yacine414
2011-04-17, 19:58
المقدمــــة
الفصل الأول: ماهية الجرائم الصحفية وأركانـها
المبحث الأول: ماهية الجرائم الصحفية
المطلب الاول: مفهوم جرائم الصحافة
المطلب الثاني: خصائص جرائم الصحافة
الفرع الاول: العلانية
الفرع الثاني: جرائم النشر جرائم وقتية
المبحث الثاني: أركان الجريمة الصحفية
المطلب الأول: الركن المادي في جرائم الصحافة
الفرع الأول: فعل النشر
الفرع الثاني: النتيجة
الفرع الثالث: علاقة السببية
المطلب الثاني: الركن المعنوي
الفرع الاول: العلم
الفرع الثاني: الإرادة
الفصل الثاني: تنظيم المسؤولية الجنائية وأسباب الإباحة في جرائم الصحافة
المبحث الأول: تنطيم المسؤولية الجنائية
المطلب الأول: المسؤولية الجنائية للأشخاص الطبيعيين
الفرع الأول: الفاعلون في الجرائم التي تقع بواسطة الإعلام المقروء
الفرع الثاني: الشركاء في الجرائم التي تقع بواسطة الإعلام المقروء
المطلب الثاني: المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية
الفرع الأول: أن يرتكب إحدى الجرائم المنصوص عليها على سبيل الحصر
الفرع الثاني: أن تكون الجريمة مرتكبة بواسطة أحد أجهزة أو ممثلي الشخص المعنوي
الفرع الثالث: أن ترتكب الجريمة لحساب الشخص المعنوي
المبحث الثاني: أسباب الإباحة في جرائم الإعلام
المطلب الأول: حق نشر الأخبار
المطلب الثاني: حق النقد
الفرع الأول: تعريف النقد المباح
الفرع الثاني: مجال النقد المباح
الخاتـــــمة
مقدمة:
إن لحديث الحرية سحرا يملك على الإنسان لبه، و يأخذ بمجامع كلية، فهو حديث الأمس و اليوم و الغد الذي لا تمل النفس من ترد يده، لأن الحديث عن القوى المحركة للإنسان، و المفهوم الشامل لمختلف جوانب حياته، و تلك حقيقة عبر عنها جيفرسون (1) بقوله: " ... إن الله قد وهبنا الحياة، و منحنا معها و في ذات اللحظة، و لنفس السبب الحرية..." و من هنا صارت الحرية قيمة خالدة في التمييز الإنساني، و تزداد هذه الحرية قيمة حيث تقترن بالصحافة لأنها من إحدى وسائل التعبير عن الرأي في المجتمع المعاصر، و لا تتوقف حرية الصحافة في الدور الاجتماعي فحسب، و غنما أهميتها على المستوى السياسي لازالت ملء الأسماع ة الآذان، لذلك إذا كان كل مجتمع في حاجة إلى الصحافة فغن المجتمع الديمقراطي فحسب هو الذي يحتاج إلى حرية الصحافة.
إن لكل هذه الأهمية التي نحلها حرية الصحافة في قلب النظام الديمقراطي لا تعني أبدا، انها حرية مطلقة، فالأصل المستقر في الأنظمة القانونية أنه لا يمكن أن تكون الحرية مطلقة با قيد، و إلا انقلبت إلى فوضى، و حملت في طياتها البغي و العدوان على كيدان الدولة و حريات الآخرين، و هذا من شأنه أن يقضي إنكار مبدأ التنظيم الاجتماعي.
و حرية الصحافة باعتبارها وسيلة من وسائل التعبير عن الرأي ليست استثناء من هذا الأصل و هذا ما أكدته المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948 و التي بعد أن نصت على ضرورة ان يكفل لكل شخص الحق في حرية الرأي و التعبير، عادت و قيدت ممارسة هذا الحق بضرورة احترام حقوق و حريات الغير و حماية النظام العام و المصلحة العامة و الأخلاق العامة.
و تأتي الإتفاقية الدولية للحقوق المدنية و السياسية التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16/12/1966 لتؤكد في مادتها التاسعة عشر (19) أن لكل فرد الحق في حرية التعبير و بينت أن هذا الحق يشمل حرية البحث عن المعلومات و الأفكار من أي نوع، و تلقيها دون اعتبار للحدود و فلك إما شفافة أو كتابة أو طباعة سواءا كان ذلك في قالب فني أو باية وسيلة أخرى بحيازتها.
و أصدرت ذات المادة في قدرتها الثانية ( المادة 19 ف 02 ) قيودا طبيعية نجد من ممارسته و هي احترام الغير و سمعتهم و حماية الأمن القومي و النظام العام و الصحة العامة و الأخلاق، و اعتبرت خضوع هذه الحرية لتلك القيود أمره ضروريا لكل مجتمع ديمقراطي.
بل أن الدستور الجزائري حيث بسط حمايته على هذه الحرية قد افترضها حرية مسؤوله و اعتبر حرية متوازنة، محدودة لا مطلقة فالمادة 41 منه تحث على أنه لكل إنسان حق التعبير عن رايه، و نشير بالقول او بالكتابة، أو غير ذلك من وسائل التعبير في حدود القانون، و لما تحدث عن حرية الصحافة و الطباعة و النشر و وسائل الإعلام مكفولة و الرقابة على الصحف محضورة و إنذارها أو وقفها أو إلغائها بالطريق الإدراي محظور، فلا يجوز إيقافها إلا بمقتضى أمر قضائي او إلغاءها بالطريق الغدراي محظورة فلا يجوز إيقافها إيقافها إلا بمقتضى امر قضائي، كما يجوز في حالة إعلان الطوارئ أمر زمن الجري أن يفرض على الصحف و المطبوعات و وسائل الإعلام رقابة محدودة في الأمور التي تتصل بالسهولة العامة و أغراض الأسس العام.
فالمشرع قد أحال إلى القانون لتنظيم المدة الحرية على نحو ما تكتشف عنه عبارة ( في حدود القانون) قد قصد تنظيم هذه الحرية بحيث الأشياء استعمالها فتكون وسيلة للبغي على نظام البلاد أو العدوان على حقوق و حريات الأفراد، فالسلطة لم يغيب عنها انها الصحافة قد اصبحت بانتشارها الواسع، و تقدم فن الطباعة و تنوع وسائل التوزيع قوة مؤثرة، فلم تعد قاصرة على مجرد نقل الأخبار، بل أصبحت من أقوى الوسائل تأثيرات في الرأي العام، و هذا ما جعلها هدفا لجماعات المصالح ليس نفوذهم على الرأي العام خدمة لأغراضهم التي قد تمثل تهديدا للنظام العام، بل إن قوة تأثيرها و سعة إنتشارها قد يغري البعض من الكاذبين و الخائنين لرسالة قدسية الكلمة لإتخاذ الصحف أداة للنيل من كراسة الشرفاء من الناس او المساس بالحريات تحت ستار حرية الصحافة.
لذلك جاء في القانون الإعلام رقم 90/07 المؤرخ في 08 رمضان 1410ه الموافق 03 أفريل 1990 الذي يحدد الاطار القانوني الذي يعمل فيه رجل الإعلام، و يبين أخلاقيات و ممارسة هذه المهنة، كما قرر المشرع في قانون العقوبات الجزائري رقم 06/23 عقوبات لهذه الجرائم من أجل الحد منها و ردعها للحفاظ على النظام العام، و هذا ما سنتطرق إليه من خلال خطة البحث.
الفصـل الأول: ماهيـة الجرائـم الصحفيـة و أركانـها
سنتطرق في هذا الفصل إلى ماهية الجرائم الصحفية و أركانها حيث قسمنا هذا الفصل إلى مبحثين حيث في المبحث الأول تناولنا ماهية الجرائم الصحفية و الذي نتطرق فيه إلى مفهوم الجرائم الصحفية حسب مختلف التشريعات الدولية هذا في المطلب الأول أما في المطلب الثاني فقد تناولنا فيه خصائص الجرائم الصحفية.
أما في المبحث الثاني فقد خصصناه لأركان هذه الجريمة و هذا من خلال مطلبين حيث تطرقنا في المطلب الأول إلى الركن المادي بكامل فروعه و المطلب الثاني الركن المعنوي.
المبحث الأول: ماهية الجرائم الصحفية
الصحافة إحدى المهن السامية حيث تؤدي دورا هاما في الكشف عن الفساد في المجتمعات، و إذا كانت مكبلة بالقيود القانونية و الإدارية كان ذلك عائقا لها في أدائها لوظائفها.
و قد حرصت غالبية التشريعات على وضع تنظيم قانوني لمهنة الصحافة من خلال قانون مستقل،و التشريع الفرنسي من أولى التشريعات التي نظمت مهنة الصحافة بقانون الصحافة الصاد في سنة 1881 الذي مازال ساريا حتى الآن و الذي جاء شاملا معظم جرائم الصحافة تقريبا ما عدا بعض جرائم الصحافة التي وردت في قانون العقوبات الفرنسي الجديد.
و كذا بالنسبة لمصر فقد ظلت الصحافة منظمة بالنصوص الواردة في الباب الرابع عشر من الكتاب الثاني من قانون العقوبات حتى بعد صدور قانون تنظيم الصحافة رقم 96 لسنة 1996 و الذي اقتصر على الحديث على حقوق و واجبات الصحفيين.
أما في الجزائر فجاء قانون رقم 90/07 بتاريخ 13/04/1990 المتعلق بالإعلام و الذي حدد الإطار القانوني الذي يجب أن يعمل به رجل الإعلام في تأدية الرسالة النبيلة.
و قد نص قانون العقوبات الجزائري 06/23 في بعض موارده على جرائم الصحافة كون هذه الجرائم تشكل خيانة تمس بأمن الدولة المادة 62 البند الرابع و التجسس أو جرائم التعدي على الدفاع الوطني.
أو الإساءة إلى رئيس الجمهورية المادة 144 مكرر من ق ع و في هذا المبحث نتطرق إلى مفهوم جرائم الصحافة في المطلب الأول و خصائصها في المطلب الثاني.
المطلب الأول: مفهوم جرائم الصحافة.
الجريمة بوجه عام هي فعل غير مشروع صادر عن إرادة جنائية يقرر له القانون عقوبة أو تدبيرا احترازي ( ) ولا تخرج الجرائم التي تقع بإحدى وسائل العلانية من نطاق هذا الأصل العام لذلك نحاول وضع تعريف لها في ضوء التعريف السابق للجريمة.
و تعرف الجريمة الصحفية بأنها " نشر غير مشروع للفكرة يتمثل في عمل أو امتناع عن عمل نص عليه المشرع في قانون الصحافة الفرنسي 1881 أو الباب الرابع عشر من الكتاب الثاني من قانون العقوبات المصري صادر عن إرادة جنائية يقرر له المشرع عقوبة جنائية.".
و قد أثير التساؤل حول جرائم الصحافة، هل هي احدى جرائم القانون العام أم أنها جرائم متميزة ذات طبيعة خاصة تبحث عن تميزها ببعض الأحكام الخاصة التي تخالف القواعد العامة في تنظيم المسؤولية الجنائية.
فذهب جانب من الفقه إلى أن الجرائم الصحفية تتميز بذاتية خاصة و تجعلها تخرج عن نطاق جرائم القانون العام، و يستند هذا الرأي إلى مجموعة الأسانيد الآتية: ( )
1- إن ما يميز الجريمة الصحفية انها قائمة على إبداء الرأي و الاعتقاد بقصد سيء يعاقب عليه القانون، أي أن المشرع يحرم بمقتضاها الرأي و الإعلان عنه.
اما في نطاق جرائم القانون العام فإن المشرع لا يقتصر على تحريم الرأي و الإعلان عنه و لكن يجزم كل فعل غير مشروع صادر عن إرادة جنائية.
2- إن كل من المشرع الفرنسي و المصري أحاط المسؤولية الجنائية الناشئة عن الجرائم الصحفية بمجموعة من القواعد الموضوعية و الاجراءات التي تخالف القواعد العامة فقد تنظم المشرع الفرنسي قواعد المسؤولية الناتجة عن هذه الجرائم المادتين 42، 43 من قانون الصحافة الفرنسي.
و كذلك فعل المشرع المصري في المادة 195 من قانون العقوبات المصري، كما جعل نظر الجنح التي تقع بواسطة الصحف أو غيرها من طرق النشر عدا الجنح المضرة بأفراد الناس من اختصاص محاكم الجنايات بدلا من المحاكم الجزائية.
و يذهب رأي آخر في الفقه نؤيده إلى أن جرائم الصحافة تعد من جرائم القانون العام و يستند في ذلك إلى الحجج الآتية:
1- أنه بالرغم من إفراد باب خاص من الكتاب الثاني في قانون العقوبات المصري لهذا النوع من الجرائم اعتمادا على أن العلانية شرط لوقوع هذه الجرائم و لكن بالرغم من أنها شرط لوقوع هذه الجرائم، فإن الصحف لكونها وسيلة من وسائل النشر فإن ركنها المادي يتمثل في فعل النشر و نتيجة و علاقة السببية بينهما، و ليست العلانية عنصرا في ركنها المادي، و لكنها شرط لإرتكاب جرائم الصحافة، و هي كما تحقق عن طريق النشر في الصحف تتم بوسائل أخرى.
2- إن الجريمة الصحفية و إن كانت تتميز من خلال ركنها المادي النشر، إلا أن النشر لا يغير من طبيعتها و يجعلها ذات حيان خاص يختلف عن جرائم القانون العام، فجرائم السب و القذف الإهانة و التحريض تقوم على ذات الأركان و العناصر سواء إرتكبت بطريق الصحافة أو بطريق آخر من طرق العلانية.( )
3- تجنب معظم التشريعات اصطلح جرائم الصحافة Delites de presse و تؤثر عليه تعبير الجنايات و الجنح التي تقع بواسطة الصحف و غيرها من طرق النشر.
« Des crimes et delites comme mis par la voie de la presse ou par tout autre moyen de publicication ».
و هو تعبير أقرب للحقيقة، و قد استعمله قانون الصحافة الفرنسي 1881 و استعمله قانون العقوبات المصري في الباب الرابع عشر من الكتاب الثاني الخاص بجرائم الصحف و غيرهما من طرق النشر.
