yacine414
2011-04-17, 18:15
خطـــة البحث :
المقدمـــــة.
المبحث الأول: في ماهيــــة التلبس بالجريمة :
-المطلب الأول: تعريف التلبس :
*الفرع الأول: التعريف اللغوي .
*الفرع الثاني: التعريف الإصطلاحي .
*الفرع الثالث: التعريف القانوني .
-المطلب الثاني: حـــالات التلبس :
*الفرع الأول: التلبس الحقيقي .
*الفرع الثاني: التلبس الإعتبــاري .
*الفرع الثالث: الجريمة المتسمة بصفة التلبس .
-المطلب الثالث: شروط صحــة التلبس:
*الفرع الأول: أن يكون التلبس سابقا زمنيا على إجراءات
التحقيــــــق .
*الفرع الثاني:مشاهدةالتلبس بمعرفة ضابط الشرطةالقضائية.
*الفرع الثالث : إكتشــاف التلبس بطرق مشروعة .
-المطلب الرابع: خصــائص التلبــس :
*الفرع الأول: الطابع العينــي للتلبس .
*الفرع الثاني: إنصراف التلبس الى ما يدل على توافر
الركن المادي للجريمة.
*الفرع الثالث: إنصراف التلبس الى الجريمة التي توافرت
لهااحدى حالاته .
المبحث الثاني: السلطات الإستثنائية لضابط الشرطة القضائية في حالة التلبس :
-المطلب الأول : واجبات ضابط الشرطة القضائية في حالة التلبس :
*الفرع الأول:إخطار وكيل الجمهورية والانتقال فورا للمعاينة.
*الفرع الثاني: سماع أقوال الشهود.
*الفرع الثالث:ندب الخبراء و الاستعانة بالأشخاص المؤهلين.
-المطلب الثاني:سلطة ضابط الشرطة القضائية في الإستيقاف و القبض:
*الفرع الأول : الإستيقــــاف .
*الفرع الثاني : القبـــــض .
*الفرع الثالث : الفرق بينهمـــــا .
*الفرع الرابع : تقييد سلطة ضابط الشرطة القضائية .
- المطلب الثالث: سلطة ضابط الشرطة القضائية في التحفظ على الحاضرين
و الشهود بمسرح الجريمة :
*الفرع الأول: ضبــط المشتبــه فيـه .
*الفرع الثاني : الأمــر بعدم المبارحــة .
-المطلب الرابع: سلطة ضابط الشرطة القضائية في التوقيف للنظر.
*الفرع الأول : تعريفــــه .
*الفرع الثاني : القيود المقــررة.
*الفرع الثالث : جـزاء مخالفة التوقيف للنظــر.
-المطلب الخامس : سلطة ضابط الشرطة القضائية في التفتيش :
*الفرع الاول : تفتيش المساكـــن .
*الفرع الثاني : تفتيش الأشخــاص . *الفرع الثالث : بطــلان التفتيــش .
المبحث الثالث : بطــلان اجراءات التحقيـق في حالـة التلبـس :
- المطلب الأول : البطــلان المطلـق .
- المطلب الثاني : البطـلان النسبــي .
- المطلب الثالث : آثـار البطـــلان .
مقــدمــة
مقدمة:
لقد أثبتت الدراسات الحديثة أن الجريمة ظاهرة قديمة منذ ظهور الانسان على الأرض ثم إنتقلت و تطورت حيث أصبحت تهدد سلامة الفرد و المجتمع ، و يؤكد ذلك إهتمام الدساتير الجزائرية بدءا من دستور 1963 الى غاية الدستور الأخير لسنة 1996 ، حيث نصت المادة 34 منه على أن " تضمن الدولة عدم إنتهاك حرمة الإنسان ..." ونصت المادة 39 منه كذلك على أن " لايجوز إنتهاك حرمة حياة المواطن الخاصة و حرمة شرفه و يحميها القـــــــانون " .
فبوقوع الجريمة ينشأ للدولة حق معاقبة الجاني و متى علمت بها وجدت بواسطة رجال الضبط القضائي في جمع الإستدلالات و التحري عنها و عمن ارتكبها حيث أن رجال الشرطة القضائية يسعون الى الحد من ظاهرة الإجرام و محاربتها لإستتباب الأمن من جهة والحفـاظ على حقـــوق الإنسـان من جهة أخرى فهي بمثابة مدرسة تمثل الوجه الحقيقي للعـدالــة .
لقد خول قانون الإجراءات الجزائية لضباط الشرطة القضائية إختصاصات إستثنائية و القيام بإجراءات هي من إجراءات التحقيق و ذلك في حالات التلبس بالجريمة ، وقد حاول المشرع الجزائري في ذلك مراعاة عدة أشياء منها المحافظة على أدلة إثبات الجريمة من الضياع لذلك أجاز لضباط الشرطة القضائية القيام بإجراءات التحقيق إستثناءا حتى لايعبث بمعالم الجريمة أو تضيع ، ولهذا تنسب الجريمة الى مرتكبيها حيث انه بتوافر حالة التلبس تنتفي مظنة الخطأ أو الكيد للمتهم ، و نظرا لما يثيره موضوع التلبس بالجريمة من مشكلات في الحياة العملية لضباط الشرطة القضائية والمتمثلة في مجموعة من التساؤلات منها مفهوم التلبس ، حالاته ، شروط صحته ، وإختصاصاتهم ...ألخ .
فقد سعينا من خلال هذا البحث إلى تسليط الضوء على موضوع التلبس حيث قسمناه إلى ثلاثة مباحث حيث سنتناول في المبحث الأول ماهية التلبس وأدرجنا فيه أربعة مطالب و المبحث الثاني يتناول الاجراءات المخولة لضابط الشرطة القضائية و قد أدرجنا فيه خمسة مطالب ، أما المبحث الثالث نتناول فيه بطلان اجراءات التلبس و سنتعرض لكل مبحث بالتفصيل .
المبحث الأول: في ماهية التلبس بالجريمة
المطلب الأول : تعريف التلبـــس:
للتلبس معنيان أحدهما لغوي و الثــاني اصطــلاحي.
الفرع (01): - التعريف اللغوي للتلبـس:
التلبس في اللغة كما جاء في مختار الصحاح من لبس عليه الأمر أي إختلط ، وكما ورد في لسان العرب في مادة لبس ما يأتي:
- اللبس بالضم مصدر لقول لبست الثوب ، ألبسـه .
- و اللبس مصدر قول لبست عليه الأمر، بمعنى أشتبــه .
ولبس الثوب أي ارتداه ، نستخلص من هذا التعريف أن هذا اللفظ يوحي بشدة الإقتراب والإلتصاق و منه قوله تعالى " هن لباس لكم و أنتم لباس لهن " سورة البقرة (الاية187) وهذا معناه أن الرجل لباس زوجته و الزوجة لباس زوجها .
و اللباس ما يلبس من ثياب و سلاح في قوله تعالى " وعلمناه صنعة لبوس لكم تقيكم بأسكم " سورة الأنبياء (الآية 79) .
يقابل كلمة تلبس بالفرنسية le flagrance وهي مشتقة من الكلمة اللاتينية flagrare التي أخذت الصفة flagrant أي متلبس ( ) . الفرع(02) : - التعريف الإصطــلاحي :
- تعددت تعريفات الفقهاء للتلبس فذهب البعض الى القول بأن التلبس " هو حالة تقارب زمني بين وقوع الجريمة و إكتشافها " .
- وهناك من عرفه بأنه " المشاهدة الفعلية بالجريمة و التقارب الزمني بين وقوع الجريمة و كشفها " حيث أضاف عبارة المشاهدة الفعلية .
- و عرفوه أيضا بأنه حالة واقعية يعبر عنها مجموعة من المظاهر الخارجية التي تدل بذاتها على أن الجريمة تقع أو بالكاد وقعت و قوامها انعدام الزمن أو التقارب بين وقوع الجريمة و إكتشافها ( ) .
الفرع (03): التعريف القانوني:
التلبس هو المعاصرة او المقاربة بين لحظة إرتكاب الجريمة و لحظة إكتشافها أي تطابق و اقتراب لحظتي ارتكاب الجريمة و اكتشافها بالمشاهدة مثلا ، حيث عمد المشرع الى تحديدها تحديدا دقيقا لأن وضوح واقعة التلبس من شأنها أن تنفي مظنة التعسف والخطأ من طرف ضابط الشرطة القضائية ، فتجعل من الإجراءات التي يقوم بها أقرب الى الصحة و المشروعية وأدعى للثقة ، حيث تخوله حالة التلبس سلطة تحقيق في مجالات محددة خروجا على القواعد العامة التي لاتسمح له بممارستها إلا بناءا على تفويض من السلطة القضائية ( ) .
إن المشرع الجزائري لم يتطرق إلى تعريف التلبس و إنما تطرق في المادة 41 من قانون الإجراءات الجزائية إلى حالات التلبس بالجريمة و التي أوردها على سبيل الحصـــــر .
المطلب الثاني : حــالات التلبــس
لقد نصت المادة 11 من قانون الإجراءات الجزائية على التلبس بالجريمة " توصف الجناية أو الجنحة لأنها في حالة تلبس إذا كانت مرتكبة في الحال أو عقب إرتكــابهــــا " .
كما تعتبر الجناية أو الجنحة متلبسا بها إذا كان الشخص المشتبه في إرتكابه إياها في وقت قريب جدا من وقت وقوع الجريمة قد تبعه العامة بالصياح أو وجدت بحوزته أشياء أو وجدت آثارا أو دلائل تدعو الى افتراض مساهمته في الجناية أو الجنحة .
و تتسم بصفة التلبس كل جناية أو جنحة وقعت و لو في غير الظروف المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين ، إذا كانت قد أرتكبت في منزل و كشف صاحب المنزل عنها عقب وقوعها و بادر في الحال باستدعاء أحد ضباط الشرطة القضائية لإثبـاتهـا"( ).
و تنقسم حالات التلبس حسب المادة المذكورة إلى ثلاث طوائف تبعا لوقت إكتشاف الجريمة وهي : التلبس الحقيقي ، التلبس الإعتباري و الجريمة المتسمة بصفة التلبس .
الفرع (01) :
التلبس الحقيـقي : يكون التلبس الحقيقي في حالتين :
01- إذا كانت الجناية أو الجنحة مرتكبة في الحال : فالجاني يناجي بالمجني عليه أو برجال الضبط القضائي أثناء ارتكابه للجريمة أو يشاهده الجيران و العبرة بالمشاهدة أو الادراك دون استمرار النشاط الإجرامي فمن يحضى في ملابسة مواد مخدرة أو سلاح ناريا دون ترخيص يرتكب الجريمة طوال فترة الحيازة و لكن الجريمة ليست في حالة تلبس ، ولا تقتصر المشاهدة على الرؤية بالعين وانما تشمل الادراك بأية حاسة كشم رائحة المخدر أو الخمر تنبعث من المتهم أو سماع صوت العيارات النارية من الجهة التي قدم منها المتهم إثـر اطلاقها .
02- مشاهدة الجريمة عقب ارتكابها: يقصد بهذه الحالة مشاهدة آثار الجريمة التي تنبىء عن ارتكابها منذ زمن يسير و يعبر بعض الفقهاء عن هذه الحالة بأن الجريمة تكون وقتئـذ ما زالت ساخنة فنارها لم تخمد بعد و دخانها لايزال يشاهد و يعني ذلك أن لايكون قد انطوى وقت طويل بين ارتكاب الجريمة واكتشافها و مثال على ذلك : رؤية القتيل يلفظ أنفاسه الأخيرة والدم يسيل من جروحه و كذلك سماع صراخ المجني عليه من آلامه نتيجة إعتداء الجناة عليه في جريمة السرقة بإكراه بعد هروبهم بالمسروقات .
و لم يحدد المشرع الجزائري الفتـرة الزمنية التي تنقضي بين ارتكاب الجريمة و اكتشافها وانما ترك تحديد هذا الوقت للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع( ).
و تطبيقا لذلك جرت أحكام القضاء على أنه لاينفي قيام حالة التلبس كون ضابط الشرطة قد إنتقل الى محل الحادث بعد وقوعها بزمن ما دام أنه بادر الى الانتقال عقب علمه مباشرة .
الفرع (02) :
التلبس الإعتباري :
01- تتبع الجاني بالصياح إثر وقوع الجريمة: هذه الحالة هي إحدى حالات التلبس الإعتباري نص عليها المشرع الجزائري في الفقرة الثانية من المادة 41 من ق.إ.ج " تعتبر الجريمة متلبس بها إذا كان الشخص المشتبه في ارتكابه إياها في وقت قريب جدا من وقت وقوع الجريمة قد تبعه العامة بالصياح "( ) .
ويستفاد من هذا النص أنه يستوي أن يكون التتبع بالصياح صادرا من المجني عليه أو أحد أفراد أسرته أو من غيره من شهود الحادث أو الجيران ، و يستوي أن يكون التابعين من العامة أو من ضباط الشرطة أو معاونيهم و قد تكون المتابعة بالعدو خلف الجاني للإلحاق به ، وقد تكون بالسير خلفه دون أن يؤدي الى ضبطه ، وقد تكون بالإشارة إليه بالأيدي كما تكون بمجرد الصياح و القول اذا لم تتوافر القدرة على المتابعة .
02- حيازة الجاني للأشياء تدل على مساهمته في الجريمة في وقت قريب جدا من وقوعها: تعتبر هذه الحالة احدى حالات التلبس الإعتباري التي نص عليها المشرع الجزائري في الفقرة الثانية من المادة 41 من ق.إ.ج لقوله " تعتبر الجناية أو الجنحة متلبسا بها اذا كان الشخص المشتبه في ارتكابه إياها في وقت قريب جدا من وقت وقوع الجريمة قد تبعه العامة بالصياح أوجدت في حيازته أشياء أو وجدت آثار أو دلائل تدعو الى افتراض مساهمته في الجناية أو الجنحة " . وفي هذه الحالة تكون الجريمة قد وقعت منذ فترة قصيرة و شوهد الجاني في وقت قريب جدا من وقوعها حائزا لشيء أو لأشياء تكون اما قد استعملت في ارتكاب الجريمة كسكين ملوثة بالدماء أو تحصلت من ارتكابها كالمسروقات المتحصل عليها من السرقة حيث تعتبر قرينة قوية على ارتكابه للجريمة أو مساهمته في الجريمة و هنا لا يشترط أن يضبط المشتبه فيه في مكان الحادث أو قريب منه بالإضافة الى ذلك لم يحدد المشرع الجزائري الفترة الزمنية المقصودة من قوله " وقت قريب جدا " ولذا ترك السلطة التقديرية للقاضي الموضوع .
ان المشرع الجزائري في هذه المادة قد وسع مجال التلبس في هذه الحالة فأعتبر بمجرد الحيازة للإشياء دون حمل تلك الأشياء أي أنه لايعتد بالأحراز ( ) وانما بمجرد الحيازة ( ) .
و الأحراز يقصد به إتصال المشتبه فيه إتصالا مباشرا في الشيء الذي يحرزه كأن يكون ممسكا به أو حامل له سواء بشكل ظاهر أو مع محاولة إخفائه ، و تطبيقا للتلبس يكفي لتوافر الحيازة كأن تكون المسروقات في حديقة منزل المشتبه فيه ، لأنها عندئذ تعتبر في حوزته التي تدعو الى الافتراض بأنه قد ساهم في تلك الجريمة .
03- وجود آثار بالمشتبه فيه تدل على مساهمته في الجريمة: كذلك هذه الحالة من حالات التلبس الاعتباري وردت في نهاية الفقرة الثانية من المادة 41 من ق.إ.ج والتي تنص " إذا وجدت آثار أو دلائل تدعو الى افتراض مساهمته في الجناية أو الجنحة " ويقصد بهذه الحالة وجود آثار أو دلائل في المشتبه فيه في وقت قريب جدا من وقت وقوع الجريمة تدعو الى افتراض مساهمته في الجناية أو الجنحة وتتمثل الآثار و الدلائل في العلامات التي توجد في المشتبه فيه إما في جسمه كالآثار التي تتخلف من مقاومة المجني عليه له و المتمثلة في جروح أو لكمات أو خدوش في يده أو رقبته أو وجهه أو في جزء من جسمه و قد تكون تلك العلامات و الآثار في ملابس المشتبه فيه كبقع الدم أو تمزيق تلك الملابس مما يدعو الى الإشتباه في مساهمته في الجريمة .
الفرع (03) :
الجريمـة المتسمـة بصفـة التلبـس :
وهي المبادرة بالإبلاغ بالجريمة عقب إكتشافها في منزل ، وقد أضاف المشرع الجزائري هذه الحالة الى حالات التلبس حيث نص عليها في الفقرة الثالثة في المادة 41 من ق.إ.ج " تتسم بصفة التلبس كل جناية أو جنحة وقعت ولو في غير الظروف المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين إذا كانت قد أرتكبت في منزل وكشف صاحب المنزل عنها عقب وقوعها وبادر في الحال بإستدعاء أحد ضباط الشرطة لإثباتها " ويقصد بهذه الحالة أن تقع الجريمة في وقت غير معلوم ثم يكتشف المجني عليه وقوعها بعد مدة من الزمن ويقوم عقب اكتشافه لها بالمبادرة بإبلاغ ضابط الشرطة المختص عنها لإثبات الواقعة وإتخاذ إجراءات الضبط اللازمة مثال: لو تغيب صاحب المنزل عنه لمدة شهر مثلا و بمجرد عودته اكتشف وقوع سرقة أو اكتشف وجود جثة قتيل في حديقة منزله و بادر بإخطار السلطات عقب اكتشافه إياها . تعتبر الجريمة متلبسا بها حكما بمقتضى هذا النص بغض النظر عن الوقت الذي انقضى بين ارتكابها و بين الإبلاغ عنها، و يرجع ذلك في اعتقادنا إلى عدم إمكان التكهن بالوقت الذي وقعت فيه الجريمة فعلا ، فقد يكون ذلك الوقت هو اليوم التالي لمغادرة المجني عليه لمسكنه و قد يكون هو اليوم السابق لعودته إليه، و قد يكون أي وقت آخر فيها بين هاذين اليومين فالمشرع قد اعتبر الجريمة قد وقعت حكما في وقت قريب لاكتشافها و يسند هذا الرأي أنه لو كان المقصود هو الإبلاغ عن الجريمة في هذه الحالة عقب وقوعها بحسب حرفية النص إذ يقول:" ...و كشف صاحب المنزل عنها عقب وقوعها..." لكانت تدخل ضمن الحالة الثانية من حالات التلبس المنصوص عليها في الفقرة الأولى من نفس المادة ، إذ لو كان المقصود هو الإبلاغ وقت قريب جدا من وقت ارتكابها لكان من الواجب إدماجها ضمن الحالات التي نصت عليها الفقرة الثانية من نفس المادة و معنى ذلك أن المشرع أصبغ على هذه الحالة صفة التلبس مع أنها لا تدخل ضمن الظروف المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين معتبرا وقت اكتشاف الجريمة في حكم وقت ارتكابها ذلك الوقت الغير معلوم و الذي يصعب تحديده( ). و الجدير بالذكر أن هذه الحالة قد أضافها المشرع بغرض إضفاء أهمية خاصة على الجرائم التي تقع في المساكن في غيبة أصحابها و لذا حدد شروطا ضمنية لأعمال هذا النص( ) و هي:
أن تقع الجريمة في منزل مسكون في غيبة صاحبه أو بغير علمه.
أن يقوم صاحب المنزل باكتشاف الجريمة.
أن يبادر فورا باستدعاء ضابط الشرطة وأن يقوم هذا الأخير بإثباتها.
و عند توافر هذه الشروط و تيقن ضابط الشرطة من وقوع الجريمة على هذا النحو يمكنه ممارسة سلطاته الاستثنائية التي يمارسها في حالات التلبس.
المطلـب الثالث : شــروط صحـة التلبــس
لا يكفي لكي يحدث التلبس الآثار و النتائج المترتبة عليه إن وجدت حالة من حالات التلبس بالجريمة منتج الآثار ، أن تتوفر فيه الشروط التالية:
- أن يكون التلبس سابقا على إجراءات التحقيق الذي يجري .
- أن تكون مشاهدة الجريمة المتلبس بها قد تمت بمعرفة ضابط الشرطة القضائية أو تحققوا منها بأنفسهم .
- أن يكون إثبات حالة التلبس قد تم بطرق شرعية .
وإذا تخلف ركن من هذه الأركان فإن التلبس لا ينتج آثاره القانونية التي خولها المشرع لضابط الشرطـة القضائيــة .
الفرع (01) :
أن يكون التلبس سابقا زمنيا على إجراءات التحقيق :
يعني ذلك أنه لايجوز لضابط الشرطة القضائية أن يقوم بأي إجراء إستثنائي كالتفتيش و ضبط الأشياء إلا بعد إكتشافه حالة التلبس و إلا كان عمله باطلا ( ) و يترتب على بطلانه بطلان الدليل المستمد منه ، إذ أن المشرع لم يمنح ضابط الشرطة حق مباشرة تلك السلطات التي هي أصلا من صميم إختصاص سلطة التحقيق إلا إذا توافر التلبس الصحيح المشروع أولا ثم تأتي تلك الإجراءات لاحقة للتلبس لا سابقة له .
مثـال : لو علم ضابط الشرطة القضائية أن شخصا يحرز مخدرا في جيبه فقبض عليه أولا ريثما يستصدر إذنا من النيابة العامة بتفتيشه فإن ذلك القبض بإعتباره إجراء من إجراءات التحقيق لا يكون صحيحا قانونيا و بالتالي لو ترتبت على ذلك القبض حال من حالات التلبس كأن يخرج المقبوض عليه ما في جيبه من مخدر و يلقي به على الأرض ليتخلص منه مثلا فيشاهد مأمور الضبط تلك المخدرات و يلتقطها معتقدا أن مشاهدته لها هي حالة من حالات التلبس الحقيقي كان إعتقاده في غير محله و كان التلبس باطلا لأنه وقع لاحقا للقبض لا سابقا عليه ، و بالتالي يبطل الدليل المستمد من ذلك الإجراء الباطل أي أنه لا يعتد قانونا بإحراز الشخص المقبوض عليه بالمخدرات .
الفرع (02) :
إكتشاف التلبس بمعرفة ضابط الشرطة أو تحققه منه بنفسه :
يوجب القانون أن يكتشف ضابط الشرطة القضائية حالة التلبس بنفسه أو على الأقل يتحقق بشخصه من قيام تلك الحالة حتى يخول له أن يمارس إجراء من إجراءات التحقيق و بالتالي يكون ذلك الإجراء صحيحا ( ) ، ولا تتوافر حالة التلبس طالما أن ضابط الشرطة القضائية قد تلقى نبأها عن طريق الرواية أو النقل عن شهودها ، فإذا كان الثابت أن الذي شاهد المتهم في حالة تلبس بجريمة بيع المخدرات هو المرشد الذي أرسله ضابط الشرطة القضائية لشراء المادة المخدرة فلما حضر ضابط الشرطة القضائية إلى منزل المتهم لم يكن به من الآثار الظاهرة لتلك الجريمة لا يستطيع ضابط الشرطة القضائية مشاهدته و الإستدلال به على قيام حالة التلبس فلا يمكن عند حضور ضابط الشرطة القضائية بإعتبار المتهم في حالة تلبس ذلك أن لايمكن إعتبار ورقة المخدر التي حان لها المرشد الى ضابط الشرطة القضائية عقب البيع أثر من آثار الجريمة يكفي بجعل حالة التلبس قائمة فعلا وقت إنتقال ضابط الشرطة القضائية ، لأن الآثار التي يمكن إتخاذها علامة على قيام حالة التلبس إنما هي الآثار التي تنبىء بنفسها على أنها من مخلفات الجريمة التي لا تحتاج في الأنباء عنها الى شهادة شاهد ، وتظل حالة التلبس قائمة على الرغم من أن ضابط الشرطة القضائية تلقى نبأ الجريمة عن طريق الغير ما دام قد بادر بالإنتقال الى محل الواقعة فور علمه بالجريمة و شاهد آثارها التي تنبىء عن ارتكابها منذ وقت قصير أو يتأكد من وجود المشتبه فيه حائزا للأشياء أو يشاهده و به آثار تدعو الى افتراض مساهمته في ارتكاب جناية أو جنحة معقب عليها بالحبس ، و الجدير بالذكر أن حالات التلبس لا تتعلق بالمخالفات و إنما هي قاصرة على الجنايات و الجنح المعاقب عليها بالحبس إذ أن المشرع نص في المادة 55 من ق.إ.ج " تطبق نصوص المواد من 42 الى 54 في حالة الجنحة المتلبس بها في جميع الأحوال التي ينص فيها القانون على عقوبة الحبس " .
