yacine414
2011-04-18, 18:13
ا
المــقدمـة :
يتضمن قانون العقوبات الجزائري مجموعة من القواعد القانونية التي تحدد ما يعبر عن صور السلوك الإنساني من جرائم، و ما يترتب على اقترافها من جزاءات .
و نصوص قانون العقوبات الجزائري تتدخل في أغلب مجالات الحياة في المجتمع بغرض تقيمها و تحديد جزاء الخروج على ما تقرره من تنظيم و إن كان الاتجاه الحديث يميل إلى التقليل بقدر الإمكان من التجريــم و العقــاب والاكتفاء بصور الجزاء غير الجنائي حيث لا تدعو ضرورة ملحة إلى الالتجاء إلى التجريـم و العقاب الجنائــي و يمكن تفسير تنوع الأفعال التي تضر بتعدد الحقوق و المصالح محل الحماية الجنائية مما يقتضي تجريم الأفعال التي تضر بحق من هذه الحقوق و تعرضه للخطر، كمــا أن تنوع أفعال محل التجريم يرجع إلـى تعــدد محل الاعتداء الذي يكون هـو الدولــة أو المجتمــع بــأكملــه.
و يعتبر قانون العقوبات هو التجسيد الحي و الواقعي لمبدأ شرعية الجرائم و العقوبات المقررة لها و هي ضرورة لا بد منها لوضع هذا المبـدأ موضع التنفيذ الفعلي و صيانة لحق الفـرد في الحرية و ذلك أن مضمون هـذا المبدأ يقضي بألا جريـمة في فعل ما لم يكن مجرمـا قبل ارتكابه و لا عقاب على فعـل إلا بالعقوبة المحددة له سلفا و من تم فان تجسيـد هـذا المبــدأ و بث معنى الحيـاة فيـه يقتضي بالإضافة إلى النــص تـأكيدا لـوجوده تحديد الأفعــال المحظورة على الأفراد و بيـان العقوبات الواجبة التوقيع عنـد إثباتها و إذا كانت بعض القـوانين لا تأخذ بمبدأ الشرعية على الإطلاق و يمنح القاضي سلطة التجريم قـياسـا على الأفعـال المنصوص على تجريمهـا صـراحة، فـإن أهميـة قـانون العقوبات تظل ثابتة حتى في قـوانينه و نصوصه إذ أنه يكون من المتعين تحديد قـدر أساسـي من الأفعال المجرمة ليقيـس عليه القـاضي ما لم يرد بشأنـه نص.و يتسـم قـانـون العقوبات بالتطور في الزمان و التغير فـي المكان شأنه فـي ذلك شأن أي قـاعدة قـانونية وضعية، فهو يعتبر بمثابة مرآة تعكس المكان و الزمـان الذين وضعت فيهـا نصوصـه و تعطي صورة صادقة لحية المجتمع الذي تطبق فيـه هـذه النصوص و ظروفـه و معتقداتـه و تقـاليده و قيمه الأسـاسية لذلك يعد قانون العقـوبات
بمثابة صـدى لحضارة المجتمع الذي يحكمه و تـرجمة لنظمه و قيمـه وأخلاقياته و معرفـة لنظمه السيـاسية و الاقتصادية و قيمه الأخلاقية و الدينية و الاجتماعية. و يـزداد عـدد الأفعال محل التجريم كلما زادت درجـة تقدم المجتمع و تحضره و ازداد الشعـور الإنسـاني تهذبــا وسموا فكلما أخـذ المجتمع يتقدم في شتـى نـواحي الحياة بدت الحاجة الماسة إلى تدخل الدولة لتنظيم نشاط الأفراد المتزايـد في الميادين كـافة فيزيد عدد الأفعال المجرمة التــي تخــرق
المقدمـــــة ب
هــذا التنظيــم كما هـو واضــح في الميدان التجاري و الاقتصادي مثـلا كذلك كلما تهذب الشعور الإنساني ازداد سمـوا و حساسية أستهجـن من الأفعال ما كان من قبل ستصاغ ، و يـزداد عـدد الأفعال مجالا للتجريم أو ينقص حسب العقيدة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية في كـل دولة بحيث يزداد تدخـل الدولة فــي المجال الاقتصادي.
و تبعا لما تم ذكره، فأنه عبر التطور التاريخي و النظم الاقتصادية و السيـاسية المنتشرة في المجتمع و فضلا عن الجرائم الـواقعة على الأفراد ظهرت بما يسمى بالجرائـم الواقعة على المصلحة العامة و التي تعتبر من أخطر الجرائم و ذلك كونها تشكل خطرا على كيان الدولة مما ينعكس على عدم الثقة فـي مؤسسـاتها و انتشار الفساد و تفشي ظـاهرة الاختلاس ، الرشـوة، المحاباة مما يِؤثـر على التنميـة و التوازن الاقتصادي و سمعة الدولة فيؤدي ذلـك إلى حدوث أزمات و تدهور في نظام الدولة و تسييرهـا.
وعليه بدا من الضروري للدولة ان تضع هذه الجرائم المضرة بالمصلحة العامة ضمن نصوص قوانينها و تحمي كيانها وتكثف من الوسائل الأمنية علي مختلف الأصعدة تماشيا علي ما تفرض الحاجة و ذلك لحساسية هذه الجرائم و آثارها الخطيرة علي جميع الأصعدة (الاقتصادية،الاجتماعية،السياسية) و في هذا الإطار جري تعديل في قانون العقوبات مسّ مختلف الجرائم المضرة بالمصلحة العامة و هذا ما نجده في قانون الحماية من الفساد و مكافحته.
و سنتطرق في هذا البحث إلي موضوع جريمة الاختلاس و الغدر اللتان تعدان الموضوع الرئيسي في دراستنا إذ تعتبر هذه الجريمة من اخطر الجرائم المضرة بالمال العام و بالتالي الجرائم المضرة بالمصلحة العامة لما لها من اثر كبير علي اقتصاد الدولة و هيبتها و مساسها بكيان المؤسسات الوطنية و انعكاساتها الكبيرة على المجتمع و تصرفات الأفراد و سلوكياتهم و نظرا لأهمية الموضوع محل الدراسة سنعمد في هذه الدراسة على منهج و هو المنهج التحليلي لجريمة الاختلاس و الغدر.
و لذلك قمنا في دراستنا لهذا الموضوع المتواضع محل البحث إلي التعرض لجملة من النقاط متبعين الخطة التالية:
في الفصل الأول تطرقنا إلي جريمة الاختلاس بالتفصيل و التحليل مبينين مفهوم جريمة الاختلاس وموضوعها وأركانها و عقوبتها و الآثار الناجمة عنها.
أما في الفصل الثاني تطرقنا إلي جريمة الغدر موضحين مفهومها،أركانها،عقوبتها و الاثار المترتبة عنها.
أما الفصل الثالث فهو عبارة عن دراسة حالة لهاتين الجريمتين و نرجو ان نكون قد وفقنا و ساهمنا و لو بقسط قليل في تسليط الضوء علي جريمة الاختلاس و الغدر.
الإشكـــــاليــــة :
الإشكـــال : - ما المقصود بكل من جريمة الاختلاس و الغدر ؟
- فيما تتمثل أركان جريمة الاختلاس و ماهي أركان جريمة الغدر ؟
- ماهي العقوبة المقررة لكل من جريمتي الاختلاس و الغدر ؟
الفـصـــل الأول
جـريـمــة الاخـتـلاس
جريمة الاختلاس الصفحة 01
الفصل الأول : جريمة الاختلاس
تمهيـــــد :
إن جريمة اختلاس أموال الدولة من أخطر الجرائم التي يرتكبها الموظف العام ضد دولته فهي جريمة تعبر عن قطع الموظف رابطة الولاء الى دولته والثقة التي تمنحها إياه في تسيير أموال الشعب و هو موقف لا يقدم عليه الموظف الشريف فالجناة و قد استسلموا الى نزواتهم و أهوائهم في اقتراف هذه الجريمة خانوا الأمانة التي عهدتها الدولة إليهم بمنصب عام فبددوا و اختلسوا أو أتلفوا ما وقع تحت أيديهم من أموال ووثائق تتعلق بمصالح الدولة العليا و أرادوا الثراء الغير مشروع على حساب الشعب .
و المشرع الجزائري حمى المال العام من استغلال هؤلاء الموظفين غير النزيهين حفاظا على الثقة العامة و حماية للأموال المخصصة لتسير المرافق العامة على اعتبار أن جريمة الاختلاس ضارة بالمصلحة العامة للدولة من الناحية المادية البحتة في المقام الأول و إن كانت تحمل في المقام الثاني معنى الاعتداء المعنوي على مصلحة الدولة المتمثل في عرقلة أعمالها و اختلال ثقة الجماهير بالقائمين برعاية المال العام .
المبحث الأول : مفهـــوم جريمـــة الاختلاس
وردت جريمـــة اختلاس المال العام في نص المادة 29 من قانون الوقاية من الفساد و مكافحته ويعتبر هذا النص كحصيلة لتجمع عدد من نصوص قانون العقوبات الفرنسي المتعلقة بالاختلاسات المرتكبة من طرف المؤتمنين العموميين .Les Dépositaires public و إذا كان هذا النص عند ظهور قانون العقوبات سنة 1965 قريبا من مصدره التاريخي الا انه تغير فيما بعد جذريا و بالذات منذ تثبيت التشريع المتعلق بالجرائم الاقتصادية المضرة بالمصلحة العامة و المال العام في قانون العقوبات سنة 1975 فبمناسبة هذا الإصلاح أدخلت في نص المادة 119 صيغة ذات دلالة بالنسبة
جريمة الاختلاس الصفحة 02
للمنظور الجديد للجريمة الاقتصادية آنذاك و مفادها عقوبة الإعدام اذ كان الاختلاس الواقع من طرف الموظف العام من طبيعته أن يضرب المصالح العليا للوطن و فضلا عن ذالك توسع مجال تطبيق هذا النص بشكل معتبر، ثم تلاها تعديل في قانون الوقاية من الفساد و مكافحته.
و اختلاس المال العام هو صورة من صور الاستيلاء عليه بغير حق، و على حساب الثقة المعطاة للموظف من الدولة و على حساب الشعب و تفترض هذه الجريمة أن هناك حيازة ناقصة للمال العام، وتتمثل هذه الجريمة في تحويل الموظف العام أو من في حكمه أموال عمومية كانت في حوزته بحكم وظيفته أو بسببها الى ملكية تامة يتصرف فيها كمالك لها (1) ولإرساء مفهوم اكبر وعلى سبيل الاستدلال قمنا بإعطاء المثال التالي:
نجد انه هناك تشابه كبير بين جريمة اختلاس الموظف للأموال العمومية وجريمة خيانة الأمانة، ويمكن القول بان جريمة الاختلاس هي صورة مشددة من خيانة الأمانة بالنظر إلى صفة المختلس وطبيعة المال الذي يقع عليه الاختلاس.
ففي الجريمتين تتحدد الماديات المكونة لهما وهي تحويل الحيازة الناقصة إلى حيازة كاملة كما يتماثل الركن المعنوي الذي يقوم على إرادة التملك .
في حين إذا نظرنا إلى أوجه الاختلاف لوجدنا فوارق بين الجريمتين منها أن الاختلاس لا يقع إلا من موظف عام أو من في حكمه، بينما يرتكب خيانة الأمانة أي شخص والاختلاس يقوم على مال عام يحوزه الجاني بسبب الوظيفة بينما يكون مصدر حيازة خائن الأمانة للمال الخاص الذي يقع عليه ولهما تأثير كبير على خطورة الجريمة في نظر القانون.
(1) قانون العقوبات الجزائري للاستاذ أحسن بوسقيعة
جريمة الاختلاس الصفحة 03
- المطلب الأول : تعريف جريمة الاختلاس
أ - الاختلاس لغة : اختلس الشيء بمعنى استلبه في تربصه أي ترصد له.
ب- الاختلاس اصطلاحا :
عرف فقهـــاء القانون الجنائي مصطلح الاختلاس على انه استعمال مال الغير دون
توفر عنصر الرضا و قد استتب المشرع الجزائري في استعمال ذات المصطلح في عدة
جرائم والتي تدخل في باب الاعتداء على الممتلكات كجريمة السرقة م350 ق ع ج،
وجريمة سرقة الطعام م 366 ق ع ج ...الخ ، غير ان مفهوم هذا المصطلح في جريمة
اختلاس المال العام يختلف عنه في الجرائم الأخرى إذ يعني به مجموعة الأعمال المادية
و التصرفات التي تعبر عن نية الجاني في الاستيلاء على المال وتحويل حيازته من
حيازة ناقصة إلى حيازة تامة ودائمة (1) .
- المطلب الثاني : الاختلاس طبقا للمادة 29 من قانون الوقاية من الفساد و مكافحته.
النص القانوني :
نصت المادة 29 من قانون الوقاية من الفساد و مكافحته على ما يلي :
يعاقب بالحبس من سنتين (02) الى عشر سنوات (10) و بغرامة مالية من 200000 دج الى 1000000 دج كل موظف عمومي يختلس او يتلف أو يبدد أو يحتجز عمدا و بدون وجه حق أو يستعمل على نحو غير شرعي لصالحه أو لصالح شخص أو كيان آخر، أية ممتلكات أو موال أو أوراق مالية عمومية أو خاصة أو أي أشياء أخرى ذات قيمة عهد بها إليه بحكم وظائفه أو بسببها. (2)
المطلب الثالث : تعريف الموظف العام
1- مفهوم الموظف العــــــــــــــام :
في حديثنا عن الموظف العام يجب في البداية أن نوضح ماهية الموظف العام والصفة المرتبطة به ويظهر ذلك جليا من الناحية الإدارية ومن ناحية قانون الوقاية من الفساد ومكافحته وأخيرا من ناحية التعريف القضائي.
(1) الوجيز في القانون الجنائي الخاص لدكتور أحسن بوسقيعة
(2) قانون الوقاية من الفساد و مكافحته.
جريمة الاختلاس الصفحة 04
إن معيار اعتبار الموظف ليس هو نوع العمل الذي يسند اليه أو أهميته أو كونه مثبتا أو غير مثبت وإنما هو من يساهم في عمل في مرفق عام تديره الدولة وتكون مساهمته عن طريق التعيين أساسا بالرغم من أنها ليست قاطعة ونهائية، يمكن بمقتضاها الحكم على عامل داخل هيكل إداري بأنه موظف أو غير موظف.
2- تعريف الموظف العام من ناحية قانون الوقاية من الفساد ومكافحته:
تعريف الموظف العام من ناحية قانون الوقاية من الفساد ومكافحته على أنه :
أ ـ كل شخص يشغل منصبا تشريعيا أو تنفيذيا أو إداريا أو قضائيا أو في أحد المجالس الشعبية المحلية المنتخبة سواء كان معينا أو منتخبا دائما أو مؤقتا مدفوع الأجر أو غير مدفوع الأجـــــر بصرف النظر عن رتبته أو أقديمته.
ب ـ كل شخص آخر يتولى ولو مؤقتا وظيفة أو وكالة بأجر أو بدون أجر ويساهم بهذه
الصفة في خدمة هيئة عمومية أو مؤسسة عمومية أو أية مؤسسة أخرى تملك الدولة كل أو بعض رأس مالها أو أية مؤسسة أخرى تقدم خدمة عمومية.
ج ـ كل شخص آخر معرف بأنه موظف عمومي أو من في حكمه طبقا للتشريع والتنظيم المعمول بهما.(1)
3- تعرف الموظف العام من الناحية الإدارية :
هـــو الشخص الذي يساهم في عمل دائم في مرفق عام تديره الدولــــة،
وغيرها من الوحدات الإدارية بأسلوب الاستغلال المباشر، وتكون مساهمته في ذلك العمل عن طريق إسناد مشروع لوظيفة ينطوي على قرار بالتعيين من جانب الادارة وقبول هذا التعيين من صاحب الشأن.(2)
(1) القانون رقم 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته.
(2) د . رمسيس لهنام الجرائم المضرة بالمصلحة العامة.
جريمة الاختلاس الصفحة 05
4- تعرف الموظف العام من الناحية القضائية:
هو كل ما تناط به إحدى وظائف الدولة العامة في نطاق وظيفة إحدى السلطات الثلاث سواء كان مستخدما حكوميا أو غير مستخدم براتب أو بغير راتب وإنما يشترط أصلا أن تكون في نطاق شؤون الدولة ويكون اختصاصه إليه بطريق الانابة أو بطريق التعين على مقتضى أحد النصوص الدستورية أو التشريعية أو من المعينين في وظائف حكومية تابعة لأحدى الوزارات أو الهيئات أو المؤسسات العامة .
وإضافة إلى ما ذكـــر فقد يشمل معنى الموظف العام "كل شخص يتمتع ولو بنصيب من الاختصاص في خدمة الدولة أو أي مرفق عام وله الحق بهذه الصفة أن يتسلم أموالا أو أشياء تحفظ لديه وبحوزته"
تتطلب غالبية جرائم العدوان على المال العام صفة الموظف العام إذ لم تكن كلها باعتبارها ركنا في الجريمة، ويترتب على عدم تحقيقه انتقاء الجريمة أو تعبير الوصف
القانوني للفعل المجرم وعليه يظهر أن السياسة التشريعية السلبية تفترض الأخذ بمدلول
واحد للموظف العام في الجرائم التي تعد فيها هذه الصفة ركنا في الجريمة وباعتبارها جميعا من جرائم الوظيفة التي تقع من الموظف.
وينبغي مد هذا المفهوم إلى الجرائم التي تتطلب هذه الصفة سواء كان الموظف جانيا أو مجنيا عليه فهو في كلتا الحالتين يمثل الدولة وهيبتها وكرامتها في أعين المواطنين ومن ثمة تجب الحماية منه بقدر ما تجب الحماية له.
المبحـــث الثـــاني: مـوضوع الجريمــة
المطلب الأول : الممتلكات العمومية :
تنص المادة 02 من قانون الوقاية من الفساد و مكافحته : على أن الممتلكات هي الموجودات بكل أنواعها سواء كانت مادية أو غير مادية منقولة أو غير منقولة ملموسة أو غير ملموسة و المستندات أو السندات القانونية التي تثبت ملكية تلك الموجودات أو وجود الحقوق المتصلة بها . (1)
(1) القانون رقم 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته.
جريمة الاختلاس الصفحة 06
كما تنص المادة 17 من القانون رقم 10/84 المؤرخ في 30/06/1985 المتعلق بالممتلكات الاقتصادية كما يلي:
تعتبر الأملاك الاقتصادية التابعة للمجموعة الوطنية الثروات الطبيعية وكذا مجموع الممتلكات و وسائل الإنتاج و الاستغلال ذات الطابع الصناعي و التجاري و الفلاحي و المتعلقة بالخدمات التي تملكها الدولة المحلية التابعة لها .
كما تنص أيضا المادة 16 من نفس القانون على ما يلي :
تتكون الأملاك الاقتصادية التابعة للمجموعة الوطنية مما يلي :
- الأملاك الاقتصادية .
- الأملاك الاقتصادية للولاية .
- الأملاك الاقتصادية للبلدية .
يخضع توزيع الممتلكات التابعة للأملاك الاقتصادية بين الدولة و الولاية و البلدية للأحكام المنصوص عليها في القوانين و الأنظمة المطبقة في هذا الميدان .
نستخلص أن الأصل في المال العام أنه المال المملوك للدولة المخصص للمنطقة العامة و هكذا يرتكز المفهوم القانوني الحقيقي للمال العام على عنصرين صفة المال و التخصيص للمنفعة العامة .(1)
المطلب الثاني : الأموال والأوراق المالية :
الأموال :
المقصود بالأموال النقود الورقية و المعدنية ،و يقصد بالأموال الخاصة ذلك المال المودع لدى أمين الضبط بالمحكمة أو المجلس و المحكمة العليا او مجلس الدولة و كذلك الأموال المودعة لدى الموثقين و محافظي البيع في المزاد العلني.(2)
(1) جرائم الاعتداء على الاموال العامة و الخاصة ، الاستاذ عبد العزيز سعد – دار هومة.
(2) الجرائم المضرة بالمصلحة العمومية ، د . رميس سام ، منشأة المعارف الاسكندرية.
جريمة الاختلاس الصفحة 07
الأوراق المالية :
و تتمثل في الأسهم العادية والأسهم الممتازة ،فالاسهم العادية هي إحدى الأدوات المالية التي تتداول في السوق الثانية و هي عبارة عن أوراق مرقمة ليس لها تاريخ استحقاق و هي تمثل مقدار الاشتراك في رأس مال الشركة ،لذلك يقسم رأس المال (المتداول) الى أجزاء متساوية و يسمى كل جزء بالسهم.
أما الأسهم الممتازة فهي عبارة عن شهادات تصدرها الشركات للتزود برؤوس الأموال عند الحاجة مثلها في ذلك مثل الأسهم العادية إذ تمثل هي الأخرى ملكية للمساهم الممتاز لجزء من الشركة ،كما ان للسهم الممتاز قيمة اسمية و قيمة دفترية و اخرى سوقية و ليس له تاريخ استحقاق و يختلف المساهم العادي عن المساهم الممتاز لكون أن هذا الأخير له الأولوية في الحصول على الأرباح المقررة للتوزيع وكذا الأسبقية لاسترجاع أمواله المستثمرة عند تصفية الشركة و له الحق أيضا في الأرباح السنوية تحدد بنسبة مئوية من القيمة الاسمية للسهم.(1)
المطلب الثالث: تعريف العقود و الوثائق و السندات :
العقود: إن العقود تكون تجارية أو مدنية حسب صفة الشخص أو صفة العمل و العقود التي يبرمها التجار ثلاثة أقسام:
- العقود التي تبرم مع تاجر آخر .
- العقود التي تبرم مع غير التجار من العملاء .
- العقود التي لا تتصل بالتجارة .
ولكن العقود التجارية تختلف كثيرا من العقود المدنية خصوصا في الدول الرأسمالية و قد تختلف القوانين الجزائرية كما هو الحال في عقود النقل و الوكالة و العمولة و السمسرة و غيرها .
بينما قد لا تختلف عن عقود البيع كثيرا إلا ببعض الأجزاء التفصيلية كعدم التقليد بكتابتها أو عناصر لا تدخل في تكوين العقد كالقصد في إبرامها.(2)
(1) الجرائم المضرة بالمصلحة العمومية ، د . رميس سام ، منشأة المعارف الاسكندرية.
(2) نفس الرجع.
جريمة الاختلاس الصفحة 08
مفهوم السندات:
السندات عبارة عن صكوك ذات قيمة اسمية واحدة قابلة للتداول و غير قابلة للتجزئة تصدرها الشركات المساهمة و تعفي للمكتتبين مقابل المبالغ التي اسلفوها للشركة و الواقع ان الحاجة الى المال هي التي تدفع الشركة المساهمة الى إصدار هذه السندات و الاقتراض من الجمهور بمقتضاها .(1)
مفهوم الوثائق الرسمية ( المحررات الإدارية ): تصدر عن جهات الحكومة سواء كانت في الحكومة المركزية او الحكومة اللامركزية بمرافقها الاقليمية ( المحافظات، المدن ) او المصلحة ( الهيئات و المؤسسات العامة) و تختلف هذه المحررات باختلاف أوجه نشاط الدولة مثال ذلك القرارات الإدارية التنظيمية و الفردية و المحررات التي تصدر على يد الموثقين المختصين بإثبات إقرارات و اتفاقيات ذوي الشأن و إعطائها الصفة الرسمية .(2)
المبحــث الثــالث: أركان جريمـة الاختلاس
يتطلب قيام جريمة الاختلاس للمال العام توافر أربعة أركان:
- الركن الأول: الركن الشرعي.
