yacine414
2011-04-18, 18:15
خـطة المذكـرة
المـقـدمـة
الفصل الأول: ماهية جريمتي الرشوة و إستغلال النفوذ
المبحث الأول: ماهية جريمة الرشوة
المطلب الأول: تعريف جريمة الرشوة
الفرع الأول: تعريف جريمة الرشوة لغة و إصطلاحا و فقها
الفرع الثاني: تعريف جريمة الرشوة قانونا
الفرع الثالث: موقف المشرع الجزائري
المطلب الثاني: أركان جريمة الرشوة
الفرع الأول: الركن المادي
الفرع الثاني: الركن المعنوي
الفرع الثالث: الركن المفترض
المطلب الثالث: أنواع جريمة الرشوة
الفرع الأول: جريمة الرشوة السلبية
الفرع الثاني: جريمة الرشوة الإيجابية
الفرع الثالث: جريمة الوسيط
المطلب الرابع: العقوبات المقررة لجريمة الرشوة
الفرع الأول: العقوبة الأصلية
الفرع الثاني: العقوبة التكميلية
الفرع الثالث: العقوبة المشددة
المبحث الثاني: ماهية جريمة إستغلال النفوذ
المطلب الأول: تعريف جريمة إستغلال النفوذ
الفرع الأول: تعريفه جريمة إستغلال النفوذ الإصطلاحي و الفقهي
الفرع الثاني: تعريف جريمة إستغلال النفوذ قانونا
الفرع الثالث: موقف المشرع الجزائري
المطلب الثاني: أركان جريمة إستغلال النفوذ
الفرع الأول: الركن المادي
الفرع الثاني: الركن المعنوي
الفرع الثالث: الركن المفترض
المطلب الثالث: أنواع جريمة إستغلال النفوذ و هدفها
الفرع الأول:نفوذ حقيقي
الفرع الثاني: نفوذ مزعوم
الفرع الثالث: هدف إستغلال النفوذ
المطلب الرابع: العقوبات المقررة لجريمة إستغلال النفوذ
الفرع الأول: العقوبة الأصلية
الفرع الثاني:العقوبة التكميلية
الفرع الثالث: العقوبة المشددة
الفصل الثاني: مقارنة بين جريمتي الرشوة و إستغلال النفوذ و أثارهما و
أسباب قيامهما و مساعي مكافحتهما
المبحث الأول: مقارنة بين جريمتي الرشوة و إستغلال النفوذ و أثارهما
المطلب الأول: مقارنة بين جريمتي الرشوة و إستغلال النفوذ
الفرع الأول: من حيث الطبيعة القانونية
الفرع الثاني: من حيث الهدف
الفرع الثالث: من حيث الصيغة
المطلب الثاني: أثار جريمة الرشوة
الفرع الأول: الأثار الإجتماعية و الثقافية
الفرع الثاني: الأثار السياسية
الفرع الثالث: الأثار الإقتصادية
المطلب الثالث: أثار جريمة إستغلال النفوذ
الفرع الأول: الأثار على مستوى الجهاز الإداري
الفرع الثاني: الأثار على المستوى الإجتماعي
الفرع الثالث: الثار على المستوى السياسي
المبحث الثاني:أسباب قيام جريمتي الرشوة و إستغلال النفوذ
المطلب الأول: أسباب قيام جريمة الرشوة
الفرع الأول: أسباب إدارية
الفرع الثاني: أسباب إجتماعية
الفرع الثالث: أسباب سياسية
المطلب الثاني: أسباب قيام جريمة إستغلال النفوذ
الفرع الأول: أسباب إدارية
الفرع الثاني: أسباب إجتماعية
الفرع الثالث: أسباب سياسية
المطلب الثالث: المساعي المقترحة لمحاربة جريمتي الرشوة و إستغلال النفوذ
الفرع الأول: المساعي الداخلية لمحاربة جريمتي الرشوة و إستغلال النفوذ
الفرع الثاني: المساعي العربية لمحاربة جريمتي الرشوة و إستغلال النفوذ
الفرع الثالث: المساعي الدولية لمحاربة جريمتي الرشوة و إستغلال النفوذ
الـخـاتـمـة
مـقــدمـة
مقدمة: شهدت السنوات الأخيرة تصاعدا ملموسا في ظهور قضايا الفساد المالي و الإداري التي كشفت عنها مختلف أجهزة الرقابة و الضبط، و عالج القضاء عددا من هذه القضايا و أصدر أحكاما قاسية بحق مرتكبيها، و تضمنت القضايا بالنسبة لكبار الموظفين إرتكاب جرائم الرشوة و التربح من الوظيفة لغرض تكوين ثروات،و الإفتراض من البنوك بضمانات وهمية أو بغير ضمانات أحيانا، و عدم سداد تلك القروض أو فوائدها، ومغادرة البلاد إلى دول أوروبية لا يوجد معها إتفاقات أو معاهدات بتبادل تسليم المجرمين، و قد تباينت التقديرات بشأن كميات الأموال التي نهبت من البنوك العامة و الخاصة طوال السنوات العشر الماضية و وصل بعضها إلى أرقام خيالية، غير أنه لا يوجد تقدير رسمي محدد.
و على ذلك فالرشوة فعل مؤثم، يستغل به الموظف أو ذو الصفة العامة ما لوظيفته من سلطات و إمكانات لغير الغرض الذي وضعت له و بحيث يجعل هذه السلطات تحقق منفعته الذاتية و ليس منفعة المواطنين الذي يجب أن يخدمه الموظف،و يكون ذلك بأن يطلب لنفسه أو لغيره أو يقبل عطية أو يأخذ وعدا لأداء عمل أو يمتنع عن أداء عمل أو أعمال وظيفته بمعنى أن يحصل على مقابل للإخلال بواجبات وظيفته إيجابا أو سلبا، وهي جريمة خطيرة تكشف بجلاء عن تدهور الأخلاق و غيبة الضمير و عدم الإعتياد بالقانون و تجاهل اللوائح المنظمة للوظائف، و تتمثل العطية المطلوبة في منفعة مادية أي مقابل مالي الإخلال بواجبات الوظيفة أو بمقابل معنوي بمعنى الحصول على خدمة أو فعل كالرشاوي الجنسية بغير وجه حق نظير الإخلال بواجبات الوظيفة و بالطبع فإن جريمة الرشوة ليست وليدة هذا العصر و لكنها عرفت منذ القدم، و ربما كان الفارق بينهما أنها الآن أكثر شيوعا، و تشمل كبار الموظفين و صغارهم على السواء و هو ما يطرح تساؤلات كبرى عن حجم الخلل في البناء الإجتماعي و التقصير السائد الآن في المجتمع، و كذلك دور الضغوط الإقتصادية المتزايدة، كمبرر لمثل هذه الجرائم و هو ما يتطلب دراسات تفصيلية و ميدانية معمقة قبل الوصول إلى أحكام عامة.
إن أحد التساؤلات التي تطرح نفسها في قضايا الفساد، تتعلق بالأسباب التي تدفع بعض المنحرفين من الموظفين إلى طلب الرشوة و الإخلال بوظيفتهم العامة و هنا يشار إلى نوعين من الأسباب:
الأول:هو قلة دخل الموظف و حاجته إلى زيادة دخله لمواجهة أعباء الحياة الخاصة مع إرتفاع تكاليف المعيشة، و هو ما يقول به عادة صغار الموظفين الذين يتم ضبطهم و يعترفون بهذه الجريمة.
الثاني:يتعلق بمواصفات ذوي النفوس الضعيفة، بمعنى القابلية للإنحراف و موت الوازع الداخلي أي الضمير و الرغبة الجامحة في الإستزادة في المال الحرام.
و يعتقد "صموئيل هانتتون" يكون الفساد أكثر تفشيا في الدول التي تفتقد لوجود أحزاب سياسية فاعلة أو تعاني أحزابها من الضعف، و كذلك في النظم المهيمنة عليها مصالح الفرد أو العائلة أو العشيرة و المسعى الأساس لفرض سياسة تفشي الرشوة و الفساد الإداري في مؤسسات الدولة هو لخلق نظام جديد يساعد في إستقرار نظام الحكم، و بالتالي إستخدام هذا النظام كخط دفاعي أول لواجهة المجتمع بمعنى آخر توريط قطاعات واسعة من المجتمع بالمساهمة في النظام الجديد و حينئذ تصبح المقولة الشائعة " الشعب قاس فما ذنب السلطة " أكثر شرعية لتبرئة النظام.
و على ضوء ما سبق نطرح الإشكال التالي:
ماهي العوامل التي أدت إلى تفشي ظاهرة الرشوة و من المسؤول على ذلك و ما هو موقف المشرع الجزائري مع تبيان الإجراءات المتخذة للحد من خطورتها؟
و لذا سنحاول الإجابة عليها وفق الخطة المنهجية التالية:
قسمنا موضوعنا إلى فصلين:
الفصل الأول تناولنا فيه جريمتي الرشوة و إستغلال النفوذ و قسمناه إلى مبحثين، في المبحث الأول ماهية جريمة الرشوة، و في المبحث الثاني ماهية جريمة إستغلال النفوذ.
و في الفصل الثاني تناولنا فيه مقارنة بين جريمتي الرشوة و إستغلال النفوذ و أثارهما و أسباب قيامهما و مساعي مكافحتهما و قسمناه إلى مبحثين، في المبحث الأول تناولنا مقارنة بين جريمتي الرشوة و إستغلال النفوذ و أثارهما،و في البحث الثاني تناولنا أسباب قيام جريمتي الرشوة إستغلال النفوذ و مساعي مكافحتهما.
الـفـصل الأول
الفصل الأول: ماهية جريمتي الرشوة و إستغلال النفوذ
المبحث الأول: ماهية جريمة الرشوة
تعتبر الرشوة و الابتزاز من الظواهر المشؤومة التي تؤدي إلى تمرد الطبقات المسحوقة و تؤلبها من سياسة البلاد و أصحاب القدرة و النفوذ فيها مما لاشك فيه أن المجتمعات البشرية قاطبة قد اتفقت كلمتها على قبح كلمة الرشاء و استهجانها و لدلك كان من الطبيعي أن يتعاظم هدا الدم و الاستفباح في المجتمعات الدينية إلى جانب إدانته العرقية و العقلية كانت التعاليم الدينية التي صرحت بحرمته بل ذهبت ابعد من ذلك لتجعله ضمن المعاصي و الذنوب الكبيرة التي توعد الله مرتكبيها بنار أليمة .
المطلب الأول:تعريف جريمة الرشوة
الفرع الأول : تعريفها لغة واصطلاحا وفقها
المفهوم اللغوي للرشوة : لقد ذهب الخليل بن احمد الفراهيدي إلى إن الرشاء هو الحبل الممدود الذي يربط بدلو لإخراجه من البئر و الرشاء يشري الدواء المشري و الرشاء ممدود رشه دلو (1). أما الشرنوبي اللبناني فقد عناها بما يعطي لإبطال حق أو احقاق باطل أو للتلصق فقال : الرشوة مثلثة ما يعطي لابطال حقاو احقاق باطل أو ما يعطي للتملق.
ـواتفق ابن الأثير مع الخليل الفراهيدي على أن الرشاء هو الريش المربوط بالدلو ثم يصفه كوسيلة غير مشروعة ، يستعين بها الإنسان بهدف قضاء حاجته وبلوغ هدفه فيقول لعن الله الراشي والمرتشي والراييش ،فالرشوة الوصلة الى الحاجة بالمصانعة واصله من الرشاء الذي يتوصل به الى الماء فالراشي الذي يعينه على الباطل (2).
ـ ووافقها احمد بن فارس أيضا في أن الرشاء يعني حيل الدلو فقال :
(الرشاء الحبل الممدود ...وراشيتا الرجل إذا عاونته فظاهرته : أما الفيروز الأبدي فقد ذهب الى أن الرشوة تعني مطلق الجمل أي نوع من أنواع حق العمل (3).
ب/المفهوم الاصطلاحي للرشوة : لقد اختلف أراء الفقهاء بشان تعريف الرشوة فقد ذهب آية الله السيد الخوئ الى أنها تشمل ما يعطى بهدف إبطال حق أو إحقاق باطل فقال الرشوة عبارة عن ما يعطى للقاضي ليصدر حكما لصالح الراشي سواء كان ذلك الحكم باطلا أو حقا بينهما أعتبرها بعض الفقهاء أكثر شمولية و سعة من ذلك فهي تشمل الهدية و الهبة التي تعطى للقاضي بغية استمالته ، و لذلك قال في استدلاله على حرمة بعض أقسام الهبات و الهدايا التي تعطى للقضاة و الولاة و عليه فالرشوة أعم من أنها تعني الجهل فقال"ًالرشوة عبارة عن الجهل ".
-أما المحقق اليزيدي فقد عرفها قائلا: "الرشوة عبارة عن كل ما يعطى للقاضي من أجل صدور حكم لصالح الراشي سواءا كان حقا أم باطلا أو من أجل أن يدله القاضي على ما يجعله غالبا لخصمه.
و عليه فإن هذا التعريف يعتبر أكثر شمولية و سعة من سائر التعاريف حيث ذهب إلى أن الرشوة تصدق على سائر الحالات من إعطاء المال بغية إجادة فن الدفاع في المحكمة و كيفية التعامل مع القاضي و الخصم و الطرق العملية لكسب الدعوى و غلبة المدعي.
(1)- بكري فاطمة الزهراء-رسالة ماجيستار- خطابات رئيس الجمهورية في الجرائم التي تمس المصلحة العامة ص 1.
(2) – د فتوح عبد الله الشاذلي-شرح قانون العقوبات القسم الخاص جرائم العدوان على المصلحة العامة ص 22.
(3) - بكري فاطمة الزهراء-رسالة ماجيستار- خطابات رئيس الجمهورية في الجرائم التي تمس المصلحة العامة ص 12.
- في حين أضفى عليها بعض الفقهاء المعاصرين شمولية أعم من جوانب أخرى فاعتبروها صادقة حتى على الأموال التي لا تتجاوز الجهاز القضائي فتمنح لغير القاضي و قد عرفها صاحب فقه القضاء قائلا :"الرشوة أعم من المال الذي يعطى لغير الحاكم بهدف تحقيق الغرض المطلوب ".
و نلخص مما سبق أن هذا التعريف لم يقتصر بها على باب القضاء ، بل عممها لتشمل سائر الأجهزة و القطاعات ،كما نستنتج أن كل من التعاريف الأنفة الذكر كانت أعم و أشمل من مثيلاتها على أساس بعض الجوانب و الجهات و بالتالي يمكن القول بأن التعريف الأول قد إتفق عليه مشهور الفقهاء إن لم نقل إجماعهم.
المفهوم الفقهي للرشوة: إن ما حرمه الإسلام و غلظ في تحريمه الرشوة و هي دفع المال في مقابل قضاء مصلحة يجب على المسؤول عنها قضائها بدونه ، ويشتد التحريم إن كان الغرض من دفع هذا المال إبطال حق أو إحقاق باطل أو ظلم لأحــــد.
و قد ذكر أبن عابدين في حاشيته: أن الرشوة هي ما يعطيه الشخص لحاكم أو غيره ليحكم له أو منفعة يمكنه منها أو يقضيها له ، و المراد بالحاكم القاضي و غيره ، و كل من يرجى عنده قضاء مصلحة الراشي سواءا كان من ولاة الدولة و موظفيها و القائمين بأعمال خاصة كوكلاء التجار و الشركات و أصحاب العقارات ، و المراد بالحكم للراشي و حمل المرتشي على ما يريده للراشي تحقيقا لرغبته و مقصده سواءا كان ذلك حقا أو باطلا.
الرشوة من كبائر الذنوب التي حرمها الله على عباده، و لعن رسوله صلى الله عليه و سلم من فعلها، فالواجب اجتنابها و الحذر منها، وتحذير الناس من تعاطيها، لما فيها من الفساد العظيم و الإثم الكبير و العواقب الوخيمة و هي من الإثم و العدوان اللذين نهى الله سبحانه و تعالى عن التعاون عليهما في قوله عز و جل: "و تعاونوا على البر و التقوى و لا تعاونوا على الإثم و العدوان" و قد نهى الله عز و جل عن أكل أموال الناس بالباطل فقال سبحانه و تعالى:"ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل و تدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم و أنتم تعلمون" .
الرشوة من أشد أنواع أكل الأموال بالباطل لأنها دفع المال إلى الغير بقصد إحالته عن الحق و قد شمل تحريم الرشوة أركانها الثلاث و هم الراشي و المرتشي و الرائش و هو الوسيط بينهما فقد قال صلى الله عليه و سلم:"لعن الله الراشي و المرتشي و الرائش" رواه أحمد و الطبراني، و قد وردت أحاديث كثيرة في التحذير من هذا المحرم و بيان عاقبة مرتكبيها منها ما رواه إبن جرير عن إبن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم:" كل لحم أنبته السحت فالنار أولى به قيل ما السحت؟ قال الرشوة" (1). وروى الإمام أحمد عن عمرو بن العاص رضي الله عنهم يقول ما من قوم يظهر فيها
الربا إلا أخذوا بالسنة و ما من قوم يظهر فيه الرشا إلا أخذوا بالرعب.
الرشوة و غيرها من المعاصي تضعف الإيمان و تغضب الرب و تسبب تسليما الشيطان على العبد في إقاعه في المعاصي أخرى، فالواجب على كل مسلم و مسلمة الحذر من الشيطان و من سائر المعاصي
الأخرى مع الرشوة إلى أصحابها إن تيسر له ذلك، فإن لم يتيسر له ذلك يصدق بما يقابلها عن صاحبها إلى الفقراء مع التوبة الصادقة عسى الله تعالى أن يتوب عليــه.
و من أثار الرشوة على مصالح المسلمين ظلم الضعفاء و هضم حقوقهم و إضاعتها أو تأخر حصولها بغير حق بل، و أثارها أيضا فساد أخلاق من يأخذها من قاض أو موظف و غيرهما وانتصاره
(1)- www.tarik el eslam.com
لهواه، وهضم حق من لم يدفع الرشوة أو إضاعته كليتا مع ضعف إيمان آخذها و تعرضه لغضب الله و شدة العقوبة في الدنيا قبل الآخرة كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم: "ما من ذنب أجدر عند الله أن يعجل لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من البغي و قطيعة الرحم.
الفـرع الـثـانــي: تعريف الرشوة قانونــا
لم يشر قانون العقوبات إلى تعريف صريح للرشوة و قد وجد الفقه صعوبة في تعريفها
قد عرفها الدكتور عبد الرحيم صدقي في كتابه قانون العقوبات القسم الخاص على أنها: "العبث بالثقة الواجبة في عمل الجهاز الحكومي أو غير الحكومي بناء على أحد الأفعال المبينة في القانون نظير مقابل معين" و هي على هذا الأساس تقوم على ثلاثة أركان هي:
- العبث بالثقة الواجبة في عمل الجهاز الحكومي و الغير الحكومي
- نظير مقابل معيــن
- قصـد جنــائــي (1).
كما عرفها الدكتور فتوح عبد الله الشاذلي على أنها:"إتجار الموظف العام بأعمال الوظيفة أو الخدمة التي يعهد إليه القيام بها لصالح العام، و ذلك لتحقيق مصلحة خاصة له و عدا ذلك تتمثل الرشوة في إنحراف الموظف في أدائه لأعمال وظيفته عن الغرض المستهدف من هذا الأداء ، و هو المصلحة العامة، من أجل تحقيق مصلحة شخصية له فهي الكسب الغير المشروع من الوظيفة (2).
فالرشوة بمعناها الواسع تتكون في الأصل من إتفاق بين الموظف و من يطلب خدماته بمقتضاها يحصل الموظف على فائدة أو على مجرد وعد بفائدة ، نظير أدائه لعمل من أعمال وظيفته أو إمتناعه عن أداء هذا العمل فهي عدا هذا النحو علاقة أخذ و عطاء متبادل بين الموظف و صاحب المصلحة.
من الضروري الاحتكام الى مقتضى الأصل بهدف إزالة الشبهات في مواضيع الشك والريبة ليس من المستبعد أن يكون العرف هو تأرجح الرشوة بين السعة و الضيق ،فالعرف لا يرى اختصاصها بدفع الأموال للحاكم بهدف إصدار حكم بالباطل ،بل يحكم بان الأموال التي تعطى للحاكم بهدف إصدار حكم بالباطل ، بل يحكم بان الأموال التي تعطى للحاكم من اجل إصدار حكم بالحق رشوة أيضا والدليل على ذلك :
أولا :إن الرشوة هي التي تتبادر الى الذهن بالحق من إعطاء الأموال للقاضي بغية إصدار حكم بالحق لصالح من يعطي الأموال وان كان محقا والتبادر من علائم الحقيقة والواقع .
ثانيا : عدم صواب سلب عنوان الرشوة عن الأموال التي تقدم للقاضي بغية إصدار حكم بالحق .
ثالثا :لقد صرحت الروايات بصدق الرشوة على هذه الحالات والتي استعرض لها لاحقا .
أضف الى ذلك فان العرف يرى صدق مفهوم الرشوة على الأموال التي تمنح لغير القاضي بهدف القيام ببعض الأعمال بالباطل لصالح من يعطيها، و أ دلته أيضا التبادر و عدم صحة السلب إلى جانب استفاضة الروايات التي تؤيد هذا المدعي (3 ).
أما بالنسبة لمدعي صدق الرشوة في غير الأموال كالقيام بإسداء بعض الخدمات، فإنه و إن ورد الإستعمال في إطلاق عنوان الرشوة على هذه الأمور أيضا، إلا أن المفروض منه في علم الأصول هو أن الإستعمال أعم من الإطلاق، و بناءا على هذا فإن الصدق الحقيقي للرشوة على هذه الأمور مشكل .
(1)-د عبد الرحيم صدقي – قانون العقوبات-القسم الخاص- ط3- دار العربي-ص 341
(2)-د فتوح عبد الله الشاذلي- مرجع سابق- ص 23 .
(3) – www.justice.com
اللهم إلا على مبنى السيد المرتضي الذي قال :بأن الإستعمال علامة الحقيقة .
فإذا ما جاء دور الشك دخل هذا البحث في إطار إجمال الشبوهات المفهومية ،فإن جرى الإستعصاب في الشبهات المفهومية كان مقتضى إستعصاب عدم الرشوة هو عدم الحرمة إلا أن المرجع سيكون البراءة من الحرمة ، و ذلك لأن إجراء الإستعصاب في الشبهات المفهومية مرفوض لا معنى له في علم الأصول.
أما إسداء بعض الخدمات للقاضي من أجل إصدار حكم بالباطل فهو حرام و إن لم يصدق عليه حقا عنوان الرشوة، و ذلك لما صرحت به الروايات إلى جانب الأدلة التي قامت على حرمة الرشوة كالعقل(1 ).
و التعريف الراجح هو تعريف الدكتور عبد الله سليمان إذ قال بأن الرشوة :"الرشوة إتفاق بين شخصين يعرض أحدهما على الآخر عطية أو وعد بعطية أو فائدة فيقبلها لأداء عمل أو الإمتناع عن عمل يدخل في أعمال وظيفته أو مأموريته، فهي إذن إتجار بالخدمة العامة أو إتجار بأعمال الوظيفة.
و هي تستوجب وجود شخصين:
الشخص الأول (الراشي) :يدفع للموظف أو من في حكمه جعلا أو فائدة أو يستجيب لطلباته بدفع الجعل أو الفائدة لقضاء مصلحته.
الشخص الثاني(المرتشي) : الموظف أو من في حكمه يطلب أو يقبل عطية أو فائدة ما من أجل أداء عمل أو الإمتناع عن عمل من أعمال وظيفته(2).
كما تطرقنا سابقا فإن هناك إختلاف بين وجهات نظر اللغويين و الفقهاء من جانب و علماء المدارس الحقوقية من جانب آخر بشأن مفهوم الرشوة و سعتها و ضيقها، فقد أضفى عليها كل منهم سعة و شمولية من جهة و محدودية و ضيقا من جهة أخرى على سبيل المثال فإن أرباب اللغة توسعوا في مفهوم الرشوة ليعتبروها هو ما يتسلمه القاضي أو الموظف مصداقا واضحا من مصادقها .
بينما يعتقد بعض الفقهاء أنها تقتصر على ما يعطى لهم بهدف إصدار الأحكام بالباطل، أما ما يعطى للقاضي من أموال و ما شابه ذلك لإصدار حكم بالحق لصالح الراشي فليس من الرشوة في شيء و كذلك المال الذي يمنح لغير القاضي و إن كان من أجل القيام بعمل ليس بحق .
هذا من جانب و من جانب آخر فهناك اختلاف بشأن اختصاص الرشوة بمنح الأموال أو شموليتها للقيام ببعض الأعمال الخدماتية من قبيل إصلاح وسائل النقل، خياطة الثياب و الملابس بيع السلع و البضائع بثمن أرخص من السوق، شراؤها بسعر أغلى و عدم رعاية الدور و النظام في إنجاز بعض الأعمال و الذي يشتق من بعض كلمات الفقهاء وهو التعميم على الخلاف من أراء أصحاب الأربعة.
(1) – www.justice.com
(2)-د عبد الله سليمان-دروس في شرح قانون العقوبات-القسم الخاص-د م ج-ص62
الفرع الـثـالـث: مـوقف المشرع الجزائري.
أخذ القانون الجزائري عن القانون الفرنسي بالاتجاه الكافي الذي يجعل من جريمة الرشوة جريمتين مستقلتين:
- جريمة الراشي و هي ما يطلق عليه بالرشوة الايجابية
- جريمة المرتشي ما يطلق عليه الفقه الرشوة السلبية
و لقد واجه هذا التميز بين جريمة الراشي و المرتشي نقدا من بعض الفقهاء الفر نسين الذين رأوا أن جريمة الرشوة هي جريمة واحدة طرفاها الراشي و المرتشي و مع ذلك فنحن لا نرى موجبا لهذا النقد حيث أن إرادة المشرع واضحة في التمييز بينهما حيث نص في المادة25و 26 و27 و28 و40 من قانون مكافحة الفساد على جريمة الرشوة التي يقترفها المرتشي في جريمة الرشوة و التي يقترفها المرتشي وأن لم يذكر كلمة الراشي صراحة في تلك المادة . زيادة على أن التمييز بين الجريمتين يسمح بالمعاقبة على بعض الحالات التي لا يمكن المعاقبة عليها فيما لو اعتبر جريمة الرشوة جريمة واحدة و مثال ذلك أن يقدم الراشي على عرض الرشوة دون أن تلاقي تلك الحالة قبول من الموظف , ففي هذه الحالة لا يمكن ملاحقة الراشي في شروع إلا إذا كان القانون يميز بين جريمة الراشي و جريمة المرتشي, و يلاحظ أن القوانين التي نصت على أن اعتبار جريمة الرشوة جريمة واحدة طرفها المرتشي و الراشي , استكملت النص بتحريم حالة من عرض الرشوة و لم تقبل منه-كشروع في جريمة الرشوة –بنص خاص و هو ما لم يفعله القانون الجزائري , مما يدل بوضوح على اتجاه المشرع الجزائري و اعتبا ره الرشوة جريمتين مستقلتين
الأولى جريمة الرشوة التي
الثانية جريمة الرشوة يرتكبها المرتشي. التي يرتكبها الراشي(1).