و معنى ذلك أن التلبس يقصد به جرائم الجنايات عموما و جرائم الجنح المعاقب عليها بالحبس فلا تنطبق على الجنح المعاقب عليها بالغرامة ، و بالمقارنة مع النص المقابل في القانون المصري في المادة 34 من ق.إ.ج إجراءات لمأموري الضبط القضائي في أحوال التلبس بالجنايات أو الجنح التي يعاقب عليها بالحبس لمدة تزيد عن ثلاثة (03) أشهر أن يأمر بالقبض على المتهم الحاضر التي توجد دلائل كافية على اتهامه و ما دام المشرع الجزائري لم يذكر في النص حدا أدنى للحبس في الجنح ، فمعنى ذلك أن جميع الجنح المعاقب عليها بالحبس أيا كانت مدته تسري عليها أحكام التلبس التي نحن بصددها بما فيها وجوب توافر شروط صحة التلبس . وعلى الرغم من أن إجماع الفقهاء يكاد ينعقد على وجوب إدراك ضابط الشرطة القضائية إدراكا شخصيا و مباشرا للواقعة الإجرامية و آثارها ، إلا أن بعض الفقهاء لم يتطلبوا هذا الشرط و سندهم في ذلك الآتي:
أن المشرع لم يتطلب هذا الشرط في نصوص المادة 41 قانون الإجراءات الجزائية الجزائري و في نصوص المواد 30 إجراءات جنائية مصري و53 إجراءات جنائية فرنسي.
إن الفقهاء الذين تطلبوا هذا الشرط يهدفون إلى ضمان حرية المتهمين، غير أن تحديد حالات التلبس على سبيل الحصر يحقق هذا الضمان بما يستغنى عن تطلب شرط الإدراك الشخصي المباشر.
إن واقع الحياة العملية يدل على أن ضابط الشرطة لا يشاهد حالة - لحرص المجرم على ارتكاب جريمته بعيدا عن رقابته- و إنما الغالب أن يتلقى نبأها عن طريق الرواية عن الغير و يؤيد ذلك أن المادة 42 ق إ ج أوجبت على ضابط الشرطة القضائية الانتقال دون تمهل إلى مكان الجناية المتلبس بها فور علمه بها ، و هي بذلك تفترض أن ضابط الشرطة كان في مكتبه و لم يشاهد حالة التلبس.
كما أن اشتراط هذا الشرط يجعل التلبس غير قائم في كثير من الصور العملية كالشروع في القتل بعيار ناري لم يصب المجني عليه، فليست هناك آثار حتى يشاهدها ضابط الشرطــة.
الفرع (03): اكتشاف التلبس بطريق مشروع
لا يكفي لصحة التلبس أن يكون سابقا لإجراءات التحقيق التي يمارسها ضابط الشرطة و أن يكون اكتشافه بمعرفة ضابط الشرطة شخصيا، بل يجب علاوة على ذلك أن يكون اكتشاف حالة التلبس عن طريق مشروع و يقصد بذلك أن يكون وسيلة اكتشافه غير مخالفة للقانون أو الأخلاق ، و إلا كان التلبس و ما انبنى عليه من إجراءات و ما استمد منها من أدلة كلها باطلـــة.
و يثار التساؤل متى تكون طريقة اكتشاف التلبس مشروعة و متى لا تكون كذلك؟
و للإجابة على هذا السؤال يجب التفرقة بين الطرق المشروعة و غير المشروعة على النحو الآتي:
أولا: اكتشاف التلبس بطريق مشروع:
يكون التلبس مشروعا إذا اكتشف عرضا أو باستخدام حيلة مشروعة، أو أثناء القيام بإجراء صحيح على النحو التالي:
أ- اكتشافه عرضا: أي أن يقع التلبس بطريقة عرضية دون سعي أو إتيان عمل إيجابي من جانب ضابط الشرطة و مثال ذلك:
أن يصادف ضابط الشرطة القضائية شخصا في الطريق العام أو في المحل العام يحمل سلاحا ناريا ظاهرا فيسأله عما إذا كان لديه ترخيص بحمله فيجيب بالنفي، ذلك يعتبر تلبسا بجنحة حمل السلاح و لو استطاع المتهم فيما بعد أن يقدم الرخصة إذا لا يشترط في التلبس أن يثبت أن الواقعة التي اتخذت الإجراءات بالنسبة إليها متوافرة فيها عناصر الجريمة أو أن المتهم هو الذي قارفها و إذن القبض على هذا المتهم يكون صحيحا و تفتيشه، سواء لداعي مجرد القبض عليه أو للبحث عن أدلة مادية متعلقة بالجريمة كالخراطيش الخاصة بالسلاح الذي ضبط معه صحيح كذلك و متى كان التفتيش صحيحا فإن ضابط الشرطة القضائية الذي باشره يكون له بمقتضى القانون أن يضع يده على ما يجده في طريقه أثناء عملية التفتيش سواء في ذلك ما يكون متعلقا بالجريمة التي يعمل على كشف حقيقة أمرها أو بأية جريمة أخرى لم تكن وقت إذن محل بحث.
أما الضبط و هو عمل من أعمال التحقيق كالتفتيش و إن كان أهون منه على الناس في خطره فإنه يكون صحيحا على أساس التلبس إذا كان ما شوهد أثناء التفتيش تعد حيازته جريمة كالمخدر مثلا فإذا لم يكن إلا دليلا كشف عن جريمة سبق وقوعها فإن هذا الدليل يكون بمثابة بلاغ عنها يخول ضابط الشرطة القضائية أن ثبت حالة في محضر يحرره و يسير في التحري عنه ثم يتحفظ عليه مؤقتا حتى يقدمه لسلطة التحقيق المختصة بضبطه قانونا،ففي كل الأحوال يكون الاستدلال بالشيء المضبوط أثناء التفتيش الصحيح سائغا جائزا.
و قد يحدث أن يصاب شخص في حادث فينقل إلى المستشفى و في سبيل التعرف على شخصيته تفتش ملابسه ، فإذا عثر على مادة مخدرة أو جسم لجريمة نتيجة هذا التفتيش تكون الجريمة في حالة تلبس مادام أن إجراء التفتيش قد تم بوجه قانوني.
ب. اكتشافه عن طريق استخدام حيلة مشروعة:
أي أن يجيء التلبس عن طريق سعي من ضابط الشرطة القضائية، و لكنه سعي لا يخالف القانون و لا الاخلاق ، و مثال ذلك أن يصل إلى علم ضابط الشرطة القضائية أن شخصا يتاجر بالمخدرات و يبيعها للجمهور لمن يتقدم إليه فيتنكر ضابط الشرطة في زي مدني لكي يشترى منه قطعة من المخدر فيبيعه إياها فيضبطه بما يحمل من مخدرات.
و كذلك إذا تنكر ضابط الشرطة القضائية في زي عامل من عمال طلاء السيارات يشتري سلعة تموينية من شخص اشتهر عنه الاتجار في قوت الشعب فباعه بتلك السلعة بأزيد من السعر الرسمي كما يبيعها لغيره من العامة فضبطه عند إتمام عملية البيع.
ففي هاتين الحالتين لجأ ضابط الشرطة القضائية إلى حيلة التنكر بأزياء مدنية مستبدلين بها ملابسهم الرسمية و هذه حيلة لا تتعارض مع القانون أو الآداب أو الأخلاق في شــــيء.
جـ* اكتشاف التلبس أثناء القيام بإجراء صحيح:
و مثال ذلك أن يتوجه ضابط الشرطة القضائية لتفتيش مسكن شخص متهم في سرقة مجوهرات سواء كان ذلك في حالة تلبس صحيح قانونا، أو بناءا على أمر صادر من قاضى التحقيق أو النيابة العامة بالتفتيش بغرض البحث عن الحلي أو المجوهرات المسروقة فيعثر في منزل المتهم أثناء التفتيش على ساعة مسروقة في واقعة أخرى، أو يعثر على مواد مخدرة أو على سلاح ناري غير مرخص أو غير ذلك، فالتفتيش الذي أجراه ضابط الشرطة إجراء صحيح أصلا و حالات التلبس التي عرضت له تكون صحيحة و مشروعة و يترتب عليها مسؤولية صاحب المنزل عن كل جريمة جديدة متلبسا بها.
و إذا كان رجال البوليس المأذونين بتفتيش شخص و منزله و مقهاه، لما دخلوا المقهى قد شاهدوا شخصا غير وارد اسمه في إذن التفتيش عند بابه الخلفي يحاول الهرب ، فلحق به أحدهم و بحث خارج ذلك الباب فوجد على مقربة منه كيسا على الأرض به حشيش ففتشوا الشخص لاعتقادهم أن له ضلع في جريمة إحراز هذا الحشيش فعثروا معه على حشيش أيضا، فإن هذا التفتيش يكون صحيحا. لأن الحكم يكون قد أثبت أن جريمة إحراز المخدر كان متلبسا بها ، ذلك لأن التلبس بالجريمة لا يشترط فيه مشاهدة شخصا بعينه يرتكبها ، بل أنه يكفي مشاهدة الفعل المكون له وقت ارتكابه أو بعد وقوعه ببرهة يسيرة و لو لم يشاهد مرتكبه و لأن رجال الضبطية القضائية هم في أحوال التلبس بالجنح و الجنايات أن يقبضوا على كل من يقوم لديهم أي دليل على مساهمته في الجريمة كفاعل أو شريك و لو لم يشاهد وقت ارتكابها.
ثانيا: اكتشاف التلبس بطريق غير مشروع:
تتعدد صور السلوك الغير مشروع الصادر من ضابط الشرطة القضائية و ترجع عدم المشروعية إما إلى كون سلوكه يشكل جريمة ، أو تخلف بعض الشروط اللازمة لصحة العمل الذي باشره ، أو تعسفه في تنفيذ اختصاصاته القانونية ، أو منافاة سلوكه للأخلاق و الآداب العامة ، أو أن يكون سلوكه يعد تحريضا على ارتكاب الجرائم.
.أسباب عدم المشروعية:
أ - كشف التلبس من خلال سلوك يعد جريمة:
فقد يكون رجل السلطة العامة الذي كشف عن حالة التلبس جريمة في حد ذاته، كما لو باشر ضابط الشرطة القضائية قبضا و تفتيشا في غير الأحوال التي يرخص فيها القانون في ذلك كما لو قبض أحد رجال البوليس على شخص و هو سائر في الطريق و أجرى تفتيشه بمجرد الظن أو الاشتباه في أنه يحرز مخدرا، فإن هذا التفتيش الحاصل بغير إذن من النيابة العامة يكون باطلا لمخالفته لأحكام القانون ، فإذا كانت الواقعة هي أن المتهم عند رؤيته رجال البوليس أخرج ورقة من جيبه ووضعها بسرعة في فمه فلا تلبس في هذه الحالة ، لأن ما حوته تلك الورقة لم يكن بالظاهر حتى كان سيستطيع رجال البوليس رؤيته ، إذا كان رجال البوليس قد قبضوا على هذا المتهم و فتشوه فهذا القبض و التفتيش يكونان باطلين حتى و لو كان المتهم من المعروفين لدى المصالح الجنائية بالاتجار في المخدرات.
ب - تخلف بعض الشروط اللازمة لصحة العمل:
كذلك يتحقق سلوك غير المشروع حتى و لو كان ضابط الشرطة القضائية يباشر عملا قانونيا و لكن تخلفت بعض شروط صحته ، كما لو دخل ضابط الشرطة القضائية أحد المحال العامة (مقهى) لمراقبة تنفيذ القوانين ، فإن هذا الدخول يكون مبررا و لا يستلزم الحصول على إذن ، إلا أن هذا الدخول لا ينبغي أن يستطيل إلى الأماكن المتخذة سكنا ، ويقتصر هذا الدخول على أوقات العمل دون الأوقات التي تغلق فيها ، و ليس له استكشاف الأشياء المغلقة الغير الظاهرة ما لم يدرك ضابط الشرطة القضائية بأحد حواسه قبل التعرض لها مما يجعل أمر حيازتها أو إحرازها جريمة تبيح التفتيش ، و يكون عمله في هذه الحالة قائما على حالة التلبس لا على حق ارتياد المحال العامة.
جـ - تعسف ضابط الشرطة في تنفيذ اختصاصاته القانونية:
و نقصد به تلك الحالات التي يكون فيها ضابط الشرطة القضائية مخولا سلطة ما للقيام بإجراء قانوني أصلا و لكنه يسيء استعمال تلك السلطة أو ينحرف عنها و تنشأ عن ذلك الانحراف بالسلطة حالة تلبس جديدة بجريمة أخرى غير الجريمة الأولى التي كان يمارس الإجراء القانوني فيها ، و فيما يلي نقدم مثالين لحالتي تجاوز حدود السلطة و إساءة استعمالها.
إن يندب ضابط الشرطة لإجراء معين فيتجاوز حدود سلطته أي يتعداها إلى إجراء آخر و مثال ذلك: أن يكلف بتفتيش منزل شخص فيفتش المنزل ثم يفتش الشخص نفسه فإن عثر معه على شيء يكون جريمة فلا يعتد بالتلبس الأخير و العكس صحيح أي أن يكون مكلفا بتفتيش الشخص فقط فيفتشه ثم يفتش المسكن دون أن يكون مأمورا بالإجراء الأخير فيقع تفتيشه باطلا أيضا.
أن يتعسف ضابط الشرطة في استعمال سلطته: و مثال ذلك أن يكلف ضابط الشرطة القضائية بتفتيش مسكن شخص و تفتيش الشخص ذاته للبحث عن سلاح ناري استخدم في جناية قتل، فيجري ضابط الشرطة تفتيش حافظة نقود ذلك الشخص و يجد بها لفافة صغيرة فيفتحها فيجد بها قطعة من مادة مخدرة هنا يقع تفتيشه للمادة الموجودة باللفافة الصغيرة بداخل حافظة النقود باطلا لأنه تعسف في استعمال السلطة إذ لا يعقل من الناحية المنطقية وجود السلاح الناري الذي يبحث عنه بداخل اللفافة الصغيرة ، و قد قضى ببطلان هذا التفتيش لأنه تعسف في استعمال السلطة.
د - منافاة سلوك رجل الضبط للأخلاق والآداب العامة:
كذلك يعد سلوكا غير مشروع من جانب ضابط الشرطة القضائية اللجوء إلى وسيلة تتنافى مع الأخلاق و الآداب العامة لإثبات التلبس ، فإذا كان من المقرر أنه لا يجوز إثبات حالة التلبس بناءا على مشاهدات يختلسها رجال الضبط من خلال ثقوب أبواب المساكن لما في هذا المساس بحرمة المساكن و المنافاة للآداب و كذلك لا يجوز إثبات تلك الحالة بناءا على اقتحام المسكن فإن ذلك يعد جريمة في القانون فإذا كان الظاهر أن مشاهدة رجال الضبط للمتهمين وهم يتعاطون الأفيون بواسطة الحقن كانت من ثقب الباب ، و أن أحد الشهود احتال عليهم لفتح الغرفة التي كانوا فيها على هذه الحالة ثم اقتحمها رجال الضبط و ضبط المتهمين وتم تفتيشهم فعثر لديهم على مخدر فإن حالة التلبس لا تكون ثابتة و يكون القبض و التفتيش باطليـــــن.
و إذا كانت العلة في تجريم النظر من ثقوب الأبواب هي ما ينطوي عليه هذا العمل من انتهاك حرمة المكان ، فإن الفعل يصبح مباحا إذا كان لا ينطوي على هذا الانتهاك كما لو كان النظر من ثقب الباب تم بمعرفة من له صفة في المكان فإذا كان الثابت أن المكان الذي حصل فيه التفتيش لم يكن مسكنا للمتهم بل هو المحل المخصص لعمل القهوة بديوان البوليس، فإن الشرطي الذي نظر خلال ثقب بابه لم يكن يقصد التجسس على من به إذ لم يكن يعرف أن المتهم مختبئ فيه ، بل كان يستطلع سبب الضوء المنبعث منه ، فرأى المتهم مشتغلا بعد كربونات الكيروسين المسروقة ، فإن حالة التلبس تكون قائمة و التفتيش يكون صحيحا.
كذلك يعد النظر من ثقب الباب مشروعا إذا تم بموافقة من له الصفة في المكان إذ أن الرضا الصادر عمن له الصفة في المكان يعتبر في هذه الحالة سبب إباحة ينفي عن فعل ضابط الشرطة وصف الجريمة و يضفي المشروعية على اكتشاف حالة التلبس.
كذلك لا يصح إثبات التلبس من خلال التصنت ما لم يكن لا ينطوي على معنى الجاسوسية تطبيقا لذلك قضى بأنه متى كان الثابت أن الضابط و زميله إنما انتقلا إلى محل المجني عليه و استخفيا فيه بناءا على طلب صاحبه ليسمعا إقرار المتهم بأصل الدين و حقيقة الفائدة التي حصل عليها في القرضين ، فإنه لا يصح أن يعاب التسمع هنا بالنسبة لرجل البوليس منافاة الأخلاق لأن من مهمة البوليس الكشف عن الجرائم للتوصل إلى معاقبة مرتكبيها.
كذلك تتوافر حالة التلبس بتسمع عضوي الرقابة الإدارية للحديث الذي دار بين المتهم و بين الموظف المبلغ في مسكن هذا الأخير و رؤيتهما واقعة تسليم مبلغ الرشوة من خلال ثقب باب حجرة الاستقبال ، مادامت تلك الحالة قد جاءت عن طريق مشروع و هو دعوة الموظف عضوي الرقابة إلى الدخول إلى منزله و تسهيله لهما رؤية الواقعة توصلا إلى ضبط مقارفهما، بما لا منافاة فيه لحرية شخصيته أو انتهاك لحرمة المسكن.
هـ - سلوك مأمور الضبط تعد تحريضا على ارتكاب الجرائم:
فالمشروعية هي السمة التي يجب أن تتوافر في سلوك مأمور الضبط القضائي عند إثبات التلبس ، على أن أظهر حالات عدم المشروعية هي التحريض الواقع من رجل السلطة العامة لارتكاب جريمة لضبط مرتكبها في حالة تلبس ، فالقضاء لا يقر التدخل الواقع من ضابط الشرطة القضائية في صورة تحريض على الجريمة بهدف ضبطها ، ذلك أن عمل رجل البوليس يجب أن يقتصر على منع الجريمة ، فإن أخفق في ذلك فعليه عبء ضبطها ، و ليس له في سبيل ذلك أن يحرض على ارتكابها.
و يعد سلوك ضابط الشرطة القضائية تحريضا إذا كان ينطوي على خلق حالة التلبس و يكون ذلك بتعارض هذا السلوك مع القانون في نصوصه وروحه.
و يلاحظ أنه لا أهمية للباعث الذي دفع رجل الضبط إلى التحريض ، لأن هذا السلوك يتعارض مع الواجبات الأدبية لوظيفة الضبط القضائي كما يتعارض هذا السلوك مع الالتزام بالاستقامة ، ذلك الالتزام الذي يفرضه القانون على رجال الضبطية القضائية عند بحثهم عن الجرائم ، و من أمثلة ذلك أن يتظاهر رجال الضبط بأنه يعتزم أن يستغل ما لديه من رأس مال في الاتجار الغير المشروع بالعملة و يلجأ إلى أحد الأشخاص المشهور عنهم تهريب النقد و يمدهم بالمال اللازم لتهريبه للخارج لعقد الصفقة ثم بضبطه بعد إتمام تلك الصفقة ، و يصدق المثال على تمويل المجرمين لعقد صفقات لتهريب المواد المخدرة ، و قد يستخدم رجال الضبط أموال الدولة في هذه المحاولات إذا كانت الأموال العامة تحت يده للإنفاق منها في وجوه معينـــة.
و لا شك أنه لا يعتد بالتلبس في مثل هذه الحالات التي يكون فيها وليد التحريض من جانب رجال الضبط على ارتكاب الجرائم إذ لولا تحريضه ولولا مساعدته للمجرمين بتقديم المال لما ارتكبت هذه الجرائم.
هل يعد تحريضا التحايل على اكتشاف الجرائم؟
هناك فارق بين التحريض على ارتكاب الجريمة و التحايل على اكتشافها، فالأول يؤدي إلى وقوع الجريمة كأثر له ، أما الثاني فهو يهدف إلى كشف أمر جريمة ارتكبت بالفعل لذلك فإن القضاء أقر مشروعية الثاني دون الأول.
فاعتبر القضاء تحايلا على كشف الجريمة و من ثم مشروعية هذا السلوك.
المطلــب الرابـع : خصــائص التلبـــس :
يتميز التلبس كنظام قانوني بمجموعة من الخصائص التي تميزه عن النظم القانونية الأخرى ، و قد سبق لنا أن تعرضنا لسمات ثلاث له هي: حصر حالات التلبس ، جواز إدراك التلبس بأي حاسة من الحواس ، سلطة قاضي الموضوع في القول بتوافر إحدى حالات التلبس أو انتقائها لذلك سنتعرض لبقية هذه السمات:
* الفرع (01) : الطابع العيني للتلبس:
يقصد بذلك أن التلبس وصف ينصرف إلى الجريمة لا إلى شخص مرتكبها ، و هو ما عبر عنه المشرع الجزائري بقوله" توصف الجناية أو الجنحة بأنها في حالة تلبس"و ما دام الأمر كذلك فإنه متى توافرت إحدى حالات التلبس بالجريمة كان لضابط الشرطة القضائية الذي أدرك وقوعها القبض على كل من يقوم دليل على مساهمته فيها و تفتيشه بغير إذن النيابة يستوي في ذلك من يشاهد و هو يرتكب الفعل المكون للجريمة أو من يتبين مساهمته فيها و هو بعيد عن محل الواقعة.
فإذا استصدر ضابط الشرطة إذن من النيابة بضبط متهم حكم بإدانته و تفتيشه فقام بهذا الإجراء فوجده يحرز مادة مخدرة ، وإن هذا المتهم دله على شخص آخر-هو المطعون ضده- باعتباره مصدر هذه المادة و البائع لها ، فإن انتقال الضابط إلى مكان هذا الشخص وتفتيشه بإرشاد المتهم الآخر يكون إجراء صحيحا في القانون ذلك لأنه بضبط المخدر مع المتهم الآخر تكون جريمة إحرازه متلبسا بها مما يتيح لرجل الضبطية القضائية الذي شاهد وقوعها أن يقبض على كل من يقوم لديه دليل على مساهمته فيها و أن يفتشه.
*الفرع (02): انصراف التلبس الى ما يدل على توافر الركن المادي للجريمة:
فالتلبس كما ذكرنا يتعلق باكتشاف الجريمة، و مادام الأمر كذلك فلا بد من وجود ماديات يستدل بها على وقوع الجريمة ، ولا يشترط في هذه الماديات أن تكون الركن المادي للجريمة بل يكفي أن تحمل على الاعتقاد بتحقيق الركن المادي للجريمة في أحد عناصره، فيستوي تعلقها بالفعل أو النتيجة.
و تفصيل ما سبق أن اشتراط انصراف التلبس إلى الركن المادي كما ذهب إلى ذلك رأي في الفقه لا يتوافر من وجهة نظرنا إلا بالنسبة للحالة الأولى و الثانية من حالات التلبس بالجريمة حيث يدرك ضابط الشرطة الركن المادي للجريمة وقت تنفيذه ، أما ما عدا ذلك من حالات فلا يتوافر فيه هذا الإدراك في الغالب - و الدليل على ذلك - أن التتبع المقترن بالصياح ليس هو الفعل أو النتيجة الإجرامية في جريمة القتل أو السرقة مثلا كذلك فإن حالة الفزع التي انتابت شخصا في أعقاب إطلاق عيار ناري عليه أخطأه...
- و مشاهدة ضابط الشرطة حالة الفزع - ليست هي الفعل في جريمة الشروع في القتل ، كذلك فإن حمل شخص سكينا ملوثة بالدماء بعد ارتكابه لجريمة القتل- و دون رؤية ضابط الشرطة فعل القتل أو جثة المجني عليه- لا يمكن اعتباره فعل القتل أو النتيجة الإجرامية.
ففي الحالات السابقة جميعها- ما عدا الحالة الأولى و الثانية من حالات التلبس- لم ينصرف التلبس إلى عناصر الركن المادي للجريمة ، و إنما انصرف إلى مظاهر خارجية ، لا تعد جزءا من الركن المادي و إن كانت مرتبطة به لدلالتها على وقوعها كأثر لكفايتها.
و متى شاهد ضابط الشرطة تحقق الركن المادي للجريمة أو تحقق أحد عناصره أو شاهد المظاهر التي تدل على وجوده تحققت بذلك حالة التلبس في إحدى صورها ، و جاز له مباشرة الإجراءات المترتبة عليها دون حاجة إلى التحقق من العناصر الأخرى للجريمة..
*الفرع (03): انصراف التلبس إلى الجريمة التي توافرت لها إحدى حالاته:
متى توافرت حالة التلبس بالجريمة اقتصر هذا الوصف على الجريمة التي وجدت في إحدى الحالات المنصوص عليها في المادة 41 ق.إ.ج ، و يترتب على ذلك أن هذا الوصف لا يمتد لأي جريمة أخرى لم تتوافر لها إحدى حالات التلبس بالجريمة و لو كانت الجريمة الأخرى مرتبطة بالجريمة المتلبس بها ، و من ثمة لا يجوز لضابط الشرطة مباشرة إجراءات التحقيق المخولة له استثنـاء بالنسبة للجريمة المرتبطة بالجريمة المتلبس بها ذلك أن التلبس نظام استثنـائي مما يقتضي مباشرة السلطات المترتبة عليه في نطاق الجريمة التي وجدت في إحدى حالاته دون غيرها.
