yacine414
2011-04-17, 18:21
الخطة
المقـدمـة
الفصــــل الأول : ماهية الشروع .
المبحث الأول : المراحل التي تمر بها الجريمة .
المطلب الأول : التفكير في الجريمة .
المطلب الثاني : التحضير للجريمة .
المطلب الثالث : مرحلة التنفيذ أو الشروع .
المطلب الرابع : تمام الجريمة .
المبحث الثاني : مفهوم الشروع .
المطلب الأول : تعريف الشروع .
الفرع 1 : التعريف الجزائري .
الفرع 2 : التعريف المصري .
المطلب الثاني : الشروع في الجريمة في الشريعة الإسلامية
الفرع 1 : مراحل الجريمة في الشريعة .
الفرع 2 : العقاب على الشروع في الشريعة .
الفصـل الثاني : أحكام الشروع .
المبحث الأول :أركان الشروع .
المطلب الأول : البدء في التنفيذ .
الفرع 1 : أهمية تحديد البدء في التنفيذ .
الفرع 2 : ضابط التفرقة بين البدء في التنفيذ والتحضير
الفرع 3 : مقارنة المذهب الشخصي و المادي .
المطلب الثاني : الركن المعنوي .
الفرع 1 : مفهوم الركن المعنوي .
الفرع 2 : مدى العمد و محله .
المطلب الثالث : الجريمة الخائبة .
الفرع 1 : ماهية العدول الإختياري .
الفرع 2 : الجريمة المستحيلة .
المبحث الثاني : عقوبة الشروع .
المطلب الأول : عند المشرع الجزائري .
المطلب الثاني : عند المشرع المصري .
الخاتمـــــة .
المقدمة
تتفق الجرائم فيما بينها في أركانها الأساسية ، فهي تقوم بوجه عام على ركنين أحدهم مادي و الأخر معنوي و لكنها تختلف بعد ذلك فيما بينها من حيث صورة كل ركن و عناصره و قد تتعدد الجرائم و ترتبط فيما بينها ارتباطا متفاوت الدرجة و قد تقترن الجريمة بظروف معينة تؤثر في عقوبتها سواء بالتشديد أو بالتخفيف1 .
و يتطلب القانون في الجرائم المادية ذات النتيجة أن ينشأ عن السلوك المحظور نتيجة إجرامية حتى يكتمل الركن المادي لها ، ولكن قد يحدث أن يقوم الجاني بسلوكه المحظور كاملا و لكن دون تحقق النتيجة كما قد يبدأ الجاني بفعله و لكنه لا يكمله 2 .
و لقد ميز المشروع الجزائري بين ثلاثة مراحل تسبق ارتكاب الجريمة إذ أن التفكير في الجريمة يراد به مرحلة النشاط الذهني و النفسي ، فتطرأ فكرة ارتكاب الجريمة إذ أن التفكير في الجريمة على ذهنه و يراود نفسه بين الإقدام و الامتناع ، بعدها يعقد الجاني العزم على ارتكاب الجريمة في كل هذه المرحلة لا يهتم المشرع بما يدور في ذهن و نفس الشخص إلا إذا ظهر التفكير في صورة نشاط خارجي كالاتفاق مع آخرين على ارتكاب الجرائم ، فهنا فقط يرى المشرع أن في تلاقي إيرادات الأفراد على ارتكاب الجنايات و تكوين عصابات ، يعد فعلا خطرا يهدد المصالح التي يحميها المشرع فيجرمه في المادة 176 و لكن يلاحظ أنه في هذه الحالة فإن المشرع لم يجرم مجرد التفكير الخالص في الجريمة و إنما جرم التفكير و التصميم على ارتكاب الجريمة إذ تكون له مظهر خارجي هو تكوين جمعية أشرار ثم تظهر من الجاني أعمال ملموسة كأن يشتري . السلاح الذي يستعمله في القتـل ، أو الآلات .
_________________
1 الدكتور عوض محمد ص 292 قانون العقوبات القسم العام .
2 الأستاد عبد الله سليمان ص 163 شرح قانون العقوبات الجزائري القسم العام ج 1 ( الجريمة ) .
التي يستعملها في السرقة فهذه الأعمال تعتبر تحضيرية و بالرغم من ذلك جرمها المشرع الجزائري بصفة مستقلة كمجرد تقليد مفاتيح جرمه المشرع الجزائري في المادة 358 و تأتي بعد ذلك مرحلة يتجاوز فيها الجاني التفكير و التحضير .
ليسلك الجريمة لكن فعله لا يصل إلى مرحلة التنفيذ الكامل للجريمة ، وفي هذه الحالة يعد المشرع بفعل الجاني و يجرمها في الجنايات و بعض الجنح ، فيرتكب الجاني السلوك المحضور كله أو بعضه دون أن تكتمل الركن المادي للجريمة وتسمى هذه الحالة " الشروع " .
الفصل الاول ماهية الشروع
الفصل الأول ___________________________ ماهية الشروع
تمر الجريمة التامة بعدة مراحل و هي التفكير و التحضير للجريمة ثم مرحلة التحضير للجريمة و يبدأ في تنفيذها و هو بذلك يدخل في مرحلة الشروع ثم مرحلة إتمام الجريمة و سوف تستعرض في هذا الفصل المراحل التي تمر بها الجريمة ثم التعريفات الفقهية و الشروع الشريعة الإسلامية 1 .
المبحث الأول : المراحل التي تمر بها الجريمة :
لا تقع الجريمة دفعة واحدة و لكنها في أكثر الأحيان تمر بعدة مراحل سواء كانت جرائم عمدية أو غير عمدية ، وتمر الجريمة في العادة بمرحلتين هما التنفيذ و التمام ، بينما تتميز الجرائم العمدية بمرحلة أخرى هي التفكير و قد يتخلل التفكير و التنفيذ مرحلة أخرى يتم فيها الإعداد و التحضير و على ذلك فالمراحل التي يمكن أن تمر بها الجريمة أربعة ، التفكير ، التحضير ، التنفيذ و التمام و لا عقاب على التفكير في الجريمة و لا التحضير لها و لكن العقاب واجب عند تمامها .
المطلب الأول : التفكير في الجريمة .
فلا عقاب عليه و لو خلص الجاني بعد التفكير إلى العزم و التصميم ، فامتناع العقاب لا يرجع إلى صعوبة الإثبات فقد يجهر الشخص بما اعتزم أو شهد شاهد على عزمه و إنما يمتنع العقاب في الأساس إلى أن الجريمة لا تقوم بالنية و حدها و إنما بأفعال تصدر عن إرادة آثمة و إذا كان التصميم على ارتكاب الجريمة غير كاف لقيامها في الوقت نفسه لا يعد شروعا فيها ، لأن الشروع في أمر يقضي بالضرورة نشاطا يتجاوز مجرد التصميم عليه .
و إذا كان القانون يعاقب على بعض الجرائم المعنية في بعض نصوصه لمجرد التحريض على ارتكابها أو التهديد بها أو الاتفاق الجنائي، فليس في ذلك نقض للحكم السابق لأننا بصدد نوايا مجردة و لكننا بصدد أفعال خارجية.
____________________
1 الدكتور عوض محمد ، ص 293 ( قانون العقوبات - القسم العام )
الفصل الأول _____________________________ ماهية الشروع
جاوزت العزم و إن أفصحت عنه و العقاب عليها مقرر لا باعتبارها شروعا في الجريمة التي انصب التحريض ، التهديد أو الاتفاق عليها ، باعتبارها جريمة قائمة بذاتها لها أركانها المستقلة و عقوبتها المتميزة .
المطلب الثاني : التحضير للجريمة .
يعني الإعداد لها بتهيئة الوسائل التي يعين الجاني على ارتكابها وتتيح له التخلص من عواقبها و قد يقتضي ذلك تدبير الأداة اللازمة أو إعداد المكان أو تهيئة بعض الظروف و تختلف صورة هذه الأعمال باختلاف الجرائم ، وقد تختلف في الجريمة الواحدة باختلاف الجاني و المجني عليه عن الأعمال التحضيرية للحريق1 .
و القاعدة أن الأعمال التحضيرية للجريمة لا عقاب عليها فلا تعتبر شروعا في الجريمة لأن التجهيز و أعمال التحضير لا تتضمن في الغالب خطرا يهدد مصلحة اجتماعية هامة ( فهناك حالات استثنائية يعاقب فيها المشرع على مجرد الأعمال التحضيرية لما يقدر فيها من خطر التهديد لمصلحة المجتمع و يعتبرها جرائم مستقلة بذاتها حتى و لو لم ترتكب الجريمة هذه الأعمال للتحضير لها و من أمثلة ذلك تحريم حمل السلاح بدون ترخيص ، وتحريم اقتناء عبارات ) .
بالإضافة إلى ما تنطوي عليه من غموض وشك حول الهدف منها ، فمن يشتري سلاحا قد يكون الهدف منه القتل كما قد يكون هذا الهدف هو استعماله للدفاع عن النفس ، فضلا عن عدم العقاب عليها يفسح للجاني المجال للعدول عن فكرة الجريمة وعدم تنفيذها2 .
________________
1 الدكتور عوض محمد ص 294 نفس المرجع السابق .
2 الدكتور عبد القادر القهوجي ص 194 قانون العقوبات القسم العام .
الفصل الأول ___________________________________ ماهية الشروع
المطلب الثالث : مرحلة التنفيذ أو الشروع .
وهي مرحلة الشروع في الجريمة وهي البدء في تنفيذها و هذه المرحلة معاقب عليها و المرحلة هذه هي أشد خطرا ، الآن فيها مساس مباشر بالحق أو بالمصلحة التي يحميها القانون و لا يختلط البدء في تنفيذ الجريمة بتمامها و لذلك فالتمييز لا يثير صعوبة لكن الأمر يدق عندما يراد التمييز بين الأعمال التنفيذية و الأعمال التحضيرية ، وهذا التمييز على دقة كبيرة ، الآن البدء في التنفيذ على خلاف التحضير معاقب عليه بوجه عام .
المطلب الرابع : تمام الجريمة :
يراد به اكتمال أركان الجريمة و عناصرها نحو ما بينها القانون و يتحقق التمام حين يكون ما وقع مطابقا تماما لنموذج الجريمة كما حدده التجريم ، فإذ كان القانون يكتفي في الركن المادي بالسلوك المجرد كالسب و القذف و هتك العرض ، كانت لحظة التمام هي لحظة مقارنة السلوك بأكمله و إذا كان القانون يشترط في الركن المادي حدوث نتيجة معينة كما هو في القتل ، فإن لحظة التمام هي لحظة وقوع النتيجة .
أما العوامل و الظروف التي تؤثر في مدى العقاب فلا اعتداد بها عند البحث في تمام الجريمة و ذلك فإن تراخيها لا يحول دون تمام الجريمة نفسها ، فإن إخفاق الجاني في تحقيق النتيجة التي ارتكب الجريمة من أجلها لا يؤثر على تمامها كما يعاقب القانون كل من دخل عقارا في حيازة أخر بقصد إرتكاب جريمة فيه ، فهذه الجريمة تتم بمجرد الدخول المقترن بهذا القصد سواء تحقق للجاني ما أراد أو حيل بينه و بين ذلك .
وقد تكتمل عناصر الجريمة في لحظة معينة فيتحقق لها وصف التمام و لكن هذه الحالة لا تنتهي فورا بل تمتد زمنا ، كحيازة السلاح بغير ترخيص و إخفاء المسروقات و استعمال المحررات المزورة فالجريمة تبلغ حد التمام بفعل الإحراز أو الخفاء أو الاستعمال و ذلك يتحقق في لحظة محددة أما الامتداد الفعل فيطيل رحلة التمام فحسب .
_________________________________
الدكتور عوض محمد ص 295 نفس المرجع السابق .
الفصل الأول ___________________________ ماهية الشروع
المبحث الثاني : مفهوم الشروع :
تكون بصدد محاولة ( TENTATIVE ) لارتكاب الجريمة عندما يبدأ الفاعل بارتكابها ثم يجد نفسه مجبرا على التوقف تحت تأثير ظروف خارجة عن إرادته (المحاولة بالمفهوم العام ) و تكون من جهة أخرى بصدد جريمة خائبة ( DELIMANQUE ) عندما يقوم الفاعل بمواصلة التنفيذ إلى أخره ..... ولكن لا يفلح في الوصول إلى الهدف المقصود من قبله لأنه مثلا " لا يحسن الرمي ".
المطلب الأول : تعريف الشروع .
الفرع الأول : التعريف عند المشرع الجزائري .
تحت عنوان المحاولة نص قانون العقوبات الجزائري على الشروع في المادة 30 " كل محاولات لارتكاب جناية تبدأ بالشروع في التنفيذ أو بأفعال لا لبس فيها يؤدي مباشرة إلى ارتكابها تعتبر كالجناية نفسها إذا لم توقف أو يخب أثرها إلا نتيجة لظروف مستقلة عن إرادة مرتكبها حتى و لو لم يكن بلوغ الهدف المقصود بسبب ظرف مادي يجهله مرتكبها " 2 .
يتضح من النص أن جريمة قد وقعت و لكنها لم تكتمل فهي جريمة ناقصة أوقف تنفيذه قبل إتمامها أو خاب أثرها و لقد جرى العرف على دراسة هذه المسائل تحت عنوان المحاولة بمفهومها الواسع و في تلك الحالتين نجد أن الجريمة لم ترتكب فالضحية لم تقتل و النقود لم تسرق و يجب معرفة ما إذا كان الجزء الصغير من العنصر المادي و المكون من قبل المحاولة أو الجريمة الخائبة يسمح بمعاقبة الفاعل بعد أن كشف أمره بسبب الخطر الكامن فيه ، ففي الحالتين السابقتين تجد المشرع الجزائري عمل على حماية المجتمع مع اشتراط ضرورة توافر العنصر المادي للجريمة ولقد فرق المشرع الجزائري في المادة 30 بين المحاولة بالمفهوم العام وكذا الجريمة الخائبة فيتضح من النص أن الجريمة قد وضعت و لكنها لم تكتمل فهي جريمة ناقصة أو وقف تنفيذها قبل إتمامها أو خاب أثرها بسبب خارج عن إرادة الجاني وهذه الجرائم لا تكون إلا في الجنايات و بعض الجنح بشرط أن ينص القانون على ذلك المادة 31 من قانون العقوبات الجزائري و لكنها غير متصورة أبدا في المخالفات نفس المادة 31 .
الفصل الأول ___________________________________ ماهية الشروع
يحمل الشروع في طياته كل معاني الاعتداء على المصلحة المحمية و لكنه إذا أوقف أو خاب أثره فقد تحول من صورة الاعتداء الفعلي إلى صورة إعتداء يهدد بالخطر فهو بمثابة إعتداء محتمل حيث أن القانون يحمي المصالح من كل إعتداء محتمل عليها لذا فقد وجب تجريم الشروع بوصفة إعتداءا محتملا يهدد المصالح المحمية بخطر مصدره جرائم الشروع الذي يكمن في أفعال الجاني و نيته الإجرامية في إرتكاب الجريمة من جهة أخرى1 .
الفرع الثاني : التعريف المصري .
نصت المادة 45 من قانون العقوبات المصري على أن " الشروع هو البدء في تنفيذ فعل بقصد إرتكاب جناية أو جنحة إذا أوقف أو خاب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها و لا يعتبر شروعا في الجناية أو الجنحة مجرد العزم على إرتكابها ولا الأعمال التحضيرية لذلك .
و نستخلص من هذا النص أن الركن المادي في الشروع تتفق في جنسه و نوعه مع الركن المادي في الجريمة التامة و لكنه إختلف عنه في كمه ، فهو بالقياس إليه يتسم بالنقصان ، أما الركن المعنوي في الشروع فهو العمد في كل الأحوال 2 .
و هكذا فإن الشروع في الجريمة لا يتحقق إلا إذا الجاني في إرتكاب الأفعال التي ترمي مباشرة إلى اقترافها و هو ما اصطلاح الفقه إلى تسميته بالبدء في تنفيذ الفعل الجرمي و عدم إتمام الجريمة لظروف خارجة عن إرادة الجاني أو الفاعل ، ذلك أن المفهوم في تلك الجرائم جميعا أنها لم تتم ، أي أنها برغم إستفائها لسائر الأركان و العناصر اللازمة لتمام الجريمة إلا أن النتيجة لم تقع .
الفصل الأول ___________________________________ ماهية الشروع
المطلب الثاني : الشروع في الجريمة في الشريعة الإسلامية 1 :
لم يهتم فقهاء الشريعة بوضع نظرية خاصة للشروع في الجرائم و لم يعرفوا لفظ الشروع بمعناه الفني كما نعرفه اليوم ، ولكنهم أعطوا اهتماما للتفرقة بين الجرائم التامة و الجرائم الغير تامة و يرجع ذلك لأن الشروع في الجرائم لا يعاقب عليه بقصاص ولا حد و إنما يعاقب عليه بالتعزير أيا كان نوع الجريمة ، وقد جرت العادة للفقهاء أن يهتموا فقط بجرائم الحدود و القصاص ، لأنها جرائم ثابتة لا يدخل على أركانها و شروطها التغيير كما أن عقوبتها مقدرة ليس للقاضي أبغلظها أو بقلصها أما جرائم التعزير فإذا استثنينا العد القليل الذي نصت علية الشريعة كتحريم الميتة و خيانة الأمانة فإن معظم هذه الجرائم متروك أمرها للسلطة التشريعية أي لأولى الأمر يجرمون من الأفعال ما يرونه ماسا بالمصلحة العامــــــة و يعاقبون عليه و جرائم التعزير عقوبتها ثابتة قد يعاقب عليها بعقوبات تافهة و قد يعاقب عليها بعقوبات جسيمة و قد تتغير أركانها بتغيير و جهة نظر أولــي الأمـــر و لهذا كله لم يتكلم الفقهاء عن جرائم التعزير إلا كلاما عاما و لم يتطرقوا إلى تفاصيل أركان الجريمة و شروطها و على هذا الأساس لم يتكلموا عن الشروع بصفة خاصة لأنه من جرائم التعزير .
وأما السبب الثاني فهو من قواعد الشريعة الموضوعة للعقاب على التعازير منعت من وضع قواعد خاصة للشروع في الجرائم ، لأن قواعد التعازيز كافية لحكم جرائم الشروع فالقاعدة في الشريعة أن التعزيز يكون في كل معصية ليس فيه حد مقدر و لا كفارة ، أي أن كل فعل تتبره الشريعة معصية هو جريمة يعاقب عليها بالتعزيز ما لم يكن معاقبا عليها بحد أو كفارة ، فكل شروع في فعل محرم لا يعاقب عليه إلا بالتعزيز و يعتبر كل شروع معاقب عليه معصية في حد ذاته أي جريمة تامة ، واو أنه جزء من الأعمال المكونة لجريمة أم تتم ، فالسارق إذا ما أراد سرقة بيت ثم ضبط قبل أن يدخله يكون مرتبكا لمعصيته تستوجب العقاب وهذه المعصية تعتبر جريمة تامة ولو أنها بدء في تنفيذ جريمة السرقة فالشريعة الإسلامية اعتبرت أي محاولة للسرقة دون أن تتم جريمة تامة تستوجب العقاب .
وهكذا يثبت لنا مما سبق أنه لم يكن ثمة ما يدعو الفقهاء لوضع نظرية خاصة بالشروع في الجرائم و إنما دعتهم الضرورة فقط إلى التفرقة بين الجريمة التامة و الجريمة غير التامة من جرائم الحدود و القصاص أما الجرائم التامة فلا تستوجب هاتين العقوبتين و فيها التعزير فقط .
__________________________________________________ __
1الدكتور عبد الحميد الشور أبي ص 5 و ما يليها الشروع في الجريمة في ضوء القضاء و الفقه .
الفصل الأول _________________________________ ماهية الشروع
و من الخطأ البين أن يظن البعض أن الشريعة لا تعرف الشروع في الجرائم إذ الظاهر مما تقدم أنها عرفت الشروع بمعناه الحقيقي و كل ما في الأمر أنها عالجته بطريقتها الخاصة لا على طريقة القوانين الوصفية و لم يعبر الفقهاء عن الجرائم غير التامة بتعبير الشروع في الجرائم لأن الأفعال التي لم يتم تدخل في جرائم المقصودة أصلا ، فليس هناك ما يدعو لتسميتها الجرائم المشروع فيها مادام أن ما تم منها يعتبر في حد ذاته جريمة تامة و إذا عبرنا اليوم عن الجرائم غير التامة و قلنا إنها جرائم الشروع ، فهذا ليس بشيء جديد و إنما هو تسمية جديدة لبعض جرائم التعازير .
و نظرية الشريعة في الشروع أوسع مدى منها من القوانين الوصفية فهي تعاقب على الشروع في كل جريمة إذا كان الفعل الغي تام معصية و هي تعمل بهذه القاعدة بلا استثناء فمن حاول إطلاق النار على أخر فلم يصبه فهو مرتكب لمعصية عقوبتها التعزير ، أما القوانين الوضعية فتعاقب على الشروع في أكثر الجنايات ، و عليه في بعض الجنح دون البعض الأخر و ليس لها قاعدة عامة في هذا و من تطبيقات نظرية الشريعة حالة الضرب و الجرح بقد ر القتل ، فإن الجرح إذا أدى للموت اعتبر الفعل القتل عمدا و إذا لم يؤدي إلى الموت أعتبر جرحا فقط و عقب عليه الجاني عقوبة خاصة .
كما تمر الجريمة بمراحل معينة قبل أن يرتكبها المجرم فهو أولا بفكر و يصمم فلا يعتبر التفكير و التصميم على ارتكابها معصية تستحق التعزيز و بالتالي جريمة يعاقب عليها ، الآن القاعدة في الشريعة الإسلامية أن الإنسان لا يؤخذ على ما تسول له نفسه أو تحدثه به من قول أو عمل ولا على ما تنوي أن يقول أو يعمل ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تجاوز لأمي عما وسوست أو حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم " و إنما يؤخذ الإنسان على ما يقوله من قول و ما يفعله من فعل وهذا المبدأ الأساسي الذي قامت عليه الشريعة من يوم وجودها مبدأ يعتبر حديثا في القوانين الوصفية ، ويبقى أن الشريعة الإسلامية ليس فيها استثناءات لهذا المبدأ ، أما القوانين الوصفية فلا يزال بها استثناءات و من أمثلة ذلك أن المشرع الفرنسي يشدد العقوبة في القتل العمد مع سبق الإصرار و يحفظها في القتل الخالي منه .
________________________________
الدكتور عبد الحميد الشورابي نفس المرجع السابق .
الفصل الأول __________________________________ ماهية الشروع
أما المرحلة الثانية فتمثل في التحضير ، فهي لا تعتبر معصية و لا تعاقب الشريعة على إعداد الوسائل لارتكاب جريمة إلا إذ كانت حيازة الوسيلة أو إعدادها مما يعتبر معصية في ذاته و العلة في عدم اعتبار دور التحضير جريمة ، إن الأفعال التي تصدر من الجاني وجب العقاب عليها و أن تكون معصية ولا يكون الفعل معصية إلا إذا كان الاعتداء حق للجماعة أو حق للأفراد ، أما المرحلة الأخيرة هي التنفيذ وهي المرحلة الوحيدة التي تعتبر فيها أفعال الجاني جريمة و يعتبر الفعل كذلك كلما كان معصية وليس من الضروري أن يكون الفعل بدءا في التنفيذ ركن الجريمة المدى بل يكفي أن يكون الفعل معصية .
الفرع الثاني : العقاب على الشروع في الشريعة الإسلامية .
تتفق الشريعة مع القوانين الوصفية في عدم العقاب على مرحلة التفكير و التحضير و في قصر العقاب في مرحلة التنفيذ و لكن شراح القوانين يختلفون على الوقت الذي يعتبر فيه الجاني قد بدأ فيه الجاني قد بدأ في التنفيذ .
و القاعدة في الشريعة الإسلامية في جرائم الحدود و القصاص أن لا تساوي عقاب الجريمة التامة بالجريمة التي لم تتم ، واصل هذه القاعدة حديث الرسول (ص ) : " من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين " وهذه القاعدة لا يمكن الخروج عليها في جرائم الحدود و جرائم القصاص ، فلا يمكن العقاب على الشروع في الزنا بعقوبة الزنا التام وهي الجلد و الرجم ، ولا يمكن العقاب على الشروع في السرقة بعقوبة القطع ، لأن القطع جعل جزاء الجريمة التامة ولاشك أن هناك فرق شاسع بين الشروع و الفعل التام ، فيجب أن يؤخذ المتهم بقدر ما فعل و يجزي بقدر ما اكتسب فضلا عن أن التسوية في العقاب بين الشروع و الجريمة
التامة تحمل من شرع في الجريمة على إتمامها ، أنه يرى نفسه قد استحق عقوبة الجريمة التامة بالبدء في تنفي الجريمة فليس تمة ما يفر به بالعدول عنها و القوانين الوضعية لا تخرج عن هذا المبدأ فبعضها يسوي بين عقوبة الشروع و عقوبة الجريمة التامة و بعضها يعاقب على الشروع بعقوبة أخف من عقوبة الجريمة التامة .
الفصل الأول __________________________________ ماهية الشروع
أثر عدول الجاني عن الفعل .
إذا شرع الجاني في ارتكاب الجريمة فإما أن يتمها و إما أن لا يتمها ، فإذا أتمها فقد استحق عقوبتها و إذا لم يتمها فإما أ، يكون أكره على ذلك ، ففي حالة العدول إما أن يكون العدول لسبب ما غير التوبة كأن يكتفي الجاني بما يفعل أو يرى أنه ينقص بعض الأدوات أو أن يعيد الكرة في وقت أخر مناسب أكثر ، وإما أن يكون سبب العدول هو توبة الجاني و شعوره بالندم ورجوعه إلى الله .
فإذا كان سبب عدم إتمام الجريمة هو إكراه الجاني على ذلك كأن يضبطه المجني عليه أو يصاب بحادث يمنعه من إتمام الجريمة ، فإن ذلك لا يؤثر على مسؤولية الجاني في شيء مادام أن الفعل الذي أتاه يعتبر معصية .
و إذا عدل الجاني لأي سبب غير التوبة فهو مسؤول عن الفعل كلما اعتبر ذلك معصية أما إذا سبب عدوله هو التوبة و الرجوع إلى الله ، فإن الجاني لا يعاقب على ما فعل و ذلك لقوله تعالي : " إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم " ( المائدة 34 ) و إذا كان الفقهاء قد اتفقوا على أن التوبة تسقط العقوبة المقررة للجريمة فإنهم اختلفوا في أثر التوبة على ماعدا هذه الجريمة .