- الركن الثاني: الركن المادي: وهو فعل الاختلاس الذي يقع على المال بحوزة الجاني بسبب الوظيفة.
- الركن الثالث: القصد الجنائي ( الركن المعنوي ) .
- الركن الرابع: الركن المفترض ( الصفة الخاصة ) .
(1) الجرائم المضرة بالمصلحة العمومية ، د . رميس سام ، منشأة المعارف الاسكندرية.
(2) نفس الرجع.
جريمة الاختلاس الصفحة 09
المطلب الأول : الركن الشرعي :
و هو نص المادة 29 من القانون رقم 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته ، الناصة على يعاقب "يعاقب بالحبس من سنتين(02) الى عشر سنوات (10) و غرامة مالية من 200000 الى 1000000 دج كل موظف عمومي يختلس او يتلف أو يبدد أو يحتجز عمدا و بدون وجه حق أو يستعمل على نحو غير شرعي لصالحه أو لصالح شخص أو كيان أخر ، أية ممتلكات أو أموال أو أوراق مالية عمومية أو خاصة أو أي أشياء أخرى ذات قيمة عهد بها اليه بحكم وظائفه أو بسببها." (1)
المطلب الثاني: الركن المادي:
يتحقق الركن المادي في جريمة الاختلاس بإتيان الجاني فعل الاختلاس الذي يقع على المال العام الذي بحوزته بسبب وظيفته و يمكن تفصيل الركن المادي في موضوع الاختلاس و فعل الاختلاس.
أ- موضوع الاختلاس:
1- المقصود بالاختلاس:
موضوع الاختلاس هو مال يحوزه الموظف حيازة ناقصة بحكم وظيفته ويشترط في المال موضوع الاختلاس أن يكون منقولا رغم ان المشرع لم يصرح بهذا الشرط لان هذا هو ما يتفق مع الحكمة من تجريم اختلاس الأموال التي يحوزها الموظف بسبب وظيفته و هي المحافظة على مابين يديهم من أموال، وتلك الحكمة لا تتحقق الا بالنسبة للأموال المنقولة اما العقارات فلها في ثباتها الحماية الكافية و المنقول هو كل شئ مادي يمكن نقله من مكان إلى أخر و لو أدى النقل إلى إتلافه ولا أهمية للشخص مالك الأعمال الذي تقع عليه جريمة الاختلاس فالمال موضوع جريمة الاختلاس هو مال عام و خاص متى وجد في حيازة الموظف بسبب وظيفته ،
(1) القانون رقم 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته.
جريمة الاختلاس الصفحة 10
و هذا ما يتفق مع علة تجريم الاختلاس التي لا تقتصر على حماية الأموال العامة و إنما تشمل كذلك حماية الثقة في الدولة متمثلة في شخص موظفيها المنوط لهم بمقتضى وظائفهم تسلم المال من الأفراد و لا شك في انه مما يخل بهذه الثقة أن يستولي الموظف على مال تسلمه من مالكه بحكم وظيفته، و اذا وقع اختلاس المال المملوك للأفراد فلا أهمية لمعرفة مالك المال فقد يكون مجهولا ان علة التجريم ليست حماية ملكية الفرد لحاله فهذه الحماية تضمنها نصوص اخرى في قانون العقوبات و إنما المحافظة على المال الذي يوجد بين يدي الموظف لحكم وظيفته ضمانا لثقة الافراد في الدولة. (1)
2- حيازة الموظف للمال العام بسبب وظيفته:
إن حيازة الموظف العام للمال العام حيازة ناقصة تسمح له بالسيطرة عليه دون ان يكون مالك عليه فالموظف يحوز المال باسم الدولة و لحسابها و يلتزم لرد هذا المال أو استعماله او التصرف فيه على الأوجه التي يحددها القانون و تضل للموظف الحيازة الناقصة و لو ثقل المال الذي يحوزه خلافا للقانون إلى مكان أخر لنقله الى منزله مثلا، و اعتباره حيازة للموظف للمال حيازة ناقصة يترتب عليه ان جريمة الاختلاس لا تقوم اذا استلم الموظف المال على سبيل حيازة كاملة، كما لو تصرف في جزء من مرتبه او مكافأته لذلك، لاقيام بجريمة الاختلاس اذا كانت يد الموظف على المال يد عارضة، بان قد تسلمه و كلف بنقله من مكان إلى أخر و من باب أولى يوجد لجريمة الاختلاس اذا لم تكن هناك حيازة المال من قبل الموظف اذا الاختلاس لا يقع الا ممن يحوز المال وقت ارتكاب الجريمة.
ولا يكفي ان يكون الموظف حائزا للمال حيازة ناقصة بل يتعين لقيام جريمة الاختلاس ان يكون وجود المال في حيازته بسبب الوظيفة أي ان تتوافر صلة سببية بين اكتساب حيازة المال و ممارسة الاختصاصات المخولة للموظف بناءا على القانون.(2)
(1) الجرائم المضرة بالمصلحة العامة ، د . رمسيس لهنام المكتبة القانونية.
(2) نفس المرجع.
جريمة الاختلاس الصفحة 11
كما يعتبر المال في حيازة الموظف بسبب الوظيفة اذا وجد بين يديه بمقتضى وظيفته بان كان من خصائص هذه الوظيفة ان تجعل في متناول يده و تطبيقا لذلك يرتكب جريمة الاختلاس رجال الضبط القضائي الذي يضبط أثناء تفتيشه لشخص المتهم او منزله أشياء ثم يستولي عليها لنفسه او يستبقي منها، فالقانون لا يتطلب سوى أن تكون الوظيفة هي سبب حيازة الموظف للمال أي أن الموظف قد اعتمد على حيازته للمال على سلطة وظيفته سواء وافق سلوكه الوظيفة او خانها.
وتتوافر رابطة السببية بين حيازة المال و الوظيفة أيا كان مصدر اختصاص الموظف
بحيازة المال فيستوي أن يكون تحويل هذا الاختصاص بمقتضى قانون او لائحة او قرار إداري أو أمر لرئيس إداري أو أن يكون توزيع العمل في الدارة قد اقتضى إسناد حيازة المال إلى الموظف بل انه لا يلزم أن يكون وجود المال في حيازة الموظف من الأمور التي تقتضيها وظيفته الأصلية و دائما يكفي إن يكون منتدبا بصفة مؤقتة لعمل يخوله حيازة المال سواء كان تكليفه بهذا العمل مكتوبا أو شفويا.
وإذا وجد المال في حيازة الموظف بسبب الوظيفة فلا أهمية بعد ذلك اذا كان قد قيد بهذا المال بدفاتره ام لم يقيده ، تسلمه بإيصال عرفي او بدونه فالأموال التي تسلم لامين الخزينة لتوريدها الى خزانة الدولة سداد لرسوم او ضرائب مقررة تقوم باختلاسها الجريمة و لو كان الأمين قد تسلمها بمقتضى إيصال عرفي او دون ان تعطي عنها إيصالات مطلقا لأصحاب الشأن و تكون الحيازة بسبب الوظيفة و لو لم يكن الموظف قد ادخل بعض المال الذي تسلمه في الخزينة العامة او في المكان المخصص لحفظه و تخزينه.
فاذا انتقلت رابطة السببية بين الوظيفة ووجود المال في حيازة الموظف بان كان المال قد دخل في حيازته بمناسبة الوظيفة و ليس سببها فلا تقوم في حقه جريمة الاختلاس و لا ينطبق على فعله نفس المادة 29 من القانون رقم 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته و انما يكون قد ارتكب جريمة خيانة الامانة او جريمة الاستلاء بدون وجه الحق على المال العام اذا توفرت اركانها، ويتحقق هذا حين لا يكون عن اعمال وظيفة المتهم ان يتسلم المال العام الذي وصل الى حيازته اما لأنه تطاول ومد يده الى مال في حيازة موظف اخر غيره بدون ان يكون له الحق في هذه
جريمة الاختلاس الصفحة 12
الحيازة أي نصيب من الاختصاص و اما لان صاحب الشان ائتمن المتهم فيها ليس من اختصاصه ان يكون امينا عليه فسلم له المال بناءا على ثقة شخصية وضعها فيه و تطبيقا لذلك لا ترتكب جريمة الاختلاس المنصوص عليها في المادة 29 ( ق و ف م) (1) مثل موظف الشهر العقاري الذي يأتمنه على ثمن المشتري على المبيع ليحفظه لديه الى حين دفعه للبائع بعد التوقيع على عقد البيع ولا يرتكبها مأمور الضرائب الغير متخصص الذي يتسلم الممول مبالغ الضريبة على سبيل الوديعة ليخفضه له لحين حلول موعد سداد الضريبة.
ففي هذه الأحوال لا تكون حيازة المال بسبب الوظيفة، وانما مناسبة الوظيفة فحسب فلا يطبق نص الاختلاس.
ب- فعل الاختلاس:
يتحقق الركن المادي لجريمة الاختلاس باضافة الجاني المال الذي يحوزه بسبب الوظيفة الى ملكه الخاص و تصرفه فيه تصرف المالك، ولا يختلف مدلول الاختلاس في هذه الجريمة عن مدلوله في جريمة خيانة الامانة فجوهر الاختلاس هو تغيير لنية المتهم الذي يترتب عليه تغير لصفة الحيازة التي يحولها المتهم من حيازة ناقصة الى حيازة كاملة تخوله حق التصرف في المال تصرف المالك في ملكه، لكن الاختلاس لا يقوم بمجرد تغير النية لان ذلك عمل نفسي بحث يستحيل القطع بوجوده وانما لا بد من توفر ماديات تسانده و يستدل منها على نية الحائز تغير صفته على المال، وقد عرفت محكمة النقض المصرية الاختلاس على هذا النوع "الاختلاس هو قيام الجاني بتصرف في المال الذي بعهدته على اعتبار انه مملوك له، وهو معنى مركب من فعل عادي وهو التصرف في المال ومن فعل قبلي يقترن به وهو نية إضاعة المال على ربه".(1)
(1) د . محمد زكي أبو عامر – قانون جنائي- قسم خاص.
جريمة الاختلاس الصفحة 13
و على ذلك يتحقق الركن المادي لجريمة الاختلاس إذا أضاف الجاني المال المملوك للغير الى ملكه مع اتجاه نيته إلى اعتباره مملوكا له ويستدل على هذه النية بأي فعل يفيد توافرها مثال الأفعال الكاشفة عن تغير نية الموظف تجاه المال لان يعرضه للبيع أو الرهن مدعيا انه مالكه او إن يبيعه او يرهنه فعلا أو أن يسحب الموظف المال الذي في عهدته من الخزانة و يودعه باسمه في احد المصاريف و يدعى انه لم يستلم المال أو ينقله إلى مسكنه أو مسكن احد أقاربه، ثم ينكر انه فعل ذلك حينما يطالب بالرد، أو يدعي هلاكه أو سرقته إلى غير ذلك من الأفعال الكاشفة من انعقاد نية الموظف على تحويل حيازته الناقصة إلى حيازة كاملة و يدخل في إعداد هذه الأفعال تبديد الموظف الشئ الذي في عهدته فالتبديد ينطوي بالضرورة على الاختلاس لان التصرف لا يباح إلا للمالك أو من يعمل باسمه، و على ذلك اذا انفق الموظف النقود التي في عهدته في شؤونه الخاصة او اقرضها أو باع أثاث مكتبه او وهبه فهو مختلس ولا يشترط لاعتبار الفعل الصادر من الموظف محققا للاختلاس خروج المال الذي تصرف فيه بالفعل من حيازته، بل تقوم الجريمة بهذا التصرف و لو كان المال لا يزال موجودا في المكان المعد لحفظه اصلا، لذلك تقوم جريمة الاختلاس في حق امين المستودع اذا قام ببيع الاشياء المودعة به الى شخص و تسلم جزءا من ثمن البيع، ثم الاشياء المبيعة قبل اتمام نقلها من المستودع.
و لا يحول دون قيام جريمة الاختلاس احتجاج الموظف بان له في ذمة الدولة مالا و انه يدفع بالمقابل بين حقه و ما اختلسه عن نفسه بوجود مرتب له مستحق قبل الدولة او الجهة التي يعمل بها و لو كان هذا المرتب وقت الاختلاس يزيد عن ثمن قطعة الاثاث.
كما لا يجوز الدفع في ذمة الشخص الذي سلمه المال لحساب الدولة دينا محقق الوجود وانه استولى على المال سدادا لهذا الدين لكن تنتهي جريمة الاختلاس في حق الموظف الذي كلفته الدولة او الجهة التي يعمل بها بتسليم نقود لأحد الأشخاص إذا احتفظ بهذه النقود استفاد لدين له في ذمة هذا الشخص، بشرط ان يكون الدين حلا و غير متنازع فيهو ليس بشرط لقيام الجريمة ان يترتب عليه ضرر فعلي للدولة او غيرها لان القانون لا يتطلب ان تتحقق النتيجة الإجرامية من الاختلاس و تطبيقا لذلك لا تنفى
جريمة الاختلاس الصفحة 14
الجريمة برد مقابل المال المختلس بعد تمام الاختلاس و لو حصل الرد بمبادرة من الفاعل نفسه دون ان يطالب بذلك فالقاعدة انه اذا توافرت اركان الجريمة قامت المسؤولية و استحق العقاب.
كما ان المبادرة برد المال دون المطالبة أو فور المطالبة او مجرد ظهور العجز في عهدة الموظف قد ينهض قرينة على انتفاء القصد الجنائي لديه و عدم وجود نية الاختلاس على الإطلاق و مع ذلك توجد حالات لا تتحقق فيها جريمة الاختلاس في حق الموظف و يحدث ذلك في الحالات التي لا يكشف فيها سلوك الجاني بصورة قاطعة عن إرادة تغيير الحيازة الناقصة الى حيازة كاملة لذلك فمن المتفق عليه ان وجود نقص في عهدة الموظف او عجز في حساباته لا يعد بالضرورة اختلاسا الا اذا استطاع القاضي القطع بان هذا العجز يكشف عن وجود النية السابقة لإضاعة المال عن ملكه كما يعد اختلاسا لضرورة تأخر الموظف في رد ما لديه من أموال في الموعد المقرر او حتى عدم قدرته على هذا الرد، فوجود النقص في عهدت الموظف قد لا يكون راجعا الى فعله و إنما الى قوة او حادث فجائي ترتب عليه هلاك الشئ الذي اختفى، مثال ذلك حريق شب في المستودع فأتى على بعض ما فيه و اتلفت محتوياته و وجود عجز في حسابات موظف او تأخره في رد ما في ذمته من أموال رغم مطالبته به قد يرجع الى إهماله او تكاسله او اضطراب او خطا في حساباته او إلى فعل الخير، فإذا لم يستطع القاضي إثبات وجود النية السابقة على سلوك الموظف وجب تفسير الشك لمصلحة المتهم و القول بعدم وقوع الاختلاس.(1)
وأخيرا لا يعد اختلاسا ما جرى عليه العرف من استهلاك الموظفين لأغراض خاصة مثل كمية متسامح فيها عن أوراق الكتابة او الاضرفة او غير ذلك من الاشياء الموضوعة تحت تصرفهم لاستعمالها للأغراض المتعلقة ،لكن تتحقق جريمة الاختلاس اذا قام الموظف بنقل كميات كبيرة من هذه الأدوات الى خارج المكتب و تصرف فيها بالبيع او الهبة او احتفظ بها لنفسه في منزله و تقوم الجريمة في هذه الصورة سواء كان الموظف امينا على المستودع الذي اختلس منه هذه الأشياء او كانت قد سلمت اليه لاستعمالها خلال مدة معينة ورد ما يتبقى لديه منها في نهاية تلك المدة.
د . عبدالله سليمان- دروس شرح قانون العقوبات الجزائري ، قسم خاص.
جريمة الاختلاس الصفحة 15
المطلب الثالــث:القصد الجنــائي( الركن المعنوي):
جريمة اختلاس الأموال الموجودة في حيازة الموظف بسبب الوظيفة جريمة عمدية يتخذ ركنها المعنوي صورة القصد الجنائي ومن ثمة لا تقوم هذه الجريمة بإثبات الإهمال أو التقصير الذي ترتب عليه إضاعة المال على الدولة فاذا هلك المال او سرق او تلف نتيجة تقصير الموظف في الحفاظ عليه فلا تنسب إليه جريمة الاختلاس و ان أمكن عقابه عن جريمة الإضرار غير ألعمدي للأموال و المصالح كما توافرت كافة أركانها كما سنرى و القصد المتطلب في جريمة الاختلاس ليس هو القصد العام بل ينبغي لقيام هذه الجريمة توافر القصد الخاص لدى المتهم.(1)
اولا: القصد العام:
يتحقق القصد العام بعلم الجاني لعناصر الجريمة و إرادته في تحقيق هذه العناصر و العلم بعناصر الجريمة يتطلب انصراف علم المتهم الى ان المال في حيازته الناقصة بسبب وظيفته و ان القانون لا يجيز له التصرف فيه على النحو الذي فعله و انتفاء العلم باي عنصر من هذه العناصر ينفي القصد الجنائي لدى المتهم مثال ان يجهل المتهم ان المال في حيازته ناقصا كما لو اعتقد ان النقود التي اخذها هي جزء من مرتبه كان قد وضعها مع النقود التي يحوزها لحساب الدولة في خزينة واحدة و قد يعتقد المتهم ان المال الموجود في حيازته لا علاقة له بالوظيفة كما لو اعتقد على غير حقيقة صاحب المال قد سلمه له باعتباره وديعة خاصة او على سبيل القرض او سداد للدين له في ذمته، و ليس وفاء ما هو مستحق عليه لخزينة الدولة، وقد يجهل المتهم ان القانون لا يجيز التصرف في المال الذي يحوزه بسبب الوظيفة على النحو الذي فعله و يعتقد على غير الحقيقة ان من حقه هذا التصرف ظنا منه ان القانون يرخص له بذلك او بناء على امر رئيس تجب عليه طاعته او يعتقد انها واجبة عليه، ففي جميع هذه الحالات ينتفي القصد و لا تقوم جريمة الاختلاس و يتطلب القصد العام بالإضافة الى العلم اتجاه ارادة المتهم الى فعل الاختلاس الذي يحقق ماديات الجريمة أي التصرف في المال الموجود في حيازته الناقصة بسبب الوظيفة تصرف المالك.(2)
(1) د . عبدالله سليمان- دروس شرح قانون العقوبات الجزائري ، قسم خاص.
(2) نفس الرجع.
جريمة الاختلاس الصفحة 16
ثانيا: القصد الخاص:
لا يكفي العلم و الارادة لقيام الجريمة كما يذهب اليه الغالب في الفقه المصري أي الاكتفاء بالقصد العام لقيام جريمة الاختلاس و انما يلزم توفر القصد الخاص الذي يتمثل في تملك المال المختلس أي نية المتهم انكار حق الدولة على المال و نيته ان يمارس عليه جميع سلطات الملك و ترتيبا على ذلك لا ترتكب جريمة الاختلاس، الموظف الذي تتجه نيته الى مجرد استعمال المال المملوك للدولة دون ان تتوفر لديه نية التملك مثال ذلك من يستخدم سيارة حكومية في أغراض خاصة متحملا نفقات الوقود اللازم كذلك لا يرتكب جريمة اختلاس الموظف الذي يعمل في صيانة المال العام بقصد تعريضه للهلاك و إضاعته على الدولة فلا تتوفر لديه نية التملك لكن لا ينفي القصد الخاص اذا توافرت نية تملك المال المختلس ان تكون لدى الجاني نية رد المال فيها بعد او بنية تعويض الدولة عن كامل ما أصابها من ضرر نتيجة عمله بل ان رد الشئ المختلس بالفعل بقيمته بعد التصرف فيه لا ينفي القصد الجنائي، ومن باب اولي لا ينفي القصد لتقرير الموظف اقرار يتعهد فيه بالرد لذلك حكم بان مبادرة المتهم بسداد العجز لا ينفي وقوع الاختلاس.
كما لا ينفي القصد الخاص اذا توفرت فيه التملك تعلق الجاني رد المال المختلس على شرط معين مثل حصوله على علاوة او ترقية او تنازل للجهة التي يعمل بها عن حق واجب لما عليه.
و الحقيقة ان القصد الجنائي يندمج ضمن فعل الاختلاس، لان فعل الاختلاس ليس ماديا فقط و انما هو مركب من فعل مادي و نية في اضاعة المال على مالكه و اضافته الى ملك الجاني، و على ذلك فاذا كان الاختلاس يعني تصرف الموظف في المال على اعتبار انه مالك له فان مؤدي ذلك بالضرورة انعقاد نيته على المال و تغيير حيازته بالناقصة الى كاملة.
و اذا توافر القصد الجنائي فلا عبرة بالبواعث على الاختلاس فيستوي ان يكون الباعث على الاختلاس شريفا مثل قضاء حاجة ملحة او مواجهة ظرف طارئ تعرض له الموظف او كون مرتبه ضئيلا لا يكفي تكاليف الحياة الضئيلة ولا يؤثر في قيام الجريمة الباعث الشريف المتمثل في التبرع بالمال لإقامة مشروع خيري، او إنفاقه في مساعدة
جريمة الاختلاس الصفحة 17
الفقراء و المحتاجين او توزيعه على محدودي الدخل و الموزعين او ان يكون الباعث وضيعا مثل الرغبة في الإثراء بغير سبب مشروع على حساب الدولة، او الرغبة في الانتقام من الدولة او غير ذلك من البواعث.
ولا ينفي القصد الجنائي لدى الموظف إطاعته لأمر الرئيس او تصريحه بالتصرف على نحو لايقرره القانون المنظم لكيفية التصرف فيه فليس على المرؤوس ان يطيع الأمر الصادر له من الرئيس لارتكاب فعل يعلم ان القانون يعاقب عليه ما لم توجد قاعدة قانونية تخول للرئيس سلطة اصدار الاوامر بالتصرف في المال الموجود في حيازة الموظف.
ففي هذه الحالة تمتنع مساءلة المرؤوس الذي ينفذ امر الرئيس متى كانت تلزم طاعته او اعتقد بناء على اسباب معقولة ان طاعته واجبة عليه.
ويخضع اثبات القصد الجنائي للقواعد العامة للإثبات، وقد توجد أمرات تدل على توفر القصد مثل فرار المتهم عقب الاختلاس او اختفاءه او التزوير في دفاتره و اوراقه لإخفاء اثار الاختلاس.