المطلب الثانـي:أركـان جريمة الرشـوة
لقد عرفت الرشوة على أساس أنها طلب أو أخذ عطية أو قبول وعد بها لأداء عمل أو الإمتناع عنه بدون علم و رضا صاحب العمل، و على هذا الأساس يجب يتوفر على ثلاثة عناصر وهي كالأتي:
الفرع الأول : الركن المادي:
يلزم لقيام الركن المادي توافر سلوك من المستخدم هو طلبه أو أخذه أو قبوله و موضوع هذا السلوك
هو عطية أو وعد بها هذه الصور للسلوك الإجرامي في الرشوة التبادلية، فكل صورة من هذه الصور منفردة تشكل الجريمة و إجتماعها لا يشكل إلا جريمة واحدة فالموظف يرتكب الجريمة بمجرد الطلب أو القبول أو الأخذ.
أولا:الطلب: يتحقق بمبادرة من الموظف، يعبر فيها عن إرادتها في الحصول على مقابل نظير قيامه بأداء العمل الوظيفي أو الإمتناع عن أدائه(2 ) ولو لم يجب على طلبه، أي حتى و لو لم يجب على طلبه، أي حتى و لو تم الرفض من جانب صاحب المصلحة فالرشوة هي سلوك الموظف، ومن ثم تتحقق كاملة بصرف النظر عن موقف صاحب المصلحة و علة الإكتفاء بمجرد الطلب لقيام الجريمة أن الموظف بهذا الطلب قد عرض العمل الوظيفي كسلعة للإتجار فيها، فأخل بنزاهة الوظيفة و الثقة التي عهد ت إليه للقيام بأعبائها، فلم يعد هناك فرق بين العرض للإتجار و الإتجار الفعلي لأن علة
(1)- د عبد الله سليمان-مرجع سابق-ص63
(2 ) -نقض 6 نوفمبر 1967 –مجموعة أحكام النقض-رقم 225 –ص1087
التجريم متوافرة في الحالتين بالقدر ذاته و طلب الرشوة قد يكون بعبارات صريحة كما قد يكون ضمنيا و الطلب الضمني يستفاد من تصرفات الموظف التي لا تدع شكا في دلالتها على التعبير عن إرادته في تعليق أداء العمل الوظيفي أو الإمتناع عنه على دفع المقابل أو الوعد به، و ليس بلازم أن يطلب الموظف العطية أو الوعد لنفسه، بل قد يطلب ذلك لغيره (1) ، مادام هذا الطلب صدر منه و وصل إلى علم صاحب المصلحة مباشرة أو عن طريق وسيط و عليه فالموظف الذي يلبي الرشوة لزميل له يعد فاعلا أصليا للرشوة و ليس مجرد شريك فيها، فيستوي أن بالكتابة إلى صاحب المصلحة أو بإرسال وسيط يبلغه بالطلب أو أن يكون بوشر شفاهة في مواجهة صاحب المصلحة، و لا يتحقق الطلب إلى بوصوله إلى علم صاحب المصلحة، و لذلك فإذا صدر الطلب عن الموظف ثم حالت أسباب لا دخل لإرادته فيها دون اتصال علم صاحب المصلحة به.
فان الرشوة تتوقف عند مرحلة الشر ع , و ر يختلف الحكم إذا كان الطلب قد حمله رسول كلف من قبل أن تصل إلى صاحب المصلحة فان جريمة الرشوة تتوقف بذلك عند مرحلة الشروع , لكن الرسول لم ينفذ ما كلف به لآي سبب من الأسباب و ينبني على ما تقدم أن الموظف الذي يطلب الرشوة ثم يعدل عن طلبه , قبل وصول الطلب إلى علم صاحب المصلحة ,يستفيد من العدول الاختياري, فلا يتوافر في حقه حتى مجرد الشر وع في الرشوة .
و لا يشترط في الطلب أن يكون محددا فيما يتعلق بالعطية أو الوعد بها, بل يكفي أن يكون الطلب منصبا على عطية قابلة للتحديد ذلك أن الموظف قد يطلب ثمنا لأداء العمل الوظيفي و يترك التحديد ماهية هذا الثمن لفطنة و حسن تقدير صاحب المصلحة , لكن يشترط في الطلب أن يكون محددا بالنسبة للعمل الوظيفي الذي يتعهد الموظف بأدائه لقاء العطية أو الوعد بها, فان لم يكن كذلك فلا تقوم الجريمة بهذا الطلب
و يخضع إثبات الطلب لقواعد الإثبات في المسائل الجنائية و يجوز إثباته بكافة طرق الإثبات منها شهادة الشهود و القرائن أيا كانت قيمة هذا الطلب (2 )
ثانيا: القبول: يفترض القبول كصور ة للركن المادي في جريمة الرشوة , أن يكون هناك إيجابا
صدر من صاحب المصلحة يتضمن عرض الوعد بالرشوة , إذا ما أتم الموظف العمل أو الامتناع المطلوب منه , و يتمثل سلوك الموظف في هذه الصورة قبول الوعد الصادر من صاحب المصلحة أي في موافقة على تلقي مقابل أداء العمل الوظيفي في المستقبل و بالتقاء قبول الموظف المرتشي بإيجاب صاحب المصلحة الراشي, ينعقد الاتفاق صحيحا الذي يعني توافق إرادتين و بقبول الموظف
للوعد بالعطية تتحقق جريمة الرشوة سواءا احصل ما وعد به أم لم يحصل بغض النظر عن أسباب عدم حصوله كما يشترط قيام الموظف بالعمل أو الامتناع الذي قبل الوعد من أجله.
كما تتم الرشوة و لو رفض الموظف أداء العمل المتفق عليه كرد من جانبه على مخالفة صاحب المصلحة عن وعده , طالما حدث هذا الرفض بعد قبول الموظف للوعد.
و لا يشترط أن بقوم بالقبول وفق شكل معين فهو إرادة يتم التعبير عنها بأي وسيلة كانت كما قد يكون القبول ضمنيا يستفاد من الوقائع.
.
(1) - بكري فاطمة الزهراء-رسالة ماجيستار-مرجع سابق-ص 23 .
(2) -د عبد الرحيم صدقي-مرجع سابق- ص341 .
و يشترط في قبول الموظف للوعد أن يكون جديا و حقيقيا فإذا لم تتوفر لدى الموظف إرادة جادة و صحيحة تلتقي مع عرض صاحب المصلحة, فلا يتحقق القبول الذي تقوم به جريمة الرشوة ,و تنتقي عند القبول صفة الجدية في حالة تظاهر الموظف بقبول الوعد لمجرد الإيقاع بصاحب المصلحة و تمكين السلطات من القبض عليه متلبسا و يستوي لقيام الجريمة بقبول الموظف للوعد أن يكون الوعد بعطية تؤول الى الموظف أو الى غيرة , لكن الوعد بعطية أو هدية أو منفعة لغير الموظف, فليزم أن تتوافر مصلحة شخصية للموظف حتى تقوم الجريمة بقبول لهذا الوعد, مثال ذلك أن يكون الوعد لابن الموظف أو لزوجته أو لشخص يرتبط به بصلة قرابة أو صداقة ,. كما لو وعد صاحب المصلحة بتعيين ابن الموظف أو احد أقاربه في وظيفته أو وعد بانتداب زوجته لأداء عمل في مؤسسة أو هيئة عامة أو خاصة يتولى رئاستها.
ثـلثـا : الأخذ : يتحقق الركن المادي لجريمة الرشوة بأخذ الموظف فعلا لعطية قدمها له صاحب المصلحة و الأخذ في حقيقته هو قبول لكنه قبول لهدية أو عطية تقدم في الحال و ليس الإستقبال و ليس قبولا لوعد بتقديم هدية أو عطية، و هذه هي الصورة الغالبة في جريمة الرشوة و الجاري عليها العمل في مجتمعنا، فقد ساد بين المتعاملين مع الإدارة شعار "لا تنتظر أن يطلب منك الموظف، ولا تدفعه إلى الطلب" لأن الغالب أنه لا يرفض ما يقدم إلي، كما أن الموظف لا يقنع في الغالب الأعم بمجرد قبول خشية أن يضر به صاحب المصلحة و من ثم يفضل الموظف تسلم ثمن العمل الوظيفي مسبقا و غالبا قبل أداء العمل المطلوب،يتضح من ذلك أن الأخذ هو سلوك الموظف يفترض إعطاء من طرف الراشي، و إذا كان مقابل الرشوة ذا طبيعة مادية، فإن الأخذ يعني تسليم المقابل للمرتشي أي نقل حيازته إليه، أو دخوله في حوزته بأي طريق كان .
و لا يشترط أن يكون تسليم لشخص آخر لا يعلم بالغرض من التسليم، و قد يرسل المقابل عن طريق البريد، و هنا يعد الأخذ محققا بمجرد علم الموظف بالغرض من التسليم أو الإرسال أو إرادته الإحتفاظ بالمقابل، و لا يشترط لقيام الرشوة التسليم الحقيقي للمقابل فيكون التسليم رمزيا كما لو سلم الراشي لحقه على هذه الأشياء و إن لم يكن مقابل موضوع الرشوة أو سلمه المستندات المثبتة لحقه على هذه الأشياء وإن لم يكن مقابل الرشوة ماديا و إنما تتمثل في منفعة أو فائدة معنوية يحصل عليها المرتشي نظير قيامه بالعمل الوظيفي فالأخذ يتحقق بحصول المرتشي على هذه المنفعة أو الفائدة، كما لو تمثل مقابل الرشوة في حصول الموظف على ترقية له أو لأحد أقاربه أو كان المقابل ذو ميزة غير مادية كتسهيل حصول الموظف على خدمة أو تحقيق منفعة له أو لأقاربه، فالأخذ هو السلوك الذي يحقق ماديات الرشوة بصرف النظر عن المستفيد من المقابل فقد يكون المستفيد هو الموظف ذاته، كما قد يكون المستفيد كليا أو جزئيا غير الموظف يستوي أن يكون الغير موظفا أو غير موظف (1).
الفرع الثاني : الركن المعنوي :الرشوة من الجرائم العمدية التي لابد أن يتوفر فيها القصد الجنائي و هذا يعني أن الخطأ الغير عمدي لا يكفي لقيام هذه الجريمة لأنه لا نتصور أن يرتكب الموظف العام جريمة الرشوة عن طريق الخطأ أو الإهمال، و القصد الذي يجب توافره في جريمة الرشوة هو قصد عام و هذا رأي أغلبية الفقهاء لأن المشرع لا يعتد بالغاية من سلوك الجاني و لا يجعل من نية الإتجار بالوظيفة و استغلالها لأغراض ينبغي أن يستهدفه الجاني إذا استبعدنا القصد الخاص من جريمة الرشوة و القصد العام كما نعلم يقوم على عنصري العلم و الإرادة .
(1) -د فتوح عبد الله الشاذلي- مرجع سابق- ص 85.
أولا: العلم بكافة أركان الجريمة :العلم بكافة الأركان التي يقوم عليها النموذج للجريمة هو أحد عناصر القصد الجنائي، و في صدد هذه الجريمة ينبغي أن ينصب علم الموظف المرتشي على صفته الخاصة و كونه موظف عام أو من في حكمه و يجب توافر صلة إرتباط نفسي بين المقابل الذي يحصل عليه و العمل الذي يلتزم به.
فيلزم أولا أن يعلم الجاني بثبوت صفة الموظف العام له بإعتبارها ركنا يدخل في نموذج الجريمة كما حدده نص القانون، فإذا إنتفى علمه بهذه الصفة إنتفى القصد الجنائي لديه، فينتقي القصد الجنائي لدى الموظف الذي فصل من الخدمة ثم أعيد إليها و ارتكب الواقعة قبل أن يعلم بصدور قرار إعادته، لكن إنتفاء علم المتهم بالرشوة بأن وظيفته تدخل في عداد الوظائف التي تضفي على شاغلها صفة الموظف العام في تطبيق أحكام الرشوة، ليس من شأنه أن ينفي القصد الجنائي لديه، لأن إنتقاء العلم هنا لا يعتد به بإعتباره جهلا بقاعدة جنائية ينصب على نص التحريم ذاته . (01)
و يلزم ثانيا أن يعلم الجاني بأنه تلقى مقابلا للقيام بعمل وظيفي و يعني ذلك أن هذا العمل ينبغي أن ينصب على أمرين المقابل ثم الإرتباط بين المقابل و العمل الوظيفي، فإذا إنتفى علمه بأحد هذين الأمرين إنتفى القصد الجنائي لديه و العلم بوجود المقابل لا يثير شكا في حالة طلبه أو قبول العرض الصادر به أو أخذه بالفعل من صاحب المصلحة بإعتباره كذلك و لكن قد يحدث ألا يعلم الموظف بأنه قد أخذ عطية بالفعل إذا كانت قد دست إليه أو وضعت في درج مكتبه دون علمه أو قدمت إليه في ملف يحتوي على مجموعة كبيرة من الأوراق فوضعه في درج مكتبه دون فحصه و بالتالي دون أن يعلم بتلقيه عطية من صاحب المصلحة .
وقد يعلم الموظف بوجود العطية أو الهدية لكنه لا يعلم بقيام إرتباط بينهما وبين العمل الوظيفي ، أن لا يعلم الغرض منها أي إنتفاء علمه بالصلة التي توافرت في ذهن صاحب المصلحة وحده ، بين المقابل الذي قدمه للموظف وبين العمل الوظيفي الذي حقق مصلحته ، كما لو إعتقد أنها هدية تبررها صلات القرابة أو الصداقة أو أنها سلمت إليه على سبيل الوديعة أو كان قد طلب مبلغا من المال من صاحب المصلحة على أنها سلعة يلتزم بردها ، وقدمها هذا الأخير لقاء ما قام به من أعمال وظيفته ففي هذه الأحوال ينتقي العلم بالإرتباط بين العطية أو الوعد بها وبين العمل الوظيفي لإنتفاء الصلة في نفسية الجاني بين ما يحصل عليه والعمل الذي يؤديه .
مفادها تقدم أن عنصر العلم في القصد الجنائي يتوافر إذا ثبت العلم الحقيقي للموظف بأن ما يتلقاه هو مقابل لأداء العمل الوظيفي أو الإمتناع عنه أو الإخلال بواجبات الوظيفة ، وإنما تلتزم محكمة الموضوع التي تفصل في توافر القصد الجنائي بالتحقق من توافر العلم الفعلي للموظف لإمكان القطع بتوافر قصده الجنائي .
ثانيا : إرادة تحقيق السلوك الذي يقوم الجريمة : العنصر الثاني من عناصر القصد الجنائي في جريمة الرشوة هو إرادة إثبات السلوك المحقق للجريمة ، فلا يكفي توافر العلم بمعناه السابق لقيام جريمة الرشوة وإنما يجب أن تتجه إرادة المرتشي إلى تحقي السلوك الذي يشكل ماديات الجريمة ويلزم كذلك أن تتجه إرادة الجاني إلى الإستفادة من المقابل ، سواءا كانت إستفادته شخصية أو بواسطة
(1)-د فتوح عبد الله الشاذلي- مرجع سابق- ص99.
الغير ويعني ذلك وجوب أن تتجه إرادة الجاني للإستيلاء على العطية بقصد التملك أو الإنتفاع ، ولا يثور شك في توافر عنصر الإرادة حين يطلب الموظف مقابلا لأداء عمله إنما يثور الشك في حالتي القبول والأخذ إذ القبول قد لا يكون جديا ، كما أن دخول العطية في حيازة المرتشي قد لا يكون إراديا من جانبه ، والقبول الظاهري للإيقاع بصاحب المصلحة كي يضبط متلبسا بعرض الرشوة ، ففي هذه الحالة لا يتوافر التلاقي بين إرادة الراشي وإرادة الموظف العام ومن ثم لا تتوافر جريمة الرشوة في حق هذا الأخير ، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى لا يكون دخول العطية في حيازة المرتشي إراديا و من ثم لا تتوافر إرادة الأخذ التي تحقق العنصر الثاني من عناصر القصد الجنائي في جريمة الرشوة ، وإرادة الأخذ تنتقل في حالتين :
أ= أن لا يكون الموظف قد علم مطلقا بوجود العطية في حوزته كما لو كانت قد دست إليه في ملابسه أو وضعت في درجه دون علمه ، ففي هذه الحالة يستحيل القول بتوافر الإرادة التي تفترض العلم ، طالما ثبت إنتفاء علم الموظف المعاصر لأداء العمل الوظيفي .
ب= علم الموظف بدخول العطية في حوزته لكن إرادته تتجه إلى رفض هذه العطية ويحدث هذا إذا كانت العطية قد دست إلى الموظف أو وضعت في درج مكتبه أو قدمت له في ظرف مغلق لكنه سارع إلى رفضها بعد أن إكتشف وجودها والغرض منها ، وقام بردها إلى من قدمها أو بإبلاغه السلطات العامة بالأمر ، ففي هذه الحالة تنتفى إرادة الأخذ أو القبول بعد أن توافر عنصر العلم ومن ثم ينتفي القصد الجنائي .
والإرادة التي يتحقق بها القصد الجنائي تكون تطبيقا للقواعد العامة ، أي تكون جدية ومختارة ، فإذا ثبت أن الموظف كان واقفا تحت ضغط أو إكراه أو أن هناك ضرورة ألجأته إلى ذلك إنتفى القصد الجنائي لديه أو إمتنعت بالتالي مسؤوليته الجنائية ، إذا توافرت الشروط التي تجعل من الإكراه مانعا من المسؤولية الجنائية .
وإذا توافر القصد الجنائي بعنصريه تحققت جريمة الرشوة ، ولو كان الموظف لا ينوي القيام بما وعد به صاحب المصلحة من عمل أو إمتناع أو إخلال بواجبات الوظيفة وقد نص المشرع على ذلك صراحة كما رأينا حسما لكل خلاف يمكن أن يثور بصدد قيام الجريمة في هذا الغرض ، فإنتفاء قصد الإتجار بالوظيفة ليس من شأنه أن يؤثر في قيام القصد الجنائي لأن نية الإتجار في أعمال الوظيفة لا تدخل في الركن المعنوي لجريمة الرشوة لأن المشرع لم يشترط لتوافره أي نية خاصة (01).
الفرع الثالث : الركن المفترض : وهي صفة الجاني لجريمة الرشوة التي فيها طرفان الراشي والمرتشي قد يتوسط بينهما شخص آخر يسمى الوسيط ، وقانون العقوبات لا يشترط أي صفة في الراشي أو الوسيط فهو من عامة الناس ، وعلى الغالب يكون الراشي شخص له مصلحة يريد قضائها عن طريق المرتشي ، أما هذا الأخير فله صفات خاصة نصت عليها المواد 25 و 26 و 27 و 28 و 40 من القانون 06-01 المؤرخ في 20 فيفري 2006 المتعلق بمكافحه الفساد .
(1)-د فتوح عبد الله الشاذلي- مرجع سابق- ص10
أولا : الموظفون العموميون أو من في حكمهم :
• القاضي و الموظف، ذو الولاية النيابية ،الخبير، العضو في جهة قضائية، الطبيب، الجراح، القابلة وطبيب الأسنان.
و القاسم المشترك بينهم هو أهمية الوظيفة الاجتماعية و ضرورة توفير النزاهة الكاملة، و قد حشر موظفي السلك القضائي مع بعض أصحاب المهن الحرة التي يعتد بتقريرها و ترتب أثارها في مواجهة الغير قاصدا حماية أخطر الوظائف العامة في المجتمع ( القضاء و الإدارة) من العبث.
و هذه التسمية تدل بوضوح على أهمية دور الموظف العام التي هي في الأصل جريمة الموظف (1)
أ-الموظف العام:يجب التفريق بين الموظف العام في القانون الإداري والقانون الجنائي.
1-الموظف العام في القانون الإداري: كل شخص يقوم بأداء عمل يتميز بصفة الدوام في خدمة مرفق عام أو مصلحة أو مؤسسة عامة تديرها الدولة كما عرفته المادة 01 من الأمر رقم 66-133 الصادر في 02 جوان1966 حيث حددت الموظفين العموميين بنصها:"الموظفون هم الأشخاص المعينين في عمل دائم،و المصنفين في درجة بحسب السلم الإداري المركزي للدولة، سواء في المصالح الخارجية التابعة لها أو في الهيئات المحلية و كذلك المؤسسات و المرافق العامة بموجب نماذج محددة بمرسوم." و قد إستثنت الفئات التالية من بين الموظفين: القضاة،رجال الدين، أفراد الجيش الوطني الشعبي.
2-الموظف العام في القانون الجنائي:يختلف عنه في القانون الإداري بالنظر إلى المصلحة المحمية في كلا القانونين:
-في القانون الإداري:تحديد الحقوق و الالتزامات التي تربط الموظف بالدولة و يستبعد من الموظفين من كان تعيينه باطلا و من يكلف بعمل عارض و من لا تتحقق فيه شروط معينة تقتضيها الوظيفة.
-في القانون الجنائي: يرتكز على إعتبارات أخرى تقتضيها نزاهة الوظيفة و حماية الجمهور فهو يعتبر كل من يواجه الجمهور بإسم الدولة و لحسابها و لو كان له قدر ضئيل من السلطة موظف عام في القانون الإداري هو كذلك في القانون الجنائي بالإضافة إلى من لا يعتبر موظف عام في القانون الإداري قد يعتبر موظف عام في القانون الجنائي. (2).
أما المشرع المصري فقد خصص له في نهاية معالجته لجرائم الرشوة المادة 111 فعرفه القانون الجنائي على أنه: " كل شخص له نصيب من الإشتراك في إدارة أعمال الحكومة مهما كان نصيبه في مسألة إختصاصه .
*إختصاص الموظف العام: قد يكون إختصاصه شاملا للعمل محور الرشوة و قد يكون جزئيا أو
فرعيا أو قد يزعم إختصاصه.
*الإختصاص الشامل: العمل المطلوب منه يدخل برمته ضمن عمله دون تدخل من زملائه الموظفين .
*الإختصاص الجزئي: عمل الموظف جزء من العمل محل الرشوة كأن يختص بتوقيع الشهادة و لكن يجب لإعتمادها توقيع زميل ثاني.
*الإختصاص الفرعي: أن يكون قد ندب أو أعير للقيام بهذا العمل كله أو جزء منه
*الزعم بالإختصاص: لا جريمة في الأمر إذا كان العمل المراد القيام به أو الإمتناع عنه لا يدخل في إختصاص الموظف فإذا إنعدمت الصفة أو الإختصاص نكون أمام جريمة النصب، وفق إعتقادنا ، الزعم بالإختصاص من المتصور وجودها في عرض الرشوة. (3)
(1)- د عبد الله سليمان-مرجع سابق-64.
(2)- د عبد الله سليمان-مرجع سابق-66.
(3)-د عبد الرحيم صدقي-مرجع سابق- ص345.
القانون الجنائي قد سمى بعض الطوائف من غير الموظفين وجعلهم في حكم الموظفين العامين من بينهم :
1-القاضي: يتردد كثيرا في مواد قانون العقوبات النص على القاضي و الموظف إلا أنهما يخضعان لنفس الأحكام في عدا بعض الحالات التي يشدد فيها عقوبة القاضي نظرا لأهمية و خطورة منصبه و بالرجوع إلى القانون الأساسي للقضاء الصادر بالأمر 69 -27 بتاريخ 13ماي1969و تعديلاته اللاحقة و يمكننا تحديد رجال القضاء على أنهم:قضاة الحكم و النيابة العامة و المجلس الأعلى و المجالس القضائية و المحاكم الذين يعينون بموجب مرسوم من وزير العدل حافظ الأختام بعد إستطلاع رأي المجلس الأعلى للقضاء .
تحيط الدولة القاضي بكافة الضمانات للمحافظة على نزاهته و إبعاده عن الشبهات (الرشوة).
2- ذو الولاية النيابية:أعضاء المجالس الشعبية الذين يحملون صفة التمثيل النيابي (المجالس الولائية، البلدية) و ضمهم إلى الموظفين لوجوب تأكيد نزاهة وظيفة التمثيل النيابي لأن أعمالهم هي غاية في الخطورة فهم يمارسون الإختصاص التشريعي للدولة و مراقبة أعمال السلطة التنفيذية للدولة.
3-الخبير و المحلف و العضو في جهة قضائية:إختصاصها مكمل لإختصاص القضاء، عليهم إلتزام الأمانة و عدم خيانة الثقة التي منحت لهم، يرتكب الرشوة إذا أصدر قرار أو أبدى رأي لمصلحة أحد الأفراد أو ضده تحت تأثير ما ناله من منفعة.
أما المحلف أو العضو في جهة قضائية عمله متمم لعمل القاضي و لا يقل خطورة عنه، تسري عليه عقوبة رشوة القاضي .(1)
- الطبيب و الجراح و طبيب الأسنان و القابلة: لا يجوز لهم خيانة شرف مهنتهم تحت تأثير الرشوة لأن المجتمع إئتمنهم على مصالحه.
أما غير الموظفين من الأطباء فتمارس عليهم أحكام الرشوة و يحاسبون على أساس موظفين.
الأعمال التي يرتكبها الأطباء في أعمال الرشوة هي:التقرير الكاذب بوجود أو إخفاء مرض أو عاهة أو حمل أو بإعطاء بيانات كاذبة عن مصدر مرض أو عاهة أو عن سبب الوفاة.
ثانيا: الموظفون أو العاملون في المؤسسات الخاصة:بسط المشرع الحماية على المصالح الخاصة إذ إعتبر أن لها أسلوبها و أسرارها الخاصة في العمل و الواجب أن يقوم المستخدم بعمله دون المتاجرة فيه على نحو لا يرضي مخدمه، المادة 40 من قانون مكافحة الفساد.
فقد تكون جريمة الرشوة في المشروعات الخاصة الفردية (البسيطة) فيكون الجاني مرتبط بعلاقة تبعية تعاقدية مع مشروع خاص، سواءا كان شخصا طبيعيا أو معنويا و أن يكون عاملا فيه أو موظفا أو مديرا، أي يشغل عملا على مختلف درجات السلم الوظيفي التعاقدي، وأي كانت أي طبيعة المشروع أو مشروعية النشاط الذي يمارسه أو عدم مشروعيته، سواءا كان عمل الجاني مؤقتا أو دائم.
و من الأمثلة على إرتكاب الجريمة تلقي الجاني مقابلا على الخدمات التي يقدمها المشروع أو السكوت عن عيوب المواد الموردة له، أو إبلاغ مشروع منافس بأسرار المشروع الذي يعمل فيه معرضا إياه لمناقشة غير مشروعة.
كما قد تكون في نطاق شركات المساهمة و ما إليها كأن يقدم بطلبها عضو مجلس الإدارة أو إحدى الجمعيات التعاونية و النقابات ذات النفع العام أو مدير أو مستخدم في إحداها بطلب هدية أو عطية لقاء تقديم خدماته لهذه الهيئات التي ليست من القطاع العام لا تتبع الدولة و لا تخضع لوصايتهـا الإداريـة
(1)- د عبد الله سليمان-مرجع سابق-67.
تتميز بأهمية إقتصادية و إجتماعية خاصة، إذ أن ما تقوم به من أعمال و ما تؤديه من دور في المجتمع له أهمية أساسية تفرض حرصا خاصا على نزاهة العاملين بها و على ثقة جمهور الناس فيها.
النقابات العمالية تعتبر من أشخاص القانون الخاص بالنظر إلى أن الدولة تقوم بإنشائها، بل يتوقف تكوينها على إرادة أفراد المهنة و لا تملك في علاقاتها بأعضاء حقوق السلطات العامة .(1)
المطلب الثالث: أنواع الرشوة .
تقتضي الرشوة إتحاد إرادة شخصين صاحب مصلحة يعرض هدية أو عطية على موظف ليحمله على أداء عمل من أعمال وظيفته و يسمى راشيا و فعله رشوة إيجابية و موظف أو أمن في حكمه يطلب أو يتلقى الهدية أو العطية و يتجر بوظيفته و يسمى مرتشيا و عمله يكون رشوة سلبية.