الشروع في الجريمة المستحيلة :
ليس في أقوال الفقهاء ما يشير إلى ما نسميه اليوم الجريمة المستحيلة التي هي يستحيل وقوعها إما لعدم صلاحية وسائلها كمن يطلق على أخر بقصد قتله ببندقية لا يعلم أنها فارغة وقد كانت الجريمة المستحيلة محل نظر فقهاء القانون الوصفي ومناقشتهم في القرن الماضي وكان بعضهم يرى العقاب على الشروع فيها وبعضهم لا يرى ذلك أما اليوم فقد إتجه الرأي إلى إهمال نظرية الإستحالة و الأخذ بالمذهب المضاد وهو المذهب الشخصي و يقوم على النظر إلى غرض الفاعل و خطورته ، فمتى كانت الأفعال التي أتاها تدل صراحة على قصد الفاعل فهو شارع في الجريمة وتجب عليه عقوبة الشروع .
الفصل الثاني أحكام الشروع
الفصل الثاني ________________________________ أحكام الشروع
جريمة الشروع كغيرها من الجرائم تتطلب توافر الأركان العامة الثلاث للجريمة: الركن الشرعي و الركن المعنوي و الركن المادي و لا يثير الركن الشرعي أي إشكال بالنسبة للشروع فقد حدد المشرع الجرائم التي يعتمد بالشروع فيها .
كما لا يثير الركن المعنوي في الشروع أي إشكال ، فالشروع لا يكون إلا في الجرائم العمدية فلا شروع في الجريمة الغير عمدية ولا شروع في جريمة تتجاوز قصد الجاني إذ تنحصر مسؤولية الجاني في الأعمال التي أرادها1 .
لذا سوف نتطرق في هذا الفصل إلى دراسة أركان الشروع و عقوبتها.
المبحث الأول : أركان الشروع :
يشترط المشرع لتوافر الشروع أركان ثلاثة : الأول عنصر مادي خارجي هو البدء في التنفيذ والثاني عنصر معنوي داخلي و هو قصد إركاب جنابة أو جنحة و الثالث أن يوقف الفعل أو يخيب أثره لسبب خارج عن إرادة الفاعل2 .
المطلب الأول : البدء في التنفيذ :
يعرف الفقيه " قيلي " البدء في التنفيذ الذي يعد شروعا معاقبا عليه بأن الفعل التنفيذي هو بدء الجريمة و جزء مكمل لها و لا يمكن فصله عنها فإذا ما أخذت الجريمة التي كان الجاني ينوي مفارقتها في مجموعها يحسب تعريفها القانوني و تساءلت ما إذا كان الفعل المذكور بعد جزءا منها أم لا و كان الجواب بالإيجاب فالفعل يكون تنفيذيا و إلا فهو عمل تحضيري3 .
يعتبر البدء في التنفيذ هو الفيصل بين المباح و المحظور و قد حرص المشرع على بيان هذا المعني فنص صراحة على أنه لا يعتبر شروعا في الجريمة مجرد العزم على ارتكابها ولا الأعمال التحضيرية لها .
و لم تعطي القوانين الوصفية لهذا الركن نصيبه الكافي من التعريف و يتجلى سب ذلك في تعدد الجرائم مما يصعب جمعها في نص واحد مانع وقد يهيئ للمجرمين منفذ الهروب من العقاب بارتكاب أعمال لم يحط المشرع لمثلها و لم ينص على العقاب عليها ،
الفصل الثاني ________________________________ أحكام الشروع
فكان الحاصل أن سلك المشرع سبيل التعميم و الغموض في وضع الصيغة المميزة للأفعال المعاقب عليها مما أدى إلى إختلاف القول و تعدد النظريات في تحديد المراد و شروطه .
الفرع الأول : أهمية تحديد البدء بالتنفيذ :
تكمن هذه الأهمية في أنه الفاصل بين مرحلتين : مرحلة سابقة عليه لا عقاب فيها و مرحلة لا حقة تكون جريمة الشروع .
لا يعاقب القانون على المراحل التي تسبق البدء بتنفيذ السلوك المادي للجريمة فقد يسبق الجريمة أمر التفكير فيها و التصميم عليها و هي من الأمور التي لا يعاقب عليها القانون بوصفه أمورا نفسية داخلية لم يعبر عنها بفعل مادي تطبيقا للمبدأ القائل " لا جريمة بدون فعل " .
كما لا يعاقب القانون على الأعمال التحضيرية التي يرى الجاني ضرورة الإتيان بها للتحضير لجريمته ، كمن يقتني أو يشتري أو يجهر الآلات و المعدات ليستعملها في جريمته ولا يعتقد بأن المشرع أقر العقاب على الأعمال التحضيرية بواقع أنه جرم بعض الأفعال التي تدخل في هذا النطاق ، كما في حالة حيازة السلاح بدون ترخيص أو تقليد المفاتيح أو شراء بعض الآلات لإستعمالها في التزوير ، فهذه الأعمال مجرمة لخطورتها وعلى أنها جرائم مستقلة بذاتها لا بوصفها شروعا في جرائم 1 .
___________________
1 الأستاد : عبد الله سليمان ، ص 168 ن شرح قانون العقوبات الجزائري القسم العام ، ج1 الجريمة .
الفصل الثاني ________________________________ أحكام الشروع
الفرع الثاني : ضابط التفرقة بين البدء في التنفيذ و التحضير .
تبدو التفرقة في بعض الأحيان يسيرة بين ما يعتبر عملا تحضيريا وما يعتبر عملا تنفيذيا فاصطناع مفتاح لقفل و إعداد لآلة لإغتصاب باب يعتبران من الأعمال التحضيرية لجريمة السرقة 1 ، فعمله مجرد تحضير و هو أمر جلي و لكن ما القول بالنسبة للص الذي يضبط مستورا سور حديقة منزل مثلا هل يعد اللص قد شرع في السرقة إذ ثبت أنه يريد السرقة أم أن عمله هو مجرد عمل تحضيري ؟ .
إنقسم الفقهاء حول تحديد الضابط أو المعيار الذي بواسطته يمكننا أن نميز الأعمال التحضيرية عن أعمال الشروع ، فلا مناص من الإعتماد على أحد هذه المعايير الفقهية السائدة في هذا الشأن ، ذلك أن المشرع لم ينص صراحة على هذا و يوجد لدينا مذهبيين يصفان الحلول الفقهية لتحديد ما يسبق البدء في تنفيذ الجريمة ، حيث لا عقاب و ما يلي ذلك من أفعال تخضع للعقاب بإعتبارها شروعا في الجريمة ( المذهب الأول هو المذهب المادي أو الموضوعي و المذهب الثاني الشخصي 2 ) .
1- المذهب الموضوعي :
وقد إختلف أنصار هذا المذهب في صياغة معيار البدء في التنفيذ فالبعض ير ى أن البدء في التنفيذ يتوافر في إرتكاب الفعل الذي يقوم عليه الركن المادي للجريمة و البعض الأخر يرى أنه يتوافر كلما كان العمل الذي أتا ه الجاني منطويا في ذاته على إحتمال حدوث النتيجة ، أي أنه ينطوي على خطر معين هو إحداث النتيجة و البعض يرى أنه يتوافر إذا حقق الجاني بسلوكه ما يعتبر ظرفا مشددا .
____________________
1 الدكتور : عوض محمد ص 298 قانون العقوبات القسم العام .
2 الدكتور : إبراهيم الشبايي ، ص 123 الوجيز في شرح قانون العقوبات الجزائري ( القسم العام ) .
الفصل الثاني ________________________________ أحكام الشروع
لعقوبة الجريمة المشروع في إرتكابها و إن إختلف أنصار هذا المبدأ في صياغة معيار البدء في التنفيذ إلا أنهم يشتركون جميعا في معنى واحد هو الإعتماد على ماديات النشاط الإجرامي لا على مجرد الإدارة الإجرامية كما يتوقف معيار البدء في التنفيذ على قدر خطورة وما ينطوي عليه من إحتمالات أحداث النتيجة لا بقدر خطورة الفاعل 1 .
كما يرى أنصار هذا المذهب أن الشروع يتطلب بداء في تنفيذ الفعل المادي المكون للجريمة ، فجريمة القتل بالخنق لا تبدأ إلا بعد وضع الجاني يده على فم المجني عليه و جريمة السرقة لا تبدأ إلا مع وضع الجاني يده على المال أي البدأ بفعل الإختلاس و جريمة الحريق لا تبدأ إلا بإستعمال النار في الشيء المراد حرقه .
و أما الأعمال السابقة فهي لا تزيد على أن تكون من قبيل الأعمال التحضيرية .
و يرى فريق أخر و على الأخص في ألمانيا أن الفعل يعتبر شروعا أو بدءا في التنفيذ إذا أصاب الفاعل به جزاءا من السلوك الإجرامي المنصوص عليه في القانون ، أما إذا كان ما اتاه الفاعل خارجا عن هذا السلوك ، فإنه يكون عملا تحضيريا وهذا الرأي يتسم بالوضوح فهو لا يقتضي غير المقارنة بين الفعل الذي وقع و النموذج القانوني للسلوك الإجرامي فإن كانت العلاقة بينهما علاقة جزئية أو بعضية كان الفعل تنفيذا و إلا فهو تحضيري 3 و يؤدي الأخذ بهذا المعيار إلى نتائج ضارة للمجتمع إذ ليس من المنطق القول بأن أفعال من سور حائط الحديقة أو داخل فناء المنزل أو كسر باب الغرفة للسرقة ، إذا ما ضبط قبل أن يمد يده على المال المراد سرقته فهي تعتبر أفعال أو أعمال تحضيرية و أنه لم يبدأ يفعل السرقة بعد لأنه لم يضع يده على المال المراد سرقته حتى لحظته4 .
__________________
1 الأستاد : أحمد أب الروس ، ص 270 و ما يليها القصد الجنائي و المساهمة و المسؤولية الجنائية والشروع .
2-3 الدكتور عبد الله سليمان ، ص 170 و 171 قانون العقوبات الجزائري ، ج 1 .
4 الدكتور عوض محمد ، ص 299 قانون العقوبات القسم العام .
الفصل الثاني ________________________________ أحكام الشروع
و عندما شعر أنصار هذا المذهب بنقصه أرادوا التوسع فيه بإدخال الظروف المشددة للجريمة في الأعمال المنفذة لها فالكسر أو التسلق أو إستعمال مفتاح مصطنع بعد الشروع في إرتكاب جريمة السرقة و يبين مما تقدم بأن المذهب المادي يجعل دائرة الشروع المعاقب عليه دائرة ضيقة ، بينما يوسع من نطاق الأعمال التحضيرية للجريمة و التي لا عقاب عليها بحسب الأصل مما يتنافى مع إرادة المشرع و روح التشريع الذي يعمل في المقام الأول على مكافحة الجريمة بطريقة رادعة خاصة في الدول الإشتراكية 1 .
وعليه ، فإنه يشترط لتوفر البدء في التنفيذ حسب هذا الرأي شرطان :
أولا : أن يكون الفعل قريبا جدا من الجريمة ، بحيث يتصل بها بصلة قريبة مباشرة .
ثانيا : أن تنشأ هذه الرابطة من الفعل الذي قام به الفاعل و ليس من فعل أخر توسط بينهما .
و أما العمل التحضيري فهو غامض و قابل لأكثر من تأويل و لا يكشف عن قصد الفاعل و الغاية التي يسعى إليها بصورة واضحة لا تدعو إلى الشك في مرماها فواقعة شراء بندقية مثلا لا يمكن أن يكشف لنا قصد الفاعل و نفسيته الإجرامية فربما يراد بها القتل أو الدفاع عن النفس أو حتى الصيد .
قد يبدو هذا الرأي على درجة واضحة من الصحة في بادئ الأمر إلا أنه عند التأمل تحت سطوره نجده بعيدا عن الصواب و مؤدي إلى عدم إمكان العقاب على الشروع إذ من العبث أن نعتمد على مادية الفعل للكشف عن إرادة الفاعل و الجريمة التي يسعى لتحقيقها ، بل لا بد نأخذ بعين الإعتبار الظروف المقترنة بالفعل و المتممة له ، وذلك أنه حتى في أوضح الحالات لا يكفي العمل المادي لوحده للكشف عن قصد الفاعل و نيته فمثلا طعن شخص آخر فهي من أوضح الحالات ، لا يكفي فعل الطعن وحده للكشف عن قصد الفاعل و غايته ، لأنه لا يمكن .
___________________
1 الدكتور : إبراهيم الشباتي ، ص 124 الوجيز في شرح قانون العقوبات الجزائر ي ( القسم العام ) .
الفصل الثاني ________________________________ أحكام الشروع
أن ينشأ عن هذا الفعل نتائج مختلفة ، كموت المجني عليه أو جرحه أو تعطيل عضو من أعضائه ، يفسرها و يحددها الفاعل فهو يقصد نتيجة من هذه النتائج و لا يمكن كشفها و الوقوف عليها إلا بالاستعانة بالظروف المقترنة بالفعل و المتممة له و بما أن الغموض مازال موجودا في أوضح الحالات و أكثرها بساطة و لا زال الفعل قابلا لأكثر من تأويل ، فإن منطق هذا الرأي يقودنا إلى الحكم بعدم العقاب على الشروع 1 .
كما يعيب معظم الفقهاء على هذا الرأي ومنهم من يلغو في نقده إلى حد اتهامه بأنه يؤدي إلى إلغاء فكرة البدء في التنفيذ أصلا ، بدعوة أن كل الأفعال تقبل التأويل و أنه من النادر أن يكون هناك فعل لا يحتمل غير دلالة واحدة . ومن الفقهاء من يرفق نقده فيعتبر هذا الرأي يؤدي من الناحية العملية إلى حصر الأفعال التنفيذية في الأفعال المكونة لمادة الجريمة أو لجزء منها ، كوضع اليد على المال في السرقة و إشعال النار في الحريق ، لأنها وحدها القاطعة في دلالتها على إتجاه صاحبها وهذه النتيجة غير مقبولة لأنها تخرج من مجال العقاب أفعال لا يمكن التغاضي عنها 2
2- المذهب الشخصي :
ينظر هذا المذهب إلى إرادة الجاني الإجرامية باعتبارها مبعث الخطر الذي يهدد المجتمع في أمنه وكيانه و بتعبير أخر ينظر في مدى دلالة أفعال الشخص على قصده فالأستاذ " جارو " يرى أن الجاني يبدأ في التنفيذ المعاقب عليه بوصفه شروعا إذ أتى عملا من شأنه في نظر الجاني أن يؤدي مباشرة إلى النتيجة المقصودة فالفعل يعد بداء في التنفيذ حتو و لو كان سابقا على الأفعال المكونة للجريمة متى أمكن القول بأن هذا الفعل سيدفع بالمجرم حتما إذا ترك على حالة ارتكاب الجريمة أو بحيث يصح القول بأن المجرم قد سلك بهذا الفعل سبيل نهائيا و أخر في استعمال الوسائل التي كان قد أعدها لها أو إذا كان فعله
_____________________
1 الدكتور : عبد الحميد الشورابي ،ص 39 – 40 الشروع في الجريمة ( في ضوء القضاء و الفقه ) .
2 الدكتور : إبراهيم الشبايي ، ص 125 نفس المرجع السابق .
الفصل الثاني ________________________________ أحكام الشروع
و لكن متى يتوفر البدء في التنفيذ حسب وجهة نظر أنصار هذا المذهب ؟
أختلف أنصار هذا المذهب و تعددت نظرياتهم في حل هذه المشكلة ، حيث يذهب رأي إلى أن هناك اختلاف من حيث الطبيعة بين الأعمال التنفيذية و التحضيرية فالفاعل في دور التحضير لم يقم بعد بعمل يكون اعتداء على الغير فهو يملك الفرصة الكافية للتحول عن الجريمة و العدول عن تنفيذها بينما يكون في دور التنفيذ قد قام بالاعتداء على الحق المحمي قانونا و نفذ الجريمة ولو جزئيا ، صحيح أن لدى الفاعل وهو في دور التنفيذ أكثر من فرصة للعدول إلا أنه مع ذلك قد قام باعتدائه فعلا و نفذ جزءا من جريمته غير أن هذا المعيار غامض وغير صحيح فهو غامض لأنه لم يبين لنا على وجه الدقة اللحظة التي ينقلب فيها العمل من تحضيري إلى تنفيذي1 .
وهو غير صحيح لأنه من الخطأ القول بأن هناك اختلافا من حيث طبيعة كل من العملين التحضيري و التنفيذي و يذهب رأي أخر " يتوفر الشروع عند قيام الفاعل بوضع الوسائل التي أعدها لتنفيذ الجريمة موضع العمل " فالفاعل في دور التحضير يقوم بإعداد الوسائل و تجهيزها لينفذ بها أو لتسهل له تنفيذ الجريمة و لكن سرعان ما يتدخل القانون إذا قام الفاعل باستعمال الوسائل التي أعدها للوصول إلى الجريمة كأن يطلق عيارا نارية من البندقية التي اشتراها لقتل غريمه ، و في هذه الحالة تتوافر الأسباب التي تدعو إلى تدخل القانون لانتقال الفاعل من دور التحضير للجريمة إلى دور التنفيذ ، ففي دور التحضير يقتصر عمل الفاعل على إعداد وسائل التنفيذ ، بينما في دور التنفيذ يقوم باستعمالها و وضعها رهن التنفيذ .
غير أن هذا المعيار إن صح في الأحوال التي يقوم بها الفاعل بنفسه بتنفيذ الجريمة فإنه لا يصح في الأحوال التي يعتمد فيها على شخص آخر للقيام
__________________
1 دكتور : عبد الحميد الشورابي ، ص 44 نفس المرجع السابق .
الفصل الثاني ________________________________ أحكام الشروع
بوضع وسائل التنفيذ موضع العمل كأن يضع الجاني السم في متناول يد المجني عليه و ينتظر قيامه بتناول سهوا ففي هذه الحالة لم يقم الفاعل بنفسه تنفيذ الجريمة بل اعتمد على المجني عليه في القيام بذلك . و عليه فإنه لا يمكن اعتبار الفاعل في هذه الحالة شارعا لأنه لم يقم بنفسه بوضع الوسائل التي أعدها لتنفيذ الجريمة موضع العمل وهذا غير مقبول ، بالإضافة إلى ذلك فإن هذا المعيار غامض لأنه من يبين لنا متى يعتبر الفعل الفاعل قد أنتقل من مرحلة التحضير إلى التنفيذ .
ويذهب رأي أخر أنه يتوفر الشروع" عندما يبدأ الفاعل في تنفيذ العمل النهائي الذي صمم القيام به للوصول إلى جريمة هذا العمل ، لو تم لأدى إلى تمام دور الفاعل في تحقيق الجريمة " و بناءا على هذا التحديد ، فإنه لا يمكن إعتبار الفاعل شارعا إلا إذا تمكن من البدء في تنفيذ الفعل الأخير الذي صمم على القيام به
غير أن هذا المعيار غير صحيح وذلك لأنه كثيرا ما يعتبر الفاعل شارعا في ارتكاب الجريمة قبل تمكنه من تنفيذ أو حتى البدء في تنفيذ العمل النهائي الذي أراد القيام به للوصول إليها ، فواقعيا الكسر و التسلق تعتبر بدءا في تنفيذ جريمة السرقة مع أنها لا يمكن أن يكون الفعل الأخير الذي صمم الجاني القيام به للوصول إليها .
ويذهب رأي الحديث إلى أن العمل التنفيذي هو العمل الذي لو ترك حتى ينتهي فإنه يؤدي إلى تمام الجريمة و لكن على افتراض صحة هذا المعيار في الأحوال التي يكفي للجريمة تنفيذها عمل واحد فإنه غير صحيح إذا تطلب تنفيذ الجريمة أكثر من عمل ، إذ أنه في غالب الأحيان يلزم لتنفيذ الجريمة عدة أعمال قد يتخللها فترات قصيرة أو طويلة و يكون أولى هذه الأعمال كاف لتوفير البدء في التنفيذ ومع ذلك لو تركناه ينتهي فإنه يبقى بعيدا إلى إتمام الجريمة فواقعة السور مثلا تعتبر بدءا في تنفيذ جريمة السرقة إذا قام بها الفاعل و هو يقصد الوصول إلى الجريمة ومع ذلك فإنه لو تركنا هذا الفعل حتى ينتهي بدون تدخل الجاني ثانية لما أدى إلى تمام الجريمة 1 .
الفصل الثاني ________________________________ أحكام الشروع
الفرع الثالث : المقارنة بين المذهب الشخصي و المادي
يمتاز المذهب المادي ( الموضوعي ) بالوضوح و السهولة فهو يقوم على تحديد أفعال لا لبس فيها ولا يترك مجالا واسعا للقاضي لحرية التقدير و لكن النقد الأساسي الذي يوجه لهذا المعيار أنه يضيق من الأفعال التي يعد اقترافها شروعا فيتعارض بذلك مع مصلحة المجتمع لأنه يخرج من دائرة العقاب أفعالا تقتضي المصلحة العامة العقاب عليها .
أما المذهب الشخصي فيتوسع في دلالة البدء في التنفيذ فيحمي بذلك مصلحة المجتمع ولكنه معيار معيب من حيث أنه يستند إلى صيغ عامة ينقصها التحديد وتترك مجالا واسعا للسلطة التقديرية للقاضي مما يؤدي إلى تنافر الحلول و اختلافها .
و يلاحظ أن الفقه و القضاء على العموم يميل إلى تأييد المذهب الشخصي نطاق تحديد الأعمال التي تعد شروعا 2 .
أ- موقف المشرع الجزائري :
العنصر الأول من عنصري الركن المادي للشروع في الجريمة بحسب المادة 30 من قانون العقوبات الجزائري هو البدء في التنفيذ بأفعال لا لبس فيها تؤدي مباشرة إلى ارتكاب الجريمة وهذا يؤكد اعتناق المشرع الجزائري للمذهب الشخصي كمعيار للشروع إذ يكفي ارتكاب الفعل المادي الذي يؤدي مباشرة إلى الجريمة في نظر الفاعل فيعتبر الجاني شارعا في سرقة اعتد ضبطه حاملا سلاحا أو أداة للفتح في فناء المنزل وكذلك إذ دخل الجاني حقل المجني عليه ليلا لإتلاف المزروعات ، فإن ذلك يتحقق به البدء في التنفيذ متى كانت تؤدي مباشرة إلى ارتكاب الجريمة وكذلك في كل الأعمال التحضيرية بأفعال لا لبس فيها تؤدي مباشرة إلى ارتكاب الجريمة وفقا للمادة 30 من قانون العقوبات الجزائري1 .
_________________
1 الدكتور إبراهيم الشباي ، ص 126 نفس المرجع السابق .
2 الأستاذ أحمد الروس ، ص 271 و 272 نفس المرجع السابق .
الفصل الثاني ________________________________ أحكام الشروع
كما أن النص عاقب على الجريمة المستحيلة ، علاوة على أنه يساوي بين عقوبة الجريمة التامة و عقوبة مجرد الشروع فيها وهو اتجاه صريح في الأخذ بالمذهب الشخصي .
و يتفق هذا مع تفسير المجلس الأعلى للقضاء الذي أخذ بالمعيار الشخصي للقول بالشروع في الجريمة فقد جاء في أحد أحكامه الصادرة بتاريخ 04 مارس 1696 " القاعدة أن الواقعة الثابتة إذا رفع عنها الالتباس عندما لم تترك مجالا للشك في نية مرتكب المخالفة وشهد على عزيمته الإجرامية ، تصير شروعا في التنفيذ " .
ب- موقف القضاء المصري :
ترددت محكمة النقص المصرية بين المذهبين المادي و الشخصي فذهبت بعض أحكامها ا|لأولى إلى اعتناق المذهب المادي و تطبيقا لذلك قضت بأنه لا يعد شروعا في اغتصاب طلب الفحشاء من امرأة و جذبها من يدها و ملابسها إدخالها في زراعة القطن .
وما لبثت محكمة النقض أن خفت من حدة اعتناق هذا المذهب وعبرت عن ذلك بقولها : " أنه لا يشترط لتحقيق الشروع أن يبدأ تنفيذ جزء من الأعمال المكونة لركن المادي للجريمة بل يكفي لاعتبار أنه شرع في ارتكاب جريمة أن يبدأ بتنفيذ فعل ما سبق مباشرة على تنفيذ الركن المادي و يؤدي إليه حتما2 " .
كما ذهب جمهور الفقه في مصر إلى ترجيح المذهب الشخصي ومنهم من يصرح بأن المشرع نفسه قد إنحاز لهذا المذهب حين عرف الشروع في المادة 45 بأنه البدء في تنفيذ فعل بقصد إرتكاب جناية أو جنحة ، فقد دل بذلك على أنه يعاقب على أي فعل ينكشف به قصد الجاني في إرتكاب جريمة معينة فهذا الضابط وهو النية أو القصد يعتبر عنصر التمييز بين التحضير و التنفيذ و يستدل الفقهاء كذلك إلى محكمة النقض بأنها تأخذ في جميع أحكامها بالمذهب الشخصي و يستشهدون بأحكام لها قررت فيها المبدأ الذي أرضته و أخذت به في كثير من وقائع الحال 1.
_____________
1 الدكتور إبراهيم الشباي ، ص 126 المرجع السابق .
2 الأستاذ أحمد أو الروس ، ص 271 و 272 نفس المرجع .
الفصل الثاني ________________________________ أحكام الشروع
و تخلص إلى أن المشرع المصري و المشرع الجزائري أخذا بنفس المبدأ أي المذهب الشخصي وذلك في المادتين 45 و 30 على التوالي .
فالبدء في التنفيذ يتحقق في ثلاثة أحوال : الأولى أن يستند الجاني كل السلوك الإجرامي ومع ذلك لا تقع النتيجة و الثانية أن يأتي الجاني بعض السلوك ولكنه لا يتمه و الثالث أن يرتكب الجاني فعلا ينذر بوقوع الجريمة مباشرة لما ينطوي عليه من صلاحية تجعله يؤدي إليها وشيكا وفقا للمجرى العادي للأمور .
ج- موقف القضاء الفرنسي2 :
تأثر المشرع المصري كم سلف الذكر بالقضاء الفرنسي الذي أخذ بالمذهب الشخصي رغم ما يعيبه من عدم الوضوح و صعوبة التحكم فيه وهكذا قضت محكمة النقض الفرنسية أنه ليس من الضروري أن يكون العمل المنفذ ركنا مشكلا للجريمة أو ظرفا مشددا لها و لكن يجب أن يكون على صلة مباشرة مع الجريمة وقد عبرت محكمة النقض الفرنسية على ذلك بقولها : " يشكل بدءا في التنفيذ كل عمل يؤدي مباشرة إلى جنحة عندما يتم بنية إرتكابها3 ." كما يقضي بأن الدخول إلى سيارة متوقفة بنية استعمالها دون رضا مالكها يعد بدءا في التنفيذ وأعتبر شارعا في الإجهاض الطبيب الذي بعدما قبل الإجهاض المرأة و إتفق معها على ثمن العملية إتجه نحو بيتها حاملا معه محفظته التي تحتوي على معدات العملية حتى و إن كانت العملية لم تنطلق بعد .