المطلب الرابع: الركن المفترض (المادة 29 ق و ف م)
تفترض جريمة الاختلاس كون الجاني موظفا اما وفقا لنص (المادة 29 ق و ف م) بحكم وظيفته بحيازة المال موضوع الاختلاس و قد فصلنا من قبل مفهوم الموظف العام، و راينا ان المشرع قد توسع في تعريف الموظف العام بحيث شمل كل موظف او ضابط عمومي يختلس مالا تحت يديه متى كان المال المختلس مسلما اليه بسبب وظيفته.
اما اختصاص الموظف بحيازة المال فهو عنصر مكمل للصفة الخاصة التي يتطلب القانون توافرها لإمكان قيام جريمة الاختلاس، و يعني ان الصفة الوظيفية التي أتاحت للموظف حيازة المال فقد يكون مكلفا بجبايته باسم الدولة ولحسابها، او بالاستيلاء عليه عنوة باسمها و لحسابها او بمجرد حراسته و المحافظة عليه و انفاقه و التصرف فيه في اوجه معينة، و ليس باللزوم ان تكون حيازة المال لحساب الدولة هي الاختصاص الاصلي للموظف بل يكفي ان يكون ذلك احد الاختصاصات المرتبطة بوظيفته و لو كان اقلها شانا ولا يشترط لثبوت اختصاص الموظف بحيازة الما ل ان يكون المال بين يدي
جريمة الاختلاس الصفحة 18
الموظف المختلس و انما يكفي من اختصاص وظيفته و وصول يديه اى المال فيكون بالتالي مختصا بهذه الحيازة، لكن يكفي لتوفر اختصاص الموظف و حيازة المال بمجرد استطاعته ماديا الى الدخول حيث يوجد المال اذ لم تكن له صفة قانونية في حيازة هذا المال، و تطبيقا لذلك لا يعد مختصا وظيفيا لحيازة المال، فالمرؤوس الذي يستطيع الدخول دون قيد الى غرفة رئيسه التي يوجد فيها المال لا يعد باستيلائه على هذا المال مرتكبا لجريمة الاختلاس لانتقاء الصلة المباشرة بين وظيفة الموظف و حيازة المال كما لا يرتكب جريمة الاختلاس الموظف العام الذي لا شان له بحيازة اموال لحساب الدولة،و لكن يسرت له وظيفته وقوع المال المملوك متناول يديه كما لو تدخل في أعمال الموظفين المختصين بتلك الحيازة و أقحم نفسه فيها هو خارج عن نطاق وظيفته، و يامن هؤلاء الموظفون و تغاضيهم عنه فمثل هذا التدخل لا يمكن ان يضفي عليه الاختصاص بحيازة المال فان استولى على ما حازه من مملوك للدولة بهذه الطريقة فان نص الاختلاس لا يطبق.
خلاصة الركن الرابع من جريمة الاختلاس انه لا ينبغي ان تتوفر صفة خاصة في الجاني و تكون متوافرة اذا كان موظفا عاما في مفهوم المادة (29 ق و ف م) ويعني ذلك ان جريمة الاختلاس لا تقوم اذا انتفت عن المتهم صفة الموظف العام مطلقا او كان موظفا عاما لكنه لا يختص بحيازة المال الذي استولى عليه في الحالة الأولى قد نعد الفعل خيانة أمانة أو سرقة او نصب، و في الحالة الثانية قد تتوفر جريمة أخرى من جرائم العدوان على المال العام، مثل جريمة الاستيلاء بغير حق على المال العام التي يتطلب القانون اختصاص الموظف بحيازة المال.
وإذا دفع المتهم بانتفاء صفة الموظف العام عنه أو زوال اختصاصه بحيازة المال قبل إتيانه الفعل المنسوب إليه أو أن صفته لم تثبت إلا في تاريخ لاحق على هذا الفعل وجب تحقيق هذا الدفع الجوهري فإذا اغفل الحكم تحقيقه و الرد عليه كان قاصرا فقيام الجريمة يتطلب توافر الصفة الوظيفية في الجاني وقت ارتكابه فعل الاختلاس و أن هذه الصفة لم تزل عنه لأي سبب من الأسباب مثل العزل أو الطرد من الخدمة أو غير ذلك، لكن مجرد وقف الموظف عن عمله لفترة أو حصوله على إجازة خاصة لا ينفي عنه
جريمة الاختلاس الصفحة 19
صفة الموظف العام، و كذلك فان استمرار المتهم في مباشرة أعماله الوظيفية من الناحية العملية.
بعد انتهاء علاقاته القانونية للوظيفة لا يضفي عليه صفة الموظف العام المختص بحيازة المال العام، و لو كان لا يزال بحوزته فعلا ما لم يثبت انه كلف رغم انتهاء علاقته بالوظيفة بالاستمرار في العمل ممن يملك هذا التكليف إذا في هذه الحالة يكون موظفا في مفهوم المادة 29 ق و ف م.
المبحث الرابع: عقوبة جريمة الاختلاس و آثارها
المطلب الأول: العقوبة المقررة لجريمة الاختلاس.
إن المشرع الجزائري أورد عقوبات جريمة الاختلاس في المادة 29 ق و ف م على النحو التالي:
يتعرض الموظف العمومي الذي يختلس أو يتلف أو يبدد أو يحتجز عمدا و بدون وجه حق أو يستعمل على نحو غير شرعي لصالحه أو لصالح شخص أو كيان آخر أية ممتلكات أو أموال أو أوراق مالية عمومية أو خاصة أو أشياء أخرى ذات قيمة عهد بها و إليه بحكم وظائفه أو بسببها:
• الحبس من سنتين(02) الى عشر سنوات (10).
• و غرامة مالية من 200000 الى 1000000 دج.(1)
كما نجد ان المشرع الجزائري الذي اضاف على هذه الجريمة حيث اورد في المادة 119 مكرر من قانون العقوبات المعاقبة ب:
• بالحبس من 06 اشهر الى 03 سنوات.
• و بغرامة مالية من 50000 الى 200000 دج.
كل قاضي او موظف او ضابط عمومي او كل شخص ممن أشارت إليهم المادة 119 ق ع تسبب بإهماله الواضح في سرقة او اختلاس او تلف او ضياع أموال عمومية او خاصة او أموال منقولة وضعت تحت يده سواء بمقتضى وظيفته او بسببها.(2)
(1) قانون 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته.
(2) قانون العقوبات 06-23 المؤرخ في 20/12/2006.
جريمة الاختلاس الصفحة 20
كما تجدر الاشارة في هذا الوضع الى المادة 137 ق ع و التي جاء في محتوى نصها ذكر جريمة الاختلاس وذلك في قسم إساءة استعمال السلطة ضد الأفراد حيث أوردها المشرع بسبب سوء استعمال السلطة ضد الأفراد حيث أوردها المشرع بسبب سوء استعمال السلطة الممنوحة للموظف و عاقب عليها المشرع بالحبس من:
• 03 اشهر الى 05 سنوات.
• وبغرامة مالية من 30000 الى 500000 دج.
• و يعاقب بالعقوبة نفسها كل مستخدم او مندوب في مصلحة البرق يختلس او يتلف برقية او يذيع محتواها.
• و يعاقب الجاني فضلا عن ذلك بالحرمان من كافة الوظائف او الخدمات العمومية من خمس (05) الى عشر (10) سنوات.(1)
كما ورد في نص المادة 41 ق و ف م اختلاس الممتلكات في القطاع الخاص بنصها:
• يعاقب بالحبس من ستة اشهر(06) الى خمسة سنوات (05).
• وبغرامة مالية من 50000 الى 500000 دج كل شخص يدير كيانا تابعا للقطاع الخاص
• او يعمل فيه بأية صفة أثناء مزاولة نشاط اقتصادي او مالي او تجاري تعمد اختلاس أية ممتلكات او أموال او أوراق مالية خصوصية او أية أشياء ذات قيمة عهد بها اليه بحكم مهامه.(2)
المطلب الثاني: الاثار الناجمة عن جريمة الاختلاس:
مما سبق ذكره و تبيانه في جريمة الاختلاس التي تعتبر من اخطر جرائم العدوان على المال العام الجرائم المضرة بالمصلحة العامة او الجرائم الاقتصادية و ذلك لصفة مرتكب هذه الجريمة ألا و هو الموظف العام، الذي عينته الدولة في هذا المنصب و استغل هو بذلك الثقة المعطاة له، و اخل بها و ارتكب جريمة الاختلاس متجاوزا ضميره المهني و السلطة الممنوحة له.
(1) قانون 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته.
(2) نفس الرجع.
جريمة الاختلاس الصفحة 21
و قد جرم المشرع الجاني او القائم على جريمة الاختلاس لما هذه الجريمة من اثر كبير على الاقتصاد الوطني، اذ تعتبر أداة هدم و تخريب غير مباشرة على الاقتصاد الوطني و خزينة الدولة.
تعتبر جريمة الاختلاس من الجرائم الخطيرة كذلك لما لها من دور سلبي و هدام على المجتمع و العلاقات بين الأفراد، اذ انه من شان هذه الجريمة إخلال الثقة بين الأشخاص المتعاملة مع مؤسسات الدولة و حتى فيما بين الأشخاص العاملين في هذه المؤسسات العمومية فان قيام كل موظف بالاختلاس من شانه أن يخلق الفوضى اللامبالاة بين الموظفين يلهى كل موظف بالركض وراء الربح السريع على عاتق المال العام أي بثراء مالي غير مستحق و الذي من شانه ان يجعل مؤسسات الدولة في فوضى عارمة و كانه لا توجد سيادة و لا قانون يحكم مؤسسات الدولة و يحمي المال العام.
و من الأسباب كذلك التي تعد جريمة الاختلاس جريمة معاقب عليها بعقوبات صارمة كونها تمس بالسيادة الوطنية و وحدة المجتمع و كرامة الدولة الجزائرية أمام المجتمعات و البلدان الأخرى فان الأسباب السابقة الذكر من شانها إعطاء صورة سيئة و مزرية للدولة و مجتمعها و اقتصادها و سلامة مؤسساتها و عليه لجا المشرع الجزائري إلى تجريم الاختلاس و وضع له عقوبات صارمة مشددة من شانها ردع كل من يلجا الى ارتكابها.
الفـصــــل الثـانــي
جــــريـمــــة
الـــــغــــدر
جريمة الغدر الصفحة 22
الفصل الثاني: جريمة الغدر
المبحث الأول: مفهوم جريمة الغدر:
نتطرق في هذا الفصل إلى جريمة أخرى من جرائم العدوان على المال العام ألا وهي جريمة الغدر ساعين في ذلك إلى توضيح هذه الجريمة و التطرق إلى جميع جوانبها متبعين المنهج التحليلي في إعطائها مفهوم عام و إبراز الأركان الأساسية لقيام هذه الجريمة ، وذلك نظرا لارتباطها الوثيق بالموظف العام و الاضرار للموظف، ان توهن الاقتصاد الوطني و لو بصفة غير مباشرة و تبسط الفوضى و التصرف الارتجالي و الانفرادي لمختلف الموظفين الذين يسارعون بالتفكير الى الربح السريع و لو حتى على عاتق الثقة و المنصب المعطى لهم وعليه يجب ردع هاته الجريمة و إيقافها و محاولة إزالتها من العقليات المجتمع و ذلك بإعطائها نصوص قانونية و عقوبات صارمة تخصها بالذكر و ذلك محافظة على المصالح العليا للدولة.
المطلب الاول: تعريف جريمة الغدر:
يجرم المشرع في نصوص كثيرة وردت ضمن جرائم العدوان على المال العام محددة في ذلك سلوك الموظف العام الذي يضر بالأموال او المصالح العامة التي تقع على عاتقه.
و جريمة الغدر هي واحدة من الجرائم التي تكمن علة التجريم فيها فيما يمكن ان تسببه هذه الجريمة من الإخلال بثقة المواطن في الدولة ممثلة في أشخاص موظفيها الذين يستغلون سلطاتهم بفرض أعباء مالية تتجاوز ما يفرضه عليهم القانون.
ومعنى الغدر في الجريمة يتحقق من غرض مالي إضافي على مواطن يعتمد على الدولة و يثق في ممثليها، لمعرفة القدر من الأعباء المالية التي يلتزم به في مواجهاتها، فالمواطن لا يتمكن غالبا من معرفة ما يجب عليه ان يدفعه من الضرائب و الرسوم لجهله بالقواعد التي يتم على أساسها تقدير ذلك، ومن ثمة فهو يركن إلى تقدير الموظف المختص بذلك، فان خدعه و طلب اخذ غير المستحق عليه يكون مرتكبا لجريمة الغدر.(1)
(1) الوجيز في القانون الجزائي الخاص (الجرائم الاقتصادية و بعض الجرائم الخاصة) لدكتور أحسن بوسقيعة دار هومة لنشر.
جريمة الغدر الصفحة 23
و بالنظر إلى طبيعة هذه الجريمة، يثور لدينا تساؤل على ملائمة إدراجها ضمن جرائم العدوان على المال العام، إذ لا صلة لها بالمال العام، بل أنها حقيقة من جرائم الوظيفة العامة التي يتمثل جوهرها في تجاوز الموظف حدود وظيفته و هذا إذا نظرنا إلى جانب الجاني الذي يسئ استغلال الوظيفة العامة و يخل بثقة المواطنين فيها، ومن هذه الوجهة كذلك كان من المتصور إلحاق جريمة الغدر بطائفة الجرائم الملحقة بالرشوة.
و اذا كان قانون العقوبات الفرنسي يعتبر جريمة الغدر من جرائم العدوان يكون على المال العام، و ذلك لان المجني عليه لا يكون المواطن لوحده، بل تكون الدولة ذاتها او السلطة العامة، لان الجريمة تقوم كذلك في حق الموظف الذي ياخذ من الدولة مالا على انه مرتب أو مكافأة مستحقة له رغم انه لا حق له فيها بطلبه.
وقد كان القانون الروماني ومن بعده القانون الفرنسي القديم يخلطان بين الغدر و الرشوة، و يقرران عقوبات قاسية للغدر لا سيما عندما يرتكبها القضاة، فمثلا قانون الألواح الاثني العشر كان ينص على عقوبة الإعدام في التطور التاريخي لجريمة الغدر.
وتختلف جريمة الغدر عن جريمة الرشوة رغم ما يجمع بينهما من اوجه للتشابه فكلاهما يشكلان عدوان على ثقة المواطنين في الوظيفة العامة و يقومان عن الاستغلال السيئ لسلطات الوظيفة اذ في الحالتين يطلب الموظف من الأفراد دفع ما لا يلزمهم به القانون، أما أوجه الاختلاف بين الجريمتين فيتمثل في السند الذي يحتج به الموظف في طلب او اخذ ما ليس واجبا على الفرض و يعني ذلك ان اختلاف سند الأخذ أو الطلب أي سند التحصيل le titre de perception وهو معيار التفرقة بين الجريمتين إذا كان الموظف قد طلب او اخذ المال مدعيا انه من قبيل الضرائب او الرسوم او العوائد او نحوها فالجريمة غدر أما إذا كان الموظف قد طلب او اخذ المال على انه هدية او أعطية نظير قيامه بعمل وظيفي فالجريمة رشوة.
وللتفرقة بين الجريمتين من حيث الأهمية القانونية إذ على ضوئها يتحدد موقف المتعامل مع الموظف، فإذا كانت الجريمة رشوة كان مقدم المال راشيا يعاقب بالعقوبة ذاتها المقررة للموظف المرتشي أما إن كانت الجريمة غدر، فان مقدم المال يعتبر مجني عليه و من ثم لا عقاب عليه.
جريمة الغدر الصفحة 24
المطلب الثاني: جريمة الغدر نظرا لنصها القانوني:
إن الغدر هو الفعل المنصوص عليه و المعاقب عليه في المادة 30 من ق و ف م و يقتضي هذه الجريمة أن كل موظف عمومي يطالب او يتلقى او يشترط او يأمر بتحصيل مبالغ مالية يعلم أنها غير مستحقة الأداء او يجاوز ما هو مستحق سواء لنفسه او لصالح الإدارة او لصالح الأطراف الذين يقومون بالتحصيل لحسابهم.(1)
المبحث الثاني: أركان جريمة الغدر:
المطلب الاول: الركن الشرعي المادة 30 ق و ف م:
يعد مرتكبا لجريمة الغدر و يعاقب بالحبس من:
سنتسن (02) الى عشر سنوات (10) و بغرامة مالية من 200000 الى 1000000 دج كل موظف عمومي يطالب أو يتلقى أو يشترط او يأمر بتحصيل مبالغ مالية يعلم أنها غير مستحقة الأداء أو يجاوز ما هو مستحق سواء لنفسه او لصالح الإدارة او لصالح الأطراف الذين يقومون بالتحصيل لحسابهم.(2)
المطلب الثاني: الركن المادي:
أولا: الأخذ و الطلب:
الطلب أو الأخذ لهما ذات المدلول فالطلب يعني مبادرة من الموظف تتمثل في التعبير عن إرادته في حمل الممول على الدفع الغير مستحق، ولا أهمية لشكل الطلب شفهيا او كتابيا و يستوي ان يكون الطلب بعبارة تدل صراحة على مراد الموظف او ان يكون ضمنيا كما ولو حرر الموظف للممول إيصالا ضمنه مبالغ مالية تزيد عن المستحق، أما الأخذ فيعني إدخال الموظف المال الغير مستحق في حيازته سواء سبق ذلك طلبا منه او لم يسبقه، كما لو اقتصر موظف على تناول المبلغ الغير مستحق الذي قدمه له الممول الذي اعتبره خطا انه ضريبة واجبة عليه و الطلب او الأخذ صورتان تبادليتان للفعل الإجرامي في جريمة الغدر توافر إحداهما لقيام الجريمة و الموظف الذي
(1) قانون 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته.
(2) نفس الرجع.
جريمة الغدر الصفحة 25
يطلب غير المستحق يرتكب الجريمة تامة و لو لم ياخذ ما طلبه، و يعني ذلك ان الشروع في جريمة غدر معاقب عليها بالقانون كما اقره المشرع الفرنسي الذي نص على انه في كل الأحوال يعاقب على الشروع في جنحة الغدر بذات الكيفية و المقررة للعقاب على الجنحة ذاتها لان الجريمة في القانون الفرنسي تعتبر مجرد طلب هذا المال شروعا في جريمة الغدر.
كما ان الموظف الذي يأخذ مالا غير المستحق يرتكب الجريمة رغم انه لم يطلب من الممول ذلك اذا كانت الجريمة تقوم بالطلب او بالأخذ فمؤدي ذلك انها لا تقع بالقبول الصادر من الموظف، و يحدث ذلك حين يحظر الممول الموظف الذي يعتقد خطا انه مستحق عليه فيقبل الموظف وعد هذا الممول بالمبلغ الذي يعتقد خطا انه مستحق عليه فيقبل الموظف وعد هذا المسؤول بأداء هذا المبلغ مستقبلا، لكن تقوم الجريمة حيث ياخذ الموظف فعلا في الموعد المتفق عليه بالمبلغ الذي وعد الممول بدفعه إذا كان يزيد وقت دفعه على المستحق و يتحقق الركن المادي لجريمة الغدر سواء اخذ الموظف المبلغ الغير مستحق الذي حصله لنفسه او وضعه في الخزينة العامة، فالمشرع لا يجرم اشراع الموظف العام على حساب المواطن بقدر ما يحمي هذا الاخير من استبداد السلطات العامة، و باعتبار جريمة الغدر هي جريمة الموظف العام فانه لا يحول دون استكمالها اركانها ان يعلم الممول انه يدفع غير المستحق أو أن يرضى بأداء المبلغ الذي طلبه الموظف و أخذه.
ثانيا: إصدار أمر للمرؤوسين بتحصيل ما هو غير مستحق:
يثور التساؤل في حالة صدور الأمر من الرئيس لأحد مرؤوسيه مكلفين بالتحصيل بان يأخذ من الممولين مبلغا يزيد على المستحق المناسب للتحصيل، ويذهب بعض الفقهاء إلى القول بان الأمر بالتحصيل يحقق الركن المادي لجريمة الغدر لان الشروع يكتفي بان يكون للموظف شان في تحصيل المال و هو ما يتحقق بالنسبة للرئيس الذي يشرف على عملية التحصيل دون أن يقوم بها فعلا، فإذا أمر احد مرؤوسيه بتحصيل غير المستحق فقد اتى النشاط غير المشروع الذي يتجه له اختصاصه لكن الرأي الذي نرجحه هو الذي يذهب الى القول بان الطلب هو الذي يتم بمواجهة الممول وليس الحال كذلك بالنسبة لأمر الرئيس الصادر لمرؤوسيه بتحصيل غير مستحق فهذا الأمر لا يحقق
جريمة الغدر الصفحة 26
الطلب بالمعنى الوارد في النص و من ثمة لا يقوم به الركن المادي لجريمة الغدر لكن إذا نفذه الموظف فعلا و من طلب المجني عليه و الأخذ ما ليس مستحقا قامت جريمة الغدر في حقه و اعتبر الرئيس شريكا فيها بالتحريض.
ثالثا: موضوع الطلب او الأخذ:
موضوع الطلب او الأخذ هو ما ليس مستحق من أعباء مالية عامة و الأعباء المالية العامة هي الالتزامات المالية ذات الطابع العام التي تفرضها الدولة أو الأشخاص المعنوية العامة على الأفراد وفق قواعد القانون العام، وهذه الأعباء لها صفة عمومية فتتمتع بميزة التحصيل الجبري من الدولة بوصفها سلطة عامة، وقد أعطى المشرع امثلة لها من ضرائب مباشرة او غير مباشرة و لكن هذه الأمثلة لم ترد على سبيل الحقيقة و لذلك أورد المشرع " تحصيل ما يعلم انه غير مستحق الأداء أو يجاوز ما هو مستحق " و يرجع في تقدير الأعباء المالية العامة إلى القوانين المنظمة له فكل عبأ مالي تفرضه سلطة عامة و تتوافر فيه صفة العمومية و خاصة التحصيل الجبري تقوم بطلبه او أخذه دون أن يكون مستحقا على الفرد لجريمة الغدر.(1)
و بالمقابل لا تقوم جريمة الغدر إذ لم يكن للمال الذي طلبه او اخذ الموظف العام طابع العبا المالي العام، وتطبيقا لذلك لا تقع جريمة الغدر اذا كان المال الذي طلب او اخذ بغير حق إيجار لعقار يدخل في أملاك الدولة الخاصة، او كان المبلغ الزائد قد أخذه محصل الأجرة بالقطارات زيادة على ثمن التذكرة او كان ما حصله الموظف هو زيادة غير مستحقة على ثمن السلعة التي يبيعها باسم الدولة و لحسابها لان الثمن او الأجرة لا يعدان من الأعباء المالية العامة.
و يشترط في العبء المالي العام الذي يقام بطلبه او أخذه أن يكون غير مستحق أو يزيد عن المستحق، و يكون العبا غير مستحق إذ لم يكن له وجود من الناحية القانونية بالنسبة لهذا الموظف بالذات، كما لو طالب الموظف مواطنا بضريبة لا يخضع لها قانونا، كما يكون المال غير مستحق إذا كان العبا قد انقضى بالوفاء أو بالتقادم، و كذلك
(1) الوجيز في القانون الجزائي الخاص (الجرائم الاقتصادية و بعض الجرائم الخاصة) لدكتور أحسن بوسقيعة دار هومة لنشر.