و يلاحظ أنه بالنسبة للجرائم المستمرة تظل حالة التلبس قائمة ما بقيت حالة الاستمرار، و يجوز خلال الوقت الذي تستمر خلاله الجريمة اتخاذ الإجراءات التي يجيزها التلبس ، و يرجع ذلك إلى أن هذا النوع من الجرائم يكون تنفيذه قابلا للامتـداد في الزمن كما
أراد فاعلها ذلك ، و من أمثلة هذه الجرائم جريمة استعمال محرر مزور " فهي جريمة مستمرة تبد أ بتقديم الورقة و التمسك بها و تبقى مستمرة ما بقي مقدمها متمسكا بها ، و لا تبدأ مدة سقوط الدعوى إلا من تاريخ الكف عن التمسك بها أو التنازل عنها- و لو ظلت في يد الجهة المستعملة أمامها- أو من تاريخ صدور الحكم بتزويرها ، و جريمة إحراز مواد مخدرة ، وجريمة سرقة تيار كهربائي و جريمة إحراز سلاح بدون ترخيص ، لذا قضى بأن متى كانت جريمة إحراز السلاح متلبسا بها ، فإن هذا يجيز لضابط الشرطة القبض على الجاني و تفتيشه في أي وقت و في أي مكان مادامت حالة التلبس قائمة و لا تصح مطالبة القائم بالتفتيش بالوقوف فيه عند انقضاء وقت معين أو عند العثور على شيء معين و من ثمة فإن الدليل المستمد من هذا التفتيش يكون صحيحا.
المبحث الثاني: السلطات الإستثنائية لضابط الشرطة القضائية في حالات التلبس
.السلطات الاستثنائية لضابط الشرطة القضائية في حالات التلبس:
منحت المواد من 42 الى 62 من قانون الإجراءات الجزائية لضابط الشرطة القضائية في أحوال التلبس قسطا كبيرا من إجراءات التحقيق استثناءا هي في واقع أمرها من أهم الآثار القانونية التي تترتب على حالات التلبس بالجريمة ، لأن حالة التلبس كثيرا ما تلقي الذعر في نفوس أفراد المجتمع ، و يكون من الصالح العام الإسراع باتخاذ إجراءات الضبط فيها و بحسب نصوص التشريع الجزائري تنحصر تلك السلطات الاستثنائية فيما يلي :
• واجباته المتمثلة في كل من إخطار وكيل الجمهورية و الإنتقال فورا للمعاينة و سماع أقوال الشهود وندب الخبراء و الإستعانة بالأشخاص المؤهلين .
• سلطتــه في الإستيقـاف و القبـض .
• سلطته في التحفظ على الحاضرين و الشهود بمسرح الجريمة من ضبط المشتبه فيه والأمر بعدم المبارحـة .
• سلطتـه في التوقيـف للنظــر .
• سلطتــه في التفتيــش .
المطلــب الأول : واجبات ضابط الشرطة القضائية في حالة التلبس :
الفرع (01) :- إخطار وكيل الجمهورية و الانتقال فورا للمعاينة:
تطبيقا لما نصت عليه المادة 42 من ق.إ.ج " يجب على ضابط الشرطة القضائية الذي بلغ بجناية في حالة التلبس أن يخطر بها وكيل الجمهورية على الفور ثم ينتقل بدون تمهل إلى مكان الجناية و يتخذ جميع التحريات اللازمة و عليه أن يسهر على المحافظة على الآثار التي يخشى أن تختفي" . والمقصود بالسهرعلىالآثار التحفظ عليها وعدم تمكين أحد أو السماح لأي شخص بتغيير معالم مكان وقوع الجريمة حيث تنص المادة 43 ق إ ج" يحظر في مكان ارتكاب جناية على كل شخص لا صفة له، أن يقوم بإجراء أي تغيير على حالة الأماكن التي وقعت فيها الجريمة أو ينزع أي شيء منها قبل الإجراءات الأولية للتحقيق القضائي ، و إلا عوقب بغرامة من 200 إلى 1000 دينار جزائري" و يتحتم على ضابط الشرطة القضائية أن يعرض الأشياء المضبوطة على الأشخاص المشتبه في مساهمتهم في الجناية للتعرف عليهم و ذلك تطبيقا للفقرة الأخيرة من المادة 42 التي تنص على :" و أن يعرض الأشياء المضبوطة على الأشخاص المشتبه في مساهمتهم في الجناية للتعرف عليها"
و هذه الواجبات و إن كانت هي بعينها التي يقوم بها عادة ضابط الشرطة القضائية في حالة وقوع جناية أو جنحة في غير حالات التلبس ، إلا أن الفارق بين حالة التلبس و غيرها أن الانتقال و المعاينة و إخطار النيابة بالواقعة قد أمر به المشرع على سبيل الوجوب و نص على الإلزام بالقيام بها بصفة فورية عاجلة ، فهي إذن ليست اختيارية لضابط الشرطة كما هو الحال في غير حالات التلبــس.
و يترتب على هذا الإلزام أن ضابط الشرطة القضائية يسأل إداريا عن التمهل أو التأخير في الانتقال لضبط الواقعة و كذلك عند عدم إخطار وكيل الجمهورية بوقوع الجريمة في حيينها أو مجرد التراخي أو التأخير في ذلك الإخطار و من باب أولى يسأل ضابط الشرطة عن امتناعه عن تلقي بلاغ التلبس أو امتناعه عن ضبط الواقعة.
الفرع (02) : سماع أقوال الشهــود :
تطبيقا لأحكام المادة 50 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري " يجوز لضابط الشرطة القضائية منع أي شخص من مبارحة مكان الجريمة ريثما ينتهي من إجراء تحرياته"
و لما كانت تلك المادة توجب على كل شخص أن يمتثل لأوامر ضابط الشرطة القضائية في كل ما يطلبه منه بشأن التعرف على هويته أو التحقق من شخصيته كلما كان ذلك ضروريا في مجرى جمع الاستدلالات القانونية و تقضي الفقرة من هذه المادة " كل من خالف أحكام الفقرة السابقة يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز 10 أيام و بغرامة 500دج" و من الطبيعي أن المحكمة هي التي توقع هذه العقوبة بناءا على ما يثبته ضابط الشرطة القضائية في محضره ليس هذا فحسب بل إن الفقرة الأولى من المادة 51 من قانون الإجراءات الجزائرية " إذا رأى ضابط الشرطة القضائية لمقتضيات التحقيق ، أن يوقف للنظر شخصا أو أكثر ممن أشير إليهم في المادة 50 ، فعليه أن يطلع فورا وكيل الجمهورية و يقدم له تقريرا عن دواعي التوقيف للنظر"
أي تجيز لضابط الشرطة القضائية أن يحتجز تحت المراقبة شخصا أو أكثر من شهود الحادث إذا كانت مقتضيات التحقيق تتطلب ذلك على أن لا تتجاوز مدة الحجز 48 ساعة و هذا ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 51 من ق إ ج.
و نلاحظ أن هذه السلطة ليست قاصرة على حالات التلبس بجناية فقط بل كذلك في التلبس بجنحة عقوبتها الحبس كما سبق القول تطبيقا للمادة 55 قانون إجراءات الجزائية أما في غير حالات التلبس فلا يملك ضابط الشرطة القضائية أن يأمر بإحضار شاهد أو حجزه و كل ما له هو أن يستدعيه للحضور لأخذ معلوماته فإذا امتنع يثبت ضابط الشرطة القضائية ذلك في محضره و له أن يستصدر أمرا بضبطه و إحضاره من قاضي التحقيق أو وكيل الجمهورية عند الاقتضاء.
الفرع (03) : ندب الخبراء و الإستعانة بالأشخاص المؤهلين :
تتضمن أحكام المادة 49 من قانون أ ج ج:" إذا اقتضى الأمر إجراء معاينات لا يمكن تأخيرها فلضابط الشرطة القضائية أن يستعين بأشخاص مؤهلين لذلك.
و على هؤلاء الأشخاص الذين يستدعيهم هذا الإجراء أن يحلفوا اليمين كتابة على إبداء رأيهم بما يمليه عليهم الشرف و الضمير" و من هنا نرى أن انتداب الخبراء في هذه الحالة (تلبس)، خاضع لتقدير ضابط الشرطة القضائية و معياره سرعة اتخاذ الإجراء ، و بذلك يختلف الأمر عن سلطته العادية في غير حالات التلبس إذ تكون سلطته في الاستعانة بالخبراء متوقفة على رضا صاحب الشأن سواء كان رضا صريحا أو فنيا على ما سبق بيانه و معنى ذلك أنه إذا كان الإجراء المطلوب انتداب الخبير من أجله، لا يتطلب السرعة في اتخاذه فإن على ضابط الشرطة القضائية أن يترك ذلك للمحقق الأصلي.
المطلـب الثاني:
سلطة ضابط الشرطة القضائية في الإستيقاف و القبض :
الفرع (01) : الإستيقاف بغرض تحقيق الهويـة :
الإستيقاف إجراء بوليسي الغرض منه تحقيق هوية المستوقف الذي يشك في أمره ، وهو إجراء يخوله القانون لرجال السلطة العامة بوجه عام ، ومن باب أولى يخول لرجل الضبطية القضائية، و هو إجراء يعرف بأنه إيقاف الشخص في الطريق لتوجيه أسئلة إليه عن إسمه و عنوانه و وجهته أو هو إجراء يخول لرجل السلطة العامة عند الشك في أمر عابر السبيل لأسباب معقولة سواء كان راجلا أو راكبا ، و يشترط صحته أن يضع الشخص المستوقف نفسه موضع الشبهات و الريب طواعية واختيارا بأن ينبىء هذا الوضع عن ضرورة تدخل رجل السلطة للكشف عن حقيقة أمره ، و هو إجراء – أي الإيقاف – لا يتضمن بهذا المفهوم مساسا بحرية المستوقف أي أنه لا يعتبر إعتداء أو تعرض لها .
لم ينظم ق.إ.ج الإستيقاف بنصوص صريحة و واضحة ، إلا أنه أعمالا للقواعد العامة التي لاتمنع رجل السلطة العامة – الشرطة الإدارية – في عمله الوقائي من إستيقاف من يضع نفسه طواعية موضع الشبه و الريب ، أو أن يعجز المستوقف عن إثبات هويته مثلا مما يتطلب إقتياده الى أقرب مركز الشرطة أو الدرك للتأكد من هويته ، فيستوقفه بسؤاله عن إسمه و عنوانه و وجهته ، إذا دعت الضرورة لذلك و استخلاصا كذلك من بعض النصوص كالمادتين 61 ، 50 المتعلقتين بضبط المشتبه فيه والأمر بعدم مبارحته مكان إرتكاب الجريمة .
الفرع (02) : القبــــــض :
القبض على الأفراد هو إجراء يتم بموجبه إمساك شخص المشتبه فيه لفترة محددة تمهيدا لتقديمه لوكيل الجمهورية لإتخاذ ما يراه بشأنه أو هو تقييد حرية المشتبه فيه و اقتياده الى وكيل الجمهورية ، و القبض بهذا المفهوم هو حرمان المشتبه فيه من حرية التجول و التنقل فترة من الوقت بإبقائه في مركز الشرطة أو الدرك تمهيدا لتسليمه للجهة المختصة ، فهو إجراء خطير ينطوي على مساس كبير بالحرية الفردية ، الشيء الذي دفع بالمشرع الدستوري الى النص في المادة 32/01 " الحريات حقوق الإنسان و المواطن مضمونة " و تنص المادة 34/01 منه "تضمن الدولة عدم انتهاك حرية اإنسان " و تنص المادة 35 منه " يعاقب القانون على المخالفات المرتكبة ضد الحقوق و الحريات و على كل ما يمس سلامة الإنسان البدنية و المعنوية" ثم أكدت المادة 47 على أن القبض حالة إستثنائية لا يجوز إلا في الحدود التي يسمح بها القانون و وفقا للأشكال المحددة فيه ، فتنص على أنه " لا يتابع أحد و لا يوقف أو يحتجز إلا في الحالات المحددة بالقانون و طبقا للأشكال التي نص عليها " إلا أن المشرع أغفل تنظيم القبض ولكن نظمه في مرحلة التحقيق في المادة 120 من ق.إ.ج بواسطة ضابط الشرطة القضائية في حالات التلبس ، فما ترك المجال واسعا للرأي لتحديد المصدر القانوني للقبض ، فقد ذهب جانب من الفقه الى أن مصدره هو المادة 61 من ق.إ.ج وهي المتعلقة بحق عامة الناس في إقتياد المتلبس بالجريمة الى أقرب مركز للشرطة أو الدرك ، و اعتمد آخرون نص المادة 120 من ق.أ.ج حيث اعتمد طرف ثالث على نص المادتين 51 و 61 من ق.أ.ج ونعتقد أن المصدر القانوني للقبض رغم عدم تنظيم المشرع له صراحة هو نص الفقرة الرابعة من المادة 51 من ق.أ.ج التي تنص على " و إذا قامت ضد شخص دلائل قوية و متماسكة من شأنها التدليل على اتهامه . فيتعين على ضابط الشرطة القضائية أن يقتاده الى وكيل الجمهورية دون أن يقبض لديه أكثر من 48 ساعة " و تسند الى ذلك على الآتي :
أ- أن المادة 61 من ق.أ.ج : تتعلق بسلطة مقررة لعامة الناس في ضبط المشتبه فيه بإرتكاب الجريمة جناية أو جنحة متلبس بها و اقتياده الى أقرب مركز الشرطة أو الدرك ، و يجوز لرجل السلطة العامة من باب أولي الضبط و الإقتياد ليس قبضا لعدم توافر مبرراته القانونيـــة.
ب- أن المادة 120 من ق.أ.ج : تتعلق بالقبض كإجراء من إجراءات التحقيق التي يقوم بها قاضي التحقيق ، حيث أنها وردت في القسم السادس المتعلق بأوامر القضاء و تنفيذها من الفصل الأول من الباب الثالث المعنون بـ " في جهات التحقيق " و هي إجراءات بصفة عامة ينص عليها القانون بإعتبارها من إختصاص قاضي التحقيق وحده فلا يجوز إعتمادها للقول بإختصاص ضباط الشرطة القضائية للقبض على الأفراد .
جـ - أ ن المادة 120 من ق.إ.ج : تنص على أنه " يساق المتهم المقبوض عليه بمقتضى أمر قبض بدون تمهل الى مؤسسة إعادة التربية المبينة في أمر القبض " و هذا يعني أن المقبوض يودع في مؤسسة عقابية ، في حين أن القبض المخول لضابط الشرطة القضائية لا يسمح لهم بغير إقتياده أمام وكيل الجمهورية ، بالإضافة الى أن الضابط ليس من إختصاصه أن يودع المشتبه فيه في مؤسسة عقابية .
د – أن المشرع الجنائي لا يمكنه أن ينظم موضوعا واحدا كالقبض بواسطة ضابط الشرطة القضائية بنصين مختلفين من حيث المضمون و محتوى المادتان 51 و 61 من ق.أ.ج فتعمد معا لتقرير الحق في القبض لأن المادة 51/4 من ق.أ.ج تنظم القبض ، و المادة 61 تنظم الإقتياد الى أقرب مركز للشرطة أو الدرك .
هـ - إنه لا يمكن تنظيم التوقيف للنظر في إطار واحد و بمادة واحدة مرتين و بطريقة تختلف في واحدة منها في الأخرى حيث تنص المادة 51/1 من ق.أ.ج على التوقيف للنظر و تنص الفقرة الرابعة على التوقيف للنظر أيضا . ففي الأولى يقرر لمجرد أن مقتضيات التحقيق تستدعي إتخاذه و الثانية تتطلب أن تتوافر في حق المراد إحتجازه "الدلائل القوية و المتماسكة" و وجوب الإقتياد أمام وكيل الجمهورية ، و عليه يقتضي توافر الشروط التالية :
- أن تكون هناك جريمة متلبس بها طبقا للمادة 41 من ق.أ.ج جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبــس .
- أن تقوم في حق المشتبه فيه دلائل قوية و متماسكة من شأنها الدليل على إتهامه و هي تعني الإطارات التي يدل ثبوتها على توافر العناصر تكفي سندا للإتهام ، و بالتالي القبض على المشتبه فيه أو هي تلك الشبهات التي تسند الظروف الواقعة تؤدي للإعتقاد نسبة الجريمة له ، أن يتم القبض على المشتبه فيه بواسطة ضابط الشرطة القضائية لأن قواعد الإختصاص الإستثنائي تخولها للضباط وأما دور أعوان الضبط القضائي سوى المساعدة أو المعاونة في مباشرة الإجراءات .
- أن لا يحجز ضابـط الشرطة القضائية المشتبه فيه في مركز الشرطة أو الدرك أكثر من 48 ساعــة .
الفرع (03) : التفرقة بين القبــض و الإستيقــاف
- القبض هو الحد من الحرية الشخصية بحيث لا يترك للشخص الحرية فيها يفعله و لو تطلب الأمر استعمال القوة عند اللزوم ، أما إستيقاف الشخص فهو لا يبيح في ذاته إستعمال القوة معه و إنما ينحصر في مجرد إيقافه في الطريق لسؤاله عن إسمه و صنعته و عنوانه ووجهته بسبب مشاهدة هذا الشخص في وضع تحيطه الريبة و الشبهات و ينبىء عن ضرورة تستلزم تدخل رجل السلطة العامة للكشف عن حقيقته .
- والإستيقاف جائز دائما لرجال السلطة العامة و لو لم يكونوا من مأموري الضبط القضائي و ذلك بخلاف القبض الذي لايجوز إلا من طرف رجال الضبط القضائي و في الحالات التي وردت بالقانون على سبيل الحصر .
وإذا كان القبض على المتهم - متى كان جائزا يجيز تفتيشه - فإن إستيقاف الشخص لا يسمح في ذاته بتفتيشه ، على أنه إذا أسفر الإستيقاف تلبس بجريمة جاز لمأمور الضبط القضائي حينئذ القبض على المتهم و تفتيشه إستنادا الى حالة التلبس .
و تطبيقا لذلك جرى قضاء النقض على أنه إذا استوقف مأمور الضبط القضائي شخصا رابه أمره فتخلى هذا الشخص إثر الإيقاف عن شيء كان في حيازته ثم اتضح لمأمور الضبط القضائي أنه جسم الجريمة أعتبرت هذه الجريمة في حالة التلبس فيجوز القبض على المتهم و تفتيشه .
و يلاحظ أن الإستيقاف قد يتطلب التحري عن الشخص أكثر تفصيلا لذلك فإن إقتياده الى مركز الشرطة للتحري عن شخصية لا يعتبر قبضا و إنما من مستلزمات الإيقاف .
فالإستيقاف يتحقق إذن بوضع الشخص نفسه طواعية و اختيارا في موضع شبهة أو ريبة ظاهرة بما يستلزم تدخل رجل السلطة للكشف عن حقيقة أمــره .
المطلـب الثالث:
سلطة ضابط الشرطة القضائية في التحفظ على الحاضرين و
الشهود بمسرح الجريمة :
الفرع (01) : - ضبــط المشتبــه فيه :
ضبط المشتبه فيه هو التعرض المادي لشخصيته بتقييد حريته و اقتياده الى أقرب مركز الشرطة أو الدرك . وهو إجراء يجوز أن يقوم به عامة الناس أو رجال السلطة العامة ، تنص المادة 61 من ق.إ.ج " يحق لكل شخص في حالات الجناية أو الجنحة المتلبس بها والمعاقب عليها بعقوبة الحبس ، ضبط الفاعل و اقتياده الى أقرب ضابط الشرطة القضائية " والضبط والإقتياد بهذا النص يشترط السماح به لعامة الناس أو رجال السلطة العامة من باب أولى ما يلي:
1. يجب أن تكون هناك جناية أو جنحة متلبس بها وفقا للتحديد القانوني في المادتين 41 و 55 من ق.إ.ج .
2. يجب أن ينصب الضبط و الإقتياد على التلبس بالجريمة و تقديمه الى أقرب ضابط الشرطة القضائية .
3. إن ضبط المشتبه فيه و اقتياده لا يخول القائم به سلطة تفتيش المشتبه فيه تفتيشا قانونيا يرتب آثاره القانونية إلا أن هذا لا يمنع أن يكون هذا التفتيش وقائيا بغرض نزع سلاح المشتبه فيه مثلا منعا لإمكانية مقاومته والإعتداء على من يقوم بالضبط والإقتياد.
و ضبط المشتبه فيه بهذا المفهوم يختلف عن الإستيقاف لغرض تحقيق الهوية ، الذي يكفي فيه أن يضع الموقوف نفسه طواعية محل الشبهة و الريبة فلا يتعلق ابتداء بإرتكاب جريمة متلبس بها أو غير متلبس بها ، في حين أن الضبط و الإقتياد يشترط فيها ارتكاب جريمة متلبس بها جناية أو جنحة .
الفرع (02) : - الأمـــر بعـدم المبارحــة :
تنص المادة 50/1 من ق.إ.ج على أنه " يجوز لضابط الشرطة القضائية منع أي شخص من مبارحة مكان الجريمة ريثما ينتهي من إجراء تحرياته .
وعلى كل شخص يبدو له ضروري في مجرى استدلالاته القضائية و التعرف على هويته أوالتحقيق من شخصيته أن يمتثل له في كل ما يطلبه من إجراءات في هذا الخصوص ".
فالأمر بعدم المبارحة إذن هو أمر يوجهه الضابط لشخص أو مجموعة أشخاص متواجدين في مكان ارتكاب الجريمة بعدم مبارحتها للمكان ، تمكينا له من القيام بمهمته بعين المكان ، لتحقيق الوقائع و الكشف عن الحقيقة فهو بهذا المفهوم صورة للإستيقاف ، لأنه إذا كان هذا الأخير يجوز لعامة الناس فمن باب أولى أنه يجوز لضابط الشرطة القضائية و لجميع رجال السلطة العامة سواء كانوا من رجال الضبط الإداري أو الضبط القضائي . إن الأمر بعدم المبارحة لمكان ارتكاب الجريمة يعتبر وسيلة للتعرف على هوية المتواجدين به و التحقق منها ، وهو اجراء مخول لضابط الشرطة القضائية دون الأعوان بتوافر الشروط التالية :
1. أن تتوفر حالة من حالات التلبس الواردة في المادة 41 من ق.إ.ج .
2. أن يتواجد المأمور بعدم مبارحته المكان على مكان الجريمة لأن غيره لا يمكن أمره بذلك ولايجوز للضابط الأمر بإحضاره لعدم إختصاصه بذلك .
3. أن يكون الغرض من الأمر بعدم المبارحة هو التعرف على هوية المتواجدين في مكان ارتكاب الجريمة و التحقق منها .
4. أن يكون الغرض من تمكين الضابط من سماع أقوال المتواجدين أو الحاضرين وجمع المعلومات بأن الجريمة المتلبس بها ، فلا يجوز له مثلا أن يستعمل القوة والإجبار لحمل الحاضرين على عدم مبارحة مكان ارتكاب الجريمة ، لأن القانون و حرصا منه على تحقيق الغاية من الأمر بعدم المبارحة فقد قرر للضابط جواز تحرير محضر بالمخالفة المرتكبة و تقديمه للسلطة المختصة لتوقيع الجزاء الذي يقرره القانون فنصت المادة 50/03 من ق.إ.ج " و كل من خالف أحكام الفقرة السابقة يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز 10 أيـام و بغرامة 500 د.ج ."
و المستخلص من حكم المادة 51/01 من ق.إ.ج و التي تبرز من خطورة هذا الإجراء على الحريات الفردية أي أنه الأمر بعدم المبارحة يمكن إتخاذه على مواجهة أي شخص تواجد بمكان ارتكاب الجريمة سواءا كان مشتبه فيه له صلة على ارتكاب الجريمة موضوع البحث أو لم تكن له أية صلة بها فتواجد بها بالصدفة هناك حيث يجري للضابط على أن يضع على التوقيع للمراقبة كل من يأمره بعدم مبارحة مكان ارتكاب الجريمة من دعت له مقتضيات التحقيق ذلك .
المطلـب الرابع: - سلطة ضابط الشرطة القضائية في التوقيف للنظـر :
الفرع (01) : - تعريف التوقيـف للنظر :
و يعرف أيضا بالتحفظ على الأفراد و هو إجراء بوليسي يأمر به ضابط الشرطة القضائية بوضع الشخص المراد توقيفه في مركز الشرطة أو الدرك لمدة 48 ساعة كلما دعت مقتضيات التحقيق ذلك و قد أضفى المشرع على هذا الإجراء طابعا دستوريا ، إذ نص عليه على المادة 48 من الدستور " يخضع التوقيف للنظر في مجال التحريات الجزائية للرقابة القضائية ولا يمكن أن يتجاوز مدة 48 ساعة " و نظمته المادة 51 في فقراتها 5،4،3،2،1 من ق.إ.ج فنصت الأولى " إذا رأى ضابط الشرطة القضائية لمقتضيات التحقيق أن يوقف للنظر شخصا أو أكثر ممن أشير إليهم في المادة 50 من ق.إ.ج فعليه أن يطلع فورا وكيل الجمهورية بذلك و يقدم له تقريرا عن دواعي التوقيف للنظر و لايجوز أن تتجاوز مدة التوقيف للنظر 48 ساعة " و يجب على ضابط الشرطة القضائية أن يضع تحت تصرف الشخص الموقوف للنظر كل وسيلة تمكنه من الإتصال فورا بعائلته و من زيارتها له و ذلك مع مراعاة سرية التحقيق والتحريات ، والتوقيف للنظر إن كان يستجيب لمتطلبات البحث والتحري عملا للوصول الىالحقيقة المنشودة بتطبيق القانون و توقيع العقاب على مرتكب الجريمة متى كان مذنبا ، فإنه ونظرا للتعرض لحرية الأفراد فقد قيده المشرع بمجموعة قيود تعتبر ضمانات للحرية الفردية .