بل ذهب القضاء الفرنسي حديثا إلى إعتبار بدءا في تنفيذ جريمة الإخلال بالحياء على إمرأة كانت تبحث عن عمل ، الطلب إليها بخلع ثيابها لإجراء عليها فحص طبي مقنع بعد إشعارها بأن التوظيف يستلزم إجراء فحص طبي مسبق .
_______________
1 الدكتور عوض محمد ، ص 308 نفس المرجع السابق .
2 قرار محكمة النقض الفرنسية المؤرخ في 23/12/1927 .
3 الدكتور أحسن بوسقيعة ( الوجيز في القانون الجزائي العام ) .
الفصل الثاني ________________________________ أحكام الشروع
كما اعتبر بدءا في تنفيذ الغش ما قام به بائع السيارات القديمة الذي عرض سيارات للبيع ووضع عليها لوحة تشير كذبا أنها كانت تستعمل لنقل مديري المؤسسات أو الإدارات وكذا من زور عداد الكيلومترات بتخفيض مسافة السير و بالمقابل وعلى أساس ما سبق رفضت محكمة النقض الفرنسية بدءا في التنفيذ إعطاء تعليمات للغير و تسليمه مالا من أجل ارتكاب جريمة بدعوى " البدء في التنفيذ لا يتصف إلا بأعمال تؤدي حالا و مباشرة إلى ارتكاب الجريمة " .
كما رفضت لنفس السبب ، اعتبار بدءا في التنفيذ تخريب عمدا مال مؤمن عليه وذلك في غياب أي طلب تعويض وقد أكدت محكمة النقض الفرنسية في عدة مناسبات أن البدء في التنفيذ يستلزم عملا يؤدي مباشرة إلى الجريمة مع نية ارتكابها و استعملت في قرارات كثيرة حديثة عبارة " يؤدي حالا إلى تنفيذ الجريمة " .
المطلب الثاني : الركن المعنوي .
ليس للركن المعنوي في الشرع إلا صورة واحدة وهي العمد الذي يعتبر من طبيعة الشروع لغة وقانونا ، لأن الشروع نشاط هداف يسعى الفاعل من ورائه إلى تحقيق أمر يتمثله ويريده و قد نص القانون صراحة على لزوم العمد وذلك في المادة 30 من قانون العقوبات الجزائري و المادة 45 من قانون العقوبات المصري أن يكون البدء في التنفيذ مقترنا بقصد ارتكاب جناية أو جنحة و مؤدى ذلك أنه شروع في الجرائم الغير عمدية ، فمن يقود سيارته بسرعة كبيرة فيوشك أن يقتل غيره لا يعد شارعا في القتل الخطأ .
كذلك لا شروع بوجه عام في الجرائم التي تتجاوز نتيجتها قصد فاعلها ، لأن القانون يحمل الفاعل تبعة النتيجة التي ترتب على فعله رغم أنه لم يردها على أنه يحب مع ذلك التفرقة بين طائفتين من هذه الجرائم طائفة يسأل فيها الجاني عن النتيجة التي حدثت بشرط أن تكون هذه النتيجة غير مقصودة من جانبه وهذه الطائفة لا يتصور الشروع فيها ومنها الضرب المقضي إلى الموت ، فالجاني لا يعاقب بالعقوبة المقررة لهذه الجريمة إلا إذا كانت إرادته لم تتجه إلى إحداث الوفاة أما إذا إتجهت إليها فإنه يسأل عندئذ عن قتل العمد ، أما الطائفة الثانية فيسأل فيها الجاني
الفصل الثاني ________________________________ أحكام الشروع
عن النتيجة سواء أرادها أم لا وهذه الطائفة يتصور الشروع فيها في حالة إتجاه الإرادة إلى نتيجة ومنها الضرب المقضي إلى عاهة 1 .
ليس بين الشروع و الجريمة التامة فارق من حيث الركن المعنوي و إنما ينحصر الفرق بينهما في الركن المادي الذي تكتمل عناصره إذا كانت الجريمة التامة في حين تتخلف منه النتيجة الإجرامية إذا اقتصرت الجريمة على مجرد الشروع و يترتب على ذلك أن القصد الجنائي الذي يتعين توافره بالنسبة للشروع في الجريمة هو نفسه القصد الجنائي الذي يتطلب توافره إذا كانت الجريمة تامة فيقوم في الحالتين على نفس العناصر و يخضع لذات الأحكام و على سبيل المثال تقرر أنه إذا كان القصد الجنائي يتطلب في القتل التام نية إزهاق الروح وفي السرقة نية التملك فهو يتطلب نفس النية بالنسبة للشروع في كل من الجريمتين 2 .
و يكفي أن نعلم أن القصد الجنائي في الشروع هو قصد ارتكاب الجريمة التامة ففي الشروع في القتل مثلا يجب أن تتجه إرادة الجاني إلى إزهاق روح إنسان وفي الشروع في جريمة السرقة يلزم أن يكون قصد السارق هو أخذ الشيء المسروق وتملكه و تطبيقا لذلك إذا لم تتجه إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة تامة فلا يسأل عن الشروع فيها و إنما يسأل عن الجريمة التي تتكون من الأفعال التي ارتكبها فإذا أصاب شخصا أخر إصابات جسيمة وثبت أنه لم تتوافر لديه نية إزهاق روحه فإنه لا يسأل عن شروع في قتل و لكن يسأل عن الإصابة فقط .
و اعتبار القصد الجنائي ركنا في الشروع يستبعد استبعاد الجرائم غير القصدية من نطاقة فلا شروع في الجرائم غير المقصودة ولا شروع في الجرائم المتعدية القصد ، فمن يقود سيارة بسرعة في طريق مزدحم بالناس على نحو يهدد حياة بعضهم بالخطر لا يعتبر شارعا في جريمة إيذاء غير مقصود إذا نجم عن السرعة إصابة أحد الناس ونفس الحكم بالنسبة للجريمة المتعدية القصد .
الفصل الثاني ________________________________ أحكام الشروع
فمن يقصد المساس بسلامة جسم شخص أخر ولكن ينجم عن فعله عامة يرتكب جريمة تتجاوز قصيدة وهي جريمة إيذاء المقضي إلى عاهة وهذه الجريمة تعتبر غير مقصودة ولا يتصور الشروع بالنسبة لها تبعا لذلك .
مدى العمد ومحله :
القصد في الشروع هو عين القصد في الجريمة المراد ارتكابها فهو يشتمل على ذات عناصره ولا فرق بين الشروع و الجريمة التامة من هذه الناحية ، فالشروع في القتل يقتضي إتجاه إرادة الجاني إلى إزهاق حياة المجني عليه ، فإذ كان فعل الإيذاء الصادر منه غير مقترن بقصد إحداث الوفاة كان فعله جريمة ضرب أو جروح تامة لا شروع في القتل ولا فرق من حيث المدى بين القصد في الشروع و القصد في الجريمة التامة إذ لا يتصور أن ينصرف قصد الفاعل إلى الشروع وحده و إنما ينصرف قصده دائما إلى الجريمة الكاملة وتلك هي طبيعة الشروع ذاته فمن يشرع في تنفيذ أمر فهو الضرورة العقلية بقصد تحقيقه كاملا و لا يمكن أن يعد الشخص شارع إذا قصد من البداية الإكتفاء بجانب من السلوك المادي أو إذا إتجهت إرادته إلى تحقيق السلوك دون نتيجة فإذا ثبت أن شخصا بدأ في تنفيذ فعل وهو لا يقصد تنفيذ الجريمة التي يدخل هذا الفعل في تكوينها تنفيذا كاملا فإنه يكون غير جاد و بالتالي لا يعد شارعا ، مثال ذلك أن ينفرد بخصمه في البحر فيأخذ في دفعة تحت الماء ورفعه موهما إياه بأنه عازم على إغراقه وفي الحقيقة لا يقصد إلا أن يخيفه و القصد بطبيعته من الأمور النفسية التي يستدل عليها بكثير من الأمارات الخارجية كطبيعة الفعل و أداة إرتكابه و ملابساته و شخصية الفاعل ونوع العلاقة التي تربطه بالمجني عليه وغير ذلك من القرائن التي يستقل القاضي الموضوع بتقديرها .
_____________________
1 الدكتور علي عبد القادر القهوجي ، ص 205 قانون العقوبات ( القسم العام ) .
الفصل الثاني ________________________________ أحكام الشروع
فإذا بدت القرائن غير كافية لاستخلاص قصد إجرامي معين أو إذا بأن منها عدم إتجاه الإدارة إلى إرتكاب الجريمة الكاملة فلا شروع و يصبح مع ذلك عقاب الفاعل على ما أتاه بإعتباره جريمة تامة إذا تكاملت أركانها .
و يشترط كذلك أن يتجه القصد إلى إرتكاب جريمة معينة ، لأن الشروع في إرتكاب مطلق الجريمة محال و علة ذلك أن القصد يقتضي انبساط العلم على كافة عناصر الجريمة و إتجاه الإرادة إلى فعلها و نتيجتها ولا يتأتى ذلك إلا إذا تعينت الجريمة المراد ارتكابها ، فإذ كسر شخص باب منزله أو دخله بغير إذن أهله ولم يتحدد غرضه من ذلك فلا يمكن إعتباره شارعا في سرقة أو قتل وكله يسأل فحسب عن جريمة إتلاف تامة أو عن دخول عقار بغير حق
و يشترط في الأخير أن تكون الجريمة التي إتجه القصد إلى إرتكابها جناية أو أن تكون جنحة مما يعاقب القانون على الشروع فيها لأن الشروع في الجرائم غير معاقب عليه بالإطلاق و يترتب على ذلك أنه لا شروع في المخالفات ولا في الجنح التي لم ينص القانون على تجريم الشروع فيها 1 .
____________________
1 الدكتور عوض محمد قانون العقوبات ( القسم العام ) ، ص 321 و ما بعدها
الفصل الثاني ________________________________ أحكام الشروع
المطلب الثالث : الجريمة الخائبة ( le délit manque )
تعتبر الجريمة المستحيلة صورة خاصة للجريمة الخائبة أو الشروع الخائب ففي كل منهما يستنفذ الجاني السلوك الإجرامي اللازم لتحقيق النتيجة الإجرامية ومع ذلك لا تتحقق تلك النتيجة لسبب خارج عن إرادته ، أما إذا كان عدم إتمام الجريمة راجع إلى إرادة الفاعل نفسه إذ يعدل عن إحداث النتيجة ، فيما يسمى بالعدول الإختياري فعندها تنتقي جريمة الشروع ولا يعاقب عليها .
الفرع الأول : ماهية العدول الإ ختياري
يكون العدول إختياريا إذا كان عدم إتمام راجع لإرادة الفاعل أي إذا كف من تلقاء نفسه عن التمادي في نشاطه أو سعى لمنع تحقيق الجريمة ولا عبرة هنا
بالسبب أو الباعث على العدول فقد يكون التوبة أو الرأفة بالضحية أو خشية العقاب
أو الخوف ،ويكون العدول إختياري إذا كان بسبب عوامل خارجية مادية مستقلة عن
إدارة الجاني،ويكون ذلك العدول إستجابة لأسباب نفسية وذاتية هذا ولا يسأل عن نوع الأسباب الذاتية التي ذفعت الفاعل على التراجع عن إتمام الجريمة ،فسواء أكانت الإشفاق على المجني عليه أو إحترام القانون كما ذكرت فلا أهمية لها ولا للتميز بينها،غير أن تدخل الغير لا ينفي بالضرورة العدول الإختياري، وهكذا قضت المحكمة في فرنسا بأن العدول كان إختياريا في قضية إقتصر فيها دور المتدخل على تقديم النصيحة للفاعل لصرفه عن مشروعه الإجرامي دون أن يمارس عليه أي إكراه فأتت النصيحة ثمارها حيث أوقف الفاعل محاولته بفعل حر بمحض إرادته.
وقد يكون العدول كما أشرنا بسبب عوامل خارجية معنوية كرؤية عون من أعوان الشرطة أو التوهم بسماع خطوات قادم إلى الفاعل.
وفي جميع الأحوال يجب أن يتم العدول الإختياري قبل إرتكاب الجريمة فإذا تمت الجريمة وحاول فاعلها محو أثارها فهذا لا يتغيير عدولا و إنما مجرد توبة.
________________________________________
أستاذ عبد الله سليمان،ص175 نفس المرجع السابق.
الفصل الثاني __________________________________ أحكام الشروع
لا أثر لها على الطابع الإجرامي للفعل وإذا كان من السهل التمييز بين العدول الإختياري والتوبة في الجرائم المادية أي الجرائم التي تكون فيها النتيجة ركنا من أركان الجريمة وبالتالي لا تنفذ فيها الجريمة إلا بتحقيق النتيجة مثل جريمة القتل المعد التي لا يتحقق إلا بوفاة المجني عليه فإذا ما ألقي بشخص في الماء لقتله غرقا ثم أخرجه الفاعل من الماء قبل موته نكون أمام حالة عدول إختياري وليس توبة فلا شروع هنا.
عدم العقاب في حالة العدول الإختياري:
يشجع القانون من بدأ في فعله أن يتراجع عنه قبل أن يحقق النتيجة الإجرامية وذلك بإعفاءه من العقاب وسياسة المشروع في ذلك سياسة قومية إذ تترك الباب مفتوحا أمام الجاني للتراجع عن جريمته بإغرائه في عدم إتمام الجريمة تقديرا من المشروع بأن عدم إتمام الجريمة يحقق للمجتمع مصلحة تفوق مصلحته في توقيع العقاب كما أنه أمر خير للمجتمع أن ينكص الجاني على عقبيه فيسلم الحق الذي شرع في العدول عليه ويعفى هو من العقاب بدلا من أن يهدر هذا الحق و ينزل به العقاب.
متى يكون العدول منتجا لآثاره في عدم توقيع العقاب !
العدول الذي ينتج أثره هو العدول التلقائي الناجم عن إرادة الفاعل التي تتصرف بحرية بعد البدء في تنفيذه للجريمة وقبل إتمامها أما العدول بعد أن إستنفد
المجرم كل خطواته لتنفيذ الجريمة فلا يعتد به إذ يعد من قبيل التوبة فقط بعد أن
تكون الجريمة قد وقعت ويكون العقاب قد أصبح واجب التطبيق.
كما أن العدول الإضطراري لا قيمة له لأنه عدول غير إختياري فإرادة الجاني تتصرف في العدول الإضطراري بتأثير عوامل خارجية كدخول لص بيتا لسرقته وبعد أن جمع بعض الأمتعة فكر قليلا ثم خرج دون أن يأخذها ،هنا.
_________________________________________
دكتور أحسن بوسعيقة،ص93و94 نفس المرجع السابق
2-3أستاذ عبد الله سليمان،ص176 نفس المرجع السابق
الفصل الثاني أحكام الشروع
العدول إختياري يعفي فاعله من العقاب لكن لو أن عدول اللص كان قد تم بناءا على صوت قريب سمعه فخشي أن يكون أحد سكان المنزل قد إستيقظ فخاف وهرب بدون أن يحمل معه أي شيئ فإن عدوله هنا إضطراري ويكون قد إقترف جريمة الشروع في السرقة ويعاقب عليها.
لنفرض أن اللص قد توهم بقدوم بقدوم أحد رجال الشرطة ،فعلا عن إتمام جريمته بدافع الخوف من أن يلقي عليه القبض فهل يعد عملا إختياريا أم إضطراريا.
يرى الفقهاء بأن العدول في مثل هذه الحالة هو عدول مختلط فيه جانب غير إختياري وأخر إختياري فأيهما يجب العمل.
يرجع البعض بأن العدول هنا هو عدول إختياري وعلينا أن نهمل الجانب غير الإختياري لأن الواقعة الخارجية التي سببت العدول ليت أكثر من باعث،والقانون لا يعتد بالبواعث،ويخالف هذا الرأي إتجاه أخر يرى بأن العدول في هذه الواقعة ليس عدولا إختياريا وإنما هو عدول إضطراري أملته الواقعة الخارجية ولا يعود بصورة نهائية وكاملة لإرادة الجاني وهذا الرأي هو الأرجح.
العدول الإختاري و التوبة:
العدول هو عدم إتمام العمل أو إيقاف النتيجة قبل أن تتحقق فإذا كان إختياريا يعفى الجاني من العقاب ،ولكن إذا تم الفعل وحدثت النتيجة،وبعد ذلك حاول الجاني إعادة الأمور إلى ماكانت عليه قبل الجريمة،كأن أعاد السارق المال المسروق إلى صاحبه فهل يعفى من العقاب.
إن حدوث النتيجة تجعل الجريمة تامة ويستحق فاعلها العقاب وبالتالي فلا أهمية لتوبة الفاعل فالتوبة لا تعفي الجاني من العقاب وإن كان من الممكن تخفيف العقاب عليه بحسب رأي القاضي وفي سلطته التقديرية.
الفصل الثاني ... أحكام الشروع
الفرع الثاني: الجريمة المستحيلة
نظرية الجريمة المستحيلة Théorie du délit impossible معناها الجريمة التي يستحيل تنفيذهافما هو معيار التفرقة بين الشروع في الجريمة وبين الجريمة المستحيلة
وكيف يمكن الشروع في تنفيذ المستحيل إنقسم الفقه حول حل هذه المسألة.
فقد إتجه فريق من أنصار المدرسة التقليدية إلى القول بعدم العقاب على الجريمة المستحيلة سواء أكانت الإستحالة راجعة إلى محل الجريمة أم إلى وسيلة تنفيذها ويستدل هذاالفريق في رأيه عند عدة إعتبارات تتخلص في أن القانون يتطلب للعقاب على الشروع البدء في تنفيذ الفعل وهذا ما لا يتصور في صدد الجريمة المستحيلة لأنه لا يمكن البدء في تنفيذ المستحيل وعلى هذا فلن يتوفر من أركان الجريمة سوى نية الفاعل والشروع ولا يقوم بالنية وحدها ومن ناحية أخرى فإن أساس العقوبة في جريمة كالقتل هو إهدار حياة الإنسان أو بالأقل تعريضها للخطر،وهذا التعريض يظهر في حالة الشروع الخائب لكنه لا يظهر إذا كان وقوع النتيجة من البداية مستحيلا.
و الواقع أن هذا الإتجاه لا يخو من تطرف إذ لاشك أنه إذا كنا قد سلمنا باحتمال الخطر بالنسبة للجريمة الخائبة فلا بد أن نسلم كذلك بإحتماله بصدد الجريمة المستحيلة ،لأن الجريمة الخائبة كان من المستحيل أن تقع هي الأخرى مع قيام السبب الذي أدى إلى خيبتها،ثم أن القول بعدم العقاب مطلقا في حالات الجريمة المستحيلة من شأنه أن يجر إلى إباحة الكثير من المظاهر السلوك الخطر التي تهدد أمن المجتمع.
في حين ذهب أنصار المذهب الشخصي في رأيهم على نقيض المذهب المادي بأن الشروع لا يرتبط بإمكانية التنفيذ من عزمه،فالفعل وإن كان لا يحقق النتيجة الإجرامية إلا أنه يدل على خطورة الفاعل ويعبر عن نيته الإجرامية
الفصل الثاني أحكام الشروع
فالنتيجة لم تحقق لسبب يجهاه الفاعل ولا دخل لإرادته فيه،ول>ا وجب مسائلته
واعتباره شارعا في الفعل،وعليه يجب المسائلة عن كل محاولة مستحيلة.
فلا أهمية بعد ذلك المصدر استحالة الجريمة ولا لنوعها أو مداها،فليس
هناك ما يسمى بالجريمة المستحيلة لأن هذه الجريمة شروع معاقب عليه في كافة
صورة اللهم إلا إذا كانت الوسيلة المستخدمة تدل على سذاجة الجاني وقصوره
عقليا كما لو لجا إلى أسلوب السحر والشعوذة لقتل غريمة،ويرجع السبب في
ذلك لا إلى استحالة الوسيلة وإنما ضعف نفسية الجاني وانعدام خطره.
وعلى هذا يسير القضاء في كل ألمانيا و إنجلترا التي صدر فيها حكم
وتأكيد الحكم بتشريع صدر سنة 1961.
ويتذكر النقد الموجه لهذا الرأي في تطرفه إلى الحد للذي دفعه إلى
الاكتفاء بالنية لاستحقاق العقاب الأمر للذي يؤدي إلى العقاب حتى على الجريمة الظنية أي التي لا تقوم إلا في التصور الجاني دون ـن يكون لها وجود قانوني.
وبين هذين الرأيين المتطرفين اللذين نادى أولهما بعدم العقاب على الجريمة المستحيلة بكافة صورها تماشيا مع نظرتهم الموضوعية .للشروع ونادى الثاني بالعقاب على الجريمة المستحيلة بكافة صورها،وهذا ما ولد نقاش حاد في القرن التاسع حول أن إستحالة النتيجة لا تبرر عقاب الجريمة الخائبة أو المستحيلة نفكيف يمكن الشروع في تنفيذ المستحيل؟ولقد عبر عن ذلك الفقيه جارو garraud بقوله:" طبقا للأراء الفقهية التي سادت ردحا من الزمن فإن الجناية أو الجنحة المستحيلة سواء في طبيعتها أو بسبب الوسائل المستعملة في إرتكابها ،كان يحكم بأنه لا يمكن أن يوجد هناك شروع في الجريمة،وأن الأفعال المرتكبة لا تقع تحت طائلة العقاب..."
فعلى غرار الإتجاه التوفيقي الذي يرى أنصاره ضرورة التمييز بين الاستحالة المطلقة التي تكون عند وجود الوسيلة غير صالحة تماما لقيام الجريمة أو لكونها لا تستعمل
في إطلاق الدخيرة الحية كما أن وفاة المجني عليه قبل حدوث الإعتداءات الخائبة
الفصل الثاني ــــــــــــــــــــــــــــــ أحكام الشروع
التي تنتمي إلى نوع قانوني آخر غير المحاولة بالمفهوم الضيق فالعنصر المادي
يتمثل في الفعل الخائب المرتكب من قبل الفاعل ، ويسمح بتوقيع العقوبة مادام العنصر المعنوي موجود ولا ينقص أ ي شيء من جهة الفاعل :التصرف المعادي للمجتمع،القوى العقلية والإرادة فليست شخصيته أقل خطورة من مجرم آخر،باستثناء الضر وف الخارجة عن إرادته التي هي عدم نجاح الفعل الإجرامي ولهذا يتدخل المشرع والقضاء للعقاب على الجريمة المستحيلة
أما المشرع الجزائري فإنه يعاقب على الجريمة الخائبة والمستحيلة. 1
قال بهذا الرأي قويرباخ " من الفقهاء الألمان وكذا " بلانس،وشوفر وهيلي"
من الفقهاء الفرنسيين وحججهم في ذلك:
* الشروع لا يكون ‘لا في جناية أو جنحة فإذا كانت الجريمة منعدمة أصلا كإطلاق النار على ميت فلا يتصور الشروع في فعل غير مجرم أصلا..
*آن الشروع المعاقب عليه هو البدء في التنفيذ و لا تنفيذ في المستحيل فلا بدء في
تنفيذ المستحيل.
آن نصوص قوانين العقوبات تستلزم في القتل بالتسميم آن تكون المواد المستعملة سامة تسبب الموت عاجلا أو آجلا (م.233 قانون العقوبات المصري م.301 ق.فرنسي م.260 ق. ع جزائري) وبمقتضى القواعد العامة لا يقوم الشروع إذا كانت الوسيلة غير مؤثرة أو منتجة كما لو كانت المادة ليست سامة بل ضارة أو كانت غير سامة وغير ضارة..
* الخطر الاجتماعي الذي من أجله يجرم الشارع الشروع عادة يكون أقل بكثير في الجرائم المستحيلة منه في الجرائم الممكنة بل آن الخطر الاجتماعي ينعدم في معظم
حالات الشروع في الجرائم المستحيلة و ينعدم الخطر تماما في الجرائم المستحيلة استحالة
مادية مطلقة.2.
ـــــــــــــــــــــــــــ
1 الأستاذ بن شيخ لحسين،ص75و76 مبادئ القانون الجزائري العام.
2 الدكتور :إسحاق إبراهيم منصور،ص98 الأصول العامة في قانون العقوبات الجنائي العام.
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــ أحكام الشروع
يجعل تحقق النتيجة في جريمة القتل أمرا مستحيلا وكذلك الشأن في محاولة الإجهاض التي تستهدف إجهاض إمرأة غير حامل ففي هذه الحالات يكون البدء في التنفيذ أمر غير ممكن،أما الإستحالة النسبية فإذا كانت الوسيلة صالحة ولكنها إستعملت على نحو غير سليم نكون بصدد جريمة مستحيلة إستحالة نسبية ،فعدم تحقق النتيجة يرجع إلى أسباب عارضة لا تقدم الفعل خطورته على المصلحة المحمية جنائيا وبالتالي يجوز القول بوجود الشروع في مثل هذه الحالات.
فقد ميز الفقيه الفرنسي "جارو" بين نوعين من الاستحالة :
1-الإستحالة القانونية: تكون عندما لا يتوفر للجريمة أحد أركانها القانونية التي يجب أن تتوفر للقيام الجريمة ،كموت الضحية قبل أن يحصل الاعتداء في جريمة القتل أو كون المال المملوك للفاعل في جريمة السرقة ،أو كون المرأة الغير الحامل في جريمة الإجهاض،ففي هذه الحالات لا يمكن أن تتحقق الجريمة إذ يشترط القانون أن تكون الضحية حية في جريمة القتل فحيث أن الجريمة لا يمكن أن تتحقق فلا يجوز القول بالشروع فيها.
2- الإستحالة المادية: فهي الإستحالة التي ترجع إلى سبب مادي تجعل الجاني غير قادر على تحقيق النتيجة و صورة ذلك أن تكون الوسيلة غير صالحة لتحقيق النتيجة سواء لعيب فيها أو في طريقة إستعمالها.1
نستخلص من هذا الرأي أنه حصر الشروع الذي يجب الإعتداد به في الشروع المتعلق بالإستحالة المادية فقط و إستبعاد الشروع عندما يتعلق الأمر بالإستحالة القانونية وعبر عن ذلك كله أيضا الفقيه أندري هنري(andré henri) في مؤلفه "القانون العقابي" في سنة 1929 بما يلي :" إن نضرية الجريمة المستحيلة منبوذة في يومنا هذا سواءا تعلق الأمر بالإستحالة النسبية أو الإستحالة المطلقة أو بالإستحالة المادية (défaut) أو بالإستحالة القانونية (de droit) غير أن القضاء ميز مابين الإستحالة
ـــــــــــــــــــــــ
1 الأستاذ عبدالله سليمان،ص179 نفس المرجع.