جريمة الغدر الصفحة 27
يكون ما يطلبه الموظف او يأخذ من عبا مالي عام غير مستحق إذا لم يكن قد حل اجل الوفاء به و يعد المال غير مستحق إذا كان ما يطلبه الموظف أو يؤاخذه هو الزيادة على ما يستحق للدولة من عبء مالي.
ولذلك نعتقد أن اضافة تعبير او يزيد على المستحق لا لزوم له لان ما يطلبه الموظف او يأخذه زيادة على المستحق يعد عبئا ماليا غير مستحق أصلا و من ثم كان يكفي تعبير عن الركن المادي للجريمة لطلب او اخذ ما ليس مستحقا.
فاذا كان العبء المالي مستحقا للدولة حسب التحديد السابق فلا تقوم بطلبه أو أخذه جريمة غدر في حق الموظف و لو لم يورد ما حصله انه ضريبة او رسم او نحو ذلك لخزينة الدولة و انما استبقاه لنفسه، فتجريم الغدر لا يستهدف بصفة خاصة حماية حق الدولة على مالها و انما حماية الأفراد من تعسف ممثل السلطة العامة.
و إضافة إلى قيام الأخذ و الطلب من الموظف في جريمة الغدر و موضوع الطلب و الأخذ السابق ذكره، نأتي إلى إن الركن المادي يمكن توافره حسب المادة 31 ق و ف م " كل موظف عمومي يمنح أو يأمر بالاستفادة تحت أي شكل من الأشكال، ولأي سبب كان، و دون ترخيص من القانون، من إعفاءات او تخفيضات في الضرائب او الرسوم العمومية او يسلم مجانا محاصيل مؤسسات الدولة " و عليه فان الموظف الذي يصدر منه فعل مادي بمنح او إعفاء شخص ما بعبء مالي مفروض عليه و مدان به للدولة يكون قد ارتكب جريمة الغدر، هذا الموظف العمومي الذي يعين بموجب الثقة و السلطة المعطاة له مهام تحصيل الأموال العمومية و المحافظة عليها يجب ان لا يخون تلك الثقة و يلج إلى المنع و الإعفاء بتسديد هذه الأعباء المالية المرتكبة على الممول او دافع الضريبة و الرسومات و التكاليف و يتصرف فيها و كأنها من ماله الخاص، و يكون ذلك على وجه التعاطف او المحاباة فان كان قد تلقى مبلغا من الممول من فعله و المتمثل في الإعفاء فانه يمكن هنا وقوع جريمة الرشوة.
و اما من الناحية المذكورة اعلاه في المنع لمنتجات مؤسسات عمومية و اعفاء من تكاليف الرسوم و الضرائب وغيرها فانه يؤدي بالفعل الى ارتكاب جريمة الغدر.
جريمة الغدر الصفحة 28
ومن هذا المنطلق نجد ان الموظف بسلوكه و فعله و المتمثل في المنع و الإعفاء من الرسوم و التكاليف و الضرائب و الأعباء المالية المفروض ورودها الى خزائن الدولة يكون قد ساهم بصفة مباشرة في الضرار بالمال العام و الاقتصاد الوطني.
المطلب الثالث: الركن المعنوي:
جريمة الغدر هي جريمة عمدية يتخذ ركنها المعنوي صورة القصد الجنائي و القصد المتطلب فيها هو القصد العام، وقد تطلب المشرع ركن القصد في هذه الجريمة و حدد نوعها صراحة في قوله:
" ... ما يعلم انها غير مستحقة ".
و ربما قد يؤدي إبراز هذه العبارة من طرف المشرع استهدافا منه للحيلولة دون أي تفسير للنص يترتب عليه اشتراط القصد الخاص لقيام جريمة الغدر، و القصد العام يقوم على عنصري العلم و الإرادة و ينصرف العلم أولا إلى الصفة الخاصة التي تعد ركنا في جريمة الغدر و هي كون الجاني موظفا عاما له الشأن في تحصيل الأعباء المالية العامة فان انتفى علم الجاني بهذه الصفة انتفى القصد الجنائي لديه و تطبيقا لذلك فالموظف الذي يطلب او يأخذ غير المستحق مدعيا على غير الحقيقة على ان له شانا في تحصيل الضرائب او الرسوم لا يرتكب الجريمة لانتفاء قصده الجنائي و لو كانت عملية التحصيل قد أسندت إليه لحظة الطلب او الأخذ دون علم منه بذلك و انتفاء جريمة الغدر هنا لا يمنع من قيام جريمة النصب او الشروع فيها اذا توفرت أركانها.
وينصرف العلم ثانيا الى عدم أحقية الدولة في المبلغ الذي يطلبه او يأخذه الموظف على انه عبء مالي عام مستحق على المواطن، فاذا وقع الموظف في خطا او في قانون غير قانون العقوبات جعله يعتقد وقت الطلب او الاخذ انه يطلب او ياخذ ما تستحقه الدولة او السلطة العامة، انتفى القصد الجنائي لديه، و تطبيقا لذلك ينتفي القصد اذا اخلط الموظف بين شخصين لتشابه الأسماء بينهما فطالب احدهما و اخذ منه المبلغ الواجب على الشخص الاخر، و تطبيقا لذلك ينتفي القصد اذا كان الموظف يجهل صدور قانون ألغى
جريمة الغدر الصفحة 29
الضريبة التي طالب الممول بها او حفظها او اخطأ في حساب الضريبة فطلب ما يزيد عن المستحق او اذا اعتقد خطا ان الممول لا يخضع للإعفاء الضريبي او انه لشريحة على من تلك التي تنطبق عليه حقيقة أي إذا أساء تفسير القانون الذي يفرض الضريبة.
و ينبغي أن تتصرف إرادة الموظف رغم عمله بعدم أحقية الدولة فيها يطلبه أو يأخذه إلى فعل الطلب أو الأخذ فإذا لم تنصرف الإرادة إلى ذلك إنتفى القصد الجنائي لدى الموظف و تطبيقا لذلك ينتفي القصد لدى الموظف الذي يأخذ من الممول مبلغا يزيد عن المستحق كضريبة دون أن يفطن إلى ذلك أو يخطأ لدى عده النقود التي تركها له الممول ففي هذه الحالة لنفي ارادة الطلب او الاخذ لدى الموظف.
وإذا توافر القصد الجنائي بالعلم و الارادة فلا عبرة بالبواعث التي دفعت الموظف الى طلب او اخذ غير المستحق، فالباعث ليس عنصرا في القصد الجنائي، و لا شان له باركان الجريمة، طبقا للقواعد العامة التي تنص عنها جريمة الغدر، و على ذلك يستوي ان يكون باعث المتهم هو الاثراء الشخصي غير المشرع على حساب المواطن او يكون هو اثراء خزينة الدولة، عن طريق زيادة ارادتها و مع ذلك قد يكون للباعث اثر في تحديد العقوبة نوعا و مقدارا.
وينبغي في تبيان الركن المعنوي كذلك السلوك الذي يصدر من الموظف و الذي يقوم و بحكم وظيفته و منصبه كان يكون من مأموري التحصيل القائم بالحسابات على الرسوم و الضرائب، فان قام هذا الموظف بمنع و إعفاء من الرسوم و الضرائب او قام بتخفيضها بنسبة ما او قام بتسليم منتوج من منتجات المؤسسات العمومية مجانا و يكون ذلك لسبب ما كالمحاباة و التعاطف او سبب اخر من غير قبول شئ ما من شانه أن ينص على جريمة الرشوة يكون في نفس الوقت الموظف او المحصل الذي يصدر منه هذا الفعل، و يكون على علم بان هاته الأعباء المالية واجبة و مفروضة على الممول او دافع الرسوم و الضرائب و غيرها فان قام هذا الموظف او محصل الضرائب او واضع جداول التحصيل و كان على علم و دراية بوجوب هذه الاعباء المالية على الممول او المستحقة عليه من طرف مؤسسات الدولة ( أي كانت من المال العام ) فيكون قد ارتكب جريمة الغدر.
جريمة الغدر الصفحة 30
واذا كان علم الموظف او المحصل بان الاعباء المالية المفروضة و الواجبة على شخص ما او ممول قد أزيلت عنه او ألغيت عليه و قام هو بعمل تحصيلها او استقبالها و ضمها الى خزائن الدولة انتفى القصد الجنائي لجريمة الغدر.
ومنه نستخلص انه لابد في كل الظروف من علم الموظف أن الأعباء المالية و المتمثلة في الضرائب و الرسوم و...الخ ملزمة الدفع على الممول و واجبة عليه بمقتضى نص استدلالي او أمر او مرسوم... فان قام هذا الموظف او المحصل في هذه الحالة و لأي سبب كان و بغير تصريح منه القانون بمنع الممول و على أي صورة كانت الاعفاء من الاعباء المالية ( رسوم، ضرائب ) او قام بتسليم منتجات مما تنتجه مؤسسات الدولة مجانا، يكون ارتكب جريمة الغدر.
المطلب الرابع: الركن المفترض ( الصفة المفترضة ):
جريمة الغدر من جرائم ذوي الصفة، ففاعلها هو موظف عام له شان في تحصيل الضرائب و الرسوم أو العوائد أو الغرامات أو نحوها، ويتحدد مدلول الموظف العام على النحو السابق بيانه في جريمة الاختلاس، لكن وصف الموظف العام لا يكفي لتحقيق الصفة الخاصة للفاعل في جريمة الغدر، فقد تطلب المشرع أن تكون للموظف علاقة ما بتحصيل الضرائب و الرسوم و ما في حكمها وليس بلازم لقيام هذه العلاقة أن يكون الموظف مختصا وحده بالتحصيل بل انه لا يشترط ان يكون التحصيل هو اختصاصه الرئيسي فأي قدر من الاختصاص في عملية التحصيل و لو كان ضئيلا يكفي لتوافر العلاقة التي يتطلبها المشرع بين الموظف و عملية تحصيل الضرائب و الرسوم وقد تخير المشرع لبيان علاقة الموظف بعملية التحصيل تعبيرا يدل على رغبته في شؤون كل موظف يتصل بعملية التحصيل عندما اكتفى بان يكون للموظف (شان) في تحصيل الضرائب فهو لم يتطلب ان يكون الموظف (مختصا) بالتحصيل.(1)
(1) الوجيز في القانون الجزائي الخاص (الجرائم الاقتصادية و بعض الجرائم الخاصة) لدكتور أحسن بوسقيعة دار هومة لنشر.
جريمة الغدر الصفحة 31
و تطبيقا لذلك فان كل موظف له شان في عملية التحصيل يمكن ان يرتكب جريمة الغدر اذا طلب او اخذ باعتبار الصفة الخاصة ركنا في جريمة الغدر فان القاضي يلتزم بالتحقيق من توافرها عن طريق بيان الصلة بين اختصاصات الموظف و عملية التحصيل فان انتفت تماما الصلة بين اختصاصات الموظف و عملية التحصيل لم تتوافر فيه الصفة الخاصة التي يتطلبها القانون لقيام جريمة الغدر.
وبناءا على ما تقدم لا تقوم جريمة الغدر اذا كان المتهم غير موظف على الاطلاق، فصاحب المهنة الحرة الذي يطالب الفرد بأتعاب تزيد على ما يستحقه طبقا لقانون او لائحة لا يرتكب جريمة الغدر و لاتقوم الجريمة اذا كان المتهم موظفا عاما لا شأن له في تحصيل الضرائب و الرسوم و لو زعم او اعتقد خطا انه مختص في تحصيل الضرائب ولكن يمكن ان تقوم في هذه الحالة جريمة النصب او الشروع فيه حسب الأحوال.
المبحث الثالث :عقوبة جريمة الغدر و آثارها:
المطلب الأول: العقوبة المقررة لجريمة الغدر:
الغدر خيانة قرر لها المشرع العقوبة الموضحة في المواد 35.31.30 من قانون 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته.
*المادة 30ق ح ف م التي تنص على" يعد مرتكبا لجريمة الغدر و يعاقب بالحبس من سنتين(02) إلى عشر سنوات(10) و بغرامة مالية من200000 دج إلى 1000000 دج كل موظف عمومي يطالب أو يتلقى أو يشترط أو يأمر بتحصيل مبالغ مالية يعلم أنها غير مستحقة الأداء أو يجاوز ما هو مستحق سواء لنفسه أو لصالح الإدارة أو لصالح الأفراد الذين يقوم بالتحصيل لحسابه ".(1)
(1) قانون 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته.
جريمة الغدر الصفحة 32
*المادة 31 ق و ف م التي تنص على "يعاقب بالحبس من خمس (05) إلى عشر سنوات (10) و بغرامة مالية من 500000 دج إلى 1000000 دج كل موظف عمومي يمنح أو يأمر بالإستفادة تحت أي شكل من أشكال و لأي سبب كان، ودون ترخيص من القانون بالإعفاءات أو تخفيضات في الضرائب والرسوم العمومية أويسلم مجانا محاصيل مؤسسات الدولة ".
*المادة 35 ق و ف م التي تنص على "يعاقب بالحبس من سنتين (02) إلى عشر سنوات (10) وبغرامة مالية من 200000دج إلى 1000000دج كل موظف عمومي يأخذ أو يتلقى إما مباشرة وإما بعقد صوري وإما عن طريق شخص آخر، فوائد من العقود أو المزايدات أو المناقصات أو المقاولات أو المؤسسات التي يكون وقت ارتكاب الفعل مديرا عليها أو مشرفا عليها بصفة كلية أو جزئية وكذلك من يكون مكلفا بأن يصدر إذنا بالدفع في عملية ما أو مكلف بتصفية أمر ما ويأخذ منه فوائد أية كانت ".
المطلب الثاني: الآثار الناجمة عن جريمة الغدر:
تعتبر جريمة الغدر من جرائم العدوان على المال العام ومن الجرائم المضرة بالمصلحة العامة فهذه الجريمة تعد من الجرائم الوظيفية العامة لذلك تفترض لقيامها توافر صفة الموظف العام ، فالمال العام الذي يوجد بين يديه و الذي يعمل في خدمة الدولة التي عهدت اليه بهذا المال لتحقيق الصالح العام و من ثم تكون اساءة التصرف في هذا المال إحلالا للثقة التي أولتها الدولة للجاني، و الموظف الذي يعتدي على المال العام باي صورة من صور الاعتداء يكون خائنا للامانة التي حملته الدولة اياه حينما وضعت المال بين يديه ليستعمله في الغرض الذي خصص له يضاف الى ذلك ان هذه الأفعال تؤدي الى الإقلاع من ثقة المواطنين في الدولة التي عهدت الى الموظف بحفظ الأموال المخصصة لتسيير المرافق العامة وذلك حين يرون ان هذه الأموال تنحرف عن تخصيصها لتحقيق مصالح شخصية و إشباع أطماع موظف يسئ استغلال وظيفته، اذ يخل بالمساواة بين الموظفين انفسهم اذ يتمكن من يحوز المال العام و يسئ التصرف
جريمة الغدر الصفحة 33
فيه من الحصول على دخل يفوق ما يحصل عليه غيره من الشرفاء مما يدفعهم الى تقليده و محاكاته بمحاولة الحصول على دخل اضافي من الوظيفة العامة.
ان جريمة الغدر تعتبر من اخطر الجرائم المضرة بالمال العام و بالمصلحة العامة مما لها اثر كبير على اقتصاد الدولة و هيبتها و مساسها بكيان المؤسسات الوطنية و خطورتها الكبيرة على المجتمع و تصرفات الافراد و سلوكاتهم و كذا كونها تشكل خطرا على كيان الدولة مما ينعكس على عدم الثقة فيها و انتشار الفساد و تفشي ظاهرة الغدر و الرشوة و المحاباة مما يؤثر سلبا على التنمية و التوازن الاقتصادي و سمعة الدولة فيؤدي ذلك الى حدوث أزمات و تدهور في نظام الدولة و تسييره كما انها تصيب بالضرر او تعرض للخطر مصالح المجتمع على نحو مباشر وضررها الاجتماعي في الغالب جسيم، فهي قد تهدد كيان الدولة ذاته او تزعزع الاستقرار السياسي و الاجتماعي فيها او تخل بالثقة العامة في مؤسساتها و نظمها الادارية، الاقتصادية و المالية، كما انها جد حساسة تتطور بسرعة وذلك بتأقلمها مع كل الافكار الجديدة و التطورات الحاصلة في المجتمع و في شتى المجالات السياسية، الاقتصادية و الاجتماعية.
كما انها تبسط الفوضى و التصرف الارتجالي و الانفرادي لمختلف الموظفين الذين يسارعون بالتفكير الى الربح السريع و لو حتى على عاتق الثقة و المنصب المعطى لهم، ناهيك عن تسببها في بعث المحاباة و البيروقراطية و استغلال النفوذ و كذلك النتيجة المدمرة التي تتركها في انطباع الدول المنافسة التي لها حساسيات اتجاه دولتنا و التي لا يهمهم سوى تشويه سمعتنا و اللعب بالنزاهة و المساواة و العدل في مجتمعنا.
و عليه يجب أن تردع هذه الجريمة و إيقافها و محاولة إزالتها من الأذهان و المجتمعات وذلك بإعطائها نصوص قانونية و عقوبات تخصها بالذكر وذلك محافظة على المصالح العليا للدولة.
الخاتمـــة الصفحة 34
الخـاتـمة:
من خلال الدراسة التي قمنا بها نجد اننا لم نقم في هذا المقام بتلخيص ما قلناه من قبل في فصول هذا البحث، ذلك لان هذا لا يعدو أن يكون مجرد ترديد و تكرار، و إنما سوف نقوم باستخلاص أهم النتائج التي توصلنا إليها من خلال البحث مع الإجابة القاطعة باننا لم نوفي الموضوع حقه كاملا و لم نستكمله من جميع جوانبه، و رغم الصعوبات و العراقيل التي صادفتنا في بحثنا هذا من نقص المراجع، وضيق الوقت و تعقيد الموضوع محل الدراسة، إلا أنها تعتبر محاولة دارس باحث يهدف إلى تسليط الضوء على جرائم العدوان على المال العام، وخاصة جريمتي الاختلاس و الغدر لما تشكلانه من خطورة على الدولة و مؤسساتها من خلال زعزعة الثقة بين المواطن و دولته التي هي أساس التقدم لأي مجتمع كان.
ويبدو جليا أن منهج الدراسة المتبع هو منهج تحليلي و على ضوءه قمنا في هذا المقام بإبراز أهم النتائج و الأسباب التي تساهم في استفحال و تطور جريمتي الاختلاس و الغدر المرتكبة من طرف الموظف العام أو من يقوم مقامه، ويكون محلها المال العام او الخاص او السندات و العقود،و ترتكب الجريمة أثناء أداء الموظف العام وظيفته او بسببها و نذكر من نتائجها: التأثير الكبير بالسلب على الاقتصاد الوطني و تخريبه و تهديمه بطريقة غير مباشرة، إخلال و انعدام الثقة بين المواطن ودولته و بين الموظفين و المواطنين في حد ذاتهم، التجاء الموظف العام إلى الربح السريع على عاتق المال العام و على حساب الثقة المعطاة له، إثراء مالي غير مستحق و المساس بهبة و سيادة الدولة و وحدة المجتمع و كيانه.
و الأسباب التي أدت الى استفحال و تطور الجرائم المضرة بالمصلحة العامة و خاصة جريمتي الاختلاس و الغدر نذكر منها:
غياب الرقابة الإدارية، عدم صرامة القوانين، انعدام الردع العقابي، انتشار الرشوة في سلك العدالة، مركزية أوامر التحقيق، غياب الرقابة الاجتماعية، سوء اختيار الموظفين،
الخاتمـــة الصفحة 35
ناهيك عن التلاعب بأملاك الدولة... وعليه ارتأينا إلى وضع بعض الحلول للحد من هاته الجرائم المضرة بالمال العام ويتبلور ذلك في:
إصلاح العدالة و تطبيق القانون دون هوادة، غرس الوعي الاجتماعي بين الشعب، نشر الإحساس بانعكاسات الجريمة السلبية على الأمد القريب و البعيد، تشديدي الرقابة على الموظفين في البنوك، البريد، القباضات، الضرائب...، تنصيب رجال مهنة شرفاء دون محاباة و محسوبية و الاستفادة من التجارب السابقة و خاصة في وقت أصبحت فيه المؤسسات الجزائرية هشة البنيان وبحاجة الى دعامة قوانين صلبة و خطة اقتصادية واضحة لا متغيرة بتغير الحكومات.
ان جريمتي الاختلاس و الغدر و جرائم العدوان على المال العام بصفة عامة تعتبر من الجرائم المتطورة مع تطور المجتمعات لكن الفساد الذي تتركه هذه الجرائم ليس ناشئا من التطور الايجابي و انما هناك ظروف تساعد على تطور و استفحال الجرائم الاقتصادية في المجتمعات، كالفقر و انعدام تساوي فرص العيش و التخلف الاجتماعي و ظهور جماعات المافيا و محولي الأموال العمومية و المتعاملين بالرشوة و الأشخاص معدومي الشرف و الضمير المهني و المسؤولية المهنية و الروح الوطنية، والذين يسهمون في استفحال هذه الظاهرة لاسيما في المجالات التي لها علاقة مباشرة بالاقتصاد.
ونظرا لان هذه الجرائم تعتمد على خصوصيات فنية و علمية من التخطيط المحكم القائم على أدق التفاصيل و الحسابات و خاصة أن مقترفها موظف عمومي اكتسب خبرة في الوظيفة العامة مكنته من رصد قدرات عالية في البحث عن الثغرات القانونية و استغلالها في مناخ ملائم لتحقيق أغراضه غير المشروعة، وعليه تجدر بنا الإشارة إلى انه للعمل على مكافحة هاته الجرائم فيجب أن تدعم مصالح الشرطة بمختلف مديرياتها بعناصر ذوي تكوين متخصص في المحاسبة و العلوم المالية تمكنها من أداء وظيفة البحث و التحري في جرائم العدوان على المال العام و المساس بشرف و عفة الوظيفة العامة.
و نرجو ان نكون قد وفقنا في عملنا البسيط هذا و الله ولي التوفيق.
الـمـراجـع:
الجرائم المضرة بالمصلحة العامة: د.رمسيس لهنام – المكتبة القانونية سنة 1986.
قانون العقوبات الجزائري: الأستاذ أحسن بوسقيعة – منشورات بيرتي 2007.
القانون رقم 06-01 المؤرخ في: 20 ديسمبر 2006.المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته.
الجرائم المضرة بالمصلحة العمومية: د.رميس بسام - منشاة المعارف الاسكندرسة.
جرائم الاعتداء على الأموال العامة و الخاصة: الأستاذ عبد العزيز سعد – دار هومة للطباعة والنشر و التوزيع، بوزريعة – الجزائر- الطبعة الثانية 2006.
قانون جنائي – قسم خاص – د . محمد زكي أبوعامر
دروس شرح قانون العقوبات الجزائري – قسم خاص –د . عبدالله سليمان
الوجيز في القانون الجنائي الخاص لدكتور أحسن بوسقيعة – دار هومة لنشر.