فمن الخطأ النظر إلى الجرائم التي ترتكب بإحدى العلانية في نفوس القراء و الضرر الذي يصيب المجني عليه – و هو ما يعطي لهذه الجرائم أهمية خاصة – إلا أن ذلك لا يبرز من الوجهة النظرية – النظر لها على أنها نوع خاص من الجرائم.
فالوسيلة التي استخدمت في ارتكاب الجريمة تم النشر و الإذاعة لا تغير شيء في طبيعة الجريمة ( ) ذلك أن القانون كمبدأ عام – لا يقيم وزنا من حيث التجريم بين الوسائل و الطرق التي يمكن أن تتحقق بها الجرائم، فكما انه لا فرق بين من يستخدم عضوا من أعضاء جسمه او من يتخذ سلاحا لارتكاب جريمة القتل فإنه لا فرق أيضا من حيث التجريم بين من يقوم بقذف غيره بواسطة العلانية او بغير هذه الوسيلة. فكل ما هنالك ان ركن العلانية يجعل من بعض جرائم العلانية ظرفا مشددا شانها غالبية الجرائم التي يرصدها لها المشرع عقوبة مغلظة نظرا لاعتبارات معينة بجسامة الفعل أو النتيجة أو صفة المجني عليه.
و قد قيل في هذا الشأن، أنها ليست العبارات و الكتابات هي التي يجرمها القانون و لكن عمل استخدمت فيه العبارات و الكتابات فنشر العبارات بواسطة الصحافة لا يخلف جريمة جديدة و لكن الوسيلة هي التي تغيرت، فالتشديد هنا ليس بسبب قسوة العبارات، إنما بسبب علانية هذه العبارات عن طريق الصحف، و ترتيبا لذلك تدرج المشرع في العقوبة نظرا لتعاظم الضرر عن عقوبة القذف أو السب الذي يقع بإحدى وسائل العلانية العادية في مكان عام أو مطروق أو في مكان خاص بحيث استطاع مشاهدته أو سماعه من كان في مكان عام ) و التي تختلف بدورها عن القذف و السب اللذان يقعان عن طريق الصحف. و من جهة أخرى لا تتغير الجريمة بتغير وسائل الإعلام. فيستوي أن تقع الجريمة بواسطة الصحافة المقروءة أو المرئية أو بالوسائل الالكترونية ( الأنترنيت ).
المطلب الثاني: خصائص جرائم الصحافة
تتميز الجرائم الصحفية عن الجرائم الأخرى ببعض الخصائص و التي نذكرها على التوالي:
الفرع الأول: العلانية
يمتاز الجرائم التي تقع بواسطة النشر و وسائل الإعلام الأخرى جميعها بأنها تتطلب توافر عنصر العلانية تلعب دورا هاما في تحقق الجريمة حيث تعد العلانية في نموذج أول الجرائم النشر عنصرا أساسيا لا تقع الجريمة دونهما، إذ لا يعاقب القانون عن بعض العبارات او الكتابات إلا إذا اقترنت بعنصر العلانية، و هذا النموذج من الجرائم يمثل معظم جرائم النشر، مثال: ذلك جريمة نشر كتابات تسيء إلى سمعة البلاد او نشر أو إذاعة أخبار كاذبة أو نشر ما جرى في الدعاوي التي نظرت في جلسة سرية، او التي قررت المحكمة الحد من علانيتها، أيضا تمثل العلانية عنصرا أساسيا في جرائم التحريض العلني كجرائم مستقلة بذاتها وهي صورة للتحريض غير المتبوع بأثر و الذي يعاقب عليه القانون بمجرد العلانية نظرا لخطورته البالغة على النظام العام. مثال ذلك تحريض الجند علنيا على عدم الطاعة او التحريض العلني على البغض الطائفي أو التحريض العلني على عدم الانقياد للقوانين. ( )
كما أن هناك نماذج من الجرائم تاخذ العلانية فيها حكم الظرف المشدد للعقوبة و يكون ذلك عندما يعاقب القانون على إرتكاب الفعل سواء تحققت العلانية أو لم تحقق مثل ما نصت عليه المادة 463 من القانون رقم 82-04 ( قانون العقوبات الجزائري ) ( يعاقب بغرامة من 30 إلى 100 دج و يجوز ان يعاقب أيضا بالحبس لمدة 3 أيام على الأكثر:
كل من ابتدأ أحد الأشخاص بألفاظ سباب غير علنية دون أن يكون قد استفزه ( ) و من جهة أخرى اتجه المشرع في بعض الحالات إلى تشديد العقوبة في حالة توافر وسيلة معينة من وسائل العلنية كفي حالة ما إذا تحققت العلانية عن طريق الصحف نظرا لاتساع دائرة يودع العبلارات التي تنال من الحق محل الحماية كما نصت عليه المادة 296 من القانون رقم 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006.
و يلاحظ أنه في هذه الحالات لا تتغير طبيعة الجريمة و لكن تختلف وسيلة إرتكابها، فتكون محل اعتبار عند مرحلة تحديد العقوبة المناسبة. فعلى حين أن قانون العقوبات لا يقيم أهمية من حيث التجريم بين الوسائل او الطرق التي يمكن أن تتحقق بها هذه الجريمة، إلا أنه يشدد العقوبة إذا كانت الوسيلة المستخدمة تزيد من جسامة الجريمة. فنشر العبارات بواسطة الصحافة لا يختلف جريمة جديدة و لكن الوسلة هي التي تغيرت. فالتشديد هنا ليس بسبب قسوة العبارات إنما بسبب استخدام هذه الوسيلة.
الفرع الثاني: جرائم النشر جرائم وقتية
تعتبر جميع الجرائم التي تقع عن طريق العلانية كقاعدة عامة جرائم وقتية أي تدخل في مجموعة الجرائم التي ينتهي تنفيذها بتوافر عناصرها المادية، و لا يشترط القانون عناصر أخرى قابلة للامتداد تخضع لسيطرة إرادة الجاني، و من ثم فإن الجرائم التي تقع بواسطة الصحف أو بغيرها من وسائل العلانية التقليدية ترتكب بمجرد توافر ماديات الجريمة فتعتبر الجريمة مستوفية ركنها المادي بمجرد النشر الذي يمس الحق الذي يحميه القانون. هذا بخلاف الحال بالنسبة للجرائم المستمرة التي يستغرق تحقق عناصرها المادية وقت طويل، و تكون فيها إرادة الجاني مسيطرة على ماديات الجريمة خلال هذا الوقت مثال ذلك جريمة إخفاء الأشياء المسروقة أو المتحصلة من جناية او جنحة ففي هذه الأمثلة يكون استمرار ماديات الجريمة متوقفا على إرادة الجاني.
و لا يغير من طبيعة الجريمة امتداد آثار النشر وقت طويل على الرأي العام أو على نفسية المجني عليه او أسرته، طالما أن إرادة الجاني لم يعد لها دور خلال هذا الوقت فهذا النوع من الجرائم ذي أثر ممتد.( ) و تطبيقا لذلك، تعد جريمة وقتية نشر مقال يتضمن سب المجني عليه او لصق إعلانات ماسة بالنظام العام أو الآداب العامة حيث أن إرادة الجاني تتدخل أثناء الكتابة او النشر، ثم يقف دورها عند هذا الحد فلا تستمر إرادة الجاني خلال الوقت الذي يستمر المطبوع متداول بين الأفراد أو بعد لصق الإعلانات.
و تبدو أهمية تصنيف جرائم النشر ضمن الجرائم الوقتية انها تخضع لكل أحكام هذا النوع من الجرائم و من اهمها:
- صدور قانون جديد أسوأ للمتهم لا يؤثر في وضع الجاني طالما ان الفعل قد وقع قبل العمل بهذا القانون. فلا يجوز ان يوقع على الجاني عقوبة أشد من العقوبة التي كانت مقررة وقت إرتكابه الفعل المجرم.
غير أن بقاء المعلومات في المواقع الخاصة بما في الأنترنيت مدة طويلة ليطلع عليها الغير، إحدى سمات الإعلام الإلكتروني.( )
و الواقع أن الجرائم النشر التي ترتكب عن طريق الأنترنيت تقتضي خضوعها لأحكام تتناسب مع طبيعة وسيلة الإعلام الحديدة، و نميل إلى اعتبار جرائم النشر بواسطة الإعلام الالكتروني من الجرائم المستمرة إذا كان النشاط المادي للجاني يظل قائما و ممتدا وقتا طويلا من الزمن و يسيطر خلاله سيطرة كاملة على هذا الإمتداد وفقا للمعيار الذي استقر عليه الفقه. و يترتب على ذلك اعتبار النشر المجرم عن طريق الأنترنيت إحدى تطبيقات الجريمة المستمرة، ذلك ان الجاني يقوم بعرض الكتابات المجرمة او الصور الممقوتة في موقعه الخاص الذي قام بإنشائه و يظل العرض مستمرا طيلة الوقت الذي ينشأ له الجاني هذا الاستمرار إلى أن يقرر إنهاء الوضع الاجرامي الذي حرص على بقائه طيلة هذا الوقت.
فعنصر العلانية بهذه الوسيلة قابل للامتداد في الزمن مدة طويلة و قابلية تنفيذ هذا الامتداد متوقفة على سلوك لاحق من جانب الجاني وحده ( ). و هذا السلوك يتخذ صورة امتناع الجاني عن إنهاء ما أوجده في حالة تخالف القانون. و لا محل لاعتبار هذه الجرائم من الجرائم المستمرة ثابت
Delit continus perper****nt ذلك انه في هذا النوع الأخير تمتد مادياتها فحسب دون معنوياتها و تترتب عليها عدة نتائج منها:
- تعتبر الجريمة واحدة رغم توافر النشاط المادي فترة طويلة من الزمن.
- يطبق القانون الجديد الذي يسيء إلى وضع مرتكب الجريمة في حالة عدم إنهائه بحالة الاستمرار قبل سيران العمل به.
- أن رضاء المجيء عليه بالنسبة لبعض الجرائم كإفشاء الأسرار الخاصة يجب أن يستمر طيلة وقت امتداد السلوك المادي للجريمة ( النشر في موقع الانترنيت ).
و لما كانت ممارسة صاحب الموقع تتوقف على مشيئة صاحب السر و رغبته فغن استمرار الجاني في عرض هذه الأسرار في موقعه الخاص بالرغم من عدول صاحب السر عن رضائه يعتبر مكونا لجريمة انتهاك الحياة لشخصية للغير فيما يتعلق يعتبر مكانا للجريمة كل محل يقوم فيه حالة الاستمرار( ) و يترتب على ذلك ان الاختصاص يكون لأية محكمة تتحقق الجريمة في دائرتها.
تنتمي حالة الاستمرار بإنتهاء الوضع الإجرامي الذي انشأه الجاني و يكون ذلك بمحو جميع الكتابات و الصور المخزنة في الموقع الخاص به، سواء كان العدول اختياريا او جبريا.
كما يمكن الإشارة إلى أن من أبرز سمات الجرائم التي تقع عن طريق الإعلام الالكتروني او بواسطة الأنترنيت انها جريمة عابرة للأوطان، و المشكلة التي يثيرها الطابع الدولي للأنترنيت هو عدم قانون عقوبات موحد يستوعب جميع الجرائم التي يمكن ان ترتكب بواسطة هذه الشبكة او عليها و لكن تتعدد القوانين بتعدد الدول و تختلف الأحكام من دولة إلى أخرى.
المبحث الثاني: أركان الجريمة الصحفية
المطلب الأول: الركن المادي في جرائم الصحافة
وفقا للقواعد العامة يقوم الركن المادي للجريمة على مجموعة من العناصر المادية التي تلحق ضررا ما بمصلحة يجمعها القانون جنائيا و هذه المصلحة المعتدى عليها في جرائد الصحافة قد تكون للأفراد و تتمثل الحق في الحياة الخاصة او الحق في الشرف و الاعتبار و غيرها من الحقوق و قد تكون المصلحة للدولة و تتمثل في الاعتداء على أسرار الدولة و غيرها من أعمال الاعتداء التي تضر بالدولة.
و تقوم جرائم الصحافة على مجموعة من العناصر و هي:
العنصر الاول: هو السلوك الذي يتمثل في نشر الفكرة، و به يتم انتهاء القاعدة الجنائية الآخرة التي تحضر لاعتداء على المصالح الأساسية للأفراد و الدولة.
العنصر الثاني: هو النتيجة التي تحقق على أثر هذا السلوك ففي جريمة السب و القذف يجب ان يترتب على نشر الفكرة المساس بشرف اعتبار المجني عليه من خلال اسناد واقعة باحدى الطرق في الجناية 296، 297 ق.ع ج.
العنصر الثالث: علاقة السببية و هي التي تمثل الصحة بين السلوك و النصوص و هي التي من خلالها يتضح أن النتيجة هي أثر السلوك.
و عليه نقسم هذا الفصل على ثلاثة فروع نتناول في كل منها عنصر من عناصر الركن المادي.
الفرع 1: فعل النشر.
الفرع2: النتيجة.
الفرع 3: علاقة السببية.
الفرع الأول: فعل النشر
الفعل هو النشاط الذي يصدر عن الجاني، و يمثل المظهر الخارجي للارادة الأثمة و من ذلك تنشر ما يمثل اعتداء على الحق في الشرف و الاعتبار أو الحق في الحياة الخاصة لأفراد أو على حق الدولة في الاحتفاض بأسرارها و الذي يمثل إحدى جرائم الصحافة.
و يمثل الفعل النشاط الموجه للاعتداء على الحق الذي يحميه القانون و لذلك فإن المشرع لا يعاقب إلا على الأعمال التنفيذية للجريمة أما الأعمال التحضيرية فلا عقاب عليها و بذلك لا عقاب على المقال.
و قد تم تحديد فعل النشر من خلال القانون 90/07 الصادر بتاريخ 03-04-1990 المتعلق بالإعلام.
المشرع في جرائم النشر يعاقب على السلوك الذي يتضمن أمرين و هما:
الأمر الأول: الفكرة و الرأي الذي يتضمن المعنى المجرم في شكل قول أو فعل أو كتابة أو وسيلة تمثيل اخرى.