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــ أحكام الشروع
المطلقة (absolue) والإستحالة النسبية (relative) فالأولى يمكن التغلب عليها
(insurmontable) في مثال الإجهاض المجري على إمرأة غير حامل،لكن لم يابث القضاء أن هذا التمييز إذ ليس معقولا أن يشترط بدء في التنفيذ بالنسبة للجريمة.
موقف القضاء و الفقه في مصر:
ولتلك الإعتبارات لم يكتب للرأي الفقيه الفرنسي جارو السيادة في التشريعات فقد إتجهت بعض التشريعات كالإطالية لسنة 1930(م49) وكذلك الفرنسية وحتى المصرية إلى إعتناق إتجاه أخر يكاد يستقر بين معضم الفقه،ومؤداه التفرقة بين الإستحالة المطلقة والنسبية،وتقرير العقاب على الجريمة المستحيلة إستحالة نسبية على أساس أن خطر وقوع الجريمة يكون ماثلا لم يخب إلا بمحض المصادفة أما الجريمة المستحيلة إستحالة مطلقة فلا عقاب عليها حيث يكون الخطر وقوعها منتخبا لأنها يستحيل أن تقع مهما كانت الظروف.
وتكون الجريمة المستحيلة إستحالة مطلقة في حالتين :الأولىإذا إنعدم محل الجريمة أو فقد صفة أساسية فيه، كما لو أطلق شخص على شخص اخر كان نائما بقصد قتله فإذا بغريمه هذا جثة هامدة من قبل أن يطلق عليه النار .أما الحالة الثانية للجريمة المستحيلة إستحالة مطلقة فتكوت إذا كانت الوسيلة المستخدمة للقتل مجرد بطبيعتها من أي صلاحية لإحداث الوفاة كما لو استخدم الحاني في جريمته مسدسا غير قابل للإستعمال على أي جريمة أو استخدم في تسميم غريمه سكرا،ففي هاتين الحالتين تكون الجريمة مستحيلة استحالة مطلقة وبالتالي لا عقاب على فاعلها.
بينما تكون الجريمة المستحيلة استحالة نسبية وبالتالي تكون شروعا معاقبا عليه في حالتين الأولى حيث يكون محل الجريمة موجودا كمن يطلق النار على المكان الذي تعود غريمه النوم فيه فإذا بما تصوره غريمه وسادة على سريره الذي لم يرتب بعد،أما الحالة الثانية للجريمة المستحيلة استحالة نسبية فتكون إذا كانت الوسيلة .
المستخدمة لإحداث النتيجة على قدر ادنى من الصلاحية لاحداثها غير ان هذا القدر
كان ضئيلا او مستخدم بكيفية لا يمكن معها وقوع تلك النتيجة كمن يسخدم لتسميم
عدوه مادة سلفات النحاس وهي مادة قاتلة غير أن إستخدامها بطريقة لا يمكن أن
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــ أحكام الشروع
تنجم عنها الوفاة أو كمن يستخدم لقتل عدوه بندقية تصلح لإطلاق الرصاص مرة وتخفقفي تلك المرات.
وقد عبرت محكمة النقل المصرية عن إنتهاجها لهذا الإتجاه في حكم لها قالت
فيه "لا تعتبر الجريمة في عداد الجرائم المستحيلة إلا إذا لم يكن في إمكان تحققها
مطلقا كأن تكون الوسيلة التي أستخدمت في إرتكابها غير صالحة لذلك إما إذا كانت الوسيلة صالحة بطبيعتها ولكن لم تتحقق بسبب ظروف أخرى خارجة عن إرادة
الجاني فإنه لا يصلح القول بالإستحالة".
في القانون الجزائري 1
إذا كان المشرع الجزائري لم ينص على الجريمة المستحيلة بصفتها هذه فإن
المتمعن في حكم المادة 30 ق.ع يلاحظ أنه أخذ بالرأي الفقهي التصالحي الذي
يميز بين الإستحالة المادية ومردها إلى الوسيلة المستعملة أو مكان الشيئ والإستحالة القانونية التي تتحقق إذا إنعدم في الجريمة أحد أركانها القانونية كركن الإنسان الحي في جريمة القتل وركن المادة السامة في جريمة التسميم وركن الشيئ المملوك
للغير في جريمة السرقة، ولاكن مايعدم هذا الإستنتاج هو مانصت عليه الفقرة الآتية
من المادة المذكورة التي جاءت كمايلي :"حتى ولو لم يكن بلوغ الهدف المقصود
بسبب ظرف مادي يجهله مرتكب الجريمة". أي يعاقب على الشروع في الجناية حتىوإن كان سبب عدم بلوغ الهدف المقصود ظرفا ماديا يجهله مرتكب الجريمة.
______________________________________________
1الدكتور أحسن بوسقيعة، ص99 نفس المرجع السابق
الفصل الثاني أحكام الشروع
وهكذا يكون المشرع جزائري قد إعتبر الإستحالة المادية صورة من صور
الجريمة الخائبة ومن ثم فهي معاقب عليها سواءا كانت الإستحالة في الوسيلة أو في المحل وتبقى الإستحالة القانونبة محل نظر.
ولكن رغم ذلك المشرع الجزائري لن يساير هذه الخطة في تجريم الجرائم
المستحيلة بدون قيود ، فقد ورد في بعض نصوصه مايستدل منها على أن المشرع
لايعتد بالشروع إلا إذا كانت الوسيلة قادرة على تحقيق النتيجة، وكذلك فإنه لايعتد
بالشروع أيضا إلا إذا ورد على محل الجريمة الصالح لتحقيقها .
ففي جريمة القتل والتسليم نصت المادة 260 من قانون العقوبات على مايلي
" التسميم هو الإعتداء على حياة إنسان بتأثير مواد يمكن أن تؤدي إلى الوفاة عاجلا أو آجلا أيا كان إستعمال أو إعطاء هذه المواد ومهما كانت النتائج التي تؤدي إليها"
فالنص هنا يمكن أخذه كقاعدة عامة وليس إستثناء ويدل بوضوح على أن المشرع الجزائري يعتد بالوسيلة،فإذا كانت الوسيلة لا يمكن أن تؤدي إلى وفاة
مطلقا بمعنى أنها بغض النظر عن كميتها أو طريقة إستعمالها غير صالحة لتحقيق النتيجة تماما فلاشروعا ولا عقابا وعليه فلا شروع في محاولة أعطى بموجبها الجاني إلى خصمه موادا يعتقد أنها ضارة لتسميمه وتبين أنها غير ذلك وفي جريمة الإجهاض تنص المادة 304 على مايلي:" كل من أجهض إمرأة حاملا أو مفترض حملها...أو شرع في ذلك " ومفاد هذا النص أن المشرع يعتد بمحل الجريمة فالإجهاض لايكون إلا على إمرأة حامل أو مفترض حملها ويعني ذلك أن لا شروع في محاولة الإجهاض على إمرأة غير حامل .1
ـــــــــــــــــــــ
1-أستاذ عبدالله سليمان ص183 ومابعدها نفس المرجع السابق
الفصل الثاني أحكام الشروع
التفرقة بين الإستحالة النسبية والمطلقة:
إذا كانت الإستحالة راجعة إلى موضوع الجريمة فهي إستحالة مطلقة كعدم
وجود مال في جيوب المجني عليه يمكن سرقته ،وعدم وعدم تواجد المجني عليه في المكان الذي أطلق عليه النار فيه، أما الإستحالة النسبية فهي التي يكون مرجعهاالوسيلة المستخدمة في إرتكاب الجريمة لتقديم مادة غير سامة وأستخدم بندقية غيرصالحة للإطلاق ، وقد إتجه الرأي للعقاب على الشروع إذا كانت الإستحالة نسبية وعدم العقاب عليه إذا كانت الإستحالة مطلقة. وأخذت بعض المحاكم بهذاالرأي في أحكامها القضائية إستنادا إلى التفرقة بين نوعي الإستحالة الموضوعية التفرقة بين الإستحالة المادية والإستحالة القانونية:
إتجه الرأي إلى التفرقة بين الإستحالة المادية والإستحالة القانونية على النحو
التالي:
أ- الإستحالة المادية: لا تمنع من توافر الشروط فلا تتحقق الجريمة قانونا وإنما تحول
دون ذلك لظرف مادي عرضي مستقل عن ارادة الفاعل و مثال ذلك عدم اصابةالهدف او عدم صلاحية الوسيلة لاحداث النتيجة.
وهذا النوع من الاستحالة هو الذي قصده المشرع الجزائري بنفس العبارات
في نص المادة30 فتلك هي الظروف المادية التي توقف الفعل ابتداءا أو تخيب أثره وهي التي يكون الجاني عادة على الجهل بها، لذلك تضمن النص القيام بالشروع
مع جهل الجاني بتوافر الظروف المادية المانعة من تنافي الفعل المجرم.
ب-* الاستحالة القانونية: هي التي ترجع الى فقد الركن القانوني من أركان الجريمةوتمنع من قيام الشروع ومثال ذلك ركن الحياة في جريمة القتل وركن الجوهر السم في جريمة التسميم كما رأينا وكذلك ركن ملكية الغير للشيئ في السرقة وهذا النوع من الاستحالة لا نتصور أن نعتد بالشروع فيه لأنه لا يكون جريمة تامة بحسب الأصل فالنص الذي يعاقب على الجريمة التامة لا ينطق لفقدان ركن الجريمة فاذا أضفنا الى ذلك ان التشريع الجزائري يعاقب على الشروع بعقوبة الجريمة التامة بحيث لا
الفصل الثاني أحكام الشروع
يتقبل العقل أن من يضبط وهو يحاول أن يدلس للاخر كمية من دقيق القمح في طعامه لقتله يعاقب بالاعدام مع أنها مجرد محاولة لم تنفذ.
والمادة غير السامة والغير الضارة ولم يترتب على فعله ضرر ولا مجرد خطر علىحياة الشخص الاخر وكذلك الحال ، فمن يحاول وضع يده على مال ليس له في أثناء الليل بنية تملكه ،واذا بهذا المال يكون ملك لنفس الجاني عن طريق الهبة من ما لكه الاصلي وكان الجاني يجهل واقعة الهبة فهل يتصور ان يعاقب بعقوبة الجناية طبقا للمادة354 على محاولة سرقة مال يملكه مع فقد ركن اصلي في الجريمة لان المال الذي حاول الاستلاء عليه في حقيقة الأمر ملكا له عن طريق الهبة.1
المبحث الثاني: عقوبة الشروع
سوف نتطرق الى عقوبة الشروع أو المحاولة في ظل مختلف التشريعات
العربية "الجزائرية-المصرية-ثم اللبنانية".
المطلب الاول:عقوبة المحاولة في التشريع الجزائري
فقد يظهر لنا أنه من المنطق العقاب على جميع محاولات الجرائم مهم كانت ، ما دامت تتوفرعلى العنصرين البدء في التنفيذ والتوقف غير الارادي لكن محاولات بعض الجرائم تعد غيرخطيرة في نتائجها «BENIGNE حتى تبرر المتابعة الجزائية ولهاذا ميزالمشرع مابين المحاولة في الخالفات والجنح والجنايات.2.
أ-عقاب الشروع في المخالفة: لايعاقب عليها اطلاقا بنص المادة31 فقرة02 ق.ع .جزائري.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-الدكتور اسحاق ابراهيم ص09و100 نفس المرجع السابق
2- الاستاذ: بن شيخ لحسن ص76 نفس المرجع السابق
الفصل الثاني أحكام الشروع
ب- عقاب الشروع في الجنح: نصت المادة 31 فقرة01 بأن المحاولة في الجنحة لا يعاقب عليها الا عنص صريح في القانون.
كأن القااعدة هي أنه لا يعاقب على الشروع في الجنح فينظر في كل نص يقرر العقوبة الجنحة للفعل الاجرامي فاذا لم يرد به العقاب على الشروع فلا عقوبة تطبيقا لمبدأ لاجريمة ولا عقوبة تغير نص الوارد في المادة الاولى من قانون العقوبات.1.
ومن الجنح المعاقب على الشروع فيها نورد البعض منها على سبيل الاستشهاد:
-المادة304 عقوبات خاصة بالاجهاض فهي تنص على كل من أجهض امراة حاملا مفترض حملها باعطئها مأكولات أو مشروبات أو أدوية أو باستعمال طرق أو أعمال عنف أو بأية وسيلة اخرى سواء وافقت على ذلك أو لم توافق أو شرع في ذلك يعاقب بالحبس من سنة الى خمسة سنوات وبغرامة من500 الى 10.000دينار.
-والمادة 333 ق.ع.ج الخاصة بالفعل لامخل بالحياء تنص على أن كل من ارتكب فعلا علينا مخلا باحياء يعاقب بالحبس من شهرين الى سنتين ولغرامة من 500 الى2000 دينار ويعاقب بالعقوبة ذاتها من صنع أو استورد من أجل التجارة أو شرع في التوزيع كل مطبوع ...مخالف للحياء.
-المادة347 التي تنص على أن يعاقب بالحبس من شهرين الى سنة وبغرامة من 500الى2000دينار كل من قام علينا باغراء الاشخاص من أى الجنسين بقصد تحريضهم على الفسق وذلك باثرات أو كتابات أو بأية وسيلة أخرى .
ويعقاب على الشروع بالعقوبات ذاتها المقررة للجريمة التامة.
-المادة 350 الخاصة بالسرقة تنص على أن كل من اختلس شيئا غير مملوك له يعد سارقا بالحبس من سنة على الأقل الى 5 سنوات ولغرامة من500الى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-1 الدكتور ابراهيم الشابي ن ص13 نفس المرجع السابق.
الفصل الثاني أحكام الشروع
2000 دينارويعاقب على الشروع في هذه الجنحة ابالعقوبة ذاتها المقررة للجريمة التامة.
-المادة 407 ع الخاصة بالجنحة الاتلاف علىان كل من خرب أو أتلف عمدا مركبة مهما كانت مملوكة للغير بواسطة الحريق أو بأية طريقة كانت أخرى كليا أو جزائيا يعاقب بالحبس من سنتين الى 5 سنوات وبغرامة من 500 الى 50.000دينارويعاقب على الشروع كالجنحة التامة.
- ويلاخظ أن الجنح السلبية لا يتصور فيها الشروع فهي الشروع فهي دائما تقع تامة وكذلك لا شروط في جناية الاتفاق الجنائي ( جمعية الأشرار) لأنها تتم بمجرد تقابل ارادتين فأكثر على تأليف جمعية الأشرار وفقا للمادة176 ع حتى تقع الجريمة تامة
وليست شروعا . وهذا المثال عن بعض أحكام مجلس قضائي جزائري:
-مادامت المادة 295قع لا تعاقب على المحاولة في جنحة انتهاك حرمة منزل فان قضاء قضاة المجلس الذين قضو ا بعدم قيام الجنحة في حق المتهم الذي دق على باب سكن الضحية الخارجي بقوة دون الدخول اليه لم يخطئوا في تطبيق القانون ( غرفة الجنح والمخالفات ملف رقم 59456 قرار 23-01-90 المجلة القاضائية العدد الثاني1991 ص29 ملف 117647 قرار 21-05-95 غير منشور1.
ج- عقاب الشروع في الجنايات:
وضعت لنا المادة 30ع القاعدة والأصل في التشريع العقابي وهو أن الشروع في أي جناية ياخذ العقوبة المقررة لهذه الجناية ذلك أن المشرع في الجزائر سوى من حيث العقوبة بين الشروع وبين الجريمة التامة اعتدادا بالارادة الاجرامية للفاعل فهي واحدة في حالة الشروع وحالة الفعل التام اعتناقا من المشرع بالمذهب الشخصي كمعيار للشروع فلا حاجة اذن للنص على عقاب الشروع في كل الجناية وارادة في قانون العقوبات2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-1 الدكتور احسن أبو سقيعة (قانون العقوبات في ضوء الممارسة االقضائية)
-2الدكتور ابراهيم الشايبي ص 139 نفس المرجع السابق.
الفصل الثاني أحكام الشروع
-مادة30 :من المقرر قانونا أنه لثبوت المحاولة يجب توفر الشروط التالية:
-البدأ في التنفيذ.
-أن يوقف التنفيذ أو يخيب أثره لأسباب لا دخل لارادة الفاعل فيها.
-أن يقصد به ارتكاب جناية أو جنحة –الغرفة الجنائية ملف رقم 83315 قرار 191.02.05 المجلة القضائية العدد الثاني 1993 صفحة164-.
متى ثبت أن المتهم طعن الضحية بالخنجر فأصابها بعدة ضربات ولم يتوقف الا بعد فرارها من محكمة الجنايات أدانت بمحاولة القتل العمدي بعد ما وضعت له سؤالا وأجابت عليه بنعم طبقت صحيح القانون (الفرقة الجنائية ملف رقم49143 قرار 19.02.16 المجلة القضائية العدد الرابع 1993 صفحة 221)1.
المطلب الثاني: عقوبة الشروع عند المشرع المصري.
فرق القانون المصري بين الجنايات والجنح من حيث مبدأ العقاب على الشروع
(مادة46و47) ق.ع مصري .والقاعدة أن الشروع في الجنايات معاقب عليه دائما الا اذا نص القانون على غير ذلك .أما الشروع في الجنح فلا عقاب عليه الا بنص خاص وفي كل جريمة على حدى.
وسوى بعض التشريعات المعاصرة بين عقوبة الشروع وعقوبة الجريمةالتامة على اساس ان الخطورة الاجرامية للفعل في الحالتين الواحدة أما الغالبية العظمى من التشريعيات فتفرق بين الحكم بين الشروع والجريمة التامة على أساس أن الضرر الاجتماعيي يختلف مداه في كل حالة. وقد أخذ المشرع المصري بالاتجاه الاخير فجعل عقوبة الشروع بوجه عام أقل من عقوبة الجريمة التامة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-الدكتور احسن أبو سقيعة نفس المرجع السابق.
الفصل الثاني أحكام الشروع
1عقوبة الشروع في الجنيات
تعد المادة 46 من قانون العقوبات المصري قاعدة عامة فنصت على ما يلي:
يعاقب على الشروع في الحناية بالعقوبات الاتية الا اذا نص قانونا على خلاف ذلك بالأشغال الشاقة المؤبدة اذا كانت عقوبة الجناية الاعدام ،بالاشغال الشاقة المؤقتة اذا كانت عقوبة الجناية اشغال الشاقة المؤبدة. بالاشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تزيد عن نص الحد الأقصى المقرر قانونا أو السجن اذا كانت عقوبة الجناية الأشغال الشاقة المؤقتة بالسجن مدة لا تزيد عن نصف الحد الاقصى المقرر قانونا أو الحبس اذا كانت الجناية السجن.
وقد يخفض النص من عبارته فاستثنى من حكمه الأحوال التي يتدخل المشرع فيها صراحة فلا يعاقب على الشروع في الجناية أصلا كما هو الشأن في الاجهاض(المادة164ع) أو يعاقب على الشروع بعقوبة مختلفة كما هو الحال في جناية هتك العرض(مادة265ع) حيث عاقب على الشروع فيها بعقوبة الجريمة التامة.
عقوبة الشروع في الجنح:
تنص المادة 47 قانون العقوبات المصري عاى أن تعين قانونا الجنح التي يعاقب على الشروع فيها وكذلك عقوبة هذا الشروع .ولم يلتزم المشرع في تحديد مقدار عقوبة الشروع في الجنح خطة ثبتة ،فهو في بعض الأحيان يجعل للشروع فيها عقوبة الجريمة التامة كما هو الشان في التهريب الجمركي والنقدي، غير أنه في عامة نصوصه يقرر في الشروع عقوبة أخف ،وهو في هذا الصدد أيضا لا يسير على وتيرة واحدة فبعض النصوص يجعل للشروع ثلث العقوبة المقررة للجريمة التامة كما هو الحال في جريمة الابتزاز (مادة326ع) وبعض النصوص يجعل للشروع نصف عقوبة الجريمة التامة كما في السرقة مادة321.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الدكتور عوض محمد نص 223 وما بعدها نفس المرجع السابق
الفصل الثاني أحكام الشروع
ع وبعضها يجعل في الشروع ثلث عقوبة الجريمة التامة كما في النصب وقتل الدواب
م336و 355ع
عقوبة الشروع في تشريعات أخرى:
1)- عند المشرع اللبناني:1
نصت المادة200 عقوبات على أن كل محاولة لارتكاب جناية.....تعتبر كالجناية نفسها.........ويتضح من هذا النص أن القاعدة في تحديد مقدار العقاب على الشروع هي أن عقوبة المحاولة أو الشروع هي نفس عقوبةالجريمة التامة وتسري هذه القاعدة على الجنايات والجنح.
ولكن قاعدة المساواة بين عقوبة المحاولة او الشروع و عقوبة الجريمة التامة فيالجنايات والجنح ليست مطلقة فقد اجاز المشرع للقاضي تخفيف العقاب وفقا لضوابطمحددة تختلف باختلاف ما اذا كان المشرع موقوفا او خائبا بحسب اذا كان الامر يتعلق بالشروع في بالشروع في جناية او بالشروع في جنحة.
أما بالنسبة لعقوبة الشروع الموقوف حيث بينت المادة 200 ق. عقوبات قواعد التخفيف الجوازي في حالة الشروع الموقوف على النحو التالي :
اذا كانت العقوبة المقررة للجناية التمة هي الاعدام جاز للقاضي ان يحكم من اجل الشروع الموقوف فيها بالاشغال الشاقة المؤبدة .اما بالنسبة لعقوبة الشروع الخائب
حددت قواعد التخفيف الجوازي في حالة الشروع الخائب مادة 201 تنص على العقوبات على النحو التالي:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
1- الدكتور عبد القادر القهوجي : ص.21 و ما بعدها نفس المرجع السابق.
الفصل الثاني أحكام الشروع
اذا كانت العقوبة المقررة للجناية التامة هي الاعدام جاز ان يحكم من اجل
الشروع الخائب فيها بالاشغال الشاقة المؤبدة او الاشغال الشاقة المؤقتة من 10 سنوات الى 20سنة.
و قد ورد ايضا عقوبة الشروع في الجنح فبالنسبة لعقوبة الشروع الموقوف
نصت المادة 202.ق.عقوبات على المقدار هذا التخفيف لقولها: العقوبة المفروضة للجنحة التامة يمكن تخفيضها حتى النصف في محاولة الجنحة......اي يجوز للقاضي
ان يهبط بالعقوبة المقررة للجنحة التامة في حالة الشروع الموقوف فيها الى نصفها.
أما بالنسبة لعقوبة الشروع الخائب بين مقدار التخفيف نصت عليه المادة22 السابقة بقولها : العقوبة المفروضة للجنحة التامة يمكن تخفيضها .... حتى الثلث في الجنحة الخائبة أى يجوز للقاضي أن يخفف من العقوبة المقررة للجنحة التامة في حالة الشروع الخائب فيها الى ثلثها فقط.
الخاتمة
الشروع سواء في الجنايات أو الجنح يتطلب توافر الأركان العامة الركن المادي والركن الشرعي والركن المعنوي فالركن الشرعي لا يثير أي اشكال فقط حدد المشرع الجرائم التي يعتد بالشروع فيها وهي الجنايات على العموم ثم الحنح المنصوص عليها بنص خاص واستثنى المخالفات كما لا يثير الركن المعنوي أيضا أي اشكال فالشروع لا يكون الا في الجرائم العمدية فلا شروع في جريمة غير عمدية ولا شروع في جريمة تتجاوز قصد
الجاني اذ تنحصر مسؤولية الجاني في النتيجة التي أراد تحقيقها وأما الاشكال فينحصر في الركن المادي للجريمة بوصفه فعلا صدر عن الجاني ولم يكتمل الركن المادي بسبب قهري أو ارادي.
كما تختلف غالبية التشريعات العربية عن التشريع الجزائري وذلك من حيث استبدال لفظ المحاولة بالشروع مثلا عند المشرع المصري كما يتضح الاختلاف أيضا من حيث العقوبة فمعضمها يقرر عقوبة أخف من عقوبة الجريمة التامة وهذا على غرار بعض التشريعات الغربية كالقانون البلجيكي والسويسري والألماني.
قائمـــة المـراجــع
1-الدكتور ابراهيم الشايبي استاذ مساعد بجامعة قسنطينة(الجزائر) شرح قانون العقوبات الجزائري( القسم العام) دار الكتاب اللبناني.
2-الدكتور أحسن بوسقيعة مستشار بالمحكمة العليا وأستاذ الققانون الجنائي بالمعهد الوطني للقضاء(الوجيز في القانون الجزائي العام) صنف115/5 طبعة2003 دار هومة للطباعة والنشر.
3- نفس المؤلف: قانون العقوبات ( في ضوء الممارسة القضائية).طبعة 2
26جوان 2001 الطبع الديواني الوطني للأشغال التربوية ز.ا.و1389.
4-الستاذ أحمد أبو كروس ( القصد الجنائي والمساهمة والمسؤولية الجنائية والشروع والدفاع الشرعي والعلاقة السببية)المكتب الجامعي الحديث الاسكندرية.
5- الدكتور في القانون العقوبات الجنائي العام) ديوان المطبوعات الجامعية-جامعة وهران-.
6-الأستاذ بن شيخ لحسين (النظرية العامة للجريمة-العقوبات والتدبير الأمن أعمال تطبيقية-القانون العرفي )الطبعة 2الصنف33/5دارهومة.
7-الدكتور عبد الحميد الشواربي رئيس محكمة (الشروع في الجريمة في ضوء القضاء والفقه) طبعة1991 الناشر منشأة المعارف الاسكندرية.
8-الأستاذ عبد الله سليمان (شرح قانون العقوبات الجزائري القسم العام)الجزء الأول (الجريمة) ديوان المطبوعات الجامعية1998.
9-الدكتور علي عبد القادر القهواجي كلية الحقوق جامعة الاسكندرية(قانون العقوبات القسم العام ) طبعة1994 الدار الجامعية.
10-الدكتور عوض محمد أستاذ قانون الجنائي كلية الحقوق –الاسكندرية-(قانون العقوبات القسم العام دار الجامعية الجديدة للنشر طبعة2000رقم9342.
11-الدكتور محمد زكي أبو عامر أستاذ القانون الجنائي عميد كلية الحقوق
جامعة الاسكندرية(قانون العقوبات القسم العام: الركن الشرعي-الرطكن المادي-الركن المعنوي –تقسيم الجرائم) طبعة19996 دار الجامعة الجديدة للنشر.