ويستفاد من مراجعة المادتي25-26-27-28-40 من قانون رقم 06 -01 الخاص بمكافحة الفساد أن لها أنواع أركان و هي الرشوة السلبية، الرشوة الإيجابية، الوسيط.
الفرع الأول: جريمة الرشوة السلبية .
تقتضي الرشوة السلبية وجود شخصين الراشي و فعله الرشوة الإيجابية و المرتشي عمله الرشوة السلبية حسب المادة 25 من قانون مكافحة الفساد و لها ثلاثة أركان:
الركن الأول: ركن مفترض و هو صفة المرتشي لكونه مختصا بما كلف به.
الركن الثاني: ركن مادي و هو طلب أو القبول لفائدة ما.
الركن الثالث: الركن المعنوي هو القصد الجنائي.
يجب على قضاة الإستئناف أن يستظهروا في قضائهم بإدانة المتهم بالرشوة طبقا لأحكام المادة 25 ق م ف أركان الجريمة حتى يتسنى للمجلس الأعلى مراقبة صحة تطبيق القانون الذي قام به المرتشي مقابل ذلك يعتبر قاصر البيان و يستوجب النقض .
*الركن المفترض:صفة المرتشي و كونه مختصا بما كلف به ونص القانون على الفئات التي تتم بواسطتها الرشوة :
1-الموظفون العموميون و من في حكمهم المادة 25.
2-الموظفون المستخدمون في المؤسسات الخاصة المادة 40.
و هم موظفون مختصون بالعمل المطلوب منهم و لذلك فلابد:
1-بثبوت صفة الموظف أو من في حكمه التي يتطلبها القانون وقت إرتكاب الجريمة.
2-أن يكون العمل المطلوب أدائه داخلا في إختصاصه.
أ-ثبوت الصفة وقت إرتكاب الجريمة:ثبوت أن المرتشي كان وقت قيامه بالجريمة من الأشخاص الذين عددتهم المواد 25 – 40 و على ذلك لا تقوم إذا كان الموظف فاقدا لوظيفته بالإستقالة أو العزل وقت إرتكاب الجريمة وكذلك الموظف في المؤسسات الخاصة .
- سؤال: الموظف الذي يقبل الرشوة إذا تعيينه غير صحيح بسبب نقص أو خطأ في إجراءات التعيين، فهل تطبق عليه أحكام الرشوة أم لا ؟
نفرق بين حالتين :
الحالة الأولى : النقص أو الخطأ مما لا يعتد به وغير معروف من الناس بحيث لم يفقد الموظف سلطاته الوظيفية هنا نطبق عليه وعلى الراشي أحكام الجريمة .
(1)-د فتوح عبد الله الشاذلي- مرجع سابق- ص.259
الحالة الثانية : النقص على درجة من الأهمية تمنع الموظف من القيام بأعمال وظيفته أو زالت عنه بعزل أو إستقالة فلا يمكن تطبيق أحكام جريمة الرشوة لإنعدام الصفة لأنها ركن في إرتكاب الجريمة .
يعاقب على إنتحال الصفة الكاذبة للحصول على عروض وفوائد بعقوبة النصب .
ب= الإختصاص بالعمل أساسها الإتجار بالوظيفة ، لا يتحقق له ذلك إذا كان العمل المطلوب منه أداؤه يدخل ضمن إختصاصه ( كل أو جزء أو مجرد رأي إستشاري ) .
متى كان الموظف مختصا فإن القانون حمى الوظيفة من العبث سواءا بأداء أو الإمتناع عن العمل وكذلك يلحق القانون الأفعال التي لا يكون المرتشي مختصا بها لكنه يستطيع أدائها بحكم وظيفته .(1)
الركن المادي : طلب أو قبول لفائدة ما .
ورد في نص المادة 25 من(ق م ف) الأفعال التي يقوم عليها الركن المادي لهذه الجريمة بنصها يعد مرتشيا كل من يطلب أو يقبل هدية أو وعدا أو يتلقى هبة أو هدية أو أية منافع أخرى .
كما ورد أيضا في المادة 40 بالنسبة لموظف في مصلحة خاصة ولهذا يتمثل الركن المادي للرشوة في ثلاثة عناصر :
*السلوك المادي للموظف .
*محل الرشوة .
*سبب الرشوة وهدفها .
العنصر الأول : السلوك المادي للموظف .
فمن خلال نص المادتين 25 و 40 (ق م ف) يتبين لنا أن السلوك المادي ينحصر في ثلاثة مظاهر :
*المظهر الأول : الطلب هو النشاط الذي يقوم به المرتشي وهو تعبير عن إرادته في الحصول على مقابل لأداء خدمة أو الإمتناع عنها ، وتتم هذه الجريمة بمجرد طلب بنص القانون حتى ولو لم تتحقق النتيجة برفض صاحب المصلحة تقديم ما طلب منه وتقوم الجريمة على أساس الأخذ والطبول أي أن الموظف يصدر منه إيجابا يماثله القبول من طرف صاحب الحاجة عن طريق تقديمه العطية وفي حالة رفض صاحب الحاجة لطلب الموظف يعتبر شروعا في الرشوة باعتبارها تنفيذ للأخذ والقبول .
المظهر الثاني : القبـول .
إن جريمة الرشوة تتم بقبول الشيء المقدم من الشخص الأول المسمى الراشي إلى الشخص الآخر المسمى المرتشي ويتمثل هذا القبول في العطية أو الوعد بها ، وتقع هذه الجريمة بمجرد القبول أي قبول الموظف مع إيجاب صاحب المصلحة وقد يتم القبول بصفات متعددة كالكتابة أو الإشارة أو بتعبير صريح أو بأي شيء آخر يدجل عليه شريطة أن تكون الإرادة جادة في ذلك .
المظهر الثالث : الأخـذ .
يحدث أن يتلقى الآخذ الهبة أو الهدية أو منافع أخرى باستلام الموظف لما عرض عليه حيث يأخذ الموظف ثمن إيجار وظيفته سواء كان معجلا أو مؤجلا (2) .
العنصر الثاني : محل الرشوة .
إن محل الرشوة هو الذي تقع عليه الرشوة والمتمثل في الوعد أو الهدية أو الهبة أو أية منافع أخرى ويقصد أيضا بالمحل هو الفائدة المراد تقديمها إلى المرتشي قصد إشباع حاجة الموظف سوءا كانت مادية أو معنوية كما ورد في المادتين 25 و 40 (ق م ف) .
(1) - د عبد الله سليمان-مرجع سابق-.71
(2)- بكري فاطمة الزهراء-رسالة ماجيستار-مرجع سابق-ص .40
ويشترط الفقهاء في الفائدة شرطين :
01= أن تكون الفائدة التي حصل عليها غير مستحقة أي خارجية عن أجرة اليومي والقانوني .
02= أن تكون متناسبة مع المقابل الذي قدمت من أجله لأنها تؤثر على الموظف إلى حد تغيير نيته .
العنصر الثالث : سبب الرشوة وهدفها .
حدد المشرع سبب الرشوة الذي يعتبر عنصرا هاما لتقرير وقوع الرشوة من عدمها ، وهو إيجار عمل من أعمال الوظيفة حسب المادة 25 (ق م ف) والمتمثلة في مايلي :
*إبداء رأي لمصلحة شخص أو ضده .
*إتخاذ قرار لصالح أحد الأطراف أو ضده .
*إعطاء بيانات كاذبة أو تقرير كاذب حول مرض أو عاهة .
*إمتناع عن أداء عمل من أعمال الوظيفة أو التأخير في إنجازه طالبا في ذلك تقديم رشوة من أجل القيام بهذا العمل الوظيفي (1).
الركن المعنوي :
إن الجريمة السلبية للرشوة تتمثل في إتجاه إرادة الجاني إلى طلب الرشوة أو قبولها أوأخذها ، فإذا علم الموظف بأركان الجريمة ولكنه تظاهر بأنه يريدها إلى طرف آخر قصد الإيقاع بالراشي وهي من الجرائم العمدية يتوافر فيها القصد الجنائي بتوافر العلم والإرادة .
أ= العلم : يجب علم الجاني بأركان الجريمة يعلم بأن الموظف عام ، طلب منه عمل في حدود إختصاصه وما يقدم له مقابل العمل المطلوب منه تنتفي الجريمة بانتفاء العلم كمن يخطئ في تفسير العرض ، كمن يعتقد أنه قدم له بغرض بريء .
ب= الإرادة : علم الموظف بأركان الجريمة وإرادتها ولا تقم إذا علم بها ولكنه لم يردها وإنما تظاهر بذلك للإيقاع بالراشي .
يشترط معاصرة القصد الجنائي للركن المادي فلا عبرة بتوافره في لحظة لاحقة .
والقصد المتوافر هنا هو القصد الجنائي العام وفيه إختلاف إذ يرون أن القصد الجنائي الخاص القائم على نية الإتجار بالوظيفة وإستغلالها ، إلا أن القصد العام هو الراجح .(2) .
الفرع الثاني: جريمة الرشوة الإيجابية: هي جريمة الراشي.
لا تتحقق جريمة الرشوة إلا إذا حصل إتفاق بين الراشي و المرتشي على إعطاء الأول لثاني هدية مقابل عمل يقوم به هذا الأخير في إطار وظيفته أو خدمته فالمذنب الرئيسي في الجريمة هو المرتشي الذي يعبث بالوظيفة و ينتهك واجبات النزاهة و الإخلاص المفروضة عليه.
أما الشخص الذي يعرض الهدية أو يعطيها للموظف ليحمله على أداء عمله في إطار وظيفته أو خدمته فيسمى راشيا و لا يعفى من العقاب إلا إذا كان مضطرا على إرتكاب الجريمة بقوة ليس في إستطاعته مقاومتها( وفقا لقرار صادر يوم 12 أفريل 1992 من القسم الثالث لغرفة الجنح و المخالفات في المجلة القضائية للمحكمة العليا العدد 1 سنة 1994ص271).
لم ينص المشرع الجزائري في المواد 25 و26و27و28و 40 (ق م ف)صراحة على المرتشي إنما على الأفعال التي يقوم بها، إذن لهذه الجريمة ركنان و هما:
(1) - بكري فاطمة الزهراء-رسالة ماجيستار-مرجع سابق-ص.58
(2)- د عبد الله سليمان-مرجع سابق-.71
أ= الركن المادي :لا يتحقق الإرشاء إلا بإتفاق الراشي على تقديم الرشوة إلى الموظف المرتشي مقابل أداء عمل أو الإمتناع عن عمل من أعمال الوظيفة أو يزعم أنه كذلك أو الإخلال بواجبات وظيفته و هي أفعال يقوم بها الركن المادي .
-التعدي و التهديد: يكره الراشي الموظف بتهديده للقيام أو الإمتناع عن عمل في حدود إختصاصه و قد يكون تهديد معنوي (1) كالفصل من الوظيفة أو نقله أو تحذيره من مهبة أمر ما أو تهديد مادي بغض النظر عن أسلوبه، و إذا تجاوز الراشي حد التهديد على التنفيذ عد ذلك من قبل التعدي (2) .
فالراشي يقوم بأفعال عن عمد و يقصد الإستقرار أي دفع الجاني إلى إرتكاب الجريمة، و لكن السؤال المطروح هو ماذا و لو أن الراشي قام بتدبير غير جدي كي يوقع الطرف الثاني في شباك هذه الجريمة لتسهيل القبض عليه و ضبطه في حالة تلبس؟
هذا لا يمنع من وقوع الجريمة و هو ما قضت به محكمة إستئناف بروكسل في حكمها الصادر بتاريخ 15جوان 1994 حين قررت أنه يعاقب الراشي على الشروع في رشوة الموظف العمومي و قد أقرت محكمة النقض (جنايات إسكندرية) بتاريخ 10ماي1948 حين أعلنت أنه لا بطلان في أركان جريمة الرشوة إذا وقعت بتدبير لضبط الجريمة، و لم يكن الراشي يقصد تمام الجريمة جديا فإن غرض
المشرع الأول من المعاقبة هو منع الموظفين و من في حكمهم من إستغلال سلطة وظائفهم و الإتجار بها عن طريق الإنتفاع و الرشوة لأداء أعمالهم أو الإمتناع عن أدائها، و أخيرا فقد أعلنت هذه المحكمة في حكمها الصادر بجلسة 16 جوان 1953 أنه لا يؤثر في قيام أركان الرشوة أن تقع نتيجة تدبير لضبط الجريمة و لم يكن الراشي جادا في ما عرضه على المرتشي، متى كان عرضه لرشوة جديا في ظاهره، و كان الموظف قد قبله على أنه جدي، ناويا العبث بمقتضيات وظيفته لمصلحة الراشي أو مصلحة غيره، و لقد أخذت بهذا الإتجاه محكمة ليموج في فرنسا بحكمها الصادر في 23 ماي1946
حين أعلنت صراحة أن إقتراف الرشوة بناءا على تحريض أو إستفزاز للإيقاع بالمتهم في كمين، لا يؤثر في قيام الجريمة، و لا يمنع من توافرها، و إن كانت هذه الأفعال من جهة آخرى محل لوم شديد من جانب المحكمة.
2 –الترغيب:و هو أسلوب الرشوة الحقيقي بحيث يقوم بالإغراء بالهدايا و الهبات التي تستهوي الموظف للإخلال بواجباته الوظيفية (3)
فيشترط لتمام جريمة الرشوة أن يكون الراشي قد وعد الموظف بشئ ما فقبل الموظف الوعد و أخذ الهدية أو العطية.
قد يكون العطاء أو الرشوة معجلة: و الغالب أن يأخذ الموظف عطية أو هدية لأنه يقتضي إعادة جزاء قيامه بالعمل أو الإمتناع عنه ثمنا معجلا و لا يهم نوع العطاء الذي قدم للموظف، فكما يكون العطاء نقودا يصح أن يكون عروضا أو أوراق مالية أو مجوهرات أو مأكولات أو أي شيئ ذي قيمة.
قد يكون وعد بالعطاء: ليس بلازم أن يأخذ الموظف عطية أو هدية بل يكفي أن يقبل عن شيئ ما، إذ الرشوة لا تقوم على الدفع من جانب و القيض من جانب آخر، بل تقوم على مجرد الإتفاق أو التعاقد الذي يتم بين الراشي و المرتشي.
(1)-د-جيلالي بغدادي-شرح قانون العقوبات-ص110
(2) - د عبد الله سليمان-مرجع سابق-ص-79
(3)- د عبد الله سليمان-مرجع سابق-.80
الرجاء لا يقوم مقام العطاء: لا يقوم الرجاء و لا التوصية مقام العطاء، فلا يعد راشيا من يرجوا موظفا في عمل من أعمال وظيفته أو يوصيه بأدائه على وجه خاص، و لو كان غرضه من ذلك حمل الموظف على تنفيذ عمل غير و لا يعد مرتشيا الموظف الذي يستمع للرجاء أو التوصية فيخل بواجبه بغير أن يأخذ هدية أو عطية أو يقبل وعدا بشئ ما.
العطاء بعد العمل: لا يعد رشوة تقديم هدية أو عطية إلى موظف عمومي بعد قيامه بعمل من أعمال وظيفته سواءا كان العمل حقا أو غير حق إلا إذا كانت تنفيذا لإتفاق سابق، أما إذا أعطيت من قبيل الإعتراف بالجميل و لم يكن متفق عليه فلا عقاب عليه لأن الإتفاق السابق هو المعاقب عليه و بذلك يتحقق معنى الإتجار بالوظيفة(1)
ب= الركن المعنوي: يجب على الراشي بأن يوجه أفعاله( الترغيب و الترهيب) إلى موظف عام أو من في حكمه ليحمله على القيام بالعمل الذي يبتغيه في حدود وظيفته فقصده بهذا المفهوم قصد جنائي خاص.
جريمة الرشوة من الجرائم العمدية يتمثل الركن المعنوي في توافر القصد الجنائي و يتوافر هذا القصد بإتجاه إرادة الجاني إلى طلب الرشوة أو قبولها أو أخذها عالما بأنها مقابل الإتجار بالوظيفة(أداء عمل من أعمال وظيفته أو الإمتناع و الإخلال بواجباتها) أو إستغلالها( أداء عمل يزعم أو يعتقد خطأ أنه من أعمال وظيفته أو الإمتناع عنه) و بناءا على ذلك فإنه يبين أن القصد الجنائي يتطلب توافر عنصرين
هما :العلم و الإرادة.
فيجب أن تتجه إرادة الموظف إلى الطلب و القبول أو الأخذ فلا يتوافر القصد الجنائي إذا تظاهر الموظف بقبول الرشوة للإيقاع بالراشي أو إذا دس الراشي المبلغ في جيب المرتشي دون أن تتجه إرادة هذا الأخير إلى أخذه.
فإذا إتجهت إرادة الجاني إلى أخذ الرشوة وجب أن تتجه نيته إلى الإستلاء على العطية سواء بقصد التملك أو الإنتفاع.
وجب أن يعلم الموظف بأن الرشوة التي طلبها أو قبلها أو أخذها ليست إلى مقابل الإتجار بالوظيفة .
و توافر القصد الجنائي مسألة موضوعية تفصل فيها محكمة الموضوع ما دام تقديرها سائغا مستندا إلى أصل صحيح ثابت بالأوراق.
و لا يحول إنتفاء القصد لدى الموظف العام دون مسائلة صاحب الحاجة عن جريمة عرض الرشوة و يجب أن يعاصر القصد الركن المادي للجريمة.
و يفترض توافر القصد الخاص بإنصراف العلم و الإرادة إلى واقعة لا تدخل في عداد مادياتها. (2)
الفرع الثالث:جريمة الوسيط : لم يصرح المشرع الجزائري بالوسيط في جرائم الرشوة ولهذا نتساءل هل أغفل المشرع الجزائري جريمة الوسيط؟
مع العلم أن دور الوسيط في الحياة العملية أصبح اليوم خطير جدا حيث ي اثر تأثير مباشر على إبرام صفقات الرشوة و يربط أدوار الجناة فيشاركهم في أعمالهم الإجرامية فهو يعمل مع قطبيها و تنهي إلى كليهما وساطته إما مع الراشي أو المرتشي.
فالوسيط هو فرد من المجتمع يقوم بالتوسط بين الراشي و المرتشي في جريمة الرشوة، أو يعمل لحساب أحدهما، كقيامه بفعل مادي مثلا: هدية من الراشي إلى المرتشي أو نقل شيء معنوي بتقريب وجهات النظر بينهما أو الإشتراك في اللقاءات و المحادثات بين الأشخاص.
(1)- المستشار – جندي عبد المالك –الموسوعة الجنائية – ص 13
(2)-د فتوح عبد الله الشاذلي- مرجع سابق-263-237
و الوسيط كثيرا ما يستخدمه الموظف العام كأداة لينة يربح مرونتها أو كستار يتعامل بإسمه و لحسابه مع الراشي.
إن جريمة الوسيط كونها جريمة عمدية في أن تقوم مقام الموظف العام و يدخل في إختصاصه و أسرار وظيفته و بالتالي يحط من كرامة الموظف العام الذي يمثل السلطة و بذلك يقلل من ثقة المواطنين في الدولة و السبب في ذلك و هو إهمال القوانين، وفي هذا المقام يجب التفريق بين الرجاء و الوساطة و التوصية.
أ= الرجاء: إستعطاف يقوم صاحب المصلحة مباشرة بالإلحاح، بهدف إستمالة الموظف أو دعوته في تزلق إلى قضاء الحاجة.
ب=الوساطة: صورة من صور الرجاء أو الطلب الصادر عن وسيط لصاحب المصلحة لدى الموظف العام (1)
ج= التوصية : لا تعد و أن تكون إحدى صور الوساطة التي تصدر من شخص ذو نفوذ أو حيثية على الموظف فبتدخل عنده طالبا لا راجيا قضاء حاجة معينة.
أركان جريمة الوسيط: تتمثل أركان جريمة الوسيط في ثلاث و هي:
أ=الركن المادي: هو توفر العناصر السببية بين الوسيط أداء العمل الوظيفي المخالف للقانون، فإذا كان أداء هذا العمل بدون وسيط فلا قيام للجريمة.
ب= صفة الجاني: يمكن للوسيط أن يكون إنسان عادي يقوم بمهمة الوساطة كما يمكن أن موظفا مختصا.
ج=الركن المعنوي: يتمثل في القصد الجنائي و هي علم الموظف به و كون الوسيط الذي قام به للقانون و إتجاه إرادته إلى الوسيط و مخالفته للقانون.
و يكمن الفرق الجوهري بين هذه جريمة الوسيط وجريمة الرشوة في المتاجرة بالعمل الوظيفي و هو جوهر فكرة الرشوة بخلاف الثانية، فالإتجار يفترض المقابل نظير أداء العمل أو الإمتناع عن أدائه أو الإخلال بواجبات وظيفته و نزاهتها و الثقة الموضوعة فيها، يلاحظ أن الرشوة ليست دائما تتطلب أداء العمل أو الإمتناع عنه، وإنما تتطلب هي الآخرى إرادة و علم الموظف بذلك(2)، فطبقا للمبادئ العامة و الإجتهادات الفقهية يعتبر الوسيط شريكا لمن تعامل معه، في تقريب وجهات النظر بين الراشي و المرتشي.
المطلب الرابع: العقوبات المقررة لجريمة الرشوة:
يشمل الجزاء القانوني لجريمة الرشوة مجموعة من العقوبات التي نص عليها المشرع الجزائري جزاءا لإقتراف الجريمة مهما كانت طبيعتها، و هي في هذا الصدد قد تكون سالبة للحرية و قد تكون عقوبة مالية، و إذا كانت القاعدة أن على من إرتكب الجريمة إيستفاءا للعقوبة المقررة لها، فأخرج المشرع بخصوص جريمة الرشوة مقررا على سبيل الإستثناء إعفاء الراشي و الوسيط بإعتبارهما شريكين من العقوبة المقررة للمرتشي.
الفرع الأول: العقوبة الأصلية: كل حكم يصدر لجزاء العقوبة ما يسمى بالعقوبة الأصلية و تختلف حسب الجرائم المرتكبة و مرتكبيها.
أ=عقوبة الرشوة السلبية: في حالة ثبوت الجريمة السلبية للرشوة للموظف العام فإن المشرع الجزائري حدد له المادة 25 من قانون مكافحة الفساد بعقوبة من سنتين (02) إلى عشر سنوات (10) و بغرامة مالية من 200000 دج إلى 1000000 دج .
(1)-د فتوح عبد الله الشاذلي- مرجع سابق-270
(2)-د عبد الرحيم صدقي-مرجع سابق- ص347
ب= عقوبة الرشوة الإيجابية: إن المشرع الجزائري نص في المادة 25 من قانون مكافحة الفساد على العقوبة الأصلية لمرتكب هذه الجريمة بنفس العقوبة المقررة للرشوة السلبية حيث العقوبة بالحبس من سنتين (02) إلى عشر سنوات (10) و غرامة مالية من 200000 دج إلى 1000000 دج.
ج= عقوبة الوسيط: نفس العقاب المقرر للراشي و المرتشي يطبق على الوسيط الذي هو شريك لهما بناءا على القاعدة التي تقول من إشترك في جريمة فله عقوبتها أي من سنتين (02 إلى عشر سنوات (10) و غرامة مالية من 200000 دج إلى 1000000 دج.
*الإمتيازات الغير مبررة في مجال الصفقات العمومية:وهي إبرام الموظف العمومي لعقود أو يراجعها أو صفقة مخالفة للأحكام التشريعية و التنظيمية الجاري بها العمل ، و كل تاجر أو صناعي أو حرفي أو مقاول من القطاع الخاص بإبرام عقد أو صفقة مع الدولة أو الجماعات المحلية الخاضعة للقانون العام أو المؤسسات العمومية و يستفيد من سلطة أو تأثير أعوان بنفس عقوبة المادة 25 ق م ف.
*الرشوة في مجال الصفقات العمومية: و هي خاصة بالموظف العمومي الذي يقبض أو يحاول القبض بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أجرة أو منفعة بمناسبة إجراء مفاوضات قصد إبرام صفقة أو تنفيذها ذات طابع إداري أو صناعي أو تجاري بعقوبة الحبس من عشر سنوات (10) إلى عشرون سنة (20) و غرامة من مليون دج إلى مليونين دج.
*رشوة الموظفين العموميين الأجانب و موظفي المنظمات الدولية العمومية: و هو كل من يعد موظف عمومي أجنبي أو موظف في منظمة دولية عمومية بمزية غير مستحقة، سواءا لصالح الموظف أو كيان آخر من أجل قيام ذلك الموظف بعمل أو الإمتناع عنه ، بغرض الحصول على صفقة أو إمتياز غير مستحق ذي صلة بالتجارة الدولية ،وكل موظف عمومي أجنبي أو موظف في منظمة دولية عمومية يطلب أو يقبل مزية غير مستحقة بنفس عقوبة المادة 25 ق م ف.
*الرشوة في القطاع الخاص: وهي كل شخص وعد أو عرض أو منح بشكل مباشر أو غير مباشر مزية غير مستحقة على شخص يدير كيان تابع للقطاع الخاص سواءا لصالح الشخص نفسه أو أي كيان آخر، لكي يقوم بأداء عمل أو الإمتناع عن أدائه ،و كل شخص يدير كيان تابع للقطاع الخاص يطلب أو يقبل مزية غير مستحقة لنفسه أو لشخص آخر لكي يقوم بعمل أو الإمتناع عن أدائه ،بعقوبة الحبس من ستة (06) أشهر إلى خمس سنوات (05) وبغرامة من 50000 دج إلى 500000 دج.
الفرع الثاني: العقوبة التكميلية: في حالة الإدانة بجريمة الرشوة حسب المادة 50 من قانون مكافحة الفساد يمكن للجهة القضائية أن تعاقب الراشي أو المرتشي أو الوسيط بعقوبة أو أكثر من العقوبات التكميلية المنصوص عليها في المادة 9 من ق ع كالحجر القانوني و الحرمان من ممارسة الحقوق
الوطنية و المدنية و العائلية و تحديد الإقامة و المصادرة ......إلخ، و حسب المادة 9 مكرر1 الحرمان من الحقوق المدنية كالعزل و الإقصاء من جميع الوظائف و المناصب العمومية و الحرمان من الإنتخاب أو الترشح و من حمل أي وسام، عدم الأهلية كأن يكون خبير أو شاهدا أمام القضاء إلى على سبيل الإستدلال، والحرمان يأمر به القاضي لمدة أقصاها عشر سنوات (10) تسري من يوم إنقضاء العقوبة ، وكذلك المادة 11 ق م ف تلزم المحكوم عليه في قضية الرشوة بأن يقيم في نطاق إقليمي يعينه القاضي لمدة لا تتجاوز خمس سنوات (05) من يوم إنقضاء العقوبة الأصلية، و حسب المادة 12 ق م ف المنع من الإقامة التي هي حضر تواجد المحكوم عليه في بعض الأماكن و لا تفوق مدتها 10 سنوات،و بالنسبة للأجنبي حسب المادة 13 ق م ف المنع من الإقامة في التراب الوطني لمدة عشر سنوات (10) أو نهائيا.
أ= الغرامة النسبية: و الغرامة عقوبة تكميلية لا يجوز الإكتفاء بها و هي نسبية ناقصة بإعتبار أن تناسبها مقيد بحد أدنى و حد أعلى.
ب المصادرة: حسب المادة 51 ق م ف تقضي بمصادرة الأشياء التي سلمها الراشي للمرتشي و إعتبارها حقا مكتسبا للخزينة سواءا كانت نقود أو مجوهرات أو عقارات أو غير ذلك من الأشياء المادية والمصادرة هي عقوبة تكميلية وجوبية.