الفرع (02) :
القيود المقررة على سلطة ضابط الشرطة القضائية في التوقيف للنظر:
اذا كان يجوز لضابط الشرطة القضائية أن يوقف تحت النظر شخص يرى أن مقتضيات التحقيق تستدعي هذا الأمر سواءا كان هذا الشخص المراد وضعه تحت النظر ممن ساهم في الجريمة بإعتباره فاعلا أوشريكا أو كان أي شخص آخر دفعت به الصدفة الى التواجد بمكان ارتكاب الجريمة المتلبس بها فإنه يجب عليه أن يلتزم بالقيود التالية :
1. مدة الحجـز 48 ساعـة : لايوقف للنظر شخص لمدة تزيد عن 48 ساعة حسب نص المادة 51/02 من ق.إ.ج " . . . ولايجوز أن تتجاوز مدة التوقيف للنظر 48 ساعة " وقد سكت المشرع عن تحديد بداية حسابها إلا أنه يمكن القول أن حسابها يختلف حسب الحالات والأوضاع التي تم الأمر فيها بالتوقيف فإن كان الموقف من المأمورين بعدم المبارحة فيجب أن يبدأ حسابها إبتداءا من الأمر بها ، أما إذا كان من الذين حجزوا الى مركز الشرطة أو الدرك لسماع أقواله ، فيجب إحتسابها إبتداءا من سماع أقواله .
2. عـدم تمديد التوقيف كأجل عام : إن تمديد مدة التوقيف كقاعدة عامة غير جائز طبقا لحكم المادة 51/02 من ق.إ.ج إلا أنه يجوز إستثناءا تمديده الى الحالات المذكورة على المادة 51/05 من ق.إ.ج .
3. إحترام السلامة الجسدية للموقوف للنظر : مراعاة من المشرع و في مواجهة تقرير حق الضابط مع التوقيف إذا دعت مقتضيات التحقيق ذلك و احتراما للحرية الفردية بالعمل على عدم تجاوز إختصاصه و التعسف فيه بإستعماله لوسائل غير مشروعة بغرض الوصول للحقيقة بالحصول مثلا على إعتراف المشتبه فيه الموقف فقد حرص المشرع على حماية السلامة الجسدية للموقف فنظم الأمور التالية :
أ- تنظيم فترات سماع أقوال الموقف للنظر : إذا كان سماع الأقوال من أهم مصادر تلقي المعلومات عن الجريمة موضوع البحث فإنه يجوز لضابط الشرطة القضائية أن يستمع لأقوال الموقف بسؤاله عما لديه من معلومات تتعلق بالجريمة و المساهمة فيها ، فتنص المادة 52 من ق.إ.ج " يجب على ضابط الشرطة القضائية أن يضمن محضر سماع كل شخص موقوف للنظر مدة إستجوابه و فترات الراحة التي تخللت ذلك و اليوم و الساعة الذي أطلق سراحه فيها أو قدم الى القاضي المختص " ، " و يجب أن يدون على هامش هذا المحضر توقيع صاحب الشأن أو يشار فيه الى إمتناعه كما يجب أن تذكر على هذا البيان الأسباب التي استدعت توقيف الشخص للنظر " ، " ويجب أن يذكر هذا البيان على سجل خاص ترقم و تختم صفحاته و يوقع عليه من طرف وكيل الجمهورية و يوضع لدى مراكز الشرطة أو الدرك الوطني التي يحتمل أن يستقبل الشخص الموقوف للنظر " و يستخلص من هذا النص الواجبات التي تقع على عاتق الضابط :
• تحديد محضر إحتجاز يحدد فيه أسبابه و مدته و فترات الراحة التي تخللت ذلك و يوم و ساعة بداية الإحتجاز و يوم و ساعة إطلاق أو إخلاء سبيل المحتجز أو تقديمه للسلطة القضائية المختصة أي وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق حسب سبب الحجز سواءا كان نتيجة البحث التمهيدي و الإٌستدلال أو إنابة قضائية .
• توقيع الموقف للنظر على هامش المحضر و في حالة رفضه ذلك يؤشر ضابط الشرطة القضائية على المحضر على امتناعه ، و هذا الإمتناع قد يصح عدم مصداقية المحضر بالنسبة للمعلومات التي تضمنها و عدم صحتها لأن امتناعه قد يكون سبب اعتراضه عما ورد فيها من معلومات .
• إمساك دفتر خاص ترقم صفحاته و يوقع عليه وكيل الجمهورية دوريا ، مما يضمن المعلومات الواردة فيه .
• تقديم هذا السجل الى السلطة المختصة بالرقابة مما يدفع الضابط الى احترام الإجراءات القانونية .
ولقد ذهب القانون الى أبعد من ذلك حماية للحرية الفردية حينما جرم إمتناع الضابط عن تقديم السجل الى السلطات المختصة لغرض المراقبة فتنص المادة 110 مكرر الفقرة 01 من قانون العقوبات الجزائري " كل ضابط الشرطة القضائية الذي يمتنع عن تقديم السجل الخاص المنصوص عليه على المادة 52 /03 من ق.إ.ج الى الأشخاص المختصين بإجراء الرقابة و هو سجل خاص يجب أن يتضمن أسماء الأشخاص الذين هم تحت الحراسة القضائية (التوقيف للنظر) يكون قد ارتكب الجنحة المشار اليها على المادة 110 من ق.ع.ج ويعاقب بنفس العقوبة " .
ب – المراقبة الطبية للموقوف للنظر : تنص المادة 51 مكرر الفقرة 02 من ق.إ.ج على أنه "عند إنقضاء مواعيد التوقيف للنظر يتم وجوبا إجراء فحص طبي للشخص الموقوف إذا ما طلب ذلك مباشرة أو بواسطة محاميه أو عائلته و يجرى الفحص الطبي من طرف الطبيب الذي يختاره الشخص الموقوف من الأطباء الممارسين على دائرة إختصاص المحكمة " و تبدو حماية السلامة الجسدية للموقف على وجوب إجراء فحص طبي عند إنتهاء مدة الحجز مع إلتزام ضابط الشرطة القضائية بأن يخبره بهذا الحق المقرر قانونا لأن الفحص الطبي من شأنه أن يكشف مدى ممارسات ضابط الشرطة القضائية المنافية للقانون إن وجدت . و هو ما يدفع بالضابط لعدم ممارسة وسائل التعذيب و الإكراه ضد الموقوفين و تظهر هذه الحماية جلية على أن الفحص الطبي يمكن إجرائه على أي فترة من فترات التوقيف بناءا على أمر من وكيل الجمهورية بإعتباره جهة مختصة بمراقبة و إدارة جهاز الشرطة القضائية على هذا المجال و هو أمر يلتزم بموجبه ضابط الشرطة القضائية بتنفيذ الفحص الطبي و عدم الإعتراض عليه ، لأن إعتراضه يعتبر جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات على المادة 110 مكرر " كل ضابط شرطة قضائية الذي يتعرض رغم الأوامر الصادرة طبقا للمادة 51 من ق.إ.ج من وكيل الجمهورية لإجراء الفحص لشخص تحت الحراسة القضائية الواقعة تحت سلطته يعاقب بالحبس من شهر الى ثلاثة أشهر و بغرامة من 500 الى 1000 د.ج أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط ".
الفرع (03) : جزاء مخالفة قواعد التوقيف للنظر :
يقرر القانون رغم عدم نصه على بطلان الإجراءات كجزاء موضوعي تطبيقا لقواعد المسؤولية الشخصية لضابط الشرطة القضائية إذا ما إنتهكوا الآجال القانونية للتوقيف تحت النظر فتنص المادة 51 من ق.إ.ج الفقرة الأخيرة على أنه " إن إنتهاك الأحكام المتعلقة بآجال التوقيف للنظر كما هو مبين على الفقرات السابقة يعرض ضابط الشرطة القضائية للعقوبات التي يتعرض لها من حبس شخص تعسفيا " تطبيقا لقواعد المسؤولية الشخصية لأعضاء الشرطة القضائية ضباطا و أعوانا .
المطلـب الخامس: سلطــة ضابط الشرطة القضائية في التفتيش :
تعددت التعريفات الفقهية التي قيل بها بشأن التفتيش و هي تصب كلها في نطاق واحد فهو –أي التفتيش– "إجراء من إجراءات التحقيق يقوم به موظف مختص طبقا للإجراءات المقررة قانونا في محل يتمتع بالحرمة بهدف الوصول الى أدلة مادية لجناية أو جنحة تحقق وقوعها لإثبات ارتكابها أو نسبتها الى المتهم " .
و الهدف من مباشرة هذا الإجراء هو الحصول على دليل مادي يتعلق بالجريمة الجاري جمع الإستدلالات عنها أو التحقيق بشأنها لذلك قيل أن التفتيش لا يمكن إعتباره دليلا في حد ذاته ، وإنما الدليل هو ما نتج عنه من أدلة مادية سواء تعلقت بالجريمة التي أتخذ هذا الإجراء من أجلها أم بجريمة أخرى كشف عنها هذا الإجراء في إطار ضوابط محددة تهدف الى أن يكون ضبط هذه الأدلة بطريقة عرضية و ينطوي إجراء التفتيش على مساس بحق الإنسان في السر الذي يمثل أحد مظاهر الحق في الخصوصية و له الحق في حرمة حياته الخاصة و سريتها في مجال هذه السرية في شخص الإنسان أو مسكنه و إذا كان الأصل أنه لايجوز للدولة في سبيل إثبات الجريمة لعقاب مرتكبيها خرق حجاب السرية إلا أن المشرع لم يجعل من حق الإنسان في السر قاعدة ذات حصانة مطلقة و إنما وازن بين إحترام هذا المبدأ و حق الدولة في العقاب فأجاز المشرع خرق هذا الحق من خلال عدة إجراءات منها التفتيش وفق ضوابط موضوعية بينها التشريع و دعمتها أحكام المحاكم و إجتهادات الفقهاء.
الفرع (01) : تفتيـــش المساكـــن :
تفتيش المساكن هو البحث في مكنون سر الأفراد على دليل الجريمة المرتكبة أو البحث عن الدليل أو هو من إجراءات التحقيق الإبتدائي الذي يخوله القانون لقاضي التحقيق أصلا ، و إستثناءا خول لضابط الشرطة القضائية في الجرائم المتلبس بها ، كما أن القانون قرر قيودا على ضابط الشرطة القضائية عن مباشرته للتفتيش فيجب عليه الإلتزام بها بحيث يجب أن ينصب التفتيش على جريمة وقعت فعلا ، فلا يجوز التفتيش بالنسبة لجريمة ستقع في المستقبل لأن الغرض من التفتيش هو البحث عن دليل جريمة وقعت و ليس البحث و الكشف عن جريمة قد تقع مستقبلا بالإضافة الى ذلك يجب أن تكون جريمة متلبس بها في إحدى أحواله التي سبق التعرض لها .
أ – دخول المساكن و تفتيشها : ينظم قانون الإجراءات الجزائية دخول المساكن في مادته 47 بتخطي حدود المسكن الخارجي و الولوج فيه بالظهور دون أن يمتد الى معاينة ما يوجد بداخله و فحصه ، إذ يجب أن يقتصر على الغرض الذي تم من أجله كأن يكون الدخول بغرض إغاثة مستغيث من الداخل أو بناءا على طلب صاحب المسكن أو لتنفيذ أمر القبض فلا يعد الدخول في هذه الحالات عن عمل مادي بحت فتنص المادة 47 من ق.إ.ج " لايجوز البدء في تفتيش المساكن أو معاينتها قبل الساعة الخامسة (05.00) صباحا و لابعد الساعة الثامنة (08.00) مساءا إلا إذا طلب صاحب المنزل أو وجهت نداءات من الداخل أو في الأحوال الإستثنائية المقررة قانونا " .
أما التفتيش في المادة 45 من ق.إ.ج فهو البحث و التنقيب عن دليل الجريمة في مستودع سر الأفراد و هو ما يستدعي بالضرورة دخول المسكن و قد وحدت أحكام الدخول و التفتيش فيخضع كل منهما لنفس القواعد و الأحكام المقررة في القانون رغم أن مفهوم الدخول يختلف عن مفهوم التفتيش .
ب – تفتيش الفنادق و المنازل المفروشة: يجوز التفتيش أيضا في الفنادق و المنازل المفروشة و المحلات و الأماكن العامة ، وضبط الأشياء الموجودة فيها إذا تعلق الأمر بجرائم المخدرات و الدعارة المعاقب عليها بالمواد 342 من ق.ع.ج وما يليها ، فتنص الفقرة الثانية في المادة 47 من ق.إ.ج " غير أنه يجوز إجراء التفتيش أو المعاينة أو الحجز في كل ساعة من ساعات النهار و الليل قصد التحقيق في جميع الجرائم التي تعاقب عليها قوانين المخدرات و الجرائم المعاقب عليها في المواد 342 – 348 من ق.ع.ج و ذلك في داخل كل فندق أو منزل مفروش أو فندق عائلي أو محل لبيع المشروبات أو نادي أو مرقص أو اماكن المشاهد العامة و ملحقاتها و في أي مكان مفتوح للعموم أو يرتاده الجمهور إذا تحقق أن أشخاصا يستقبلون فيه عادة لممارسة الدعارة " .
ج- القيود الواردة على إجراء التفتيش : بالإضافة الى قيدي أن تكون هناك جريمة قد وقعت فعلا و أن تكون هذه الجريمة جناية أو جنحة معاقب عليها بعقوبة الحبس طبقا للمادتين 41-55 من ق.إ.ج فقد وضع المشرع الجزائري قيودا أو شروطا على إجراء التفتيش يجب على القائم به الإلتزام بها و هي :
1. أن يجري التفتيش ضابط الشرطة القضائية : يجب أن يقوم بعملية التفتيش ضباط الشرطة القضائية المحددين في المادة 15 من ق.إ.ج أو بحضوره و تحت إشرافه ، فلا يجوز لهم تكليف عون بإجرائه بصفة مستقلة و إنما يجوز مساعدته من طرف العون كأن يجريه تحت إشرافه و بحضوره وإلا وقع التفتيش باطلا .
2. أن يحصل الضابط على إذن : إذا شاهد الضابط الجريمة المتلبس بها أو أبلغ عنها فأنتقل الى مكان ارتكاب الجريمة بالمعاينة فشاهد آثارها بنفسه و استدعت التحريات تفتيش مسكن المشتبه فيه أو مسكن من يعتقد أنه يحوز أشياء أو أوراق لها علاقة بالأفعال المجرمة موضوع البحث فلا يجوز له دخوله و لا تفتيشه إلا بعد الحصول على إذن من وكيل الجمهورية أو من قاضي التحقيق فتنص المادة 44 من ق.إ.ج لا يجوز لضابط الشرطة القضائية الإنتقال الى مساكن الأشخاص الذين يظهر أنهم ساهموا في الجناية و أنهم يحوزون أوراقا أو أشياء متعلقة بالأفعال الجنائية المرتكبة لإجراء التفتيش إلا بإذن مكتوب صادر من وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق مع وجوب الإستظهار بهذا الأمر قبل الدخول الى المنزل و الشروع في التفتيش ، و رغم سكوت المادة على تحديد شروط الإذن –عدا شروط الكتابة المنصوص عليه صراحة– فإنه يجب أيكون متضمنا تاريخ إصداره و من الذي أصدره ، إسمه و صفته و ختمه و توقيعه و أن يكون صراحة في الدلالة على عملية التفتيش محددا المسكن المراد تفتيشه و يستوي على ذلك أن يحدد الضابط المكلف بإجرائه تعيينا دقيقا بصفته الشخصية أو تعيينا بصفته الوظيفية .
3.التفتيش في حدود الوقت المقرر قانونا : أي أن يتم تفتيش المسكن في الميقات القانوني أي الفترة التي يسمح فيها القانون لضابط الشرطة القضائية دخول المساكن و تفتيشها فتنص المادة 47/01 من ق.إ.ج " لايجوز البدء في تفتيش المساكن و معاينتها قبل الساعة الخامسة صباحا و لا بعد الساعة الثامنة مساءا ... " و هذا يعني أنه لايجوز كقاعدة عامة تفتيش و معاينة المساكن بعد الساعة الثامنة ليلا و قبل الخامسة صباحا مما يضفي عليها حماية خاصة بإعتبار أن المنزل مصون ليلا لأنه يعتبر ملجأ حصينا للأفراد فلا يجوز دخوله فإذا كانت ظروف الحال تستدعي تدخل ضابط الشرطة القضائية كالخوف من هروب الشخص المراد و الموجود داخل المسكن و مراقبة منافذه لحين حلول الميقات القانوني الذي يسمح فيه بالدخول للمسكن .
حـالات الخروج على الميقات القانوني : لقد وضع القانون استثناء لقاعدة عدم جواز دخول الضابط للمساكن و تفتيشها خارج الميقات المقرر قانونا بين الساعة الخامسة صباحا و الثامنة مساءا حيث أجاز الدخول و التفتيش في أي وقت من اليوم دون التقيد بالميقات القانوني و هي :
-حالة طلب صاحب المسكن : (حسب المادة 47 من ق.إ.ج ) بقوله " ... إلا إذا طلب صاحب المنزل ... " .
- حالة الضرورة : (حسب المادة 47 من ق.إ.ج ) بقوله "... و وجهت نداءات من الداخل أو في الحالات الإستثنائية ... " و هي حالات غير محدودة على سبيل الحصر حيث يقاس عليها كل حالة مشابهة كالحريق و الغرق و ما إليها .
- حالة الجرائم الموصوفة بالأفعال الإرهابية أو التخريبية : وهي الجرائم المضافة لقانون العقوبات بالأمر 95/11 المؤرخ في 1995.02.25 الذي أضيفت بموجبه المواد 87 مكرر الى 87 مكرر /09 تحت عنوان الجرائم الموصوفة بأفعال إرهابية أو تخريبية حيث أدخل على قانون الإجراءات الجزائية تعديلا موازي بالأمر رقم 95/10 المؤرخ 1995.02.25 أضيفت بمقتضاه فقرة للمادة 47 منه تنص " عندما يتعلق الأمر بجرائم موصوفة بأفعال إرهابية أو تخريبية يمكن لقاضي التحقيق أن يقوم بأية عملية تفتيش أو حجز ليلا أو نهارا أو في أي وقت على امتداد التراب الوطني أو بأمر ضباط الشرطة القضائية المختصين للقيام بذلك " . و هذا يعني أن ضابط الشرطة القضائية و فيما يتعلق بالأفعال الموصوفة بالأفعال الإرهابية أو التخريبية يجوز له القيام بعمليات التفتيش و الضبط في أي وقت ليلا أو نهارا بشرط :
* أن يتعلق الأمر بالجرائم الإرهابية أو التخريبية المحددة في المواد 87 مكرر الى 87 مكرر/09 من ق.ع.ج .
* أن يصدر له أمر من قاضي التحقيق للقيام بتلك الإجراءات ( ).
3. أن يحضر التفتيش صاحب المسكن : تنص المادة 45 من ق.إ.ج على أنه " إذا وقع التفتيش في مسكن ... الفقرة السابقة " وعليه فإن الحضور لعملية التفتيش لمسكن المشتبه فيه في ارتكاب الجريمة أو في حيازته لما يفيد في البحث و التحقيق موحدة كالآتي :
- أن يحضر المشتبه في ارتكاب الجريمة أو الذي يحوز أوراقا أو أشياء تتعلق بالجريمة موضع الحدث .
- في حالة تعذر المعني بالأمر يجوز أن ينيب غيره لحضور عملية التفتيش .
- لضابط الشرطة القضائية في حالة عدم الحضور الشخصي و عدم تعيين نائب لحضوره .
- التفتيش نيابة عنه أن يعين شخصين يشهدا عملية التفتيش بشرط أن لا يكونا من الموظفين
الخاضعين لسلطته .
حالة يقررفيها القانون عدم الإلتزام بقاعدة الحضور : تنص المادة 45/06 من ق.إ.ج "لا تطبق هذه الأحكام إذا تعلق الأمر بجرائم موصوفة بأفعال إرهابية أو تخريبية بإستثناء الأحكام المتعلقة بالحفاظ على السر المهني المذكور أعلاه " فيجوز لضابط الشرطة القضائية أن يدخل المسكن و يفتشه و يعاينه في أي ساعة من ساعات النهار أو الليل سواء كان مسكن المشتبه في إرتكاب الجريمة الإرهابية أو التخريبية أو مسكن من يحوز فيه أوراقا أو أشياء تتعلق بنفس الجرائم بحيث يجوز له القيام بذلك بغير حضور صاحب المسكن ولا من ينوب عنه ولا شـاهـديـن .
الفرع (02) : تفتيـــش الأشخـــاص :
لم ينظم قانون الإجراءات الجزائية تفتيش الأشخاص إلا بإعتباره من الإجراءات الوقائية الأمنية أو إجراءات التحقيق فعليه فإن تفتيش الأ شخاص يخضع للقواعد العامة و بالتالي فإن الشخص يخضع لتفتيش شخصه من طرف ضابط الشرطة القضائية في حالتين :
أ- تفتيش الشخص حال القبض عليه : إذا ألقي ضابط الشرطة القضائية القبض على المشتبه فيه تطبيقا لحكم المادة 51/02 من ق.إ.ج أو المادة 120 من ق.إ.ج جاز له أن يقوم بتفتيشه تفتيشا قانونيا صحيحا منتجا لآثاره القانونية و هو تفتيش مقترن بالقبض في الجناية أو الجنحة المتلبس بها أو تنفيذ الأمر كالقبض الصادر من قاضي التحقيق .
ب – تفتيش الشخص كإجراء مكمل لتفتيش المسكن : إذا كان الأصل أن تفتيش الأشخاص إجراء مستقل عن تفتيش المساكن فالقاعدة أن تفتيش المسكن لا يجيز تفتيش الأشخاص المتواجدين به سواء كان صاحبه أو الغير ، إلا أنه إذا دعت مقتضيات إجرائه بأن قامت دلائل قوية على حيازة أو إخفاء أحد المتواجدين بالمسكن لأشياء أو أوراق تتعلق بالجريمة موضوع الحدث تفيد في إظهار الحقيقة جاز تفتيشه .
* تفتيش الأنثــى : تفرض القواعد العامة أن يتم تفتيش الأنثى بواسطة الأنثى إحتراما لحياء المرأة و حفاظا على عورتها ، إذا كان من شأنه –أي التفتيش– أن يتعرض لأجزاء من جسمها باللمس أو المشاهدة فلا يجوز لمسها و لا مشاهدتها متى كان يشكل عورة من عورات المرأة ، و عليه فإن ضابط الشرطة القضائية عليه أن يفتش الأنثى في كل موضع يعد عورة و إلا ترتب البطلان على ذلك و يمكن مثلا أن تقوم المسألة الجنائية عن جريمة هتك العرض المنصوص عليها في المادة 355 من قانون العقوبات الجزائري .
الفرع (03) : بطــــلان التفتيــــش :
تنص المادة 48 من ق.إ.ج على أنه " يجب مراعاة الإجراءات التي إستوجبتها المادتان 45 و 47 من ق.إ.ج و يترتب على مخالفتها البطلان " طبقا لهذه المادة فإن أي تفتيش يتم بالمخالفة لأحكام المواد 44 ، 45 ، 47 من ق.إ.ج يقع باطلا ، أي أن مخالفة القيود المتعلقة بالحضور و الميقات القانوني و الإذن من السلطة القضائية المختصة يترتب عليها البطلان فتقع عديمة الأثر . ولايمكن الإستناد إليه في الإدانة ، بالإضافة الى ذلك فإن التفتيش الذي يجريه العون خارج قواعد إختصاصه النوعي وهو مساعدة و معاونة الضابط يقع باطلا إذ لا يجـوز له أن يستقل بإجراء إلا إذا كان مساعدا أو معاونا و بحضـور الضابــط وتحت إشـرافـــه .
المبحث الثالث: بطـــلان الإجراءات في حالة التلبس
بطـلان الإجراءات في حالة التلبس بالجريمـة :
قصد المشرع بنصوص قانون الإجراءات الجنائية تحقيق مصلحة معتبرة ، ولا تأتي بلوغ هذا الغرض إذا لم يكن هناك جزاء مترتب على مخالفة تلك النصوص فيشترط لصحة العمل الإجرائي أن تحترم الضمانات التي تعبر عن جوهر العمل الإجرائي و الشرعية ، ويهتم قانون الإجراءات الجنائية بنوع واحد من الجزاءات و هو بطـلان العمل المخالف و هو ما سنقتصر الكلام عليـه في هذا المقــام .
يترتب البطلان على مخالفة كل قاعدة إجرائية أتت بضمانات لتأكد الشرعية الإجرائية سواء كان ذلك لحماية الحرية الشخصية للمتهم أو لضمان الإشراف القضائي على الإجراءات الجزائية بمخالفة هذه الضمانات الإجرائيـة هي سبـب البطـلان و هو نوعان بطلان نسبي وبطلان مطلـــق .