المــقدمـة :
يتضمن قانون العقوبات الجزائري مجموعة من القواعد القانونية التي تحدد ما يعبر عن صور السلوك الإنساني من جرائم، و ما يترتب على اقترافها من جزاءات .
و نصوص قانون العقوبات الجزائري تتدخل في أغلب مجالات الحياة في المجتمع بغرض تقيمها و تحديد جزاء الخروج على ما تقرره من تنظيم و إن كان الاتجاه الحديث يميل إلى التقليل بقدر الإمكان من التجريــم و العقــاب والاكتفاء بصور الجزاء غير الجنائي حيث لا تدعو ضرورة ملحة إلى الالتجاء إلى التجريـم و العقاب الجنائــي و يمكن تفسير تنوع الأفعال التي تضر بتعدد الحقوق و المصالح محل الحماية الجنائية مما يقتضي تجريم الأفعال التي تضر بحق من هذه الحقوق و تعرضه للخطر، كمــا أن تنوع أفعال محل التجريم يرجع إلـى تعــدد محل الاعتداء الذي يكون هـو الدولــة أو المجتمــع بــأكملــه.
و يعتبر قانون العقوبات هو التجسيد الحي و الواقعي لمبدأ شرعية الجرائم و العقوبات المقررة لها و هي ضرورة لا بد منها لوضع هذا المبـدأ موضع التنفيذ الفعلي و صيانة لحق الفـرد في الحرية و ذلك أن مضمون هـذا المبدأ يقضي بألا جريـمة في فعل ما لم يكن مجرمـا قبل ارتكابه و لا عقاب على فعـل إلا بالعقوبة المحددة له سلفا و من تم فان تجسيـد هـذا المبــدأ و بث معنى الحيـاة فيـه يقتضي بالإضافة إلى النــص تـأكيدا لـوجوده تحديد الأفعــال المحظورة على الأفراد و بيـان العقوبات الواجبة التوقيع عنـد إثباتها و إذا كانت بعض القـوانين لا تأخذ بمبدأ الشرعية على الإطلاق و يمنح القاضي سلطة التجريم قـياسـا على الأفعـال المنصوص على تجريمهـا صـراحة، فـإن أهميـة قـانون العقوبات تظل ثابتة حتى في قـوانينه و نصوصه إذ أنه يكون من المتعين تحديد قـدر أساسـي من الأفعال المجرمة ليقيـس عليه القـاضي ما لم يرد بشأنـه نص.و يتسـم قـانـون العقوبات بالتطور في الزمان و التغير فـي المكان شأنه فـي ذلك شأن أي قـاعدة قـانونية وضعية، فهو يعتبر بمثابة مرآة تعكس المكان و الزمـان الذين وضعت فيهـا نصوصـه و تعطي صورة صادقة لحية المجتمع الذي تطبق فيـه هـذه النصوص و ظروفـه و معتقداتـه و تقـاليده و قيمه الأسـاسية لذلك يعد قانون العقـوبات
بمثابة صـدى لحضارة المجتمع الذي يحكمه و تـرجمة لنظمه و قيمـه وأخلاقياته و معرفـة لنظمه السيـاسية و الاقتصادية و قيمه الأخلاقية و الدينية و الاجتماعية. و يـزداد عـدد الأفعال محل التجريم كلما زادت درجـة تقدم المجتمع و تحضره و ازداد الشعـور الإنسـاني تهذبــا وسموا فكلما أخـذ المجتمع يتقدم في شتـى نـواحي الحياة بدت الحاجة الماسة إلى تدخل الدولة لتنظيم نشاط الأفراد المتزايـد في الميادين كـافة فيزيد عدد الأفعال المجرمة التــي تخــرق
المقدمـــــة ب
هــذا التنظيــم كما هـو واضــح في الميدان التجاري و الاقتصادي مثـلا كذلك كلما تهذب الشعور الإنساني ازداد سمـوا و حساسية أستهجـن من الأفعال ما كان من قبل ستصاغ ، و يـزداد عـدد الأفعال مجالا للتجريم أو ينقص حسب العقيدة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية في كـل دولة بحيث يزداد تدخـل الدولة فــي المجال الاقتصادي.
و تبعا لما تم ذكره، فأنه عبر التطور التاريخي و النظم الاقتصادية و السيـاسية المنتشرة في المجتمع و فضلا عن الجرائم الـواقعة على الأفراد ظهرت بما يسمى بالجرائـم الواقعة على المصلحة العامة و التي تعتبر من أخطر الجرائم و ذلك كونها تشكل خطرا على كيان الدولة مما ينعكس على عدم الثقة فـي مؤسسـاتها و انتشار الفساد و تفشي ظـاهرة الاختلاس ، الرشـوة، المحاباة مما يِؤثـر على التنميـة و التوازن الاقتصادي و سمعة الدولة فيؤدي ذلـك إلى حدوث أزمات و تدهور في نظام الدولة و تسييرهـا.
وعليه بدا من الضروري للدولة ان تضع هذه الجرائم المضرة بالمصلحة العامة ضمن نصوص قوانينها و تحمي كيانها وتكثف من الوسائل الأمنية علي مختلف الأصعدة تماشيا علي ما تفرض الحاجة و ذلك لحساسية هذه الجرائم و آثارها الخطيرة علي جميع الأصعدة (الاقتصادية،الاجتماعية،السياسية) و في هذا الإطار جري تعديل في قانون العقوبات مسّ مختلف الجرائم المضرة بالمصلحة العامة و هذا ما نجده في قانون الحماية من الفساد و مكافحته.
و سنتطرق في هذا البحث إلي موضوع جريمة الاختلاس و الغدر اللتان تعدان الموضوع الرئيسي في دراستنا إذ تعتبر هذه الجريمة من اخطر الجرائم المضرة بالمال العام و بالتالي الجرائم المضرة بالمصلحة العامة لما لها من اثر كبير علي اقتصاد الدولة و هيبتها و مساسها بكيان المؤسسات الوطنية و انعكاساتها الكبيرة على المجتمع و تصرفات الأفراد و سلوكياتهم و نظرا لأهمية الموضوع محل الدراسة سنعمد في هذه الدراسة على منهج و هو المنهج التحليلي لجريمة الاختلاس و الغدر.
و لذلك قمنا في دراستنا لهذا الموضوع المتواضع محل البحث إلي التعرض لجملة من النقاط متبعين الخطة التالية:
في الفصل الأول تطرقنا إلي جريمة الاختلاس بالتفصيل و التحليل مبينين مفهوم جريمة الاختلاس وموضوعها وأركانها و عقوبتها و الآثار الناجمة عنها.
أما في الفصل الثاني تطرقنا إلي جريمة الغدر موضحين مفهومها،أركانها،عقوبتها و الاثار المترتبة عنها.
أما الفصل الثالث فهو عبارة عن دراسة حالة لهاتين الجريمتين و نرجو ان نكون قد وفقنا و ساهمنا و لو بقسط قليل في تسليط الضوء علي جريمة الاختلاس و الغدر.
الإشكـــــاليــــة :
الإشكـــال : - ما المقصود بكل من جريمة الاختلاس و الغدر ؟
- فيما تتمثل أركان جريمة الاختلاس و ماهي أركان جريمة الغدر ؟
- ماهي العقوبة المقررة لكل من جريمتي الاختلاس و الغدر ؟
الفـصـــل الأول
جـريـمــة الاخـتـلاس
جريمة الاختلاس الصفحة 01
الفصل الأول : جريمة الاختلاس
تمهيـــــد :
إن جريمة اختلاس أموال الدولة من أخطر الجرائم التي يرتكبها الموظف العام ضد دولته فهي جريمة تعبر عن قطع الموظف رابطة الولاء الى دولته والثقة التي تمنحها إياه في تسيير أموال الشعب و هو موقف لا يقدم عليه الموظف الشريف فالجناة و قد استسلموا الى نزواتهم و أهوائهم في اقتراف هذه الجريمة خانوا الأمانة التي عهدتها الدولة إليهم بمنصب عام فبددوا و اختلسوا أو أتلفوا ما وقع تحت أيديهم من أموال ووثائق تتعلق بمصالح الدولة العليا و أرادوا الثراء الغير مشروع على حساب الشعب .
و المشرع الجزائري حمى المال العام من استغلال هؤلاء الموظفين غير النزيهين حفاظا على الثقة العامة و حماية للأموال المخصصة لتسير المرافق العامة على اعتبار أن جريمة الاختلاس ضارة بالمصلحة العامة للدولة من الناحية المادية البحتة في المقام الأول و إن كانت تحمل في المقام الثاني معنى الاعتداء المعنوي على مصلحة الدولة المتمثل في عرقلة أعمالها و اختلال ثقة الجماهير بالقائمين برعاية المال العام .
المبحث الأول : مفهـــوم جريمـــة الاختلاس
وردت جريمـــة اختلاس المال العام في نص المادة 29 من قانون الوقاية من الفساد و مكافحته ويعتبر هذا النص كحصيلة لتجمع عدد من نصوص قانون العقوبات الفرنسي المتعلقة بالاختلاسات المرتكبة من طرف المؤتمنين العموميين .Les Dépositaires public و إذا كان هذا النص عند ظهور قانون العقوبات سنة 1965 قريبا من مصدره التاريخي الا انه تغير فيما بعد جذريا و بالذات منذ تثبيت التشريع المتعلق بالجرائم الاقتصادية المضرة بالمصلحة العامة و المال العام في قانون العقوبات سنة 1975 فبمناسبة هذا الإصلاح أدخلت في نص المادة 119 صيغة ذات دلالة بالنسبة
جريمة الاختلاس الصفحة 02
للمنظور الجديد للجريمة الاقتصادية آنذاك و مفادها عقوبة الإعدام اذ كان الاختلاس الواقع من طرف الموظف العام من طبيعته أن يضرب المصالح العليا للوطن و فضلا عن ذالك توسع مجال تطبيق هذا النص بشكل معتبر، ثم تلاها تعديل في قانون الوقاية من الفساد و مكافحته.
و اختلاس المال العام هو صورة من صور الاستيلاء عليه بغير حق، و على حساب الثقة المعطاة للموظف من الدولة و على حساب الشعب و تفترض هذه الجريمة أن هناك حيازة ناقصة للمال العام، وتتمثل هذه الجريمة في تحويل الموظف العام أو من في حكمه أموال عمومية كانت في حوزته بحكم وظيفته أو بسببها الى ملكية تامة يتصرف فيها كمالك لها (1) ولإرساء مفهوم اكبر وعلى سبيل الاستدلال قمنا بإعطاء المثال التالي:
نجد انه هناك تشابه كبير بين جريمة اختلاس الموظف للأموال العمومية وجريمة خيانة الأمانة، ويمكن القول بان جريمة الاختلاس هي صورة مشددة من خيانة الأمانة بالنظر إلى صفة المختلس وطبيعة المال الذي يقع عليه الاختلاس.
ففي الجريمتين تتحدد الماديات المكونة لهما وهي تحويل الحيازة الناقصة إلى حيازة كاملة كما يتماثل الركن المعنوي الذي يقوم على إرادة التملك .
في حين إذا نظرنا إلى أوجه الاختلاف لوجدنا فوارق بين الجريمتين منها أن الاختلاس لا يقع إلا من موظف عام أو من في حكمه، بينما يرتكب خيانة الأمانة أي شخص والاختلاس يقوم على مال عام يحوزه الجاني بسبب الوظيفة بينما يكون مصدر حيازة خائن الأمانة للمال الخاص الذي يقع عليه ولهما تأثير كبير على خطورة الجريمة في نظر القانون.
(1) قانون العقوبات الجزائري للاستاذ أحسن بوسقيعة
جريمة الاختلاس الصفحة 03
- المطلب الأول : تعريف جريمة الاختلاس
أ - الاختلاس لغة : اختلس الشيء بمعنى استلبه في تربصه أي ترصد له.
ب- الاختلاس اصطلاحا :
عرف فقهـــاء القانون الجنائي مصطلح الاختلاس على انه استعمال مال الغير دون
توفر عنصر الرضا و قد استتب المشرع الجزائري في استعمال ذات المصطلح في عدة
جرائم والتي تدخل في باب الاعتداء على الممتلكات كجريمة السرقة م350 ق ع ج،
وجريمة سرقة الطعام م 366 ق ع ج ...الخ ، غير ان مفهوم هذا المصطلح في جريمة
اختلاس المال العام يختلف عنه في الجرائم الأخرى إذ يعني به مجموعة الأعمال المادية
و التصرفات التي تعبر عن نية الجاني في الاستيلاء على المال وتحويل حيازته من
حيازة ناقصة إلى حيازة تامة ودائمة (1) .
- المطلب الثاني : الاختلاس طبقا للمادة 29 من قانون الوقاية من الفساد و مكافحته.
النص القانوني :
نصت المادة 29 من قانون الوقاية من الفساد و مكافحته على ما يلي :
يعاقب بالحبس من سنتين (02) الى عشر سنوات (10) و بغرامة مالية من 200000 دج الى 1000000 دج كل موظف عمومي يختلس او يتلف أو يبدد أو يحتجز عمدا و بدون وجه حق أو يستعمل على نحو غير شرعي لصالحه أو لصالح شخص أو كيان آخر، أية ممتلكات أو موال أو أوراق مالية عمومية أو خاصة أو أي أشياء أخرى ذات قيمة عهد بها إليه بحكم وظائفه أو بسببها. (2)
المطلب الثالث : تعريف الموظف العام
1- مفهوم الموظف العــــــــــــــام :
في حديثنا عن الموظف العام يجب في البداية أن نوضح ماهية الموظف العام والصفة المرتبطة به ويظهر ذلك جليا من الناحية الإدارية ومن ناحية قانون الوقاية من الفساد ومكافحته وأخيرا من ناحية التعريف القضائي.
(1) الوجيز في القانون الجنائي الخاص لدكتور أحسن بوسقيعة
(2) قانون الوقاية من الفساد و مكافحته.
جريمة الاختلاس الصفحة 04
إن معيار اعتبار الموظف ليس هو نوع العمل الذي يسند اليه أو أهميته أو كونه مثبتا أو غير مثبت وإنما هو من يساهم في عمل في مرفق عام تديره الدولة وتكون مساهمته عن طريق التعيين أساسا بالرغم من أنها ليست قاطعة ونهائية، يمكن بمقتضاها الحكم على عامل داخل هيكل إداري بأنه موظف أو غير موظف.
2- تعريف الموظف العام من ناحية قانون الوقاية من الفساد ومكافحته:
تعريف الموظف العام من ناحية قانون الوقاية من الفساد ومكافحته على أنه :
أ ـ كل شخص يشغل منصبا تشريعيا أو تنفيذيا أو إداريا أو قضائيا أو في أحد المجالس الشعبية المحلية المنتخبة سواء كان معينا أو منتخبا دائما أو مؤقتا مدفوع الأجر أو غير مدفوع الأجـــــر بصرف النظر عن رتبته أو أقديمته.
ب ـ كل شخص آخر يتولى ولو مؤقتا وظيفة أو وكالة بأجر أو بدون أجر ويساهم بهذه
الصفة في خدمة هيئة عمومية أو مؤسسة عمومية أو أية مؤسسة أخرى تملك الدولة كل أو بعض رأس مالها أو أية مؤسسة أخرى تقدم خدمة عمومية.
ج ـ كل شخص آخر معرف بأنه موظف عمومي أو من في حكمه طبقا للتشريع والتنظيم المعمول بهما.(1)
3- تعرف الموظف العام من الناحية الإدارية :
هـــو الشخص الذي يساهم في عمل دائم في مرفق عام تديره الدولــــة،
وغيرها من الوحدات الإدارية بأسلوب الاستغلال المباشر، وتكون مساهمته في ذلك العمل عن طريق إسناد مشروع لوظيفة ينطوي على قرار بالتعيين من جانب الادارة وقبول هذا التعيين من صاحب الشأن.(2)
(1) القانون رقم 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته.
(2) د . رمسيس لهنام الجرائم المضرة بالمصلحة العامة.
جريمة الاختلاس الصفحة 05
4- تعرف الموظف العام من الناحية القضائية:
هو كل ما تناط به إحدى وظائف الدولة العامة في نطاق وظيفة إحدى السلطات الثلاث سواء كان مستخدما حكوميا أو غير مستخدم براتب أو بغير راتب وإنما يشترط أصلا أن تكون في نطاق شؤون الدولة ويكون اختصاصه إليه بطريق الانابة أو بطريق التعين على مقتضى أحد النصوص الدستورية أو التشريعية أو من المعينين في وظائف حكومية تابعة لأحدى الوزارات أو الهيئات أو المؤسسات العامة .
وإضافة إلى ما ذكـــر فقد يشمل معنى الموظف العام "كل شخص يتمتع ولو بنصيب من الاختصاص في خدمة الدولة أو أي مرفق عام وله الحق بهذه الصفة أن يتسلم أموالا أو أشياء تحفظ لديه وبحوزته"
تتطلب غالبية جرائم العدوان على المال العام صفة الموظف العام إذ لم تكن كلها باعتبارها ركنا في الجريمة، ويترتب على عدم تحقيقه انتقاء الجريمة أو تعبير الوصف
القانوني للفعل المجرم وعليه يظهر أن السياسة التشريعية السلبية تفترض الأخذ بمدلول
واحد للموظف العام في الجرائم التي تعد فيها هذه الصفة ركنا في الجريمة وباعتبارها جميعا من جرائم الوظيفة التي تقع من الموظف.
وينبغي مد هذا المفهوم إلى الجرائم التي تتطلب هذه الصفة سواء كان الموظف جانيا أو مجنيا عليه فهو في كلتا الحالتين يمثل الدولة وهيبتها وكرامتها في أعين المواطنين ومن ثمة تجب الحماية منه بقدر ما تجب الحماية له.
المبحـــث الثـــاني: مـوضوع الجريمــة
المطلب الأول : الممتلكات العمومية :
تنص المادة 02 من قانون الوقاية من الفساد و مكافحته : على أن الممتلكات هي الموجودات بكل أنواعها سواء كانت مادية أو غير مادية منقولة أو غير منقولة ملموسة أو غير ملموسة و المستندات أو السندات القانونية التي تثبت ملكية تلك الموجودات أو وجود الحقوق المتصلة بها . (1)
(1) القانون رقم 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته.
جريمة الاختلاس الصفحة 06
كما تنص المادة 17 من القانون رقم 10/84 المؤرخ في 30/06/1985 المتعلق بالممتلكات الاقتصادية كما يلي:
تعتبر الأملاك الاقتصادية التابعة للمجموعة الوطنية الثروات الطبيعية وكذا مجموع الممتلكات و وسائل الإنتاج و الاستغلال ذات الطابع الصناعي و التجاري و الفلاحي و المتعلقة بالخدمات التي تملكها الدولة المحلية التابعة لها .
كما تنص أيضا المادة 16 من نفس القانون على ما يلي :
تتكون الأملاك الاقتصادية التابعة للمجموعة الوطنية مما يلي :
- الأملاك الاقتصادية .
- الأملاك الاقتصادية للولاية .
- الأملاك الاقتصادية للبلدية .
يخضع توزيع الممتلكات التابعة للأملاك الاقتصادية بين الدولة و الولاية و البلدية للأحكام المنصوص عليها في القوانين و الأنظمة المطبقة في هذا الميدان .
نستخلص أن الأصل في المال العام أنه المال المملوك للدولة المخصص للمنطقة العامة و هكذا يرتكز المفهوم القانوني الحقيقي للمال العام على عنصرين صفة المال و التخصيص للمنفعة العامة .(1)
المطلب الثاني : الأموال والأوراق المالية :
الأموال :
المقصود بالأموال النقود الورقية و المعدنية ،و يقصد بالأموال الخاصة ذلك المال المودع لدى أمين الضبط بالمحكمة أو المجلس و المحكمة العليا او مجلس الدولة و كذلك الأموال المودعة لدى الموثقين و محافظي البيع في المزاد العلني.(2)
(1) جرائم الاعتداء على الاموال العامة و الخاصة ، الاستاذ عبد العزيز سعد – دار هومة.
(2) الجرائم المضرة بالمصلحة العمومية ، د . رميس سام ، منشأة المعارف الاسكندرية.
جريمة الاختلاس الصفحة 07
الأوراق المالية :
و تتمثل في الأسهم العادية والأسهم الممتازة ،فالاسهم العادية هي إحدى الأدوات المالية التي تتداول في السوق الثانية و هي عبارة عن أوراق مرقمة ليس لها تاريخ استحقاق و هي تمثل مقدار الاشتراك في رأس مال الشركة ،لذلك يقسم رأس المال (المتداول) الى أجزاء متساوية و يسمى كل جزء بالسهم.
أما الأسهم الممتازة فهي عبارة عن شهادات تصدرها الشركات للتزود برؤوس الأموال عند الحاجة مثلها في ذلك مثل الأسهم العادية إذ تمثل هي الأخرى ملكية للمساهم الممتاز لجزء من الشركة ،كما ان للسهم الممتاز قيمة اسمية و قيمة دفترية و اخرى سوقية و ليس له تاريخ استحقاق و يختلف المساهم العادي عن المساهم الممتاز لكون أن هذا الأخير له الأولوية في الحصول على الأرباح المقررة للتوزيع وكذا الأسبقية لاسترجاع أمواله المستثمرة عند تصفية الشركة و له الحق أيضا في الأرباح السنوية تحدد بنسبة مئوية من القيمة الاسمية للسهم.(1)
المطلب الثالث: تعريف العقود و الوثائق و السندات :
العقود: إن العقود تكون تجارية أو مدنية حسب صفة الشخص أو صفة العمل و العقود التي يبرمها التجار ثلاثة أقسام:
- العقود التي تبرم مع تاجر آخر .
- العقود التي تبرم مع غير التجار من العملاء .
- العقود التي لا تتصل بالتجارة .
ولكن العقود التجارية تختلف كثيرا من العقود المدنية خصوصا في الدول الرأسمالية و قد تختلف القوانين الجزائرية كما هو الحال في عقود النقل و الوكالة و العمولة و السمسرة و غيرها .
بينما قد لا تختلف عن عقود البيع كثيرا إلا ببعض الأجزاء التفصيلية كعدم التقليد بكتابتها أو عناصر لا تدخل في تكوين العقد كالقصد في إبرامها.(2)
(1) الجرائم المضرة بالمصلحة العمومية ، د . رميس سام ، منشأة المعارف الاسكندرية.
(2) نفس الرجع.
جريمة الاختلاس الصفحة 08
مفهوم السندات:
السندات عبارة عن صكوك ذات قيمة اسمية واحدة قابلة للتداول و غير قابلة للتجزئة تصدرها الشركات المساهمة و تعفي للمكتتبين مقابل المبالغ التي اسلفوها للشركة و الواقع ان الحاجة الى المال هي التي تدفع الشركة المساهمة الى إصدار هذه السندات و الاقتراض من الجمهور بمقتضاها .(1)
مفهوم الوثائق الرسمية ( المحررات الإدارية ): تصدر عن جهات الحكومة سواء كانت في الحكومة المركزية او الحكومة اللامركزية بمرافقها الاقليمية ( المحافظات، المدن ) او المصلحة ( الهيئات و المؤسسات العامة) و تختلف هذه المحررات باختلاف أوجه نشاط الدولة مثال ذلك القرارات الإدارية التنظيمية و الفردية و المحررات التي تصدر على يد الموثقين المختصين بإثبات إقرارات و اتفاقيات ذوي الشأن و إعطائها الصفة الرسمية .(2)
المبحــث الثــالث: أركان جريمـة الاختلاس
يتطلب قيام جريمة الاختلاس للمال العام توافر أربعة أركان:
- الركن الأول: الركن الشرعي.