12-قانون العقوبات الجزائري.
المقـدمـة
الفصــــل الأول : ماهية الشروع .
المبحث الأول : المراحل التي تمر بها الجريمة .
المطلب الأول : التفكير في الجريمة .
المطلب الثاني : التحضير للجريمة .
المطلب الثالث : مرحلة التنفيذ أو الشروع .
المطلب الرابع : تمام الجريمة .
المبحث الثاني : مفهوم الشروع .
المطلب الأول : تعريف الشروع .
الفرع 1 : التعريف الجزائري .
الفرع 2 : التعريف المصري .
المطلب الثاني : الشروع في الجريمة في الشريعة الإسلامية
الفرع 1 : مراحل الجريمة في الشريعة .
الفرع 2 : العقاب على الشروع في الشريعة .
الفصـل الثاني : أحكام الشروع .
المبحث الأول :أركان الشروع .
المطلب الأول : البدء في التنفيذ .
الفرع 1 : أهمية تحديد البدء في التنفيذ .
الفرع 2 : ضابط التفرقة بين البدء في التنفيذ والتحضير
الفرع 3 : مقارنة المذهب الشخصي و المادي .
المطلب الثاني : الركن المعنوي .
الفرع 1 : مفهوم الركن المعنوي .
الفرع 2 : مدى العمد و محله .
المطلب الثالث : الجريمة الخائبة .
الفرع 1 : ماهية العدول الإختياري .
الفرع 2 : الجريمة المستحيلة .
المبحث الثاني : عقوبة الشروع .
المطلب الأول : عند المشرع الجزائري .
المطلب الثاني : عند المشرع المصري .
الخاتمـــــة .
المقدمة
تتفق الجرائم فيما بينها في أركانها الأساسية ، فهي تقوم بوجه عام على ركنين أحدهم مادي و الأخر معنوي و لكنها تختلف بعد ذلك فيما بينها من حيث صورة كل ركن و عناصره و قد تتعدد الجرائم و ترتبط فيما بينها ارتباطا متفاوت الدرجة و قد تقترن الجريمة بظروف معينة تؤثر في عقوبتها سواء بالتشديد أو بالتخفيف1 .
و يتطلب القانون في الجرائم المادية ذات النتيجة أن ينشأ عن السلوك المحظور نتيجة إجرامية حتى يكتمل الركن المادي لها ، ولكن قد يحدث أن يقوم الجاني بسلوكه المحظور كاملا و لكن دون تحقق النتيجة كما قد يبدأ الجاني بفعله و لكنه لا يكمله 2 .
و لقد ميز المشروع الجزائري بين ثلاثة مراحل تسبق ارتكاب الجريمة إذ أن التفكير في الجريمة يراد به مرحلة النشاط الذهني و النفسي ، فتطرأ فكرة ارتكاب الجريمة إذ أن التفكير في الجريمة على ذهنه و يراود نفسه بين الإقدام و الامتناع ، بعدها يعقد الجاني العزم على ارتكاب الجريمة في كل هذه المرحلة لا يهتم المشرع بما يدور في ذهن و نفس الشخص إلا إذا ظهر التفكير في صورة نشاط خارجي كالاتفاق مع آخرين على ارتكاب الجرائم ، فهنا فقط يرى المشرع أن في تلاقي إيرادات الأفراد على ارتكاب الجنايات و تكوين عصابات ، يعد فعلا خطرا يهدد المصالح التي يحميها المشرع فيجرمه في المادة 176 و لكن يلاحظ أنه في هذه الحالة فإن المشرع لم يجرم مجرد التفكير الخالص في الجريمة و إنما جرم التفكير و التصميم على ارتكاب الجريمة إذ تكون له مظهر خارجي هو تكوين جمعية أشرار ثم تظهر من الجاني أعمال ملموسة كأن يشتري . السلاح الذي يستعمله في القتـل ، أو الآلات .
_________________
1 الدكتور عوض محمد ص 292 قانون العقوبات القسم العام .
2 الأستاد عبد الله سليمان ص 163 شرح قانون العقوبات الجزائري القسم العام ج 1 ( الجريمة ) .
التي يستعملها في السرقة فهذه الأعمال تعتبر تحضيرية و بالرغم من ذلك جرمها المشرع الجزائري بصفة مستقلة كمجرد تقليد مفاتيح جرمه المشرع الجزائري في المادة 358 و تأتي بعد ذلك مرحلة يتجاوز فيها الجاني التفكير و التحضير .
ليسلك الجريمة لكن فعله لا يصل إلى مرحلة التنفيذ الكامل للجريمة ، وفي هذه الحالة يعد المشرع بفعل الجاني و يجرمها في الجنايات و بعض الجنح ، فيرتكب الجاني السلوك المحضور كله أو بعضه دون أن تكتمل الركن المادي للجريمة وتسمى هذه الحالة " الشروع " .
الفصل الاول ماهية الشروع
الفصل الأول ___________________________ ماهية الشروع
تمر الجريمة التامة بعدة مراحل و هي التفكير و التحضير للجريمة ثم مرحلة التحضير للجريمة و يبدأ في تنفيذها و هو بذلك يدخل في مرحلة الشروع ثم مرحلة إتمام الجريمة و سوف تستعرض في هذا الفصل المراحل التي تمر بها الجريمة ثم التعريفات الفقهية و الشروع الشريعة الإسلامية 1 .
المبحث الأول : المراحل التي تمر بها الجريمة :
لا تقع الجريمة دفعة واحدة و لكنها في أكثر الأحيان تمر بعدة مراحل سواء كانت جرائم عمدية أو غير عمدية ، وتمر الجريمة في العادة بمرحلتين هما التنفيذ و التمام ، بينما تتميز الجرائم العمدية بمرحلة أخرى هي التفكير و قد يتخلل التفكير و التنفيذ مرحلة أخرى يتم فيها الإعداد و التحضير و على ذلك فالمراحل التي يمكن أن تمر بها الجريمة أربعة ، التفكير ، التحضير ، التنفيذ و التمام و لا عقاب على التفكير في الجريمة و لا التحضير لها و لكن العقاب واجب عند تمامها .
المطلب الأول : التفكير في الجريمة .
فلا عقاب عليه و لو خلص الجاني بعد التفكير إلى العزم و التصميم ، فامتناع العقاب لا يرجع إلى صعوبة الإثبات فقد يجهر الشخص بما اعتزم أو شهد شاهد على عزمه و إنما يمتنع العقاب في الأساس إلى أن الجريمة لا تقوم بالنية و حدها و إنما بأفعال تصدر عن إرادة آثمة و إذا كان التصميم على ارتكاب الجريمة غير كاف لقيامها في الوقت نفسه لا يعد شروعا فيها ، لأن الشروع في أمر يقضي بالضرورة نشاطا يتجاوز مجرد التصميم عليه .
و إذا كان القانون يعاقب على بعض الجرائم المعنية في بعض نصوصه لمجرد التحريض على ارتكابها أو التهديد بها أو الاتفاق الجنائي، فليس في ذلك نقض للحكم السابق لأننا بصدد نوايا مجردة و لكننا بصدد أفعال خارجية.
____________________
1 الدكتور عوض محمد ، ص 293 ( قانون العقوبات - القسم العام )
الفصل الأول _____________________________ ماهية الشروع
جاوزت العزم و إن أفصحت عنه و العقاب عليها مقرر لا باعتبارها شروعا في الجريمة التي انصب التحريض ، التهديد أو الاتفاق عليها ، باعتبارها جريمة قائمة بذاتها لها أركانها المستقلة و عقوبتها المتميزة .
المطلب الثاني : التحضير للجريمة .
يعني الإعداد لها بتهيئة الوسائل التي يعين الجاني على ارتكابها وتتيح له التخلص من عواقبها و قد يقتضي ذلك تدبير الأداة اللازمة أو إعداد المكان أو تهيئة بعض الظروف و تختلف صورة هذه الأعمال باختلاف الجرائم ، وقد تختلف في الجريمة الواحدة باختلاف الجاني و المجني عليه عن الأعمال التحضيرية للحريق1 .
و القاعدة أن الأعمال التحضيرية للجريمة لا عقاب عليها فلا تعتبر شروعا في الجريمة لأن التجهيز و أعمال التحضير لا تتضمن في الغالب خطرا يهدد مصلحة اجتماعية هامة ( فهناك حالات استثنائية يعاقب فيها المشرع على مجرد الأعمال التحضيرية لما يقدر فيها من خطر التهديد لمصلحة المجتمع و يعتبرها جرائم مستقلة بذاتها حتى و لو لم ترتكب الجريمة هذه الأعمال للتحضير لها و من أمثلة ذلك تحريم حمل السلاح بدون ترخيص ، وتحريم اقتناء عبارات ) .
بالإضافة إلى ما تنطوي عليه من غموض وشك حول الهدف منها ، فمن يشتري سلاحا قد يكون الهدف منه القتل كما قد يكون هذا الهدف هو استعماله للدفاع عن النفس ، فضلا عن عدم العقاب عليها يفسح للجاني المجال للعدول عن فكرة الجريمة وعدم تنفيذها2 .
________________
1 الدكتور عوض محمد ص 294 نفس المرجع السابق .
2 الدكتور عبد القادر القهوجي ص 194 قانون العقوبات القسم العام .
الفصل الأول ___________________________________ ماهية الشروع
المطلب الثالث : مرحلة التنفيذ أو الشروع .
وهي مرحلة الشروع في الجريمة وهي البدء في تنفيذها و هذه المرحلة معاقب عليها و المرحلة هذه هي أشد خطرا ، الآن فيها مساس مباشر بالحق أو بالمصلحة التي يحميها القانون و لا يختلط البدء في تنفيذ الجريمة بتمامها و لذلك فالتمييز لا يثير صعوبة لكن الأمر يدق عندما يراد التمييز بين الأعمال التنفيذية و الأعمال التحضيرية ، وهذا التمييز على دقة كبيرة ، الآن البدء في التنفيذ على خلاف التحضير معاقب عليه بوجه عام .
المطلب الرابع : تمام الجريمة :
يراد به اكتمال أركان الجريمة و عناصرها نحو ما بينها القانون و يتحقق التمام حين يكون ما وقع مطابقا تماما لنموذج الجريمة كما حدده التجريم ، فإذ كان القانون يكتفي في الركن المادي بالسلوك المجرد كالسب و القذف و هتك العرض ، كانت لحظة التمام هي لحظة مقارنة السلوك بأكمله و إذا كان القانون يشترط في الركن المادي حدوث نتيجة معينة كما هو في القتل ، فإن لحظة التمام هي لحظة وقوع النتيجة .
أما العوامل و الظروف التي تؤثر في مدى العقاب فلا اعتداد بها عند البحث في تمام الجريمة و ذلك فإن تراخيها لا يحول دون تمام الجريمة نفسها ، فإن إخفاق الجاني في تحقيق النتيجة التي ارتكب الجريمة من أجلها لا يؤثر على تمامها كما يعاقب القانون كل من دخل عقارا في حيازة أخر بقصد إرتكاب جريمة فيه ، فهذه الجريمة تتم بمجرد الدخول المقترن بهذا القصد سواء تحقق للجاني ما أراد أو حيل بينه و بين ذلك .
وقد تكتمل عناصر الجريمة في لحظة معينة فيتحقق لها وصف التمام و لكن هذه الحالة لا تنتهي فورا بل تمتد زمنا ، كحيازة السلاح بغير ترخيص و إخفاء المسروقات و استعمال المحررات المزورة فالجريمة تبلغ حد التمام بفعل الإحراز أو الخفاء أو الاستعمال و ذلك يتحقق في لحظة محددة أما الامتداد الفعل فيطيل رحلة التمام فحسب .
_________________________________
الدكتور عوض محمد ص 295 نفس المرجع السابق .
الفصل الأول ___________________________ ماهية الشروع
المبحث الثاني : مفهوم الشروع :
تكون بصدد محاولة ( TENTATIVE ) لارتكاب الجريمة عندما يبدأ الفاعل بارتكابها ثم يجد نفسه مجبرا على التوقف تحت تأثير ظروف خارجة عن إرادته (المحاولة بالمفهوم العام ) و تكون من جهة أخرى بصدد جريمة خائبة ( DELIMANQUE ) عندما يقوم الفاعل بمواصلة التنفيذ إلى أخره ..... ولكن لا يفلح في الوصول إلى الهدف المقصود من قبله لأنه مثلا " لا يحسن الرمي ".
المطلب الأول : تعريف الشروع .
الفرع الأول : التعريف عند المشرع الجزائري .
تحت عنوان المحاولة نص قانون العقوبات الجزائري على الشروع في المادة 30 " كل محاولات لارتكاب جناية تبدأ بالشروع في التنفيذ أو بأفعال لا لبس فيها يؤدي مباشرة إلى ارتكابها تعتبر كالجناية نفسها إذا لم توقف أو يخب أثرها إلا نتيجة لظروف مستقلة عن إرادة مرتكبها حتى و لو لم يكن بلوغ الهدف المقصود بسبب ظرف مادي يجهله مرتكبها " 2 .
يتضح من النص أن جريمة قد وقعت و لكنها لم تكتمل فهي جريمة ناقصة أوقف تنفيذه قبل إتمامها أو خاب أثرها و لقد جرى العرف على دراسة هذه المسائل تحت عنوان المحاولة بمفهومها الواسع و في تلك الحالتين نجد أن الجريمة لم ترتكب فالضحية لم تقتل و النقود لم تسرق و يجب معرفة ما إذا كان الجزء الصغير من العنصر المادي و المكون من قبل المحاولة أو الجريمة الخائبة يسمح بمعاقبة الفاعل بعد أن كشف أمره بسبب الخطر الكامن فيه ، ففي الحالتين السابقتين تجد المشرع الجزائري عمل على حماية المجتمع مع اشتراط ضرورة توافر العنصر المادي للجريمة ولقد فرق المشرع الجزائري في المادة 30 بين المحاولة بالمفهوم العام وكذا الجريمة الخائبة فيتضح من النص أن الجريمة قد وضعت و لكنها لم تكتمل فهي جريمة ناقصة أو وقف تنفيذها قبل إتمامها أو خاب أثرها بسبب خارج عن إرادة الجاني وهذه الجرائم لا تكون إلا في الجنايات و بعض الجنح بشرط أن ينص القانون على ذلك المادة 31 من قانون العقوبات الجزائري و لكنها غير متصورة أبدا في المخالفات نفس المادة 31 .
الفصل الأول ___________________________________ ماهية الشروع
يحمل الشروع في طياته كل معاني الاعتداء على المصلحة المحمية و لكنه إذا أوقف أو خاب أثره فقد تحول من صورة الاعتداء الفعلي إلى صورة إعتداء يهدد بالخطر فهو بمثابة إعتداء محتمل حيث أن القانون يحمي المصالح من كل إعتداء محتمل عليها لذا فقد وجب تجريم الشروع بوصفة إعتداءا محتملا يهدد المصالح المحمية بخطر مصدره جرائم الشروع الذي يكمن في أفعال الجاني و نيته الإجرامية في إرتكاب الجريمة من جهة أخرى1 .
الفرع الثاني : التعريف المصري .
نصت المادة 45 من قانون العقوبات المصري على أن " الشروع هو البدء في تنفيذ فعل بقصد إرتكاب جناية أو جنحة إذا أوقف أو خاب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها و لا يعتبر شروعا في الجناية أو الجنحة مجرد العزم على إرتكابها ولا الأعمال التحضيرية لذلك .
و نستخلص من هذا النص أن الركن المادي في الشروع تتفق في جنسه و نوعه مع الركن المادي في الجريمة التامة و لكنه إختلف عنه في كمه ، فهو بالقياس إليه يتسم بالنقصان ، أما الركن المعنوي في الشروع فهو العمد في كل الأحوال 2 .
و هكذا فإن الشروع في الجريمة لا يتحقق إلا إذا الجاني في إرتكاب الأفعال التي ترمي مباشرة إلى اقترافها و هو ما اصطلاح الفقه إلى تسميته بالبدء في تنفيذ الفعل الجرمي و عدم إتمام الجريمة لظروف خارجة عن إرادة الجاني أو الفاعل ، ذلك أن المفهوم في تلك الجرائم جميعا أنها لم تتم ، أي أنها برغم إستفائها لسائر الأركان و العناصر اللازمة لتمام الجريمة إلا أن النتيجة لم تقع .
الفصل الأول ___________________________________ ماهية الشروع
المطلب الثاني : الشروع في الجريمة في الشريعة الإسلامية 1 :
لم يهتم فقهاء الشريعة بوضع نظرية خاصة للشروع في الجرائم و لم يعرفوا لفظ الشروع بمعناه الفني كما نعرفه اليوم ، ولكنهم أعطوا اهتماما للتفرقة بين الجرائم التامة و الجرائم الغير تامة و يرجع ذلك لأن الشروع في الجرائم لا يعاقب عليه بقصاص ولا حد و إنما يعاقب عليه بالتعزير أيا كان نوع الجريمة ، وقد جرت العادة للفقهاء أن يهتموا فقط بجرائم الحدود و القصاص ، لأنها جرائم ثابتة لا يدخل على أركانها و شروطها التغيير كما أن عقوبتها مقدرة ليس للقاضي أبغلظها أو بقلصها أما جرائم التعزير فإذا استثنينا العد القليل الذي نصت علية الشريعة كتحريم الميتة و خيانة الأمانة فإن معظم هذه الجرائم متروك أمرها للسلطة التشريعية أي لأولى الأمر يجرمون من الأفعال ما يرونه ماسا بالمصلحة العامــــــة و يعاقبون عليه و جرائم التعزير عقوبتها ثابتة قد يعاقب عليها بعقوبات تافهة و قد يعاقب عليها بعقوبات جسيمة و قد تتغير أركانها بتغيير و جهة نظر أولــي الأمـــر و لهذا كله لم يتكلم الفقهاء عن جرائم التعزير إلا كلاما عاما و لم يتطرقوا إلى تفاصيل أركان الجريمة و شروطها و على هذا الأساس لم يتكلموا عن الشروع بصفة خاصة لأنه من جرائم التعزير .
وأما السبب الثاني فهو من قواعد الشريعة الموضوعة للعقاب على التعازير منعت من وضع قواعد خاصة للشروع في الجرائم ، لأن قواعد التعازيز كافية لحكم جرائم الشروع فالقاعدة في الشريعة أن التعزيز يكون في كل معصية ليس فيه حد مقدر و لا كفارة ، أي أن كل فعل تتبره الشريعة معصية هو جريمة يعاقب عليها بالتعزيز ما لم يكن معاقبا عليها بحد أو كفارة ، فكل شروع في فعل محرم لا يعاقب عليه إلا بالتعزيز و يعتبر كل شروع معاقب عليه معصية في حد ذاته أي جريمة تامة ، واو أنه جزء من الأعمال المكونة لجريمة أم تتم ، فالسارق إذا ما أراد سرقة بيت ثم ضبط قبل أن يدخله يكون مرتبكا لمعصيته تستوجب العقاب وهذه المعصية تعتبر جريمة تامة ولو أنها بدء في تنفيذ جريمة السرقة فالشريعة الإسلامية اعتبرت أي محاولة للسرقة دون أن تتم جريمة تامة تستوجب العقاب .
وهكذا يثبت لنا مما سبق أنه لم يكن ثمة ما يدعو الفقهاء لوضع نظرية خاصة بالشروع في الجرائم و إنما دعتهم الضرورة فقط إلى التفرقة بين الجريمة التامة و الجريمة غير التامة من جرائم الحدود و القصاص أما الجرائم التامة فلا تستوجب هاتين العقوبتين و فيها التعزير فقط .
__________________________________________________ __
1الدكتور عبد الحميد الشور أبي ص 5 و ما يليها الشروع في الجريمة في ضوء القضاء و الفقه .
الفصل الأول _________________________________ ماهية الشروع
و من الخطأ البين أن يظن البعض أن الشريعة لا تعرف الشروع في الجرائم إذ الظاهر مما تقدم أنها عرفت الشروع بمعناه الحقيقي و كل ما في الأمر أنها عالجته بطريقتها الخاصة لا على طريقة القوانين الوصفية و لم يعبر الفقهاء عن الجرائم غير التامة بتعبير الشروع في الجرائم لأن الأفعال التي لم يتم تدخل في جرائم المقصودة أصلا ، فليس هناك ما يدعو لتسميتها الجرائم المشروع فيها مادام أن ما تم منها يعتبر في حد ذاته جريمة تامة و إذا عبرنا اليوم عن الجرائم غير التامة و قلنا إنها جرائم الشروع ، فهذا ليس بشيء جديد و إنما هو تسمية جديدة لبعض جرائم التعازير .
و نظرية الشريعة في الشروع أوسع مدى منها من القوانين الوصفية فهي تعاقب على الشروع في كل جريمة إذا كان الفعل الغي تام معصية و هي تعمل بهذه القاعدة بلا استثناء فمن حاول إطلاق النار على أخر فلم يصبه فهو مرتكب لمعصية عقوبتها التعزير ، أما القوانين الوضعية فتعاقب على الشروع في أكثر الجنايات ، و عليه في بعض الجنح دون البعض الأخر و ليس لها قاعدة عامة في هذا و من تطبيقات نظرية الشريعة حالة الضرب و الجرح بقد ر القتل ، فإن الجرح إذا أدى للموت اعتبر الفعل القتل عمدا و إذا لم يؤدي إلى الموت أعتبر جرحا فقط و عقب عليه الجاني عقوبة خاصة .
كما تمر الجريمة بمراحل معينة قبل أن يرتكبها المجرم فهو أولا بفكر و يصمم فلا يعتبر التفكير و التصميم على ارتكابها معصية تستحق التعزيز و بالتالي جريمة يعاقب عليها ، الآن القاعدة في الشريعة الإسلامية أن الإنسان لا يؤخذ على ما تسول له نفسه أو تحدثه به من قول أو عمل ولا على ما تنوي أن يقول أو يعمل ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تجاوز لأمي عما وسوست أو حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم " و إنما يؤخذ الإنسان على ما يقوله من قول و ما يفعله من فعل وهذا المبدأ الأساسي الذي قامت عليه الشريعة من يوم وجودها مبدأ يعتبر حديثا في القوانين الوصفية ، ويبقى أن الشريعة الإسلامية ليس فيها استثناءات لهذا المبدأ ، أما القوانين الوصفية فلا يزال بها استثناءات و من أمثلة ذلك أن المشرع الفرنسي يشدد العقوبة في القتل العمد مع سبق الإصرار و يحفظها في القتل الخالي منه .
________________________________
الدكتور عبد الحميد الشورابي نفس المرجع السابق .
الفصل الأول __________________________________ ماهية الشروع
أما المرحلة الثانية فتمثل في التحضير ، فهي لا تعتبر معصية و لا تعاقب الشريعة على إعداد الوسائل لارتكاب جريمة إلا إذ كانت حيازة الوسيلة أو إعدادها مما يعتبر معصية في ذاته و العلة في عدم اعتبار دور التحضير جريمة ، إن الأفعال التي تصدر من الجاني وجب العقاب عليها و أن تكون معصية ولا يكون الفعل معصية إلا إذا كان الاعتداء حق للجماعة أو حق للأفراد ، أما المرحلة الأخيرة هي التنفيذ وهي المرحلة الوحيدة التي تعتبر فيها أفعال الجاني جريمة و يعتبر الفعل كذلك كلما كان معصية وليس من الضروري أن يكون الفعل بدءا في التنفيذ ركن الجريمة المدى بل يكفي أن يكون الفعل معصية .
الفرع الثاني : العقاب على الشروع في الشريعة الإسلامية .
تتفق الشريعة مع القوانين الوصفية في عدم العقاب على مرحلة التفكير و التحضير و في قصر العقاب في مرحلة التنفيذ و لكن شراح القوانين يختلفون على الوقت الذي يعتبر فيه الجاني قد بدأ فيه الجاني قد بدأ في التنفيذ .
و القاعدة في الشريعة الإسلامية في جرائم الحدود و القصاص أن لا تساوي عقاب الجريمة التامة بالجريمة التي لم تتم ، واصل هذه القاعدة حديث الرسول (ص ) : " من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين " وهذه القاعدة لا يمكن الخروج عليها في جرائم الحدود و جرائم القصاص ، فلا يمكن العقاب على الشروع في الزنا بعقوبة الزنا التام وهي الجلد و الرجم ، ولا يمكن العقاب على الشروع في السرقة بعقوبة القطع ، لأن القطع جعل جزاء الجريمة التامة ولاشك أن هناك فرق شاسع بين الشروع و الفعل التام ، فيجب أن يؤخذ المتهم بقدر ما فعل و يجزي بقدر ما اكتسب فضلا عن أن التسوية في العقاب بين الشروع و الجريمة
التامة تحمل من شرع في الجريمة على إتمامها ، أنه يرى نفسه قد استحق عقوبة الجريمة التامة بالبدء في تنفي الجريمة فليس تمة ما يفر به بالعدول عنها و القوانين الوضعية لا تخرج عن هذا المبدأ فبعضها يسوي بين عقوبة الشروع و عقوبة الجريمة التامة و بعضها يعاقب على الشروع بعقوبة أخف من عقوبة الجريمة التامة .
الفصل الأول __________________________________ ماهية الشروع
أثر عدول الجاني عن الفعل .
إذا شرع الجاني في ارتكاب الجريمة فإما أن يتمها و إما أن لا يتمها ، فإذا أتمها فقد استحق عقوبتها و إذا لم يتمها فإما أ، يكون أكره على ذلك ، ففي حالة العدول إما أن يكون العدول لسبب ما غير التوبة كأن يكتفي الجاني بما يفعل أو يرى أنه ينقص بعض الأدوات أو أن يعيد الكرة في وقت أخر مناسب أكثر ، وإما أن يكون سبب العدول هو توبة الجاني و شعوره بالندم ورجوعه إلى الله .
فإذا كان سبب عدم إتمام الجريمة هو إكراه الجاني على ذلك كأن يضبطه المجني عليه أو يصاب بحادث يمنعه من إتمام الجريمة ، فإن ذلك لا يؤثر على مسؤولية الجاني في شيء مادام أن الفعل الذي أتاه يعتبر معصية .
و إذا عدل الجاني لأي سبب غير التوبة فهو مسؤول عن الفعل كلما اعتبر ذلك معصية أما إذا سبب عدوله هو التوبة و الرجوع إلى الله ، فإن الجاني لا يعاقب على ما فعل و ذلك لقوله تعالي : " إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم " ( المائدة 34 ) و إذا كان الفقهاء قد اتفقوا على أن التوبة تسقط العقوبة المقررة للجريمة فإنهم اختلفوا في أثر التوبة على ماعدا هذه الجريمة .