المطلب الأول : البطـــلان المطلــق :
حددت المواد 157 إلى 161 قانون الإجراءات الجزائية البطلان المطلق بأنه راجع إلى عدم مراعاة القانون المتعلق بتشكيل المحكمة أو بولايتها بالحكم في الدعوى أو باختصاصها من حيث نوع الجريمة المعروضة عليها أو بغير ذلك مما هو متعلق بالنظام العام، و مثال ذلك قاعدة منع استجواب المتهم من ضابط الشرطة المنتدب للتحقيق في الحالات التي لا يدخل فيها من فوات الوقت.
و قاعدة وجود اتهام موجه إلى الشخص المراد تفتيش منزله و قرائن دالة على حيازته أشياء تتعلق بالجريمة موضوع الاتهام.
و البطلان المطلق لا يصححه الرضاء بالإجراء المشوب به ، من جانب من يتعارض هذا الإجراء مع مصلحته، كما لا يلزم أن يتمسك هذا الأخير في سبيل هدم ذلك الإجراء و إنما تراقبه المحكمة من تلقاء نفسها في أية حالة كانت عليها الدعوة وقت اكتشافه.
غير أنه إذا كانت الدعوى قد استنفذت كل طرق الطعن العادية والغير عادية ، و حاز الحكم قوة الشيء المقضي فيه ، فلا يكون ثمة سبيل هدم الإجراء بعدئذ و يفترق البطلان المطلق عن الانعدام.
فالانعدام يعنى عدم الوجود ، وهو أمر يختلف عن البطلان المطلق ، لأن الإجراء الباطل له أساس من الوجود القانوني ، و لكن شابه عدم الصحة.
أما الإجراء المنعدم فهو بداية و نهاية مجرد من الوجود القانوني ، فهما و أن تلاقيا في تعطيل أثار العمل القانوني ، إلا أنهما يختلفان في سبب هذا التعطيل، فالانعدام يعنى بحكم طبيعته أن العمل غير موجود و بالتالي فلا أثر له ، أما البطلان فإنه يعني بناء على أمر القضاء أن العمل يجب أن يتجرد من آثاره القانونية.
مثال: أن قاضيا مدنيا يكتشف في أوراق الدعوى جريمة ارتكبها خصم على اخر فيحكم على مرتكب الجريمة بالعقوبة المقررة لها.
مثل هذا الحكم يعد منعدما لأنه يعتبر كما لو كان صادرا من غير قاضي و إذا لم يطعن على هذا الحكم ، و حاز قوة الشيء المقضي فيه ، فإنه لا يمكن تنفيذه ، إذ يكفي الاستشكال فيه حتى يوقف نفاذه.
مثال: ما نصت عليه المادة 110 مكرر/3 ق ع ج:" كل موظف أو مستخدم يمارس أو يأمر بممارسة التعذيب للحصول على اقرارات يعاقب..."كذلك ما نصت عليه المادة 126 قانون العقوبات المصري ( )" كل موظف أو مستخدم عمومي أمر بتعذيب متهم أو فعل ذلك بنفسه لحمله على الاعتراف يعاقب..."
فإذا حدث و أفضى التعذيب إلى اعتراف ، فإنه لا يصح الأخذ بهذا الاعتراف على وجود جريمة معاقب عليها في التعذيب الذي انتجه.
فإذا كان التعذيب منعدما قانونا، فبالتالي يكون الاعتراف منعدما كأثر ناتج عنه.
كذلك نص المادة 111 ق ع ج:" يعاقب بالحبس لمدة 06 أشهر إلى ثلاث سنوات كل قاض أو ضابط بالشرطة القضائية يجري متابعات ، أو يصدر أمرا أو حكما أو يوقع عليهما ، أو يصدر أمرا قضائيا ضد شخص متمتع بالحصانة القضائية في غير حالات التلبس بالجريمة دون أن يحصل قبل ذلك على رفع الحصانة عنه وفقا للأوضاع القانونية" ( ).
المادة 107 ق ع ج :"يعاقب الموظف بالسجن المؤقت من خمس إلى عشرة سنوات إذا أمر بعمل تحكمي أو ماس سواء بالحرية الشخصية للفرد أو بالحقوق الوطنية لمواطن أو أكثر".
المطلب الثاني : البطـــلان النسبـــي :
كل بطلان ينشأ عن مخالفة قاعدة غير متعلقة بالنظام العام و إن كانت جوهرية في إظهار الحقيقة و الحرص على كفالة حق المتهم في الدفاع و لقد ذكر قانون الإجراءات الجنائية ضمن أحوال ذلك البطلان ما يتعلق بمخالفة الإجراءات الخاصة بجمع الاستدلالات ، أو التحقيق الابتــــدائي.
فمن قبيل الإجراء الجوهري في جمع الاستدلالات.
1-توقيع ضابط الشرطة القضائية على محضره ، و بيانه وقت اتخاذ الإجراءات ومكان حصولها و توقيع الشهود و الخبراء على محضره المادة(54 ق ا ج) .
2- حضور المتهم أو نائبه أو شاهدين عملية التفتيش لمنزل المتهم المادة (45 ق ا ج) .
3- ساعة البدء في عملية تفتيش المساكن أو المعاينة المادة (47 ق ا ج).
4- اتخاذ التدابير اللازمة لضمان احترام السر المهني المادة ( 45 ق ا ج).
5- تحرير الاشياء و الأوراق المضبوطة و ختمها المادة (45 ق ا ج).
فمن قبيل الإجراء الجوهري في إجراءات التحقيق الابتدائي:
1-استجواب المتهم بواسطة قاضي التحقيق اذا كان هو القائم بالتحقيق.
2- إخطار قاضي التحقيق لوكيل الجمهورية بانتقاله لأمكنة التفتيش.
3- عدم جواز الفصل بين المتهم و محاميه الحاضر معه أثناء التحقيق(105 ق إ ج).
4- دعوة محامي المتهم للحضور قبل استجواب المتهم في جناية ما لم تكن في حالة التلبس أو كانت توجد حالة تستوجب السرعة خوفا من ضياع الادلة المواد (105،101،100 ق إ ج).
أ. خصائص البطلان النسبي:
يختص بعدم التمسك به، فيصير الإجراء الباطل صحيحا لا معقب عليه ، إذ ليس على المحكمة أن تراعي البطلان من تلقاء نفسها( و إن كان يجوزها ذلك)عدم التمسك بالبطلان من جانب الطرف المقرر هذا البطلان لصالحه يكون إما بالرضا الصريح بالإجراء على الرغم من شائبة البطلان فيه و إما بالرضا الضمني ، و الرضا الضمني يستفاد من عدم الاعتراض على الإجراء سواء كان الإجراء قد اتخذ في الجلسة ذاتها فلم يعترض عليه وقت اتخاذه ، أو كان قد اتخذ ضمن الإجراءات السابقة على المحاكمة.
فلا يقبل الدفع ببطلان الإجراء لأول مرة أمام محكمة النقض ، الا إذا كان البطلان مطلقا لتعلقه بالنظام العام.
أن التمسك بالبطلان النسبي لإجراء ما ، ليس من شأنه ان يقضي فعلا على تقرير البطلان من جانب المحكمة تلك في صدد الإجراء الباطل نسبيا أن تبقي عليه مع تصحيحه ان كان التصحيح ممكنا.
إن البطلان النسبي لا يقبل الدفع به من جانب من لم يتقرر هذا البطلان في صالحه، أو حيث تكون النيابة التي من أجلها تقرر الشكل الذي وقع الإجراء باطلا بالمخالفة له قد تحققت على الرغم من حدوث هذه المخالفة و ليس هذا إلا تطبيقا لمبدأ الدعوى حيث لا تكون مصلحة.
المطلب الثالث : آثـار البطــلان :
الأصل أن البطلان لا يترتب آثاره إلا متى تقرر بحكم أو بأمر من قضاء التحقيق ، وهي قاعدة متعلقة بالنظام العام ، و القاعدة أنه متى تقرر بطلان الإجراءات زالت آثاره القانونية فيصبح و كأنه لم يكن.
و تطبيقا لذلك فإن التفتيش الباطل لا يترتب عليه نسبة الأشياء المضبوطة إلى المتهم والاعتراف الباطل لا يجوز الاستناد إليه في الإدانة ، كما أن بطلان ورقة التكليف بالحضور أو أمر الإحالة لا يترتب عليه دخول القضية في حوزة المحكمة.
على أن البطلان لا يؤثر في صحة الادلة المنفصلة عن إجراء الباطل ، فإذا ثبت مثلا أن اعتراف المتهم مستقل عن واقعة التفتيش الباطل إذا لم يتأثر به ، فلا يوجد ما يحول دون أخذ القاضي بهذا الدليل المستقل ، فالبطلان لا ينال من العمل الا نتيجة للعيب الذي أثر في صحته.
و يشترط في الإجراء الباطل حتى يؤثر في الإجراءات التالية له أن يكون مؤثرا ، وهو ما لا يتحقق إلا إذا كان الإجراء الباطل جوهريا ، و ذلك حين يعتبرشكلا جوهريا بصحة الإجراء التالي له ، مثل ذلك استجواب المتهم قبل حبسه احتياطيا.
و لمحكمة الموضوع سلطة تقدير العلاقة بين الإجراء الباطل و الإجراء التالي له لمعرفة تأثير الاول على الثاني.
* تحول العمل الاجرائي الباطل: يشتـرط لتحول العمـل الاجرائـي الباطـل إلى عمـل آخر صحيـح:
- أن يكون العمل الاجرائي الاصل باطلا.
- أن يتضمن العمل الإجرائي الباطل عناصر عمل آخر صحيح.
مثال: إذا باشر وكيل الجمهورية التحقيق وحرر محضر بيده دون الاستعانة بكاتب فيكون التحقيق باطلا ، الا أنه يتحول إلى استدلال صحيح.
أ. تجديد العمل الإجرائي الباطل:
يجوز إعادة العمل الإجرائي الباطل ، و الشرط الوحيد هذا التجديد أن يكون ممكنا، فقد يستحيل بسبب قانوني هو سقوط الحق في مباشرة العمل الإجرائي أو لسبب مادي ، وذلك إذا حال دون التجديد حائل مادي مثل وفاة الشاهد الذي يراد إعادة سماع أقواله.
- * * الخاتمــــة * * -
اكتشاف حقيقة مراحل ارتكاب الجريمة غاية المحقق والهدف الأسمى هو تجنب توريط أشخـاصـا أبرياء فـي جرائم لا علاقة لهم بها والدفع بهم فــي غيابات السجون وســـط المجرمين و قطع دابر الجريمة ، لكن إيقاع المجرم الحقيقي بدل البريء في مكانه اللائق به هو الصواب بعينه و لا يتأتى ذلك إلا بعد الإلمام الواسع بقانون الإجراءات الجزائية التـي تنظم كل إجراء على حدى والإحاطة الكاملة بتقنيات التحقيق التي تنظم كيفية السير في دروب التحقيق من بداية الإبلاغ عن وقوع الجريمة التوقيف إلى غاية تقديم المجرم ( ين ) الى العدالة ثم النطق بالحكم و تحقيــق العدل .
فالغاية المقصــودة من هذه المذكرة المتواضعة الإدراك ولو بالجزء القليل عن الإختصاصات الإستثنائية التي خولها قانون الإجراءات الجزائية لضابط الشرطة القضائية و القيام بإجراءات هي من إجراءات التحقيق و ذلك في حالة التلبس بالجريمة ، وقد حاول المشرع الجزائري في هذا الشأن مراعاة عدة أشياء منها المحافظة على أدلة إثبات الجريمة من الضياع لذلك أجاز لضباط الشرطة القضائية القيام بإجراءات التحقيق إستثناءا حتى لا يعيب بمعالم الجريمة أو تضيع ، ولهذا تنسب الجريمة الى مرتكبيهـا حيث أن بتوافر حالة التلبس تنتفي مظنــة الخطـأ أو الكيد للمتهم ، وكذلك بمعرفة كيفية إجراء التحقيق بشكل قانوني سريع و فعال نتفــادى الوقوع في أخطــاء تكلف أناسـا أبريـاء حريتهـم .
المراجع
- مبادىء الإجراءات الجزائية في التشريع الجزائري _الجزء الثاني_ ديوان المطبوعات
الجامعية طبعة 1999 .
- شرح قانون الإجراءات الجزائية _ الجزء الأول _ في التحري و التحقيق معهد الحقوق
جامعة الجزائر .للدكتور/عبدالله أوهايبية .
- المبادئ الأساسية في قانون الإجراءات الجزائية الجزائري للدكتور إسحاق إبراهيم منصور –الطبعة الثانية 1982- ديوان المطبوعات الجامعية – الجزائر -
- التلبس بالجريمة و أثره على الحرية الشخصية - د. إبراهيم حامد طنطاوي- - توزيع المكتبة القانونية- 1995
- التلبس بالجريمة في ضوء القضاء و الفقه- المستشار الدكتور عبد الحميد الشواربي.
-قانون العقوبات الجزائري طبعة 2007
-قانون الإجراءات الجزائية- الديوان الوطني للأشغال التربوية 2002 الطبعة الثالثة .
- نصوص قانونية – قانون الإجراءات المصري.
- شرح قانون الإجراءات الجزائية الجزائري الطبعة الثانية – ديوان المطبوعات الجامعية الجزائــر - ( محمد صبحي محمد نجـم ) .
- الإجراءات الجزائية في التشريع الجزائري– المؤسسة الوطنية للكتاب1987 الطبعة الأولى .
المحتــــويات الصفحة
المقدمة
المبحث الأول: في ماهية التلبس بالجريمة
المطلب الأول:تعريف التلبس.......................................
الفرع الأول:التعريف اللغوي......................................
الفرع الثاني: التعريف الاصطلاحي................................
الفرع الثالث : التعريف القانوني..................................
المطلب الثاني:حالات التلبس.......................................
الفرع الأول: التلبس الحقيقــي....................................
الفرع الثاني:التلبس الاعتباري.....................................
الفرع الثالث : الجريمة المتسمة بصفة التلبس.....................
المطلب الثالث : شــروط صحة التلبس ...........................
الفرع الأول: أن يكون التلبس سابقا زمنيا على اجراءات التحقيق....
الفرع الثاني:إكتشاف التلبس بمعرفة ض.ش.ق أو تحققه منه بنفسه.
الفرع الثالث: إكتشاف التلبس بطريق مشروع........................
المطلب الرابع : خصائص التلبس بالجريمة..........................
الفرع الأول: الطابع العيني للتلبس ..................................
الفرع الثاني:إنصراف التلبس الى ما يدل على توافر الركن المادي
للجريمة........................................... ..
الفرع الثالث : انصراف التلبس الى الجريمة التي توافرت لها احدى
حالاتــــه.......................................
المبحث الثاني: السلطات الإستثنائية لـ ض ش ق في حالات التلبس.
المطلب الأول : واجبات ض ش ق في حالة التلبس ..................
الفرع الأول : اخطار وكيل الجمهورية والانتقال فورا للمعاينة ........
الفرع الثاني : سماع أقوال الشهود...................................
الفرع الثالث : ندب الخبراء و الاستعانة بالأشخاص المؤهلين........
المطلب الثاني : سلطة ض ش ق في الاستيقاف و القبض ...........
الفرع الأول : الاستيقاف بغرض تحقيق الهوية.......................
الفرع الثاني : القبض ...............................................
الفرع الثالث : التفرقة بين القبض و الاستيقاف .....................
المطلب الثالث : سلطة ض ش ق في التحفظ على الحاضرين و
الشهود بمسرح الجريمة ...........................
الفرع الأول : ضبط المشتبه فيه ....................................
الفرع الثاني : الأمر بعدم المبارحــة ..............................
المطلب الرابع : سلطة ض ش ق في التوقيف للنظر.................
الفرع الأول : تعريف التوقيف للنظر.................................
الفرع الثاني:القيود المقررة على سلطة ض ش ق في التوقيف للنظر.
الفرع الثالث: جزاء مخالفة قواعد التوقيف للنظر ....................
المطلب الخامس : سلطة ض ش ق في التفتيش ....................
الفرع الأول : تفتيش المساكن .......................................
الفرع الثاني: تفتيش الأشخاص ......................................
الفرع الثالث : بطـلان التفتيــش .................................
المبحث الثالث : بطلان الاجراءات في حالة التلبس ..................
المطلب الأول : البطــلان المطلق ..................................
المطلب الثاني : البطـــلان النسبي ...............................
المطلب الثالث : آثــار البطـــلان...............................
الخاتمــــــــة ..............................................
04
05
06
06
06
06
07
07
08
09
10
10
10
12
16
16
17
17
19
20
20
21
21
22
22
22
24
24
24
25
26
26
26
28
28
29
31
32
33
34
35
36
38
المقدمـــــة.
المبحث الأول: في ماهيــــة التلبس بالجريمة :
-المطلب الأول: تعريف التلبس :
*الفرع الأول: التعريف اللغوي .
*الفرع الثاني: التعريف الإصطلاحي .
*الفرع الثالث: التعريف القانوني .
-المطلب الثاني: حـــالات التلبس :
*الفرع الأول: التلبس الحقيقي .
*الفرع الثاني: التلبس الإعتبــاري .
*الفرع الثالث: الجريمة المتسمة بصفة التلبس .
-المطلب الثالث: شروط صحــة التلبس:
*الفرع الأول: أن يكون التلبس سابقا زمنيا على إجراءات
التحقيــــــق .
*الفرع الثاني:مشاهدةالتلبس بمعرفة ضابط الشرطةالقضائية.
*الفرع الثالث : إكتشــاف التلبس بطرق مشروعة .
-المطلب الرابع: خصــائص التلبــس :
*الفرع الأول: الطابع العينــي للتلبس .
*الفرع الثاني: إنصراف التلبس الى ما يدل على توافر
الركن المادي للجريمة.
*الفرع الثالث: إنصراف التلبس الى الجريمة التي توافرت
لهااحدى حالاته .
المبحث الثاني: السلطات الإستثنائية لضابط الشرطة القضائية في حالة التلبس :
-المطلب الأول : واجبات ضابط الشرطة القضائية في حالة التلبس :
*الفرع الأول:إخطار وكيل الجمهورية والانتقال فورا للمعاينة.
*الفرع الثاني: سماع أقوال الشهود.
*الفرع الثالث:ندب الخبراء و الاستعانة بالأشخاص المؤهلين.
-المطلب الثاني:سلطة ضابط الشرطة القضائية في الإستيقاف و القبض:
*الفرع الأول : الإستيقــــاف .
*الفرع الثاني : القبـــــض .
*الفرع الثالث : الفرق بينهمـــــا .
*الفرع الرابع : تقييد سلطة ضابط الشرطة القضائية .
- المطلب الثالث: سلطة ضابط الشرطة القضائية في التحفظ على الحاضرين
و الشهود بمسرح الجريمة :
*الفرع الأول: ضبــط المشتبــه فيـه .
*الفرع الثاني : الأمــر بعدم المبارحــة .
-المطلب الرابع: سلطة ضابط الشرطة القضائية في التوقيف للنظر.
*الفرع الأول : تعريفــــه .
*الفرع الثاني : القيود المقــررة.
*الفرع الثالث : جـزاء مخالفة التوقيف للنظــر.
-المطلب الخامس : سلطة ضابط الشرطة القضائية في التفتيش :
*الفرع الاول : تفتيش المساكـــن .
*الفرع الثاني : تفتيش الأشخــاص . *الفرع الثالث : بطــلان التفتيــش .
المبحث الثالث : بطــلان اجراءات التحقيـق في حالـة التلبـس :
- المطلب الأول : البطــلان المطلـق .
- المطلب الثاني : البطـلان النسبــي .
- المطلب الثالث : آثـار البطـــلان .
مقــدمــة
مقدمة:
لقد أثبتت الدراسات الحديثة أن الجريمة ظاهرة قديمة منذ ظهور الانسان على الأرض ثم إنتقلت و تطورت حيث أصبحت تهدد سلامة الفرد و المجتمع ، و يؤكد ذلك إهتمام الدساتير الجزائرية بدءا من دستور 1963 الى غاية الدستور الأخير لسنة 1996 ، حيث نصت المادة 34 منه على أن " تضمن الدولة عدم إنتهاك حرمة الإنسان ..." ونصت المادة 39 منه كذلك على أن " لايجوز إنتهاك حرمة حياة المواطن الخاصة و حرمة شرفه و يحميها القـــــــانون " .
فبوقوع الجريمة ينشأ للدولة حق معاقبة الجاني و متى علمت بها وجدت بواسطة رجال الضبط القضائي في جمع الإستدلالات و التحري عنها و عمن ارتكبها حيث أن رجال الشرطة القضائية يسعون الى الحد من ظاهرة الإجرام و محاربتها لإستتباب الأمن من جهة والحفـاظ على حقـــوق الإنسـان من جهة أخرى فهي بمثابة مدرسة تمثل الوجه الحقيقي للعـدالــة .
لقد خول قانون الإجراءات الجزائية لضباط الشرطة القضائية إختصاصات إستثنائية و القيام بإجراءات هي من إجراءات التحقيق و ذلك في حالات التلبس بالجريمة ، وقد حاول المشرع الجزائري في ذلك مراعاة عدة أشياء منها المحافظة على أدلة إثبات الجريمة من الضياع لذلك أجاز لضباط الشرطة القضائية القيام بإجراءات التحقيق إستثناءا حتى لايعبث بمعالم الجريمة أو تضيع ، ولهذا تنسب الجريمة الى مرتكبيها حيث انه بتوافر حالة التلبس تنتفي مظنة الخطأ أو الكيد للمتهم ، و نظرا لما يثيره موضوع التلبس بالجريمة من مشكلات في الحياة العملية لضباط الشرطة القضائية والمتمثلة في مجموعة من التساؤلات منها مفهوم التلبس ، حالاته ، شروط صحته ، وإختصاصاتهم ...ألخ .
فقد سعينا من خلال هذا البحث إلى تسليط الضوء على موضوع التلبس حيث قسمناه إلى ثلاثة مباحث حيث سنتناول في المبحث الأول ماهية التلبس وأدرجنا فيه أربعة مطالب و المبحث الثاني يتناول الاجراءات المخولة لضابط الشرطة القضائية و قد أدرجنا فيه خمسة مطالب ، أما المبحث الثالث نتناول فيه بطلان اجراءات التلبس و سنتعرض لكل مبحث بالتفصيل .
المبحث الأول: في ماهية التلبس بالجريمة
المطلب الأول : تعريف التلبـــس:
للتلبس معنيان أحدهما لغوي و الثــاني اصطــلاحي.
الفرع (01): - التعريف اللغوي للتلبـس:
التلبس في اللغة كما جاء في مختار الصحاح من لبس عليه الأمر أي إختلط ، وكما ورد في لسان العرب في مادة لبس ما يأتي:
- اللبس بالضم مصدر لقول لبست الثوب ، ألبسـه .
- و اللبس مصدر قول لبست عليه الأمر، بمعنى أشتبــه .
ولبس الثوب أي ارتداه ، نستخلص من هذا التعريف أن هذا اللفظ يوحي بشدة الإقتراب والإلتصاق و منه قوله تعالى " هن لباس لكم و أنتم لباس لهن " سورة البقرة (الاية187) وهذا معناه أن الرجل لباس زوجته و الزوجة لباس زوجها .
و اللباس ما يلبس من ثياب و سلاح في قوله تعالى " وعلمناه صنعة لبوس لكم تقيكم بأسكم " سورة الأنبياء (الآية 79) .
يقابل كلمة تلبس بالفرنسية le flagrance وهي مشتقة من الكلمة اللاتينية flagrare التي أخذت الصفة flagrant أي متلبس ( ) . الفرع(02) : - التعريف الإصطــلاحي :
- تعددت تعريفات الفقهاء للتلبس فذهب البعض الى القول بأن التلبس " هو حالة تقارب زمني بين وقوع الجريمة و إكتشافها " .
- وهناك من عرفه بأنه " المشاهدة الفعلية بالجريمة و التقارب الزمني بين وقوع الجريمة و كشفها " حيث أضاف عبارة المشاهدة الفعلية .
- و عرفوه أيضا بأنه حالة واقعية يعبر عنها مجموعة من المظاهر الخارجية التي تدل بذاتها على أن الجريمة تقع أو بالكاد وقعت و قوامها انعدام الزمن أو التقارب بين وقوع الجريمة و إكتشافها ( ) .
الفرع (03): التعريف القانوني:
التلبس هو المعاصرة او المقاربة بين لحظة إرتكاب الجريمة و لحظة إكتشافها أي تطابق و اقتراب لحظتي ارتكاب الجريمة و اكتشافها بالمشاهدة مثلا ، حيث عمد المشرع الى تحديدها تحديدا دقيقا لأن وضوح واقعة التلبس من شأنها أن تنفي مظنة التعسف والخطأ من طرف ضابط الشرطة القضائية ، فتجعل من الإجراءات التي يقوم بها أقرب الى الصحة و المشروعية وأدعى للثقة ، حيث تخوله حالة التلبس سلطة تحقيق في مجالات محددة خروجا على القواعد العامة التي لاتسمح له بممارستها إلا بناءا على تفويض من السلطة القضائية ( ) .
إن المشرع الجزائري لم يتطرق إلى تعريف التلبس و إنما تطرق في المادة 41 من قانون الإجراءات الجزائية إلى حالات التلبس بالجريمة و التي أوردها على سبيل الحصـــــر .
المطلب الثاني : حــالات التلبــس
لقد نصت المادة 11 من قانون الإجراءات الجزائية على التلبس بالجريمة " توصف الجناية أو الجنحة لأنها في حالة تلبس إذا كانت مرتكبة في الحال أو عقب إرتكــابهــــا " .