الفرع الثالث: العقوبة المشددة
أ=العقوبة المشددة:عقوبة جريمة الرشوة هي عقوبة أشد ، لأن الموظف العام بقبوله و تنفيذه لصفات جريمة الرشوة هو إرتكاب فعلا عمديا المساس بإستغلال البلاد ، فالمشرع الجزائري شدد العقوبة كلما كانت صفة الشخص المؤثر، و منه العقوبة المقررة تماشت مع صفة الموظف، فكلما كان الموظف له تأثير كلما كانت العقوبة تتضاعف، و كل هذا حسب المادة 48 ق م ف "إذا كان مرتكب جريمة أو أكثر من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون قاضيا أو موظفا يمارس وظيفة عليا في الدولة، أو ضابطا عموميا، أو عضوا في الهيئة، أو ضابطا أو عون شرطة قضائية، أو ممن يمارس بعض صلاحيات الشرطة القضائية، أو موظف أمانة الضبط، يعاقب بالحبس من عشر(10) سنوات إلى عشرين (20) سنة و بنفس الغرامة المقررة للجريمة المرتكبة."
ب العقوبة المخففة: و الفرض في هذه الحالة عدم علم السلطات العامة بأمر جريمة الرشوة رغم وقوعها فعلا , فالجريمة إذا مازلت في طي الكتمان بحيث يؤدي الإخبار عنها إلى تمكين السلطات من كشفها و من ضبط مرتكبيها , و هذا الإخبار يصير عديم الأثر في التخفيف من العقاب إذا كان وقوع الرشوة قد وصل إلى علم السلطات و إن كان اعتراف المبلغ الراشي أو الوسيط بوقائع الرشوة كاملة , إذا ساعد في القبض على شخص أو أكثر من الأشخاص الضالعين في ارتكابها و هذا حسب المادة 49 ق م ف "... تخفض العقوبة إلى النصف بالنسبة لكل شخص ارتكب أو شارك في إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون و الذي بعد مباشرة إجراءات المتابعة , ساعد في القبض على شخص أو أكثر من الأشخاص الضالعين في ارتكابها ."
ج = الإعفاء من العقوبة هو تشجيع للراشي و الوسيط على الكشف عن جريمة الرشوة، و لذلك الكشف عن جريمة أهمية خاصة إذ أن من المعروف أن جريمة الرشوة من جرائم الكتمان التي تتفق إرادة أطراف المشاركين فيها على إحاطتها بالسرية، لذا يكون من الصعب على السلطات إماطة اللثام عنها أو توفير الأدلة على مرتكبيها، و لعل في تقرير إعفاء الراشي و الوسيط حال إبلاغهم عن الجريمة أو الاعتراف بها ما يشجع أمثال هؤلاء على إحباط العديد من مشروعات الرشوة ، و هذا حسب المادة 49 ق م ف : " يستفيد من الأعذار المعفية من العقوبة المنصوص عليها في قانون العقوبات كل من ارتكب أو شارك في جريمة أو أكثر من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون ، و قام قبل مباشرة إجراءات المتابعة بإبلاغ السلطات الإدارية أو القضائية أو الجهات المعنية ، عن الجريمة و ساعد على معرفة مرتكبيها ... " .
المبحث الثاني : ماهية جريمة استغلال النفوذ
سنتناول في هذا الفصل جريمة استغلال النفوذ بالتفصيل أو ما يعرف بجريمة الاتجار بالوظيفة لإبراز ماهية هذه الجريمة و موقف المشرع منها و الأركان المكونة لها و العقوبة المقررة في مطالب منفصلة كما سنعرج على أهم الأسباب المؤدية لهذه الجريمة .
المطلب الأول : تعريف جريمة استغلال النفوذ
الفرع الأول : تعريفها اصطلاحا وفقها و لغة
إن الفقه يتوخى السهولة و التراخي و الركون إلى منطق الأقوياء و أصحاب السلطة و النفوذ من التجار و العسكر ، و بدلا من التصدي و استدعاء الألمعية الفقهية في محاصرة الظواهر السلبية و التصدي للفساد و مقاومته ... بدلا من ذلك يقوم الفقهاء بالاستسلام لمنطق الأقوياء و الاستجابة لذوق الغالبية ، فنراهم في آخر الإفتاء يقولون بمشروعية استغلال النفوذ للحصول على وظيفة أو مسكن .
كما تنصب فتاوى الفقهاء على المسؤولين و التجار و أصحاب السلطة في إدارة شؤون العباد و البلاد أن تتوجه تلك الفتاوي للنيل من هؤلاء و فضحهم و تحذيرهم و عظهم و تهذيبهم لنقص الفساد في الحياة و قيمة الخلق بإباحة استغلال النفوذ .
إن الدين الذي يحرص على حياة كريمة شريفة يحرض الناس على عمل الخير و مجابهة الفساد و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، أليس هؤلاء الفقهاء قادرين على الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، أم أنهم قادرون فقط على تسخير سلطتهم في الاستجابة إلى مزاجهم (1)
فنرى الفقه يعتبر جريمة الإستغلال أداة و جريمة يجب مكافحتها و مجابهتها لأنها تنشر الفساد في الحياة و تفرق بين الناس و تنشر الطبقية حيث تكون طبقة الأقوياء و أصحاب السلطة و تصبح بذلك طبقة الفقراء خاضعة لهم، فالأغنياء كالحكام تماما من حقهم كل شيء حيى فرض سلطاتهم، فأصحاب السلطة يخضعون لطلبات أصحاب المال و الجاه لتلبية طلباتهم و الإستجابة لمصالحهم، فهم بذلك يعتبرون إستغلال النفوذ أكثر من جريمة فهم ينظرون إليها كفعل ضار لكن ضرورات الحياة تستوجب أحيانا إستعمال السلطة في سبيل الحصول على منفعة و مثال ذلك قوله تعالى: " حرمت عليكم الميتة و الدم...." فمن إضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم ، ومنه فإن إرتكاب هذه المحرمات من الأطعمة لا يجوز إلا في الضرورة و مشروعية جوازها مرهون بالإبقاء على حياة مرتكبها فالمضطر لإستغلال النفوذ في شأن وظيفة أو مزية ليس مضطرا لأنه قادر على التغيير دون إستغلال النفوذ .
الفرع الثاني:تعريفها قانونا
سنتناول هذه الجريمة طبقا لنصوص قانون العقوبات الجزائري
لقد إعتبر المشرع الجزائري جريمة إستغلال النفوذ في حكم الرشوة و نص على عقابها في المادة 32 ق م ف، إستغلال النفوذ هو كل شخص يطلب أو يقبل عطية أو وعدا أو يتلقى هبة أو هدية أو أية
منافع آخرى و ذلك ليتحصل على مميزات أو مكافئات أو مراكز أو وظائف أو خدمات أو أية مزايا
تمنعها السلطة العمومية أو على صفقات أو مقاولات أو غيرها من الأرباح الناتجة من إشراف السلطة العمومية أو مع مشروعات أستقلالية موضوعة تحت إشراف السلطة العمومية أو يحاول الحصول على
(1)- د عبد الله سليمان-مرجع سابق-84
أي من ذلك أو يستصدر بصفة عامة قراره من مثل هذه السلطة أو تلك الإدارة لمصالحه أو يحاول إستصداره و يشغل بذلك نفوذا حقيقيا أو مزعوما .
فإن كان الجاني قاضيا أو موظفا أو ذا وكالة نيابية تضاعف العقوبة المقررة.
و لقد قرر المشرع وضع هذه العقوبة نظرا لما يلحق نزاهة الوظيفة من مضرات إستعمال الشخص نفوذه الحقيقي أو المفترض، و القانون حين يعاقب على هذه الجريمة لا يتطلب أن يكون الجاني من أرباب الوظائف العمومية بل قد يكون من أحد الناس.
فحسب نص المادة 32 قانون مكافحة الفساد،فمستغل النفوذ هو الشخص الذي يطلب أو يقبل عطية أو وعد أو يتلقى هبة أو هدية أو أية منافع آخرى بهدف حصوله على مزايا و منافع تمنحها السلطة العمومي.(1)
علة التجريم: نلاحظ من خلال التعريف السابق لإستغلال النفوذ و حسب نص المادة 32 ق م ف، فإن علة التجريم في هذه الجريمة هي ما يمثله فعل الجاني،من إخلال بالثقة في الوظيفة العامة، فالجاني يقوم بالإساءة و لا يتصرف وفقا للقانون و إنما يتصرف تحت قدر المال المقدم، و بهذا فإن إستغلاله يؤدي إلى الإثراء غير المشروع للموظف صاحب النفوذ و السلطة إذا ما إتخذها سلعة يتاجر فيها، و إذا كان نفوذه مزعوما فهنا الجاني يكون محتالا و يجمع بين الغش و الإحتيال و الإضرار بالسلطة العامة، كما يمكن أن تقوم جريمة النصب إلى جانب هذه الجريمة(2) و الملاحظ أن هذه الجريمة كثيرة الشبه بجريمة الرشوة السلبية من حيث الطلب أو تلقي عطية أو وعدا أو بطلب أو بتلقي هبة أو هدية أو أية منافع، وتختلفان من حيث الصفة و هي في هذا تتشابه مع جريمة الرشوة الإيجابية .
نلاحظ أن جريمة إستغلال النفوذ تشترك مع جريمة الرشوة السلبية من حيث المنافع و تشترك مع جريمة الرشوة الإيجابية من حيث الصفة.
الفرع الثالث: موقف المشرع الجزائري
إن جريمة إستغلال النفوذ هي جريمة صاحب النفوذ الذي يتاجر بنفوذه و لقد نصت المادة 32 ق م ف على هذه الجريمة كما أن هذه المادة حددت أركانها و العقوبة تضاعف عندما يكون الجاني ذو صفة عامة (موظف، قاضي ...) و إن الفاعل غير مختص بالعمل المطلوب و لا يزعم أنه من إختصاصه، و إنما يستعمل نفوذه الحقيقي لتحقيق الغرض المطلوب و لذلك يعاقبه القانون(3) فالإتجار بالنفوذ معاقب عليه مهما كان من يتاجر به سواءا كان موظف عمومي أو غيره عكس جريمة الرشوة التي تفترض صفة الموظف العمومي من ناحية و متاجرته بمهنته و عمله من ناحية ثانية، فالجريمة تتم عند طلب الوعد أو العطية، فالمشرع إعتبر العطية إذا إتخذها الجاني أو إتفق عليها أو حتى و لو طلبها تعتبر جريمة تامة لما لها من خطورة إجرامية،كما أنه يلجأ إلى إستغلال نفوذ حقيقي أو مزعوم ليجمع بين الأضرار بالثقة الواجبة في الجهات و المصالح الحكومية و بين الغش قصد الحصول على شيئ أو أية مزية، كما ورد في المادة 32 ق م ف فهو نص عام شامل لكل الصور التي تصدر عن الجهات الحكومية و الجهات الخاضعة لها و الإدارة.
تتحقق هذه الجريمة سواءا تحقق الغرض أو لم يتحقق، أو تحصل الفاعل على منفعة أو لم يتحصل، فهذه الجريمة تعتبر في حكم جريمة الرشوة من حيث الأفعال المادية و المنافع و التأثير السلبي على الثقة العامة لسير الإدارة.(4)
(1)- د عبد الله سليمان-مرجع سابق-84
(2)-د فتوح عبد الله الشاذلي- مرجع سابق-186
(3) - د عبد الله سليمان-مرجع سابق-84
(4)- د محمد صبحي نجم –شرح قانون العقوبات الجزائري –ص 17 و18
المطلب الثاني: أركان جريمة إستغلال النفوذ
بناءا على التعريف السابق لجريمة إستغلال النفوذ و من خلال نص المادة 32 من قانون مكافحة الفساد يمكن تحديد أركان هذه الجريمة و هي كمايلي:
الفرع الأول : الركن المادي
لا يختلف الفعل المادي في هذه الجريمة عن الفعل المادي في جريمة الرشوة سواءا بالنسبة للمتجر بنفوذه أو بالنسبة لصاحب الحاجة أو الضحية كذلك فإن كلمة العطية و الوعد والهدية والهبة لها نفس المعنى الذي وردت به في نص المادة 32 ق م ف .
و يتحقق الركن المادي إذا قام الجاني بطلب أو قبول عطية أو يتلقى هبة أو هدية أو أية منافع آخرى مقابل لإستعماله لنفوذه الحقيقي أو المفترض لدى السلطات العامة أو الجهة الخاضعة لإشرافها للحصول أو محاولة الحصول منها على مزية من أي نوع، فمجرد طلب الشخص و وعدا أو عطية لإستغلال نفوذه و رفض صاحب الحاجة طلبه تقوم به جريمة تامة لمجرد شروع .
و يلاحظ أنه لا قيام لجريمة إستغلال النفوذ إذا كان مقابل الفائدة التي حمل عليها الجاني هو إستعمال نفوذه لدى هيئة خاصة لا تخضع لإشراف السلطة العامة، و يجب كذلك أن تكون صور الركن المادي و هي (الطلب أو القبول أو أخذ الوعد أو العطية) يقصد تحقيق غرض من الأغراض التي نهى عليها القانون و هي : الحصول على مميزات أو مكافئات أو مراكز و وظائف أو خدمات أو أية مزايا تمنحها السلطة العمومية أو على صفقات أو مقاولات أو غيرها من الأرباح الناتجة من إتفاقات...إلخ (1)
و قد إستخدم المشرع الجزائري عبارات و هي معاني أو عبارات مشعة، و يجب عند تفسيرها التوسع في مدلولها، و هي تعبير في نفس الوقت عن إرادة المشرع بأن يعاقب الجاني و لو إستغل نفوذه في وظائف وضعية.
و التوسع في مدلول عبارة "مزايا " الواردة في النص و تتضمن كل قرار إيجابي صادر من السلطة العمومية يحصل عليه صاحب الحاجة عن طريق نفوذ الجاني بدلا من حصولها بالطرق المشروعة أو بالطرق القانونية.
وبالإيجاز إن العبارات المختلفة التي عددتها المادة 32 ق م ف إنما هي على سبيل المثال لا الحصر (2)
و رغم هذا التوسع في تحديد هذه المزية، يشترط أن تكون المزية من سلطة وطنية بحيث يخرج من نطاق النص إستغلال النفوذ للحصول على المزية من سلطة أجنبية فهذا الشرط يقتضي إذا أن تكون السلطة التي تعهد الجاني بالسعي لديها سلطة وطنية فلا تكون هناك جريمة إذا كان مقابل فائدة التي تلقاها الجاني هو التذرع بنفوذه للحصول على مزية من سلطة أجنبية كإحدى السفارات مثلا.
إذا المقصود من السلطة العمومية هي السلطة العامة الوطنية دون الأجنبية و هذا ما إستقر و أيده الفقه في هذا الشأن .
أما الشرط الثاني و هو أن تكون المزية التي يستهدفها الزاعم بالنفوذ هي مزية ممكنة التحقيق، و أن تكون السلطة التي يفترض فيها تخويل هذه المزية وجود حقيقي بحيث يخرج من نطاق هذا النص كل من يوهم آخر بأنه إرتكب جريمة و أنه يشتمل على حفظ التحقيق فيها مثلا إذ تدخل هذه الجريمة و ما شبهها إذا توفرت أركانها تحت جريمة النصب و ليست إستغلال النفوذ.
(1)- د محمود نصر – الوسيط في الجرائم المضرة بالمصلحة العامة – ص179 و180
(2)- د أحمد مطاطة –جريمة رشوة في فانون العقوبات الجزائري – ص 153
و لا يشترط لتحقيق هذه الجريمة أن يكون الجاني قد قام بمساعيه لدى الجهة التي إدعى بأن له فيها نفوذ، و ذلك ليبعث في إعتقاد صاحب المصلحة أن له نفوذا فيها، إذا لا يلزم لتوافر الجريمة أن يتذرع الفاعل بنفوذه لدى السلطة العامة نفسها، بل يكفي أن ينسب لنفسه نفوذا لدى جهة خاضعة لإشراف السلطة العامة متى كانت المزية مطلوبة للحصول عليها من تلك الجهة.
و يلاحظ أخيرا أن جريمة إستغلال النفوذ لا تقوم إذا كان مقابل الفائدة التي حصل عليها الجاني هو إستعمال نفوذه لدى هيئة خاصة لا تخضع لإشراف السلطة العامة، أو الجهات الخاضعة لها أو لإشرافها كما و لو كانت المنافع أو المزايا لدى الشركات أو مؤسسات أو ما شبههما.
الفرع الثاني: الركن المعنوي
من المتفق عليه أن جريمة إستغلال النفوذ هي من الجرائم العمدية و لقيامها يتطلب القصد و عناصره مع العلم و الإرادة و يكون ركن العلم أن ما تلقاه من فائدة أو قبوله الوعد بها كان لإستعماله نفوذه الحقيقي أو المزعوم و العلم بنوع المزايا التي يعد بالحصول عليها أو محاولة ذلك من السلطة العامة أما الإرادة تتمثل في الإتجاه إلى فعل الأخذ أو القبول، حيث تتم الجريمة بمجرد الطلب أو العرض فيما يمكن أن نسميه شروعا في جرائم آخرى(1).
كذلك يتوفر قصد الراشي إذا كان غرضه من تقديم العطية حمل صاحب النفوذ على الإتجار به أي السعي به لدى السلطة العامة لتحقيق ما يطلبه مقابل ما قدم إليه من فائدة أو وعد بها كما أنه تتجه إرادة المتهم إلى طلب أو أخذ العطية أو قبول الوعد بها و يقع عبء إثبات توافر القصد بعنصريه على سلطة الإتهام تطبيقا للقواعد العامة .
و بتوافر القصد فلا عبرة بنية المتهم إتجاه صاحب المصلحة فيكفي أن تتجه لبذل الجهود من أجل الحصول أو محاولة الحصول على ما وعد به أو إلى عدم بذل جهد في سبيل ذلك.
فالملاحظ في تجريم إستغلال النفوذ هو الغاية أو الغرض من تلقي الفائدة و هذه الغاية هي الإتجار بالنفوذ أو إستغلاله. (2)
و تتم الجريمة بمجرد أن يقبل صاحب النفوذ العرض و لو لم يكن ينوي القيام بإستغلال نفوذه فعلا، و سواء كان قادرا على إتمامه أصلا أم أنه غير قادر.
و لا تقوم الجريمة إذا كان صاحب النفوذ يجهل فعلا أن الهدية أو الهبة... كانت قد قدمت إليه بقصد إستغلال النفوذ، إذ يجب أن يعلم أن الهدية أو المنفعة قدمت له بهدف حمله على إستغلال نفوذه كما يشترط أن لا يكون العمل أو المصلحة داخلة ضمن إختصاص صاحب النفوذ . (3)
الفرع الثالث: الركن المفترض
يتذرع الجاني بنفوذ حقيقي أو مزعوم أي أنه له صلة ببعض أجهزة الدولة تمكنه من ممارسة الضغط عليها لإنجاز ما و هذا لا يشترط أن يكون الجاني موظفا عاما و لا يشترط أن يكون كذلك النفوذ هنا حقيقي فهي واقعة حتى و لو كان النفوذ مزعوما . (4)
أ=النفوذ الحقيقي: و يتضمن إستغلال إساءة السلطة المخولة لمستغل النفوذ، كما أنه يأدي إلى الإثراء الغير المشروع للموظف صاحب النفوذ و السلطة إذا ما إتخذها سلعة يتجر فيها.
(1) -د فتوح عبد الله الشاذلي- مرجع سابق-191
(2)- د محمود نصر – مرجع سابق – ص 182 و183
(3) - د عبد الله سليمان-مرجع سابق-85
(4)- د أنور العمروسي –جرائم الأموال العامة و جرائم الرشوة – ص 251
فالجاني له علاقات قوية تربطه بالسلطة العامة أو الجهات الإدارية، بحيث يستطيع أن يؤثر على هذه الأخيرة لإتخاذ قرار لمصلحته في سبيل حصوله على مزايا أو وظائف. (1)
ب=نفوذ مزعوم: حين يتجر الجاني بالنفوذ على أساس موهوم و لا يقل إستحقاقا للعقاب على من يتجر بنفوذ حقيقي فهو يجمع بين الغش أو الإحتيال فهنا الجاني يعد محتالا على أصحاب المصالح لإلهامهم بنفوذه للإستلاء على أموالهم فهنا بجانب جريمة إستغلال النفوذ جريمة النصب.
و ليس بلازم أن يكون النفوذ المزعوم صراحة قد يكون ضمنيا يستفيد الجاني من الضروف أو أن يكون زعم النفوذ مدعما بمظاهر خارجية فهذا ليس شرط فقد قرر المشرع أن الجاني حين يتجه بالنفوذ المزعوم يجمع بين الغش و الإحتيال و الإضرار بالثقة الواجبة في السلطات العامة كما أنه يتحقق بمجرد توجه صاحب المصلحة متوهما أن لديه نفوذ معين لدى السلطات و عرض عليه عطية مقابل إستعمال النفوذ فتقاضيه للرشوة لم يكن إلا بناءا على النفوذ سواء كان مزعوما فهو لا يشترط أن يقترن بوسائل إحتيالية بل يكفي القول الإدعاء المجرد. (2)
المطلب الثالث:أنواع جريمة إستغلال النفوذ و هدفها
الفرع الأول : نفوذ حقيقي
فهو يتضمن إساءة إستغلال السلطة المخولة لمستغل النفوذ كما أنه يؤدي إلى الإثراء غير المشروع للموظف صاحب النفوذ و السلطة إذا ما اتخذت سلعة يتاجر فيها.
فالجاني هنا له علاقة قوية تربطه بالسلطات العامة أو الجهات الادارية بحيث يستطيع انه يؤثر على هذه الأخيرة لاتخاذ القرار لمصلحته في سبيل حصوله على مزايا أو وظائف.
حلة إن الشخص الذي يستغل نفوذه لدى الحكومة أو إحدى المصالح العامة ليحصل على فائدة او
امتياز لمصلحة احد الأفراد فلم يكن من الممكن أن تحقق جريمة الرشوة بأركانها الخاصة بها لان وظيفة الشخص ليست في سعيه لدى الحكومة أو إحدى المصالح للحصول على امتياز أو فائدة ما لمصلحة احد الأفراد فإذا وضع شخص ذو صفة نيابية عامة نفوذه في خدمة مصلحة فردية مقابل ثمن اقتضاه فانه يتجر بصفته و لكنه لا يتجر بوظيفته و إذا لم يكن هذا الفعل معاقبا عليه كرشوة كما انه لم
يكن معاقبا عليه كنص طالما كان النفوذ حقيقيا و لم يتخذ الفاعل اسما كاملا و لا صفة غير صحيحة و لم يستعمل طريقة من طرق الاحتيال فالاتجار بالنفوذ هو وحده معاقب عليه (3)
الفرع الثاني: نفوذ مزعوم
حين يتجر الجاني بالنفوذ على أساس موهوم فانه لا يقل استحقاقا للعقاب على من على من يتجر بنفوذ حقيقي فهو يجمع بين الغش او الاحتيال فهنا الجاني يعد محتالا على أصحاب المصالح لإلهامهم بنفوذه للاستيلاء على أموالهم فهنا بجانب جريمة استغلال النفوذ الموهوم جريمة النصب .
و ليس بلازم أن يكون النفوذ مزعوم صراحة فقد يكون ضمنيا يستفيد الجاني من الظروف أو يكون زعم النفوذ مدعما بمظاهر خارجية فهذا ليس شرط فقد قرر المشرع أن الجاني حين يتجه بالنفوذ الموهوم يجمع بين الغش و الاحتيال و الإضرار بالثقة الواجبة في السلطات العامة كما انه يتحقق بمجرد توجه صاحب الحاجة متوهما أن لديه نفوذ معين لدى السلطات و عرض عليه عطية مقابل استعمال النفوذ فتقاضيه للرشوة لم يكن إلا بناءا على النفوذ سواء كان مزعوما فهو لا يشترط أن يقترن بوسائل احتيالية بل يكفي القول المرسا و الادعاء المجرد و كذلك حسب نص المادة 26 من
(1) - المستشار – جندي عبد المالك –الموسوعة الجنائية – ص 27 و 28
(2) -د فتوح عبد الله الشاذلي- مرجع سابق-186
(3)- المستشار – جندي عبد المالك –الموسوعة الجنائية – ص 28
قانون مكافحة فساد أن زعم الاختصاص هو أن ينتحل الشخص المرتشي غير المختص صفة الوظيفة التي يتلقى المقابل نظرا للقيام بهاو الامتناع عنه و هذا الشخص يعتبر خطرا على سمعة الوظيفة كمنا انه تلاحظ من خلال النفوذ المزعوم نفرق بين ثلاثة حالات:
الحالة الأولى:زعم الموظف الطرق الاحتيالية بأنه صاحب الوظيفة بحيث يستطيع القيام بعمل او يمتنع عنه مستعملا نفوذا حقيقيا لدى السلطة العامة في حدود اختصاصه فهنا تتحقق جريمة الرشوة.
الحالة الثانية:أن استعمال جريمة النصب و المتمثلة في استعمال الطرق الاحتيالية للتنفيذ أو الامتناع و هذا الزعم يسمى جريمة استغلال النفوذ لا بالعمل خارج عن نطاق اختصاصه.
الحالة الثالثة:إذا لم تثبت صفة الموظف لدى الشخص المرتشي إضافة إلى ذلك استعمال الطرق الاحتيالية ففي هذه الحالة تحقق الجريمتين أي تحقق جريمة النصب و جريمة استعمال النفوذ. (1)
الفرع الثالث:هدف إستغلال النفوذ
يعرف هذا الهدف من خلال القائمة الطويلة من المزايا المراد الحصول عليها المتضمنة في المادة 32
ق م ف فإستغلال النفوذ يفترض أن يكون الجاني قد طلب أو قبل العطايا و الوعود أو طلب و تلقي الهبات أ,و الهدايا أو أية منافع آخرى .
إن هذه الصيغة الواسعة من الطبيعي أن تفهم في القضاء على هذا النحو < فأية مزايا > أو < قرار بصفة عامة > يمكن تطبيقها في مجالات لا حصر لها، و هكذا يمكن أن يكون الهدف من إستغلال النفوذ الإعفاء من الخدمة الوطنية أو الحصول على الجنسية أو جواز السفر أو المصالحة في جريمة إقتصادية أو حفظ محاضر متعلقة بجريمة.
المطلب الرابع:العقوبات المقررة لجريمة إستغلال النفوذ
الفرع الأول:العقوبة الأصلية
حدد المشرع في عقوبة جريمة إستغلال النفوذ في فرضين و هما :
1- وقوع الجريمة من أحد الموظفين العموميين.
2- وقوع الجريمة من غير الموظفين العموميين.
و منه حدد المشرع الجزائري في المادة 32 من قانون مكافحة الفساد على عقوبة هذه الجريمة بالحبس من سنتين02 إلى عشر 10 سنوات و بغرامة من 200000 دج إلى 1000000 دج.
و منه الجاني في جريمة إستغلال النفوذ في هذه الحالة بدون شك له قدر معين من النفوذ أي الموظف و من في حكمه، و شخص ذا ولاية نيابية و القاضي و الخبير ...، فإستغلاله لنفوذه ينطوي على خطورة أكبر من الشخص العادي بسبب الصفة التي يتمتع بها أو بحكم الوظيفة التي يشغلها.