- الركن الثاني: الركن المادي: وهو فعل الاختلاس الذي يقع على المال بحوزة الجاني بسبب الوظيفة.
- الركن الثالث: القصد الجنائي ( الركن المعنوي ) .
- الركن الرابع: الركن المفترض ( الصفة الخاصة ) .
(1) الجرائم المضرة بالمصلحة العمومية ، د . رميس سام ، منشأة المعارف الاسكندرية.
(2) نفس الرجع.
جريمة الاختلاس الصفحة 09
المطلب الأول : الركن الشرعي :
و هو نص المادة 29 من القانون رقم 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته ، الناصة على يعاقب "يعاقب بالحبس من سنتين(02) الى عشر سنوات (10) و غرامة مالية من 200000 الى 1000000 دج كل موظف عمومي يختلس او يتلف أو يبدد أو يحتجز عمدا و بدون وجه حق أو يستعمل على نحو غير شرعي لصالحه أو لصالح شخص أو كيان أخر ، أية ممتلكات أو أموال أو أوراق مالية عمومية أو خاصة أو أي أشياء أخرى ذات قيمة عهد بها اليه بحكم وظائفه أو بسببها." (1)
المطلب الثاني: الركن المادي:
يتحقق الركن المادي في جريمة الاختلاس بإتيان الجاني فعل الاختلاس الذي يقع على المال العام الذي بحوزته بسبب وظيفته و يمكن تفصيل الركن المادي في موضوع الاختلاس و فعل الاختلاس.
أ- موضوع الاختلاس:
1- المقصود بالاختلاس:
موضوع الاختلاس هو مال يحوزه الموظف حيازة ناقصة بحكم وظيفته ويشترط في المال موضوع الاختلاس أن يكون منقولا رغم ان المشرع لم يصرح بهذا الشرط لان هذا هو ما يتفق مع الحكمة من تجريم اختلاس الأموال التي يحوزها الموظف بسبب وظيفته و هي المحافظة على مابين يديهم من أموال، وتلك الحكمة لا تتحقق الا بالنسبة للأموال المنقولة اما العقارات فلها في ثباتها الحماية الكافية و المنقول هو كل شئ مادي يمكن نقله من مكان إلى أخر و لو أدى النقل إلى إتلافه ولا أهمية للشخص مالك الأعمال الذي تقع عليه جريمة الاختلاس فالمال موضوع جريمة الاختلاس هو مال عام و خاص متى وجد في حيازة الموظف بسبب وظيفته ،
(1) القانون رقم 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته.
جريمة الاختلاس الصفحة 10
و هذا ما يتفق مع علة تجريم الاختلاس التي لا تقتصر على حماية الأموال العامة و إنما تشمل كذلك حماية الثقة في الدولة متمثلة في شخص موظفيها المنوط لهم بمقتضى وظائفهم تسلم المال من الأفراد و لا شك في انه مما يخل بهذه الثقة أن يستولي الموظف على مال تسلمه من مالكه بحكم وظيفته، و اذا وقع اختلاس المال المملوك للأفراد فلا أهمية لمعرفة مالك المال فقد يكون مجهولا ان علة التجريم ليست حماية ملكية الفرد لحاله فهذه الحماية تضمنها نصوص اخرى في قانون العقوبات و إنما المحافظة على المال الذي يوجد بين يدي الموظف لحكم وظيفته ضمانا لثقة الافراد في الدولة. (1)
2- حيازة الموظف للمال العام بسبب وظيفته:
إن حيازة الموظف العام للمال العام حيازة ناقصة تسمح له بالسيطرة عليه دون ان يكون مالك عليه فالموظف يحوز المال باسم الدولة و لحسابها و يلتزم لرد هذا المال أو استعماله او التصرف فيه على الأوجه التي يحددها القانون و تضل للموظف الحيازة الناقصة و لو ثقل المال الذي يحوزه خلافا للقانون إلى مكان أخر لنقله الى منزله مثلا، و اعتباره حيازة للموظف للمال حيازة ناقصة يترتب عليه ان جريمة الاختلاس لا تقوم اذا استلم الموظف المال على سبيل حيازة كاملة، كما لو تصرف في جزء من مرتبه او مكافأته لذلك، لاقيام بجريمة الاختلاس اذا كانت يد الموظف على المال يد عارضة، بان قد تسلمه و كلف بنقله من مكان إلى أخر و من باب أولى يوجد لجريمة الاختلاس اذا لم تكن هناك حيازة المال من قبل الموظف اذا الاختلاس لا يقع الا ممن يحوز المال وقت ارتكاب الجريمة.
ولا يكفي ان يكون الموظف حائزا للمال حيازة ناقصة بل يتعين لقيام جريمة الاختلاس ان يكون وجود المال في حيازته بسبب الوظيفة أي ان تتوافر صلة سببية بين اكتساب حيازة المال و ممارسة الاختصاصات المخولة للموظف بناءا على القانون.(2)
(1) الجرائم المضرة بالمصلحة العامة ، د . رمسيس لهنام المكتبة القانونية.
(2) نفس المرجع.
جريمة الاختلاس الصفحة 11
كما يعتبر المال في حيازة الموظف بسبب الوظيفة اذا وجد بين يديه بمقتضى وظيفته بان كان من خصائص هذه الوظيفة ان تجعل في متناول يده و تطبيقا لذلك يرتكب جريمة الاختلاس رجال الضبط القضائي الذي يضبط أثناء تفتيشه لشخص المتهم او منزله أشياء ثم يستولي عليها لنفسه او يستبقي منها، فالقانون لا يتطلب سوى أن تكون الوظيفة هي سبب حيازة الموظف للمال أي أن الموظف قد اعتمد على حيازته للمال على سلطة وظيفته سواء وافق سلوكه الوظيفة او خانها.
وتتوافر رابطة السببية بين حيازة المال و الوظيفة أيا كان مصدر اختصاص الموظف
بحيازة المال فيستوي أن يكون تحويل هذا الاختصاص بمقتضى قانون او لائحة او قرار إداري أو أمر لرئيس إداري أو أن يكون توزيع العمل في الدارة قد اقتضى إسناد حيازة المال إلى الموظف بل انه لا يلزم أن يكون وجود المال في حيازة الموظف من الأمور التي تقتضيها وظيفته الأصلية و دائما يكفي إن يكون منتدبا بصفة مؤقتة لعمل يخوله حيازة المال سواء كان تكليفه بهذا العمل مكتوبا أو شفويا.
وإذا وجد المال في حيازة الموظف بسبب الوظيفة فلا أهمية بعد ذلك اذا كان قد قيد بهذا المال بدفاتره ام لم يقيده ، تسلمه بإيصال عرفي او بدونه فالأموال التي تسلم لامين الخزينة لتوريدها الى خزانة الدولة سداد لرسوم او ضرائب مقررة تقوم باختلاسها الجريمة و لو كان الأمين قد تسلمها بمقتضى إيصال عرفي او دون ان تعطي عنها إيصالات مطلقا لأصحاب الشأن و تكون الحيازة بسبب الوظيفة و لو لم يكن الموظف قد ادخل بعض المال الذي تسلمه في الخزينة العامة او في المكان المخصص لحفظه و تخزينه.
فاذا انتقلت رابطة السببية بين الوظيفة ووجود المال في حيازة الموظف بان كان المال قد دخل في حيازته بمناسبة الوظيفة و ليس سببها فلا تقوم في حقه جريمة الاختلاس و لا ينطبق على فعله نفس المادة 29 من القانون رقم 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته و انما يكون قد ارتكب جريمة خيانة الامانة او جريمة الاستلاء بدون وجه الحق على المال العام اذا توفرت اركانها، ويتحقق هذا حين لا يكون عن اعمال وظيفة المتهم ان يتسلم المال العام الذي وصل الى حيازته اما لأنه تطاول ومد يده الى مال في حيازة موظف اخر غيره بدون ان يكون له الحق في هذه
جريمة الاختلاس الصفحة 12
الحيازة أي نصيب من الاختصاص و اما لان صاحب الشان ائتمن المتهم فيها ليس من اختصاصه ان يكون امينا عليه فسلم له المال بناءا على ثقة شخصية وضعها فيه و تطبيقا لذلك لا ترتكب جريمة الاختلاس المنصوص عليها في المادة 29 ( ق و ف م) (1) مثل موظف الشهر العقاري الذي يأتمنه على ثمن المشتري على المبيع ليحفظه لديه الى حين دفعه للبائع بعد التوقيع على عقد البيع ولا يرتكبها مأمور الضرائب الغير متخصص الذي يتسلم الممول مبالغ الضريبة على سبيل الوديعة ليخفضه له لحين حلول موعد سداد الضريبة.
ففي هذه الأحوال لا تكون حيازة المال بسبب الوظيفة، وانما مناسبة الوظيفة فحسب فلا يطبق نص الاختلاس.
ب- فعل الاختلاس:
يتحقق الركن المادي لجريمة الاختلاس باضافة الجاني المال الذي يحوزه بسبب الوظيفة الى ملكه الخاص و تصرفه فيه تصرف المالك، ولا يختلف مدلول الاختلاس في هذه الجريمة عن مدلوله في جريمة خيانة الامانة فجوهر الاختلاس هو تغيير لنية المتهم الذي يترتب عليه تغير لصفة الحيازة التي يحولها المتهم من حيازة ناقصة الى حيازة كاملة تخوله حق التصرف في المال تصرف المالك في ملكه، لكن الاختلاس لا يقوم بمجرد تغير النية لان ذلك عمل نفسي بحث يستحيل القطع بوجوده وانما لا بد من توفر ماديات تسانده و يستدل منها على نية الحائز تغير صفته على المال، وقد عرفت محكمة النقض المصرية الاختلاس على هذا النوع "الاختلاس هو قيام الجاني بتصرف في المال الذي بعهدته على اعتبار انه مملوك له، وهو معنى مركب من فعل عادي وهو التصرف في المال ومن فعل قبلي يقترن به وهو نية إضاعة المال على ربه".(1)
(1) د . محمد زكي أبو عامر – قانون جنائي- قسم خاص.
جريمة الاختلاس الصفحة 13
و على ذلك يتحقق الركن المادي لجريمة الاختلاس إذا أضاف الجاني المال المملوك للغير الى ملكه مع اتجاه نيته إلى اعتباره مملوكا له ويستدل على هذه النية بأي فعل يفيد توافرها مثال الأفعال الكاشفة عن تغير نية الموظف تجاه المال لان يعرضه للبيع أو الرهن مدعيا انه مالكه او إن يبيعه او يرهنه فعلا أو أن يسحب الموظف المال الذي في عهدته من الخزانة و يودعه باسمه في احد المصاريف و يدعى انه لم يستلم المال أو ينقله إلى مسكنه أو مسكن احد أقاربه، ثم ينكر انه فعل ذلك حينما يطالب بالرد، أو يدعي هلاكه أو سرقته إلى غير ذلك من الأفعال الكاشفة من انعقاد نية الموظف على تحويل حيازته الناقصة إلى حيازة كاملة و يدخل في إعداد هذه الأفعال تبديد الموظف الشئ الذي في عهدته فالتبديد ينطوي بالضرورة على الاختلاس لان التصرف لا يباح إلا للمالك أو من يعمل باسمه، و على ذلك اذا انفق الموظف النقود التي في عهدته في شؤونه الخاصة او اقرضها أو باع أثاث مكتبه او وهبه فهو مختلس ولا يشترط لاعتبار الفعل الصادر من الموظف محققا للاختلاس خروج المال الذي تصرف فيه بالفعل من حيازته، بل تقوم الجريمة بهذا التصرف و لو كان المال لا يزال موجودا في المكان المعد لحفظه اصلا، لذلك تقوم جريمة الاختلاس في حق امين المستودع اذا قام ببيع الاشياء المودعة به الى شخص و تسلم جزءا من ثمن البيع، ثم الاشياء المبيعة قبل اتمام نقلها من المستودع.
و لا يحول دون قيام جريمة الاختلاس احتجاج الموظف بان له في ذمة الدولة مالا و انه يدفع بالمقابل بين حقه و ما اختلسه عن نفسه بوجود مرتب له مستحق قبل الدولة او الجهة التي يعمل بها و لو كان هذا المرتب وقت الاختلاس يزيد عن ثمن قطعة الاثاث.
كما لا يجوز الدفع في ذمة الشخص الذي سلمه المال لحساب الدولة دينا محقق الوجود وانه استولى على المال سدادا لهذا الدين لكن تنتهي جريمة الاختلاس في حق الموظف الذي كلفته الدولة او الجهة التي يعمل بها بتسليم نقود لأحد الأشخاص إذا احتفظ بهذه النقود استفاد لدين له في ذمة هذا الشخص، بشرط ان يكون الدين حلا و غير متنازع فيهو ليس بشرط لقيام الجريمة ان يترتب عليه ضرر فعلي للدولة او غيرها لان القانون لا يتطلب ان تتحقق النتيجة الإجرامية من الاختلاس و تطبيقا لذلك لا تنفى
جريمة الاختلاس الصفحة 14
الجريمة برد مقابل المال المختلس بعد تمام الاختلاس و لو حصل الرد بمبادرة من الفاعل نفسه دون ان يطالب بذلك فالقاعدة انه اذا توافرت اركان الجريمة قامت المسؤولية و استحق العقاب.
كما ان المبادرة برد المال دون المطالبة أو فور المطالبة او مجرد ظهور العجز في عهدة الموظف قد ينهض قرينة على انتفاء القصد الجنائي لديه و عدم وجود نية الاختلاس على الإطلاق و مع ذلك توجد حالات لا تتحقق فيها جريمة الاختلاس في حق الموظف و يحدث ذلك في الحالات التي لا يكشف فيها سلوك الجاني بصورة قاطعة عن إرادة تغيير الحيازة الناقصة الى حيازة كاملة لذلك فمن المتفق عليه ان وجود نقص في عهدة الموظف او عجز في حساباته لا يعد بالضرورة اختلاسا الا اذا استطاع القاضي القطع بان هذا العجز يكشف عن وجود النية السابقة لإضاعة المال عن ملكه كما يعد اختلاسا لضرورة تأخر الموظف في رد ما لديه من أموال في الموعد المقرر او حتى عدم قدرته على هذا الرد، فوجود النقص في عهدت الموظف قد لا يكون راجعا الى فعله و إنما الى قوة او حادث فجائي ترتب عليه هلاك الشئ الذي اختفى، مثال ذلك حريق شب في المستودع فأتى على بعض ما فيه و اتلفت محتوياته و وجود عجز في حسابات موظف او تأخره في رد ما في ذمته من أموال رغم مطالبته به قد يرجع الى إهماله او تكاسله او اضطراب او خطا في حساباته او إلى فعل الخير، فإذا لم يستطع القاضي إثبات وجود النية السابقة على سلوك الموظف وجب تفسير الشك لمصلحة المتهم و القول بعدم وقوع الاختلاس.(1)
وأخيرا لا يعد اختلاسا ما جرى عليه العرف من استهلاك الموظفين لأغراض خاصة مثل كمية متسامح فيها عن أوراق الكتابة او الاضرفة او غير ذلك من الاشياء الموضوعة تحت تصرفهم لاستعمالها للأغراض المتعلقة ،لكن تتحقق جريمة الاختلاس اذا قام الموظف بنقل كميات كبيرة من هذه الأدوات الى خارج المكتب و تصرف فيها بالبيع او الهبة او احتفظ بها لنفسه في منزله و تقوم الجريمة في هذه الصورة سواء كان الموظف امينا على المستودع الذي اختلس منه هذه الأشياء او كانت قد سلمت اليه لاستعمالها خلال مدة معينة ورد ما يتبقى لديه منها في نهاية تلك المدة.
د . عبدالله سليمان- دروس شرح قانون العقوبات الجزائري ، قسم خاص.
جريمة الاختلاس الصفحة 15
المطلب الثالــث:القصد الجنــائي( الركن المعنوي):
جريمة اختلاس الأموال الموجودة في حيازة الموظف بسبب الوظيفة جريمة عمدية يتخذ ركنها المعنوي صورة القصد الجنائي ومن ثمة لا تقوم هذه الجريمة بإثبات الإهمال أو التقصير الذي ترتب عليه إضاعة المال على الدولة فاذا هلك المال او سرق او تلف نتيجة تقصير الموظف في الحفاظ عليه فلا تنسب إليه جريمة الاختلاس و ان أمكن عقابه عن جريمة الإضرار غير ألعمدي للأموال و المصالح كما توافرت كافة أركانها كما سنرى و القصد المتطلب في جريمة الاختلاس ليس هو القصد العام بل ينبغي لقيام هذه الجريمة توافر القصد الخاص لدى المتهم.(1)
اولا: القصد العام:
يتحقق القصد العام بعلم الجاني لعناصر الجريمة و إرادته في تحقيق هذه العناصر و العلم بعناصر الجريمة يتطلب انصراف علم المتهم الى ان المال في حيازته الناقصة بسبب وظيفته و ان القانون لا يجيز له التصرف فيه على النحو الذي فعله و انتفاء العلم باي عنصر من هذه العناصر ينفي القصد الجنائي لدى المتهم مثال ان يجهل المتهم ان المال في حيازته ناقصا كما لو اعتقد ان النقود التي اخذها هي جزء من مرتبه كان قد وضعها مع النقود التي يحوزها لحساب الدولة في خزينة واحدة و قد يعتقد المتهم ان المال الموجود في حيازته لا علاقة له بالوظيفة كما لو اعتقد على غير حقيقة صاحب المال قد سلمه له باعتباره وديعة خاصة او على سبيل القرض او سداد للدين له في ذمته، و ليس وفاء ما هو مستحق عليه لخزينة الدولة، وقد يجهل المتهم ان القانون لا يجيز التصرف في المال الذي يحوزه بسبب الوظيفة على النحو الذي فعله و يعتقد على غير الحقيقة ان من حقه هذا التصرف ظنا منه ان القانون يرخص له بذلك او بناء على امر رئيس تجب عليه طاعته او يعتقد انها واجبة عليه، ففي جميع هذه الحالات ينتفي القصد و لا تقوم جريمة الاختلاس و يتطلب القصد العام بالإضافة الى العلم اتجاه ارادة المتهم الى فعل الاختلاس الذي يحقق ماديات الجريمة أي التصرف في المال الموجود في حيازته الناقصة بسبب الوظيفة تصرف المالك.(2)
(1) د . عبدالله سليمان- دروس شرح قانون العقوبات الجزائري ، قسم خاص.
(2) نفس الرجع.
جريمة الاختلاس الصفحة 16
ثانيا: القصد الخاص:
لا يكفي العلم و الارادة لقيام الجريمة كما يذهب اليه الغالب في الفقه المصري أي الاكتفاء بالقصد العام لقيام جريمة الاختلاس و انما يلزم توفر القصد الخاص الذي يتمثل في تملك المال المختلس أي نية المتهم انكار حق الدولة على المال و نيته ان يمارس عليه جميع سلطات الملك و ترتيبا على ذلك لا ترتكب جريمة الاختلاس، الموظف الذي تتجه نيته الى مجرد استعمال المال المملوك للدولة دون ان تتوفر لديه نية التملك مثال ذلك من يستخدم سيارة حكومية في أغراض خاصة متحملا نفقات الوقود اللازم كذلك لا يرتكب جريمة اختلاس الموظف الذي يعمل في صيانة المال العام بقصد تعريضه للهلاك و إضاعته على الدولة فلا تتوفر لديه نية التملك لكن لا ينفي القصد الخاص اذا توافرت نية تملك المال المختلس ان تكون لدى الجاني نية رد المال فيها بعد او بنية تعويض الدولة عن كامل ما أصابها من ضرر نتيجة عمله بل ان رد الشئ المختلس بالفعل بقيمته بعد التصرف فيه لا ينفي القصد الجنائي، ومن باب اولي لا ينفي القصد لتقرير الموظف اقرار يتعهد فيه بالرد لذلك حكم بان مبادرة المتهم بسداد العجز لا ينفي وقوع الاختلاس.
كما لا ينفي القصد الخاص اذا توفرت فيه التملك تعلق الجاني رد المال المختلس على شرط معين مثل حصوله على علاوة او ترقية او تنازل للجهة التي يعمل بها عن حق واجب لما عليه.
و الحقيقة ان القصد الجنائي يندمج ضمن فعل الاختلاس، لان فعل الاختلاس ليس ماديا فقط و انما هو مركب من فعل مادي و نية في اضاعة المال على مالكه و اضافته الى ملك الجاني، و على ذلك فاذا كان الاختلاس يعني تصرف الموظف في المال على اعتبار انه مالك له فان مؤدي ذلك بالضرورة انعقاد نيته على المال و تغيير حيازته بالناقصة الى كاملة.
و اذا توافر القصد الجنائي فلا عبرة بالبواعث على الاختلاس فيستوي ان يكون الباعث على الاختلاس شريفا مثل قضاء حاجة ملحة او مواجهة ظرف طارئ تعرض له الموظف او كون مرتبه ضئيلا لا يكفي تكاليف الحياة الضئيلة ولا يؤثر في قيام الجريمة الباعث الشريف المتمثل في التبرع بالمال لإقامة مشروع خيري، او إنفاقه في مساعدة
جريمة الاختلاس الصفحة 17
الفقراء و المحتاجين او توزيعه على محدودي الدخل و الموزعين او ان يكون الباعث وضيعا مثل الرغبة في الإثراء بغير سبب مشروع على حساب الدولة، او الرغبة في الانتقام من الدولة او غير ذلك من البواعث.
ولا ينفي القصد الجنائي لدى الموظف إطاعته لأمر الرئيس او تصريحه بالتصرف على نحو لايقرره القانون المنظم لكيفية التصرف فيه فليس على المرؤوس ان يطيع الأمر الصادر له من الرئيس لارتكاب فعل يعلم ان القانون يعاقب عليه ما لم توجد قاعدة قانونية تخول للرئيس سلطة اصدار الاوامر بالتصرف في المال الموجود في حيازة الموظف.
ففي هذه الحالة تمتنع مساءلة المرؤوس الذي ينفذ امر الرئيس متى كانت تلزم طاعته او اعتقد بناء على اسباب معقولة ان طاعته واجبة عليه.
ويخضع اثبات القصد الجنائي للقواعد العامة للإثبات، وقد توجد أمرات تدل على توفر القصد مثل فرار المتهم عقب الاختلاس او اختفاءه او التزوير في دفاتره و اوراقه لإخفاء اثار الاختلاس.