1- وسائل العلانية التي يتحقق بها السلوك الإيجابي:
بعد فعل النشر شرطا لإرتكاب إحدى جرائم الصحافة المنصوص عليها في قانون العقوبات و قد نصت المادة 147 ق ع.ج:
1- الأفعال و الأقوال و الكتابات العلينة التي يكون الغرض منها، التأثير على أحكام القضاة طالما أن الدعوى لم يفصل فيها نهائيا.
2- الأفعال و الأقوال و الكتابات العلنية التي يكون الغرض منها التقليل من شأن الأحكام القضائية و التي يكون من طبيعتها المساس بالقضاء أو إستقلاله.
و نصت المادة 23 من قانون الصحافة الفرنسي على وسائل العلانية بواسطة الكلام أو الصياح أو التهديد المتلفظ به في أماكن و اجتماعات عامة و الكتابات و المطبوعات المبيعية أو الموزعة أو المعروضة للبيع أو الملصقات المعروضة على أنظار العامة.
و هذا ما نصت عليه كذلك المادة 333 مكرر من قانون العقوبات الجزائري
1- الأقوال: يقصد بالقول كل ما يعبر به الإنسان من الكلام و العبارات عما يدور بفكره و وجدانه، و ذلك أيا كان شكل العبارات التي يتم التعبير من خلالها و التي يجب التلفظ بها في أماكن أو اجتماعات عامة حتى تكون شرط العلانية المطلوب في جرائم الصحافة و تشمل الكلمات البسيطة أو المركبة بشعر أو نثر سواء كان منتظما أو غير منتظم.
2- الصياح : Cris يتضمن كل موت يخرج من فم الإنسان غير واضح يعبر عن الشعور الذي ينتاب الإنسان في لحظات الفرح و الحزن و الكراهية كالصراخ و الولولة.
3- التهديد Menace يتم التهديد من خلال القول أو الصياح، أو من خلال إشارات يستفاد منها معناه.
4- الأفعال Actes يعرف الفعل بأنه كل مظهر للتعبير عما يدور بذهن الانسان من خلال حركات الجوارح و قد يكون أشد تأثير من القول و الكتابة، كالبصق على شخص، الضحك، و المواقف المهينة.
5- الكتابات écrits و المطبوعات imprimés: يقصد بالكتابة كل ماهو مزود بلغة يمكن فهمها و يكون التعبير عن الفكرة بخط اليد، اما المطبوعات فهي الكتابات الناتجة عن الوسائل الآلية أو اليدوية، الكيمياوية و لذلك كان للمشرع الجزائري موفقا في الحديث عن الكتابة دون المطبوعات باعتبار أن الكتابة تشمل المطبوعات بشتى أنواعها من صحف و إعلانات و مجلات.
II. وسائل التمثيل:
تتمثل في الرسوم و الصور و النقوش او الحفر و الرموز و الصوت و الصور الشمسية و هو تعداد حصري لوسائل التمثيل و هنا و طرق التمثيل لم يتم ذكرها أو قد يكشف عنها التطور الحديث و مثال: ذلك النشر بشبكة الأنترنيت.
أ- الرسوم Dessines : الرسوم وجه من الأوجه الفنية للتعبير عن الفكرة من خلال الطبع على الورق او النعت على الخشب في الحفر في المدن و الرسم على الجرائم و يمكن أن تتم الجريمة بالرسم مثل التحريض على البغض و العنف ضد من يعتنقون ديائم المادة 144 مكرر 2.
ب- الصور Peinture:
تعرف الصور بانها نوع من الرسوم يعتمد على الطلال و الألوان و التصوير بالأبيض و الأسود أو الرش على الورق أو الكريكاتير و ما يميز ها عن التصوير الشمسي أنها قد يوجه من الخيال و لم تكن مطابقة للأصل.
ج- الصور الشمسية Photographie:
عبارة عن نقل أو تشيت أو طبع فيه الصور و الأشياء الموجودة فعلا اعتماد على التأثير الضوئي و سواءا تغلبت بالطرق اللاسلكي على شاشة التلفاز أو عبر الشبكات الالكترونية أو عن طريق إحدى كاميرات الفيديو.
د- الرموز enblémes :
الرموز عبارة عن أشكال ترمز إلى أشياء معينة تمثل الميدانيات و العلامات و الحروف التي ترمز إلى فكرة او تاريخ أو تقيد أي معنى آخر.
- وسائل التمثيل الأخرى:
تشمل وسائل التمثيل الأخرى وسائل التعبير الرأي بالفن غير الكتابي مثل النقوش Gruvus و النعت sculpture و الصور المجسمة و الصور المذاعة بالتلفزيون و الأنترنت.
الفرع الثاني: النتيجة
يهدف المشرع الجزائري من وراء تجريم الجرائم التي تقع بواسطة الصحف و غيرها من طرق النشر و التي نص عليها في المواد من 42-43 في قانون الصحافة إلى تلاقي الأضرار التي تصيب الدولة من خلال التحريض على إرتكاب الجرائم التي تشكل اعتداء على نظام الدولة السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي.
كما أن المشرع يحول دون الإعتداء الذي يقع على المواطنين سواء تمثل في الإعتداء على الشرف و الاعتبار أو على الحياة الخاصة أو على حقوق الدولة التي يسبق إيضاح كل منهما من خلال عقوبات رادعة تمنع هذا الإعتداء.
و النتيجة هي الأثر المادي و القانوني الذي يترتب على السلوك الذي يقرر المشرع له عقوبة، و يتضح من خلال هذا التعريف أن النتيجة تقوم على معنيين هما: المعنى المادي و المعنى القانوني.
أولا: النتيجة في المدى المادي:
يقصد به التغيير الملموس الذي يحدث في العالم الخارجي كأثر للنشاط الإجرامي ( ) وهو يمس الأفراد و الدولة و مثال التغيير الذي يمس الأفراد نتيجة للنشر المتضمن اعتداء على الحق في الشرف و الاعتبار السب، القذف أو الذي يمس الدولة مثل النشر المتصل بأسرار الدفاع.
يوجد نوع من الجرائم لا يترتب عليه تغيير مادي في القاسم الخارجي كأثر السلوك الإجرامي هي الجرائم شكلية.
ثانيا: النتيجة في المعنى القانوني:
هي الاعتداء على المصلحة التي يرى الشارع جدارتها بالحماية الجنائية و لها صورتين:
الأولى: هي الأضرار بالمصلحة المحمية سواء عن طريق تعطيلها كلية أو إنقاصها، كما هو الحال في نتيجة جريمة القذف و السب عن طريق الصحف.
الثانية: هي مجرد تعريض هذه المصلحة للخطر كما هو الحال في النشر المتصل بأسرار الدفاع .( )
المصلحة بين مدلولي النتيجة:
يوجد بين مدلولي النتيجة صلة وثيقة، غير انه لا ينبغي وجود أحدهما عن الآخر حيث يمثل المدلول القانوني الجانب الموضوعي من عدم المشروعية، و الحديث عن إعتداء على المصلحة التي يجمعها القانون هو تكييف قانوني للآثار الناتجة عن السلوك المادي، و بالتالي الحديث عن الإعتداء على الحق في الشرف و الاعتبار هو تكييف قانوني للنشر الذي تضمن الألفاظ التي توجب العقاب أو الاحتقار.( )
بالتالي المدلول القانوني يقوم على أساس مدلولها المادي و يحدد نطاقه و هو السبيل لتجنب الآثار المادية التي لا تمثل أهمية، لأنها لا تمثل إعتداء على حق أو مصلحة يحميها القانون ( ) و لذلك في جرائم القذف و السب عن طريق الصحف ما يعني الإعتداء على الحق في الشرف و الاعتبار، أما إذا ترتب على النشر فعل المجني عليه على وظيفته او طلاق زوجته، فهنا ليست موضع إهتمام من جانب القانون.
نرى في هذا الشأن أن مسؤولية رئيس التحرير أو مدير النشر هي من الجرائم المادية نظرا لأن الاعتداء على المصالح المحمية قانون الذي يحدث في العالم الخارجي كأثر السلوك النشر، ثم نتيجة لعدم قيام كل منهما بواجب الرقابة الذي فرضه عليه القانون، لان له من السلطة التي تمكنه من منع نشر ما يشكل جريمة.
كما أن الجرائم السلبية مثل جرائم الامتناع تقوم بمجرد السلوك السلبي كما هو الحال في امتناع القاضي عن الحكم في الدعوى. أما في جرائم الصحافة فإن جريمة رئيس التحرير لا تقوم إلا إذا ترتب على النشر نتيجة هو المساس بحقوق الأفراد التي تتمثل في الحق في الشرف و الاعتبار او الحق في الحياة الخاصة. و غيرهما من الحقوق. أو بمصلحة الدولة كما هو الحال في التعدي على أسرارها.
و تعد جرائم الصحافة من الجرائم الوقتية بالرغم من استمرار وقائعها، و الفعل الأول للنشر يحدد الجريمة و يكون بداية حساب مدة تقادم الجرمية. ( )
ثالثا: دور النتيجة الإجرامية في البناء القانوني لجرائم الصحافة:
يعتد المشرع بالنتيجة الإجرامية في حالات محددة و ينسب مقاومته من خلال الدور الذي يقوم به في الجريمة في حالات ثلاث صور نعرضها على النحو التالي:
- الصورة الأولى: يتطلب المشرع تحقيق النتيجة باعتبارها احد عناصر الركن المادي و كأثر للسلوك الإجرامي يترتب عليه الإعتداء على مصلحة أو حق قدر الشارع جدارته بالحماية. ( )
و مثال ذلك الجريمة المنصوص عليه في المادة 333 مكرر من قانون العقوبات الجزائري و التي تنص على " يعاقب بالحبس من 02 شهر إلى سنتين و بغرامة من 500 إلى 2000 دج كل من صنع أو حاز أو استورد أو سعى الى استيراد من أجل التجارة أو وزع أو أجر أو لصق أو قام معرضا او عرض او شرع في العرض للجمهور أو باع أو شرع في البيع أو وزع أو شرع في التوزيع كل مطبوع او محرر أو رسم أو إعلان أو صور أو لوحات زيتية أو صور فوتوغرافية او أصل الصورة أو انتج أي شيء مخل بالحياء
- الصورة الثانية: يساوي فيها المشرع بين حدوث النتيجة و بين احتمال حدوثها، و مثال ذلك المادة 147 من قانون العقوبات الجزائري التي تنص على ما يلي: " الأفعال الآتية تعرض مرتكبها للعقوبات في الفقرتين المقررة في الفقرتين 1 و 3 من المادة 144.
1- الأفعال و الأقوال و الكتابات العلنية التي يكون الغرض منها التقليل من شأن الأحكام القضائية التي يكون من طبيعتها المساس بسلطة القضاء أو إستقلاله".
و مثال ذلك الجريمة المنصوص عليها في المادة 100 من قانون العقوبات الجزائري التي تعاقب على تحريض طائفة أو طوائف من الناس أو على الازدراء إذا كان من شأن هذا التحريض تكدير السلم العام فالمشرع يساوي بين التذكير الغلطي و المحتمل السلم العام كنتيجة لسلوك التحريض.
- الصورة الثالثة: لا يتطلب المشرع تحقيق النتيجة باعتبارها إحدى عناصر الركن المادي، و ذلك في الجرائم الشكلية التي تقوم على السلوك فقط دون الاعتداء بنتيجته، و مثال ذلك المادة 144 من قانون العقوبات التي تعاقب على التحريض المباشر على جنايات القتل أو النهب أو الحرق او الجنايات المخلة بأمن الحكومة و لم تترتب على تحريضه أي نتيجة.
رابعا: إمكانية الشروع في جرائم الصحافة:
يعرف الشروع بأنه البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة إذا أوقف أوخاب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها، و هذا ما عرفته المادة 30 ( ) من قانون العقوبات الجزائري في الفصل الثاني الخاص بالمحاولة حيث نصت على " كل محاولات جناية تبتدئ بالشروع في التنفيذ أو بأفعال لا بأس فيها تؤدي مباشرة إلى ارتكابها تعتبر كالجناية نفسها إذا لم توقف أو لم يخب أثرها إلا نتيجة لظروف مستقلة عن إرادة مرتكبها حتى و لو لم يكن سن البلوغ الهدف المقصود بسبب ظرف مادي يجهله مرتكبها".
و لا يعتبر شروعا في الجناية أو الجنحة مجرد العزم على ارتكابها و لا الأعمال التي ضرورية لذلك.
وفقا لهذه المادة فإن أركان الشروع هي: البدء في تنفيذ فعل" و قصد ارتكاب جناية أو جنحة، و إيقاف خيبته لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها.
و يعاقب المشرع على الشروع في الجنايات و الجنح، إلا ما لا يتصور الشروع كما هو الحال في جريمة شهادة الزور، التي تقع تامة بمجرد الإدلاء بالشهادة.
و قد وجب خلاف فهي شان تصور الشروع في جرائم الصحافة بسبب اشتراط المشرع توافر العلانية في هذه الجرائم، و بالتالي مدى تصور الشروع بشأنها و يعود هذا الخلاف إلى مدى تصور البدء في تنفيذ جرائم الصحافة دون تحقيق شرط العلانية، و هو ما يتطلب منا قبل الحديث عن هذا الخلاف الفقهي بيان في تنفيذ الجريمة، و المعيار الذي يستند إليه.
1- البدء في تنفيذ الجريمة:
تحديد البدء في تنفيذ الجريمة يقتضي بيان المراحل التي تمر بها الجريمة، حتى يمكن أن تحدد يشكل الفعل بدءا في تنفيذ الجريمة، فتعتبر مرحلة التفكير في الجريمة و التصميم عليها أولى مراحل إرتكاب الجريمة، هي مرحلة نفسية لا يعاقب عليها المشرع، فالمشرع لا يعاقب على النوايا و لو كانت ثابتة، و يعقب هذه المرحلة للتعبير عن فكرة الجريمة إلى الغير و هي أيضا غير معاقب عليها، و ذلك لان الجاني لم يقيم فعل في سبيل الجريمة، كما هو الحال في قيام الصحفي بإعداد المقال الصحفي و كتابته دون أن يرسله لرئيس التحرير أو إلى المطبعة، و هذه المرحلة غير معاقب عليها أيضا لأنها لا تهدد حقا أو مصلحة قانونية للأفراد أو الدولة. ( )
2- معيار البدء في تنفيذ الحرية:
تحديد معيار البدء في التنفيذ الذي بمقتضاه يتم التمييز بين العمل التحضيري و العمل التنفيذي محل خلاف فقهي يمكن رده إلى مذهبان هما: المذهب المادي أو الموضوعي .