أما إذا كان مستغل النفوذ غير موظف فالمشرع الجزائري يرى أن الموظف إذا كان محالا على المعاش أو مفصولا أو معزولا عن العمل أو لأي سبب آخر، ومازال يحتفظ ببعض العلاقات له في أوساط الإدارة فيوجد طرف مشد
المـقـدمـة
الفصل الأول: ماهية جريمتي الرشوة و إستغلال النفوذ
المبحث الأول: ماهية جريمة الرشوة
المطلب الأول: تعريف جريمة الرشوة
الفرع الأول: تعريف جريمة الرشوة لغة و إصطلاحا و فقها
الفرع الثاني: تعريف جريمة الرشوة قانونا
الفرع الثالث: موقف المشرع الجزائري
المطلب الثاني: أركان جريمة الرشوة
الفرع الأول: الركن المادي
الفرع الثاني: الركن المعنوي
الفرع الثالث: الركن المفترض
المطلب الثالث: أنواع جريمة الرشوة
الفرع الأول: جريمة الرشوة السلبية
الفرع الثاني: جريمة الرشوة الإيجابية
الفرع الثالث: جريمة الوسيط
المطلب الرابع: العقوبات المقررة لجريمة الرشوة
الفرع الأول: العقوبة الأصلية
الفرع الثاني: العقوبة التكميلية
الفرع الثالث: العقوبة المشددة
المبحث الثاني: ماهية جريمة إستغلال النفوذ
المطلب الأول: تعريف جريمة إستغلال النفوذ
الفرع الأول: تعريفه جريمة إستغلال النفوذ الإصطلاحي و الفقهي
الفرع الثاني: تعريف جريمة إستغلال النفوذ قانونا
الفرع الثالث: موقف المشرع الجزائري
المطلب الثاني: أركان جريمة إستغلال النفوذ
الفرع الأول: الركن المادي
الفرع الثاني: الركن المعنوي
الفرع الثالث: الركن المفترض
المطلب الثالث: أنواع جريمة إستغلال النفوذ و هدفها
الفرع الأول:نفوذ حقيقي
الفرع الثاني: نفوذ مزعوم
الفرع الثالث: هدف إستغلال النفوذ
المطلب الرابع: العقوبات المقررة لجريمة إستغلال النفوذ
الفرع الأول: العقوبة الأصلية
الفرع الثاني:العقوبة التكميلية
الفرع الثالث: العقوبة المشددة
الفصل الثاني: مقارنة بين جريمتي الرشوة و إستغلال النفوذ و أثارهما و
أسباب قيامهما و مساعي مكافحتهما
المبحث الأول: مقارنة بين جريمتي الرشوة و إستغلال النفوذ و أثارهما
المطلب الأول: مقارنة بين جريمتي الرشوة و إستغلال النفوذ
الفرع الأول: من حيث الطبيعة القانونية
الفرع الثاني: من حيث الهدف
الفرع الثالث: من حيث الصيغة
المطلب الثاني: أثار جريمة الرشوة
الفرع الأول: الأثار الإجتماعية و الثقافية
الفرع الثاني: الأثار السياسية
الفرع الثالث: الأثار الإقتصادية
المطلب الثالث: أثار جريمة إستغلال النفوذ
الفرع الأول: الأثار على مستوى الجهاز الإداري
الفرع الثاني: الأثار على المستوى الإجتماعي
الفرع الثالث: الثار على المستوى السياسي
المبحث الثاني:أسباب قيام جريمتي الرشوة و إستغلال النفوذ
المطلب الأول: أسباب قيام جريمة الرشوة
الفرع الأول: أسباب إدارية
الفرع الثاني: أسباب إجتماعية
الفرع الثالث: أسباب سياسية
المطلب الثاني: أسباب قيام جريمة إستغلال النفوذ
الفرع الأول: أسباب إدارية
الفرع الثاني: أسباب إجتماعية
الفرع الثالث: أسباب سياسية
المطلب الثالث: المساعي المقترحة لمحاربة جريمتي الرشوة و إستغلال النفوذ
الفرع الأول: المساعي الداخلية لمحاربة جريمتي الرشوة و إستغلال النفوذ
الفرع الثاني: المساعي العربية لمحاربة جريمتي الرشوة و إستغلال النفوذ
الفرع الثالث: المساعي الدولية لمحاربة جريمتي الرشوة و إستغلال النفوذ
الـخـاتـمـة
مـقــدمـة
مقدمة: شهدت السنوات الأخيرة تصاعدا ملموسا في ظهور قضايا الفساد المالي و الإداري التي كشفت عنها مختلف أجهزة الرقابة و الضبط، و عالج القضاء عددا من هذه القضايا و أصدر أحكاما قاسية بحق مرتكبيها، و تضمنت القضايا بالنسبة لكبار الموظفين إرتكاب جرائم الرشوة و التربح من الوظيفة لغرض تكوين ثروات،و الإفتراض من البنوك بضمانات وهمية أو بغير ضمانات أحيانا، و عدم سداد تلك القروض أو فوائدها، ومغادرة البلاد إلى دول أوروبية لا يوجد معها إتفاقات أو معاهدات بتبادل تسليم المجرمين، و قد تباينت التقديرات بشأن كميات الأموال التي نهبت من البنوك العامة و الخاصة طوال السنوات العشر الماضية و وصل بعضها إلى أرقام خيالية، غير أنه لا يوجد تقدير رسمي محدد.
و على ذلك فالرشوة فعل مؤثم، يستغل به الموظف أو ذو الصفة العامة ما لوظيفته من سلطات و إمكانات لغير الغرض الذي وضعت له و بحيث يجعل هذه السلطات تحقق منفعته الذاتية و ليس منفعة المواطنين الذي يجب أن يخدمه الموظف،و يكون ذلك بأن يطلب لنفسه أو لغيره أو يقبل عطية أو يأخذ وعدا لأداء عمل أو يمتنع عن أداء عمل أو أعمال وظيفته بمعنى أن يحصل على مقابل للإخلال بواجبات وظيفته إيجابا أو سلبا، وهي جريمة خطيرة تكشف بجلاء عن تدهور الأخلاق و غيبة الضمير و عدم الإعتياد بالقانون و تجاهل اللوائح المنظمة للوظائف، و تتمثل العطية المطلوبة في منفعة مادية أي مقابل مالي الإخلال بواجبات الوظيفة أو بمقابل معنوي بمعنى الحصول على خدمة أو فعل كالرشاوي الجنسية بغير وجه حق نظير الإخلال بواجبات الوظيفة و بالطبع فإن جريمة الرشوة ليست وليدة هذا العصر و لكنها عرفت منذ القدم، و ربما كان الفارق بينهما أنها الآن أكثر شيوعا، و تشمل كبار الموظفين و صغارهم على السواء و هو ما يطرح تساؤلات كبرى عن حجم الخلل في البناء الإجتماعي و التقصير السائد الآن في المجتمع، و كذلك دور الضغوط الإقتصادية المتزايدة، كمبرر لمثل هذه الجرائم و هو ما يتطلب دراسات تفصيلية و ميدانية معمقة قبل الوصول إلى أحكام عامة.
إن أحد التساؤلات التي تطرح نفسها في قضايا الفساد، تتعلق بالأسباب التي تدفع بعض المنحرفين من الموظفين إلى طلب الرشوة و الإخلال بوظيفتهم العامة و هنا يشار إلى نوعين من الأسباب:
الأول:هو قلة دخل الموظف و حاجته إلى زيادة دخله لمواجهة أعباء الحياة الخاصة مع إرتفاع تكاليف المعيشة، و هو ما يقول به عادة صغار الموظفين الذين يتم ضبطهم و يعترفون بهذه الجريمة.
الثاني:يتعلق بمواصفات ذوي النفوس الضعيفة، بمعنى القابلية للإنحراف و موت الوازع الداخلي أي الضمير و الرغبة الجامحة في الإستزادة في المال الحرام.
و يعتقد "صموئيل هانتتون" يكون الفساد أكثر تفشيا في الدول التي تفتقد لوجود أحزاب سياسية فاعلة أو تعاني أحزابها من الضعف، و كذلك في النظم المهيمنة عليها مصالح الفرد أو العائلة أو العشيرة و المسعى الأساس لفرض سياسة تفشي الرشوة و الفساد الإداري في مؤسسات الدولة هو لخلق نظام جديد يساعد في إستقرار نظام الحكم، و بالتالي إستخدام هذا النظام كخط دفاعي أول لواجهة المجتمع بمعنى آخر توريط قطاعات واسعة من المجتمع بالمساهمة في النظام الجديد و حينئذ تصبح المقولة الشائعة " الشعب قاس فما ذنب السلطة " أكثر شرعية لتبرئة النظام.
و على ضوء ما سبق نطرح الإشكال التالي:
ماهي العوامل التي أدت إلى تفشي ظاهرة الرشوة و من المسؤول على ذلك و ما هو موقف المشرع الجزائري مع تبيان الإجراءات المتخذة للحد من خطورتها؟
و لذا سنحاول الإجابة عليها وفق الخطة المنهجية التالية:
قسمنا موضوعنا إلى فصلين:
الفصل الأول تناولنا فيه جريمتي الرشوة و إستغلال النفوذ و قسمناه إلى مبحثين، في المبحث الأول ماهية جريمة الرشوة، و في المبحث الثاني ماهية جريمة إستغلال النفوذ.
و في الفصل الثاني تناولنا فيه مقارنة بين جريمتي الرشوة و إستغلال النفوذ و أثارهما و أسباب قيامهما و مساعي مكافحتهما و قسمناه إلى مبحثين، في المبحث الأول تناولنا مقارنة بين جريمتي الرشوة و إستغلال النفوذ و أثارهما،و في البحث الثاني تناولنا أسباب قيام جريمتي الرشوة إستغلال النفوذ و مساعي مكافحتهما.
الـفـصل الأول
الفصل الأول: ماهية جريمتي الرشوة و إستغلال النفوذ
المبحث الأول: ماهية جريمة الرشوة
تعتبر الرشوة و الابتزاز من الظواهر المشؤومة التي تؤدي إلى تمرد الطبقات المسحوقة و تؤلبها من سياسة البلاد و أصحاب القدرة و النفوذ فيها مما لاشك فيه أن المجتمعات البشرية قاطبة قد اتفقت كلمتها على قبح كلمة الرشاء و استهجانها و لدلك كان من الطبيعي أن يتعاظم هدا الدم و الاستفباح في المجتمعات الدينية إلى جانب إدانته العرقية و العقلية كانت التعاليم الدينية التي صرحت بحرمته بل ذهبت ابعد من ذلك لتجعله ضمن المعاصي و الذنوب الكبيرة التي توعد الله مرتكبيها بنار أليمة .
المطلب الأول:تعريف جريمة الرشوة
الفرع الأول : تعريفها لغة واصطلاحا وفقها
المفهوم اللغوي للرشوة : لقد ذهب الخليل بن احمد الفراهيدي إلى إن الرشاء هو الحبل الممدود الذي يربط بدلو لإخراجه من البئر و الرشاء يشري الدواء المشري و الرشاء ممدود رشه دلو (1). أما الشرنوبي اللبناني فقد عناها بما يعطي لإبطال حق أو احقاق باطل أو للتلصق فقال : الرشوة مثلثة ما يعطي لابطال حقاو احقاق باطل أو ما يعطي للتملق.
ـواتفق ابن الأثير مع الخليل الفراهيدي على أن الرشاء هو الريش المربوط بالدلو ثم يصفه كوسيلة غير مشروعة ، يستعين بها الإنسان بهدف قضاء حاجته وبلوغ هدفه فيقول لعن الله الراشي والمرتشي والراييش ،فالرشوة الوصلة الى الحاجة بالمصانعة واصله من الرشاء الذي يتوصل به الى الماء فالراشي الذي يعينه على الباطل (2).
ـ ووافقها احمد بن فارس أيضا في أن الرشاء يعني حيل الدلو فقال :
(الرشاء الحبل الممدود ...وراشيتا الرجل إذا عاونته فظاهرته : أما الفيروز الأبدي فقد ذهب الى أن الرشوة تعني مطلق الجمل أي نوع من أنواع حق العمل (3).
ب/المفهوم الاصطلاحي للرشوة : لقد اختلف أراء الفقهاء بشان تعريف الرشوة فقد ذهب آية الله السيد الخوئ الى أنها تشمل ما يعطى بهدف إبطال حق أو إحقاق باطل فقال الرشوة عبارة عن ما يعطى للقاضي ليصدر حكما لصالح الراشي سواء كان ذلك الحكم باطلا أو حقا بينهما أعتبرها بعض الفقهاء أكثر شمولية و سعة من ذلك فهي تشمل الهدية و الهبة التي تعطى للقاضي بغية استمالته ، و لذلك قال في استدلاله على حرمة بعض أقسام الهبات و الهدايا التي تعطى للقضاة و الولاة و عليه فالرشوة أعم من أنها تعني الجهل فقال"ًالرشوة عبارة عن الجهل ".
-أما المحقق اليزيدي فقد عرفها قائلا: "الرشوة عبارة عن كل ما يعطى للقاضي من أجل صدور حكم لصالح الراشي سواءا كان حقا أم باطلا أو من أجل أن يدله القاضي على ما يجعله غالبا لخصمه.
و عليه فإن هذا التعريف يعتبر أكثر شمولية و سعة من سائر التعاريف حيث ذهب إلى أن الرشوة تصدق على سائر الحالات من إعطاء المال بغية إجادة فن الدفاع في المحكمة و كيفية التعامل مع القاضي و الخصم و الطرق العملية لكسب الدعوى و غلبة المدعي.
(1)- بكري فاطمة الزهراء-رسالة ماجيستار- خطابات رئيس الجمهورية في الجرائم التي تمس المصلحة العامة ص 1.
(2) – د فتوح عبد الله الشاذلي-شرح قانون العقوبات القسم الخاص جرائم العدوان على المصلحة العامة ص 22.
(3) - بكري فاطمة الزهراء-رسالة ماجيستار- خطابات رئيس الجمهورية في الجرائم التي تمس المصلحة العامة ص 12.
- في حين أضفى عليها بعض الفقهاء المعاصرين شمولية أعم من جوانب أخرى فاعتبروها صادقة حتى على الأموال التي لا تتجاوز الجهاز القضائي فتمنح لغير القاضي و قد عرفها صاحب فقه القضاء قائلا :"الرشوة أعم من المال الذي يعطى لغير الحاكم بهدف تحقيق الغرض المطلوب ".
و نلخص مما سبق أن هذا التعريف لم يقتصر بها على باب القضاء ، بل عممها لتشمل سائر الأجهزة و القطاعات ،كما نستنتج أن كل من التعاريف الأنفة الذكر كانت أعم و أشمل من مثيلاتها على أساس بعض الجوانب و الجهات و بالتالي يمكن القول بأن التعريف الأول قد إتفق عليه مشهور الفقهاء إن لم نقل إجماعهم.
المفهوم الفقهي للرشوة: إن ما حرمه الإسلام و غلظ في تحريمه الرشوة و هي دفع المال في مقابل قضاء مصلحة يجب على المسؤول عنها قضائها بدونه ، ويشتد التحريم إن كان الغرض من دفع هذا المال إبطال حق أو إحقاق باطل أو ظلم لأحــــد.
و قد ذكر أبن عابدين في حاشيته: أن الرشوة هي ما يعطيه الشخص لحاكم أو غيره ليحكم له أو منفعة يمكنه منها أو يقضيها له ، و المراد بالحاكم القاضي و غيره ، و كل من يرجى عنده قضاء مصلحة الراشي سواءا كان من ولاة الدولة و موظفيها و القائمين بأعمال خاصة كوكلاء التجار و الشركات و أصحاب العقارات ، و المراد بالحكم للراشي و حمل المرتشي على ما يريده للراشي تحقيقا لرغبته و مقصده سواءا كان ذلك حقا أو باطلا.
الرشوة من كبائر الذنوب التي حرمها الله على عباده، و لعن رسوله صلى الله عليه و سلم من فعلها، فالواجب اجتنابها و الحذر منها، وتحذير الناس من تعاطيها، لما فيها من الفساد العظيم و الإثم الكبير و العواقب الوخيمة و هي من الإثم و العدوان اللذين نهى الله سبحانه و تعالى عن التعاون عليهما في قوله عز و جل: "و تعاونوا على البر و التقوى و لا تعاونوا على الإثم و العدوان" و قد نهى الله عز و جل عن أكل أموال الناس بالباطل فقال سبحانه و تعالى:"ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل و تدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم و أنتم تعلمون" .
الرشوة من أشد أنواع أكل الأموال بالباطل لأنها دفع المال إلى الغير بقصد إحالته عن الحق و قد شمل تحريم الرشوة أركانها الثلاث و هم الراشي و المرتشي و الرائش و هو الوسيط بينهما فقد قال صلى الله عليه و سلم:"لعن الله الراشي و المرتشي و الرائش" رواه أحمد و الطبراني، و قد وردت أحاديث كثيرة في التحذير من هذا المحرم و بيان عاقبة مرتكبيها منها ما رواه إبن جرير عن إبن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم:" كل لحم أنبته السحت فالنار أولى به قيل ما السحت؟ قال الرشوة" (1). وروى الإمام أحمد عن عمرو بن العاص رضي الله عنهم يقول ما من قوم يظهر فيها
الربا إلا أخذوا بالسنة و ما من قوم يظهر فيه الرشا إلا أخذوا بالرعب.
الرشوة و غيرها من المعاصي تضعف الإيمان و تغضب الرب و تسبب تسليما الشيطان على العبد في إقاعه في المعاصي أخرى، فالواجب على كل مسلم و مسلمة الحذر من الشيطان و من سائر المعاصي
الأخرى مع الرشوة إلى أصحابها إن تيسر له ذلك، فإن لم يتيسر له ذلك يصدق بما يقابلها عن صاحبها إلى الفقراء مع التوبة الصادقة عسى الله تعالى أن يتوب عليــه.
و من أثار الرشوة على مصالح المسلمين ظلم الضعفاء و هضم حقوقهم و إضاعتها أو تأخر حصولها بغير حق بل، و أثارها أيضا فساد أخلاق من يأخذها من قاض أو موظف و غيرهما وانتصاره
(1)- www.tarik el eslam.com
لهواه، وهضم حق من لم يدفع الرشوة أو إضاعته كليتا مع ضعف إيمان آخذها و تعرضه لغضب الله و شدة العقوبة في الدنيا قبل الآخرة كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم: "ما من ذنب أجدر عند الله أن يعجل لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من البغي و قطيعة الرحم.
الفـرع الـثـانــي: تعريف الرشوة قانونــا
لم يشر قانون العقوبات إلى تعريف صريح للرشوة و قد وجد الفقه صعوبة في تعريفها
قد عرفها الدكتور عبد الرحيم صدقي في كتابه قانون العقوبات القسم الخاص على أنها: "العبث بالثقة الواجبة في عمل الجهاز الحكومي أو غير الحكومي بناء على أحد الأفعال المبينة في القانون نظير مقابل معين" و هي على هذا الأساس تقوم على ثلاثة أركان هي:
- العبث بالثقة الواجبة في عمل الجهاز الحكومي و الغير الحكومي
- نظير مقابل معيــن
- قصـد جنــائــي (1).
كما عرفها الدكتور فتوح عبد الله الشاذلي على أنها:"إتجار الموظف العام بأعمال الوظيفة أو الخدمة التي يعهد إليه القيام بها لصالح العام، و ذلك لتحقيق مصلحة خاصة له و عدا ذلك تتمثل الرشوة في إنحراف الموظف في أدائه لأعمال وظيفته عن الغرض المستهدف من هذا الأداء ، و هو المصلحة العامة، من أجل تحقيق مصلحة شخصية له فهي الكسب الغير المشروع من الوظيفة (2).
فالرشوة بمعناها الواسع تتكون في الأصل من إتفاق بين الموظف و من يطلب خدماته بمقتضاها يحصل الموظف على فائدة أو على مجرد وعد بفائدة ، نظير أدائه لعمل من أعمال وظيفته أو إمتناعه عن أداء هذا العمل فهي عدا هذا النحو علاقة أخذ و عطاء متبادل بين الموظف و صاحب المصلحة.
من الضروري الاحتكام الى مقتضى الأصل بهدف إزالة الشبهات في مواضيع الشك والريبة ليس من المستبعد أن يكون العرف هو تأرجح الرشوة بين السعة و الضيق ،فالعرف لا يرى اختصاصها بدفع الأموال للحاكم بهدف إصدار حكم بالباطل ،بل يحكم بان الأموال التي تعطى للحاكم بهدف إصدار حكم بالباطل ، بل يحكم بان الأموال التي تعطى للحاكم من اجل إصدار حكم بالحق رشوة أيضا والدليل على ذلك :
أولا :إن الرشوة هي التي تتبادر الى الذهن بالحق من إعطاء الأموال للقاضي بغية إصدار حكم بالحق لصالح من يعطي الأموال وان كان محقا والتبادر من علائم الحقيقة والواقع .
ثانيا : عدم صواب سلب عنوان الرشوة عن الأموال التي تقدم للقاضي بغية إصدار حكم بالحق .
ثالثا :لقد صرحت الروايات بصدق الرشوة على هذه الحالات والتي استعرض لها لاحقا .
أضف الى ذلك فان العرف يرى صدق مفهوم الرشوة على الأموال التي تمنح لغير القاضي بهدف القيام ببعض الأعمال بالباطل لصالح من يعطيها، و أ دلته أيضا التبادر و عدم صحة السلب إلى جانب استفاضة الروايات التي تؤيد هذا المدعي (3 ).
أما بالنسبة لمدعي صدق الرشوة في غير الأموال كالقيام بإسداء بعض الخدمات، فإنه و إن ورد الإستعمال في إطلاق عنوان الرشوة على هذه الأمور أيضا، إلا أن المفروض منه في علم الأصول هو أن الإستعمال أعم من الإطلاق، و بناءا على هذا فإن الصدق الحقيقي للرشوة على هذه الأمور مشكل .
(1)-د عبد الرحيم صدقي – قانون العقوبات-القسم الخاص- ط3- دار العربي-ص 341
(2)-د فتوح عبد الله الشاذلي- مرجع سابق- ص 23 .
(3) – www.justice.com
اللهم إلا على مبنى السيد المرتضي الذي قال :بأن الإستعمال علامة الحقيقة .
فإذا ما جاء دور الشك دخل هذا البحث في إطار إجمال الشبوهات المفهومية ،فإن جرى الإستعصاب في الشبهات المفهومية كان مقتضى إستعصاب عدم الرشوة هو عدم الحرمة إلا أن المرجع سيكون البراءة من الحرمة ، و ذلك لأن إجراء الإستعصاب في الشبهات المفهومية مرفوض لا معنى له في علم الأصول.
أما إسداء بعض الخدمات للقاضي من أجل إصدار حكم بالباطل فهو حرام و إن لم يصدق عليه حقا عنوان الرشوة، و ذلك لما صرحت به الروايات إلى جانب الأدلة التي قامت على حرمة الرشوة كالعقل(1 ).
و التعريف الراجح هو تعريف الدكتور عبد الله سليمان إذ قال بأن الرشوة :"الرشوة إتفاق بين شخصين يعرض أحدهما على الآخر عطية أو وعد بعطية أو فائدة فيقبلها لأداء عمل أو الإمتناع عن عمل يدخل في أعمال وظيفته أو مأموريته، فهي إذن إتجار بالخدمة العامة أو إتجار بأعمال الوظيفة.
و هي تستوجب وجود شخصين:
الشخص الأول (الراشي) :يدفع للموظف أو من في حكمه جعلا أو فائدة أو يستجيب لطلباته بدفع الجعل أو الفائدة لقضاء مصلحته.
الشخص الثاني(المرتشي) : الموظف أو من في حكمه يطلب أو يقبل عطية أو فائدة ما من أجل أداء عمل أو الإمتناع عن عمل من أعمال وظيفته(2).
كما تطرقنا سابقا فإن هناك إختلاف بين وجهات نظر اللغويين و الفقهاء من جانب و علماء المدارس الحقوقية من جانب آخر بشأن مفهوم الرشوة و سعتها و ضيقها، فقد أضفى عليها كل منهم سعة و شمولية من جهة و محدودية و ضيقا من جهة أخرى على سبيل المثال فإن أرباب اللغة توسعوا في مفهوم الرشوة ليعتبروها هو ما يتسلمه القاضي أو الموظف مصداقا واضحا من مصادقها .
بينما يعتقد بعض الفقهاء أنها تقتصر على ما يعطى لهم بهدف إصدار الأحكام بالباطل، أما ما يعطى للقاضي من أموال و ما شابه ذلك لإصدار حكم بالحق لصالح الراشي فليس من الرشوة في شيء و كذلك المال الذي يمنح لغير القاضي و إن كان من أجل القيام بعمل ليس بحق .
هذا من جانب و من جانب آخر فهناك اختلاف بشأن اختصاص الرشوة بمنح الأموال أو شموليتها للقيام ببعض الأعمال الخدماتية من قبيل إصلاح وسائل النقل، خياطة الثياب و الملابس بيع السلع و البضائع بثمن أرخص من السوق، شراؤها بسعر أغلى و عدم رعاية الدور و النظام في إنجاز بعض الأعمال و الذي يشتق من بعض كلمات الفقهاء وهو التعميم على الخلاف من أراء أصحاب الأربعة.
(1) – www.justice.com
(2)-د عبد الله سليمان-دروس في شرح قانون العقوبات-القسم الخاص-د م ج-ص62
الفرع الـثـالـث: مـوقف المشرع الجزائري.
أخذ القانون الجزائري عن القانون الفرنسي بالاتجاه الكافي الذي يجعل من جريمة الرشوة جريمتين مستقلتين:
- جريمة الراشي و هي ما يطلق عليه بالرشوة الايجابية
- جريمة المرتشي ما يطلق عليه الفقه الرشوة السلبية
و لقد واجه هذا التميز بين جريمة الراشي و المرتشي نقدا من بعض الفقهاء الفر نسين الذين رأوا أن جريمة الرشوة هي جريمة واحدة طرفاها الراشي و المرتشي و مع ذلك فنحن لا نرى موجبا لهذا النقد حيث أن إرادة المشرع واضحة في التمييز بينهما حيث نص في المادة25و 26 و27 و28 و40 من قانون مكافحة الفساد على جريمة الرشوة التي يقترفها المرتشي في جريمة الرشوة و التي يقترفها المرتشي وأن لم يذكر كلمة الراشي صراحة في تلك المادة . زيادة على أن التمييز بين الجريمتين يسمح بالمعاقبة على بعض الحالات التي لا يمكن المعاقبة عليها فيما لو اعتبر جريمة الرشوة جريمة واحدة و مثال ذلك أن يقدم الراشي على عرض الرشوة دون أن تلاقي تلك الحالة قبول من الموظف , ففي هذه الحالة لا يمكن ملاحقة الراشي في شروع إلا إذا كان القانون يميز بين جريمة الراشي و جريمة المرتشي, و يلاحظ أن القوانين التي نصت على أن اعتبار جريمة الرشوة جريمة واحدة طرفها المرتشي و الراشي , استكملت النص بتحريم حالة من عرض الرشوة و لم تقبل منه-كشروع في جريمة الرشوة –بنص خاص و هو ما لم يفعله القانون الجزائري , مما يدل بوضوح على اتجاه المشرع الجزائري و اعتبا ره الرشوة جريمتين مستقلتين
الأولى جريمة الرشوة التي
الثانية جريمة الرشوة يرتكبها المرتشي. التي يرتكبها الراشي(1).