كما تعتبر الجناية أو الجنحة متلبسا بها إذا كان الشخص المشتبه في إرتكابه إياها في وقت قريب جدا من وقت وقوع الجريمة قد تبعه العامة بالصياح أو وجدت بحوزته أشياء أو وجدت آثارا أو دلائل تدعو الى افتراض مساهمته في الجناية أو الجنحة .
و تتسم بصفة التلبس كل جناية أو جنحة وقعت و لو في غير الظروف المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين ، إذا كانت قد أرتكبت في منزل و كشف صاحب المنزل عنها عقب وقوعها و بادر في الحال باستدعاء أحد ضباط الشرطة القضائية لإثبـاتهـا"( ).
و تنقسم حالات التلبس حسب المادة المذكورة إلى ثلاث طوائف تبعا لوقت إكتشاف الجريمة وهي : التلبس الحقيقي ، التلبس الإعتباري و الجريمة المتسمة بصفة التلبس .
الفرع (01) :
التلبس الحقيـقي : يكون التلبس الحقيقي في حالتين :
01- إذا كانت الجناية أو الجنحة مرتكبة في الحال : فالجاني يناجي بالمجني عليه أو برجال الضبط القضائي أثناء ارتكابه للجريمة أو يشاهده الجيران و العبرة بالمشاهدة أو الادراك دون استمرار النشاط الإجرامي فمن يحضى في ملابسة مواد مخدرة أو سلاح ناريا دون ترخيص يرتكب الجريمة طوال فترة الحيازة و لكن الجريمة ليست في حالة تلبس ، ولا تقتصر المشاهدة على الرؤية بالعين وانما تشمل الادراك بأية حاسة كشم رائحة المخدر أو الخمر تنبعث من المتهم أو سماع صوت العيارات النارية من الجهة التي قدم منها المتهم إثـر اطلاقها .
02- مشاهدة الجريمة عقب ارتكابها: يقصد بهذه الحالة مشاهدة آثار الجريمة التي تنبىء عن ارتكابها منذ زمن يسير و يعبر بعض الفقهاء عن هذه الحالة بأن الجريمة تكون وقتئـذ ما زالت ساخنة فنارها لم تخمد بعد و دخانها لايزال يشاهد و يعني ذلك أن لايكون قد انطوى وقت طويل بين ارتكاب الجريمة واكتشافها و مثال على ذلك : رؤية القتيل يلفظ أنفاسه الأخيرة والدم يسيل من جروحه و كذلك سماع صراخ المجني عليه من آلامه نتيجة إعتداء الجناة عليه في جريمة السرقة بإكراه بعد هروبهم بالمسروقات .
و لم يحدد المشرع الجزائري الفتـرة الزمنية التي تنقضي بين ارتكاب الجريمة و اكتشافها وانما ترك تحديد هذا الوقت للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع( ).
و تطبيقا لذلك جرت أحكام القضاء على أنه لاينفي قيام حالة التلبس كون ضابط الشرطة قد إنتقل الى محل الحادث بعد وقوعها بزمن ما دام أنه بادر الى الانتقال عقب علمه مباشرة .
الفرع (02) :
التلبس الإعتباري :
01- تتبع الجاني بالصياح إثر وقوع الجريمة: هذه الحالة هي إحدى حالات التلبس الإعتباري نص عليها المشرع الجزائري في الفقرة الثانية من المادة 41 من ق.إ.ج " تعتبر الجريمة متلبس بها إذا كان الشخص المشتبه في ارتكابه إياها في وقت قريب جدا من وقت وقوع الجريمة قد تبعه العامة بالصياح "( ) .
ويستفاد من هذا النص أنه يستوي أن يكون التتبع بالصياح صادرا من المجني عليه أو أحد أفراد أسرته أو من غيره من شهود الحادث أو الجيران ، و يستوي أن يكون التابعين من العامة أو من ضباط الشرطة أو معاونيهم و قد تكون المتابعة بالعدو خلف الجاني للإلحاق به ، وقد تكون بالسير خلفه دون أن يؤدي الى ضبطه ، وقد تكون بالإشارة إليه بالأيدي كما تكون بمجرد الصياح و القول اذا لم تتوافر القدرة على المتابعة .
02- حيازة الجاني للأشياء تدل على مساهمته في الجريمة في وقت قريب جدا من وقوعها: تعتبر هذه الحالة احدى حالات التلبس الإعتباري التي نص عليها المشرع الجزائري في الفقرة الثانية من المادة 41 من ق.إ.ج لقوله " تعتبر الجناية أو الجنحة متلبسا بها اذا كان الشخص المشتبه في ارتكابه إياها في وقت قريب جدا من وقت وقوع الجريمة قد تبعه العامة بالصياح أوجدت في حيازته أشياء أو وجدت آثار أو دلائل تدعو الى افتراض مساهمته في الجناية أو الجنحة " . وفي هذه الحالة تكون الجريمة قد وقعت منذ فترة قصيرة و شوهد الجاني في وقت قريب جدا من وقوعها حائزا لشيء أو لأشياء تكون اما قد استعملت في ارتكاب الجريمة كسكين ملوثة بالدماء أو تحصلت من ارتكابها كالمسروقات المتحصل عليها من السرقة حيث تعتبر قرينة قوية على ارتكابه للجريمة أو مساهمته في الجريمة و هنا لا يشترط أن يضبط المشتبه فيه في مكان الحادث أو قريب منه بالإضافة الى ذلك لم يحدد المشرع الجزائري الفترة الزمنية المقصودة من قوله " وقت قريب جدا " ولذا ترك السلطة التقديرية للقاضي الموضوع .
ان المشرع الجزائري في هذه المادة قد وسع مجال التلبس في هذه الحالة فأعتبر بمجرد الحيازة للإشياء دون حمل تلك الأشياء أي أنه لايعتد بالأحراز ( ) وانما بمجرد الحيازة ( ) .
و الأحراز يقصد به إتصال المشتبه فيه إتصالا مباشرا في الشيء الذي يحرزه كأن يكون ممسكا به أو حامل له سواء بشكل ظاهر أو مع محاولة إخفائه ، و تطبيقا للتلبس يكفي لتوافر الحيازة كأن تكون المسروقات في حديقة منزل المشتبه فيه ، لأنها عندئذ تعتبر في حوزته التي تدعو الى الافتراض بأنه قد ساهم في تلك الجريمة .
03- وجود آثار بالمشتبه فيه تدل على مساهمته في الجريمة: كذلك هذه الحالة من حالات التلبس الاعتباري وردت في نهاية الفقرة الثانية من المادة 41 من ق.إ.ج والتي تنص " إذا وجدت آثار أو دلائل تدعو الى افتراض مساهمته في الجناية أو الجنحة " ويقصد بهذه الحالة وجود آثار أو دلائل في المشتبه فيه في وقت قريب جدا من وقت وقوع الجريمة تدعو الى افتراض مساهمته في الجناية أو الجنحة وتتمثل الآثار و الدلائل في العلامات التي توجد في المشتبه فيه إما في جسمه كالآثار التي تتخلف من مقاومة المجني عليه له و المتمثلة في جروح أو لكمات أو خدوش في يده أو رقبته أو وجهه أو في جزء من جسمه و قد تكون تلك العلامات و الآثار في ملابس المشتبه فيه كبقع الدم أو تمزيق تلك الملابس مما يدعو الى الإشتباه في مساهمته في الجريمة .
الفرع (03) :
الجريمـة المتسمـة بصفـة التلبـس :
وهي المبادرة بالإبلاغ بالجريمة عقب إكتشافها في منزل ، وقد أضاف المشرع الجزائري هذه الحالة الى حالات التلبس حيث نص عليها في الفقرة الثالثة في المادة 41 من ق.إ.ج " تتسم بصفة التلبس كل جناية أو جنحة وقعت ولو في غير الظروف المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين إذا كانت قد أرتكبت في منزل وكشف صاحب المنزل عنها عقب وقوعها وبادر في الحال بإستدعاء أحد ضباط الشرطة لإثباتها " ويقصد بهذه الحالة أن تقع الجريمة في وقت غير معلوم ثم يكتشف المجني عليه وقوعها بعد مدة من الزمن ويقوم عقب اكتشافه لها بالمبادرة بإبلاغ ضابط الشرطة المختص عنها لإثبات الواقعة وإتخاذ إجراءات الضبط اللازمة مثال: لو تغيب صاحب المنزل عنه لمدة شهر مثلا و بمجرد عودته اكتشف وقوع سرقة أو اكتشف وجود جثة قتيل في حديقة منزله و بادر بإخطار السلطات عقب اكتشافه إياها . تعتبر الجريمة متلبسا بها حكما بمقتضى هذا النص بغض النظر عن الوقت الذي انقضى بين ارتكابها و بين الإبلاغ عنها، و يرجع ذلك في اعتقادنا إلى عدم إمكان التكهن بالوقت الذي وقعت فيه الجريمة فعلا ، فقد يكون ذلك الوقت هو اليوم التالي لمغادرة المجني عليه لمسكنه و قد يكون هو اليوم السابق لعودته إليه، و قد يكون أي وقت آخر فيها بين هاذين اليومين فالمشرع قد اعتبر الجريمة قد وقعت حكما في وقت قريب لاكتشافها و يسند هذا الرأي أنه لو كان المقصود هو الإبلاغ عن الجريمة في هذه الحالة عقب وقوعها بحسب حرفية النص إذ يقول:" ...و كشف صاحب المنزل عنها عقب وقوعها..." لكانت تدخل ضمن الحالة الثانية من حالات التلبس المنصوص عليها في الفقرة الأولى من نفس المادة ، إذ لو كان المقصود هو الإبلاغ وقت قريب جدا من وقت ارتكابها لكان من الواجب إدماجها ضمن الحالات التي نصت عليها الفقرة الثانية من نفس المادة و معنى ذلك أن المشرع أصبغ على هذه الحالة صفة التلبس مع أنها لا تدخل ضمن الظروف المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين معتبرا وقت اكتشاف الجريمة في حكم وقت ارتكابها ذلك الوقت الغير معلوم و الذي يصعب تحديده( ). و الجدير بالذكر أن هذه الحالة قد أضافها المشرع بغرض إضفاء أهمية خاصة على الجرائم التي تقع في المساكن في غيبة أصحابها و لذا حدد شروطا ضمنية لأعمال هذا النص( ) و هي:
أن تقع الجريمة في منزل مسكون في غيبة صاحبه أو بغير علمه.
أن يقوم صاحب المنزل باكتشاف الجريمة.
أن يبادر فورا باستدعاء ضابط الشرطة وأن يقوم هذا الأخير بإثباتها.
و عند توافر هذه الشروط و تيقن ضابط الشرطة من وقوع الجريمة على هذا النحو يمكنه ممارسة سلطاته الاستثنائية التي يمارسها في حالات التلبس.
المطلـب الثالث : شــروط صحـة التلبــس
لا يكفي لكي يحدث التلبس الآثار و النتائج المترتبة عليه إن وجدت حالة من حالات التلبس بالجريمة منتج الآثار ، أن تتوفر فيه الشروط التالية:
- أن يكون التلبس سابقا على إجراءات التحقيق الذي يجري .
- أن تكون مشاهدة الجريمة المتلبس بها قد تمت بمعرفة ضابط الشرطة القضائية أو تحققوا منها بأنفسهم .
- أن يكون إثبات حالة التلبس قد تم بطرق شرعية .
وإذا تخلف ركن من هذه الأركان فإن التلبس لا ينتج آثاره القانونية التي خولها المشرع لضابط الشرطـة القضائيــة .
الفرع (01) :
أن يكون التلبس سابقا زمنيا على إجراءات التحقيق :
يعني ذلك أنه لايجوز لضابط الشرطة القضائية أن يقوم بأي إجراء إستثنائي كالتفتيش و ضبط الأشياء إلا بعد إكتشافه حالة التلبس و إلا كان عمله باطلا ( ) و يترتب على بطلانه بطلان الدليل المستمد منه ، إذ أن المشرع لم يمنح ضابط الشرطة حق مباشرة تلك السلطات التي هي أصلا من صميم إختصاص سلطة التحقيق إلا إذا توافر التلبس الصحيح المشروع أولا ثم تأتي تلك الإجراءات لاحقة للتلبس لا سابقة له .
مثـال : لو علم ضابط الشرطة القضائية أن شخصا يحرز مخدرا في جيبه فقبض عليه أولا ريثما يستصدر إذنا من النيابة العامة بتفتيشه فإن ذلك القبض بإعتباره إجراء من إجراءات التحقيق لا يكون صحيحا قانونيا و بالتالي لو ترتبت على ذلك القبض حال من حالات التلبس كأن يخرج المقبوض عليه ما في جيبه من مخدر و يلقي به على الأرض ليتخلص منه مثلا فيشاهد مأمور الضبط تلك المخدرات و يلتقطها معتقدا أن مشاهدته لها هي حالة من حالات التلبس الحقيقي كان إعتقاده في غير محله و كان التلبس باطلا لأنه وقع لاحقا للقبض لا سابقا عليه ، و بالتالي يبطل الدليل المستمد من ذلك الإجراء الباطل أي أنه لا يعتد قانونا بإحراز الشخص المقبوض عليه بالمخدرات .
الفرع (02) :
إكتشاف التلبس بمعرفة ضابط الشرطة أو تحققه منه بنفسه :
يوجب القانون أن يكتشف ضابط الشرطة القضائية حالة التلبس بنفسه أو على الأقل يتحقق بشخصه من قيام تلك الحالة حتى يخول له أن يمارس إجراء من إجراءات التحقيق و بالتالي يكون ذلك الإجراء صحيحا ( ) ، ولا تتوافر حالة التلبس طالما أن ضابط الشرطة القضائية قد تلقى نبأها عن طريق الرواية أو النقل عن شهودها ، فإذا كان الثابت أن الذي شاهد المتهم في حالة تلبس بجريمة بيع المخدرات هو المرشد الذي أرسله ضابط الشرطة القضائية لشراء المادة المخدرة فلما حضر ضابط الشرطة القضائية إلى منزل المتهم لم يكن به من الآثار الظاهرة لتلك الجريمة لا يستطيع ضابط الشرطة القضائية مشاهدته و الإستدلال به على قيام حالة التلبس فلا يمكن عند حضور ضابط الشرطة القضائية بإعتبار المتهم في حالة تلبس ذلك أن لايمكن إعتبار ورقة المخدر التي حان لها المرشد الى ضابط الشرطة القضائية عقب البيع أثر من آثار الجريمة يكفي بجعل حالة التلبس قائمة فعلا وقت إنتقال ضابط الشرطة القضائية ، لأن الآثار التي يمكن إتخاذها علامة على قيام حالة التلبس إنما هي الآثار التي تنبىء بنفسها على أنها من مخلفات الجريمة التي لا تحتاج في الأنباء عنها الى شهادة شاهد ، وتظل حالة التلبس قائمة على الرغم من أن ضابط الشرطة القضائية تلقى نبأ الجريمة عن طريق الغير ما دام قد بادر بالإنتقال الى محل الواقعة فور علمه بالجريمة و شاهد آثارها التي تنبىء عن ارتكابها منذ وقت قصير أو يتأكد من وجود المشتبه فيه حائزا للأشياء أو يشاهده و به آثار تدعو الى افتراض مساهمته في ارتكاب جناية أو جنحة معقب عليها بالحبس ، و الجدير بالذكر أن حالات التلبس لا تتعلق بالمخالفات و إنما هي قاصرة على الجنايات و الجنح المعاقب عليها بالحبس إذ أن المشرع نص في المادة 55 من ق.إ.ج " تطبق نصوص المواد من 42 الى 54 في حالة الجنحة المتلبس بها في جميع الأحوال التي ينص فيها القانون على عقوبة الحبس " .
و معنى ذلك أن التلبس يقصد به جرائم الجنايات عموما و جرائم الجنح المعاقب عليها بالحبس فلا تنطبق على الجنح المعاقب عليها بالغرامة ، و بالمقارنة مع النص المقابل في القانون المصري في المادة 34 من ق.إ.ج إجراءات لمأموري الضبط القضائي في أحوال التلبس بالجنايات أو الجنح التي يعاقب عليها بالحبس لمدة تزيد عن ثلاثة (03) أشهر أن يأمر بالقبض على المتهم الحاضر التي توجد دلائل كافية على اتهامه و ما دام المشرع الجزائري لم يذكر في النص حدا أدنى للحبس في الجنح ، فمعنى ذلك أن جميع الجنح المعاقب عليها بالحبس أيا كانت مدته تسري عليها أحكام التلبس التي نحن بصددها بما فيها وجوب توافر شروط صحة التلبس . وعلى الرغم من أن إجماع الفقهاء يكاد ينعقد على وجوب إدراك ضابط الشرطة القضائية إدراكا شخصيا و مباشرا للواقعة الإجرامية و آثارها ، إلا أن بعض الفقهاء لم يتطلبوا هذا الشرط و سندهم في ذلك الآتي:
أن المشرع لم يتطلب هذا الشرط في نصوص المادة 41 قانون الإجراءات الجزائية الجزائري و في نصوص المواد 30 إجراءات جنائية مصري و53 إجراءات جنائية فرنسي.
إن الفقهاء الذين تطلبوا هذا الشرط يهدفون إلى ضمان حرية المتهمين، غير أن تحديد حالات التلبس على سبيل الحصر يحقق هذا الضمان بما يستغنى عن تطلب شرط الإدراك الشخصي المباشر.
إن واقع الحياة العملية يدل على أن ضابط الشرطة لا يشاهد حالة - لحرص المجرم على ارتكاب جريمته بعيدا عن رقابته- و إنما الغالب أن يتلقى نبأها عن طريق الرواية عن الغير و يؤيد ذلك أن المادة 42 ق إ ج أوجبت على ضابط الشرطة القضائية الانتقال دون تمهل إلى مكان الجناية المتلبس بها فور علمه بها ، و هي بذلك تفترض أن ضابط الشرطة كان في مكتبه و لم يشاهد حالة التلبس.
كما أن اشتراط هذا الشرط يجعل التلبس غير قائم في كثير من الصور العملية كالشروع في القتل بعيار ناري لم يصب المجني عليه، فليست هناك آثار حتى يشاهدها ضابط الشرطــة.
الفرع (03): اكتشاف التلبس بطريق مشروع
لا يكفي لصحة التلبس أن يكون سابقا لإجراءات التحقيق التي يمارسها ضابط الشرطة و أن يكون اكتشافه بمعرفة ضابط الشرطة شخصيا، بل يجب علاوة على ذلك أن يكون اكتشاف حالة التلبس عن طريق مشروع و يقصد بذلك أن يكون وسيلة اكتشافه غير مخالفة للقانون أو الأخلاق ، و إلا كان التلبس و ما انبنى عليه من إجراءات و ما استمد منها من أدلة كلها باطلـــة.
و يثار التساؤل متى تكون طريقة اكتشاف التلبس مشروعة و متى لا تكون كذلك؟
و للإجابة على هذا السؤال يجب التفرقة بين الطرق المشروعة و غير المشروعة على النحو الآتي:
أولا: اكتشاف التلبس بطريق مشروع:
يكون التلبس مشروعا إذا اكتشف عرضا أو باستخدام حيلة مشروعة، أو أثناء القيام بإجراء صحيح على النحو التالي:
أ- اكتشافه عرضا: أي أن يقع التلبس بطريقة عرضية دون سعي أو إتيان عمل إيجابي من جانب ضابط الشرطة و مثال ذلك:
أن يصادف ضابط الشرطة القضائية شخصا في الطريق العام أو في المحل العام يحمل سلاحا ناريا ظاهرا فيسأله عما إذا كان لديه ترخيص بحمله فيجيب بالنفي، ذلك يعتبر تلبسا بجنحة حمل السلاح و لو استطاع المتهم فيما بعد أن يقدم الرخصة إذا لا يشترط في التلبس أن يثبت أن الواقعة التي اتخذت الإجراءات بالنسبة إليها متوافرة فيها عناصر الجريمة أو أن المتهم هو الذي قارفها و إذن القبض على هذا المتهم يكون صحيحا و تفتيشه، سواء لداعي مجرد القبض عليه أو للبحث عن أدلة مادية متعلقة بالجريمة كالخراطيش الخاصة بالسلاح الذي ضبط معه صحيح كذلك و متى كان التفتيش صحيحا فإن ضابط الشرطة القضائية الذي باشره يكون له بمقتضى القانون أن يضع يده على ما يجده في طريقه أثناء عملية التفتيش سواء في ذلك ما يكون متعلقا بالجريمة التي يعمل على كشف حقيقة أمرها أو بأية جريمة أخرى لم تكن وقت إذن محل بحث.
أما الضبط و هو عمل من أعمال التحقيق كالتفتيش و إن كان أهون منه على الناس في خطره فإنه يكون صحيحا على أساس التلبس إذا كان ما شوهد أثناء التفتيش تعد حيازته جريمة كالمخدر مثلا فإذا لم يكن إلا دليلا كشف عن جريمة سبق وقوعها فإن هذا الدليل يكون بمثابة بلاغ عنها يخول ضابط الشرطة القضائية أن ثبت حالة في محضر يحرره و يسير في التحري عنه ثم يتحفظ عليه مؤقتا حتى يقدمه لسلطة التحقيق المختصة بضبطه قانونا،ففي كل الأحوال يكون الاستدلال بالشيء المضبوط أثناء التفتيش الصحيح سائغا جائزا.
و قد يحدث أن يصاب شخص في حادث فينقل إلى المستشفى و في سبيل التعرف على شخصيته تفتش ملابسه ، فإذا عثر على مادة مخدرة أو جسم لجريمة نتيجة هذا التفتيش تكون الجريمة في حالة تلبس مادام أن إجراء التفتيش قد تم بوجه قانوني.
ب. اكتشافه عن طريق استخدام حيلة مشروعة:
أي أن يجيء التلبس عن طريق سعي من ضابط الشرطة القضائية، و لكنه سعي لا يخالف القانون و لا الاخلاق ، و مثال ذلك أن يصل إلى علم ضابط الشرطة القضائية أن شخصا يتاجر بالمخدرات و يبيعها للجمهور لمن يتقدم إليه فيتنكر ضابط الشرطة في زي مدني لكي يشترى منه قطعة من المخدر فيبيعه إياها فيضبطه بما يحمل من مخدرات.
و كذلك إذا تنكر ضابط الشرطة القضائية في زي عامل من عمال طلاء السيارات يشتري سلعة تموينية من شخص اشتهر عنه الاتجار في قوت الشعب فباعه بتلك السلعة بأزيد من السعر الرسمي كما يبيعها لغيره من العامة فضبطه عند إتمام عملية البيع.
ففي هاتين الحالتين لجأ ضابط الشرطة القضائية إلى حيلة التنكر بأزياء مدنية مستبدلين بها ملابسهم الرسمية و هذه حيلة لا تتعارض مع القانون أو الآداب أو الأخلاق في شــــيء.
جـ* اكتشاف التلبس أثناء القيام بإجراء صحيح:
و مثال ذلك أن يتوجه ضابط الشرطة القضائية لتفتيش مسكن شخص متهم في سرقة مجوهرات سواء كان ذلك في حالة تلبس صحيح قانونا، أو بناءا على أمر صادر من قاضى التحقيق أو النيابة العامة بالتفتيش بغرض البحث عن الحلي أو المجوهرات المسروقة فيعثر في منزل المتهم أثناء التفتيش على ساعة مسروقة في واقعة أخرى، أو يعثر على مواد مخدرة أو على سلاح ناري غير مرخص أو غير ذلك، فالتفتيش الذي أجراه ضابط الشرطة إجراء صحيح أصلا و حالات التلبس التي عرضت له تكون صحيحة و مشروعة و يترتب عليها مسؤولية صاحب المنزل عن كل جريمة جديدة متلبسا بها.
و إذا كان رجال البوليس المأذونين بتفتيش شخص و منزله و مقهاه، لما دخلوا المقهى قد شاهدوا شخصا غير وارد اسمه في إذن التفتيش عند بابه الخلفي يحاول الهرب ، فلحق به أحدهم و بحث خارج ذلك الباب فوجد على مقربة منه كيسا على الأرض به حشيش ففتشوا الشخص لاعتقادهم أن له ضلع في جريمة إحراز هذا الحشيش فعثروا معه على حشيش أيضا، فإن هذا التفتيش يكون صحيحا. لأن الحكم يكون قد أثبت أن جريمة إحراز المخدر كان متلبسا بها ، ذلك لأن التلبس بالجريمة لا يشترط فيه مشاهدة شخصا بعينه يرتكبها ، بل أنه يكفي مشاهدة الفعل المكون له وقت ارتكابه أو بعد وقوعه ببرهة يسيرة و لو لم يشاهد مرتكبه و لأن رجال الضبطية القضائية هم في أحوال التلبس بالجنح و الجنايات أن يقبضوا على كل من يقوم لديهم أي دليل على مساهمته في الجريمة كفاعل أو شريك و لو لم يشاهد وقت ارتكابها.
ثانيا: اكتشاف التلبس بطريق غير مشروع:
تتعدد صور السلوك الغير مشروع الصادر من ضابط الشرطة القضائية و ترجع عدم المشروعية إما إلى كون سلوكه يشكل جريمة ، أو تخلف بعض الشروط اللازمة لصحة العمل الذي باشره ، أو تعسفه في تنفيذ اختصاصاته القانونية ، أو منافاة سلوكه للأخلاق و الآداب العامة ، أو أن يكون سلوكه يعد تحريضا على ارتكاب الجرائم.