2-1- المذهب المادي أو الموضوعي: يعتبر الفعل بدءا في تنفيذ الجريمة وفقا لهذا المذهب إذا كان ذاهلة وثيقة بالركن المادي للجريمة بحيث يهدد حقا يحميه القانون و قد اختلف أنصار هذا المذهب أداء هي:
1- ان البدء في التنفيذ هو البدء في إرتكاب الفعل الذي يشكل جزء من الأعمال المادية المكونة للجريمة.
2- أن البدء في التنفيذ يتوافر كلما كان الفعل الذي أتاه الجاني يؤدي إلى احتمال حدوث النتيجة الإجرامية.
3- أن البدء في التنفيذ يتوافر كل فعل يكون ظرفا مشددا للجريمة.
و جميع هذه الآراء تشترك في الاعتماد على ماديات النشاط الإجرامي، كما أن معيار البدء في التنفيذ، يعتمد على خطورة الفعل و ما يؤدي إليه من احتمال حدوث النتيجة الإجرامية.
2-2- المذهب الشخصي:
يعتمد المذهب الشخصي على النية الإجرامية لدى الجاني، أيا ما تنطوي عليه شخصيته من خطورة إجرامية، وفقا لهذا المذهب فإن البدء في تنفيذ الفعل يتحقق في اللحظة التي يكون الجاني حاسم في طريق ارتكاب الجريمة، و بالتالي هو الفعل الذي يؤدي حالا و مباشرة إلى ارتكاب الجريمة أي أنه أحد الأعمال الأخيرة التي تسبق تنفيذ الجريمة.( )
الخلاف الفقهي بشأن تصور الشروع في جرائم الصحافة:
ذهب جانب من التشريع إلى عدم تصور الشروع في جرائم الصحافة استنادا إلى شرط العلانية الذي يقوم عليه الجريمة، لأن الشروع يعني توقف النشر الذي معناه توافر العلانية. و بالتالي الجريمة لا وجود لها، اما في حالة تمام النشر حتى و لو لم تتحقق الغاية التي تهدف إليها الكتب لم نكن بصدد شروع بل بصدد جريمة تامة، لأن أركانها القانونية قد توافرت.( )
و ذهب جانب آخر من الفقه إلى تصور الشروع في جرائم الصحافة بناء على أن المذهب السابق استند إلى المذهب الموضوعي في تفسير الشروع الذي يتطلب إرتكاب للجاني لأفعال تدخل في نطاق الركن المادي، غير أن هذا المذهب منتقد في حدادته نظرا لأنه يؤدي إلى عدم عقاب الكثير من على الشروع فلا الجريمة بالرغم من توافر نية ارتكابها لديهم.( )
و نؤيد الرأي الثاني في تصور الشروع في جرائم الصحافة سواء تمت بطرق العلانية التقليدية أو تمت بإحدى الوسائل الحديثة.
الفرع الثالث: علاقة السببية:
علاقة السببية هي العنصر الثالث من عناصر الركن المادي للجريمة و شأنه في جرائم الصحافة هو شان كل الجرائم، فلا يترتب على عمل النشر الذي يمثل الاعتداء على الحق الذي يحميه القانون نتيجة إجرامية يسند إليه وقوعها من خلال رابطة سببية بينهم تصل النشاط بالنتيجة الإجرامية التي أحدثها، و التي بمقتضاها يمكن أن تسند الثانية إلى الأول باعتباره سبابها، و باعتبار أن النتيجة نتاج السلوك.( )
إن العلاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بفعل المتسبب و ترتبط من الناحية المعنوية بما يجب عليه ان يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله عمدا او خروجه فيما يرتكبه بخطئه عن إرادة التبصر بالعواقب المادية لسلوكه و التصور من أن يلحق عمله ضرر بالتبرر.
أولا: المجال الذي توفر فيه علاقة السببية في جرائم الصحافة
تثار مشكلة علاقة السببية في الحالات التي لا يقضي فيها الفعل وحده إلى النتيجة الإجرامية المخطورة بل تدخل معه مجموعة من العوامل تساعد على وقوع النتيجة المجرمة.
و باعتبار علاقة السببية رابطة بين الفعل و النتيجة، فإن البحث في مدى توافرها يقتضي أولا وقوع فعل غير مشروع أو قضى إلى نتيجة يعاقب عليها القانون، و بالتالي إذا كان الفعل مشروعا و لكن نتجت عنه نتيجة إجرامية فيما بعد أو لم يصدر نشاط خارجي من جانب الجاني كما لو تتوقف مشروعيته عند التفكير في الجريمة و التدبير لها أو العزم و التصميم على تنفيذها أو التحضير لذلك فلا محل للبحث في علاقة السببية ( )، كما هو الحال في قيام الصحفي بكتابة مقال يتضمن إحدى جرائم الصحافة و وضعه في درج مكتبه أن يرسله إلى رئيس التحرير.
و لا تثار مشكلة علاقة السببية في الجرائم السلبية التي تتم بامتناع مجرد لا تترتب عليه نتيجة، و هي الجرائم الشكلية أو المادية التي لا يتطلب القانون سماعها نتيجة مادية بل أنها تقع بمجرد السلوك المحض.
ثانيا: طبيعة علاقة السببية في جرائم الصحافة
تعد علاقة السببية أساس المسؤولية الجنائية عن فعل النشر، و تعني إسناد الجريمة ماديا إلى القائم بهذا النشر، و هي التي تقصر مبدأ التجريم على الوقائع المادية التي ترتبط بنتيجة إجرامية دون النوايا و المعتقدات.( )
ثالثا: معيار علاقة السببية:
انقسم الفقه حول وضع ضابط لعلاقة السببية إلى نظريتين: نظرية تعادل الأسباب و نظرية السببية الكافية أو الملائمة، و يذهب التشريع إلى الأخذ بنظرية السببية الكافية باعتبار أن علاقة السببية تقوم بين فعل الجاني و النتيجة الإجرامية، حتى و لو ساهمت عوامل أخرى في الوصول إلى هذه النتيجة طالما كانت هذه العوامل مألوفة وفقا للسير العادي للأمور.
و قد عبر عن هذا بأن العامل مسؤول دائما عن النتائج التي أمكنه أو وجب عليه افتراضها و أن رابطة السببية بين الوفاة و بين الجروح التي أحدثت عندما لا تنعدم إلا إذا كانت الوفاة ناشئة فقط عن وقائع حدثت عرضا و بعد الإصابة بنوع أن الفاعل لم يكن في إمكانه افتراضها.
كما أن علاقة السببية علاقة مادية تبدأ بفعل المتسبب و ترتبط من الناحية المعنوية بما كان يجب عليه ان يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا أتاه عمدا.
و مع ذلك تقطع علاقة السببية العوامل الشاذة غير مألوفة، و التي لم يكن في استطاعة الجاني توقعها وفقا للمجرى العادي للأمور.
المطلب الثاني: الركن المعنوي
جرائم الصحافة جرائم عمدية و بالتالي يقوم ركنها المعنوي على توافر القصد الجنائي، أي اتجاه إرادة الجاني إلى إرتكاب النشاط الإجرامي و إلى النتيجة المترتبة عليه، مع علمه بها و بكافة العناصر التي يتطلبها القانون العام لقيام الجريمة.
و يعرف القصد الجنائي بأنه علم بعناصر الجريمة و إرادة متجهة إلى تحقيق هذه العناصر او إلى قبولها. و يتكون من عنصرين هما العلم و الإرادة.
الفرع الأول: العلم
يقصد بالعلم التصور لحقيقة الشيء على نحو يطابق الواقع، و يشترط فيه أن يكون تماما و معاصرا للنشاط الإجرامي المكون للركن المادي للجريمة.( )
و يذهب جانب من الفقه إلى تعريفه بأنه هو حالة ذهنية تعتمد على العلاقة بين أمر من الأمور و النشاط الذهني المتصل به لشخص من الأشخاص، و بدون العلم لا يمكن تصور الإرادة المتجهة إلى إرتكاب الجريمة إذ كيف يتوجه النشاط النفسي لإحدى الوقائع دون علم بها( ) و عليه فالشر لا يكون مقصودا إلا إذا تمثله الصحفي بالعلم بجميع عناصره في ضوء القيم السائدة في المجتمع قبل تحقيقه عملا و في الواقع.
القصد الجنائي في جريمة القذف يتوافر إذا كان القاذف يعلم بان الخبر الذي نشره يوجب عقاب المجني عليه أو احتقاره و هذا العلم مفترض إذا كانت العبارات موضوع القذف شائنة بذاتها و مقذعة.
الفرع الثاني: الإرادة
و تعرف بأنها نشاط نفسي يصدر عن وعي و إدراك يتجه إلى تحقيق غرض معين بوسيلة معينة، و بالتالي فهي تفترض العلم بالغرض المستهدف تحقيقه، و الوسيلة التي تمكن من تحقيق هذا الغرض ( )، كما يمكن تعريفها بأنها نشاط نفساني يقتضي في شكله الكامل حرية تمثل أوامر و إبرازه إلى العالم الخارجي.
و في ذلك يذهب جانب من الفقه إلى أن للإرادة عناصر ثلاثة: عنصر نفسي، عنصر مادي، و عنصر ثالث يتعلق بحرية الاختيار. ( )
و ينحصر الجانب النفسي للإرادة في العملية الذهنية التي تؤدي إلى اتخاذ قرار القيام بعمل معين من خلال هذه الإرادة، أما العنصر المادي فإنه يتحقق من خلال الحركة العضوية التي يقوم بها الجاني سواء تمثلت في صورة الفعل أو الامتناع.
و يمر العمل الإرادي في ذهن الإنسان بعدة مراحل تبدأ بالسبب أو الدافع أو الباعث على التفكير في السلوك و تنتهي بالعزم على توجيه الإرادة نحو هذا السلوك، ثم تنفيذ ما انعقدت عليه الإرادة.
و القصد الجنائي نوعان عام و خاص، و تختلف عناصر القصد العام عن عناصر القصد الخاص في تطلب المشرع عنصرا إضافيا علاوة على العلم.
و قد قضى بأن معظم جرائم الصحافة تكتفي بالقصد العام، الذي يتمثل في تعمد اقتراف الفعل المادي، و بالإضافة إلى ذلك تعمد النتيجة المترتبة على الفعل.
كما قضى بان الألفاظ متى كانت دالة بذاتها على معاني القذف و السب وجبت محاسبة كاتبها عليها بغض النظر عن البواعث التي دفعته لنشرها.
كما قضى بأنه يكفي لتوافر القصد الجنائي لدى القاذف في هذا الشأن أن تكون المطاعن الصادرة منه محشوة بالعبارات الشائنة و الألفاظ المقذعة فهذه لا تترك مجالا لافتراض حسن النية عند مراسلتها.
و قضى بان عنصر سوء النية يتحقق بكذب الواقعة، و يستفاء من هده العبارات المستخدمة، و حيث أنه من المقرر أن القصد الجنائي قصد الإسناد أو الإذاعة في جريمة القذف أو السب إنما يتوافر متى نشر القاذف أو الساب العبارات الماسة بالشرف أو السمعة أو الاعتبار مع علمه بأنها لو كانت صادقة لأوجبت عقاب المقذوف في حقه أو إحتقاره أو الحط من شرفه و كرامته، و يستفاء هذا العلم هذه العبارات شائنة بذاتها تحمل بنفسها الدليل الكافي على توافر القصد الجنائي.
و قد ثار غلاف فقهي بشأن نوع القصد الذي تتطلبه بعض جرائم الصحافة و مثال ذلك جريمة نشر الأخبار الكاذبة التي اشترط القانون ان يكون النشر تم بسوء قصد، أو سوء نية.
و تتطلب هذه الجريمة قصدا جنائيا خاصا لا يكفي لتوفره مجرد إثبات أن الناشر كان يعلم بان الخبر كاذب او الورقة مزورة و ان من شان النشر تكدير السلم العام أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة، بل لابد أن تكون نية الصحفي قد اتجهت إلى إحداث هذه النتائج فعلا.
و تعبير سوء النية الذي قد يعني تطلب قصدا خاصا يختلف عن بعض المصطلحات التي يتطلبها المشرع مثل تعبير نية الإضرار، بحيث يرى جانب من الفقه أن تعبير نية الإضرار تعبير غير سليم، و ذلك لان إرادة الإضرار لا يشترط في القذف، و لكن يتم من خلال تكرار الأقوال التي يتضمنها على الجمهور، حتى و لو لم يكن لدى الجاني نية الإضرار بالمجني عليه.
كما أن لسوء النية دورها في توافر القصد الجنائي، فإن لحسن النية دورا كبيرا في استبعاد المسؤولية الجنائية، و تحديد حسن النية يكون بواسطة القضاة.
" و حسن النية ليس معنى باطنيا بقدر ما هو موقف أو حالة يوجد فيها الشخص تشوه حكمه على الأمور رغم تقديره لها تقديرا كافيا و اعتماده في تصرفه على أسباب معقولة". فإثبات حسن النية لا يكون سبب لإباحة القذف إلا إذا تعلق بموظف عام و كان متصلا بأعمال وظيفته، و بشرط إثبات حقيقة ما أسند إليه.