المطلب الثانـي:أركـان جريمة الرشـوة
لقد عرفت الرشوة على أساس أنها طلب أو أخذ عطية أو قبول وعد بها لأداء عمل أو الإمتناع عنه بدون علم و رضا صاحب العمل، و على هذا الأساس يجب يتوفر على ثلاثة عناصر وهي كالأتي:
الفرع الأول : الركن المادي:
يلزم لقيام الركن المادي توافر سلوك من المستخدم هو طلبه أو أخذه أو قبوله و موضوع هذا السلوك
هو عطية أو وعد بها هذه الصور للسلوك الإجرامي في الرشوة التبادلية، فكل صورة من هذه الصور منفردة تشكل الجريمة و إجتماعها لا يشكل إلا جريمة واحدة فالموظف يرتكب الجريمة بمجرد الطلب أو القبول أو الأخذ.
أولا:الطلب: يتحقق بمبادرة من الموظف، يعبر فيها عن إرادتها في الحصول على مقابل نظير قيامه بأداء العمل الوظيفي أو الإمتناع عن أدائه(2 ) ولو لم يجب على طلبه، أي حتى و لو لم يجب على طلبه، أي حتى و لو تم الرفض من جانب صاحب المصلحة فالرشوة هي سلوك الموظف، ومن ثم تتحقق كاملة بصرف النظر عن موقف صاحب المصلحة و علة الإكتفاء بمجرد الطلب لقيام الجريمة أن الموظف بهذا الطلب قد عرض العمل الوظيفي كسلعة للإتجار فيها، فأخل بنزاهة الوظيفة و الثقة التي عهد ت إليه للقيام بأعبائها، فلم يعد هناك فرق بين العرض للإتجار و الإتجار الفعلي لأن علة
(1)- د عبد الله سليمان-مرجع سابق-ص63
(2 ) -نقض 6 نوفمبر 1967 –مجموعة أحكام النقض-رقم 225 –ص1087
التجريم متوافرة في الحالتين بالقدر ذاته و طلب الرشوة قد يكون بعبارات صريحة كما قد يكون ضمنيا و الطلب الضمني يستفاد من تصرفات الموظف التي لا تدع شكا في دلالتها على التعبير عن إرادته في تعليق أداء العمل الوظيفي أو الإمتناع عنه على دفع المقابل أو الوعد به، و ليس بلازم أن يطلب الموظف العطية أو الوعد لنفسه، بل قد يطلب ذلك لغيره (1) ، مادام هذا الطلب صدر منه و وصل إلى علم صاحب المصلحة مباشرة أو عن طريق وسيط و عليه فالموظف الذي يلبي الرشوة لزميل له يعد فاعلا أصليا للرشوة و ليس مجرد شريك فيها، فيستوي أن بالكتابة إلى صاحب المصلحة أو بإرسال وسيط يبلغه بالطلب أو أن يكون بوشر شفاهة في مواجهة صاحب المصلحة، و لا يتحقق الطلب إلى بوصوله إلى علم صاحب المصلحة، و لذلك فإذا صدر الطلب عن الموظف ثم حالت أسباب لا دخل لإرادته فيها دون اتصال علم صاحب المصلحة به.
فان الرشوة تتوقف عند مرحلة الشر ع , و ر يختلف الحكم إذا كان الطلب قد حمله رسول كلف من قبل أن تصل إلى صاحب المصلحة فان جريمة الرشوة تتوقف بذلك عند مرحلة الشروع , لكن الرسول لم ينفذ ما كلف به لآي سبب من الأسباب و ينبني على ما تقدم أن الموظف الذي يطلب الرشوة ثم يعدل عن طلبه , قبل وصول الطلب إلى علم صاحب المصلحة ,يستفيد من العدول الاختياري, فلا يتوافر في حقه حتى مجرد الشر وع في الرشوة .
و لا يشترط في الطلب أن يكون محددا فيما يتعلق بالعطية أو الوعد بها, بل يكفي أن يكون الطلب منصبا على عطية قابلة للتحديد ذلك أن الموظف قد يطلب ثمنا لأداء العمل الوظيفي و يترك التحديد ماهية هذا الثمن لفطنة و حسن تقدير صاحب المصلحة , لكن يشترط في الطلب أن يكون محددا بالنسبة للعمل الوظيفي الذي يتعهد الموظف بأدائه لقاء العطية أو الوعد بها, فان لم يكن كذلك فلا تقوم الجريمة بهذا الطلب
و يخضع إثبات الطلب لقواعد الإثبات في المسائل الجنائية و يجوز إثباته بكافة طرق الإثبات منها شهادة الشهود و القرائن أيا كانت قيمة هذا الطلب (2 )
ثانيا: القبول: يفترض القبول كصور ة للركن المادي في جريمة الرشوة , أن يكون هناك إيجابا
صدر من صاحب المصلحة يتضمن عرض الوعد بالرشوة , إذا ما أتم الموظف العمل أو الامتناع المطلوب منه , و يتمثل سلوك الموظف في هذه الصورة قبول الوعد الصادر من صاحب المصلحة أي في موافقة على تلقي مقابل أداء العمل الوظيفي في المستقبل و بالتقاء قبول الموظف المرتشي بإيجاب صاحب المصلحة الراشي, ينعقد الاتفاق صحيحا الذي يعني توافق إرادتين و بقبول الموظف
للوعد بالعطية تتحقق جريمة الرشوة سواءا احصل ما وعد به أم لم يحصل بغض النظر عن أسباب عدم حصوله كما يشترط قيام الموظف بالعمل أو الامتناع الذي قبل الوعد من أجله.
كما تتم الرشوة و لو رفض الموظف أداء العمل المتفق عليه كرد من جانبه على مخالفة صاحب المصلحة عن وعده , طالما حدث هذا الرفض بعد قبول الموظف للوعد.
و لا يشترط أن بقوم بالقبول وفق شكل معين فهو إرادة يتم التعبير عنها بأي وسيلة كانت كما قد يكون القبول ضمنيا يستفاد من الوقائع.
.
(1) - بكري فاطمة الزهراء-رسالة ماجيستار-مرجع سابق-ص 23 .
(2) -د عبد الرحيم صدقي-مرجع سابق- ص341 .
و يشترط في قبول الموظف للوعد أن يكون جديا و حقيقيا فإذا لم تتوفر لدى الموظف إرادة جادة و صحيحة تلتقي مع عرض صاحب المصلحة, فلا يتحقق القبول الذي تقوم به جريمة الرشوة ,و تنتقي عند القبول صفة الجدية في حالة تظاهر الموظف بقبول الوعد لمجرد الإيقاع بصاحب المصلحة و تمكين السلطات من القبض عليه متلبسا و يستوي لقيام الجريمة بقبول الموظف للوعد أن يكون الوعد بعطية تؤول الى الموظف أو الى غيرة , لكن الوعد بعطية أو هدية أو منفعة لغير الموظف, فليزم أن تتوافر مصلحة شخصية للموظف حتى تقوم الجريمة بقبول لهذا الوعد, مثال ذلك أن يكون الوعد لابن الموظف أو لزوجته أو لشخص يرتبط به بصلة قرابة أو صداقة ,. كما لو وعد صاحب المصلحة بتعيين ابن الموظف أو احد أقاربه في وظيفته أو وعد بانتداب زوجته لأداء عمل في مؤسسة أو هيئة عامة أو خاصة يتولى رئاستها.
ثـلثـا : الأخذ : يتحقق الركن المادي لجريمة الرشوة بأخذ الموظف فعلا لعطية قدمها له صاحب المصلحة و الأخذ في حقيقته هو قبول لكنه قبول لهدية أو عطية تقدم في الحال و ليس الإستقبال و ليس قبولا لوعد بتقديم هدية أو عطية، و هذه هي الصورة الغالبة في جريمة الرشوة و الجاري عليها العمل في مجتمعنا، فقد ساد بين المتعاملين مع الإدارة شعار "لا تنتظر أن يطلب منك الموظف، ولا تدفعه إلى الطلب" لأن الغالب أنه لا يرفض ما يقدم إلي، كما أن الموظف لا يقنع في الغالب الأعم بمجرد قبول خشية أن يضر به صاحب المصلحة و من ثم يفضل الموظف تسلم ثمن العمل الوظيفي مسبقا و غالبا قبل أداء العمل المطلوب،يتضح من ذلك أن الأخذ هو سلوك الموظف يفترض إعطاء من طرف الراشي، و إذا كان مقابل الرشوة ذا طبيعة مادية، فإن الأخذ يعني تسليم المقابل للمرتشي أي نقل حيازته إليه، أو دخوله في حوزته بأي طريق كان .
و لا يشترط أن يكون تسليم لشخص آخر لا يعلم بالغرض من التسليم، و قد يرسل المقابل عن طريق البريد، و هنا يعد الأخذ محققا بمجرد علم الموظف بالغرض من التسليم أو الإرسال أو إرادته الإحتفاظ بالمقابل، و لا يشترط لقيام الرشوة التسليم الحقيقي للمقابل فيكون التسليم رمزيا كما لو سلم الراشي لحقه على هذه الأشياء و إن لم يكن مقابل موضوع الرشوة أو سلمه المستندات المثبتة لحقه على هذه الأشياء وإن لم يكن مقابل الرشوة ماديا و إنما تتمثل في منفعة أو فائدة معنوية يحصل عليها المرتشي نظير قيامه بالعمل الوظيفي فالأخذ يتحقق بحصول المرتشي على هذه المنفعة أو الفائدة، كما لو تمثل مقابل الرشوة في حصول الموظف على ترقية له أو لأحد أقاربه أو كان المقابل ذو ميزة غير مادية كتسهيل حصول الموظف على خدمة أو تحقيق منفعة له أو لأقاربه، فالأخذ هو السلوك الذي يحقق ماديات الرشوة بصرف النظر عن المستفيد من المقابل فقد يكون المستفيد هو الموظف ذاته، كما قد يكون المستفيد كليا أو جزئيا غير الموظف يستوي أن يكون الغير موظفا أو غير موظف (1).
الفرع الثاني : الركن المعنوي :الرشوة من الجرائم العمدية التي لابد أن يتوفر فيها القصد الجنائي و هذا يعني أن الخطأ الغير عمدي لا يكفي لقيام هذه الجريمة لأنه لا نتصور أن يرتكب الموظف العام جريمة الرشوة عن طريق الخطأ أو الإهمال، و القصد الذي يجب توافره في جريمة الرشوة هو قصد عام و هذا رأي أغلبية الفقهاء لأن المشرع لا يعتد بالغاية من سلوك الجاني و لا يجعل من نية الإتجار بالوظيفة و استغلالها لأغراض ينبغي أن يستهدفه الجاني إذا استبعدنا القصد الخاص من جريمة الرشوة و القصد العام كما نعلم يقوم على عنصري العلم و الإرادة .
(1) -د فتوح عبد الله الشاذلي- مرجع سابق- ص 85.
أولا: العلم بكافة أركان الجريمة :العلم بكافة الأركان التي يقوم عليها النموذج للجريمة هو أحد عناصر القصد الجنائي، و في صدد هذه الجريمة ينبغي أن ينصب علم الموظف المرتشي على صفته الخاصة و كونه موظف عام أو من في حكمه و يجب توافر صلة إرتباط نفسي بين المقابل الذي يحصل عليه و العمل الذي يلتزم به.
فيلزم أولا أن يعلم الجاني بثبوت صفة الموظف العام له بإعتبارها ركنا يدخل في نموذج الجريمة كما حدده نص القانون، فإذا إنتفى علمه بهذه الصفة إنتفى القصد الجنائي لديه، فينتقي القصد الجنائي لدى الموظف الذي فصل من الخدمة ثم أعيد إليها و ارتكب الواقعة قبل أن يعلم بصدور قرار إعادته، لكن إنتفاء علم المتهم بالرشوة بأن وظيفته تدخل في عداد الوظائف التي تضفي على شاغلها صفة الموظف العام في تطبيق أحكام الرشوة، ليس من شأنه أن ينفي القصد الجنائي لديه، لأن إنتقاء العلم هنا لا يعتد به بإعتباره جهلا بقاعدة جنائية ينصب على نص التحريم ذاته . (01)
و يلزم ثانيا أن يعلم الجاني بأنه تلقى مقابلا للقيام بعمل وظيفي و يعني ذلك أن هذا العمل ينبغي أن ينصب على أمرين المقابل ثم الإرتباط بين المقابل و العمل الوظيفي، فإذا إنتفى علمه بأحد هذين الأمرين إنتفى القصد الجنائي لديه و العلم بوجود المقابل لا يثير شكا في حالة طلبه أو قبول العرض الصادر به أو أخذه بالفعل من صاحب المصلحة بإعتباره كذلك و لكن قد يحدث ألا يعلم الموظف بأنه قد أخذ عطية بالفعل إذا كانت قد دست إليه أو وضعت في درج مكتبه دون علمه أو قدمت إليه في ملف يحتوي على مجموعة كبيرة من الأوراق فوضعه في درج مكتبه دون فحصه و بالتالي دون أن يعلم بتلقيه عطية من صاحب المصلحة .
وقد يعلم الموظف بوجود العطية أو الهدية لكنه لا يعلم بقيام إرتباط بينهما وبين العمل الوظيفي ، أن لا يعلم الغرض منها أي إنتفاء علمه بالصلة التي توافرت في ذهن صاحب المصلحة وحده ، بين المقابل الذي قدمه للموظف وبين العمل الوظيفي الذي حقق مصلحته ، كما لو إعتقد أنها هدية تبررها صلات القرابة أو الصداقة أو أنها سلمت إليه على سبيل الوديعة أو كان قد طلب مبلغا من المال من صاحب المصلحة على أنها سلعة يلتزم بردها ، وقدمها هذا الأخير لقاء ما قام به من أعمال وظيفته ففي هذه الأحوال ينتقي العلم بالإرتباط بين العطية أو الوعد بها وبين العمل الوظيفي لإنتفاء الصلة في نفسية الجاني بين ما يحصل عليه والعمل الذي يؤديه .
مفادها تقدم أن عنصر العلم في القصد الجنائي يتوافر إذا ثبت العلم الحقيقي للموظف بأن ما يتلقاه هو مقابل لأداء العمل الوظيفي أو الإمتناع عنه أو الإخلال بواجبات الوظيفة ، وإنما تلتزم محكمة الموضوع التي تفصل في توافر القصد الجنائي بالتحقق من توافر العلم الفعلي للموظف لإمكان القطع بتوافر قصده الجنائي .
ثانيا : إرادة تحقيق السلوك الذي يقوم الجريمة : العنصر الثاني من عناصر القصد الجنائي في جريمة الرشوة هو إرادة إثبات السلوك المحقق للجريمة ، فلا يكفي توافر العلم بمعناه السابق لقيام جريمة الرشوة وإنما يجب أن تتجه إرادة المرتشي إلى تحقي السلوك الذي يشكل ماديات الجريمة ويلزم كذلك أن تتجه إرادة الجاني إلى الإستفادة من المقابل ، سواءا كانت إستفادته شخصية أو بواسطة
(1)-د فتوح عبد الله الشاذلي- مرجع سابق- ص99.
الغير ويعني ذلك وجوب أن تتجه إرادة الجاني للإستيلاء على العطية بقصد التملك أو الإنتفاع ، ولا يثور شك في توافر عنصر الإرادة حين يطلب الموظف مقابلا لأداء عمله إنما يثور الشك في حالتي القبول والأخذ إذ القبول قد لا يكون جديا ، كما أن دخول العطية في حيازة المرتشي قد لا يكون إراديا من جانبه ، والقبول الظاهري للإيقاع بصاحب المصلحة كي يضبط متلبسا بعرض الرشوة ، ففي هذه الحالة لا يتوافر التلاقي بين إرادة الراشي وإرادة الموظف العام ومن ثم لا تتوافر جريمة الرشوة في حق هذا الأخير ، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى لا يكون دخول العطية في حيازة المرتشي إراديا و من ثم لا تتوافر إرادة الأخذ التي تحقق العنصر الثاني من عناصر القصد الجنائي في جريمة الرشوة ، وإرادة الأخذ تنتقل في حالتين :
أ= أن لا يكون الموظف قد علم مطلقا بوجود العطية في حوزته كما لو كانت قد دست إليه في ملابسه أو وضعت في درجه دون علمه ، ففي هذه الحالة يستحيل القول بتوافر الإرادة التي تفترض العلم ، طالما ثبت إنتفاء علم الموظف المعاصر لأداء العمل الوظيفي .
ب= علم الموظف بدخول العطية في حوزته لكن إرادته تتجه إلى رفض هذه العطية ويحدث هذا إذا كانت العطية قد دست إلى الموظف أو وضعت في درج مكتبه أو قدمت له في ظرف مغلق لكنه سارع إلى رفضها بعد أن إكتشف وجودها والغرض منها ، وقام بردها إلى من قدمها أو بإبلاغه السلطات العامة بالأمر ، ففي هذه الحالة تنتفى إرادة الأخذ أو القبول بعد أن توافر عنصر العلم ومن ثم ينتفي القصد الجنائي .
والإرادة التي يتحقق بها القصد الجنائي تكون تطبيقا للقواعد العامة ، أي تكون جدية ومختارة ، فإذا ثبت أن الموظف كان واقفا تحت ضغط أو إكراه أو أن هناك ضرورة ألجأته إلى ذلك إنتفى القصد الجنائي لديه أو إمتنعت بالتالي مسؤوليته الجنائية ، إذا توافرت الشروط التي تجعل من الإكراه مانعا من المسؤولية الجنائية .
وإذا توافر القصد الجنائي بعنصريه تحققت جريمة الرشوة ، ولو كان الموظف لا ينوي القيام بما وعد به صاحب المصلحة من عمل أو إمتناع أو إخلال بواجبات الوظيفة وقد نص المشرع على ذلك صراحة كما رأينا حسما لكل خلاف يمكن أن يثور بصدد قيام الجريمة في هذا الغرض ، فإنتفاء قصد الإتجار بالوظيفة ليس من شأنه أن يؤثر في قيام القصد الجنائي لأن نية الإتجار في أعمال الوظيفة لا تدخل في الركن المعنوي لجريمة الرشوة لأن المشرع لم يشترط لتوافره أي نية خاصة (01).
الفرع الثالث : الركن المفترض : وهي صفة الجاني لجريمة الرشوة التي فيها طرفان الراشي والمرتشي قد يتوسط بينهما شخص آخر يسمى الوسيط ، وقانون العقوبات لا يشترط أي صفة في الراشي أو الوسيط فهو من عامة الناس ، وعلى الغالب يكون الراشي شخص له مصلحة يريد قضائها عن طريق المرتشي ، أما هذا الأخير فله صفات خاصة نصت عليها المواد 25 و 26 و 27 و 28 و 40 من القانون 06-01 المؤرخ في 20 فيفري 2006 المتعلق بمكافحه الفساد .
(1)-د فتوح عبد الله الشاذلي- مرجع سابق- ص10
أولا : الموظفون العموميون أو من في حكمهم :
• القاضي و الموظف، ذو الولاية النيابية ،الخبير، العضو في جهة قضائية، الطبيب، الجراح، القابلة وطبيب الأسنان.
و القاسم المشترك بينهم هو أهمية الوظيفة الاجتماعية و ضرورة توفير النزاهة الكاملة، و قد حشر موظفي السلك القضائي مع بعض أصحاب المهن الحرة التي يعتد بتقريرها و ترتب أثارها في مواجهة الغير قاصدا حماية أخطر الوظائف العامة في المجتمع ( القضاء و الإدارة) من العبث.
و هذه التسمية تدل بوضوح على أهمية دور الموظف العام التي هي في الأصل جريمة الموظف (1)
أ-الموظف العام:يجب التفريق بين الموظف العام في القانون الإداري والقانون الجنائي.
1-الموظف العام في القانون الإداري: كل شخص يقوم بأداء عمل يتميز بصفة الدوام في خدمة مرفق عام أو مصلحة أو مؤسسة عامة تديرها الدولة كما عرفته المادة 01 من الأمر رقم 66-133 الصادر في 02 جوان1966 حيث حددت الموظفين العموميين بنصها:"الموظفون هم الأشخاص المعينين في عمل دائم،و المصنفين في درجة بحسب السلم الإداري المركزي للدولة، سواء في المصالح الخارجية التابعة لها أو في الهيئات المحلية و كذلك المؤسسات و المرافق العامة بموجب نماذج محددة بمرسوم." و قد إستثنت الفئات التالية من بين الموظفين: القضاة،رجال الدين، أفراد الجيش الوطني الشعبي.
2-الموظف العام في القانون الجنائي:يختلف عنه في القانون الإداري بالنظر إلى المصلحة المحمية في كلا القانونين:
-في القانون الإداري:تحديد الحقوق و الالتزامات التي تربط الموظف بالدولة و يستبعد من الموظفين من كان تعيينه باطلا و من يكلف بعمل عارض و من لا تتحقق فيه شروط معينة تقتضيها الوظيفة.
-في القانون الجنائي: يرتكز على إعتبارات أخرى تقتضيها نزاهة الوظيفة و حماية الجمهور فهو يعتبر كل من يواجه الجمهور بإسم الدولة و لحسابها و لو كان له قدر ضئيل من السلطة موظف عام في القانون الإداري هو كذلك في القانون الجنائي بالإضافة إلى من لا يعتبر موظف عام في القانون الإداري قد يعتبر موظف عام في القانون الجنائي. (2).
أما المشرع المصري فقد خصص له في نهاية معالجته لجرائم الرشوة المادة 111 فعرفه القانون الجنائي على أنه: " كل شخص له نصيب من الإشتراك في إدارة أعمال الحكومة مهما كان نصيبه في مسألة إختصاصه .
*إختصاص الموظف العام: قد يكون إختصاصه شاملا للعمل محور الرشوة و قد يكون جزئيا أو
فرعيا أو قد يزعم إختصاصه.
*الإختصاص الشامل: العمل المطلوب منه يدخل برمته ضمن عمله دون تدخل من زملائه الموظفين .
*الإختصاص الجزئي: عمل الموظف جزء من العمل محل الرشوة كأن يختص بتوقيع الشهادة و لكن يجب لإعتمادها توقيع زميل ثاني.
*الإختصاص الفرعي: أن يكون قد ندب أو أعير للقيام بهذا العمل كله أو جزء منه
*الزعم بالإختصاص: لا جريمة في الأمر إذا كان العمل المراد القيام به أو الإمتناع عنه لا يدخل في إختصاص الموظف فإذا إنعدمت الصفة أو الإختصاص نكون أمام جريمة النصب، وفق إعتقادنا ، الزعم بالإختصاص من المتصور وجودها في عرض الرشوة. (3)
(1)- د عبد الله سليمان-مرجع سابق-64.
(2)- د عبد الله سليمان-مرجع سابق-66.
(3)-د عبد الرحيم صدقي-مرجع سابق- ص345.
القانون الجنائي قد سمى بعض الطوائف من غير الموظفين وجعلهم في حكم الموظفين العامين من بينهم :
1-القاضي: يتردد كثيرا في مواد قانون العقوبات النص على القاضي و الموظف إلا أنهما يخضعان لنفس الأحكام في عدا بعض الحالات التي يشدد فيها عقوبة القاضي نظرا لأهمية و خطورة منصبه و بالرجوع إلى القانون الأساسي للقضاء الصادر بالأمر 69 -27 بتاريخ 13ماي1969و تعديلاته اللاحقة و يمكننا تحديد رجال القضاء على أنهم:قضاة الحكم و النيابة العامة و المجلس الأعلى و المجالس القضائية و المحاكم الذين يعينون بموجب مرسوم من وزير العدل حافظ الأختام بعد إستطلاع رأي المجلس الأعلى للقضاء .
تحيط الدولة القاضي بكافة الضمانات للمحافظة على نزاهته و إبعاده عن الشبهات (الرشوة).
2- ذو الولاية النيابية:أعضاء المجالس الشعبية الذين يحملون صفة التمثيل النيابي (المجالس الولائية، البلدية) و ضمهم إلى الموظفين لوجوب تأكيد نزاهة وظيفة التمثيل النيابي لأن أعمالهم هي غاية في الخطورة فهم يمارسون الإختصاص التشريعي للدولة و مراقبة أعمال السلطة التنفيذية للدولة.
3-الخبير و المحلف و العضو في جهة قضائية:إختصاصها مكمل لإختصاص القضاء، عليهم إلتزام الأمانة و عدم خيانة الثقة التي منحت لهم، يرتكب الرشوة إذا أصدر قرار أو أبدى رأي لمصلحة أحد الأفراد أو ضده تحت تأثير ما ناله من منفعة.
أما المحلف أو العضو في جهة قضائية عمله متمم لعمل القاضي و لا يقل خطورة عنه، تسري عليه عقوبة رشوة القاضي .(1)
- الطبيب و الجراح و طبيب الأسنان و القابلة: لا يجوز لهم خيانة شرف مهنتهم تحت تأثير الرشوة لأن المجتمع إئتمنهم على مصالحه.
أما غير الموظفين من الأطباء فتمارس عليهم أحكام الرشوة و يحاسبون على أساس موظفين.
الأعمال التي يرتكبها الأطباء في أعمال الرشوة هي:التقرير الكاذب بوجود أو إخفاء مرض أو عاهة أو حمل أو بإعطاء بيانات كاذبة عن مصدر مرض أو عاهة أو عن سبب الوفاة.
ثانيا: الموظفون أو العاملون في المؤسسات الخاصة:بسط المشرع الحماية على المصالح الخاصة إذ إعتبر أن لها أسلوبها و أسرارها الخاصة في العمل و الواجب أن يقوم المستخدم بعمله دون المتاجرة فيه على نحو لا يرضي مخدمه، المادة 40 من قانون مكافحة الفساد.
فقد تكون جريمة الرشوة في المشروعات الخاصة الفردية (البسيطة) فيكون الجاني مرتبط بعلاقة تبعية تعاقدية مع مشروع خاص، سواءا كان شخصا طبيعيا أو معنويا و أن يكون عاملا فيه أو موظفا أو مديرا، أي يشغل عملا على مختلف درجات السلم الوظيفي التعاقدي، وأي كانت أي طبيعة المشروع أو مشروعية النشاط الذي يمارسه أو عدم مشروعيته، سواءا كان عمل الجاني مؤقتا أو دائم.
و من الأمثلة على إرتكاب الجريمة تلقي الجاني مقابلا على الخدمات التي يقدمها المشروع أو السكوت عن عيوب المواد الموردة له، أو إبلاغ مشروع منافس بأسرار المشروع الذي يعمل فيه معرضا إياه لمناقشة غير مشروعة.
كما قد تكون في نطاق شركات المساهمة و ما إليها كأن يقدم بطلبها عضو مجلس الإدارة أو إحدى الجمعيات التعاونية و النقابات ذات النفع العام أو مدير أو مستخدم في إحداها بطلب هدية أو عطية لقاء تقديم خدماته لهذه الهيئات التي ليست من القطاع العام لا تتبع الدولة و لا تخضع لوصايتهـا الإداريـة
(1)- د عبد الله سليمان-مرجع سابق-67.
تتميز بأهمية إقتصادية و إجتماعية خاصة، إذ أن ما تقوم به من أعمال و ما تؤديه من دور في المجتمع له أهمية أساسية تفرض حرصا خاصا على نزاهة العاملين بها و على ثقة جمهور الناس فيها.
النقابات العمالية تعتبر من أشخاص القانون الخاص بالنظر إلى أن الدولة تقوم بإنشائها، بل يتوقف تكوينها على إرادة أفراد المهنة و لا تملك في علاقاتها بأعضاء حقوق السلطات العامة .(1)
المطلب الثالث: أنواع الرشوة .
تقتضي الرشوة إتحاد إرادة شخصين صاحب مصلحة يعرض هدية أو عطية على موظف ليحمله على أداء عمل من أعمال وظيفته و يسمى راشيا و فعله رشوة إيجابية و موظف أو أمن في حكمه يطلب أو يتلقى الهدية أو العطية و يتجر بوظيفته و يسمى مرتشيا و عمله يكون رشوة سلبية.