الشروع في الجريمة المستحيلة :
ليس في أقوال الفقهاء ما يشير إلى ما نسميه اليوم الجريمة المستحيلة التي هي يستحيل وقوعها إما لعدم صلاحية وسائلها كمن يطلق على أخر بقصد قتله ببندقية لا يعلم أنها فارغة وقد كانت الجريمة المستحيلة محل نظر فقهاء القانون الوصفي ومناقشتهم في القرن الماضي وكان بعضهم يرى العقاب على الشروع فيها وبعضهم لا يرى ذلك أما اليوم فقد إتجه الرأي إلى إهمال نظرية الإستحالة و الأخذ بالمذهب المضاد وهو المذهب الشخصي و يقوم على النظر إلى غرض الفاعل و خطورته ، فمتى كانت الأفعال التي أتاها تدل صراحة على قصد الفاعل فهو شارع في الجريمة وتجب عليه عقوبة الشروع .
الفصل الثاني أحكام الشروع
الفصل الثاني ________________________________ أحكام الشروع
جريمة الشروع كغيرها من الجرائم تتطلب توافر الأركان العامة الثلاث للجريمة: الركن الشرعي و الركن المعنوي و الركن المادي و لا يثير الركن الشرعي أي إشكال بالنسبة للشروع فقد حدد المشرع الجرائم التي يعتمد بالشروع فيها .
كما لا يثير الركن المعنوي في الشروع أي إشكال ، فالشروع لا يكون إلا في الجرائم العمدية فلا شروع في الجريمة الغير عمدية ولا شروع في جريمة تتجاوز قصد الجاني إذ تنحصر مسؤولية الجاني في الأعمال التي أرادها1 .
لذا سوف نتطرق في هذا الفصل إلى دراسة أركان الشروع و عقوبتها.
المبحث الأول : أركان الشروع :
يشترط المشرع لتوافر الشروع أركان ثلاثة : الأول عنصر مادي خارجي هو البدء في التنفيذ والثاني عنصر معنوي داخلي و هو قصد إركاب جنابة أو جنحة و الثالث أن يوقف الفعل أو يخيب أثره لسبب خارج عن إرادة الفاعل2 .
المطلب الأول : البدء في التنفيذ :
يعرف الفقيه " قيلي " البدء في التنفيذ الذي يعد شروعا معاقبا عليه بأن الفعل التنفيذي هو بدء الجريمة و جزء مكمل لها و لا يمكن فصله عنها فإذا ما أخذت الجريمة التي كان الجاني ينوي مفارقتها في مجموعها يحسب تعريفها القانوني و تساءلت ما إذا كان الفعل المذكور بعد جزءا منها أم لا و كان الجواب بالإيجاب فالفعل يكون تنفيذيا و إلا فهو عمل تحضيري3 .
يعتبر البدء في التنفيذ هو الفيصل بين المباح و المحظور و قد حرص المشرع على بيان هذا المعني فنص صراحة على أنه لا يعتبر شروعا في الجريمة مجرد العزم على ارتكابها ولا الأعمال التحضيرية لها .
و لم تعطي القوانين الوصفية لهذا الركن نصيبه الكافي من التعريف و يتجلى سب ذلك في تعدد الجرائم مما يصعب جمعها في نص واحد مانع وقد يهيئ للمجرمين منفذ الهروب من العقاب بارتكاب أعمال لم يحط المشرع لمثلها و لم ينص على العقاب عليها ،
الفصل الثاني ________________________________ أحكام الشروع
فكان الحاصل أن سلك المشرع سبيل التعميم و الغموض في وضع الصيغة المميزة للأفعال المعاقب عليها مما أدى إلى إختلاف القول و تعدد النظريات في تحديد المراد و شروطه .
الفرع الأول : أهمية تحديد البدء بالتنفيذ :
تكمن هذه الأهمية في أنه الفاصل بين مرحلتين : مرحلة سابقة عليه لا عقاب فيها و مرحلة لا حقة تكون جريمة الشروع .
لا يعاقب القانون على المراحل التي تسبق البدء بتنفيذ السلوك المادي للجريمة فقد يسبق الجريمة أمر التفكير فيها و التصميم عليها و هي من الأمور التي لا يعاقب عليها القانون بوصفه أمورا نفسية داخلية لم يعبر عنها بفعل مادي تطبيقا للمبدأ القائل " لا جريمة بدون فعل " .
كما لا يعاقب القانون على الأعمال التحضيرية التي يرى الجاني ضرورة الإتيان بها للتحضير لجريمته ، كمن يقتني أو يشتري أو يجهر الآلات و المعدات ليستعملها في جريمته ولا يعتقد بأن المشرع أقر العقاب على الأعمال التحضيرية بواقع أنه جرم بعض الأفعال التي تدخل في هذا النطاق ، كما في حالة حيازة السلاح بدون ترخيص أو تقليد المفاتيح أو شراء بعض الآلات لإستعمالها في التزوير ، فهذه الأعمال مجرمة لخطورتها وعلى أنها جرائم مستقلة بذاتها لا بوصفها شروعا في جرائم 1 .
___________________
1 الأستاد : عبد الله سليمان ، ص 168 ن شرح قانون العقوبات الجزائري القسم العام ، ج1 الجريمة .
الفصل الثاني ________________________________ أحكام الشروع
الفرع الثاني : ضابط التفرقة بين البدء في التنفيذ و التحضير .
تبدو التفرقة في بعض الأحيان يسيرة بين ما يعتبر عملا تحضيريا وما يعتبر عملا تنفيذيا فاصطناع مفتاح لقفل و إعداد لآلة لإغتصاب باب يعتبران من الأعمال التحضيرية لجريمة السرقة 1 ، فعمله مجرد تحضير و هو أمر جلي و لكن ما القول بالنسبة للص الذي يضبط مستورا سور حديقة منزل مثلا هل يعد اللص قد شرع في السرقة إذ ثبت أنه يريد السرقة أم أن عمله هو مجرد عمل تحضيري ؟ .
إنقسم الفقهاء حول تحديد الضابط أو المعيار الذي بواسطته يمكننا أن نميز الأعمال التحضيرية عن أعمال الشروع ، فلا مناص من الإعتماد على أحد هذه المعايير الفقهية السائدة في هذا الشأن ، ذلك أن المشرع لم ينص صراحة على هذا و يوجد لدينا مذهبيين يصفان الحلول الفقهية لتحديد ما يسبق البدء في تنفيذ الجريمة ، حيث لا عقاب و ما يلي ذلك من أفعال تخضع للعقاب بإعتبارها شروعا في الجريمة ( المذهب الأول هو المذهب المادي أو الموضوعي و المذهب الثاني الشخصي 2 ) .
1- المذهب الموضوعي :
وقد إختلف أنصار هذا المذهب في صياغة معيار البدء في التنفيذ فالبعض ير ى أن البدء في التنفيذ يتوافر في إرتكاب الفعل الذي يقوم عليه الركن المادي للجريمة و البعض الأخر يرى أنه يتوافر كلما كان العمل الذي أتا ه الجاني منطويا في ذاته على إحتمال حدوث النتيجة ، أي أنه ينطوي على خطر معين هو إحداث النتيجة و البعض يرى أنه يتوافر إذا حقق الجاني بسلوكه ما يعتبر ظرفا مشددا .
____________________
1 الدكتور : عوض محمد ص 298 قانون العقوبات القسم العام .
2 الدكتور : إبراهيم الشبايي ، ص 123 الوجيز في شرح قانون العقوبات الجزائري ( القسم العام ) .
الفصل الثاني ________________________________ أحكام الشروع
لعقوبة الجريمة المشروع في إرتكابها و إن إختلف أنصار هذا المبدأ في صياغة معيار البدء في التنفيذ إلا أنهم يشتركون جميعا في معنى واحد هو الإعتماد على ماديات النشاط الإجرامي لا على مجرد الإدارة الإجرامية كما يتوقف معيار البدء في التنفيذ على قدر خطورة وما ينطوي عليه من إحتمالات أحداث النتيجة لا بقدر خطورة الفاعل 1 .
كما يرى أنصار هذا المذهب أن الشروع يتطلب بداء في تنفيذ الفعل المادي المكون للجريمة ، فجريمة القتل بالخنق لا تبدأ إلا بعد وضع الجاني يده على فم المجني عليه و جريمة السرقة لا تبدأ إلا مع وضع الجاني يده على المال أي البدأ بفعل الإختلاس و جريمة الحريق لا تبدأ إلا بإستعمال النار في الشيء المراد حرقه .
و أما الأعمال السابقة فهي لا تزيد على أن تكون من قبيل الأعمال التحضيرية .
و يرى فريق أخر و على الأخص في ألمانيا أن الفعل يعتبر شروعا أو بدءا في التنفيذ إذا أصاب الفاعل به جزاءا من السلوك الإجرامي المنصوص عليه في القانون ، أما إذا كان ما اتاه الفاعل خارجا عن هذا السلوك ، فإنه يكون عملا تحضيريا وهذا الرأي يتسم بالوضوح فهو لا يقتضي غير المقارنة بين الفعل الذي وقع و النموذج القانوني للسلوك الإجرامي فإن كانت العلاقة بينهما علاقة جزئية أو بعضية كان الفعل تنفيذا و إلا فهو تحضيري 3 و يؤدي الأخذ بهذا المعيار إلى نتائج ضارة للمجتمع إذ ليس من المنطق القول بأن أفعال من سور حائط الحديقة أو داخل فناء المنزل أو كسر باب الغرفة للسرقة ، إذا ما ضبط قبل أن يمد يده على المال المراد سرقته فهي تعتبر أفعال أو أعمال تحضيرية و أنه لم يبدأ يفعل السرقة بعد لأنه لم يضع يده على المال المراد سرقته حتى لحظته4 .
__________________
1 الأستاد : أحمد أب الروس ، ص 270 و ما يليها القصد الجنائي و المساهمة و المسؤولية الجنائية والشروع .
2-3 الدكتور عبد الله سليمان ، ص 170 و 171 قانون العقوبات الجزائري ، ج 1 .
4 الدكتور عوض محمد ، ص 299 قانون العقوبات القسم العام .
الفصل الثاني ________________________________ أحكام الشروع
و عندما شعر أنصار هذا المذهب بنقصه أرادوا التوسع فيه بإدخال الظروف المشددة للجريمة في الأعمال المنفذة لها فالكسر أو التسلق أو إستعمال مفتاح مصطنع بعد الشروع في إرتكاب جريمة السرقة و يبين مما تقدم بأن المذهب المادي يجعل دائرة الشروع المعاقب عليه دائرة ضيقة ، بينما يوسع من نطاق الأعمال التحضيرية للجريمة و التي لا عقاب عليها بحسب الأصل مما يتنافى مع إرادة المشرع و روح التشريع الذي يعمل في المقام الأول على مكافحة الجريمة بطريقة رادعة خاصة في الدول الإشتراكية 1 .
وعليه ، فإنه يشترط لتوفر البدء في التنفيذ حسب هذا الرأي شرطان :
أولا : أن يكون الفعل قريبا جدا من الجريمة ، بحيث يتصل بها بصلة قريبة مباشرة .
ثانيا : أن تنشأ هذه الرابطة من الفعل الذي قام به الفاعل و ليس من فعل أخر توسط بينهما .
و أما العمل التحضيري فهو غامض و قابل لأكثر من تأويل و لا يكشف عن قصد الفاعل و الغاية التي يسعى إليها بصورة واضحة لا تدعو إلى الشك في مرماها فواقعة شراء بندقية مثلا لا يمكن أن يكشف لنا قصد الفاعل و نفسيته الإجرامية فربما يراد بها القتل أو الدفاع عن النفس أو حتى الصيد .
قد يبدو هذا الرأي على درجة واضحة من الصحة في بادئ الأمر إلا أنه عند التأمل تحت سطوره نجده بعيدا عن الصواب و مؤدي إلى عدم إمكان العقاب على الشروع إذ من العبث أن نعتمد على مادية الفعل للكشف عن إرادة الفاعل و الجريمة التي يسعى لتحقيقها ، بل لا بد نأخذ بعين الإعتبار الظروف المقترنة بالفعل و المتممة له ، وذلك أنه حتى في أوضح الحالات لا يكفي العمل المادي لوحده للكشف عن قصد الفاعل و نيته فمثلا طعن شخص آخر فهي من أوضح الحالات ، لا يكفي فعل الطعن وحده للكشف عن قصد الفاعل و غايته ، لأنه لا يمكن .
___________________
1 الدكتور : إبراهيم الشباتي ، ص 124 الوجيز في شرح قانون العقوبات الجزائر ي ( القسم العام ) .
الفصل الثاني ________________________________ أحكام الشروع
أن ينشأ عن هذا الفعل نتائج مختلفة ، كموت المجني عليه أو جرحه أو تعطيل عضو من أعضائه ، يفسرها و يحددها الفاعل فهو يقصد نتيجة من هذه النتائج و لا يمكن كشفها و الوقوف عليها إلا بالاستعانة بالظروف المقترنة بالفعل و المتممة له و بما أن الغموض مازال موجودا في أوضح الحالات و أكثرها بساطة و لا زال الفعل قابلا لأكثر من تأويل ، فإن منطق هذا الرأي يقودنا إلى الحكم بعدم العقاب على الشروع 1 .
كما يعيب معظم الفقهاء على هذا الرأي ومنهم من يلغو في نقده إلى حد اتهامه بأنه يؤدي إلى إلغاء فكرة البدء في التنفيذ أصلا ، بدعوة أن كل الأفعال تقبل التأويل و أنه من النادر أن يكون هناك فعل لا يحتمل غير دلالة واحدة . ومن الفقهاء من يرفق نقده فيعتبر هذا الرأي يؤدي من الناحية العملية إلى حصر الأفعال التنفيذية في الأفعال المكونة لمادة الجريمة أو لجزء منها ، كوضع اليد على المال في السرقة و إشعال النار في الحريق ، لأنها وحدها القاطعة في دلالتها على إتجاه صاحبها وهذه النتيجة غير مقبولة لأنها تخرج من مجال العقاب أفعال لا يمكن التغاضي عنها 2
2- المذهب الشخصي :
ينظر هذا المذهب إلى إرادة الجاني الإجرامية باعتبارها مبعث الخطر الذي يهدد المجتمع في أمنه وكيانه و بتعبير أخر ينظر في مدى دلالة أفعال الشخص على قصده فالأستاذ " جارو " يرى أن الجاني يبدأ في التنفيذ المعاقب عليه بوصفه شروعا إذ أتى عملا من شأنه في نظر الجاني أن يؤدي مباشرة إلى النتيجة المقصودة فالفعل يعد بداء في التنفيذ حتو و لو كان سابقا على الأفعال المكونة للجريمة متى أمكن القول بأن هذا الفعل سيدفع بالمجرم حتما إذا ترك على حالة ارتكاب الجريمة أو بحيث يصح القول بأن المجرم قد سلك بهذا الفعل سبيل نهائيا و أخر في استعمال الوسائل التي كان قد أعدها لها أو إذا كان فعله
_____________________
1 الدكتور : عبد الحميد الشورابي ،ص 39 – 40 الشروع في الجريمة ( في ضوء القضاء و الفقه ) .
2 الدكتور : إبراهيم الشبايي ، ص 125 نفس المرجع السابق .
الفصل الثاني ________________________________ أحكام الشروع
و لكن متى يتوفر البدء في التنفيذ حسب وجهة نظر أنصار هذا المذهب ؟
أختلف أنصار هذا المذهب و تعددت نظرياتهم في حل هذه المشكلة ، حيث يذهب رأي إلى أن هناك اختلاف من حيث الطبيعة بين الأعمال التنفيذية و التحضيرية فالفاعل في دور التحضير لم يقم بعد بعمل يكون اعتداء على الغير فهو يملك الفرصة الكافية للتحول عن الجريمة و العدول عن تنفيذها بينما يكون في دور التنفيذ قد قام بالاعتداء على الحق المحمي قانونا و نفذ الجريمة ولو جزئيا ، صحيح أن لدى الفاعل وهو في دور التنفيذ أكثر من فرصة للعدول إلا أنه مع ذلك قد قام باعتدائه فعلا و نفذ جزءا من جريمته غير أن هذا المعيار غامض وغير صحيح فهو غامض لأنه لم يبين لنا على وجه الدقة اللحظة التي ينقلب فيها العمل من تحضيري إلى تنفيذي1 .
وهو غير صحيح لأنه من الخطأ القول بأن هناك اختلافا من حيث طبيعة كل من العملين التحضيري و التنفيذي و يذهب رأي أخر " يتوفر الشروع عند قيام الفاعل بوضع الوسائل التي أعدها لتنفيذ الجريمة موضع العمل " فالفاعل في دور التحضير يقوم بإعداد الوسائل و تجهيزها لينفذ بها أو لتسهل له تنفيذ الجريمة و لكن سرعان ما يتدخل القانون إذا قام الفاعل باستعمال الوسائل التي أعدها للوصول إلى الجريمة كأن يطلق عيارا نارية من البندقية التي اشتراها لقتل غريمه ، و في هذه الحالة تتوافر الأسباب التي تدعو إلى تدخل القانون لانتقال الفاعل من دور التحضير للجريمة إلى دور التنفيذ ، ففي دور التحضير يقتصر عمل الفاعل على إعداد وسائل التنفيذ ، بينما في دور التنفيذ يقوم باستعمالها و وضعها رهن التنفيذ .
غير أن هذا المعيار إن صح في الأحوال التي يقوم بها الفاعل بنفسه بتنفيذ الجريمة فإنه لا يصح في الأحوال التي يعتمد فيها على شخص آخر للقيام
__________________
1 دكتور : عبد الحميد الشورابي ، ص 44 نفس المرجع السابق .
الفصل الثاني ________________________________ أحكام الشروع
بوضع وسائل التنفيذ موضع العمل كأن يضع الجاني السم في متناول يد المجني عليه و ينتظر قيامه بتناول سهوا ففي هذه الحالة لم يقم الفاعل بنفسه تنفيذ الجريمة بل اعتمد على المجني عليه في القيام بذلك . و عليه فإنه لا يمكن اعتبار الفاعل في هذه الحالة شارعا لأنه لم يقم بنفسه بوضع الوسائل التي أعدها لتنفيذ الجريمة موضع العمل وهذا غير مقبول ، بالإضافة إلى ذلك فإن هذا المعيار غامض لأنه من يبين لنا متى يعتبر الفعل الفاعل قد أنتقل من مرحلة التحضير إلى التنفيذ .
ويذهب رأي أخر أنه يتوفر الشروع" عندما يبدأ الفاعل في تنفيذ العمل النهائي الذي صمم القيام به للوصول إلى جريمة هذا العمل ، لو تم لأدى إلى تمام دور الفاعل في تحقيق الجريمة " و بناءا على هذا التحديد ، فإنه لا يمكن إعتبار الفاعل شارعا إلا إذا تمكن من البدء في تنفيذ الفعل الأخير الذي صمم على القيام به
غير أن هذا المعيار غير صحيح وذلك لأنه كثيرا ما يعتبر الفاعل شارعا في ارتكاب الجريمة قبل تمكنه من تنفيذ أو حتى البدء في تنفيذ العمل النهائي الذي أراد القيام به للوصول إليها ، فواقعيا الكسر و التسلق تعتبر بدءا في تنفيذ جريمة السرقة مع أنها لا يمكن أن يكون الفعل الأخير الذي صمم الجاني القيام به للوصول إليها .
ويذهب رأي الحديث إلى أن العمل التنفيذي هو العمل الذي لو ترك حتى ينتهي فإنه يؤدي إلى تمام الجريمة و لكن على افتراض صحة هذا المعيار في الأحوال التي يكفي للجريمة تنفيذها عمل واحد فإنه غير صحيح إذا تطلب تنفيذ الجريمة أكثر من عمل ، إذ أنه في غالب الأحيان يلزم لتنفيذ الجريمة عدة أعمال قد يتخللها فترات قصيرة أو طويلة و يكون أولى هذه الأعمال كاف لتوفير البدء في التنفيذ ومع ذلك لو تركناه ينتهي فإنه يبقى بعيدا إلى إتمام الجريمة فواقعة السور مثلا تعتبر بدءا في تنفيذ جريمة السرقة إذا قام بها الفاعل و هو يقصد الوصول إلى الجريمة ومع ذلك فإنه لو تركنا هذا الفعل حتى ينتهي بدون تدخل الجاني ثانية لما أدى إلى تمام الجريمة 1 .
الفصل الثاني ________________________________ أحكام الشروع
الفرع الثالث : المقارنة بين المذهب الشخصي و المادي
يمتاز المذهب المادي ( الموضوعي ) بالوضوح و السهولة فهو يقوم على تحديد أفعال لا لبس فيها ولا يترك مجالا واسعا للقاضي لحرية التقدير و لكن النقد الأساسي الذي يوجه لهذا المعيار أنه يضيق من الأفعال التي يعد اقترافها شروعا فيتعارض بذلك مع مصلحة المجتمع لأنه يخرج من دائرة العقاب أفعالا تقتضي المصلحة العامة العقاب عليها .
أما المذهب الشخصي فيتوسع في دلالة البدء في التنفيذ فيحمي بذلك مصلحة المجتمع ولكنه معيار معيب من حيث أنه يستند إلى صيغ عامة ينقصها التحديد وتترك مجالا واسعا للسلطة التقديرية للقاضي مما يؤدي إلى تنافر الحلول و اختلافها .
و يلاحظ أن الفقه و القضاء على العموم يميل إلى تأييد المذهب الشخصي نطاق تحديد الأعمال التي تعد شروعا 2 .
أ- موقف المشرع الجزائري :
العنصر الأول من عنصري الركن المادي للشروع في الجريمة بحسب المادة 30 من قانون العقوبات الجزائري هو البدء في التنفيذ بأفعال لا لبس فيها تؤدي مباشرة إلى ارتكاب الجريمة وهذا يؤكد اعتناق المشرع الجزائري للمذهب الشخصي كمعيار للشروع إذ يكفي ارتكاب الفعل المادي الذي يؤدي مباشرة إلى الجريمة في نظر الفاعل فيعتبر الجاني شارعا في سرقة اعتد ضبطه حاملا سلاحا أو أداة للفتح في فناء المنزل وكذلك إذ دخل الجاني حقل المجني عليه ليلا لإتلاف المزروعات ، فإن ذلك يتحقق به البدء في التنفيذ متى كانت تؤدي مباشرة إلى ارتكاب الجريمة وكذلك في كل الأعمال التحضيرية بأفعال لا لبس فيها تؤدي مباشرة إلى ارتكاب الجريمة وفقا للمادة 30 من قانون العقوبات الجزائري1 .
_________________
1 الدكتور إبراهيم الشباي ، ص 126 نفس المرجع السابق .
2 الأستاذ أحمد الروس ، ص 271 و 272 نفس المرجع السابق .
الفصل الثاني ________________________________ أحكام الشروع
كما أن النص عاقب على الجريمة المستحيلة ، علاوة على أنه يساوي بين عقوبة الجريمة التامة و عقوبة مجرد الشروع فيها وهو اتجاه صريح في الأخذ بالمذهب الشخصي .
و يتفق هذا مع تفسير المجلس الأعلى للقضاء الذي أخذ بالمعيار الشخصي للقول بالشروع في الجريمة فقد جاء في أحد أحكامه الصادرة بتاريخ 04 مارس 1696 " القاعدة أن الواقعة الثابتة إذا رفع عنها الالتباس عندما لم تترك مجالا للشك في نية مرتكب المخالفة وشهد على عزيمته الإجرامية ، تصير شروعا في التنفيذ " .
ب- موقف القضاء المصري :
ترددت محكمة النقص المصرية بين المذهبين المادي و الشخصي فذهبت بعض أحكامها ا|لأولى إلى اعتناق المذهب المادي و تطبيقا لذلك قضت بأنه لا يعد شروعا في اغتصاب طلب الفحشاء من امرأة و جذبها من يدها و ملابسها إدخالها في زراعة القطن .
وما لبثت محكمة النقض أن خفت من حدة اعتناق هذا المذهب وعبرت عن ذلك بقولها : " أنه لا يشترط لتحقيق الشروع أن يبدأ تنفيذ جزء من الأعمال المكونة لركن المادي للجريمة بل يكفي لاعتبار أنه شرع في ارتكاب جريمة أن يبدأ بتنفيذ فعل ما سبق مباشرة على تنفيذ الركن المادي و يؤدي إليه حتما2 " .
كما ذهب جمهور الفقه في مصر إلى ترجيح المذهب الشخصي ومنهم من يصرح بأن المشرع نفسه قد إنحاز لهذا المذهب حين عرف الشروع في المادة 45 بأنه البدء في تنفيذ فعل بقصد إرتكاب جناية أو جنحة ، فقد دل بذلك على أنه يعاقب على أي فعل ينكشف به قصد الجاني في إرتكاب جريمة معينة فهذا الضابط وهو النية أو القصد يعتبر عنصر التمييز بين التحضير و التنفيذ و يستدل الفقهاء كذلك إلى محكمة النقض بأنها تأخذ في جميع أحكامها بالمذهب الشخصي و يستشهدون بأحكام لها قررت فيها المبدأ الذي أرضته و أخذت به في كثير من وقائع الحال 1.
_____________
1 الدكتور إبراهيم الشباي ، ص 126 المرجع السابق .
2 الأستاذ أحمد أو الروس ، ص 271 و 272 نفس المرجع .
الفصل الثاني ________________________________ أحكام الشروع
و تخلص إلى أن المشرع المصري و المشرع الجزائري أخذا بنفس المبدأ أي المذهب الشخصي وذلك في المادتين 45 و 30 على التوالي .
فالبدء في التنفيذ يتحقق في ثلاثة أحوال : الأولى أن يستند الجاني كل السلوك الإجرامي ومع ذلك لا تقع النتيجة و الثانية أن يأتي الجاني بعض السلوك ولكنه لا يتمه و الثالث أن يرتكب الجاني فعلا ينذر بوقوع الجريمة مباشرة لما ينطوي عليه من صلاحية تجعله يؤدي إليها وشيكا وفقا للمجرى العادي للأمور .
ج- موقف القضاء الفرنسي2 :
تأثر المشرع المصري كم سلف الذكر بالقضاء الفرنسي الذي أخذ بالمذهب الشخصي رغم ما يعيبه من عدم الوضوح و صعوبة التحكم فيه وهكذا قضت محكمة النقض الفرنسية أنه ليس من الضروري أن يكون العمل المنفذ ركنا مشكلا للجريمة أو ظرفا مشددا لها و لكن يجب أن يكون على صلة مباشرة مع الجريمة وقد عبرت محكمة النقض الفرنسية على ذلك بقولها : " يشكل بدءا في التنفيذ كل عمل يؤدي مباشرة إلى جنحة عندما يتم بنية إرتكابها3 ." كما يقضي بأن الدخول إلى سيارة متوقفة بنية استعمالها دون رضا مالكها يعد بدءا في التنفيذ وأعتبر شارعا في الإجهاض الطبيب الذي بعدما قبل الإجهاض المرأة و إتفق معها على ثمن العملية إتجه نحو بيتها حاملا معه محفظته التي تحتوي على معدات العملية حتى و إن كانت العملية لم تنطلق بعد .