و يذهب جانب من الفقه إلى أن حسن النية في جرائم الصحافة يتطلب الصورة و مشروعية الهدف من وراء النشر، و نسبية الضرر بواسطة تقرير الهدف المتبع و الاعتدال او الحكمة في التعبير. و لا يمكن للمتهم في الوضع الطبيعي نفي القصد الجنائي من خلال إثبات حسن نيته، لان حسن النية لا يصلح لنفي القد الجنائي إلا حيث يكون سوء النية مطلوب توافره من خلال اشتراط قصد خاص. ( )
الفصل الأول: ماهية الجرائم الصحفية وأركانـها
المبحث الأول: ماهية الجرائم الصحفية
المطلب الاول: مفهوم جرائم الصحافة
المطلب الثاني: خصائص جرائم الصحافة
الفرع الاول: العلانية
الفرع الثاني: جرائم النشر جرائم وقتية
المبحث الثاني: أركان الجريمة الصحفية
المطلب الأول: الركن المادي في جرائم الصحافة
الفرع الأول: فعل النشر
الفرع الثاني: النتيجة
الفرع الثالث: علاقة السببية
المطلب الثاني: الركن المعنوي
الفرع الاول: العلم
الفرع الثاني: الإرادة
الفصل الثاني: تنظيم المسؤولية الجنائية وأسباب الإباحة في جرائم الصحافة
المبحث الأول: تنطيم المسؤولية الجنائية
المطلب الأول: المسؤولية الجنائية للأشخاص الطبيعيين
الفرع الأول: الفاعلون في الجرائم التي تقع بواسطة الإعلام المقروء
الفرع الثاني: الشركاء في الجرائم التي تقع بواسطة الإعلام المقروء
المطلب الثاني: المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية
الفرع الأول: أن يرتكب إحدى الجرائم المنصوص عليها على سبيل الحصر
الفرع الثاني: أن تكون الجريمة مرتكبة بواسطة أحد أجهزة أو ممثلي الشخص المعنوي
الفرع الثالث: أن ترتكب الجريمة لحساب الشخص المعنوي
المبحث الثاني: أسباب الإباحة في جرائم الإعلام
المطلب الأول: حق نشر الأخبار
المطلب الثاني: حق النقد
الفرع الأول: تعريف النقد المباح
الفرع الثاني: مجال النقد المباح
الخاتـــــمة
مقدمة:
إن لحديث الحرية سحرا يملك على الإنسان لبه، و يأخذ بمجامع كلية، فهو حديث الأمس و اليوم و الغد الذي لا تمل النفس من ترد يده، لأن الحديث عن القوى المحركة للإنسان، و المفهوم الشامل لمختلف جوانب حياته، و تلك حقيقة عبر عنها جيفرسون (1) بقوله: " ... إن الله قد وهبنا الحياة، و منحنا معها و في ذات اللحظة، و لنفس السبب الحرية..." و من هنا صارت الحرية قيمة خالدة في التمييز الإنساني، و تزداد هذه الحرية قيمة حيث تقترن بالصحافة لأنها من إحدى وسائل التعبير عن الرأي في المجتمع المعاصر، و لا تتوقف حرية الصحافة في الدور الاجتماعي فحسب، و غنما أهميتها على المستوى السياسي لازالت ملء الأسماع ة الآذان، لذلك إذا كان كل مجتمع في حاجة إلى الصحافة فغن المجتمع الديمقراطي فحسب هو الذي يحتاج إلى حرية الصحافة.
إن لكل هذه الأهمية التي نحلها حرية الصحافة في قلب النظام الديمقراطي لا تعني أبدا، انها حرية مطلقة، فالأصل المستقر في الأنظمة القانونية أنه لا يمكن أن تكون الحرية مطلقة با قيد، و إلا انقلبت إلى فوضى، و حملت في طياتها البغي و العدوان على كيدان الدولة و حريات الآخرين، و هذا من شأنه أن يقضي إنكار مبدأ التنظيم الاجتماعي.
و حرية الصحافة باعتبارها وسيلة من وسائل التعبير عن الرأي ليست استثناء من هذا الأصل و هذا ما أكدته المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948 و التي بعد أن نصت على ضرورة ان يكفل لكل شخص الحق في حرية الرأي و التعبير، عادت و قيدت ممارسة هذا الحق بضرورة احترام حقوق و حريات الغير و حماية النظام العام و المصلحة العامة و الأخلاق العامة.
و تأتي الإتفاقية الدولية للحقوق المدنية و السياسية التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16/12/1966 لتؤكد في مادتها التاسعة عشر (19) أن لكل فرد الحق في حرية التعبير و بينت أن هذا الحق يشمل حرية البحث عن المعلومات و الأفكار من أي نوع، و تلقيها دون اعتبار للحدود و فلك إما شفافة أو كتابة أو طباعة سواءا كان ذلك في قالب فني أو باية وسيلة أخرى بحيازتها.
و أصدرت ذات المادة في قدرتها الثانية ( المادة 19 ف 02 ) قيودا طبيعية نجد من ممارسته و هي احترام الغير و سمعتهم و حماية الأمن القومي و النظام العام و الصحة العامة و الأخلاق، و اعتبرت خضوع هذه الحرية لتلك القيود أمره ضروريا لكل مجتمع ديمقراطي.
بل أن الدستور الجزائري حيث بسط حمايته على هذه الحرية قد افترضها حرية مسؤوله و اعتبر حرية متوازنة، محدودة لا مطلقة فالمادة 41 منه تحث على أنه لكل إنسان حق التعبير عن رايه، و نشير بالقول او بالكتابة، أو غير ذلك من وسائل التعبير في حدود القانون، و لما تحدث عن حرية الصحافة و الطباعة و النشر و وسائل الإعلام مكفولة و الرقابة على الصحف محضورة و إنذارها أو وقفها أو إلغائها بالطريق الإدراي محظور، فلا يجوز إيقافها إلا بمقتضى أمر قضائي او إلغاءها بالطريق الغدراي محظورة فلا يجوز إيقافها إيقافها إلا بمقتضى امر قضائي، كما يجوز في حالة إعلان الطوارئ أمر زمن الجري أن يفرض على الصحف و المطبوعات و وسائل الإعلام رقابة محدودة في الأمور التي تتصل بالسهولة العامة و أغراض الأسس العام.
فالمشرع قد أحال إلى القانون لتنظيم المدة الحرية على نحو ما تكتشف عنه عبارة ( في حدود القانون) قد قصد تنظيم هذه الحرية بحيث الأشياء استعمالها فتكون وسيلة للبغي على نظام البلاد أو العدوان على حقوق و حريات الأفراد، فالسلطة لم يغيب عنها انها الصحافة قد اصبحت بانتشارها الواسع، و تقدم فن الطباعة و تنوع وسائل التوزيع قوة مؤثرة، فلم تعد قاصرة على مجرد نقل الأخبار، بل أصبحت من أقوى الوسائل تأثيرات في الرأي العام، و هذا ما جعلها هدفا لجماعات المصالح ليس نفوذهم على الرأي العام خدمة لأغراضهم التي قد تمثل تهديدا للنظام العام، بل إن قوة تأثيرها و سعة إنتشارها قد يغري البعض من الكاذبين و الخائنين لرسالة قدسية الكلمة لإتخاذ الصحف أداة للنيل من كراسة الشرفاء من الناس او المساس بالحريات تحت ستار حرية الصحافة.
لذلك جاء في القانون الإعلام رقم 90/07 المؤرخ في 08 رمضان 1410ه الموافق 03 أفريل 1990 الذي يحدد الاطار القانوني الذي يعمل فيه رجل الإعلام، و يبين أخلاقيات و ممارسة هذه المهنة، كما قرر المشرع في قانون العقوبات الجزائري رقم 06/23 عقوبات لهذه الجرائم من أجل الحد منها و ردعها للحفاظ على النظام العام، و هذا ما سنتطرق إليه من خلال خطة البحث.
الفصـل الأول: ماهيـة الجرائـم الصحفيـة و أركانـها
سنتطرق في هذا الفصل إلى ماهية الجرائم الصحفية و أركانها حيث قسمنا هذا الفصل إلى مبحثين حيث في المبحث الأول تناولنا ماهية الجرائم الصحفية و الذي نتطرق فيه إلى مفهوم الجرائم الصحفية حسب مختلف التشريعات الدولية هذا في المطلب الأول أما في المطلب الثاني فقد تناولنا فيه خصائص الجرائم الصحفية.
أما في المبحث الثاني فقد خصصناه لأركان هذه الجريمة و هذا من خلال مطلبين حيث تطرقنا في المطلب الأول إلى الركن المادي بكامل فروعه و المطلب الثاني الركن المعنوي.
المبحث الأول: ماهية الجرائم الصحفية
الصحافة إحدى المهن السامية حيث تؤدي دورا هاما في الكشف عن الفساد في المجتمعات، و إذا كانت مكبلة بالقيود القانونية و الإدارية كان ذلك عائقا لها في أدائها لوظائفها.
و قد حرصت غالبية التشريعات على وضع تنظيم قانوني لمهنة الصحافة من خلال قانون مستقل،و التشريع الفرنسي من أولى التشريعات التي نظمت مهنة الصحافة بقانون الصحافة الصاد في سنة 1881 الذي مازال ساريا حتى الآن و الذي جاء شاملا معظم جرائم الصحافة تقريبا ما عدا بعض جرائم الصحافة التي وردت في قانون العقوبات الفرنسي الجديد.
و كذا بالنسبة لمصر فقد ظلت الصحافة منظمة بالنصوص الواردة في الباب الرابع عشر من الكتاب الثاني من قانون العقوبات حتى بعد صدور قانون تنظيم الصحافة رقم 96 لسنة 1996 و الذي اقتصر على الحديث على حقوق و واجبات الصحفيين.
أما في الجزائر فجاء قانون رقم 90/07 بتاريخ 13/04/1990 المتعلق بالإعلام و الذي حدد الإطار القانوني الذي يجب أن يعمل به رجل الإعلام في تأدية الرسالة النبيلة.
و قد نص قانون العقوبات الجزائري 06/23 في بعض موارده على جرائم الصحافة كون هذه الجرائم تشكل خيانة تمس بأمن الدولة المادة 62 البند الرابع و التجسس أو جرائم التعدي على الدفاع الوطني.
أو الإساءة إلى رئيس الجمهورية المادة 144 مكرر من ق ع و في هذا المبحث نتطرق إلى مفهوم جرائم الصحافة في المطلب الأول و خصائصها في المطلب الثاني.
المطلب الأول: مفهوم جرائم الصحافة.
الجريمة بوجه عام هي فعل غير مشروع صادر عن إرادة جنائية يقرر له القانون عقوبة أو تدبيرا احترازي ( ) ولا تخرج الجرائم التي تقع بإحدى وسائل العلانية من نطاق هذا الأصل العام لذلك نحاول وضع تعريف لها في ضوء التعريف السابق للجريمة.
و تعرف الجريمة الصحفية بأنها " نشر غير مشروع للفكرة يتمثل في عمل أو امتناع عن عمل نص عليه المشرع في قانون الصحافة الفرنسي 1881 أو الباب الرابع عشر من الكتاب الثاني من قانون العقوبات المصري صادر عن إرادة جنائية يقرر له المشرع عقوبة جنائية.".
و قد أثير التساؤل حول جرائم الصحافة، هل هي احدى جرائم القانون العام أم أنها جرائم متميزة ذات طبيعة خاصة تبحث عن تميزها ببعض الأحكام الخاصة التي تخالف القواعد العامة في تنظيم المسؤولية الجنائية.
فذهب جانب من الفقه إلى أن الجرائم الصحفية تتميز بذاتية خاصة و تجعلها تخرج عن نطاق جرائم القانون العام، و يستند هذا الرأي إلى مجموعة الأسانيد الآتية: ( )
1- إن ما يميز الجريمة الصحفية انها قائمة على إبداء الرأي و الاعتقاد بقصد سيء يعاقب عليه القانون، أي أن المشرع يحرم بمقتضاها الرأي و الإعلان عنه.
اما في نطاق جرائم القانون العام فإن المشرع لا يقتصر على تحريم الرأي و الإعلان عنه و لكن يجزم كل فعل غير مشروع صادر عن إرادة جنائية.
2- إن كل من المشرع الفرنسي و المصري أحاط المسؤولية الجنائية الناشئة عن الجرائم الصحفية بمجموعة من القواعد الموضوعية و الاجراءات التي تخالف القواعد العامة فقد تنظم المشرع الفرنسي قواعد المسؤولية الناتجة عن هذه الجرائم المادتين 42، 43 من قانون الصحافة الفرنسي.
و كذلك فعل المشرع المصري في المادة 195 من قانون العقوبات المصري، كما جعل نظر الجنح التي تقع بواسطة الصحف أو غيرها من طرق النشر عدا الجنح المضرة بأفراد الناس من اختصاص محاكم الجنايات بدلا من المحاكم الجزائية.
و يذهب رأي آخر في الفقه نؤيده إلى أن جرائم الصحافة تعد من جرائم القانون العام و يستند في ذلك إلى الحجج الآتية:
1- أنه بالرغم من إفراد باب خاص من الكتاب الثاني في قانون العقوبات المصري لهذا النوع من الجرائم اعتمادا على أن العلانية شرط لوقوع هذه الجرائم و لكن بالرغم من أنها شرط لوقوع هذه الجرائم، فإن الصحف لكونها وسيلة من وسائل النشر فإن ركنها المادي يتمثل في فعل النشر و نتيجة و علاقة السببية بينهما، و ليست العلانية عنصرا في ركنها المادي، و لكنها شرط لإرتكاب جرائم الصحافة، و هي كما تحقق عن طريق النشر في الصحف تتم بوسائل أخرى.
2- إن الجريمة الصحفية و إن كانت تتميز من خلال ركنها المادي النشر، إلا أن النشر لا يغير من طبيعتها و يجعلها ذات حيان خاص يختلف عن جرائم القانون العام، فجرائم السب و القذف الإهانة و التحريض تقوم على ذات الأركان و العناصر سواء إرتكبت بطريق الصحافة أو بطريق آخر من طرق العلانية.( )
3- تجنب معظم التشريعات اصطلح جرائم الصحافة Delites de presse و تؤثر عليه تعبير الجنايات و الجنح التي تقع بواسطة الصحف و غيرها من طرق النشر.
« Des crimes et delites comme mis par la voie de la presse ou par tout autre moyen de publicication ».
و هو تعبير أقرب للحقيقة، و قد استعمله قانون الصحافة الفرنسي 1881 و استعمله قانون العقوبات المصري في الباب الرابع عشر من الكتاب الثاني الخاص بجرائم الصحف و غيرهما من طرق النشر.