المطلب الرابع: الركن المفترض (المادة 29 ق و ف م)
تفترض جريمة الاختلاس كون الجاني موظفا اما وفقا لنص (المادة 29 ق و ف م) بحكم وظيفته بحيازة المال موضوع الاختلاس و قد فصلنا من قبل مفهوم الموظف العام، و راينا ان المشرع قد توسع في تعريف الموظف العام بحيث شمل كل موظف او ضابط عمومي يختلس مالا تحت يديه متى كان المال المختلس مسلما اليه بسبب وظيفته.
اما اختصاص الموظف بحيازة المال فهو عنصر مكمل للصفة الخاصة التي يتطلب القانون توافرها لإمكان قيام جريمة الاختلاس، و يعني ان الصفة الوظيفية التي أتاحت للموظف حيازة المال فقد يكون مكلفا بجبايته باسم الدولة ولحسابها، او بالاستيلاء عليه عنوة باسمها و لحسابها او بمجرد حراسته و المحافظة عليه و انفاقه و التصرف فيه في اوجه معينة، و ليس باللزوم ان تكون حيازة المال لحساب الدولة هي الاختصاص الاصلي للموظف بل يكفي ان يكون ذلك احد الاختصاصات المرتبطة بوظيفته و لو كان اقلها شانا ولا يشترط لثبوت اختصاص الموظف بحيازة الما ل ان يكون المال بين يدي
جريمة الاختلاس الصفحة 18
الموظف المختلس و انما يكفي من اختصاص وظيفته و وصول يديه اى المال فيكون بالتالي مختصا بهذه الحيازة، لكن يكفي لتوفر اختصاص الموظف و حيازة المال بمجرد استطاعته ماديا الى الدخول حيث يوجد المال اذ لم تكن له صفة قانونية في حيازة هذا المال، و تطبيقا لذلك لا يعد مختصا وظيفيا لحيازة المال، فالمرؤوس الذي يستطيع الدخول دون قيد الى غرفة رئيسه التي يوجد فيها المال لا يعد باستيلائه على هذا المال مرتكبا لجريمة الاختلاس لانتقاء الصلة المباشرة بين وظيفة الموظف و حيازة المال كما لا يرتكب جريمة الاختلاس الموظف العام الذي لا شان له بحيازة اموال لحساب الدولة،و لكن يسرت له وظيفته وقوع المال المملوك متناول يديه كما لو تدخل في أعمال الموظفين المختصين بتلك الحيازة و أقحم نفسه فيها هو خارج عن نطاق وظيفته، و يامن هؤلاء الموظفون و تغاضيهم عنه فمثل هذا التدخل لا يمكن ان يضفي عليه الاختصاص بحيازة المال فان استولى على ما حازه من مملوك للدولة بهذه الطريقة فان نص الاختلاس لا يطبق.
خلاصة الركن الرابع من جريمة الاختلاس انه لا ينبغي ان تتوفر صفة خاصة في الجاني و تكون متوافرة اذا كان موظفا عاما في مفهوم المادة (29 ق و ف م) ويعني ذلك ان جريمة الاختلاس لا تقوم اذا انتفت عن المتهم صفة الموظف العام مطلقا او كان موظفا عاما لكنه لا يختص بحيازة المال الذي استولى عليه في الحالة الأولى قد نعد الفعل خيانة أمانة أو سرقة او نصب، و في الحالة الثانية قد تتوفر جريمة أخرى من جرائم العدوان على المال العام، مثل جريمة الاستيلاء بغير حق على المال العام التي يتطلب القانون اختصاص الموظف بحيازة المال.
وإذا دفع المتهم بانتفاء صفة الموظف العام عنه أو زوال اختصاصه بحيازة المال قبل إتيانه الفعل المنسوب إليه أو أن صفته لم تثبت إلا في تاريخ لاحق على هذا الفعل وجب تحقيق هذا الدفع الجوهري فإذا اغفل الحكم تحقيقه و الرد عليه كان قاصرا فقيام الجريمة يتطلب توافر الصفة الوظيفية في الجاني وقت ارتكابه فعل الاختلاس و أن هذه الصفة لم تزل عنه لأي سبب من الأسباب مثل العزل أو الطرد من الخدمة أو غير ذلك، لكن مجرد وقف الموظف عن عمله لفترة أو حصوله على إجازة خاصة لا ينفي عنه
جريمة الاختلاس الصفحة 19
صفة الموظف العام، و كذلك فان استمرار المتهم في مباشرة أعماله الوظيفية من الناحية العملية.
بعد انتهاء علاقاته القانونية للوظيفة لا يضفي عليه صفة الموظف العام المختص بحيازة المال العام، و لو كان لا يزال بحوزته فعلا ما لم يثبت انه كلف رغم انتهاء علاقته بالوظيفة بالاستمرار في العمل ممن يملك هذا التكليف إذا في هذه الحالة يكون موظفا في مفهوم المادة 29 ق و ف م.
المبحث الرابع: عقوبة جريمة الاختلاس و آثارها
المطلب الأول: العقوبة المقررة لجريمة الاختلاس.
إن المشرع الجزائري أورد عقوبات جريمة الاختلاس في المادة 29 ق و ف م على النحو التالي:
يتعرض الموظف العمومي الذي يختلس أو يتلف أو يبدد أو يحتجز عمدا و بدون وجه حق أو يستعمل على نحو غير شرعي لصالحه أو لصالح شخص أو كيان آخر أية ممتلكات أو أموال أو أوراق مالية عمومية أو خاصة أو أشياء أخرى ذات قيمة عهد بها و إليه بحكم وظائفه أو بسببها:
• الحبس من سنتين(02) الى عشر سنوات (10).
• و غرامة مالية من 200000 الى 1000000 دج.(1)
كما نجد ان المشرع الجزائري الذي اضاف على هذه الجريمة حيث اورد في المادة 119 مكرر من قانون العقوبات المعاقبة ب:
• بالحبس من 06 اشهر الى 03 سنوات.
• و بغرامة مالية من 50000 الى 200000 دج.
كل قاضي او موظف او ضابط عمومي او كل شخص ممن أشارت إليهم المادة 119 ق ع تسبب بإهماله الواضح في سرقة او اختلاس او تلف او ضياع أموال عمومية او خاصة او أموال منقولة وضعت تحت يده سواء بمقتضى وظيفته او بسببها.(2)
(1) قانون 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته.
(2) قانون العقوبات 06-23 المؤرخ في 20/12/2006.
جريمة الاختلاس الصفحة 20
كما تجدر الاشارة في هذا الوضع الى المادة 137 ق ع و التي جاء في محتوى نصها ذكر جريمة الاختلاس وذلك في قسم إساءة استعمال السلطة ضد الأفراد حيث أوردها المشرع بسبب سوء استعمال السلطة ضد الأفراد حيث أوردها المشرع بسبب سوء استعمال السلطة الممنوحة للموظف و عاقب عليها المشرع بالحبس من:
• 03 اشهر الى 05 سنوات.
• وبغرامة مالية من 30000 الى 500000 دج.
• و يعاقب بالعقوبة نفسها كل مستخدم او مندوب في مصلحة البرق يختلس او يتلف برقية او يذيع محتواها.
• و يعاقب الجاني فضلا عن ذلك بالحرمان من كافة الوظائف او الخدمات العمومية من خمس (05) الى عشر (10) سنوات.(1)
كما ورد في نص المادة 41 ق و ف م اختلاس الممتلكات في القطاع الخاص بنصها:
• يعاقب بالحبس من ستة اشهر(06) الى خمسة سنوات (05).
• وبغرامة مالية من 50000 الى 500000 دج كل شخص يدير كيانا تابعا للقطاع الخاص
• او يعمل فيه بأية صفة أثناء مزاولة نشاط اقتصادي او مالي او تجاري تعمد اختلاس أية ممتلكات او أموال او أوراق مالية خصوصية او أية أشياء ذات قيمة عهد بها اليه بحكم مهامه.(2)
المطلب الثاني: الاثار الناجمة عن جريمة الاختلاس:
مما سبق ذكره و تبيانه في جريمة الاختلاس التي تعتبر من اخطر جرائم العدوان على المال العام الجرائم المضرة بالمصلحة العامة او الجرائم الاقتصادية و ذلك لصفة مرتكب هذه الجريمة ألا و هو الموظف العام، الذي عينته الدولة في هذا المنصب و استغل هو بذلك الثقة المعطاة له، و اخل بها و ارتكب جريمة الاختلاس متجاوزا ضميره المهني و السلطة الممنوحة له.
(1) قانون 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته.
(2) نفس الرجع.
جريمة الاختلاس الصفحة 21
و قد جرم المشرع الجاني او القائم على جريمة الاختلاس لما هذه الجريمة من اثر كبير على الاقتصاد الوطني، اذ تعتبر أداة هدم و تخريب غير مباشرة على الاقتصاد الوطني و خزينة الدولة.
تعتبر جريمة الاختلاس من الجرائم الخطيرة كذلك لما لها من دور سلبي و هدام على المجتمع و العلاقات بين الأفراد، اذ انه من شان هذه الجريمة إخلال الثقة بين الأشخاص المتعاملة مع مؤسسات الدولة و حتى فيما بين الأشخاص العاملين في هذه المؤسسات العمومية فان قيام كل موظف بالاختلاس من شانه أن يخلق الفوضى اللامبالاة بين الموظفين يلهى كل موظف بالركض وراء الربح السريع على عاتق المال العام أي بثراء مالي غير مستحق و الذي من شانه ان يجعل مؤسسات الدولة في فوضى عارمة و كانه لا توجد سيادة و لا قانون يحكم مؤسسات الدولة و يحمي المال العام.
و من الأسباب كذلك التي تعد جريمة الاختلاس جريمة معاقب عليها بعقوبات صارمة كونها تمس بالسيادة الوطنية و وحدة المجتمع و كرامة الدولة الجزائرية أمام المجتمعات و البلدان الأخرى فان الأسباب السابقة الذكر من شانها إعطاء صورة سيئة و مزرية للدولة و مجتمعها و اقتصادها و سلامة مؤسساتها و عليه لجا المشرع الجزائري إلى تجريم الاختلاس و وضع له عقوبات صارمة مشددة من شانها ردع كل من يلجا الى ارتكابها.
الفـصــــل الثـانــي
جــــريـمــــة
الـــــغــــدر
جريمة الغدر الصفحة 22
الفصل الثاني: جريمة الغدر
المبحث الأول: مفهوم جريمة الغدر:
نتطرق في هذا الفصل إلى جريمة أخرى من جرائم العدوان على المال العام ألا وهي جريمة الغدر ساعين في ذلك إلى توضيح هذه الجريمة و التطرق إلى جميع جوانبها متبعين المنهج التحليلي في إعطائها مفهوم عام و إبراز الأركان الأساسية لقيام هذه الجريمة ، وذلك نظرا لارتباطها الوثيق بالموظف العام و الاضرار للموظف، ان توهن الاقتصاد الوطني و لو بصفة غير مباشرة و تبسط الفوضى و التصرف الارتجالي و الانفرادي لمختلف الموظفين الذين يسارعون بالتفكير الى الربح السريع و لو حتى على عاتق الثقة و المنصب المعطى لهم وعليه يجب ردع هاته الجريمة و إيقافها و محاولة إزالتها من العقليات المجتمع و ذلك بإعطائها نصوص قانونية و عقوبات صارمة تخصها بالذكر و ذلك محافظة على المصالح العليا للدولة.
المطلب الاول: تعريف جريمة الغدر:
يجرم المشرع في نصوص كثيرة وردت ضمن جرائم العدوان على المال العام محددة في ذلك سلوك الموظف العام الذي يضر بالأموال او المصالح العامة التي تقع على عاتقه.
و جريمة الغدر هي واحدة من الجرائم التي تكمن علة التجريم فيها فيما يمكن ان تسببه هذه الجريمة من الإخلال بثقة المواطن في الدولة ممثلة في أشخاص موظفيها الذين يستغلون سلطاتهم بفرض أعباء مالية تتجاوز ما يفرضه عليهم القانون.
ومعنى الغدر في الجريمة يتحقق من غرض مالي إضافي على مواطن يعتمد على الدولة و يثق في ممثليها، لمعرفة القدر من الأعباء المالية التي يلتزم به في مواجهاتها، فالمواطن لا يتمكن غالبا من معرفة ما يجب عليه ان يدفعه من الضرائب و الرسوم لجهله بالقواعد التي يتم على أساسها تقدير ذلك، ومن ثمة فهو يركن إلى تقدير الموظف المختص بذلك، فان خدعه و طلب اخذ غير المستحق عليه يكون مرتكبا لجريمة الغدر.(1)
(1) الوجيز في القانون الجزائي الخاص (الجرائم الاقتصادية و بعض الجرائم الخاصة) لدكتور أحسن بوسقيعة دار هومة لنشر.
جريمة الغدر الصفحة 23
و بالنظر إلى طبيعة هذه الجريمة، يثور لدينا تساؤل على ملائمة إدراجها ضمن جرائم العدوان على المال العام، إذ لا صلة لها بالمال العام، بل أنها حقيقة من جرائم الوظيفة العامة التي يتمثل جوهرها في تجاوز الموظف حدود وظيفته و هذا إذا نظرنا إلى جانب الجاني الذي يسئ استغلال الوظيفة العامة و يخل بثقة المواطنين فيها، ومن هذه الوجهة كذلك كان من المتصور إلحاق جريمة الغدر بطائفة الجرائم الملحقة بالرشوة.
و اذا كان قانون العقوبات الفرنسي يعتبر جريمة الغدر من جرائم العدوان يكون على المال العام، و ذلك لان المجني عليه لا يكون المواطن لوحده، بل تكون الدولة ذاتها او السلطة العامة، لان الجريمة تقوم كذلك في حق الموظف الذي ياخذ من الدولة مالا على انه مرتب أو مكافأة مستحقة له رغم انه لا حق له فيها بطلبه.
وقد كان القانون الروماني ومن بعده القانون الفرنسي القديم يخلطان بين الغدر و الرشوة، و يقرران عقوبات قاسية للغدر لا سيما عندما يرتكبها القضاة، فمثلا قانون الألواح الاثني العشر كان ينص على عقوبة الإعدام في التطور التاريخي لجريمة الغدر.
وتختلف جريمة الغدر عن جريمة الرشوة رغم ما يجمع بينهما من اوجه للتشابه فكلاهما يشكلان عدوان على ثقة المواطنين في الوظيفة العامة و يقومان عن الاستغلال السيئ لسلطات الوظيفة اذ في الحالتين يطلب الموظف من الأفراد دفع ما لا يلزمهم به القانون، أما أوجه الاختلاف بين الجريمتين فيتمثل في السند الذي يحتج به الموظف في طلب او اخذ ما ليس واجبا على الفرض و يعني ذلك ان اختلاف سند الأخذ أو الطلب أي سند التحصيل le titre de perception وهو معيار التفرقة بين الجريمتين إذا كان الموظف قد طلب او اخذ المال مدعيا انه من قبيل الضرائب او الرسوم او العوائد او نحوها فالجريمة غدر أما إذا كان الموظف قد طلب او اخذ المال على انه هدية او أعطية نظير قيامه بعمل وظيفي فالجريمة رشوة.
وللتفرقة بين الجريمتين من حيث الأهمية القانونية إذ على ضوئها يتحدد موقف المتعامل مع الموظف، فإذا كانت الجريمة رشوة كان مقدم المال راشيا يعاقب بالعقوبة ذاتها المقررة للموظف المرتشي أما إن كانت الجريمة غدر، فان مقدم المال يعتبر مجني عليه و من ثم لا عقاب عليه.
جريمة الغدر الصفحة 24
المطلب الثاني: جريمة الغدر نظرا لنصها القانوني:
إن الغدر هو الفعل المنصوص عليه و المعاقب عليه في المادة 30 من ق و ف م و يقتضي هذه الجريمة أن كل موظف عمومي يطالب او يتلقى او يشترط او يأمر بتحصيل مبالغ مالية يعلم أنها غير مستحقة الأداء او يجاوز ما هو مستحق سواء لنفسه او لصالح الإدارة او لصالح الأطراف الذين يقومون بالتحصيل لحسابهم.(1)
المبحث الثاني: أركان جريمة الغدر:
المطلب الاول: الركن الشرعي المادة 30 ق و ف م:
يعد مرتكبا لجريمة الغدر و يعاقب بالحبس من:
سنتسن (02) الى عشر سنوات (10) و بغرامة مالية من 200000 الى 1000000 دج كل موظف عمومي يطالب أو يتلقى أو يشترط او يأمر بتحصيل مبالغ مالية يعلم أنها غير مستحقة الأداء أو يجاوز ما هو مستحق سواء لنفسه او لصالح الإدارة او لصالح الأطراف الذين يقومون بالتحصيل لحسابهم.(2)
المطلب الثاني: الركن المادي:
أولا: الأخذ و الطلب:
الطلب أو الأخذ لهما ذات المدلول فالطلب يعني مبادرة من الموظف تتمثل في التعبير عن إرادته في حمل الممول على الدفع الغير مستحق، ولا أهمية لشكل الطلب شفهيا او كتابيا و يستوي ان يكون الطلب بعبارة تدل صراحة على مراد الموظف او ان يكون ضمنيا كما ولو حرر الموظف للممول إيصالا ضمنه مبالغ مالية تزيد عن المستحق، أما الأخذ فيعني إدخال الموظف المال الغير مستحق في حيازته سواء سبق ذلك طلبا منه او لم يسبقه، كما لو اقتصر موظف على تناول المبلغ الغير مستحق الذي قدمه له الممول الذي اعتبره خطا انه ضريبة واجبة عليه و الطلب او الأخذ صورتان تبادليتان للفعل الإجرامي في جريمة الغدر توافر إحداهما لقيام الجريمة و الموظف الذي
(1) قانون 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته.
(2) نفس الرجع.
جريمة الغدر الصفحة 25
يطلب غير المستحق يرتكب الجريمة تامة و لو لم ياخذ ما طلبه، و يعني ذلك ان الشروع في جريمة غدر معاقب عليها بالقانون كما اقره المشرع الفرنسي الذي نص على انه في كل الأحوال يعاقب على الشروع في جنحة الغدر بذات الكيفية و المقررة للعقاب على الجنحة ذاتها لان الجريمة في القانون الفرنسي تعتبر مجرد طلب هذا المال شروعا في جريمة الغدر.
كما ان الموظف الذي يأخذ مالا غير المستحق يرتكب الجريمة رغم انه لم يطلب من الممول ذلك اذا كانت الجريمة تقوم بالطلب او بالأخذ فمؤدي ذلك انها لا تقع بالقبول الصادر من الموظف، و يحدث ذلك حين يحظر الممول الموظف الذي يعتقد خطا انه مستحق عليه فيقبل الموظف وعد هذا الممول بالمبلغ الذي يعتقد خطا انه مستحق عليه فيقبل الموظف وعد هذا المسؤول بأداء هذا المبلغ مستقبلا، لكن تقوم الجريمة حيث ياخذ الموظف فعلا في الموعد المتفق عليه بالمبلغ الذي وعد الممول بدفعه إذا كان يزيد وقت دفعه على المستحق و يتحقق الركن المادي لجريمة الغدر سواء اخذ الموظف المبلغ الغير مستحق الذي حصله لنفسه او وضعه في الخزينة العامة، فالمشرع لا يجرم اشراع الموظف العام على حساب المواطن بقدر ما يحمي هذا الاخير من استبداد السلطات العامة، و باعتبار جريمة الغدر هي جريمة الموظف العام فانه لا يحول دون استكمالها اركانها ان يعلم الممول انه يدفع غير المستحق أو أن يرضى بأداء المبلغ الذي طلبه الموظف و أخذه.
ثانيا: إصدار أمر للمرؤوسين بتحصيل ما هو غير مستحق:
يثور التساؤل في حالة صدور الأمر من الرئيس لأحد مرؤوسيه مكلفين بالتحصيل بان يأخذ من الممولين مبلغا يزيد على المستحق المناسب للتحصيل، ويذهب بعض الفقهاء إلى القول بان الأمر بالتحصيل يحقق الركن المادي لجريمة الغدر لان الشروع يكتفي بان يكون للموظف شان في تحصيل المال و هو ما يتحقق بالنسبة للرئيس الذي يشرف على عملية التحصيل دون أن يقوم بها فعلا، فإذا أمر احد مرؤوسيه بتحصيل غير المستحق فقد اتى النشاط غير المشروع الذي يتجه له اختصاصه لكن الرأي الذي نرجحه هو الذي يذهب الى القول بان الطلب هو الذي يتم بمواجهة الممول وليس الحال كذلك بالنسبة لأمر الرئيس الصادر لمرؤوسيه بتحصيل غير مستحق فهذا الأمر لا يحقق
جريمة الغدر الصفحة 26
الطلب بالمعنى الوارد في النص و من ثمة لا يقوم به الركن المادي لجريمة الغدر لكن إذا نفذه الموظف فعلا و من طلب المجني عليه و الأخذ ما ليس مستحقا قامت جريمة الغدر في حقه و اعتبر الرئيس شريكا فيها بالتحريض.
ثالثا: موضوع الطلب او الأخذ:
موضوع الطلب او الأخذ هو ما ليس مستحق من أعباء مالية عامة و الأعباء المالية العامة هي الالتزامات المالية ذات الطابع العام التي تفرضها الدولة أو الأشخاص المعنوية العامة على الأفراد وفق قواعد القانون العام، وهذه الأعباء لها صفة عمومية فتتمتع بميزة التحصيل الجبري من الدولة بوصفها سلطة عامة، وقد أعطى المشرع امثلة لها من ضرائب مباشرة او غير مباشرة و لكن هذه الأمثلة لم ترد على سبيل الحقيقة و لذلك أورد المشرع " تحصيل ما يعلم انه غير مستحق الأداء أو يجاوز ما هو مستحق " و يرجع في تقدير الأعباء المالية العامة إلى القوانين المنظمة له فكل عبأ مالي تفرضه سلطة عامة و تتوافر فيه صفة العمومية و خاصة التحصيل الجبري تقوم بطلبه او أخذه دون أن يكون مستحقا على الفرد لجريمة الغدر.(1)
و بالمقابل لا تقوم جريمة الغدر إذ لم يكن للمال الذي طلبه او اخذ الموظف العام طابع العبا المالي العام، وتطبيقا لذلك لا تقع جريمة الغدر اذا كان المال الذي طلب او اخذ بغير حق إيجار لعقار يدخل في أملاك الدولة الخاصة، او كان المبلغ الزائد قد أخذه محصل الأجرة بالقطارات زيادة على ثمن التذكرة او كان ما حصله الموظف هو زيادة غير مستحقة على ثمن السلعة التي يبيعها باسم الدولة و لحسابها لان الثمن او الأجرة لا يعدان من الأعباء المالية العامة.
و يشترط في العبء المالي العام الذي يقام بطلبه او أخذه أن يكون غير مستحق أو يزيد عن المستحق، و يكون العبا غير مستحق إذ لم يكن له وجود من الناحية القانونية بالنسبة لهذا الموظف بالذات، كما لو طالب الموظف مواطنا بضريبة لا يخضع لها قانونا، كما يكون المال غير مستحق إذا كان العبا قد انقضى بالوفاء أو بالتقادم، و كذلك
(1) الوجيز في القانون الجزائي الخاص (الجرائم الاقتصادية و بعض الجرائم الخاصة) لدكتور أحسن بوسقيعة دار هومة لنشر.