بل ذهب القضاء الفرنسي حديثا إلى إعتبار بدءا في تنفيذ جريمة الإخلال بالحياء على إمرأة كانت تبحث عن عمل ، الطلب إليها بخلع ثيابها لإجراء عليها فحص طبي مقنع بعد إشعارها بأن التوظيف يستلزم إجراء فحص طبي مسبق .
_______________
1 الدكتور عوض محمد ، ص 308 نفس المرجع السابق .
2 قرار محكمة النقض الفرنسية المؤرخ في 23/12/1927 .
3 الدكتور أحسن بوسقيعة ( الوجيز في القانون الجزائي العام ) .
الفصل الثاني ________________________________ أحكام الشروع
كما اعتبر بدءا في تنفيذ الغش ما قام به بائع السيارات القديمة الذي عرض سيارات للبيع ووضع عليها لوحة تشير كذبا أنها كانت تستعمل لنقل مديري المؤسسات أو الإدارات وكذا من زور عداد الكيلومترات بتخفيض مسافة السير و بالمقابل وعلى أساس ما سبق رفضت محكمة النقض الفرنسية بدءا في التنفيذ إعطاء تعليمات للغير و تسليمه مالا من أجل ارتكاب جريمة بدعوى " البدء في التنفيذ لا يتصف إلا بأعمال تؤدي حالا و مباشرة إلى ارتكاب الجريمة " .
كما رفضت لنفس السبب ، اعتبار بدءا في التنفيذ تخريب عمدا مال مؤمن عليه وذلك في غياب أي طلب تعويض وقد أكدت محكمة النقض الفرنسية في عدة مناسبات أن البدء في التنفيذ يستلزم عملا يؤدي مباشرة إلى الجريمة مع نية ارتكابها و استعملت في قرارات كثيرة حديثة عبارة " يؤدي حالا إلى تنفيذ الجريمة " .
المطلب الثاني : الركن المعنوي .
ليس للركن المعنوي في الشرع إلا صورة واحدة وهي العمد الذي يعتبر من طبيعة الشروع لغة وقانونا ، لأن الشروع نشاط هداف يسعى الفاعل من ورائه إلى تحقيق أمر يتمثله ويريده و قد نص القانون صراحة على لزوم العمد وذلك في المادة 30 من قانون العقوبات الجزائري و المادة 45 من قانون العقوبات المصري أن يكون البدء في التنفيذ مقترنا بقصد ارتكاب جناية أو جنحة و مؤدى ذلك أنه شروع في الجرائم الغير عمدية ، فمن يقود سيارته بسرعة كبيرة فيوشك أن يقتل غيره لا يعد شارعا في القتل الخطأ .
كذلك لا شروع بوجه عام في الجرائم التي تتجاوز نتيجتها قصد فاعلها ، لأن القانون يحمل الفاعل تبعة النتيجة التي ترتب على فعله رغم أنه لم يردها على أنه يحب مع ذلك التفرقة بين طائفتين من هذه الجرائم طائفة يسأل فيها الجاني عن النتيجة التي حدثت بشرط أن تكون هذه النتيجة غير مقصودة من جانبه وهذه الطائفة لا يتصور الشروع فيها ومنها الضرب المقضي إلى الموت ، فالجاني لا يعاقب بالعقوبة المقررة لهذه الجريمة إلا إذا كانت إرادته لم تتجه إلى إحداث الوفاة أما إذا إتجهت إليها فإنه يسأل عندئذ عن قتل العمد ، أما الطائفة الثانية فيسأل فيها الجاني
الفصل الثاني ________________________________ أحكام الشروع
عن النتيجة سواء أرادها أم لا وهذه الطائفة يتصور الشروع فيها في حالة إتجاه الإرادة إلى نتيجة ومنها الضرب المقضي إلى عاهة 1 .
ليس بين الشروع و الجريمة التامة فارق من حيث الركن المعنوي و إنما ينحصر الفرق بينهما في الركن المادي الذي تكتمل عناصره إذا كانت الجريمة التامة في حين تتخلف منه النتيجة الإجرامية إذا اقتصرت الجريمة على مجرد الشروع و يترتب على ذلك أن القصد الجنائي الذي يتعين توافره بالنسبة للشروع في الجريمة هو نفسه القصد الجنائي الذي يتطلب توافره إذا كانت الجريمة تامة فيقوم في الحالتين على نفس العناصر و يخضع لذات الأحكام و على سبيل المثال تقرر أنه إذا كان القصد الجنائي يتطلب في القتل التام نية إزهاق الروح وفي السرقة نية التملك فهو يتطلب نفس النية بالنسبة للشروع في كل من الجريمتين 2 .
و يكفي أن نعلم أن القصد الجنائي في الشروع هو قصد ارتكاب الجريمة التامة ففي الشروع في القتل مثلا يجب أن تتجه إرادة الجاني إلى إزهاق روح إنسان وفي الشروع في جريمة السرقة يلزم أن يكون قصد السارق هو أخذ الشيء المسروق وتملكه و تطبيقا لذلك إذا لم تتجه إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة تامة فلا يسأل عن الشروع فيها و إنما يسأل عن الجريمة التي تتكون من الأفعال التي ارتكبها فإذا أصاب شخصا أخر إصابات جسيمة وثبت أنه لم تتوافر لديه نية إزهاق روحه فإنه لا يسأل عن شروع في قتل و لكن يسأل عن الإصابة فقط .
و اعتبار القصد الجنائي ركنا في الشروع يستبعد استبعاد الجرائم غير القصدية من نطاقة فلا شروع في الجرائم غير المقصودة ولا شروع في الجرائم المتعدية القصد ، فمن يقود سيارة بسرعة في طريق مزدحم بالناس على نحو يهدد حياة بعضهم بالخطر لا يعتبر شارعا في جريمة إيذاء غير مقصود إذا نجم عن السرعة إصابة أحد الناس ونفس الحكم بالنسبة للجريمة المتعدية القصد .
الفصل الثاني ________________________________ أحكام الشروع
فمن يقصد المساس بسلامة جسم شخص أخر ولكن ينجم عن فعله عامة يرتكب جريمة تتجاوز قصيدة وهي جريمة إيذاء المقضي إلى عاهة وهذه الجريمة تعتبر غير مقصودة ولا يتصور الشروع بالنسبة لها تبعا لذلك .
مدى العمد ومحله :
القصد في الشروع هو عين القصد في الجريمة المراد ارتكابها فهو يشتمل على ذات عناصره ولا فرق بين الشروع و الجريمة التامة من هذه الناحية ، فالشروع في القتل يقتضي إتجاه إرادة الجاني إلى إزهاق حياة المجني عليه ، فإذ كان فعل الإيذاء الصادر منه غير مقترن بقصد إحداث الوفاة كان فعله جريمة ضرب أو جروح تامة لا شروع في القتل ولا فرق من حيث المدى بين القصد في الشروع و القصد في الجريمة التامة إذ لا يتصور أن ينصرف قصد الفاعل إلى الشروع وحده و إنما ينصرف قصده دائما إلى الجريمة الكاملة وتلك هي طبيعة الشروع ذاته فمن يشرع في تنفيذ أمر فهو الضرورة العقلية بقصد تحقيقه كاملا و لا يمكن أن يعد الشخص شارع إذا قصد من البداية الإكتفاء بجانب من السلوك المادي أو إذا إتجهت إرادته إلى تحقيق السلوك دون نتيجة فإذا ثبت أن شخصا بدأ في تنفيذ فعل وهو لا يقصد تنفيذ الجريمة التي يدخل هذا الفعل في تكوينها تنفيذا كاملا فإنه يكون غير جاد و بالتالي لا يعد شارعا ، مثال ذلك أن ينفرد بخصمه في البحر فيأخذ في دفعة تحت الماء ورفعه موهما إياه بأنه عازم على إغراقه وفي الحقيقة لا يقصد إلا أن يخيفه و القصد بطبيعته من الأمور النفسية التي يستدل عليها بكثير من الأمارات الخارجية كطبيعة الفعل و أداة إرتكابه و ملابساته و شخصية الفاعل ونوع العلاقة التي تربطه بالمجني عليه وغير ذلك من القرائن التي يستقل القاضي الموضوع بتقديرها .
_____________________
1 الدكتور علي عبد القادر القهوجي ، ص 205 قانون العقوبات ( القسم العام ) .
الفصل الثاني ________________________________ أحكام الشروع
فإذا بدت القرائن غير كافية لاستخلاص قصد إجرامي معين أو إذا بأن منها عدم إتجاه الإدارة إلى إرتكاب الجريمة الكاملة فلا شروع و يصبح مع ذلك عقاب الفاعل على ما أتاه بإعتباره جريمة تامة إذا تكاملت أركانها .
و يشترط كذلك أن يتجه القصد إلى إرتكاب جريمة معينة ، لأن الشروع في إرتكاب مطلق الجريمة محال و علة ذلك أن القصد يقتضي انبساط العلم على كافة عناصر الجريمة و إتجاه الإرادة إلى فعلها و نتيجتها ولا يتأتى ذلك إلا إذا تعينت الجريمة المراد ارتكابها ، فإذ كسر شخص باب منزله أو دخله بغير إذن أهله ولم يتحدد غرضه من ذلك فلا يمكن إعتباره شارعا في سرقة أو قتل وكله يسأل فحسب عن جريمة إتلاف تامة أو عن دخول عقار بغير حق
و يشترط في الأخير أن تكون الجريمة التي إتجه القصد إلى إرتكابها جناية أو أن تكون جنحة مما يعاقب القانون على الشروع فيها لأن الشروع في الجرائم غير معاقب عليه بالإطلاق و يترتب على ذلك أنه لا شروع في المخالفات ولا في الجنح التي لم ينص القانون على تجريم الشروع فيها 1 .
____________________
1 الدكتور عوض محمد قانون العقوبات ( القسم العام ) ، ص 321 و ما بعدها
الفصل الثاني ________________________________ أحكام الشروع
المطلب الثالث : الجريمة الخائبة ( le délit manque )
تعتبر الجريمة المستحيلة صورة خاصة للجريمة الخائبة أو الشروع الخائب ففي كل منهما يستنفذ الجاني السلوك الإجرامي اللازم لتحقيق النتيجة الإجرامية ومع ذلك لا تتحقق تلك النتيجة لسبب خارج عن إرادته ، أما إذا كان عدم إتمام الجريمة راجع إلى إرادة الفاعل نفسه إذ يعدل عن إحداث النتيجة ، فيما يسمى بالعدول الإختياري فعندها تنتقي جريمة الشروع ولا يعاقب عليها .
الفرع الأول : ماهية العدول الإ ختياري
يكون العدول إختياريا إذا كان عدم إتمام راجع لإرادة الفاعل أي إذا كف من تلقاء نفسه عن التمادي في نشاطه أو سعى لمنع تحقيق الجريمة ولا عبرة هنا
بالسبب أو الباعث على العدول فقد يكون التوبة أو الرأفة بالضحية أو خشية العقاب
أو الخوف ،ويكون العدول إختياري إذا كان بسبب عوامل خارجية مادية مستقلة عن
إدارة الجاني،ويكون ذلك العدول إستجابة لأسباب نفسية وذاتية هذا ولا يسأل عن نوع الأسباب الذاتية التي ذفعت الفاعل على التراجع عن إتمام الجريمة ،فسواء أكانت الإشفاق على المجني عليه أو إحترام القانون كما ذكرت فلا أهمية لها ولا للتميز بينها،غير أن تدخل الغير لا ينفي بالضرورة العدول الإختياري، وهكذا قضت المحكمة في فرنسا بأن العدول كان إختياريا في قضية إقتصر فيها دور المتدخل على تقديم النصيحة للفاعل لصرفه عن مشروعه الإجرامي دون أن يمارس عليه أي إكراه فأتت النصيحة ثمارها حيث أوقف الفاعل محاولته بفعل حر بمحض إرادته.
وقد يكون العدول كما أشرنا بسبب عوامل خارجية معنوية كرؤية عون من أعوان الشرطة أو التوهم بسماع خطوات قادم إلى الفاعل.
وفي جميع الأحوال يجب أن يتم العدول الإختياري قبل إرتكاب الجريمة فإذا تمت الجريمة وحاول فاعلها محو أثارها فهذا لا يتغيير عدولا و إنما مجرد توبة.
________________________________________
أستاذ عبد الله سليمان،ص175 نفس المرجع السابق.
الفصل الثاني __________________________________ أحكام الشروع
لا أثر لها على الطابع الإجرامي للفعل وإذا كان من السهل التمييز بين العدول الإختياري والتوبة في الجرائم المادية أي الجرائم التي تكون فيها النتيجة ركنا من أركان الجريمة وبالتالي لا تنفذ فيها الجريمة إلا بتحقيق النتيجة مثل جريمة القتل المعد التي لا يتحقق إلا بوفاة المجني عليه فإذا ما ألقي بشخص في الماء لقتله غرقا ثم أخرجه الفاعل من الماء قبل موته نكون أمام حالة عدول إختياري وليس توبة فلا شروع هنا.
عدم العقاب في حالة العدول الإختياري:
يشجع القانون من بدأ في فعله أن يتراجع عنه قبل أن يحقق النتيجة الإجرامية وذلك بإعفاءه من العقاب وسياسة المشروع في ذلك سياسة قومية إذ تترك الباب مفتوحا أمام الجاني للتراجع عن جريمته بإغرائه في عدم إتمام الجريمة تقديرا من المشروع بأن عدم إتمام الجريمة يحقق للمجتمع مصلحة تفوق مصلحته في توقيع العقاب كما أنه أمر خير للمجتمع أن ينكص الجاني على عقبيه فيسلم الحق الذي شرع في العدول عليه ويعفى هو من العقاب بدلا من أن يهدر هذا الحق و ينزل به العقاب.
متى يكون العدول منتجا لآثاره في عدم توقيع العقاب !
العدول الذي ينتج أثره هو العدول التلقائي الناجم عن إرادة الفاعل التي تتصرف بحرية بعد البدء في تنفيذه للجريمة وقبل إتمامها أما العدول بعد أن إستنفد
المجرم كل خطواته لتنفيذ الجريمة فلا يعتد به إذ يعد من قبيل التوبة فقط بعد أن
تكون الجريمة قد وقعت ويكون العقاب قد أصبح واجب التطبيق.
كما أن العدول الإضطراري لا قيمة له لأنه عدول غير إختياري فإرادة الجاني تتصرف في العدول الإضطراري بتأثير عوامل خارجية كدخول لص بيتا لسرقته وبعد أن جمع بعض الأمتعة فكر قليلا ثم خرج دون أن يأخذها ،هنا.
_________________________________________
دكتور أحسن بوسعيقة،ص93و94 نفس المرجع السابق
2-3أستاذ عبد الله سليمان،ص176 نفس المرجع السابق
الفصل الثاني أحكام الشروع
العدول إختياري يعفي فاعله من العقاب لكن لو أن عدول اللص كان قد تم بناءا على صوت قريب سمعه فخشي أن يكون أحد سكان المنزل قد إستيقظ فخاف وهرب بدون أن يحمل معه أي شيئ فإن عدوله هنا إضطراري ويكون قد إقترف جريمة الشروع في السرقة ويعاقب عليها.
لنفرض أن اللص قد توهم بقدوم بقدوم أحد رجال الشرطة ،فعلا عن إتمام جريمته بدافع الخوف من أن يلقي عليه القبض فهل يعد عملا إختياريا أم إضطراريا.
يرى الفقهاء بأن العدول في مثل هذه الحالة هو عدول مختلط فيه جانب غير إختياري وأخر إختياري فأيهما يجب العمل.
يرجع البعض بأن العدول هنا هو عدول إختياري وعلينا أن نهمل الجانب غير الإختياري لأن الواقعة الخارجية التي سببت العدول ليت أكثر من باعث،والقانون لا يعتد بالبواعث،ويخالف هذا الرأي إتجاه أخر يرى بأن العدول في هذه الواقعة ليس عدولا إختياريا وإنما هو عدول إضطراري أملته الواقعة الخارجية ولا يعود بصورة نهائية وكاملة لإرادة الجاني وهذا الرأي هو الأرجح.
العدول الإختاري و التوبة:
العدول هو عدم إتمام العمل أو إيقاف النتيجة قبل أن تتحقق فإذا كان إختياريا يعفى الجاني من العقاب ،ولكن إذا تم الفعل وحدثت النتيجة،وبعد ذلك حاول الجاني إعادة الأمور إلى ماكانت عليه قبل الجريمة،كأن أعاد السارق المال المسروق إلى صاحبه فهل يعفى من العقاب.
إن حدوث النتيجة تجعل الجريمة تامة ويستحق فاعلها العقاب وبالتالي فلا أهمية لتوبة الفاعل فالتوبة لا تعفي الجاني من العقاب وإن كان من الممكن تخفيف العقاب عليه بحسب رأي القاضي وفي سلطته التقديرية.
الفصل الثاني ... أحكام الشروع
الفرع الثاني: الجريمة المستحيلة
نظرية الجريمة المستحيلة Théorie du délit impossible معناها الجريمة التي يستحيل تنفيذهافما هو معيار التفرقة بين الشروع في الجريمة وبين الجريمة المستحيلة
وكيف يمكن الشروع في تنفيذ المستحيل إنقسم الفقه حول حل هذه المسألة.
فقد إتجه فريق من أنصار المدرسة التقليدية إلى القول بعدم العقاب على الجريمة المستحيلة سواء أكانت الإستحالة راجعة إلى محل الجريمة أم إلى وسيلة تنفيذها ويستدل هذاالفريق في رأيه عند عدة إعتبارات تتخلص في أن القانون يتطلب للعقاب على الشروع البدء في تنفيذ الفعل وهذا ما لا يتصور في صدد الجريمة المستحيلة لأنه لا يمكن البدء في تنفيذ المستحيل وعلى هذا فلن يتوفر من أركان الجريمة سوى نية الفاعل والشروع ولا يقوم بالنية وحدها ومن ناحية أخرى فإن أساس العقوبة في جريمة كالقتل هو إهدار حياة الإنسان أو بالأقل تعريضها للخطر،وهذا التعريض يظهر في حالة الشروع الخائب لكنه لا يظهر إذا كان وقوع النتيجة من البداية مستحيلا.
و الواقع أن هذا الإتجاه لا يخو من تطرف إذ لاشك أنه إذا كنا قد سلمنا باحتمال الخطر بالنسبة للجريمة الخائبة فلا بد أن نسلم كذلك بإحتماله بصدد الجريمة المستحيلة ،لأن الجريمة الخائبة كان من المستحيل أن تقع هي الأخرى مع قيام السبب الذي أدى إلى خيبتها،ثم أن القول بعدم العقاب مطلقا في حالات الجريمة المستحيلة من شأنه أن يجر إلى إباحة الكثير من المظاهر السلوك الخطر التي تهدد أمن المجتمع.
في حين ذهب أنصار المذهب الشخصي في رأيهم على نقيض المذهب المادي بأن الشروع لا يرتبط بإمكانية التنفيذ من عزمه،فالفعل وإن كان لا يحقق النتيجة الإجرامية إلا أنه يدل على خطورة الفاعل ويعبر عن نيته الإجرامية
الفصل الثاني أحكام الشروع
فالنتيجة لم تحقق لسبب يجهاه الفاعل ولا دخل لإرادته فيه،ول>ا وجب مسائلته
واعتباره شارعا في الفعل،وعليه يجب المسائلة عن كل محاولة مستحيلة.
فلا أهمية بعد ذلك المصدر استحالة الجريمة ولا لنوعها أو مداها،فليس
هناك ما يسمى بالجريمة المستحيلة لأن هذه الجريمة شروع معاقب عليه في كافة
صورة اللهم إلا إذا كانت الوسيلة المستخدمة تدل على سذاجة الجاني وقصوره
عقليا كما لو لجا إلى أسلوب السحر والشعوذة لقتل غريمة،ويرجع السبب في
ذلك لا إلى استحالة الوسيلة وإنما ضعف نفسية الجاني وانعدام خطره.
وعلى هذا يسير القضاء في كل ألمانيا و إنجلترا التي صدر فيها حكم
وتأكيد الحكم بتشريع صدر سنة 1961.
ويتذكر النقد الموجه لهذا الرأي في تطرفه إلى الحد للذي دفعه إلى
الاكتفاء بالنية لاستحقاق العقاب الأمر للذي يؤدي إلى العقاب حتى على الجريمة الظنية أي التي لا تقوم إلا في التصور الجاني دون ـن يكون لها وجود قانوني.
وبين هذين الرأيين المتطرفين اللذين نادى أولهما بعدم العقاب على الجريمة المستحيلة بكافة صورها تماشيا مع نظرتهم الموضوعية .للشروع ونادى الثاني بالعقاب على الجريمة المستحيلة بكافة صورها،وهذا ما ولد نقاش حاد في القرن التاسع حول أن إستحالة النتيجة لا تبرر عقاب الجريمة الخائبة أو المستحيلة نفكيف يمكن الشروع في تنفيذ المستحيل؟ولقد عبر عن ذلك الفقيه جارو garraud بقوله:" طبقا للأراء الفقهية التي سادت ردحا من الزمن فإن الجناية أو الجنحة المستحيلة سواء في طبيعتها أو بسبب الوسائل المستعملة في إرتكابها ،كان يحكم بأنه لا يمكن أن يوجد هناك شروع في الجريمة،وأن الأفعال المرتكبة لا تقع تحت طائلة العقاب..."
فعلى غرار الإتجاه التوفيقي الذي يرى أنصاره ضرورة التمييز بين الاستحالة المطلقة التي تكون عند وجود الوسيلة غير صالحة تماما لقيام الجريمة أو لكونها لا تستعمل
في إطلاق الدخيرة الحية كما أن وفاة المجني عليه قبل حدوث الإعتداءات الخائبة
الفصل الثاني ــــــــــــــــــــــــــــــ أحكام الشروع
التي تنتمي إلى نوع قانوني آخر غير المحاولة بالمفهوم الضيق فالعنصر المادي
يتمثل في الفعل الخائب المرتكب من قبل الفاعل ، ويسمح بتوقيع العقوبة مادام العنصر المعنوي موجود ولا ينقص أ ي شيء من جهة الفاعل :التصرف المعادي للمجتمع،القوى العقلية والإرادة فليست شخصيته أقل خطورة من مجرم آخر،باستثناء الضر وف الخارجة عن إرادته التي هي عدم نجاح الفعل الإجرامي ولهذا يتدخل المشرع والقضاء للعقاب على الجريمة المستحيلة
أما المشرع الجزائري فإنه يعاقب على الجريمة الخائبة والمستحيلة. 1
قال بهذا الرأي قويرباخ " من الفقهاء الألمان وكذا " بلانس،وشوفر وهيلي"
من الفقهاء الفرنسيين وحججهم في ذلك:
* الشروع لا يكون ‘لا في جناية أو جنحة فإذا كانت الجريمة منعدمة أصلا كإطلاق النار على ميت فلا يتصور الشروع في فعل غير مجرم أصلا..
*آن الشروع المعاقب عليه هو البدء في التنفيذ و لا تنفيذ في المستحيل فلا بدء في
تنفيذ المستحيل.
آن نصوص قوانين العقوبات تستلزم في القتل بالتسميم آن تكون المواد المستعملة سامة تسبب الموت عاجلا أو آجلا (م.233 قانون العقوبات المصري م.301 ق.فرنسي م.260 ق. ع جزائري) وبمقتضى القواعد العامة لا يقوم الشروع إذا كانت الوسيلة غير مؤثرة أو منتجة كما لو كانت المادة ليست سامة بل ضارة أو كانت غير سامة وغير ضارة..
* الخطر الاجتماعي الذي من أجله يجرم الشارع الشروع عادة يكون أقل بكثير في الجرائم المستحيلة منه في الجرائم الممكنة بل آن الخطر الاجتماعي ينعدم في معظم
حالات الشروع في الجرائم المستحيلة و ينعدم الخطر تماما في الجرائم المستحيلة استحالة
مادية مطلقة.2.
ـــــــــــــــــــــــــــ
1 الأستاذ بن شيخ لحسين،ص75و76 مبادئ القانون الجزائري العام.
2 الدكتور :إسحاق إبراهيم منصور،ص98 الأصول العامة في قانون العقوبات الجنائي العام.
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــ أحكام الشروع
يجعل تحقق النتيجة في جريمة القتل أمرا مستحيلا وكذلك الشأن في محاولة الإجهاض التي تستهدف إجهاض إمرأة غير حامل ففي هذه الحالات يكون البدء في التنفيذ أمر غير ممكن،أما الإستحالة النسبية فإذا كانت الوسيلة صالحة ولكنها إستعملت على نحو غير سليم نكون بصدد جريمة مستحيلة إستحالة نسبية ،فعدم تحقق النتيجة يرجع إلى أسباب عارضة لا تقدم الفعل خطورته على المصلحة المحمية جنائيا وبالتالي يجوز القول بوجود الشروع في مثل هذه الحالات.
فقد ميز الفقيه الفرنسي "جارو" بين نوعين من الاستحالة :
1-الإستحالة القانونية: تكون عندما لا يتوفر للجريمة أحد أركانها القانونية التي يجب أن تتوفر للقيام الجريمة ،كموت الضحية قبل أن يحصل الاعتداء في جريمة القتل أو كون المال المملوك للفاعل في جريمة السرقة ،أو كون المرأة الغير الحامل في جريمة الإجهاض،ففي هذه الحالات لا يمكن أن تتحقق الجريمة إذ يشترط القانون أن تكون الضحية حية في جريمة القتل فحيث أن الجريمة لا يمكن أن تتحقق فلا يجوز القول بالشروع فيها.
2- الإستحالة المادية: فهي الإستحالة التي ترجع إلى سبب مادي تجعل الجاني غير قادر على تحقيق النتيجة و صورة ذلك أن تكون الوسيلة غير صالحة لتحقيق النتيجة سواء لعيب فيها أو في طريقة إستعمالها.1
نستخلص من هذا الرأي أنه حصر الشروع الذي يجب الإعتداد به في الشروع المتعلق بالإستحالة المادية فقط و إستبعاد الشروع عندما يتعلق الأمر بالإستحالة القانونية وعبر عن ذلك كله أيضا الفقيه أندري هنري(andré henri) في مؤلفه "القانون العقابي" في سنة 1929 بما يلي :" إن نضرية الجريمة المستحيلة منبوذة في يومنا هذا سواءا تعلق الأمر بالإستحالة النسبية أو الإستحالة المطلقة أو بالإستحالة المادية (défaut) أو بالإستحالة القانونية (de droit) غير أن القضاء ميز مابين الإستحالة
ـــــــــــــــــــــــ
1 الأستاذ عبدالله سليمان،ص179 نفس المرجع.