فمن الخطأ النظر إلى الجرائم التي ترتكب بإحدى العلانية في نفوس القراء و الضرر الذي يصيب المجني عليه – و هو ما يعطي لهذه الجرائم أهمية خاصة – إلا أن ذلك لا يبرز من الوجهة النظرية – النظر لها على أنها نوع خاص من الجرائم.
فالوسيلة التي استخدمت في ارتكاب الجريمة تم النشر و الإذاعة لا تغير شيء في طبيعة الجريمة ( ) ذلك أن القانون كمبدأ عام – لا يقيم وزنا من حيث التجريم بين الوسائل و الطرق التي يمكن أن تتحقق بها الجرائم، فكما انه لا فرق بين من يستخدم عضوا من أعضاء جسمه او من يتخذ سلاحا لارتكاب جريمة القتل فإنه لا فرق أيضا من حيث التجريم بين من يقوم بقذف غيره بواسطة العلانية او بغير هذه الوسيلة. فكل ما هنالك ان ركن العلانية يجعل من بعض جرائم العلانية ظرفا مشددا شانها غالبية الجرائم التي يرصدها لها المشرع عقوبة مغلظة نظرا لاعتبارات معينة بجسامة الفعل أو النتيجة أو صفة المجني عليه.
و قد قيل في هذا الشأن، أنها ليست العبارات و الكتابات هي التي يجرمها القانون و لكن عمل استخدمت فيه العبارات و الكتابات فنشر العبارات بواسطة الصحافة لا يخلف جريمة جديدة و لكن الوسيلة هي التي تغيرت، فالتشديد هنا ليس بسبب قسوة العبارات، إنما بسبب علانية هذه العبارات عن طريق الصحف، و ترتيبا لذلك تدرج المشرع في العقوبة نظرا لتعاظم الضرر عن عقوبة القذف أو السب الذي يقع بإحدى وسائل العلانية العادية في مكان عام أو مطروق أو في مكان خاص بحيث استطاع مشاهدته أو سماعه من كان في مكان عام ) و التي تختلف بدورها عن القذف و السب اللذان يقعان عن طريق الصحف. و من جهة أخرى لا تتغير الجريمة بتغير وسائل الإعلام. فيستوي أن تقع الجريمة بواسطة الصحافة المقروءة أو المرئية أو بالوسائل الالكترونية ( الأنترنيت ).
المطلب الثاني: خصائص جرائم الصحافة
تتميز الجرائم الصحفية عن الجرائم الأخرى ببعض الخصائص و التي نذكرها على التوالي:
الفرع الأول: العلانية
يمتاز الجرائم التي تقع بواسطة النشر و وسائل الإعلام الأخرى جميعها بأنها تتطلب توافر عنصر العلانية تلعب دورا هاما في تحقق الجريمة حيث تعد العلانية في نموذج أول الجرائم النشر عنصرا أساسيا لا تقع الجريمة دونهما، إذ لا يعاقب القانون عن بعض العبارات او الكتابات إلا إذا اقترنت بعنصر العلانية، و هذا النموذج من الجرائم يمثل معظم جرائم النشر، مثال: ذلك جريمة نشر كتابات تسيء إلى سمعة البلاد او نشر أو إذاعة أخبار كاذبة أو نشر ما جرى في الدعاوي التي نظرت في جلسة سرية، او التي قررت المحكمة الحد من علانيتها، أيضا تمثل العلانية عنصرا أساسيا في جرائم التحريض العلني كجرائم مستقلة بذاتها وهي صورة للتحريض غير المتبوع بأثر و الذي يعاقب عليه القانون بمجرد العلانية نظرا لخطورته البالغة على النظام العام. مثال ذلك تحريض الجند علنيا على عدم الطاعة او التحريض العلني على البغض الطائفي أو التحريض العلني على عدم الانقياد للقوانين. ( )
كما أن هناك نماذج من الجرائم تاخذ العلانية فيها حكم الظرف المشدد للعقوبة و يكون ذلك عندما يعاقب القانون على إرتكاب الفعل سواء تحققت العلانية أو لم تحقق مثل ما نصت عليه المادة 463 من القانون رقم 82-04 ( قانون العقوبات الجزائري ) ( يعاقب بغرامة من 30 إلى 100 دج و يجوز ان يعاقب أيضا بالحبس لمدة 3 أيام على الأكثر:
كل من ابتدأ أحد الأشخاص بألفاظ سباب غير علنية دون أن يكون قد استفزه ( ) و من جهة أخرى اتجه المشرع في بعض الحالات إلى تشديد العقوبة في حالة توافر وسيلة معينة من وسائل العلنية كفي حالة ما إذا تحققت العلانية عن طريق الصحف نظرا لاتساع دائرة يودع العبلارات التي تنال من الحق محل الحماية كما نصت عليه المادة 296 من القانون رقم 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006.
و يلاحظ أنه في هذه الحالات لا تتغير طبيعة الجريمة و لكن تختلف وسيلة إرتكابها، فتكون محل اعتبار عند مرحلة تحديد العقوبة المناسبة. فعلى حين أن قانون العقوبات لا يقيم أهمية من حيث التجريم بين الوسائل او الطرق التي يمكن أن تتحقق بها هذه الجريمة، إلا أنه يشدد العقوبة إذا كانت الوسيلة المستخدمة تزيد من جسامة الجريمة. فنشر العبارات بواسطة الصحافة لا يختلف جريمة جديدة و لكن الوسلة هي التي تغيرت. فالتشديد هنا ليس بسبب قسوة العبارات إنما بسبب استخدام هذه الوسيلة.
الفرع الثاني: جرائم النشر جرائم وقتية
تعتبر جميع الجرائم التي تقع عن طريق العلانية كقاعدة عامة جرائم وقتية أي تدخل في مجموعة الجرائم التي ينتهي تنفيذها بتوافر عناصرها المادية، و لا يشترط القانون عناصر أخرى قابلة للامتداد تخضع لسيطرة إرادة الجاني، و من ثم فإن الجرائم التي تقع بواسطة الصحف أو بغيرها من وسائل العلانية التقليدية ترتكب بمجرد توافر ماديات الجريمة فتعتبر الجريمة مستوفية ركنها المادي بمجرد النشر الذي يمس الحق الذي يحميه القانون. هذا بخلاف الحال بالنسبة للجرائم المستمرة التي يستغرق تحقق عناصرها المادية وقت طويل، و تكون فيها إرادة الجاني مسيطرة على ماديات الجريمة خلال هذا الوقت مثال ذلك جريمة إخفاء الأشياء المسروقة أو المتحصلة من جناية او جنحة ففي هذه الأمثلة يكون استمرار ماديات الجريمة متوقفا على إرادة الجاني.
و لا يغير من طبيعة الجريمة امتداد آثار النشر وقت طويل على الرأي العام أو على نفسية المجني عليه او أسرته، طالما أن إرادة الجاني لم يعد لها دور خلال هذا الوقت فهذا النوع من الجرائم ذي أثر ممتد.( ) و تطبيقا لذلك، تعد جريمة وقتية نشر مقال يتضمن سب المجني عليه او لصق إعلانات ماسة بالنظام العام أو الآداب العامة حيث أن إرادة الجاني تتدخل أثناء الكتابة او النشر، ثم يقف دورها عند هذا الحد فلا تستمر إرادة الجاني خلال الوقت الذي يستمر المطبوع متداول بين الأفراد أو بعد لصق الإعلانات.
و تبدو أهمية تصنيف جرائم النشر ضمن الجرائم الوقتية انها تخضع لكل أحكام هذا النوع من الجرائم و من اهمها:
- صدور قانون جديد أسوأ للمتهم لا يؤثر في وضع الجاني طالما ان الفعل قد وقع قبل العمل بهذا القانون. فلا يجوز ان يوقع على الجاني عقوبة أشد من العقوبة التي كانت مقررة وقت إرتكابه الفعل المجرم.
غير أن بقاء المعلومات في المواقع الخاصة بما في الأنترنيت مدة طويلة ليطلع عليها الغير، إحدى سمات الإعلام الإلكتروني.( )
و الواقع أن الجرائم النشر التي ترتكب عن طريق الأنترنيت تقتضي خضوعها لأحكام تتناسب مع طبيعة وسيلة الإعلام الحديدة، و نميل إلى اعتبار جرائم النشر بواسطة الإعلام الالكتروني من الجرائم المستمرة إذا كان النشاط المادي للجاني يظل قائما و ممتدا وقتا طويلا من الزمن و يسيطر خلاله سيطرة كاملة على هذا الإمتداد وفقا للمعيار الذي استقر عليه الفقه. و يترتب على ذلك اعتبار النشر المجرم عن طريق الأنترنيت إحدى تطبيقات الجريمة المستمرة، ذلك ان الجاني يقوم بعرض الكتابات المجرمة او الصور الممقوتة في موقعه الخاص الذي قام بإنشائه و يظل العرض مستمرا طيلة الوقت الذي ينشأ له الجاني هذا الاستمرار إلى أن يقرر إنهاء الوضع الاجرامي الذي حرص على بقائه طيلة هذا الوقت.
فعنصر العلانية بهذه الوسيلة قابل للامتداد في الزمن مدة طويلة و قابلية تنفيذ هذا الامتداد متوقفة على سلوك لاحق من جانب الجاني وحده ( ). و هذا السلوك يتخذ صورة امتناع الجاني عن إنهاء ما أوجده في حالة تخالف القانون. و لا محل لاعتبار هذه الجرائم من الجرائم المستمرة ثابت
Delit continus perper****nt ذلك انه في هذا النوع الأخير تمتد مادياتها فحسب دون معنوياتها و تترتب عليها عدة نتائج منها:
- تعتبر الجريمة واحدة رغم توافر النشاط المادي فترة طويلة من الزمن.
- يطبق القانون الجديد الذي يسيء إلى وضع مرتكب الجريمة في حالة عدم إنهائه بحالة الاستمرار قبل سيران العمل به.
- أن رضاء المجيء عليه بالنسبة لبعض الجرائم كإفشاء الأسرار الخاصة يجب أن يستمر طيلة وقت امتداد السلوك المادي للجريمة ( النشر في موقع الانترنيت ).
و لما كانت ممارسة صاحب الموقع تتوقف على مشيئة صاحب السر و رغبته فغن استمرار الجاني في عرض هذه الأسرار في موقعه الخاص بالرغم من عدول صاحب السر عن رضائه يعتبر مكونا لجريمة انتهاك الحياة لشخصية للغير فيما يتعلق يعتبر مكانا للجريمة كل محل يقوم فيه حالة الاستمرار( ) و يترتب على ذلك ان الاختصاص يكون لأية محكمة تتحقق الجريمة في دائرتها.
تنتمي حالة الاستمرار بإنتهاء الوضع الإجرامي الذي انشأه الجاني و يكون ذلك بمحو جميع الكتابات و الصور المخزنة في الموقع الخاص به، سواء كان العدول اختياريا او جبريا.
كما يمكن الإشارة إلى أن من أبرز سمات الجرائم التي تقع عن طريق الإعلام الالكتروني او بواسطة الأنترنيت انها جريمة عابرة للأوطان، و المشكلة التي يثيرها الطابع الدولي للأنترنيت هو عدم قانون عقوبات موحد يستوعب جميع الجرائم التي يمكن ان ترتكب بواسطة هذه الشبكة او عليها و لكن تتعدد القوانين بتعدد الدول و تختلف الأحكام من دولة إلى أخرى.
المبحث الثاني: أركان الجريمة الصحفية
المطلب الأول: الركن المادي في جرائم الصحافة
وفقا للقواعد العامة يقوم الركن المادي للجريمة على مجموعة من العناصر المادية التي تلحق ضررا ما بمصلحة يجمعها القانون جنائيا و هذه المصلحة المعتدى عليها في جرائد الصحافة قد تكون للأفراد و تتمثل الحق في الحياة الخاصة او الحق في الشرف و الاعتبار و غيرها من الحقوق و قد تكون المصلحة للدولة و تتمثل في الاعتداء على أسرار الدولة و غيرها من أعمال الاعتداء التي تضر بالدولة.
و تقوم جرائم الصحافة على مجموعة من العناصر و هي:
العنصر الاول: هو السلوك الذي يتمثل في نشر الفكرة، و به يتم انتهاء القاعدة الجنائية الآخرة التي تحضر لاعتداء على المصالح الأساسية للأفراد و الدولة.
العنصر الثاني: هو النتيجة التي تحقق على أثر هذا السلوك ففي جريمة السب و القذف يجب ان يترتب على نشر الفكرة المساس بشرف اعتبار المجني عليه من خلال اسناد واقعة باحدى الطرق في الجناية 296، 297 ق.ع ج.
العنصر الثالث: علاقة السببية و هي التي تمثل الصحة بين السلوك و النصوص و هي التي من خلالها يتضح أن النتيجة هي أثر السلوك.
و عليه نقسم هذا الفصل على ثلاثة فروع نتناول في كل منها عنصر من عناصر الركن المادي.
الفرع 1: فعل النشر.
الفرع2: النتيجة.
الفرع 3: علاقة السببية.
الفرع الأول: فعل النشر
الفعل هو النشاط الذي يصدر عن الجاني، و يمثل المظهر الخارجي للارادة الأثمة و من ذلك تنشر ما يمثل اعتداء على الحق في الشرف و الاعتبار أو الحق في الحياة الخاصة لأفراد أو على حق الدولة في الاحتفاض بأسرارها و الذي يمثل إحدى جرائم الصحافة.
و يمثل الفعل النشاط الموجه للاعتداء على الحق الذي يحميه القانون و لذلك فإن المشرع لا يعاقب إلا على الأعمال التنفيذية للجريمة أما الأعمال التحضيرية فلا عقاب عليها و بذلك لا عقاب على المقال.
و قد تم تحديد فعل النشر من خلال القانون 90/07 الصادر بتاريخ 03-04-1990 المتعلق بالإعلام.
المشرع في جرائم النشر يعاقب على السلوك الذي يتضمن أمرين و هما:
الأمر الأول: الفكرة و الرأي الذي يتضمن المعنى المجرم في شكل قول أو فعل أو كتابة أو وسيلة تمثيل اخرى.