ويستفاد من مراجعة المادتي25-26-27-28-40 من قانون رقم 06 -01 الخاص بمكافحة الفساد أن لها أنواع أركان و هي الرشوة السلبية، الرشوة الإيجابية، الوسيط.
الفرع الأول: جريمة الرشوة السلبية .
تقتضي الرشوة السلبية وجود شخصين الراشي و فعله الرشوة الإيجابية و المرتشي عمله الرشوة السلبية حسب المادة 25 من قانون مكافحة الفساد و لها ثلاثة أركان:
الركن الأول: ركن مفترض و هو صفة المرتشي لكونه مختصا بما كلف به.
الركن الثاني: ركن مادي و هو طلب أو القبول لفائدة ما.
الركن الثالث: الركن المعنوي هو القصد الجنائي.
يجب على قضاة الإستئناف أن يستظهروا في قضائهم بإدانة المتهم بالرشوة طبقا لأحكام المادة 25 ق م ف أركان الجريمة حتى يتسنى للمجلس الأعلى مراقبة صحة تطبيق القانون الذي قام به المرتشي مقابل ذلك يعتبر قاصر البيان و يستوجب النقض .
*الركن المفترض:صفة المرتشي و كونه مختصا بما كلف به ونص القانون على الفئات التي تتم بواسطتها الرشوة :
1-الموظفون العموميون و من في حكمهم المادة 25.
2-الموظفون المستخدمون في المؤسسات الخاصة المادة 40.
و هم موظفون مختصون بالعمل المطلوب منهم و لذلك فلابد:
1-بثبوت صفة الموظف أو من في حكمه التي يتطلبها القانون وقت إرتكاب الجريمة.
2-أن يكون العمل المطلوب أدائه داخلا في إختصاصه.
أ-ثبوت الصفة وقت إرتكاب الجريمة:ثبوت أن المرتشي كان وقت قيامه بالجريمة من الأشخاص الذين عددتهم المواد 25 – 40 و على ذلك لا تقوم إذا كان الموظف فاقدا لوظيفته بالإستقالة أو العزل وقت إرتكاب الجريمة وكذلك الموظف في المؤسسات الخاصة .
- سؤال: الموظف الذي يقبل الرشوة إذا تعيينه غير صحيح بسبب نقص أو خطأ في إجراءات التعيين، فهل تطبق عليه أحكام الرشوة أم لا ؟
نفرق بين حالتين :
الحالة الأولى : النقص أو الخطأ مما لا يعتد به وغير معروف من الناس بحيث لم يفقد الموظف سلطاته الوظيفية هنا نطبق عليه وعلى الراشي أحكام الجريمة .
(1)-د فتوح عبد الله الشاذلي- مرجع سابق- ص.259
الحالة الثانية : النقص على درجة من الأهمية تمنع الموظف من القيام بأعمال وظيفته أو زالت عنه بعزل أو إستقالة فلا يمكن تطبيق أحكام جريمة الرشوة لإنعدام الصفة لأنها ركن في إرتكاب الجريمة .
يعاقب على إنتحال الصفة الكاذبة للحصول على عروض وفوائد بعقوبة النصب .
ب= الإختصاص بالعمل أساسها الإتجار بالوظيفة ، لا يتحقق له ذلك إذا كان العمل المطلوب منه أداؤه يدخل ضمن إختصاصه ( كل أو جزء أو مجرد رأي إستشاري ) .
متى كان الموظف مختصا فإن القانون حمى الوظيفة من العبث سواءا بأداء أو الإمتناع عن العمل وكذلك يلحق القانون الأفعال التي لا يكون المرتشي مختصا بها لكنه يستطيع أدائها بحكم وظيفته .(1)
الركن المادي : طلب أو قبول لفائدة ما .
ورد في نص المادة 25 من(ق م ف) الأفعال التي يقوم عليها الركن المادي لهذه الجريمة بنصها يعد مرتشيا كل من يطلب أو يقبل هدية أو وعدا أو يتلقى هبة أو هدية أو أية منافع أخرى .
كما ورد أيضا في المادة 40 بالنسبة لموظف في مصلحة خاصة ولهذا يتمثل الركن المادي للرشوة في ثلاثة عناصر :
*السلوك المادي للموظف .
*محل الرشوة .
*سبب الرشوة وهدفها .
العنصر الأول : السلوك المادي للموظف .
فمن خلال نص المادتين 25 و 40 (ق م ف) يتبين لنا أن السلوك المادي ينحصر في ثلاثة مظاهر :
*المظهر الأول : الطلب هو النشاط الذي يقوم به المرتشي وهو تعبير عن إرادته في الحصول على مقابل لأداء خدمة أو الإمتناع عنها ، وتتم هذه الجريمة بمجرد طلب بنص القانون حتى ولو لم تتحقق النتيجة برفض صاحب المصلحة تقديم ما طلب منه وتقوم الجريمة على أساس الأخذ والطبول أي أن الموظف يصدر منه إيجابا يماثله القبول من طرف صاحب الحاجة عن طريق تقديمه العطية وفي حالة رفض صاحب الحاجة لطلب الموظف يعتبر شروعا في الرشوة باعتبارها تنفيذ للأخذ والقبول .
المظهر الثاني : القبـول .
إن جريمة الرشوة تتم بقبول الشيء المقدم من الشخص الأول المسمى الراشي إلى الشخص الآخر المسمى المرتشي ويتمثل هذا القبول في العطية أو الوعد بها ، وتقع هذه الجريمة بمجرد القبول أي قبول الموظف مع إيجاب صاحب المصلحة وقد يتم القبول بصفات متعددة كالكتابة أو الإشارة أو بتعبير صريح أو بأي شيء آخر يدجل عليه شريطة أن تكون الإرادة جادة في ذلك .
المظهر الثالث : الأخـذ .
يحدث أن يتلقى الآخذ الهبة أو الهدية أو منافع أخرى باستلام الموظف لما عرض عليه حيث يأخذ الموظف ثمن إيجار وظيفته سواء كان معجلا أو مؤجلا (2) .
العنصر الثاني : محل الرشوة .
إن محل الرشوة هو الذي تقع عليه الرشوة والمتمثل في الوعد أو الهدية أو الهبة أو أية منافع أخرى ويقصد أيضا بالمحل هو الفائدة المراد تقديمها إلى المرتشي قصد إشباع حاجة الموظف سوءا كانت مادية أو معنوية كما ورد في المادتين 25 و 40 (ق م ف) .
(1) - د عبد الله سليمان-مرجع سابق-.71
(2)- بكري فاطمة الزهراء-رسالة ماجيستار-مرجع سابق-ص .40
ويشترط الفقهاء في الفائدة شرطين :
01= أن تكون الفائدة التي حصل عليها غير مستحقة أي خارجية عن أجرة اليومي والقانوني .
02= أن تكون متناسبة مع المقابل الذي قدمت من أجله لأنها تؤثر على الموظف إلى حد تغيير نيته .
العنصر الثالث : سبب الرشوة وهدفها .
حدد المشرع سبب الرشوة الذي يعتبر عنصرا هاما لتقرير وقوع الرشوة من عدمها ، وهو إيجار عمل من أعمال الوظيفة حسب المادة 25 (ق م ف) والمتمثلة في مايلي :
*إبداء رأي لمصلحة شخص أو ضده .
*إتخاذ قرار لصالح أحد الأطراف أو ضده .
*إعطاء بيانات كاذبة أو تقرير كاذب حول مرض أو عاهة .
*إمتناع عن أداء عمل من أعمال الوظيفة أو التأخير في إنجازه طالبا في ذلك تقديم رشوة من أجل القيام بهذا العمل الوظيفي (1).
الركن المعنوي :
إن الجريمة السلبية للرشوة تتمثل في إتجاه إرادة الجاني إلى طلب الرشوة أو قبولها أوأخذها ، فإذا علم الموظف بأركان الجريمة ولكنه تظاهر بأنه يريدها إلى طرف آخر قصد الإيقاع بالراشي وهي من الجرائم العمدية يتوافر فيها القصد الجنائي بتوافر العلم والإرادة .
أ= العلم : يجب علم الجاني بأركان الجريمة يعلم بأن الموظف عام ، طلب منه عمل في حدود إختصاصه وما يقدم له مقابل العمل المطلوب منه تنتفي الجريمة بانتفاء العلم كمن يخطئ في تفسير العرض ، كمن يعتقد أنه قدم له بغرض بريء .
ب= الإرادة : علم الموظف بأركان الجريمة وإرادتها ولا تقم إذا علم بها ولكنه لم يردها وإنما تظاهر بذلك للإيقاع بالراشي .
يشترط معاصرة القصد الجنائي للركن المادي فلا عبرة بتوافره في لحظة لاحقة .
والقصد المتوافر هنا هو القصد الجنائي العام وفيه إختلاف إذ يرون أن القصد الجنائي الخاص القائم على نية الإتجار بالوظيفة وإستغلالها ، إلا أن القصد العام هو الراجح .(2) .
الفرع الثاني: جريمة الرشوة الإيجابية: هي جريمة الراشي.
لا تتحقق جريمة الرشوة إلا إذا حصل إتفاق بين الراشي و المرتشي على إعطاء الأول لثاني هدية مقابل عمل يقوم به هذا الأخير في إطار وظيفته أو خدمته فالمذنب الرئيسي في الجريمة هو المرتشي الذي يعبث بالوظيفة و ينتهك واجبات النزاهة و الإخلاص المفروضة عليه.
أما الشخص الذي يعرض الهدية أو يعطيها للموظف ليحمله على أداء عمله في إطار وظيفته أو خدمته فيسمى راشيا و لا يعفى من العقاب إلا إذا كان مضطرا على إرتكاب الجريمة بقوة ليس في إستطاعته مقاومتها( وفقا لقرار صادر يوم 12 أفريل 1992 من القسم الثالث لغرفة الجنح و المخالفات في المجلة القضائية للمحكمة العليا العدد 1 سنة 1994ص271).
لم ينص المشرع الجزائري في المواد 25 و26و27و28و 40 (ق م ف)صراحة على المرتشي إنما على الأفعال التي يقوم بها، إذن لهذه الجريمة ركنان و هما:
(1) - بكري فاطمة الزهراء-رسالة ماجيستار-مرجع سابق-ص.58
(2)- د عبد الله سليمان-مرجع سابق-.71
أ= الركن المادي :لا يتحقق الإرشاء إلا بإتفاق الراشي على تقديم الرشوة إلى الموظف المرتشي مقابل أداء عمل أو الإمتناع عن عمل من أعمال الوظيفة أو يزعم أنه كذلك أو الإخلال بواجبات وظيفته و هي أفعال يقوم بها الركن المادي .
-التعدي و التهديد: يكره الراشي الموظف بتهديده للقيام أو الإمتناع عن عمل في حدود إختصاصه و قد يكون تهديد معنوي (1) كالفصل من الوظيفة أو نقله أو تحذيره من مهبة أمر ما أو تهديد مادي بغض النظر عن أسلوبه، و إذا تجاوز الراشي حد التهديد على التنفيذ عد ذلك من قبل التعدي (2) .
فالراشي يقوم بأفعال عن عمد و يقصد الإستقرار أي دفع الجاني إلى إرتكاب الجريمة، و لكن السؤال المطروح هو ماذا و لو أن الراشي قام بتدبير غير جدي كي يوقع الطرف الثاني في شباك هذه الجريمة لتسهيل القبض عليه و ضبطه في حالة تلبس؟
هذا لا يمنع من وقوع الجريمة و هو ما قضت به محكمة إستئناف بروكسل في حكمها الصادر بتاريخ 15جوان 1994 حين قررت أنه يعاقب الراشي على الشروع في رشوة الموظف العمومي و قد أقرت محكمة النقض (جنايات إسكندرية) بتاريخ 10ماي1948 حين أعلنت أنه لا بطلان في أركان جريمة الرشوة إذا وقعت بتدبير لضبط الجريمة، و لم يكن الراشي يقصد تمام الجريمة جديا فإن غرض
المشرع الأول من المعاقبة هو منع الموظفين و من في حكمهم من إستغلال سلطة وظائفهم و الإتجار بها عن طريق الإنتفاع و الرشوة لأداء أعمالهم أو الإمتناع عن أدائها، و أخيرا فقد أعلنت هذه المحكمة في حكمها الصادر بجلسة 16 جوان 1953 أنه لا يؤثر في قيام أركان الرشوة أن تقع نتيجة تدبير لضبط الجريمة و لم يكن الراشي جادا في ما عرضه على المرتشي، متى كان عرضه لرشوة جديا في ظاهره، و كان الموظف قد قبله على أنه جدي، ناويا العبث بمقتضيات وظيفته لمصلحة الراشي أو مصلحة غيره، و لقد أخذت بهذا الإتجاه محكمة ليموج في فرنسا بحكمها الصادر في 23 ماي1946
حين أعلنت صراحة أن إقتراف الرشوة بناءا على تحريض أو إستفزاز للإيقاع بالمتهم في كمين، لا يؤثر في قيام الجريمة، و لا يمنع من توافرها، و إن كانت هذه الأفعال من جهة آخرى محل لوم شديد من جانب المحكمة.
2 –الترغيب:و هو أسلوب الرشوة الحقيقي بحيث يقوم بالإغراء بالهدايا و الهبات التي تستهوي الموظف للإخلال بواجباته الوظيفية (3)
فيشترط لتمام جريمة الرشوة أن يكون الراشي قد وعد الموظف بشئ ما فقبل الموظف الوعد و أخذ الهدية أو العطية.
قد يكون العطاء أو الرشوة معجلة: و الغالب أن يأخذ الموظف عطية أو هدية لأنه يقتضي إعادة جزاء قيامه بالعمل أو الإمتناع عنه ثمنا معجلا و لا يهم نوع العطاء الذي قدم للموظف، فكما يكون العطاء نقودا يصح أن يكون عروضا أو أوراق مالية أو مجوهرات أو مأكولات أو أي شيئ ذي قيمة.
قد يكون وعد بالعطاء: ليس بلازم أن يأخذ الموظف عطية أو هدية بل يكفي أن يقبل عن شيئ ما، إذ الرشوة لا تقوم على الدفع من جانب و القيض من جانب آخر، بل تقوم على مجرد الإتفاق أو التعاقد الذي يتم بين الراشي و المرتشي.
(1)-د-جيلالي بغدادي-شرح قانون العقوبات-ص110
(2) - د عبد الله سليمان-مرجع سابق-ص-79
(3)- د عبد الله سليمان-مرجع سابق-.80
الرجاء لا يقوم مقام العطاء: لا يقوم الرجاء و لا التوصية مقام العطاء، فلا يعد راشيا من يرجوا موظفا في عمل من أعمال وظيفته أو يوصيه بأدائه على وجه خاص، و لو كان غرضه من ذلك حمل الموظف على تنفيذ عمل غير و لا يعد مرتشيا الموظف الذي يستمع للرجاء أو التوصية فيخل بواجبه بغير أن يأخذ هدية أو عطية أو يقبل وعدا بشئ ما.
العطاء بعد العمل: لا يعد رشوة تقديم هدية أو عطية إلى موظف عمومي بعد قيامه بعمل من أعمال وظيفته سواءا كان العمل حقا أو غير حق إلا إذا كانت تنفيذا لإتفاق سابق، أما إذا أعطيت من قبيل الإعتراف بالجميل و لم يكن متفق عليه فلا عقاب عليه لأن الإتفاق السابق هو المعاقب عليه و بذلك يتحقق معنى الإتجار بالوظيفة(1)
ب= الركن المعنوي: يجب على الراشي بأن يوجه أفعاله( الترغيب و الترهيب) إلى موظف عام أو من في حكمه ليحمله على القيام بالعمل الذي يبتغيه في حدود وظيفته فقصده بهذا المفهوم قصد جنائي خاص.
جريمة الرشوة من الجرائم العمدية يتمثل الركن المعنوي في توافر القصد الجنائي و يتوافر هذا القصد بإتجاه إرادة الجاني إلى طلب الرشوة أو قبولها أو أخذها عالما بأنها مقابل الإتجار بالوظيفة(أداء عمل من أعمال وظيفته أو الإمتناع و الإخلال بواجباتها) أو إستغلالها( أداء عمل يزعم أو يعتقد خطأ أنه من أعمال وظيفته أو الإمتناع عنه) و بناءا على ذلك فإنه يبين أن القصد الجنائي يتطلب توافر عنصرين
هما :العلم و الإرادة.
فيجب أن تتجه إرادة الموظف إلى الطلب و القبول أو الأخذ فلا يتوافر القصد الجنائي إذا تظاهر الموظف بقبول الرشوة للإيقاع بالراشي أو إذا دس الراشي المبلغ في جيب المرتشي دون أن تتجه إرادة هذا الأخير إلى أخذه.
فإذا إتجهت إرادة الجاني إلى أخذ الرشوة وجب أن تتجه نيته إلى الإستلاء على العطية سواء بقصد التملك أو الإنتفاع.
وجب أن يعلم الموظف بأن الرشوة التي طلبها أو قبلها أو أخذها ليست إلى مقابل الإتجار بالوظيفة .
و توافر القصد الجنائي مسألة موضوعية تفصل فيها محكمة الموضوع ما دام تقديرها سائغا مستندا إلى أصل صحيح ثابت بالأوراق.
و لا يحول إنتفاء القصد لدى الموظف العام دون مسائلة صاحب الحاجة عن جريمة عرض الرشوة و يجب أن يعاصر القصد الركن المادي للجريمة.
و يفترض توافر القصد الخاص بإنصراف العلم و الإرادة إلى واقعة لا تدخل في عداد مادياتها. (2)
الفرع الثالث:جريمة الوسيط : لم يصرح المشرع الجزائري بالوسيط في جرائم الرشوة ولهذا نتساءل هل أغفل المشرع الجزائري جريمة الوسيط؟
مع العلم أن دور الوسيط في الحياة العملية أصبح اليوم خطير جدا حيث ي اثر تأثير مباشر على إبرام صفقات الرشوة و يربط أدوار الجناة فيشاركهم في أعمالهم الإجرامية فهو يعمل مع قطبيها و تنهي إلى كليهما وساطته إما مع الراشي أو المرتشي.
فالوسيط هو فرد من المجتمع يقوم بالتوسط بين الراشي و المرتشي في جريمة الرشوة، أو يعمل لحساب أحدهما، كقيامه بفعل مادي مثلا: هدية من الراشي إلى المرتشي أو نقل شيء معنوي بتقريب وجهات النظر بينهما أو الإشتراك في اللقاءات و المحادثات بين الأشخاص.
(1)- المستشار – جندي عبد المالك –الموسوعة الجنائية – ص 13
(2)-د فتوح عبد الله الشاذلي- مرجع سابق-263-237
و الوسيط كثيرا ما يستخدمه الموظف العام كأداة لينة يربح مرونتها أو كستار يتعامل بإسمه و لحسابه مع الراشي.
إن جريمة الوسيط كونها جريمة عمدية في أن تقوم مقام الموظف العام و يدخل في إختصاصه و أسرار وظيفته و بالتالي يحط من كرامة الموظف العام الذي يمثل السلطة و بذلك يقلل من ثقة المواطنين في الدولة و السبب في ذلك و هو إهمال القوانين، وفي هذا المقام يجب التفريق بين الرجاء و الوساطة و التوصية.
أ= الرجاء: إستعطاف يقوم صاحب المصلحة مباشرة بالإلحاح، بهدف إستمالة الموظف أو دعوته في تزلق إلى قضاء الحاجة.
ب=الوساطة: صورة من صور الرجاء أو الطلب الصادر عن وسيط لصاحب المصلحة لدى الموظف العام (1)
ج= التوصية : لا تعد و أن تكون إحدى صور الوساطة التي تصدر من شخص ذو نفوذ أو حيثية على الموظف فبتدخل عنده طالبا لا راجيا قضاء حاجة معينة.
أركان جريمة الوسيط: تتمثل أركان جريمة الوسيط في ثلاث و هي:
أ=الركن المادي: هو توفر العناصر السببية بين الوسيط أداء العمل الوظيفي المخالف للقانون، فإذا كان أداء هذا العمل بدون وسيط فلا قيام للجريمة.
ب= صفة الجاني: يمكن للوسيط أن يكون إنسان عادي يقوم بمهمة الوساطة كما يمكن أن موظفا مختصا.
ج=الركن المعنوي: يتمثل في القصد الجنائي و هي علم الموظف به و كون الوسيط الذي قام به للقانون و إتجاه إرادته إلى الوسيط و مخالفته للقانون.
و يكمن الفرق الجوهري بين هذه جريمة الوسيط وجريمة الرشوة في المتاجرة بالعمل الوظيفي و هو جوهر فكرة الرشوة بخلاف الثانية، فالإتجار يفترض المقابل نظير أداء العمل أو الإمتناع عن أدائه أو الإخلال بواجبات وظيفته و نزاهتها و الثقة الموضوعة فيها، يلاحظ أن الرشوة ليست دائما تتطلب أداء العمل أو الإمتناع عنه، وإنما تتطلب هي الآخرى إرادة و علم الموظف بذلك(2)، فطبقا للمبادئ العامة و الإجتهادات الفقهية يعتبر الوسيط شريكا لمن تعامل معه، في تقريب وجهات النظر بين الراشي و المرتشي.
المطلب الرابع: العقوبات المقررة لجريمة الرشوة:
يشمل الجزاء القانوني لجريمة الرشوة مجموعة من العقوبات التي نص عليها المشرع الجزائري جزاءا لإقتراف الجريمة مهما كانت طبيعتها، و هي في هذا الصدد قد تكون سالبة للحرية و قد تكون عقوبة مالية، و إذا كانت القاعدة أن على من إرتكب الجريمة إيستفاءا للعقوبة المقررة لها، فأخرج المشرع بخصوص جريمة الرشوة مقررا على سبيل الإستثناء إعفاء الراشي و الوسيط بإعتبارهما شريكين من العقوبة المقررة للمرتشي.
الفرع الأول: العقوبة الأصلية: كل حكم يصدر لجزاء العقوبة ما يسمى بالعقوبة الأصلية و تختلف حسب الجرائم المرتكبة و مرتكبيها.
أ=عقوبة الرشوة السلبية: في حالة ثبوت الجريمة السلبية للرشوة للموظف العام فإن المشرع الجزائري حدد له المادة 25 من قانون مكافحة الفساد بعقوبة من سنتين (02) إلى عشر سنوات (10) و بغرامة مالية من 200000 دج إلى 1000000 دج .
(1)-د فتوح عبد الله الشاذلي- مرجع سابق-270
(2)-د عبد الرحيم صدقي-مرجع سابق- ص347
ب= عقوبة الرشوة الإيجابية: إن المشرع الجزائري نص في المادة 25 من قانون مكافحة الفساد على العقوبة الأصلية لمرتكب هذه الجريمة بنفس العقوبة المقررة للرشوة السلبية حيث العقوبة بالحبس من سنتين (02) إلى عشر سنوات (10) و غرامة مالية من 200000 دج إلى 1000000 دج.
ج= عقوبة الوسيط: نفس العقاب المقرر للراشي و المرتشي يطبق على الوسيط الذي هو شريك لهما بناءا على القاعدة التي تقول من إشترك في جريمة فله عقوبتها أي من سنتين (02 إلى عشر سنوات (10) و غرامة مالية من 200000 دج إلى 1000000 دج.
*الإمتيازات الغير مبررة في مجال الصفقات العمومية:وهي إبرام الموظف العمومي لعقود أو يراجعها أو صفقة مخالفة للأحكام التشريعية و التنظيمية الجاري بها العمل ، و كل تاجر أو صناعي أو حرفي أو مقاول من القطاع الخاص بإبرام عقد أو صفقة مع الدولة أو الجماعات المحلية الخاضعة للقانون العام أو المؤسسات العمومية و يستفيد من سلطة أو تأثير أعوان بنفس عقوبة المادة 25 ق م ف.
*الرشوة في مجال الصفقات العمومية: و هي خاصة بالموظف العمومي الذي يقبض أو يحاول القبض بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أجرة أو منفعة بمناسبة إجراء مفاوضات قصد إبرام صفقة أو تنفيذها ذات طابع إداري أو صناعي أو تجاري بعقوبة الحبس من عشر سنوات (10) إلى عشرون سنة (20) و غرامة من مليون دج إلى مليونين دج.
*رشوة الموظفين العموميين الأجانب و موظفي المنظمات الدولية العمومية: و هو كل من يعد موظف عمومي أجنبي أو موظف في منظمة دولية عمومية بمزية غير مستحقة، سواءا لصالح الموظف أو كيان آخر من أجل قيام ذلك الموظف بعمل أو الإمتناع عنه ، بغرض الحصول على صفقة أو إمتياز غير مستحق ذي صلة بالتجارة الدولية ،وكل موظف عمومي أجنبي أو موظف في منظمة دولية عمومية يطلب أو يقبل مزية غير مستحقة بنفس عقوبة المادة 25 ق م ف.
*الرشوة في القطاع الخاص: وهي كل شخص وعد أو عرض أو منح بشكل مباشر أو غير مباشر مزية غير مستحقة على شخص يدير كيان تابع للقطاع الخاص سواءا لصالح الشخص نفسه أو أي كيان آخر، لكي يقوم بأداء عمل أو الإمتناع عن أدائه ،و كل شخص يدير كيان تابع للقطاع الخاص يطلب أو يقبل مزية غير مستحقة لنفسه أو لشخص آخر لكي يقوم بعمل أو الإمتناع عن أدائه ،بعقوبة الحبس من ستة (06) أشهر إلى خمس سنوات (05) وبغرامة من 50000 دج إلى 500000 دج.
الفرع الثاني: العقوبة التكميلية: في حالة الإدانة بجريمة الرشوة حسب المادة 50 من قانون مكافحة الفساد يمكن للجهة القضائية أن تعاقب الراشي أو المرتشي أو الوسيط بعقوبة أو أكثر من العقوبات التكميلية المنصوص عليها في المادة 9 من ق ع كالحجر القانوني و الحرمان من ممارسة الحقوق
الوطنية و المدنية و العائلية و تحديد الإقامة و المصادرة ......إلخ، و حسب المادة 9 مكرر1 الحرمان من الحقوق المدنية كالعزل و الإقصاء من جميع الوظائف و المناصب العمومية و الحرمان من الإنتخاب أو الترشح و من حمل أي وسام، عدم الأهلية كأن يكون خبير أو شاهدا أمام القضاء إلى على سبيل الإستدلال، والحرمان يأمر به القاضي لمدة أقصاها عشر سنوات (10) تسري من يوم إنقضاء العقوبة ، وكذلك المادة 11 ق م ف تلزم المحكوم عليه في قضية الرشوة بأن يقيم في نطاق إقليمي يعينه القاضي لمدة لا تتجاوز خمس سنوات (05) من يوم إنقضاء العقوبة الأصلية، و حسب المادة 12 ق م ف المنع من الإقامة التي هي حضر تواجد المحكوم عليه في بعض الأماكن و لا تفوق مدتها 10 سنوات،و بالنسبة للأجنبي حسب المادة 13 ق م ف المنع من الإقامة في التراب الوطني لمدة عشر سنوات (10) أو نهائيا.
أ= الغرامة النسبية: و الغرامة عقوبة تكميلية لا يجوز الإكتفاء بها و هي نسبية ناقصة بإعتبار أن تناسبها مقيد بحد أدنى و حد أعلى.
ب المصادرة: حسب المادة 51 ق م ف تقضي بمصادرة الأشياء التي سلمها الراشي للمرتشي و إعتبارها حقا مكتسبا للخزينة سواءا كانت نقود أو مجوهرات أو عقارات أو غير ذلك من الأشياء المادية والمصادرة هي عقوبة تكميلية وجوبية.