جريمة الغدر الصفحة 27
يكون ما يطلبه الموظف او يأخذ من عبا مالي عام غير مستحق إذا لم يكن قد حل اجل الوفاء به و يعد المال غير مستحق إذا كان ما يطلبه الموظف أو يؤاخذه هو الزيادة على ما يستحق للدولة من عبء مالي.
ولذلك نعتقد أن اضافة تعبير او يزيد على المستحق لا لزوم له لان ما يطلبه الموظف او يأخذه زيادة على المستحق يعد عبئا ماليا غير مستحق أصلا و من ثم كان يكفي تعبير عن الركن المادي للجريمة لطلب او اخذ ما ليس مستحقا.
فاذا كان العبء المالي مستحقا للدولة حسب التحديد السابق فلا تقوم بطلبه أو أخذه جريمة غدر في حق الموظف و لو لم يورد ما حصله انه ضريبة او رسم او نحو ذلك لخزينة الدولة و انما استبقاه لنفسه، فتجريم الغدر لا يستهدف بصفة خاصة حماية حق الدولة على مالها و انما حماية الأفراد من تعسف ممثل السلطة العامة.
و إضافة إلى قيام الأخذ و الطلب من الموظف في جريمة الغدر و موضوع الطلب و الأخذ السابق ذكره، نأتي إلى إن الركن المادي يمكن توافره حسب المادة 31 ق و ف م " كل موظف عمومي يمنح أو يأمر بالاستفادة تحت أي شكل من الأشكال، ولأي سبب كان، و دون ترخيص من القانون، من إعفاءات او تخفيضات في الضرائب او الرسوم العمومية او يسلم مجانا محاصيل مؤسسات الدولة " و عليه فان الموظف الذي يصدر منه فعل مادي بمنح او إعفاء شخص ما بعبء مالي مفروض عليه و مدان به للدولة يكون قد ارتكب جريمة الغدر، هذا الموظف العمومي الذي يعين بموجب الثقة و السلطة المعطاة له مهام تحصيل الأموال العمومية و المحافظة عليها يجب ان لا يخون تلك الثقة و يلج إلى المنع و الإعفاء بتسديد هذه الأعباء المالية المرتكبة على الممول او دافع الضريبة و الرسومات و التكاليف و يتصرف فيها و كأنها من ماله الخاص، و يكون ذلك على وجه التعاطف او المحاباة فان كان قد تلقى مبلغا من الممول من فعله و المتمثل في الإعفاء فانه يمكن هنا وقوع جريمة الرشوة.
و اما من الناحية المذكورة اعلاه في المنع لمنتجات مؤسسات عمومية و اعفاء من تكاليف الرسوم و الضرائب وغيرها فانه يؤدي بالفعل الى ارتكاب جريمة الغدر.
جريمة الغدر الصفحة 28
ومن هذا المنطلق نجد ان الموظف بسلوكه و فعله و المتمثل في المنع و الإعفاء من الرسوم و التكاليف و الضرائب و الأعباء المالية المفروض ورودها الى خزائن الدولة يكون قد ساهم بصفة مباشرة في الضرار بالمال العام و الاقتصاد الوطني.
المطلب الثالث: الركن المعنوي:
جريمة الغدر هي جريمة عمدية يتخذ ركنها المعنوي صورة القصد الجنائي و القصد المتطلب فيها هو القصد العام، وقد تطلب المشرع ركن القصد في هذه الجريمة و حدد نوعها صراحة في قوله:
" ... ما يعلم انها غير مستحقة ".
و ربما قد يؤدي إبراز هذه العبارة من طرف المشرع استهدافا منه للحيلولة دون أي تفسير للنص يترتب عليه اشتراط القصد الخاص لقيام جريمة الغدر، و القصد العام يقوم على عنصري العلم و الإرادة و ينصرف العلم أولا إلى الصفة الخاصة التي تعد ركنا في جريمة الغدر و هي كون الجاني موظفا عاما له الشأن في تحصيل الأعباء المالية العامة فان انتفى علم الجاني بهذه الصفة انتفى القصد الجنائي لديه و تطبيقا لذلك فالموظف الذي يطلب او يأخذ غير المستحق مدعيا على غير الحقيقة على ان له شانا في تحصيل الضرائب او الرسوم لا يرتكب الجريمة لانتفاء قصده الجنائي و لو كانت عملية التحصيل قد أسندت إليه لحظة الطلب او الأخذ دون علم منه بذلك و انتفاء جريمة الغدر هنا لا يمنع من قيام جريمة النصب او الشروع فيها اذا توفرت أركانها.
وينصرف العلم ثانيا الى عدم أحقية الدولة في المبلغ الذي يطلبه او يأخذه الموظف على انه عبء مالي عام مستحق على المواطن، فاذا وقع الموظف في خطا او في قانون غير قانون العقوبات جعله يعتقد وقت الطلب او الاخذ انه يطلب او ياخذ ما تستحقه الدولة او السلطة العامة، انتفى القصد الجنائي لديه، و تطبيقا لذلك ينتفي القصد اذا اخلط الموظف بين شخصين لتشابه الأسماء بينهما فطالب احدهما و اخذ منه المبلغ الواجب على الشخص الاخر، و تطبيقا لذلك ينتفي القصد اذا كان الموظف يجهل صدور قانون ألغى
جريمة الغدر الصفحة 29
الضريبة التي طالب الممول بها او حفظها او اخطأ في حساب الضريبة فطلب ما يزيد عن المستحق او اذا اعتقد خطا ان الممول لا يخضع للإعفاء الضريبي او انه لشريحة على من تلك التي تنطبق عليه حقيقة أي إذا أساء تفسير القانون الذي يفرض الضريبة.
و ينبغي أن تتصرف إرادة الموظف رغم عمله بعدم أحقية الدولة فيها يطلبه أو يأخذه إلى فعل الطلب أو الأخذ فإذا لم تنصرف الإرادة إلى ذلك إنتفى القصد الجنائي لدى الموظف و تطبيقا لذلك ينتفي القصد لدى الموظف الذي يأخذ من الممول مبلغا يزيد عن المستحق كضريبة دون أن يفطن إلى ذلك أو يخطأ لدى عده النقود التي تركها له الممول ففي هذه الحالة لنفي ارادة الطلب او الاخذ لدى الموظف.
وإذا توافر القصد الجنائي بالعلم و الارادة فلا عبرة بالبواعث التي دفعت الموظف الى طلب او اخذ غير المستحق، فالباعث ليس عنصرا في القصد الجنائي، و لا شان له باركان الجريمة، طبقا للقواعد العامة التي تنص عنها جريمة الغدر، و على ذلك يستوي ان يكون باعث المتهم هو الاثراء الشخصي غير المشرع على حساب المواطن او يكون هو اثراء خزينة الدولة، عن طريق زيادة ارادتها و مع ذلك قد يكون للباعث اثر في تحديد العقوبة نوعا و مقدارا.
وينبغي في تبيان الركن المعنوي كذلك السلوك الذي يصدر من الموظف و الذي يقوم و بحكم وظيفته و منصبه كان يكون من مأموري التحصيل القائم بالحسابات على الرسوم و الضرائب، فان قام هذا الموظف بمنع و إعفاء من الرسوم و الضرائب او قام بتخفيضها بنسبة ما او قام بتسليم منتوج من منتجات المؤسسات العمومية مجانا و يكون ذلك لسبب ما كالمحاباة و التعاطف او سبب اخر من غير قبول شئ ما من شانه أن ينص على جريمة الرشوة يكون في نفس الوقت الموظف او المحصل الذي يصدر منه هذا الفعل، و يكون على علم بان هاته الأعباء المالية واجبة و مفروضة على الممول او دافع الرسوم و الضرائب و غيرها فان قام هذا الموظف او محصل الضرائب او واضع جداول التحصيل و كان على علم و دراية بوجوب هذه الاعباء المالية على الممول او المستحقة عليه من طرف مؤسسات الدولة ( أي كانت من المال العام ) فيكون قد ارتكب جريمة الغدر.
جريمة الغدر الصفحة 30
واذا كان علم الموظف او المحصل بان الاعباء المالية المفروضة و الواجبة على شخص ما او ممول قد أزيلت عنه او ألغيت عليه و قام هو بعمل تحصيلها او استقبالها و ضمها الى خزائن الدولة انتفى القصد الجنائي لجريمة الغدر.
ومنه نستخلص انه لابد في كل الظروف من علم الموظف أن الأعباء المالية و المتمثلة في الضرائب و الرسوم و...الخ ملزمة الدفع على الممول و واجبة عليه بمقتضى نص استدلالي او أمر او مرسوم... فان قام هذا الموظف او المحصل في هذه الحالة و لأي سبب كان و بغير تصريح منه القانون بمنع الممول و على أي صورة كانت الاعفاء من الاعباء المالية ( رسوم، ضرائب ) او قام بتسليم منتجات مما تنتجه مؤسسات الدولة مجانا، يكون ارتكب جريمة الغدر.
المطلب الرابع: الركن المفترض ( الصفة المفترضة ):
جريمة الغدر من جرائم ذوي الصفة، ففاعلها هو موظف عام له شان في تحصيل الضرائب و الرسوم أو العوائد أو الغرامات أو نحوها، ويتحدد مدلول الموظف العام على النحو السابق بيانه في جريمة الاختلاس، لكن وصف الموظف العام لا يكفي لتحقيق الصفة الخاصة للفاعل في جريمة الغدر، فقد تطلب المشرع أن تكون للموظف علاقة ما بتحصيل الضرائب و الرسوم و ما في حكمها وليس بلازم لقيام هذه العلاقة أن يكون الموظف مختصا وحده بالتحصيل بل انه لا يشترط ان يكون التحصيل هو اختصاصه الرئيسي فأي قدر من الاختصاص في عملية التحصيل و لو كان ضئيلا يكفي لتوافر العلاقة التي يتطلبها المشرع بين الموظف و عملية تحصيل الضرائب و الرسوم وقد تخير المشرع لبيان علاقة الموظف بعملية التحصيل تعبيرا يدل على رغبته في شؤون كل موظف يتصل بعملية التحصيل عندما اكتفى بان يكون للموظف (شان) في تحصيل الضرائب فهو لم يتطلب ان يكون الموظف (مختصا) بالتحصيل.(1)
(1) الوجيز في القانون الجزائي الخاص (الجرائم الاقتصادية و بعض الجرائم الخاصة) لدكتور أحسن بوسقيعة دار هومة لنشر.
جريمة الغدر الصفحة 31
و تطبيقا لذلك فان كل موظف له شان في عملية التحصيل يمكن ان يرتكب جريمة الغدر اذا طلب او اخذ باعتبار الصفة الخاصة ركنا في جريمة الغدر فان القاضي يلتزم بالتحقيق من توافرها عن طريق بيان الصلة بين اختصاصات الموظف و عملية التحصيل فان انتفت تماما الصلة بين اختصاصات الموظف و عملية التحصيل لم تتوافر فيه الصفة الخاصة التي يتطلبها القانون لقيام جريمة الغدر.
وبناءا على ما تقدم لا تقوم جريمة الغدر اذا كان المتهم غير موظف على الاطلاق، فصاحب المهنة الحرة الذي يطالب الفرد بأتعاب تزيد على ما يستحقه طبقا لقانون او لائحة لا يرتكب جريمة الغدر و لاتقوم الجريمة اذا كان المتهم موظفا عاما لا شأن له في تحصيل الضرائب و الرسوم و لو زعم او اعتقد خطا انه مختص في تحصيل الضرائب ولكن يمكن ان تقوم في هذه الحالة جريمة النصب او الشروع فيه حسب الأحوال.
المبحث الثالث :عقوبة جريمة الغدر و آثارها:
المطلب الأول: العقوبة المقررة لجريمة الغدر:
الغدر خيانة قرر لها المشرع العقوبة الموضحة في المواد 35.31.30 من قانون 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته.
*المادة 30ق ح ف م التي تنص على" يعد مرتكبا لجريمة الغدر و يعاقب بالحبس من سنتين(02) إلى عشر سنوات(10) و بغرامة مالية من200000 دج إلى 1000000 دج كل موظف عمومي يطالب أو يتلقى أو يشترط أو يأمر بتحصيل مبالغ مالية يعلم أنها غير مستحقة الأداء أو يجاوز ما هو مستحق سواء لنفسه أو لصالح الإدارة أو لصالح الأفراد الذين يقوم بالتحصيل لحسابه ".(1)
(1) قانون 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته.
جريمة الغدر الصفحة 32
*المادة 31 ق و ف م التي تنص على "يعاقب بالحبس من خمس (05) إلى عشر سنوات (10) و بغرامة مالية من 500000 دج إلى 1000000 دج كل موظف عمومي يمنح أو يأمر بالإستفادة تحت أي شكل من أشكال و لأي سبب كان، ودون ترخيص من القانون بالإعفاءات أو تخفيضات في الضرائب والرسوم العمومية أويسلم مجانا محاصيل مؤسسات الدولة ".
*المادة 35 ق و ف م التي تنص على "يعاقب بالحبس من سنتين (02) إلى عشر سنوات (10) وبغرامة مالية من 200000دج إلى 1000000دج كل موظف عمومي يأخذ أو يتلقى إما مباشرة وإما بعقد صوري وإما عن طريق شخص آخر، فوائد من العقود أو المزايدات أو المناقصات أو المقاولات أو المؤسسات التي يكون وقت ارتكاب الفعل مديرا عليها أو مشرفا عليها بصفة كلية أو جزئية وكذلك من يكون مكلفا بأن يصدر إذنا بالدفع في عملية ما أو مكلف بتصفية أمر ما ويأخذ منه فوائد أية كانت ".
المطلب الثاني: الآثار الناجمة عن جريمة الغدر:
تعتبر جريمة الغدر من جرائم العدوان على المال العام ومن الجرائم المضرة بالمصلحة العامة فهذه الجريمة تعد من الجرائم الوظيفية العامة لذلك تفترض لقيامها توافر صفة الموظف العام ، فالمال العام الذي يوجد بين يديه و الذي يعمل في خدمة الدولة التي عهدت اليه بهذا المال لتحقيق الصالح العام و من ثم تكون اساءة التصرف في هذا المال إحلالا للثقة التي أولتها الدولة للجاني، و الموظف الذي يعتدي على المال العام باي صورة من صور الاعتداء يكون خائنا للامانة التي حملته الدولة اياه حينما وضعت المال بين يديه ليستعمله في الغرض الذي خصص له يضاف الى ذلك ان هذه الأفعال تؤدي الى الإقلاع من ثقة المواطنين في الدولة التي عهدت الى الموظف بحفظ الأموال المخصصة لتسيير المرافق العامة وذلك حين يرون ان هذه الأموال تنحرف عن تخصيصها لتحقيق مصالح شخصية و إشباع أطماع موظف يسئ استغلال وظيفته، اذ يخل بالمساواة بين الموظفين انفسهم اذ يتمكن من يحوز المال العام و يسئ التصرف
جريمة الغدر الصفحة 33
فيه من الحصول على دخل يفوق ما يحصل عليه غيره من الشرفاء مما يدفعهم الى تقليده و محاكاته بمحاولة الحصول على دخل اضافي من الوظيفة العامة.
ان جريمة الغدر تعتبر من اخطر الجرائم المضرة بالمال العام و بالمصلحة العامة مما لها اثر كبير على اقتصاد الدولة و هيبتها و مساسها بكيان المؤسسات الوطنية و خطورتها الكبيرة على المجتمع و تصرفات الافراد و سلوكاتهم و كذا كونها تشكل خطرا على كيان الدولة مما ينعكس على عدم الثقة فيها و انتشار الفساد و تفشي ظاهرة الغدر و الرشوة و المحاباة مما يؤثر سلبا على التنمية و التوازن الاقتصادي و سمعة الدولة فيؤدي ذلك الى حدوث أزمات و تدهور في نظام الدولة و تسييره كما انها تصيب بالضرر او تعرض للخطر مصالح المجتمع على نحو مباشر وضررها الاجتماعي في الغالب جسيم، فهي قد تهدد كيان الدولة ذاته او تزعزع الاستقرار السياسي و الاجتماعي فيها او تخل بالثقة العامة في مؤسساتها و نظمها الادارية، الاقتصادية و المالية، كما انها جد حساسة تتطور بسرعة وذلك بتأقلمها مع كل الافكار الجديدة و التطورات الحاصلة في المجتمع و في شتى المجالات السياسية، الاقتصادية و الاجتماعية.
كما انها تبسط الفوضى و التصرف الارتجالي و الانفرادي لمختلف الموظفين الذين يسارعون بالتفكير الى الربح السريع و لو حتى على عاتق الثقة و المنصب المعطى لهم، ناهيك عن تسببها في بعث المحاباة و البيروقراطية و استغلال النفوذ و كذلك النتيجة المدمرة التي تتركها في انطباع الدول المنافسة التي لها حساسيات اتجاه دولتنا و التي لا يهمهم سوى تشويه سمعتنا و اللعب بالنزاهة و المساواة و العدل في مجتمعنا.
و عليه يجب أن تردع هذه الجريمة و إيقافها و محاولة إزالتها من الأذهان و المجتمعات وذلك بإعطائها نصوص قانونية و عقوبات تخصها بالذكر وذلك محافظة على المصالح العليا للدولة.
الخاتمـــة الصفحة 34
الخـاتـمة:
من خلال الدراسة التي قمنا بها نجد اننا لم نقم في هذا المقام بتلخيص ما قلناه من قبل في فصول هذا البحث، ذلك لان هذا لا يعدو أن يكون مجرد ترديد و تكرار، و إنما سوف نقوم باستخلاص أهم النتائج التي توصلنا إليها من خلال البحث مع الإجابة القاطعة باننا لم نوفي الموضوع حقه كاملا و لم نستكمله من جميع جوانبه، و رغم الصعوبات و العراقيل التي صادفتنا في بحثنا هذا من نقص المراجع، وضيق الوقت و تعقيد الموضوع محل الدراسة، إلا أنها تعتبر محاولة دارس باحث يهدف إلى تسليط الضوء على جرائم العدوان على المال العام، وخاصة جريمتي الاختلاس و الغدر لما تشكلانه من خطورة على الدولة و مؤسساتها من خلال زعزعة الثقة بين المواطن و دولته التي هي أساس التقدم لأي مجتمع كان.
ويبدو جليا أن منهج الدراسة المتبع هو منهج تحليلي و على ضوءه قمنا في هذا المقام بإبراز أهم النتائج و الأسباب التي تساهم في استفحال و تطور جريمتي الاختلاس و الغدر المرتكبة من طرف الموظف العام أو من يقوم مقامه، ويكون محلها المال العام او الخاص او السندات و العقود،و ترتكب الجريمة أثناء أداء الموظف العام وظيفته او بسببها و نذكر من نتائجها: التأثير الكبير بالسلب على الاقتصاد الوطني و تخريبه و تهديمه بطريقة غير مباشرة، إخلال و انعدام الثقة بين المواطن ودولته و بين الموظفين و المواطنين في حد ذاتهم، التجاء الموظف العام إلى الربح السريع على عاتق المال العام و على حساب الثقة المعطاة له، إثراء مالي غير مستحق و المساس بهبة و سيادة الدولة و وحدة المجتمع و كيانه.
و الأسباب التي أدت الى استفحال و تطور الجرائم المضرة بالمصلحة العامة و خاصة جريمتي الاختلاس و الغدر نذكر منها:
غياب الرقابة الإدارية، عدم صرامة القوانين، انعدام الردع العقابي، انتشار الرشوة في سلك العدالة، مركزية أوامر التحقيق، غياب الرقابة الاجتماعية، سوء اختيار الموظفين،
الخاتمـــة الصفحة 35
ناهيك عن التلاعب بأملاك الدولة... وعليه ارتأينا إلى وضع بعض الحلول للحد من هاته الجرائم المضرة بالمال العام ويتبلور ذلك في:
إصلاح العدالة و تطبيق القانون دون هوادة، غرس الوعي الاجتماعي بين الشعب، نشر الإحساس بانعكاسات الجريمة السلبية على الأمد القريب و البعيد، تشديدي الرقابة على الموظفين في البنوك، البريد، القباضات، الضرائب...، تنصيب رجال مهنة شرفاء دون محاباة و محسوبية و الاستفادة من التجارب السابقة و خاصة في وقت أصبحت فيه المؤسسات الجزائرية هشة البنيان وبحاجة الى دعامة قوانين صلبة و خطة اقتصادية واضحة لا متغيرة بتغير الحكومات.
ان جريمتي الاختلاس و الغدر و جرائم العدوان على المال العام بصفة عامة تعتبر من الجرائم المتطورة مع تطور المجتمعات لكن الفساد الذي تتركه هذه الجرائم ليس ناشئا من التطور الايجابي و انما هناك ظروف تساعد على تطور و استفحال الجرائم الاقتصادية في المجتمعات، كالفقر و انعدام تساوي فرص العيش و التخلف الاجتماعي و ظهور جماعات المافيا و محولي الأموال العمومية و المتعاملين بالرشوة و الأشخاص معدومي الشرف و الضمير المهني و المسؤولية المهنية و الروح الوطنية، والذين يسهمون في استفحال هذه الظاهرة لاسيما في المجالات التي لها علاقة مباشرة بالاقتصاد.
ونظرا لان هذه الجرائم تعتمد على خصوصيات فنية و علمية من التخطيط المحكم القائم على أدق التفاصيل و الحسابات و خاصة أن مقترفها موظف عمومي اكتسب خبرة في الوظيفة العامة مكنته من رصد قدرات عالية في البحث عن الثغرات القانونية و استغلالها في مناخ ملائم لتحقيق أغراضه غير المشروعة، وعليه تجدر بنا الإشارة إلى انه للعمل على مكافحة هاته الجرائم فيجب أن تدعم مصالح الشرطة بمختلف مديرياتها بعناصر ذوي تكوين متخصص في المحاسبة و العلوم المالية تمكنها من أداء وظيفة البحث و التحري في جرائم العدوان على المال العام و المساس بشرف و عفة الوظيفة العامة.
و نرجو ان نكون قد وفقنا في عملنا البسيط هذا و الله ولي التوفيق.
الـمـراجـع:
الجرائم المضرة بالمصلحة العامة: د.رمسيس لهنام – المكتبة القانونية سنة 1986.
قانون العقوبات الجزائري: الأستاذ أحسن بوسقيعة – منشورات بيرتي 2007.
القانون رقم 06-01 المؤرخ في: 20 ديسمبر 2006.المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته.
الجرائم المضرة بالمصلحة العمومية: د.رميس بسام - منشاة المعارف الاسكندرسة.
جرائم الاعتداء على الأموال العامة و الخاصة: الأستاذ عبد العزيز سعد – دار هومة للطباعة والنشر و التوزيع، بوزريعة – الجزائر- الطبعة الثانية 2006.
قانون جنائي – قسم خاص – د . محمد زكي أبوعامر
دروس شرح قانون العقوبات الجزائري – قسم خاص –د . عبدالله سليمان
الوجيز في القانون الجنائي الخاص لدكتور أحسن بوسقيعة – دار هومة لنشر.