1- وسائل العلانية التي يتحقق بها السلوك الإيجابي:
بعد فعل النشر شرطا لإرتكاب إحدى جرائم الصحافة المنصوص عليها في قانون العقوبات و قد نصت المادة 147 ق ع.ج:
1- الأفعال و الأقوال و الكتابات العلينة التي يكون الغرض منها، التأثير على أحكام القضاة طالما أن الدعوى لم يفصل فيها نهائيا.
2- الأفعال و الأقوال و الكتابات العلنية التي يكون الغرض منها التقليل من شأن الأحكام القضائية و التي يكون من طبيعتها المساس بالقضاء أو إستقلاله.
و نصت المادة 23 من قانون الصحافة الفرنسي على وسائل العلانية بواسطة الكلام أو الصياح أو التهديد المتلفظ به في أماكن و اجتماعات عامة و الكتابات و المطبوعات المبيعية أو الموزعة أو المعروضة للبيع أو الملصقات المعروضة على أنظار العامة.
و هذا ما نصت عليه كذلك المادة 333 مكرر من قانون العقوبات الجزائري
1- الأقوال: يقصد بالقول كل ما يعبر به الإنسان من الكلام و العبارات عما يدور بفكره و وجدانه، و ذلك أيا كان شكل العبارات التي يتم التعبير من خلالها و التي يجب التلفظ بها في أماكن أو اجتماعات عامة حتى تكون شرط العلانية المطلوب في جرائم الصحافة و تشمل الكلمات البسيطة أو المركبة بشعر أو نثر سواء كان منتظما أو غير منتظم.
2- الصياح : Cris يتضمن كل موت يخرج من فم الإنسان غير واضح يعبر عن الشعور الذي ينتاب الإنسان في لحظات الفرح و الحزن و الكراهية كالصراخ و الولولة.
3- التهديد Menace يتم التهديد من خلال القول أو الصياح، أو من خلال إشارات يستفاد منها معناه.
4- الأفعال Actes يعرف الفعل بأنه كل مظهر للتعبير عما يدور بذهن الانسان من خلال حركات الجوارح و قد يكون أشد تأثير من القول و الكتابة، كالبصق على شخص، الضحك، و المواقف المهينة.
5- الكتابات écrits و المطبوعات imprimés: يقصد بالكتابة كل ماهو مزود بلغة يمكن فهمها و يكون التعبير عن الفكرة بخط اليد، اما المطبوعات فهي الكتابات الناتجة عن الوسائل الآلية أو اليدوية، الكيمياوية و لذلك كان للمشرع الجزائري موفقا في الحديث عن الكتابة دون المطبوعات باعتبار أن الكتابة تشمل المطبوعات بشتى أنواعها من صحف و إعلانات و مجلات.
II. وسائل التمثيل:
تتمثل في الرسوم و الصور و النقوش او الحفر و الرموز و الصوت و الصور الشمسية و هو تعداد حصري لوسائل التمثيل و هنا و طرق التمثيل لم يتم ذكرها أو قد يكشف عنها التطور الحديث و مثال: ذلك النشر بشبكة الأنترنيت.
أ- الرسوم Dessines : الرسوم وجه من الأوجه الفنية للتعبير عن الفكرة من خلال الطبع على الورق او النعت على الخشب في الحفر في المدن و الرسم على الجرائم و يمكن أن تتم الجريمة بالرسم مثل التحريض على البغض و العنف ضد من يعتنقون ديائم المادة 144 مكرر 2.
ب- الصور Peinture:
تعرف الصور بانها نوع من الرسوم يعتمد على الطلال و الألوان و التصوير بالأبيض و الأسود أو الرش على الورق أو الكريكاتير و ما يميز ها عن التصوير الشمسي أنها قد يوجه من الخيال و لم تكن مطابقة للأصل.
ج- الصور الشمسية Photographie:
عبارة عن نقل أو تشيت أو طبع فيه الصور و الأشياء الموجودة فعلا اعتماد على التأثير الضوئي و سواءا تغلبت بالطرق اللاسلكي على شاشة التلفاز أو عبر الشبكات الالكترونية أو عن طريق إحدى كاميرات الفيديو.
د- الرموز enblémes :
الرموز عبارة عن أشكال ترمز إلى أشياء معينة تمثل الميدانيات و العلامات و الحروف التي ترمز إلى فكرة او تاريخ أو تقيد أي معنى آخر.
- وسائل التمثيل الأخرى:
تشمل وسائل التمثيل الأخرى وسائل التعبير الرأي بالفن غير الكتابي مثل النقوش Gruvus و النعت sculpture و الصور المجسمة و الصور المذاعة بالتلفزيون و الأنترنت.
الفرع الثاني: النتيجة
يهدف المشرع الجزائري من وراء تجريم الجرائم التي تقع بواسطة الصحف و غيرها من طرق النشر و التي نص عليها في المواد من 42-43 في قانون الصحافة إلى تلاقي الأضرار التي تصيب الدولة من خلال التحريض على إرتكاب الجرائم التي تشكل اعتداء على نظام الدولة السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي.
كما أن المشرع يحول دون الإعتداء الذي يقع على المواطنين سواء تمثل في الإعتداء على الشرف و الاعتبار أو على الحياة الخاصة أو على حقوق الدولة التي يسبق إيضاح كل منهما من خلال عقوبات رادعة تمنع هذا الإعتداء.
و النتيجة هي الأثر المادي و القانوني الذي يترتب على السلوك الذي يقرر المشرع له عقوبة، و يتضح من خلال هذا التعريف أن النتيجة تقوم على معنيين هما: المعنى المادي و المعنى القانوني.
أولا: النتيجة في المدى المادي:
يقصد به التغيير الملموس الذي يحدث في العالم الخارجي كأثر للنشاط الإجرامي ( ) وهو يمس الأفراد و الدولة و مثال التغيير الذي يمس الأفراد نتيجة للنشر المتضمن اعتداء على الحق في الشرف و الاعتبار السب، القذف أو الذي يمس الدولة مثل النشر المتصل بأسرار الدفاع.
يوجد نوع من الجرائم لا يترتب عليه تغيير مادي في القاسم الخارجي كأثر السلوك الإجرامي هي الجرائم شكلية.
ثانيا: النتيجة في المعنى القانوني:
هي الاعتداء على المصلحة التي يرى الشارع جدارتها بالحماية الجنائية و لها صورتين:
الأولى: هي الأضرار بالمصلحة المحمية سواء عن طريق تعطيلها كلية أو إنقاصها، كما هو الحال في نتيجة جريمة القذف و السب عن طريق الصحف.
الثانية: هي مجرد تعريض هذه المصلحة للخطر كما هو الحال في النشر المتصل بأسرار الدفاع .( )
المصلحة بين مدلولي النتيجة:
يوجد بين مدلولي النتيجة صلة وثيقة، غير انه لا ينبغي وجود أحدهما عن الآخر حيث يمثل المدلول القانوني الجانب الموضوعي من عدم المشروعية، و الحديث عن إعتداء على المصلحة التي يجمعها القانون هو تكييف قانوني للآثار الناتجة عن السلوك المادي، و بالتالي الحديث عن الإعتداء على الحق في الشرف و الاعتبار هو تكييف قانوني للنشر الذي تضمن الألفاظ التي توجب العقاب أو الاحتقار.( )
بالتالي المدلول القانوني يقوم على أساس مدلولها المادي و يحدد نطاقه و هو السبيل لتجنب الآثار المادية التي لا تمثل أهمية، لأنها لا تمثل إعتداء على حق أو مصلحة يحميها القانون ( ) و لذلك في جرائم القذف و السب عن طريق الصحف ما يعني الإعتداء على الحق في الشرف و الاعتبار، أما إذا ترتب على النشر فعل المجني عليه على وظيفته او طلاق زوجته، فهنا ليست موضع إهتمام من جانب القانون.
نرى في هذا الشأن أن مسؤولية رئيس التحرير أو مدير النشر هي من الجرائم المادية نظرا لأن الاعتداء على المصالح المحمية قانون الذي يحدث في العالم الخارجي كأثر السلوك النشر، ثم نتيجة لعدم قيام كل منهما بواجب الرقابة الذي فرضه عليه القانون، لان له من السلطة التي تمكنه من منع نشر ما يشكل جريمة.
كما أن الجرائم السلبية مثل جرائم الامتناع تقوم بمجرد السلوك السلبي كما هو الحال في امتناع القاضي عن الحكم في الدعوى. أما في جرائم الصحافة فإن جريمة رئيس التحرير لا تقوم إلا إذا ترتب على النشر نتيجة هو المساس بحقوق الأفراد التي تتمثل في الحق في الشرف و الاعتبار او الحق في الحياة الخاصة. و غيرهما من الحقوق. أو بمصلحة الدولة كما هو الحال في التعدي على أسرارها.
و تعد جرائم الصحافة من الجرائم الوقتية بالرغم من استمرار وقائعها، و الفعل الأول للنشر يحدد الجريمة و يكون بداية حساب مدة تقادم الجرمية. ( )
ثالثا: دور النتيجة الإجرامية في البناء القانوني لجرائم الصحافة:
يعتد المشرع بالنتيجة الإجرامية في حالات محددة و ينسب مقاومته من خلال الدور الذي يقوم به في الجريمة في حالات ثلاث صور نعرضها على النحو التالي:
- الصورة الأولى: يتطلب المشرع تحقيق النتيجة باعتبارها احد عناصر الركن المادي و كأثر للسلوك الإجرامي يترتب عليه الإعتداء على مصلحة أو حق قدر الشارع جدارته بالحماية. ( )
و مثال ذلك الجريمة المنصوص عليه في المادة 333 مكرر من قانون العقوبات الجزائري و التي تنص على " يعاقب بالحبس من 02 شهر إلى سنتين و بغرامة من 500 إلى 2000 دج كل من صنع أو حاز أو استورد أو سعى الى استيراد من أجل التجارة أو وزع أو أجر أو لصق أو قام معرضا او عرض او شرع في العرض للجمهور أو باع أو شرع في البيع أو وزع أو شرع في التوزيع كل مطبوع او محرر أو رسم أو إعلان أو صور أو لوحات زيتية أو صور فوتوغرافية او أصل الصورة أو انتج أي شيء مخل بالحياء
- الصورة الثانية: يساوي فيها المشرع بين حدوث النتيجة و بين احتمال حدوثها، و مثال ذلك المادة 147 من قانون العقوبات الجزائري التي تنص على ما يلي: " الأفعال الآتية تعرض مرتكبها للعقوبات في الفقرتين المقررة في الفقرتين 1 و 3 من المادة 144.
1- الأفعال و الأقوال و الكتابات العلنية التي يكون الغرض منها التقليل من شأن الأحكام القضائية التي يكون من طبيعتها المساس بسلطة القضاء أو إستقلاله".
و مثال ذلك الجريمة المنصوص عليها في المادة 100 من قانون العقوبات الجزائري التي تعاقب على تحريض طائفة أو طوائف من الناس أو على الازدراء إذا كان من شأن هذا التحريض تكدير السلم العام فالمشرع يساوي بين التذكير الغلطي و المحتمل السلم العام كنتيجة لسلوك التحريض.
- الصورة الثالثة: لا يتطلب المشرع تحقيق النتيجة باعتبارها إحدى عناصر الركن المادي، و ذلك في الجرائم الشكلية التي تقوم على السلوك فقط دون الاعتداء بنتيجته، و مثال ذلك المادة 144 من قانون العقوبات التي تعاقب على التحريض المباشر على جنايات القتل أو النهب أو الحرق او الجنايات المخلة بأمن الحكومة و لم تترتب على تحريضه أي نتيجة.
رابعا: إمكانية الشروع في جرائم الصحافة:
يعرف الشروع بأنه البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة إذا أوقف أوخاب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها، و هذا ما عرفته المادة 30 ( ) من قانون العقوبات الجزائري في الفصل الثاني الخاص بالمحاولة حيث نصت على " كل محاولات جناية تبتدئ بالشروع في التنفيذ أو بأفعال لا بأس فيها تؤدي مباشرة إلى ارتكابها تعتبر كالجناية نفسها إذا لم توقف أو لم يخب أثرها إلا نتيجة لظروف مستقلة عن إرادة مرتكبها حتى و لو لم يكن سن البلوغ الهدف المقصود بسبب ظرف مادي يجهله مرتكبها".
و لا يعتبر شروعا في الجناية أو الجنحة مجرد العزم على ارتكابها و لا الأعمال التي ضرورية لذلك.
وفقا لهذه المادة فإن أركان الشروع هي: البدء في تنفيذ فعل" و قصد ارتكاب جناية أو جنحة، و إيقاف خيبته لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها.
و يعاقب المشرع على الشروع في الجنايات و الجنح، إلا ما لا يتصور الشروع كما هو الحال في جريمة شهادة الزور، التي تقع تامة بمجرد الإدلاء بالشهادة.
و قد وجب خلاف فهي شان تصور الشروع في جرائم الصحافة بسبب اشتراط المشرع توافر العلانية في هذه الجرائم، و بالتالي مدى تصور الشروع بشأنها و يعود هذا الخلاف إلى مدى تصور البدء في تنفيذ جرائم الصحافة دون تحقيق شرط العلانية، و هو ما يتطلب منا قبل الحديث عن هذا الخلاف الفقهي بيان في تنفيذ الجريمة، و المعيار الذي يستند إليه.
1- البدء في تنفيذ الجريمة:
تحديد البدء في تنفيذ الجريمة يقتضي بيان المراحل التي تمر بها الجريمة، حتى يمكن أن تحدد يشكل الفعل بدءا في تنفيذ الجريمة، فتعتبر مرحلة التفكير في الجريمة و التصميم عليها أولى مراحل إرتكاب الجريمة، هي مرحلة نفسية لا يعاقب عليها المشرع، فالمشرع لا يعاقب على النوايا و لو كانت ثابتة، و يعقب هذه المرحلة للتعبير عن فكرة الجريمة إلى الغير و هي أيضا غير معاقب عليها، و ذلك لان الجاني لم يقيم فعل في سبيل الجريمة، كما هو الحال في قيام الصحفي بإعداد المقال الصحفي و كتابته دون أن يرسله لرئيس التحرير أو إلى المطبعة، و هذه المرحلة غير معاقب عليها أيضا لأنها لا تهدد حقا أو مصلحة قانونية للأفراد أو الدولة. ( )
2- معيار البدء في تنفيذ الحرية:
تحديد معيار البدء في التنفيذ الذي بمقتضاه يتم التمييز بين العمل التحضيري و العمل التنفيذي محل خلاف فقهي يمكن رده إلى مذهبان هما: المذهب المادي أو الموضوعي .