.أسباب عدم المشروعية:
أ - كشف التلبس من خلال سلوك يعد جريمة:
فقد يكون رجل السلطة العامة الذي كشف عن حالة التلبس جريمة في حد ذاته، كما لو باشر ضابط الشرطة القضائية قبضا و تفتيشا في غير الأحوال التي يرخص فيها القانون في ذلك كما لو قبض أحد رجال البوليس على شخص و هو سائر في الطريق و أجرى تفتيشه بمجرد الظن أو الاشتباه في أنه يحرز مخدرا، فإن هذا التفتيش الحاصل بغير إذن من النيابة العامة يكون باطلا لمخالفته لأحكام القانون ، فإذا كانت الواقعة هي أن المتهم عند رؤيته رجال البوليس أخرج ورقة من جيبه ووضعها بسرعة في فمه فلا تلبس في هذه الحالة ، لأن ما حوته تلك الورقة لم يكن بالظاهر حتى كان سيستطيع رجال البوليس رؤيته ، إذا كان رجال البوليس قد قبضوا على هذا المتهم و فتشوه فهذا القبض و التفتيش يكونان باطلين حتى و لو كان المتهم من المعروفين لدى المصالح الجنائية بالاتجار في المخدرات.
ب - تخلف بعض الشروط اللازمة لصحة العمل:
كذلك يتحقق سلوك غير المشروع حتى و لو كان ضابط الشرطة القضائية يباشر عملا قانونيا و لكن تخلفت بعض شروط صحته ، كما لو دخل ضابط الشرطة القضائية أحد المحال العامة (مقهى) لمراقبة تنفيذ القوانين ، فإن هذا الدخول يكون مبررا و لا يستلزم الحصول على إذن ، إلا أن هذا الدخول لا ينبغي أن يستطيل إلى الأماكن المتخذة سكنا ، ويقتصر هذا الدخول على أوقات العمل دون الأوقات التي تغلق فيها ، و ليس له استكشاف الأشياء المغلقة الغير الظاهرة ما لم يدرك ضابط الشرطة القضائية بأحد حواسه قبل التعرض لها مما يجعل أمر حيازتها أو إحرازها جريمة تبيح التفتيش ، و يكون عمله في هذه الحالة قائما على حالة التلبس لا على حق ارتياد المحال العامة.
جـ - تعسف ضابط الشرطة في تنفيذ اختصاصاته القانونية:
و نقصد به تلك الحالات التي يكون فيها ضابط الشرطة القضائية مخولا سلطة ما للقيام بإجراء قانوني أصلا و لكنه يسيء استعمال تلك السلطة أو ينحرف عنها و تنشأ عن ذلك الانحراف بالسلطة حالة تلبس جديدة بجريمة أخرى غير الجريمة الأولى التي كان يمارس الإجراء القانوني فيها ، و فيما يلي نقدم مثالين لحالتي تجاوز حدود السلطة و إساءة استعمالها.
إن يندب ضابط الشرطة لإجراء معين فيتجاوز حدود سلطته أي يتعداها إلى إجراء آخر و مثال ذلك: أن يكلف بتفتيش منزل شخص فيفتش المنزل ثم يفتش الشخص نفسه فإن عثر معه على شيء يكون جريمة فلا يعتد بالتلبس الأخير و العكس صحيح أي أن يكون مكلفا بتفتيش الشخص فقط فيفتشه ثم يفتش المسكن دون أن يكون مأمورا بالإجراء الأخير فيقع تفتيشه باطلا أيضا.
أن يتعسف ضابط الشرطة في استعمال سلطته: و مثال ذلك أن يكلف ضابط الشرطة القضائية بتفتيش مسكن شخص و تفتيش الشخص ذاته للبحث عن سلاح ناري استخدم في جناية قتل، فيجري ضابط الشرطة تفتيش حافظة نقود ذلك الشخص و يجد بها لفافة صغيرة فيفتحها فيجد بها قطعة من مادة مخدرة هنا يقع تفتيشه للمادة الموجودة باللفافة الصغيرة بداخل حافظة النقود باطلا لأنه تعسف في استعمال السلطة إذ لا يعقل من الناحية المنطقية وجود السلاح الناري الذي يبحث عنه بداخل اللفافة الصغيرة ، و قد قضى ببطلان هذا التفتيش لأنه تعسف في استعمال السلطة.
د - منافاة سلوك رجل الضبط للأخلاق والآداب العامة:
كذلك يعد سلوكا غير مشروع من جانب ضابط الشرطة القضائية اللجوء إلى وسيلة تتنافى مع الأخلاق و الآداب العامة لإثبات التلبس ، فإذا كان من المقرر أنه لا يجوز إثبات حالة التلبس بناءا على مشاهدات يختلسها رجال الضبط من خلال ثقوب أبواب المساكن لما في هذا المساس بحرمة المساكن و المنافاة للآداب و كذلك لا يجوز إثبات تلك الحالة بناءا على اقتحام المسكن فإن ذلك يعد جريمة في القانون فإذا كان الظاهر أن مشاهدة رجال الضبط للمتهمين وهم يتعاطون الأفيون بواسطة الحقن كانت من ثقب الباب ، و أن أحد الشهود احتال عليهم لفتح الغرفة التي كانوا فيها على هذه الحالة ثم اقتحمها رجال الضبط و ضبط المتهمين وتم تفتيشهم فعثر لديهم على مخدر فإن حالة التلبس لا تكون ثابتة و يكون القبض و التفتيش باطليـــــن.
و إذا كانت العلة في تجريم النظر من ثقوب الأبواب هي ما ينطوي عليه هذا العمل من انتهاك حرمة المكان ، فإن الفعل يصبح مباحا إذا كان لا ينطوي على هذا الانتهاك كما لو كان النظر من ثقب الباب تم بمعرفة من له صفة في المكان فإذا كان الثابت أن المكان الذي حصل فيه التفتيش لم يكن مسكنا للمتهم بل هو المحل المخصص لعمل القهوة بديوان البوليس، فإن الشرطي الذي نظر خلال ثقب بابه لم يكن يقصد التجسس على من به إذ لم يكن يعرف أن المتهم مختبئ فيه ، بل كان يستطلع سبب الضوء المنبعث منه ، فرأى المتهم مشتغلا بعد كربونات الكيروسين المسروقة ، فإن حالة التلبس تكون قائمة و التفتيش يكون صحيحا.
كذلك يعد النظر من ثقب الباب مشروعا إذا تم بموافقة من له الصفة في المكان إذ أن الرضا الصادر عمن له الصفة في المكان يعتبر في هذه الحالة سبب إباحة ينفي عن فعل ضابط الشرطة وصف الجريمة و يضفي المشروعية على اكتشاف حالة التلبس.
كذلك لا يصح إثبات التلبس من خلال التصنت ما لم يكن لا ينطوي على معنى الجاسوسية تطبيقا لذلك قضى بأنه متى كان الثابت أن الضابط و زميله إنما انتقلا إلى محل المجني عليه و استخفيا فيه بناءا على طلب صاحبه ليسمعا إقرار المتهم بأصل الدين و حقيقة الفائدة التي حصل عليها في القرضين ، فإنه لا يصح أن يعاب التسمع هنا بالنسبة لرجل البوليس منافاة الأخلاق لأن من مهمة البوليس الكشف عن الجرائم للتوصل إلى معاقبة مرتكبيها.
كذلك تتوافر حالة التلبس بتسمع عضوي الرقابة الإدارية للحديث الذي دار بين المتهم و بين الموظف المبلغ في مسكن هذا الأخير و رؤيتهما واقعة تسليم مبلغ الرشوة من خلال ثقب باب حجرة الاستقبال ، مادامت تلك الحالة قد جاءت عن طريق مشروع و هو دعوة الموظف عضوي الرقابة إلى الدخول إلى منزله و تسهيله لهما رؤية الواقعة توصلا إلى ضبط مقارفهما، بما لا منافاة فيه لحرية شخصيته أو انتهاك لحرمة المسكن.
هـ - سلوك مأمور الضبط تعد تحريضا على ارتكاب الجرائم:
فالمشروعية هي السمة التي يجب أن تتوافر في سلوك مأمور الضبط القضائي عند إثبات التلبس ، على أن أظهر حالات عدم المشروعية هي التحريض الواقع من رجل السلطة العامة لارتكاب جريمة لضبط مرتكبها في حالة تلبس ، فالقضاء لا يقر التدخل الواقع من ضابط الشرطة القضائية في صورة تحريض على الجريمة بهدف ضبطها ، ذلك أن عمل رجل البوليس يجب أن يقتصر على منع الجريمة ، فإن أخفق في ذلك فعليه عبء ضبطها ، و ليس له في سبيل ذلك أن يحرض على ارتكابها.
و يعد سلوك ضابط الشرطة القضائية تحريضا إذا كان ينطوي على خلق حالة التلبس و يكون ذلك بتعارض هذا السلوك مع القانون في نصوصه وروحه.
و يلاحظ أنه لا أهمية للباعث الذي دفع رجل الضبط إلى التحريض ، لأن هذا السلوك يتعارض مع الواجبات الأدبية لوظيفة الضبط القضائي كما يتعارض هذا السلوك مع الالتزام بالاستقامة ، ذلك الالتزام الذي يفرضه القانون على رجال الضبطية القضائية عند بحثهم عن الجرائم ، و من أمثلة ذلك أن يتظاهر رجال الضبط بأنه يعتزم أن يستغل ما لديه من رأس مال في الاتجار الغير المشروع بالعملة و يلجأ إلى أحد الأشخاص المشهور عنهم تهريب النقد و يمدهم بالمال اللازم لتهريبه للخارج لعقد الصفقة ثم بضبطه بعد إتمام تلك الصفقة ، و يصدق المثال على تمويل المجرمين لعقد صفقات لتهريب المواد المخدرة ، و قد يستخدم رجال الضبط أموال الدولة في هذه المحاولات إذا كانت الأموال العامة تحت يده للإنفاق منها في وجوه معينـــة.
و لا شك أنه لا يعتد بالتلبس في مثل هذه الحالات التي يكون فيها وليد التحريض من جانب رجال الضبط على ارتكاب الجرائم إذ لولا تحريضه ولولا مساعدته للمجرمين بتقديم المال لما ارتكبت هذه الجرائم.
هل يعد تحريضا التحايل على اكتشاف الجرائم؟
هناك فارق بين التحريض على ارتكاب الجريمة و التحايل على اكتشافها، فالأول يؤدي إلى وقوع الجريمة كأثر له ، أما الثاني فهو يهدف إلى كشف أمر جريمة ارتكبت بالفعل لذلك فإن القضاء أقر مشروعية الثاني دون الأول.
فاعتبر القضاء تحايلا على كشف الجريمة و من ثم مشروعية هذا السلوك.
المطلــب الرابـع : خصــائص التلبـــس :
يتميز التلبس كنظام قانوني بمجموعة من الخصائص التي تميزه عن النظم القانونية الأخرى ، و قد سبق لنا أن تعرضنا لسمات ثلاث له هي: حصر حالات التلبس ، جواز إدراك التلبس بأي حاسة من الحواس ، سلطة قاضي الموضوع في القول بتوافر إحدى حالات التلبس أو انتقائها لذلك سنتعرض لبقية هذه السمات:
* الفرع (01) : الطابع العيني للتلبس:
يقصد بذلك أن التلبس وصف ينصرف إلى الجريمة لا إلى شخص مرتكبها ، و هو ما عبر عنه المشرع الجزائري بقوله" توصف الجناية أو الجنحة بأنها في حالة تلبس"و ما دام الأمر كذلك فإنه متى توافرت إحدى حالات التلبس بالجريمة كان لضابط الشرطة القضائية الذي أدرك وقوعها القبض على كل من يقوم دليل على مساهمته فيها و تفتيشه بغير إذن النيابة يستوي في ذلك من يشاهد و هو يرتكب الفعل المكون للجريمة أو من يتبين مساهمته فيها و هو بعيد عن محل الواقعة.
فإذا استصدر ضابط الشرطة إذن من النيابة بضبط متهم حكم بإدانته و تفتيشه فقام بهذا الإجراء فوجده يحرز مادة مخدرة ، وإن هذا المتهم دله على شخص آخر-هو المطعون ضده- باعتباره مصدر هذه المادة و البائع لها ، فإن انتقال الضابط إلى مكان هذا الشخص وتفتيشه بإرشاد المتهم الآخر يكون إجراء صحيحا في القانون ذلك لأنه بضبط المخدر مع المتهم الآخر تكون جريمة إحرازه متلبسا بها مما يتيح لرجل الضبطية القضائية الذي شاهد وقوعها أن يقبض على كل من يقوم لديه دليل على مساهمته فيها و أن يفتشه.
*الفرع (02): انصراف التلبس الى ما يدل على توافر الركن المادي للجريمة:
فالتلبس كما ذكرنا يتعلق باكتشاف الجريمة، و مادام الأمر كذلك فلا بد من وجود ماديات يستدل بها على وقوع الجريمة ، ولا يشترط في هذه الماديات أن تكون الركن المادي للجريمة بل يكفي أن تحمل على الاعتقاد بتحقيق الركن المادي للجريمة في أحد عناصره، فيستوي تعلقها بالفعل أو النتيجة.
و تفصيل ما سبق أن اشتراط انصراف التلبس إلى الركن المادي كما ذهب إلى ذلك رأي في الفقه لا يتوافر من وجهة نظرنا إلا بالنسبة للحالة الأولى و الثانية من حالات التلبس بالجريمة حيث يدرك ضابط الشرطة الركن المادي للجريمة وقت تنفيذه ، أما ما عدا ذلك من حالات فلا يتوافر فيه هذا الإدراك في الغالب - و الدليل على ذلك - أن التتبع المقترن بالصياح ليس هو الفعل أو النتيجة الإجرامية في جريمة القتل أو السرقة مثلا كذلك فإن حالة الفزع التي انتابت شخصا في أعقاب إطلاق عيار ناري عليه أخطأه...
- و مشاهدة ضابط الشرطة حالة الفزع - ليست هي الفعل في جريمة الشروع في القتل ، كذلك فإن حمل شخص سكينا ملوثة بالدماء بعد ارتكابه لجريمة القتل- و دون رؤية ضابط الشرطة فعل القتل أو جثة المجني عليه- لا يمكن اعتباره فعل القتل أو النتيجة الإجرامية.
ففي الحالات السابقة جميعها- ما عدا الحالة الأولى و الثانية من حالات التلبس- لم ينصرف التلبس إلى عناصر الركن المادي للجريمة ، و إنما انصرف إلى مظاهر خارجية ، لا تعد جزءا من الركن المادي و إن كانت مرتبطة به لدلالتها على وقوعها كأثر لكفايتها.
و متى شاهد ضابط الشرطة تحقق الركن المادي للجريمة أو تحقق أحد عناصره أو شاهد المظاهر التي تدل على وجوده تحققت بذلك حالة التلبس في إحدى صورها ، و جاز له مباشرة الإجراءات المترتبة عليها دون حاجة إلى التحقق من العناصر الأخرى للجريمة..
*الفرع (03): انصراف التلبس إلى الجريمة التي توافرت لها إحدى حالاته:
متى توافرت حالة التلبس بالجريمة اقتصر هذا الوصف على الجريمة التي وجدت في إحدى الحالات المنصوص عليها في المادة 41 ق.إ.ج ، و يترتب على ذلك أن هذا الوصف لا يمتد لأي جريمة أخرى لم تتوافر لها إحدى حالات التلبس بالجريمة و لو كانت الجريمة الأخرى مرتبطة بالجريمة المتلبس بها ، و من ثمة لا يجوز لضابط الشرطة مباشرة إجراءات التحقيق المخولة له استثنـاء بالنسبة للجريمة المرتبطة بالجريمة المتلبس بها ذلك أن التلبس نظام استثنـائي مما يقتضي مباشرة السلطات المترتبة عليه في نطاق الجريمة التي وجدت في إحدى حالاته دون غيرها.
و يلاحظ أنه بالنسبة للجرائم المستمرة تظل حالة التلبس قائمة ما بقيت حالة الاستمرار، و يجوز خلال الوقت الذي تستمر خلاله الجريمة اتخاذ الإجراءات التي يجيزها التلبس ، و يرجع ذلك إلى أن هذا النوع من الجرائم يكون تنفيذه قابلا للامتـداد في الزمن كما
أراد فاعلها ذلك ، و من أمثلة هذه الجرائم جريمة استعمال محرر مزور " فهي جريمة مستمرة تبد أ بتقديم الورقة و التمسك بها و تبقى مستمرة ما بقي مقدمها متمسكا بها ، و لا تبدأ مدة سقوط الدعوى إلا من تاريخ الكف عن التمسك بها أو التنازل عنها- و لو ظلت في يد الجهة المستعملة أمامها- أو من تاريخ صدور الحكم بتزويرها ، و جريمة إحراز مواد مخدرة ، وجريمة سرقة تيار كهربائي و جريمة إحراز سلاح بدون ترخيص ، لذا قضى بأن متى كانت جريمة إحراز السلاح متلبسا بها ، فإن هذا يجيز لضابط الشرطة القبض على الجاني و تفتيشه في أي وقت و في أي مكان مادامت حالة التلبس قائمة و لا تصح مطالبة القائم بالتفتيش بالوقوف فيه عند انقضاء وقت معين أو عند العثور على شيء معين و من ثمة فإن الدليل المستمد من هذا التفتيش يكون صحيحا.
المبحث الثاني: السلطات الإستثنائية لضابط الشرطة القضائية في حالات التلبس
.السلطات الاستثنائية لضابط الشرطة القضائية في حالات التلبس:
منحت المواد من 42 الى 62 من قانون الإجراءات الجزائية لضابط الشرطة القضائية في أحوال التلبس قسطا كبيرا من إجراءات التحقيق استثناءا هي في واقع أمرها من أهم الآثار القانونية التي تترتب على حالات التلبس بالجريمة ، لأن حالة التلبس كثيرا ما تلقي الذعر في نفوس أفراد المجتمع ، و يكون من الصالح العام الإسراع باتخاذ إجراءات الضبط فيها و بحسب نصوص التشريع الجزائري تنحصر تلك السلطات الاستثنائية فيما يلي :
• واجباته المتمثلة في كل من إخطار وكيل الجمهورية و الإنتقال فورا للمعاينة و سماع أقوال الشهود وندب الخبراء و الإستعانة بالأشخاص المؤهلين .
• سلطتــه في الإستيقـاف و القبـض .
• سلطته في التحفظ على الحاضرين و الشهود بمسرح الجريمة من ضبط المشتبه فيه والأمر بعدم المبارحـة .
• سلطتـه في التوقيـف للنظــر .
• سلطتــه في التفتيــش .
المطلــب الأول : واجبات ضابط الشرطة القضائية في حالة التلبس :
الفرع (01) :- إخطار وكيل الجمهورية و الانتقال فورا للمعاينة:
تطبيقا لما نصت عليه المادة 42 من ق.إ.ج " يجب على ضابط الشرطة القضائية الذي بلغ بجناية في حالة التلبس أن يخطر بها وكيل الجمهورية على الفور ثم ينتقل بدون تمهل إلى مكان الجناية و يتخذ جميع التحريات اللازمة و عليه أن يسهر على المحافظة على الآثار التي يخشى أن تختفي" . والمقصود بالسهرعلىالآثار التحفظ عليها وعدم تمكين أحد أو السماح لأي شخص بتغيير معالم مكان وقوع الجريمة حيث تنص المادة 43 ق إ ج" يحظر في مكان ارتكاب جناية على كل شخص لا صفة له، أن يقوم بإجراء أي تغيير على حالة الأماكن التي وقعت فيها الجريمة أو ينزع أي شيء منها قبل الإجراءات الأولية للتحقيق القضائي ، و إلا عوقب بغرامة من 200 إلى 1000 دينار جزائري" و يتحتم على ضابط الشرطة القضائية أن يعرض الأشياء المضبوطة على الأشخاص المشتبه في مساهمتهم في الجناية للتعرف عليهم و ذلك تطبيقا للفقرة الأخيرة من المادة 42 التي تنص على :" و أن يعرض الأشياء المضبوطة على الأشخاص المشتبه في مساهمتهم في الجناية للتعرف عليها"
و هذه الواجبات و إن كانت هي بعينها التي يقوم بها عادة ضابط الشرطة القضائية في حالة وقوع جناية أو جنحة في غير حالات التلبس ، إلا أن الفارق بين حالة التلبس و غيرها أن الانتقال و المعاينة و إخطار النيابة بالواقعة قد أمر به المشرع على سبيل الوجوب و نص على الإلزام بالقيام بها بصفة فورية عاجلة ، فهي إذن ليست اختيارية لضابط الشرطة كما هو الحال في غير حالات التلبــس.
و يترتب على هذا الإلزام أن ضابط الشرطة القضائية يسأل إداريا عن التمهل أو التأخير في الانتقال لضبط الواقعة و كذلك عند عدم إخطار وكيل الجمهورية بوقوع الجريمة في حيينها أو مجرد التراخي أو التأخير في ذلك الإخطار و من باب أولى يسأل ضابط الشرطة عن امتناعه عن تلقي بلاغ التلبس أو امتناعه عن ضبط الواقعة.
الفرع (02) : سماع أقوال الشهــود :
تطبيقا لأحكام المادة 50 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري " يجوز لضابط الشرطة القضائية منع أي شخص من مبارحة مكان الجريمة ريثما ينتهي من إجراء تحرياته"
و لما كانت تلك المادة توجب على كل شخص أن يمتثل لأوامر ضابط الشرطة القضائية في كل ما يطلبه منه بشأن التعرف على هويته أو التحقق من شخصيته كلما كان ذلك ضروريا في مجرى جمع الاستدلالات القانونية و تقضي الفقرة من هذه المادة " كل من خالف أحكام الفقرة السابقة يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز 10 أيام و بغرامة 500دج" و من الطبيعي أن المحكمة هي التي توقع هذه العقوبة بناءا على ما يثبته ضابط الشرطة القضائية في محضره ليس هذا فحسب بل إن الفقرة الأولى من المادة 51 من قانون الإجراءات الجزائرية " إذا رأى ضابط الشرطة القضائية لمقتضيات التحقيق ، أن يوقف للنظر شخصا أو أكثر ممن أشير إليهم في المادة 50 ، فعليه أن يطلع فورا وكيل الجمهورية و يقدم له تقريرا عن دواعي التوقيف للنظر"
أي تجيز لضابط الشرطة القضائية أن يحتجز تحت المراقبة شخصا أو أكثر من شهود الحادث إذا كانت مقتضيات التحقيق تتطلب ذلك على أن لا تتجاوز مدة الحجز 48 ساعة و هذا ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 51 من ق إ ج.
و نلاحظ أن هذه السلطة ليست قاصرة على حالات التلبس بجناية فقط بل كذلك في التلبس بجنحة عقوبتها الحبس كما سبق القول تطبيقا للمادة 55 قانون إجراءات الجزائية أما في غير حالات التلبس فلا يملك ضابط الشرطة القضائية أن يأمر بإحضار شاهد أو حجزه و كل ما له هو أن يستدعيه للحضور لأخذ معلوماته فإذا امتنع يثبت ضابط الشرطة القضائية ذلك في محضره و له أن يستصدر أمرا بضبطه و إحضاره من قاضي التحقيق أو وكيل الجمهورية عند الاقتضاء.
الفرع (03) : ندب الخبراء و الإستعانة بالأشخاص المؤهلين :
تتضمن أحكام المادة 49 من قانون أ ج ج:" إذا اقتضى الأمر إجراء معاينات لا يمكن تأخيرها فلضابط الشرطة القضائية أن يستعين بأشخاص مؤهلين لذلك.
و على هؤلاء الأشخاص الذين يستدعيهم هذا الإجراء أن يحلفوا اليمين كتابة على إبداء رأيهم بما يمليه عليهم الشرف و الضمير" و من هنا نرى أن انتداب الخبراء في هذه الحالة (تلبس)، خاضع لتقدير ضابط الشرطة القضائية و معياره سرعة اتخاذ الإجراء ، و بذلك يختلف الأمر عن سلطته العادية في غير حالات التلبس إذ تكون سلطته في الاستعانة بالخبراء متوقفة على رضا صاحب الشأن سواء كان رضا صريحا أو فنيا على ما سبق بيانه و معنى ذلك أنه إذا كان الإجراء المطلوب انتداب الخبير من أجله، لا يتطلب السرعة في اتخاذه فإن على ضابط الشرطة القضائية أن يترك ذلك للمحقق الأصلي.
المطلـب الثاني:
سلطة ضابط الشرطة القضائية في الإستيقاف و القبض :
الفرع (01) : الإستيقاف بغرض تحقيق الهويـة :
الإستيقاف إجراء بوليسي الغرض منه تحقيق هوية المستوقف الذي يشك في أمره ، وهو إجراء يخوله القانون لرجال السلطة العامة بوجه عام ، ومن باب أولى يخول لرجل الضبطية القضائية، و هو إجراء يعرف بأنه إيقاف الشخص في الطريق لتوجيه أسئلة إليه عن إسمه و عنوانه و وجهته أو هو إجراء يخول لرجل السلطة العامة عند الشك في أمر عابر السبيل لأسباب معقولة سواء كان راجلا أو راكبا ، و يشترط صحته أن يضع الشخص المستوقف نفسه موضع الشبهات و الريب طواعية واختيارا بأن ينبىء هذا الوضع عن ضرورة تدخل رجل السلطة للكشف عن حقيقة أمره ، و هو إجراء – أي الإيقاف – لا يتضمن بهذا المفهوم مساسا بحرية المستوقف أي أنه لا يعتبر إعتداء أو تعرض لها .