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــ أحكام الشروع
المطلقة (absolue) والإستحالة النسبية (relative) فالأولى يمكن التغلب عليها
(insurmontable) في مثال الإجهاض المجري على إمرأة غير حامل،لكن لم يابث القضاء أن هذا التمييز إذ ليس معقولا أن يشترط بدء في التنفيذ بالنسبة للجريمة.
موقف القضاء و الفقه في مصر:
ولتلك الإعتبارات لم يكتب للرأي الفقيه الفرنسي جارو السيادة في التشريعات فقد إتجهت بعض التشريعات كالإطالية لسنة 1930(م49) وكذلك الفرنسية وحتى المصرية إلى إعتناق إتجاه أخر يكاد يستقر بين معضم الفقه،ومؤداه التفرقة بين الإستحالة المطلقة والنسبية،وتقرير العقاب على الجريمة المستحيلة إستحالة نسبية على أساس أن خطر وقوع الجريمة يكون ماثلا لم يخب إلا بمحض المصادفة أما الجريمة المستحيلة إستحالة مطلقة فلا عقاب عليها حيث يكون الخطر وقوعها منتخبا لأنها يستحيل أن تقع مهما كانت الظروف.
وتكون الجريمة المستحيلة إستحالة مطلقة في حالتين :الأولىإذا إنعدم محل الجريمة أو فقد صفة أساسية فيه، كما لو أطلق شخص على شخص اخر كان نائما بقصد قتله فإذا بغريمه هذا جثة هامدة من قبل أن يطلق عليه النار .أما الحالة الثانية للجريمة المستحيلة إستحالة مطلقة فتكوت إذا كانت الوسيلة المستخدمة للقتل مجرد بطبيعتها من أي صلاحية لإحداث الوفاة كما لو استخدم الحاني في جريمته مسدسا غير قابل للإستعمال على أي جريمة أو استخدم في تسميم غريمه سكرا،ففي هاتين الحالتين تكون الجريمة مستحيلة استحالة مطلقة وبالتالي لا عقاب على فاعلها.
بينما تكون الجريمة المستحيلة استحالة نسبية وبالتالي تكون شروعا معاقبا عليه في حالتين الأولى حيث يكون محل الجريمة موجودا كمن يطلق النار على المكان الذي تعود غريمه النوم فيه فإذا بما تصوره غريمه وسادة على سريره الذي لم يرتب بعد،أما الحالة الثانية للجريمة المستحيلة استحالة نسبية فتكون إذا كانت الوسيلة .
المستخدمة لإحداث النتيجة على قدر ادنى من الصلاحية لاحداثها غير ان هذا القدر
كان ضئيلا او مستخدم بكيفية لا يمكن معها وقوع تلك النتيجة كمن يسخدم لتسميم
عدوه مادة سلفات النحاس وهي مادة قاتلة غير أن إستخدامها بطريقة لا يمكن أن
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــ أحكام الشروع
تنجم عنها الوفاة أو كمن يستخدم لقتل عدوه بندقية تصلح لإطلاق الرصاص مرة وتخفقفي تلك المرات.
وقد عبرت محكمة النقل المصرية عن إنتهاجها لهذا الإتجاه في حكم لها قالت
فيه "لا تعتبر الجريمة في عداد الجرائم المستحيلة إلا إذا لم يكن في إمكان تحققها
مطلقا كأن تكون الوسيلة التي أستخدمت في إرتكابها غير صالحة لذلك إما إذا كانت الوسيلة صالحة بطبيعتها ولكن لم تتحقق بسبب ظروف أخرى خارجة عن إرادة
الجاني فإنه لا يصلح القول بالإستحالة".
في القانون الجزائري 1
إذا كان المشرع الجزائري لم ينص على الجريمة المستحيلة بصفتها هذه فإن
المتمعن في حكم المادة 30 ق.ع يلاحظ أنه أخذ بالرأي الفقهي التصالحي الذي
يميز بين الإستحالة المادية ومردها إلى الوسيلة المستعملة أو مكان الشيئ والإستحالة القانونية التي تتحقق إذا إنعدم في الجريمة أحد أركانها القانونية كركن الإنسان الحي في جريمة القتل وركن المادة السامة في جريمة التسميم وركن الشيئ المملوك
للغير في جريمة السرقة، ولاكن مايعدم هذا الإستنتاج هو مانصت عليه الفقرة الآتية
من المادة المذكورة التي جاءت كمايلي :"حتى ولو لم يكن بلوغ الهدف المقصود
بسبب ظرف مادي يجهله مرتكب الجريمة". أي يعاقب على الشروع في الجناية حتىوإن كان سبب عدم بلوغ الهدف المقصود ظرفا ماديا يجهله مرتكب الجريمة.
______________________________________________
1الدكتور أحسن بوسقيعة، ص99 نفس المرجع السابق
الفصل الثاني أحكام الشروع
وهكذا يكون المشرع جزائري قد إعتبر الإستحالة المادية صورة من صور
الجريمة الخائبة ومن ثم فهي معاقب عليها سواءا كانت الإستحالة في الوسيلة أو في المحل وتبقى الإستحالة القانونبة محل نظر.
ولكن رغم ذلك المشرع الجزائري لن يساير هذه الخطة في تجريم الجرائم
المستحيلة بدون قيود ، فقد ورد في بعض نصوصه مايستدل منها على أن المشرع
لايعتد بالشروع إلا إذا كانت الوسيلة قادرة على تحقيق النتيجة، وكذلك فإنه لايعتد
بالشروع أيضا إلا إذا ورد على محل الجريمة الصالح لتحقيقها .
ففي جريمة القتل والتسليم نصت المادة 260 من قانون العقوبات على مايلي
" التسميم هو الإعتداء على حياة إنسان بتأثير مواد يمكن أن تؤدي إلى الوفاة عاجلا أو آجلا أيا كان إستعمال أو إعطاء هذه المواد ومهما كانت النتائج التي تؤدي إليها"
فالنص هنا يمكن أخذه كقاعدة عامة وليس إستثناء ويدل بوضوح على أن المشرع الجزائري يعتد بالوسيلة،فإذا كانت الوسيلة لا يمكن أن تؤدي إلى وفاة
مطلقا بمعنى أنها بغض النظر عن كميتها أو طريقة إستعمالها غير صالحة لتحقيق النتيجة تماما فلاشروعا ولا عقابا وعليه فلا شروع في محاولة أعطى بموجبها الجاني إلى خصمه موادا يعتقد أنها ضارة لتسميمه وتبين أنها غير ذلك وفي جريمة الإجهاض تنص المادة 304 على مايلي:" كل من أجهض إمرأة حاملا أو مفترض حملها...أو شرع في ذلك " ومفاد هذا النص أن المشرع يعتد بمحل الجريمة فالإجهاض لايكون إلا على إمرأة حامل أو مفترض حملها ويعني ذلك أن لا شروع في محاولة الإجهاض على إمرأة غير حامل .1
ـــــــــــــــــــــ
1-أستاذ عبدالله سليمان ص183 ومابعدها نفس المرجع السابق
الفصل الثاني أحكام الشروع
التفرقة بين الإستحالة النسبية والمطلقة:
إذا كانت الإستحالة راجعة إلى موضوع الجريمة فهي إستحالة مطلقة كعدم
وجود مال في جيوب المجني عليه يمكن سرقته ،وعدم وعدم تواجد المجني عليه في المكان الذي أطلق عليه النار فيه، أما الإستحالة النسبية فهي التي يكون مرجعهاالوسيلة المستخدمة في إرتكاب الجريمة لتقديم مادة غير سامة وأستخدم بندقية غيرصالحة للإطلاق ، وقد إتجه الرأي للعقاب على الشروع إذا كانت الإستحالة نسبية وعدم العقاب عليه إذا كانت الإستحالة مطلقة. وأخذت بعض المحاكم بهذاالرأي في أحكامها القضائية إستنادا إلى التفرقة بين نوعي الإستحالة الموضوعية التفرقة بين الإستحالة المادية والإستحالة القانونية:
إتجه الرأي إلى التفرقة بين الإستحالة المادية والإستحالة القانونية على النحو
التالي:
أ- الإستحالة المادية: لا تمنع من توافر الشروط فلا تتحقق الجريمة قانونا وإنما تحول
دون ذلك لظرف مادي عرضي مستقل عن ارادة الفاعل و مثال ذلك عدم اصابةالهدف او عدم صلاحية الوسيلة لاحداث النتيجة.
وهذا النوع من الاستحالة هو الذي قصده المشرع الجزائري بنفس العبارات
في نص المادة30 فتلك هي الظروف المادية التي توقف الفعل ابتداءا أو تخيب أثره وهي التي يكون الجاني عادة على الجهل بها، لذلك تضمن النص القيام بالشروع
مع جهل الجاني بتوافر الظروف المادية المانعة من تنافي الفعل المجرم.
ب-* الاستحالة القانونية: هي التي ترجع الى فقد الركن القانوني من أركان الجريمةوتمنع من قيام الشروع ومثال ذلك ركن الحياة في جريمة القتل وركن الجوهر السم في جريمة التسميم كما رأينا وكذلك ركن ملكية الغير للشيئ في السرقة وهذا النوع من الاستحالة لا نتصور أن نعتد بالشروع فيه لأنه لا يكون جريمة تامة بحسب الأصل فالنص الذي يعاقب على الجريمة التامة لا ينطق لفقدان ركن الجريمة فاذا أضفنا الى ذلك ان التشريع الجزائري يعاقب على الشروع بعقوبة الجريمة التامة بحيث لا
الفصل الثاني أحكام الشروع
يتقبل العقل أن من يضبط وهو يحاول أن يدلس للاخر كمية من دقيق القمح في طعامه لقتله يعاقب بالاعدام مع أنها مجرد محاولة لم تنفذ.
والمادة غير السامة والغير الضارة ولم يترتب على فعله ضرر ولا مجرد خطر علىحياة الشخص الاخر وكذلك الحال ، فمن يحاول وضع يده على مال ليس له في أثناء الليل بنية تملكه ،واذا بهذا المال يكون ملك لنفس الجاني عن طريق الهبة من ما لكه الاصلي وكان الجاني يجهل واقعة الهبة فهل يتصور ان يعاقب بعقوبة الجناية طبقا للمادة354 على محاولة سرقة مال يملكه مع فقد ركن اصلي في الجريمة لان المال الذي حاول الاستلاء عليه في حقيقة الأمر ملكا له عن طريق الهبة.1
المبحث الثاني: عقوبة الشروع
سوف نتطرق الى عقوبة الشروع أو المحاولة في ظل مختلف التشريعات
العربية "الجزائرية-المصرية-ثم اللبنانية".
المطلب الاول:عقوبة المحاولة في التشريع الجزائري
فقد يظهر لنا أنه من المنطق العقاب على جميع محاولات الجرائم مهم كانت ، ما دامت تتوفرعلى العنصرين البدء في التنفيذ والتوقف غير الارادي لكن محاولات بعض الجرائم تعد غيرخطيرة في نتائجها «BENIGNE حتى تبرر المتابعة الجزائية ولهاذا ميزالمشرع مابين المحاولة في الخالفات والجنح والجنايات.2.
أ-عقاب الشروع في المخالفة: لايعاقب عليها اطلاقا بنص المادة31 فقرة02 ق.ع .جزائري.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-الدكتور اسحاق ابراهيم ص09و100 نفس المرجع السابق
2- الاستاذ: بن شيخ لحسن ص76 نفس المرجع السابق
الفصل الثاني أحكام الشروع
ب- عقاب الشروع في الجنح: نصت المادة 31 فقرة01 بأن المحاولة في الجنحة لا يعاقب عليها الا عنص صريح في القانون.
كأن القااعدة هي أنه لا يعاقب على الشروع في الجنح فينظر في كل نص يقرر العقوبة الجنحة للفعل الاجرامي فاذا لم يرد به العقاب على الشروع فلا عقوبة تطبيقا لمبدأ لاجريمة ولا عقوبة تغير نص الوارد في المادة الاولى من قانون العقوبات.1.
ومن الجنح المعاقب على الشروع فيها نورد البعض منها على سبيل الاستشهاد:
-المادة304 عقوبات خاصة بالاجهاض فهي تنص على كل من أجهض امراة حاملا مفترض حملها باعطئها مأكولات أو مشروبات أو أدوية أو باستعمال طرق أو أعمال عنف أو بأية وسيلة اخرى سواء وافقت على ذلك أو لم توافق أو شرع في ذلك يعاقب بالحبس من سنة الى خمسة سنوات وبغرامة من500 الى 10.000دينار.
-والمادة 333 ق.ع.ج الخاصة بالفعل لامخل بالحياء تنص على أن كل من ارتكب فعلا علينا مخلا باحياء يعاقب بالحبس من شهرين الى سنتين ولغرامة من 500 الى2000 دينار ويعاقب بالعقوبة ذاتها من صنع أو استورد من أجل التجارة أو شرع في التوزيع كل مطبوع ...مخالف للحياء.
-المادة347 التي تنص على أن يعاقب بالحبس من شهرين الى سنة وبغرامة من 500الى2000دينار كل من قام علينا باغراء الاشخاص من أى الجنسين بقصد تحريضهم على الفسق وذلك باثرات أو كتابات أو بأية وسيلة أخرى .
ويعقاب على الشروع بالعقوبات ذاتها المقررة للجريمة التامة.
-المادة 350 الخاصة بالسرقة تنص على أن كل من اختلس شيئا غير مملوك له يعد سارقا بالحبس من سنة على الأقل الى 5 سنوات ولغرامة من500الى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-1 الدكتور ابراهيم الشابي ن ص13 نفس المرجع السابق.
الفصل الثاني أحكام الشروع
2000 دينارويعاقب على الشروع في هذه الجنحة ابالعقوبة ذاتها المقررة للجريمة التامة.
-المادة 407 ع الخاصة بالجنحة الاتلاف علىان كل من خرب أو أتلف عمدا مركبة مهما كانت مملوكة للغير بواسطة الحريق أو بأية طريقة كانت أخرى كليا أو جزائيا يعاقب بالحبس من سنتين الى 5 سنوات وبغرامة من 500 الى 50.000دينارويعاقب على الشروع كالجنحة التامة.
- ويلاخظ أن الجنح السلبية لا يتصور فيها الشروع فهي الشروع فهي دائما تقع تامة وكذلك لا شروط في جناية الاتفاق الجنائي ( جمعية الأشرار) لأنها تتم بمجرد تقابل ارادتين فأكثر على تأليف جمعية الأشرار وفقا للمادة176 ع حتى تقع الجريمة تامة
وليست شروعا . وهذا المثال عن بعض أحكام مجلس قضائي جزائري:
-مادامت المادة 295قع لا تعاقب على المحاولة في جنحة انتهاك حرمة منزل فان قضاء قضاة المجلس الذين قضو ا بعدم قيام الجنحة في حق المتهم الذي دق على باب سكن الضحية الخارجي بقوة دون الدخول اليه لم يخطئوا في تطبيق القانون ( غرفة الجنح والمخالفات ملف رقم 59456 قرار 23-01-90 المجلة القاضائية العدد الثاني1991 ص29 ملف 117647 قرار 21-05-95 غير منشور1.
ج- عقاب الشروع في الجنايات:
وضعت لنا المادة 30ع القاعدة والأصل في التشريع العقابي وهو أن الشروع في أي جناية ياخذ العقوبة المقررة لهذه الجناية ذلك أن المشرع في الجزائر سوى من حيث العقوبة بين الشروع وبين الجريمة التامة اعتدادا بالارادة الاجرامية للفاعل فهي واحدة في حالة الشروع وحالة الفعل التام اعتناقا من المشرع بالمذهب الشخصي كمعيار للشروع فلا حاجة اذن للنص على عقاب الشروع في كل الجناية وارادة في قانون العقوبات2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-1 الدكتور احسن أبو سقيعة (قانون العقوبات في ضوء الممارسة االقضائية)
-2الدكتور ابراهيم الشايبي ص 139 نفس المرجع السابق.
الفصل الثاني أحكام الشروع
-مادة30 :من المقرر قانونا أنه لثبوت المحاولة يجب توفر الشروط التالية:
-البدأ في التنفيذ.
-أن يوقف التنفيذ أو يخيب أثره لأسباب لا دخل لارادة الفاعل فيها.
-أن يقصد به ارتكاب جناية أو جنحة –الغرفة الجنائية ملف رقم 83315 قرار 191.02.05 المجلة القضائية العدد الثاني 1993 صفحة164-.
متى ثبت أن المتهم طعن الضحية بالخنجر فأصابها بعدة ضربات ولم يتوقف الا بعد فرارها من محكمة الجنايات أدانت بمحاولة القتل العمدي بعد ما وضعت له سؤالا وأجابت عليه بنعم طبقت صحيح القانون (الفرقة الجنائية ملف رقم49143 قرار 19.02.16 المجلة القضائية العدد الرابع 1993 صفحة 221)1.
المطلب الثاني: عقوبة الشروع عند المشرع المصري.
فرق القانون المصري بين الجنايات والجنح من حيث مبدأ العقاب على الشروع
(مادة46و47) ق.ع مصري .والقاعدة أن الشروع في الجنايات معاقب عليه دائما الا اذا نص القانون على غير ذلك .أما الشروع في الجنح فلا عقاب عليه الا بنص خاص وفي كل جريمة على حدى.
وسوى بعض التشريعات المعاصرة بين عقوبة الشروع وعقوبة الجريمةالتامة على اساس ان الخطورة الاجرامية للفعل في الحالتين الواحدة أما الغالبية العظمى من التشريعيات فتفرق بين الحكم بين الشروع والجريمة التامة على أساس أن الضرر الاجتماعيي يختلف مداه في كل حالة. وقد أخذ المشرع المصري بالاتجاه الاخير فجعل عقوبة الشروع بوجه عام أقل من عقوبة الجريمة التامة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-الدكتور احسن أبو سقيعة نفس المرجع السابق.
الفصل الثاني أحكام الشروع
1عقوبة الشروع في الجنيات
تعد المادة 46 من قانون العقوبات المصري قاعدة عامة فنصت على ما يلي:
يعاقب على الشروع في الحناية بالعقوبات الاتية الا اذا نص قانونا على خلاف ذلك بالأشغال الشاقة المؤبدة اذا كانت عقوبة الجناية الاعدام ،بالاشغال الشاقة المؤقتة اذا كانت عقوبة الجناية اشغال الشاقة المؤبدة. بالاشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تزيد عن نص الحد الأقصى المقرر قانونا أو السجن اذا كانت عقوبة الجناية الأشغال الشاقة المؤقتة بالسجن مدة لا تزيد عن نصف الحد الاقصى المقرر قانونا أو الحبس اذا كانت الجناية السجن.
وقد يخفض النص من عبارته فاستثنى من حكمه الأحوال التي يتدخل المشرع فيها صراحة فلا يعاقب على الشروع في الجناية أصلا كما هو الشأن في الاجهاض(المادة164ع) أو يعاقب على الشروع بعقوبة مختلفة كما هو الحال في جناية هتك العرض(مادة265ع) حيث عاقب على الشروع فيها بعقوبة الجريمة التامة.
عقوبة الشروع في الجنح:
تنص المادة 47 قانون العقوبات المصري عاى أن تعين قانونا الجنح التي يعاقب على الشروع فيها وكذلك عقوبة هذا الشروع .ولم يلتزم المشرع في تحديد مقدار عقوبة الشروع في الجنح خطة ثبتة ،فهو في بعض الأحيان يجعل للشروع فيها عقوبة الجريمة التامة كما هو الشان في التهريب الجمركي والنقدي، غير أنه في عامة نصوصه يقرر في الشروع عقوبة أخف ،وهو في هذا الصدد أيضا لا يسير على وتيرة واحدة فبعض النصوص يجعل للشروع ثلث العقوبة المقررة للجريمة التامة كما هو الحال في جريمة الابتزاز (مادة326ع) وبعض النصوص يجعل للشروع نصف عقوبة الجريمة التامة كما في السرقة مادة321.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الدكتور عوض محمد نص 223 وما بعدها نفس المرجع السابق
الفصل الثاني أحكام الشروع
ع وبعضها يجعل في الشروع ثلث عقوبة الجريمة التامة كما في النصب وقتل الدواب
م336و 355ع
عقوبة الشروع في تشريعات أخرى:
1)- عند المشرع اللبناني:1
نصت المادة200 عقوبات على أن كل محاولة لارتكاب جناية.....تعتبر كالجناية نفسها.........ويتضح من هذا النص أن القاعدة في تحديد مقدار العقاب على الشروع هي أن عقوبة المحاولة أو الشروع هي نفس عقوبةالجريمة التامة وتسري هذه القاعدة على الجنايات والجنح.
ولكن قاعدة المساواة بين عقوبة المحاولة او الشروع و عقوبة الجريمة التامة فيالجنايات والجنح ليست مطلقة فقد اجاز المشرع للقاضي تخفيف العقاب وفقا لضوابطمحددة تختلف باختلاف ما اذا كان المشرع موقوفا او خائبا بحسب اذا كان الامر يتعلق بالشروع في بالشروع في جناية او بالشروع في جنحة.
أما بالنسبة لعقوبة الشروع الموقوف حيث بينت المادة 200 ق. عقوبات قواعد التخفيف الجوازي في حالة الشروع الموقوف على النحو التالي :
اذا كانت العقوبة المقررة للجناية التمة هي الاعدام جاز للقاضي ان يحكم من اجل الشروع الموقوف فيها بالاشغال الشاقة المؤبدة .اما بالنسبة لعقوبة الشروع الخائب
حددت قواعد التخفيف الجوازي في حالة الشروع الخائب مادة 201 تنص على العقوبات على النحو التالي:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
1- الدكتور عبد القادر القهوجي : ص.21 و ما بعدها نفس المرجع السابق.
الفصل الثاني أحكام الشروع
اذا كانت العقوبة المقررة للجناية التامة هي الاعدام جاز ان يحكم من اجل
الشروع الخائب فيها بالاشغال الشاقة المؤبدة او الاشغال الشاقة المؤقتة من 10 سنوات الى 20سنة.
و قد ورد ايضا عقوبة الشروع في الجنح فبالنسبة لعقوبة الشروع الموقوف
نصت المادة 202.ق.عقوبات على المقدار هذا التخفيف لقولها: العقوبة المفروضة للجنحة التامة يمكن تخفيضها حتى النصف في محاولة الجنحة......اي يجوز للقاضي
ان يهبط بالعقوبة المقررة للجنحة التامة في حالة الشروع الموقوف فيها الى نصفها.
أما بالنسبة لعقوبة الشروع الخائب بين مقدار التخفيف نصت عليه المادة22 السابقة بقولها : العقوبة المفروضة للجنحة التامة يمكن تخفيضها .... حتى الثلث في الجنحة الخائبة أى يجوز للقاضي أن يخفف من العقوبة المقررة للجنحة التامة في حالة الشروع الخائب فيها الى ثلثها فقط.
الخاتمة
الشروع سواء في الجنايات أو الجنح يتطلب توافر الأركان العامة الركن المادي والركن الشرعي والركن المعنوي فالركن الشرعي لا يثير أي اشكال فقط حدد المشرع الجرائم التي يعتد بالشروع فيها وهي الجنايات على العموم ثم الحنح المنصوص عليها بنص خاص واستثنى المخالفات كما لا يثير الركن المعنوي أيضا أي اشكال فالشروع لا يكون الا في الجرائم العمدية فلا شروع في جريمة غير عمدية ولا شروع في جريمة تتجاوز قصد
الجاني اذ تنحصر مسؤولية الجاني في النتيجة التي أراد تحقيقها وأما الاشكال فينحصر في الركن المادي للجريمة بوصفه فعلا صدر عن الجاني ولم يكتمل الركن المادي بسبب قهري أو ارادي.
كما تختلف غالبية التشريعات العربية عن التشريع الجزائري وذلك من حيث استبدال لفظ المحاولة بالشروع مثلا عند المشرع المصري كما يتضح الاختلاف أيضا من حيث العقوبة فمعضمها يقرر عقوبة أخف من عقوبة الجريمة التامة وهذا على غرار بعض التشريعات الغربية كالقانون البلجيكي والسويسري والألماني.
قائمـــة المـراجــع
1-الدكتور ابراهيم الشايبي استاذ مساعد بجامعة قسنطينة(الجزائر) شرح قانون العقوبات الجزائري( القسم العام) دار الكتاب اللبناني.
2-الدكتور أحسن بوسقيعة مستشار بالمحكمة العليا وأستاذ الققانون الجنائي بالمعهد الوطني للقضاء(الوجيز في القانون الجزائي العام) صنف115/5 طبعة2003 دار هومة للطباعة والنشر.
3- نفس المؤلف: قانون العقوبات ( في ضوء الممارسة القضائية).طبعة 2
26جوان 2001 الطبع الديواني الوطني للأشغال التربوية ز.ا.و1389.
4-الستاذ أحمد أبو كروس ( القصد الجنائي والمساهمة والمسؤولية الجنائية والشروع والدفاع الشرعي والعلاقة السببية)المكتب الجامعي الحديث الاسكندرية.
5- الدكتور في القانون العقوبات الجنائي العام) ديوان المطبوعات الجامعية-جامعة وهران-.
6-الأستاذ بن شيخ لحسين (النظرية العامة للجريمة-العقوبات والتدبير الأمن أعمال تطبيقية-القانون العرفي )الطبعة 2الصنف33/5دارهومة.
7-الدكتور عبد الحميد الشواربي رئيس محكمة (الشروع في الجريمة في ضوء القضاء والفقه) طبعة1991 الناشر منشأة المعارف الاسكندرية.
8-الأستاذ عبد الله سليمان (شرح قانون العقوبات الجزائري القسم العام)الجزء الأول (الجريمة) ديوان المطبوعات الجامعية1998.
9-الدكتور علي عبد القادر القهواجي كلية الحقوق جامعة الاسكندرية(قانون العقوبات القسم العام ) طبعة1994 الدار الجامعية.
10-الدكتور عوض محمد أستاذ قانون الجنائي كلية الحقوق –الاسكندرية-(قانون العقوبات القسم العام دار الجامعية الجديدة للنشر طبعة2000رقم9342.
11-الدكتور محمد زكي أبو عامر أستاذ القانون الجنائي عميد كلية الحقوق
جامعة الاسكندرية(قانون العقوبات القسم العام: الركن الشرعي-الرطكن المادي-الركن المعنوي –تقسيم الجرائم) طبعة19996 دار الجامعة الجديدة للنشر.
12-قانون العقوبات الجزائري.