2-1- المذهب المادي أو الموضوعي: يعتبر الفعل بدءا في تنفيذ الجريمة وفقا لهذا المذهب إذا كان ذاهلة وثيقة بالركن المادي للجريمة بحيث يهدد حقا يحميه القانون و قد اختلف أنصار هذا المذهب أداء هي:
1- ان البدء في التنفيذ هو البدء في إرتكاب الفعل الذي يشكل جزء من الأعمال المادية المكونة للجريمة.
2- أن البدء في التنفيذ يتوافر كلما كان الفعل الذي أتاه الجاني يؤدي إلى احتمال حدوث النتيجة الإجرامية.
3- أن البدء في التنفيذ يتوافر كل فعل يكون ظرفا مشددا للجريمة.
و جميع هذه الآراء تشترك في الاعتماد على ماديات النشاط الإجرامي، كما أن معيار البدء في التنفيذ، يعتمد على خطورة الفعل و ما يؤدي إليه من احتمال حدوث النتيجة الإجرامية.
2-2- المذهب الشخصي:
يعتمد المذهب الشخصي على النية الإجرامية لدى الجاني، أيا ما تنطوي عليه شخصيته من خطورة إجرامية، وفقا لهذا المذهب فإن البدء في تنفيذ الفعل يتحقق في اللحظة التي يكون الجاني حاسم في طريق ارتكاب الجريمة، و بالتالي هو الفعل الذي يؤدي حالا و مباشرة إلى ارتكاب الجريمة أي أنه أحد الأعمال الأخيرة التي تسبق تنفيذ الجريمة.( )
الخلاف الفقهي بشأن تصور الشروع في جرائم الصحافة:
ذهب جانب من التشريع إلى عدم تصور الشروع في جرائم الصحافة استنادا إلى شرط العلانية الذي يقوم عليه الجريمة، لأن الشروع يعني توقف النشر الذي معناه توافر العلانية. و بالتالي الجريمة لا وجود لها، اما في حالة تمام النشر حتى و لو لم تتحقق الغاية التي تهدف إليها الكتب لم نكن بصدد شروع بل بصدد جريمة تامة، لأن أركانها القانونية قد توافرت.( )
و ذهب جانب آخر من الفقه إلى تصور الشروع في جرائم الصحافة بناء على أن المذهب السابق استند إلى المذهب الموضوعي في تفسير الشروع الذي يتطلب إرتكاب للجاني لأفعال تدخل في نطاق الركن المادي، غير أن هذا المذهب منتقد في حدادته نظرا لأنه يؤدي إلى عدم عقاب الكثير من على الشروع فلا الجريمة بالرغم من توافر نية ارتكابها لديهم.( )
و نؤيد الرأي الثاني في تصور الشروع في جرائم الصحافة سواء تمت بطرق العلانية التقليدية أو تمت بإحدى الوسائل الحديثة.
الفرع الثالث: علاقة السببية:
علاقة السببية هي العنصر الثالث من عناصر الركن المادي للجريمة و شأنه في جرائم الصحافة هو شان كل الجرائم، فلا يترتب على عمل النشر الذي يمثل الاعتداء على الحق الذي يحميه القانون نتيجة إجرامية يسند إليه وقوعها من خلال رابطة سببية بينهم تصل النشاط بالنتيجة الإجرامية التي أحدثها، و التي بمقتضاها يمكن أن تسند الثانية إلى الأول باعتباره سبابها، و باعتبار أن النتيجة نتاج السلوك.( )
إن العلاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بفعل المتسبب و ترتبط من الناحية المعنوية بما يجب عليه ان يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله عمدا او خروجه فيما يرتكبه بخطئه عن إرادة التبصر بالعواقب المادية لسلوكه و التصور من أن يلحق عمله ضرر بالتبرر.
أولا: المجال الذي توفر فيه علاقة السببية في جرائم الصحافة
تثار مشكلة علاقة السببية في الحالات التي لا يقضي فيها الفعل وحده إلى النتيجة الإجرامية المخطورة بل تدخل معه مجموعة من العوامل تساعد على وقوع النتيجة المجرمة.
و باعتبار علاقة السببية رابطة بين الفعل و النتيجة، فإن البحث في مدى توافرها يقتضي أولا وقوع فعل غير مشروع أو قضى إلى نتيجة يعاقب عليها القانون، و بالتالي إذا كان الفعل مشروعا و لكن نتجت عنه نتيجة إجرامية فيما بعد أو لم يصدر نشاط خارجي من جانب الجاني كما لو تتوقف مشروعيته عند التفكير في الجريمة و التدبير لها أو العزم و التصميم على تنفيذها أو التحضير لذلك فلا محل للبحث في علاقة السببية ( )، كما هو الحال في قيام الصحفي بكتابة مقال يتضمن إحدى جرائم الصحافة و وضعه في درج مكتبه أن يرسله إلى رئيس التحرير.
و لا تثار مشكلة علاقة السببية في الجرائم السلبية التي تتم بامتناع مجرد لا تترتب عليه نتيجة، و هي الجرائم الشكلية أو المادية التي لا يتطلب القانون سماعها نتيجة مادية بل أنها تقع بمجرد السلوك المحض.
ثانيا: طبيعة علاقة السببية في جرائم الصحافة
تعد علاقة السببية أساس المسؤولية الجنائية عن فعل النشر، و تعني إسناد الجريمة ماديا إلى القائم بهذا النشر، و هي التي تقصر مبدأ التجريم على الوقائع المادية التي ترتبط بنتيجة إجرامية دون النوايا و المعتقدات.( )
ثالثا: معيار علاقة السببية:
انقسم الفقه حول وضع ضابط لعلاقة السببية إلى نظريتين: نظرية تعادل الأسباب و نظرية السببية الكافية أو الملائمة، و يذهب التشريع إلى الأخذ بنظرية السببية الكافية باعتبار أن علاقة السببية تقوم بين فعل الجاني و النتيجة الإجرامية، حتى و لو ساهمت عوامل أخرى في الوصول إلى هذه النتيجة طالما كانت هذه العوامل مألوفة وفقا للسير العادي للأمور.
و قد عبر عن هذا بأن العامل مسؤول دائما عن النتائج التي أمكنه أو وجب عليه افتراضها و أن رابطة السببية بين الوفاة و بين الجروح التي أحدثت عندما لا تنعدم إلا إذا كانت الوفاة ناشئة فقط عن وقائع حدثت عرضا و بعد الإصابة بنوع أن الفاعل لم يكن في إمكانه افتراضها.
كما أن علاقة السببية علاقة مادية تبدأ بفعل المتسبب و ترتبط من الناحية المعنوية بما كان يجب عليه ان يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا أتاه عمدا.
و مع ذلك تقطع علاقة السببية العوامل الشاذة غير مألوفة، و التي لم يكن في استطاعة الجاني توقعها وفقا للمجرى العادي للأمور.
المطلب الثاني: الركن المعنوي
جرائم الصحافة جرائم عمدية و بالتالي يقوم ركنها المعنوي على توافر القصد الجنائي، أي اتجاه إرادة الجاني إلى إرتكاب النشاط الإجرامي و إلى النتيجة المترتبة عليه، مع علمه بها و بكافة العناصر التي يتطلبها القانون العام لقيام الجريمة.
و يعرف القصد الجنائي بأنه علم بعناصر الجريمة و إرادة متجهة إلى تحقيق هذه العناصر او إلى قبولها. و يتكون من عنصرين هما العلم و الإرادة.
الفرع الأول: العلم
يقصد بالعلم التصور لحقيقة الشيء على نحو يطابق الواقع، و يشترط فيه أن يكون تماما و معاصرا للنشاط الإجرامي المكون للركن المادي للجريمة.( )
و يذهب جانب من الفقه إلى تعريفه بأنه هو حالة ذهنية تعتمد على العلاقة بين أمر من الأمور و النشاط الذهني المتصل به لشخص من الأشخاص، و بدون العلم لا يمكن تصور الإرادة المتجهة إلى إرتكاب الجريمة إذ كيف يتوجه النشاط النفسي لإحدى الوقائع دون علم بها( ) و عليه فالشر لا يكون مقصودا إلا إذا تمثله الصحفي بالعلم بجميع عناصره في ضوء القيم السائدة في المجتمع قبل تحقيقه عملا و في الواقع.
القصد الجنائي في جريمة القذف يتوافر إذا كان القاذف يعلم بان الخبر الذي نشره يوجب عقاب المجني عليه أو احتقاره و هذا العلم مفترض إذا كانت العبارات موضوع القذف شائنة بذاتها و مقذعة.
الفرع الثاني: الإرادة
و تعرف بأنها نشاط نفسي يصدر عن وعي و إدراك يتجه إلى تحقيق غرض معين بوسيلة معينة، و بالتالي فهي تفترض العلم بالغرض المستهدف تحقيقه، و الوسيلة التي تمكن من تحقيق هذا الغرض ( )، كما يمكن تعريفها بأنها نشاط نفساني يقتضي في شكله الكامل حرية تمثل أوامر و إبرازه إلى العالم الخارجي.
و في ذلك يذهب جانب من الفقه إلى أن للإرادة عناصر ثلاثة: عنصر نفسي، عنصر مادي، و عنصر ثالث يتعلق بحرية الاختيار. ( )
و ينحصر الجانب النفسي للإرادة في العملية الذهنية التي تؤدي إلى اتخاذ قرار القيام بعمل معين من خلال هذه الإرادة، أما العنصر المادي فإنه يتحقق من خلال الحركة العضوية التي يقوم بها الجاني سواء تمثلت في صورة الفعل أو الامتناع.
و يمر العمل الإرادي في ذهن الإنسان بعدة مراحل تبدأ بالسبب أو الدافع أو الباعث على التفكير في السلوك و تنتهي بالعزم على توجيه الإرادة نحو هذا السلوك، ثم تنفيذ ما انعقدت عليه الإرادة.
و القصد الجنائي نوعان عام و خاص، و تختلف عناصر القصد العام عن عناصر القصد الخاص في تطلب المشرع عنصرا إضافيا علاوة على العلم.
و قد قضى بأن معظم جرائم الصحافة تكتفي بالقصد العام، الذي يتمثل في تعمد اقتراف الفعل المادي، و بالإضافة إلى ذلك تعمد النتيجة المترتبة على الفعل.
كما قضى بان الألفاظ متى كانت دالة بذاتها على معاني القذف و السب وجبت محاسبة كاتبها عليها بغض النظر عن البواعث التي دفعته لنشرها.
كما قضى بأنه يكفي لتوافر القصد الجنائي لدى القاذف في هذا الشأن أن تكون المطاعن الصادرة منه محشوة بالعبارات الشائنة و الألفاظ المقذعة فهذه لا تترك مجالا لافتراض حسن النية عند مراسلتها.
و قضى بان عنصر سوء النية يتحقق بكذب الواقعة، و يستفاء من هده العبارات المستخدمة، و حيث أنه من المقرر أن القصد الجنائي قصد الإسناد أو الإذاعة في جريمة القذف أو السب إنما يتوافر متى نشر القاذف أو الساب العبارات الماسة بالشرف أو السمعة أو الاعتبار مع علمه بأنها لو كانت صادقة لأوجبت عقاب المقذوف في حقه أو إحتقاره أو الحط من شرفه و كرامته، و يستفاء هذا العلم هذه العبارات شائنة بذاتها تحمل بنفسها الدليل الكافي على توافر القصد الجنائي.
و قد ثار غلاف فقهي بشأن نوع القصد الذي تتطلبه بعض جرائم الصحافة و مثال ذلك جريمة نشر الأخبار الكاذبة التي اشترط القانون ان يكون النشر تم بسوء قصد، أو سوء نية.
و تتطلب هذه الجريمة قصدا جنائيا خاصا لا يكفي لتوفره مجرد إثبات أن الناشر كان يعلم بان الخبر كاذب او الورقة مزورة و ان من شان النشر تكدير السلم العام أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة، بل لابد أن تكون نية الصحفي قد اتجهت إلى إحداث هذه النتائج فعلا.
و تعبير سوء النية الذي قد يعني تطلب قصدا خاصا يختلف عن بعض المصطلحات التي يتطلبها المشرع مثل تعبير نية الإضرار، بحيث يرى جانب من الفقه أن تعبير نية الإضرار تعبير غير سليم، و ذلك لان إرادة الإضرار لا يشترط في القذف، و لكن يتم من خلال تكرار الأقوال التي يتضمنها على الجمهور، حتى و لو لم يكن لدى الجاني نية الإضرار بالمجني عليه.
كما أن لسوء النية دورها في توافر القصد الجنائي، فإن لحسن النية دورا كبيرا في استبعاد المسؤولية الجنائية، و تحديد حسن النية يكون بواسطة القضاة.
" و حسن النية ليس معنى باطنيا بقدر ما هو موقف أو حالة يوجد فيها الشخص تشوه حكمه على الأمور رغم تقديره لها تقديرا كافيا و اعتماده في تصرفه على أسباب معقولة". فإثبات حسن النية لا يكون سبب لإباحة القذف إلا إذا تعلق بموظف عام و كان متصلا بأعمال وظيفته، و بشرط إثبات حقيقة ما أسند إليه.
و يذهب جانب من الفقه إلى أن حسن النية في جرائم الصحافة يتطلب الصورة و مشروعية الهدف من وراء النشر، و نسبية الضرر بواسطة تقرير الهدف المتبع و الاعتدال او الحكمة في التعبير. و لا يمكن للمتهم في الوضع الطبيعي نفي القصد الجنائي من خلال إثبات حسن نيته، لان حسن النية لا يصلح لنفي القد الجنائي إلا حيث يكون سوء النية مطلوب توافره من خلال اشتراط قصد خاص. ( )