الفرع الثالث: العقوبة المشددة
أ=العقوبة المشددة:عقوبة جريمة الرشوة هي عقوبة أشد ، لأن الموظف العام بقبوله و تنفيذه لصفات جريمة الرشوة هو إرتكاب فعلا عمديا المساس بإستغلال البلاد ، فالمشرع الجزائري شدد العقوبة كلما كانت صفة الشخص المؤثر، و منه العقوبة المقررة تماشت مع صفة الموظف، فكلما كان الموظف له تأثير كلما كانت العقوبة تتضاعف، و كل هذا حسب المادة 48 ق م ف "إذا كان مرتكب جريمة أو أكثر من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون قاضيا أو موظفا يمارس وظيفة عليا في الدولة، أو ضابطا عموميا، أو عضوا في الهيئة، أو ضابطا أو عون شرطة قضائية، أو ممن يمارس بعض صلاحيات الشرطة القضائية، أو موظف أمانة الضبط، يعاقب بالحبس من عشر(10) سنوات إلى عشرين (20) سنة و بنفس الغرامة المقررة للجريمة المرتكبة."
ب العقوبة المخففة: و الفرض في هذه الحالة عدم علم السلطات العامة بأمر جريمة الرشوة رغم وقوعها فعلا , فالجريمة إذا مازلت في طي الكتمان بحيث يؤدي الإخبار عنها إلى تمكين السلطات من كشفها و من ضبط مرتكبيها , و هذا الإخبار يصير عديم الأثر في التخفيف من العقاب إذا كان وقوع الرشوة قد وصل إلى علم السلطات و إن كان اعتراف المبلغ الراشي أو الوسيط بوقائع الرشوة كاملة , إذا ساعد في القبض على شخص أو أكثر من الأشخاص الضالعين في ارتكابها و هذا حسب المادة 49 ق م ف "... تخفض العقوبة إلى النصف بالنسبة لكل شخص ارتكب أو شارك في إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون و الذي بعد مباشرة إجراءات المتابعة , ساعد في القبض على شخص أو أكثر من الأشخاص الضالعين في ارتكابها ."
ج = الإعفاء من العقوبة هو تشجيع للراشي و الوسيط على الكشف عن جريمة الرشوة، و لذلك الكشف عن جريمة أهمية خاصة إذ أن من المعروف أن جريمة الرشوة من جرائم الكتمان التي تتفق إرادة أطراف المشاركين فيها على إحاطتها بالسرية، لذا يكون من الصعب على السلطات إماطة اللثام عنها أو توفير الأدلة على مرتكبيها، و لعل في تقرير إعفاء الراشي و الوسيط حال إبلاغهم عن الجريمة أو الاعتراف بها ما يشجع أمثال هؤلاء على إحباط العديد من مشروعات الرشوة ، و هذا حسب المادة 49 ق م ف : " يستفيد من الأعذار المعفية من العقوبة المنصوص عليها في قانون العقوبات كل من ارتكب أو شارك في جريمة أو أكثر من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون ، و قام قبل مباشرة إجراءات المتابعة بإبلاغ السلطات الإدارية أو القضائية أو الجهات المعنية ، عن الجريمة و ساعد على معرفة مرتكبيها ... " .
المبحث الثاني : ماهية جريمة استغلال النفوذ
سنتناول في هذا الفصل جريمة استغلال النفوذ بالتفصيل أو ما يعرف بجريمة الاتجار بالوظيفة لإبراز ماهية هذه الجريمة و موقف المشرع منها و الأركان المكونة لها و العقوبة المقررة في مطالب منفصلة كما سنعرج على أهم الأسباب المؤدية لهذه الجريمة .
المطلب الأول : تعريف جريمة استغلال النفوذ
الفرع الأول : تعريفها اصطلاحا وفقها و لغة
إن الفقه يتوخى السهولة و التراخي و الركون إلى منطق الأقوياء و أصحاب السلطة و النفوذ من التجار و العسكر ، و بدلا من التصدي و استدعاء الألمعية الفقهية في محاصرة الظواهر السلبية و التصدي للفساد و مقاومته ... بدلا من ذلك يقوم الفقهاء بالاستسلام لمنطق الأقوياء و الاستجابة لذوق الغالبية ، فنراهم في آخر الإفتاء يقولون بمشروعية استغلال النفوذ للحصول على وظيفة أو مسكن .
كما تنصب فتاوى الفقهاء على المسؤولين و التجار و أصحاب السلطة في إدارة شؤون العباد و البلاد أن تتوجه تلك الفتاوي للنيل من هؤلاء و فضحهم و تحذيرهم و عظهم و تهذيبهم لنقص الفساد في الحياة و قيمة الخلق بإباحة استغلال النفوذ .
إن الدين الذي يحرص على حياة كريمة شريفة يحرض الناس على عمل الخير و مجابهة الفساد و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، أليس هؤلاء الفقهاء قادرين على الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، أم أنهم قادرون فقط على تسخير سلطتهم في الاستجابة إلى مزاجهم (1)
فنرى الفقه يعتبر جريمة الإستغلال أداة و جريمة يجب مكافحتها و مجابهتها لأنها تنشر الفساد في الحياة و تفرق بين الناس و تنشر الطبقية حيث تكون طبقة الأقوياء و أصحاب السلطة و تصبح بذلك طبقة الفقراء خاضعة لهم، فالأغنياء كالحكام تماما من حقهم كل شيء حيى فرض سلطاتهم، فأصحاب السلطة يخضعون لطلبات أصحاب المال و الجاه لتلبية طلباتهم و الإستجابة لمصالحهم، فهم بذلك يعتبرون إستغلال النفوذ أكثر من جريمة فهم ينظرون إليها كفعل ضار لكن ضرورات الحياة تستوجب أحيانا إستعمال السلطة في سبيل الحصول على منفعة و مثال ذلك قوله تعالى: " حرمت عليكم الميتة و الدم...." فمن إضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم ، ومنه فإن إرتكاب هذه المحرمات من الأطعمة لا يجوز إلا في الضرورة و مشروعية جوازها مرهون بالإبقاء على حياة مرتكبها فالمضطر لإستغلال النفوذ في شأن وظيفة أو مزية ليس مضطرا لأنه قادر على التغيير دون إستغلال النفوذ .
الفرع الثاني:تعريفها قانونا
سنتناول هذه الجريمة طبقا لنصوص قانون العقوبات الجزائري
لقد إعتبر المشرع الجزائري جريمة إستغلال النفوذ في حكم الرشوة و نص على عقابها في المادة 32 ق م ف، إستغلال النفوذ هو كل شخص يطلب أو يقبل عطية أو وعدا أو يتلقى هبة أو هدية أو أية
منافع آخرى و ذلك ليتحصل على مميزات أو مكافئات أو مراكز أو وظائف أو خدمات أو أية مزايا
تمنعها السلطة العمومية أو على صفقات أو مقاولات أو غيرها من الأرباح الناتجة من إشراف السلطة العمومية أو مع مشروعات أستقلالية موضوعة تحت إشراف السلطة العمومية أو يحاول الحصول على
(1)- د عبد الله سليمان-مرجع سابق-84
أي من ذلك أو يستصدر بصفة عامة قراره من مثل هذه السلطة أو تلك الإدارة لمصالحه أو يحاول إستصداره و يشغل بذلك نفوذا حقيقيا أو مزعوما .
فإن كان الجاني قاضيا أو موظفا أو ذا وكالة نيابية تضاعف العقوبة المقررة.
و لقد قرر المشرع وضع هذه العقوبة نظرا لما يلحق نزاهة الوظيفة من مضرات إستعمال الشخص نفوذه الحقيقي أو المفترض، و القانون حين يعاقب على هذه الجريمة لا يتطلب أن يكون الجاني من أرباب الوظائف العمومية بل قد يكون من أحد الناس.
فحسب نص المادة 32 قانون مكافحة الفساد،فمستغل النفوذ هو الشخص الذي يطلب أو يقبل عطية أو وعد أو يتلقى هبة أو هدية أو أية منافع آخرى بهدف حصوله على مزايا و منافع تمنحها السلطة العمومي.(1)
علة التجريم: نلاحظ من خلال التعريف السابق لإستغلال النفوذ و حسب نص المادة 32 ق م ف، فإن علة التجريم في هذه الجريمة هي ما يمثله فعل الجاني،من إخلال بالثقة في الوظيفة العامة، فالجاني يقوم بالإساءة و لا يتصرف وفقا للقانون و إنما يتصرف تحت قدر المال المقدم، و بهذا فإن إستغلاله يؤدي إلى الإثراء غير المشروع للموظف صاحب النفوذ و السلطة إذا ما إتخذها سلعة يتاجر فيها، و إذا كان نفوذه مزعوما فهنا الجاني يكون محتالا و يجمع بين الغش و الإحتيال و الإضرار بالسلطة العامة، كما يمكن أن تقوم جريمة النصب إلى جانب هذه الجريمة(2) و الملاحظ أن هذه الجريمة كثيرة الشبه بجريمة الرشوة السلبية من حيث الطلب أو تلقي عطية أو وعدا أو بطلب أو بتلقي هبة أو هدية أو أية منافع، وتختلفان من حيث الصفة و هي في هذا تتشابه مع جريمة الرشوة الإيجابية .
نلاحظ أن جريمة إستغلال النفوذ تشترك مع جريمة الرشوة السلبية من حيث المنافع و تشترك مع جريمة الرشوة الإيجابية من حيث الصفة.
الفرع الثالث: موقف المشرع الجزائري
إن جريمة إستغلال النفوذ هي جريمة صاحب النفوذ الذي يتاجر بنفوذه و لقد نصت المادة 32 ق م ف على هذه الجريمة كما أن هذه المادة حددت أركانها و العقوبة تضاعف عندما يكون الجاني ذو صفة عامة (موظف، قاضي ...) و إن الفاعل غير مختص بالعمل المطلوب و لا يزعم أنه من إختصاصه، و إنما يستعمل نفوذه الحقيقي لتحقيق الغرض المطلوب و لذلك يعاقبه القانون(3) فالإتجار بالنفوذ معاقب عليه مهما كان من يتاجر به سواءا كان موظف عمومي أو غيره عكس جريمة الرشوة التي تفترض صفة الموظف العمومي من ناحية و متاجرته بمهنته و عمله من ناحية ثانية، فالجريمة تتم عند طلب الوعد أو العطية، فالمشرع إعتبر العطية إذا إتخذها الجاني أو إتفق عليها أو حتى و لو طلبها تعتبر جريمة تامة لما لها من خطورة إجرامية،كما أنه يلجأ إلى إستغلال نفوذ حقيقي أو مزعوم ليجمع بين الأضرار بالثقة الواجبة في الجهات و المصالح الحكومية و بين الغش قصد الحصول على شيئ أو أية مزية، كما ورد في المادة 32 ق م ف فهو نص عام شامل لكل الصور التي تصدر عن الجهات الحكومية و الجهات الخاضعة لها و الإدارة.
تتحقق هذه الجريمة سواءا تحقق الغرض أو لم يتحقق، أو تحصل الفاعل على منفعة أو لم يتحصل، فهذه الجريمة تعتبر في حكم جريمة الرشوة من حيث الأفعال المادية و المنافع و التأثير السلبي على الثقة العامة لسير الإدارة.(4)
(1)- د عبد الله سليمان-مرجع سابق-84
(2)-د فتوح عبد الله الشاذلي- مرجع سابق-186
(3) - د عبد الله سليمان-مرجع سابق-84
(4)- د محمد صبحي نجم –شرح قانون العقوبات الجزائري –ص 17 و18
المطلب الثاني: أركان جريمة إستغلال النفوذ
بناءا على التعريف السابق لجريمة إستغلال النفوذ و من خلال نص المادة 32 من قانون مكافحة الفساد يمكن تحديد أركان هذه الجريمة و هي كمايلي:
الفرع الأول : الركن المادي
لا يختلف الفعل المادي في هذه الجريمة عن الفعل المادي في جريمة الرشوة سواءا بالنسبة للمتجر بنفوذه أو بالنسبة لصاحب الحاجة أو الضحية كذلك فإن كلمة العطية و الوعد والهدية والهبة لها نفس المعنى الذي وردت به في نص المادة 32 ق م ف .
و يتحقق الركن المادي إذا قام الجاني بطلب أو قبول عطية أو يتلقى هبة أو هدية أو أية منافع آخرى مقابل لإستعماله لنفوذه الحقيقي أو المفترض لدى السلطات العامة أو الجهة الخاضعة لإشرافها للحصول أو محاولة الحصول منها على مزية من أي نوع، فمجرد طلب الشخص و وعدا أو عطية لإستغلال نفوذه و رفض صاحب الحاجة طلبه تقوم به جريمة تامة لمجرد شروع .
و يلاحظ أنه لا قيام لجريمة إستغلال النفوذ إذا كان مقابل الفائدة التي حمل عليها الجاني هو إستعمال نفوذه لدى هيئة خاصة لا تخضع لإشراف السلطة العامة، و يجب كذلك أن تكون صور الركن المادي و هي (الطلب أو القبول أو أخذ الوعد أو العطية) يقصد تحقيق غرض من الأغراض التي نهى عليها القانون و هي : الحصول على مميزات أو مكافئات أو مراكز و وظائف أو خدمات أو أية مزايا تمنحها السلطة العمومية أو على صفقات أو مقاولات أو غيرها من الأرباح الناتجة من إتفاقات...إلخ (1)
و قد إستخدم المشرع الجزائري عبارات و هي معاني أو عبارات مشعة، و يجب عند تفسيرها التوسع في مدلولها، و هي تعبير في نفس الوقت عن إرادة المشرع بأن يعاقب الجاني و لو إستغل نفوذه في وظائف وضعية.
و التوسع في مدلول عبارة "مزايا " الواردة في النص و تتضمن كل قرار إيجابي صادر من السلطة العمومية يحصل عليه صاحب الحاجة عن طريق نفوذ الجاني بدلا من حصولها بالطرق المشروعة أو بالطرق القانونية.
وبالإيجاز إن العبارات المختلفة التي عددتها المادة 32 ق م ف إنما هي على سبيل المثال لا الحصر (2)
و رغم هذا التوسع في تحديد هذه المزية، يشترط أن تكون المزية من سلطة وطنية بحيث يخرج من نطاق النص إستغلال النفوذ للحصول على المزية من سلطة أجنبية فهذا الشرط يقتضي إذا أن تكون السلطة التي تعهد الجاني بالسعي لديها سلطة وطنية فلا تكون هناك جريمة إذا كان مقابل فائدة التي تلقاها الجاني هو التذرع بنفوذه للحصول على مزية من سلطة أجنبية كإحدى السفارات مثلا.
إذا المقصود من السلطة العمومية هي السلطة العامة الوطنية دون الأجنبية و هذا ما إستقر و أيده الفقه في هذا الشأن .
أما الشرط الثاني و هو أن تكون المزية التي يستهدفها الزاعم بالنفوذ هي مزية ممكنة التحقيق، و أن تكون السلطة التي يفترض فيها تخويل هذه المزية وجود حقيقي بحيث يخرج من نطاق هذا النص كل من يوهم آخر بأنه إرتكب جريمة و أنه يشتمل على حفظ التحقيق فيها مثلا إذ تدخل هذه الجريمة و ما شبهها إذا توفرت أركانها تحت جريمة النصب و ليست إستغلال النفوذ.
(1)- د محمود نصر – الوسيط في الجرائم المضرة بالمصلحة العامة – ص179 و180
(2)- د أحمد مطاطة –جريمة رشوة في فانون العقوبات الجزائري – ص 153
و لا يشترط لتحقيق هذه الجريمة أن يكون الجاني قد قام بمساعيه لدى الجهة التي إدعى بأن له فيها نفوذ، و ذلك ليبعث في إعتقاد صاحب المصلحة أن له نفوذا فيها، إذا لا يلزم لتوافر الجريمة أن يتذرع الفاعل بنفوذه لدى السلطة العامة نفسها، بل يكفي أن ينسب لنفسه نفوذا لدى جهة خاضعة لإشراف السلطة العامة متى كانت المزية مطلوبة للحصول عليها من تلك الجهة.
و يلاحظ أخيرا أن جريمة إستغلال النفوذ لا تقوم إذا كان مقابل الفائدة التي حصل عليها الجاني هو إستعمال نفوذه لدى هيئة خاصة لا تخضع لإشراف السلطة العامة، أو الجهات الخاضعة لها أو لإشرافها كما و لو كانت المنافع أو المزايا لدى الشركات أو مؤسسات أو ما شبههما.
الفرع الثاني: الركن المعنوي
من المتفق عليه أن جريمة إستغلال النفوذ هي من الجرائم العمدية و لقيامها يتطلب القصد و عناصره مع العلم و الإرادة و يكون ركن العلم أن ما تلقاه من فائدة أو قبوله الوعد بها كان لإستعماله نفوذه الحقيقي أو المزعوم و العلم بنوع المزايا التي يعد بالحصول عليها أو محاولة ذلك من السلطة العامة أما الإرادة تتمثل في الإتجاه إلى فعل الأخذ أو القبول، حيث تتم الجريمة بمجرد الطلب أو العرض فيما يمكن أن نسميه شروعا في جرائم آخرى(1).
كذلك يتوفر قصد الراشي إذا كان غرضه من تقديم العطية حمل صاحب النفوذ على الإتجار به أي السعي به لدى السلطة العامة لتحقيق ما يطلبه مقابل ما قدم إليه من فائدة أو وعد بها كما أنه تتجه إرادة المتهم إلى طلب أو أخذ العطية أو قبول الوعد بها و يقع عبء إثبات توافر القصد بعنصريه على سلطة الإتهام تطبيقا للقواعد العامة .
و بتوافر القصد فلا عبرة بنية المتهم إتجاه صاحب المصلحة فيكفي أن تتجه لبذل الجهود من أجل الحصول أو محاولة الحصول على ما وعد به أو إلى عدم بذل جهد في سبيل ذلك.
فالملاحظ في تجريم إستغلال النفوذ هو الغاية أو الغرض من تلقي الفائدة و هذه الغاية هي الإتجار بالنفوذ أو إستغلاله. (2)
و تتم الجريمة بمجرد أن يقبل صاحب النفوذ العرض و لو لم يكن ينوي القيام بإستغلال نفوذه فعلا، و سواء كان قادرا على إتمامه أصلا أم أنه غير قادر.
و لا تقوم الجريمة إذا كان صاحب النفوذ يجهل فعلا أن الهدية أو الهبة... كانت قد قدمت إليه بقصد إستغلال النفوذ، إذ يجب أن يعلم أن الهدية أو المنفعة قدمت له بهدف حمله على إستغلال نفوذه كما يشترط أن لا يكون العمل أو المصلحة داخلة ضمن إختصاص صاحب النفوذ . (3)
الفرع الثالث: الركن المفترض
يتذرع الجاني بنفوذ حقيقي أو مزعوم أي أنه له صلة ببعض أجهزة الدولة تمكنه من ممارسة الضغط عليها لإنجاز ما و هذا لا يشترط أن يكون الجاني موظفا عاما و لا يشترط أن يكون كذلك النفوذ هنا حقيقي فهي واقعة حتى و لو كان النفوذ مزعوما . (4)
أ=النفوذ الحقيقي: و يتضمن إستغلال إساءة السلطة المخولة لمستغل النفوذ، كما أنه يأدي إلى الإثراء الغير المشروع للموظف صاحب النفوذ و السلطة إذا ما إتخذها سلعة يتجر فيها.
(1) -د فتوح عبد الله الشاذلي- مرجع سابق-191
(2)- د محمود نصر – مرجع سابق – ص 182 و183
(3) - د عبد الله سليمان-مرجع سابق-85
(4)- د أنور العمروسي –جرائم الأموال العامة و جرائم الرشوة – ص 251
فالجاني له علاقات قوية تربطه بالسلطة العامة أو الجهات الإدارية، بحيث يستطيع أن يؤثر على هذه الأخيرة لإتخاذ قرار لمصلحته في سبيل حصوله على مزايا أو وظائف. (1)
ب=نفوذ مزعوم: حين يتجر الجاني بالنفوذ على أساس موهوم و لا يقل إستحقاقا للعقاب على من يتجر بنفوذ حقيقي فهو يجمع بين الغش أو الإحتيال فهنا الجاني يعد محتالا على أصحاب المصالح لإلهامهم بنفوذه للإستلاء على أموالهم فهنا بجانب جريمة إستغلال النفوذ جريمة النصب.
و ليس بلازم أن يكون النفوذ المزعوم صراحة قد يكون ضمنيا يستفيد الجاني من الضروف أو أن يكون زعم النفوذ مدعما بمظاهر خارجية فهذا ليس شرط فقد قرر المشرع أن الجاني حين يتجه بالنفوذ المزعوم يجمع بين الغش و الإحتيال و الإضرار بالثقة الواجبة في السلطات العامة كما أنه يتحقق بمجرد توجه صاحب المصلحة متوهما أن لديه نفوذ معين لدى السلطات و عرض عليه عطية مقابل إستعمال النفوذ فتقاضيه للرشوة لم يكن إلا بناءا على النفوذ سواء كان مزعوما فهو لا يشترط أن يقترن بوسائل إحتيالية بل يكفي القول الإدعاء المجرد. (2)
المطلب الثالث:أنواع جريمة إستغلال النفوذ و هدفها
الفرع الأول : نفوذ حقيقي
فهو يتضمن إساءة إستغلال السلطة المخولة لمستغل النفوذ كما أنه يؤدي إلى الإثراء غير المشروع للموظف صاحب النفوذ و السلطة إذا ما اتخذت سلعة يتاجر فيها.
فالجاني هنا له علاقة قوية تربطه بالسلطات العامة أو الجهات الادارية بحيث يستطيع انه يؤثر على هذه الأخيرة لاتخاذ القرار لمصلحته في سبيل حصوله على مزايا أو وظائف.
حلة إن الشخص الذي يستغل نفوذه لدى الحكومة أو إحدى المصالح العامة ليحصل على فائدة او
امتياز لمصلحة احد الأفراد فلم يكن من الممكن أن تحقق جريمة الرشوة بأركانها الخاصة بها لان وظيفة الشخص ليست في سعيه لدى الحكومة أو إحدى المصالح للحصول على امتياز أو فائدة ما لمصلحة احد الأفراد فإذا وضع شخص ذو صفة نيابية عامة نفوذه في خدمة مصلحة فردية مقابل ثمن اقتضاه فانه يتجر بصفته و لكنه لا يتجر بوظيفته و إذا لم يكن هذا الفعل معاقبا عليه كرشوة كما انه لم
يكن معاقبا عليه كنص طالما كان النفوذ حقيقيا و لم يتخذ الفاعل اسما كاملا و لا صفة غير صحيحة و لم يستعمل طريقة من طرق الاحتيال فالاتجار بالنفوذ هو وحده معاقب عليه (3)
الفرع الثاني: نفوذ مزعوم
حين يتجر الجاني بالنفوذ على أساس موهوم فانه لا يقل استحقاقا للعقاب على من على من يتجر بنفوذ حقيقي فهو يجمع بين الغش او الاحتيال فهنا الجاني يعد محتالا على أصحاب المصالح لإلهامهم بنفوذه للاستيلاء على أموالهم فهنا بجانب جريمة استغلال النفوذ الموهوم جريمة النصب .
و ليس بلازم أن يكون النفوذ مزعوم صراحة فقد يكون ضمنيا يستفيد الجاني من الظروف أو يكون زعم النفوذ مدعما بمظاهر خارجية فهذا ليس شرط فقد قرر المشرع أن الجاني حين يتجه بالنفوذ الموهوم يجمع بين الغش و الاحتيال و الإضرار بالثقة الواجبة في السلطات العامة كما انه يتحقق بمجرد توجه صاحب الحاجة متوهما أن لديه نفوذ معين لدى السلطات و عرض عليه عطية مقابل استعمال النفوذ فتقاضيه للرشوة لم يكن إلا بناءا على النفوذ سواء كان مزعوما فهو لا يشترط أن يقترن بوسائل احتيالية بل يكفي القول المرسا و الادعاء المجرد و كذلك حسب نص المادة 26 من
(1) - المستشار – جندي عبد المالك –الموسوعة الجنائية – ص 27 و 28
(2) -د فتوح عبد الله الشاذلي- مرجع سابق-186
(3)- المستشار – جندي عبد المالك –الموسوعة الجنائية – ص 28
قانون مكافحة فساد أن زعم الاختصاص هو أن ينتحل الشخص المرتشي غير المختص صفة الوظيفة التي يتلقى المقابل نظرا للقيام بهاو الامتناع عنه و هذا الشخص يعتبر خطرا على سمعة الوظيفة كمنا انه تلاحظ من خلال النفوذ المزعوم نفرق بين ثلاثة حالات:
الحالة الأولى:زعم الموظف الطرق الاحتيالية بأنه صاحب الوظيفة بحيث يستطيع القيام بعمل او يمتنع عنه مستعملا نفوذا حقيقيا لدى السلطة العامة في حدود اختصاصه فهنا تتحقق جريمة الرشوة.
الحالة الثانية:أن استعمال جريمة النصب و المتمثلة في استعمال الطرق الاحتيالية للتنفيذ أو الامتناع و هذا الزعم يسمى جريمة استغلال النفوذ لا بالعمل خارج عن نطاق اختصاصه.
الحالة الثالثة:إذا لم تثبت صفة الموظف لدى الشخص المرتشي إضافة إلى ذلك استعمال الطرق الاحتيالية ففي هذه الحالة تحقق الجريمتين أي تحقق جريمة النصب و جريمة استعمال النفوذ. (1)
الفرع الثالث:هدف إستغلال النفوذ
يعرف هذا الهدف من خلال القائمة الطويلة من المزايا المراد الحصول عليها المتضمنة في المادة 32
ق م ف فإستغلال النفوذ يفترض أن يكون الجاني قد طلب أو قبل العطايا و الوعود أو طلب و تلقي الهبات أ,و الهدايا أو أية منافع آخرى .
إن هذه الصيغة الواسعة من الطبيعي أن تفهم في القضاء على هذا النحو < فأية مزايا > أو < قرار بصفة عامة > يمكن تطبيقها في مجالات لا حصر لها، و هكذا يمكن أن يكون الهدف من إستغلال النفوذ الإعفاء من الخدمة الوطنية أو الحصول على الجنسية أو جواز السفر أو المصالحة في جريمة إقتصادية أو حفظ محاضر متعلقة بجريمة.
المطلب الرابع:العقوبات المقررة لجريمة إستغلال النفوذ
الفرع الأول:العقوبة الأصلية
حدد المشرع في عقوبة جريمة إستغلال النفوذ في فرضين و هما :
1- وقوع الجريمة من أحد الموظفين العموميين.
2- وقوع الجريمة من غير الموظفين العموميين.
و منه حدد المشرع الجزائري في المادة 32 من قانون مكافحة الفساد على عقوبة هذه الجريمة بالحبس من سنتين02 إلى عشر 10 سنوات و بغرامة من 200000 دج إلى 1000000 دج.
و منه الجاني في جريمة إستغلال النفوذ في هذه الحالة بدون شك له قدر معين من النفوذ أي الموظف و من في حكمه، و شخص ذا ولاية نيابية و القاضي و الخبير ...، فإستغلاله لنفوذه ينطوي على خطورة أكبر من الشخص العادي بسبب الصفة التي يتمتع بها أو بحكم الوظيفة التي يشغلها.
أما إذا كان مستغل النفوذ غير موظف فالمشرع الجزائري يرى أن الموظف إذا كان محالا على المعاش أو مفصولا أو معزولا عن العمل أو لأي سبب آخر، ومازال يحتفظ ببعض العلاقات له في أوساط الإدارة فيوجد طرف مشد