية للجرائم المعروفة: السرقة، والقتل، والزنا، وشرب الخمر، وقطع الطريق، والإفساد في الأرض وغير ذلك من الجرائم، هذه الحدود الشرعية أعني العقوبات المقدرة شرعاً لهذه الجرائم أصبحت لاشتهارها من المعلوم في الدين ضرورة، ولا يكاد بل ولا يصح من مسلم أن يجهل ذلك، وإذا كان هذا ثابتاً معلوماً في الدين فإن تكذيبه أو رده كفر مخرج من ملة الإسلام وهذا الحكم لا خلاف فيه بتاتاً أعني كفر من رد حكماً من أحكام الله الثابتة في كتابه أو على لسانه رسوله خاصة إذا كان هذا الرد معللا بأن هذا التشريع لا يناسب الناس أو لا يوافق العصر أو أنه وحشية أو غير ذلك لأن حقيقة عيب التشريع هي عيب المشرع، والذي شرع هذا وحكم به هو الله سبحانه وتعالى ولا يشك مسلم في أن عيب الله أو نسبة النقص أو الجهل له كفر به وخروج عن ملة الإسلام ولذلك فالأمر الأول الذي ينبغي أن يتعلمه الذين يردون هذا الحكم أنهم ليسوا من جماعة المسلمين ولا ينتمون إلى هذه الأمة أصلاً إلا أن يعلنوا توبتهم ورجوعهم إلى الله سبحانه وتعالى".
وبالتالي ثبت أن التحاكم إلى غير شرع الله كفر بواح ...