لم ينظم ق.إ.ج الإستيقاف بنصوص صريحة و واضحة ، إلا أنه أعمالا للقواعد العامة التي لاتمنع رجل السلطة العامة – الشرطة الإدارية – في عمله الوقائي من إستيقاف من يضع نفسه طواعية موضع الشبه و الريب ، أو أن يعجز المستوقف عن إثبات هويته مثلا مما يتطلب إقتياده الى أقرب مركز الشرطة أو الدرك للتأكد من هويته ، فيستوقفه بسؤاله عن إسمه و عنوانه و وجهته ، إذا دعت الضرورة لذلك و استخلاصا كذلك من بعض النصوص كالمادتين 61 ، 50 المتعلقتين بضبط المشتبه فيه والأمر بعدم مبارحته مكان إرتكاب الجريمة .
الفرع (02) : القبــــــض :
القبض على الأفراد هو إجراء يتم بموجبه إمساك شخص المشتبه فيه لفترة محددة تمهيدا لتقديمه لوكيل الجمهورية لإتخاذ ما يراه بشأنه أو هو تقييد حرية المشتبه فيه و اقتياده الى وكيل الجمهورية ، و القبض بهذا المفهوم هو حرمان المشتبه فيه من حرية التجول و التنقل فترة من الوقت بإبقائه في مركز الشرطة أو الدرك تمهيدا لتسليمه للجهة المختصة ، فهو إجراء خطير ينطوي على مساس كبير بالحرية الفردية ، الشيء الذي دفع بالمشرع الدستوري الى النص في المادة 32/01 " الحريات حقوق الإنسان و المواطن مضمونة " و تنص المادة 34/01 منه "تضمن الدولة عدم انتهاك حرية اإنسان " و تنص المادة 35 منه " يعاقب القانون على المخالفات المرتكبة ضد الحقوق و الحريات و على كل ما يمس سلامة الإنسان البدنية و المعنوية" ثم أكدت المادة 47 على أن القبض حالة إستثنائية لا يجوز إلا في الحدود التي يسمح بها القانون و وفقا للأشكال المحددة فيه ، فتنص على أنه " لا يتابع أحد و لا يوقف أو يحتجز إلا في الحالات المحددة بالقانون و طبقا للأشكال التي نص عليها " إلا أن المشرع أغفل تنظيم القبض ولكن نظمه في مرحلة التحقيق في المادة 120 من ق.إ.ج بواسطة ضابط الشرطة القضائية في حالات التلبس ، فما ترك المجال واسعا للرأي لتحديد المصدر القانوني للقبض ، فقد ذهب جانب من الفقه الى أن مصدره هو المادة 61 من ق.إ.ج وهي المتعلقة بحق عامة الناس في إقتياد المتلبس بالجريمة الى أقرب مركز للشرطة أو الدرك ، و اعتمد آخرون نص المادة 120 من ق.أ.ج حيث اعتمد طرف ثالث على نص المادتين 51 و 61 من ق.أ.ج ونعتقد أن المصدر القانوني للقبض رغم عدم تنظيم المشرع له صراحة هو نص الفقرة الرابعة من المادة 51 من ق.أ.ج التي تنص على " و إذا قامت ضد شخص دلائل قوية و متماسكة من شأنها التدليل على اتهامه . فيتعين على ضابط الشرطة القضائية أن يقتاده الى وكيل الجمهورية دون أن يقبض لديه أكثر من 48 ساعة " و تسند الى ذلك على الآتي :
أ- أن المادة 61 من ق.أ.ج : تتعلق بسلطة مقررة لعامة الناس في ضبط المشتبه فيه بإرتكاب الجريمة جناية أو جنحة متلبس بها و اقتياده الى أقرب مركز الشرطة أو الدرك ، و يجوز لرجل السلطة العامة من باب أولي الضبط و الإقتياد ليس قبضا لعدم توافر مبرراته القانونيـــة.
ب- أن المادة 120 من ق.أ.ج : تتعلق بالقبض كإجراء من إجراءات التحقيق التي يقوم بها قاضي التحقيق ، حيث أنها وردت في القسم السادس المتعلق بأوامر القضاء و تنفيذها من الفصل الأول من الباب الثالث المعنون بـ " في جهات التحقيق " و هي إجراءات بصفة عامة ينص عليها القانون بإعتبارها من إختصاص قاضي التحقيق وحده فلا يجوز إعتمادها للقول بإختصاص ضباط الشرطة القضائية للقبض على الأفراد .
جـ - أ ن المادة 120 من ق.إ.ج : تنص على أنه " يساق المتهم المقبوض عليه بمقتضى أمر قبض بدون تمهل الى مؤسسة إعادة التربية المبينة في أمر القبض " و هذا يعني أن المقبوض يودع في مؤسسة عقابية ، في حين أن القبض المخول لضابط الشرطة القضائية لا يسمح لهم بغير إقتياده أمام وكيل الجمهورية ، بالإضافة الى أن الضابط ليس من إختصاصه أن يودع المشتبه فيه في مؤسسة عقابية .
د – أن المشرع الجنائي لا يمكنه أن ينظم موضوعا واحدا كالقبض بواسطة ضابط الشرطة القضائية بنصين مختلفين من حيث المضمون و محتوى المادتان 51 و 61 من ق.أ.ج فتعمد معا لتقرير الحق في القبض لأن المادة 51/4 من ق.أ.ج تنظم القبض ، و المادة 61 تنظم الإقتياد الى أقرب مركز للشرطة أو الدرك .
هـ - إنه لا يمكن تنظيم التوقيف للنظر في إطار واحد و بمادة واحدة مرتين و بطريقة تختلف في واحدة منها في الأخرى حيث تنص المادة 51/1 من ق.أ.ج على التوقيف للنظر و تنص الفقرة الرابعة على التوقيف للنظر أيضا . ففي الأولى يقرر لمجرد أن مقتضيات التحقيق تستدعي إتخاذه و الثانية تتطلب أن تتوافر في حق المراد إحتجازه "الدلائل القوية و المتماسكة" و وجوب الإقتياد أمام وكيل الجمهورية ، و عليه يقتضي توافر الشروط التالية :
- أن تكون هناك جريمة متلبس بها طبقا للمادة 41 من ق.أ.ج جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبــس .
- أن تقوم في حق المشتبه فيه دلائل قوية و متماسكة من شأنها الدليل على إتهامه و هي تعني الإطارات التي يدل ثبوتها على توافر العناصر تكفي سندا للإتهام ، و بالتالي القبض على المشتبه فيه أو هي تلك الشبهات التي تسند الظروف الواقعة تؤدي للإعتقاد نسبة الجريمة له ، أن يتم القبض على المشتبه فيه بواسطة ضابط الشرطة القضائية لأن قواعد الإختصاص الإستثنائي تخولها للضباط وأما دور أعوان الضبط القضائي سوى المساعدة أو المعاونة في مباشرة الإجراءات .
- أن لا يحجز ضابـط الشرطة القضائية المشتبه فيه في مركز الشرطة أو الدرك أكثر من 48 ساعــة .
الفرع (03) : التفرقة بين القبــض و الإستيقــاف
- القبض هو الحد من الحرية الشخصية بحيث لا يترك للشخص الحرية فيها يفعله و لو تطلب الأمر استعمال القوة عند اللزوم ، أما إستيقاف الشخص فهو لا يبيح في ذاته إستعمال القوة معه و إنما ينحصر في مجرد إيقافه في الطريق لسؤاله عن إسمه و صنعته و عنوانه ووجهته بسبب مشاهدة هذا الشخص في وضع تحيطه الريبة و الشبهات و ينبىء عن ضرورة تستلزم تدخل رجل السلطة العامة للكشف عن حقيقته .
- والإستيقاف جائز دائما لرجال السلطة العامة و لو لم يكونوا من مأموري الضبط القضائي و ذلك بخلاف القبض الذي لايجوز إلا من طرف رجال الضبط القضائي و في الحالات التي وردت بالقانون على سبيل الحصر .
وإذا كان القبض على المتهم - متى كان جائزا يجيز تفتيشه - فإن إستيقاف الشخص لا يسمح في ذاته بتفتيشه ، على أنه إذا أسفر الإستيقاف تلبس بجريمة جاز لمأمور الضبط القضائي حينئذ القبض على المتهم و تفتيشه إستنادا الى حالة التلبس .
و تطبيقا لذلك جرى قضاء النقض على أنه إذا استوقف مأمور الضبط القضائي شخصا رابه أمره فتخلى هذا الشخص إثر الإيقاف عن شيء كان في حيازته ثم اتضح لمأمور الضبط القضائي أنه جسم الجريمة أعتبرت هذه الجريمة في حالة التلبس فيجوز القبض على المتهم و تفتيشه .
و يلاحظ أن الإستيقاف قد يتطلب التحري عن الشخص أكثر تفصيلا لذلك فإن إقتياده الى مركز الشرطة للتحري عن شخصية لا يعتبر قبضا و إنما من مستلزمات الإيقاف .
فالإستيقاف يتحقق إذن بوضع الشخص نفسه طواعية و اختيارا في موضع شبهة أو ريبة ظاهرة بما يستلزم تدخل رجل السلطة للكشف عن حقيقة أمــره .
المطلـب الثالث:
سلطة ضابط الشرطة القضائية في التحفظ على الحاضرين و
الشهود بمسرح الجريمة :
الفرع (01) : - ضبــط المشتبــه فيه :
ضبط المشتبه فيه هو التعرض المادي لشخصيته بتقييد حريته و اقتياده الى أقرب مركز الشرطة أو الدرك . وهو إجراء يجوز أن يقوم به عامة الناس أو رجال السلطة العامة ، تنص المادة 61 من ق.إ.ج " يحق لكل شخص في حالات الجناية أو الجنحة المتلبس بها والمعاقب عليها بعقوبة الحبس ، ضبط الفاعل و اقتياده الى أقرب ضابط الشرطة القضائية " والضبط والإقتياد بهذا النص يشترط السماح به لعامة الناس أو رجال السلطة العامة من باب أولى ما يلي:
1. يجب أن تكون هناك جناية أو جنحة متلبس بها وفقا للتحديد القانوني في المادتين 41 و 55 من ق.إ.ج .
2. يجب أن ينصب الضبط و الإقتياد على التلبس بالجريمة و تقديمه الى أقرب ضابط الشرطة القضائية .
3. إن ضبط المشتبه فيه و اقتياده لا يخول القائم به سلطة تفتيش المشتبه فيه تفتيشا قانونيا يرتب آثاره القانونية إلا أن هذا لا يمنع أن يكون هذا التفتيش وقائيا بغرض نزع سلاح المشتبه فيه مثلا منعا لإمكانية مقاومته والإعتداء على من يقوم بالضبط والإقتياد.
و ضبط المشتبه فيه بهذا المفهوم يختلف عن الإستيقاف لغرض تحقيق الهوية ، الذي يكفي فيه أن يضع الموقوف نفسه طواعية محل الشبهة و الريبة فلا يتعلق ابتداء بإرتكاب جريمة متلبس بها أو غير متلبس بها ، في حين أن الضبط و الإقتياد يشترط فيها ارتكاب جريمة متلبس بها جناية أو جنحة .
الفرع (02) : - الأمـــر بعـدم المبارحــة :
تنص المادة 50/1 من ق.إ.ج على أنه " يجوز لضابط الشرطة القضائية منع أي شخص من مبارحة مكان الجريمة ريثما ينتهي من إجراء تحرياته .
وعلى كل شخص يبدو له ضروري في مجرى استدلالاته القضائية و التعرف على هويته أوالتحقيق من شخصيته أن يمتثل له في كل ما يطلبه من إجراءات في هذا الخصوص ".
فالأمر بعدم المبارحة إذن هو أمر يوجهه الضابط لشخص أو مجموعة أشخاص متواجدين في مكان ارتكاب الجريمة بعدم مبارحتها للمكان ، تمكينا له من القيام بمهمته بعين المكان ، لتحقيق الوقائع و الكشف عن الحقيقة فهو بهذا المفهوم صورة للإستيقاف ، لأنه إذا كان هذا الأخير يجوز لعامة الناس فمن باب أولى أنه يجوز لضابط الشرطة القضائية و لجميع رجال السلطة العامة سواء كانوا من رجال الضبط الإداري أو الضبط القضائي . إن الأمر بعدم المبارحة لمكان ارتكاب الجريمة يعتبر وسيلة للتعرف على هوية المتواجدين به و التحقق منها ، وهو اجراء مخول لضابط الشرطة القضائية دون الأعوان بتوافر الشروط التالية :
1. أن تتوفر حالة من حالات التلبس الواردة في المادة 41 من ق.إ.ج .
2. أن يتواجد المأمور بعدم مبارحته المكان على مكان الجريمة لأن غيره لا يمكن أمره بذلك ولايجوز للضابط الأمر بإحضاره لعدم إختصاصه بذلك .
3. أن يكون الغرض من الأمر بعدم المبارحة هو التعرف على هوية المتواجدين في مكان ارتكاب الجريمة و التحقق منها .
4. أن يكون الغرض من تمكين الضابط من سماع أقوال المتواجدين أو الحاضرين وجمع المعلومات بأن الجريمة المتلبس بها ، فلا يجوز له مثلا أن يستعمل القوة والإجبار لحمل الحاضرين على عدم مبارحة مكان ارتكاب الجريمة ، لأن القانون و حرصا منه على تحقيق الغاية من الأمر بعدم المبارحة فقد قرر للضابط جواز تحرير محضر بالمخالفة المرتكبة و تقديمه للسلطة المختصة لتوقيع الجزاء الذي يقرره القانون فنصت المادة 50/03 من ق.إ.ج " و كل من خالف أحكام الفقرة السابقة يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز 10 أيـام و بغرامة 500 د.ج ."
و المستخلص من حكم المادة 51/01 من ق.إ.ج و التي تبرز من خطورة هذا الإجراء على الحريات الفردية أي أنه الأمر بعدم المبارحة يمكن إتخاذه على مواجهة أي شخص تواجد بمكان ارتكاب الجريمة سواءا كان مشتبه فيه له صلة على ارتكاب الجريمة موضوع البحث أو لم تكن له أية صلة بها فتواجد بها بالصدفة هناك حيث يجري للضابط على أن يضع على التوقيع للمراقبة كل من يأمره بعدم مبارحة مكان ارتكاب الجريمة من دعت له مقتضيات التحقيق ذلك .
المطلـب الرابع: - سلطة ضابط الشرطة القضائية في التوقيف للنظـر :
الفرع (01) : - تعريف التوقيـف للنظر :
و يعرف أيضا بالتحفظ على الأفراد و هو إجراء بوليسي يأمر به ضابط الشرطة القضائية بوضع الشخص المراد توقيفه في مركز الشرطة أو الدرك لمدة 48 ساعة كلما دعت مقتضيات التحقيق ذلك و قد أضفى المشرع على هذا الإجراء طابعا دستوريا ، إذ نص عليه على المادة 48 من الدستور " يخضع التوقيف للنظر في مجال التحريات الجزائية للرقابة القضائية ولا يمكن أن يتجاوز مدة 48 ساعة " و نظمته المادة 51 في فقراتها 5،4،3،2،1 من ق.إ.ج فنصت الأولى " إذا رأى ضابط الشرطة القضائية لمقتضيات التحقيق أن يوقف للنظر شخصا أو أكثر ممن أشير إليهم في المادة 50 من ق.إ.ج فعليه أن يطلع فورا وكيل الجمهورية بذلك و يقدم له تقريرا عن دواعي التوقيف للنظر و لايجوز أن تتجاوز مدة التوقيف للنظر 48 ساعة " و يجب على ضابط الشرطة القضائية أن يضع تحت تصرف الشخص الموقوف للنظر كل وسيلة تمكنه من الإتصال فورا بعائلته و من زيارتها له و ذلك مع مراعاة سرية التحقيق والتحريات ، والتوقيف للنظر إن كان يستجيب لمتطلبات البحث والتحري عملا للوصول الىالحقيقة المنشودة بتطبيق القانون و توقيع العقاب على مرتكب الجريمة متى كان مذنبا ، فإنه ونظرا للتعرض لحرية الأفراد فقد قيده المشرع بمجموعة قيود تعتبر ضمانات للحرية الفردية .
الفرع (02) :
القيود المقررة على سلطة ضابط الشرطة القضائية في التوقيف للنظر:
اذا كان يجوز لضابط الشرطة القضائية أن يوقف تحت النظر شخص يرى أن مقتضيات التحقيق تستدعي هذا الأمر سواءا كان هذا الشخص المراد وضعه تحت النظر ممن ساهم في الجريمة بإعتباره فاعلا أوشريكا أو كان أي شخص آخر دفعت به الصدفة الى التواجد بمكان ارتكاب الجريمة المتلبس بها فإنه يجب عليه أن يلتزم بالقيود التالية :
1. مدة الحجـز 48 ساعـة : لايوقف للنظر شخص لمدة تزيد عن 48 ساعة حسب نص المادة 51/02 من ق.إ.ج " . . . ولايجوز أن تتجاوز مدة التوقيف للنظر 48 ساعة " وقد سكت المشرع عن تحديد بداية حسابها إلا أنه يمكن القول أن حسابها يختلف حسب الحالات والأوضاع التي تم الأمر فيها بالتوقيف فإن كان الموقف من المأمورين بعدم المبارحة فيجب أن يبدأ حسابها إبتداءا من الأمر بها ، أما إذا كان من الذين حجزوا الى مركز الشرطة أو الدرك لسماع أقواله ، فيجب إحتسابها إبتداءا من سماع أقواله .
2. عـدم تمديد التوقيف كأجل عام : إن تمديد مدة التوقيف كقاعدة عامة غير جائز طبقا لحكم المادة 51/02 من ق.إ.ج إلا أنه يجوز إستثناءا تمديده الى الحالات المذكورة على المادة 51/05 من ق.إ.ج .
3. إحترام السلامة الجسدية للموقوف للنظر : مراعاة من المشرع و في مواجهة تقرير حق الضابط مع التوقيف إذا دعت مقتضيات التحقيق ذلك و احتراما للحرية الفردية بالعمل على عدم تجاوز إختصاصه و التعسف فيه بإستعماله لوسائل غير مشروعة بغرض الوصول للحقيقة بالحصول مثلا على إعتراف المشتبه فيه الموقف فقد حرص المشرع على حماية السلامة الجسدية للموقف فنظم الأمور التالية :
أ- تنظيم فترات سماع أقوال الموقف للنظر : إذا كان سماع الأقوال من أهم مصادر تلقي المعلومات عن الجريمة موضوع البحث فإنه يجوز لضابط الشرطة القضائية أن يستمع لأقوال الموقف بسؤاله عما لديه من معلومات تتعلق بالجريمة و المساهمة فيها ، فتنص المادة 52 من ق.إ.ج " يجب على ضابط الشرطة القضائية أن يضمن محضر سماع كل شخص موقوف للنظر مدة إستجوابه و فترات الراحة التي تخللت ذلك و اليوم و الساعة الذي أطلق سراحه فيها أو قدم الى القاضي المختص " ، " و يجب أن يدون على هامش هذا المحضر توقيع صاحب الشأن أو يشار فيه الى إمتناعه كما يجب أن تذكر على هذا البيان الأسباب التي استدعت توقيف الشخص للنظر " ، " ويجب أن يذكر هذا البيان على سجل خاص ترقم و تختم صفحاته و يوقع عليه من طرف وكيل الجمهورية و يوضع لدى مراكز الشرطة أو الدرك الوطني التي يحتمل أن يستقبل الشخص الموقوف للنظر " و يستخلص من هذا النص الواجبات التي تقع على عاتق الضابط :
• تحديد محضر إحتجاز يحدد فيه أسبابه و مدته و فترات الراحة التي تخللت ذلك و يوم و ساعة بداية الإحتجاز و يوم و ساعة إطلاق أو إخلاء سبيل المحتجز أو تقديمه للسلطة القضائية المختصة أي وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق حسب سبب الحجز سواءا كان نتيجة البحث التمهيدي و الإٌستدلال أو إنابة قضائية .
• توقيع الموقف للنظر على هامش المحضر و في حالة رفضه ذلك يؤشر ضابط الشرطة القضائية على المحضر على امتناعه ، و هذا الإمتناع قد يصح عدم مصداقية المحضر بالنسبة للمعلومات التي تضمنها و عدم صحتها لأن امتناعه قد يكون سبب اعتراضه عما ورد فيها من معلومات .
• إمساك دفتر خاص ترقم صفحاته و يوقع عليه وكيل الجمهورية دوريا ، مما يضمن المعلومات الواردة فيه .
• تقديم هذا السجل الى السلطة المختصة بالرقابة مما يدفع الضابط الى احترام الإجراءات القانونية .
ولقد ذهب القانون الى أبعد من ذلك حماية للحرية الفردية حينما جرم إمتناع الضابط عن تقديم السجل الى السلطات المختصة لغرض المراقبة فتنص المادة 110 مكرر الفقرة 01 من قانون العقوبات الجزائري " كل ضابط الشرطة القضائية الذي يمتنع عن تقديم السجل الخاص المنصوص عليه على المادة 52 /03 من ق.إ.ج الى الأشخاص المختصين بإجراء الرقابة و هو سجل خاص يجب أن يتضمن أسماء الأشخاص الذين هم تحت الحراسة القضائية (التوقيف للنظر) يكون قد ارتكب الجنحة المشار اليها على المادة 110 من ق.ع.ج ويعاقب بنفس العقوبة " .
ب – المراقبة الطبية للموقوف للنظر : تنص المادة 51 مكرر الفقرة 02 من ق.إ.ج على أنه "عند إنقضاء مواعيد التوقيف للنظر يتم وجوبا إجراء فحص طبي للشخص الموقوف إذا ما طلب ذلك مباشرة أو بواسطة محاميه أو عائلته و يجرى الفحص الطبي من طرف الطبيب الذي يختاره الشخص الموقوف من الأطباء الممارسين على دائرة إختصاص المحكمة " و تبدو حماية السلامة الجسدية للموقف على وجوب إجراء فحص طبي عند إنتهاء مدة الحجز مع إلتزام ضابط الشرطة القضائية بأن يخبره بهذا الحق المقرر قانونا لأن الفحص الطبي من شأنه أن يكشف مدى ممارسات ضابط الشرطة القضائية المنافية للقانون إن وجدت . و هو ما يدفع بالضابط لعدم ممارسة وسائل التعذيب و الإكراه ضد الموقوفين و تظهر هذه الحماية جلية على أن الفحص الطبي يمكن إجرائه على أي فترة من فترات التوقيف بناءا على أمر من وكيل الجمهورية بإعتباره جهة مختصة بمراقبة و إدارة جهاز الشرطة القضائية على هذا المجال و هو أمر يلتزم بموجبه ضابط الشرطة القضائية بتنفيذ الفحص الطبي و عدم الإعتراض عليه ، لأن إعتراضه يعتبر جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات على المادة 110 مكرر " كل ضابط شرطة قضائية الذي يتعرض رغم الأوامر الصادرة طبقا للمادة 51 من ق.إ.ج من وكيل الجمهورية لإجراء الفحص لشخص تحت الحراسة القضائية الواقعة تحت سلطته يعاقب بالحبس من شهر الى ثلاثة أشهر و بغرامة من 500 الى 1000 د.ج أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط ".
الفرع (03) : جزاء مخالفة قواعد التوقيف للنظر :
يقرر القانون رغم عدم نصه على بطلان الإجراءات كجزاء موضوعي تطبيقا لقواعد المسؤولية الشخصية لضابط الشرطة القضائية إذا ما إنتهكوا الآجال القانونية للتوقيف تحت النظر فتنص المادة 51 من ق.إ.ج الفقرة الأخيرة على أنه " إن إنتهاك الأحكام المتعلقة بآجال التوقيف للنظر كما هو مبين على الفقرات السابقة يعرض ضابط الشرطة القضائية للعقوبات التي يتعرض لها من حبس شخص تعسفيا " تطبيقا لقواعد المسؤولية الشخصية لأعضاء الشرطة القضائية ضباطا و أعوانا .
المطلـب الخامس: سلطــة ضابط الشرطة القضائية في التفتيش :
تعددت التعريفات الفقهية التي قيل بها بشأن التفتيش و هي تصب كلها في نطاق واحد فهو –أي التفتيش– "إجراء من إجراءات التحقيق يقوم به موظف مختص طبقا للإجراءات المقررة قانونا في محل يتمتع بالحرمة بهدف الوصول الى أدلة مادية لجناية أو جنحة تحقق وقوعها لإثبات ارتكابها أو نسبتها الى المتهم " .
و الهدف من مباشرة هذا الإجراء هو الحصول على دليل مادي يتعلق بالجريمة الجاري جمع الإستدلالات عنها أو التحقيق بشأنها لذلك قيل أن التفتيش لا يمكن إعتباره دليلا في حد ذاته ، وإنما الدليل هو ما نتج عنه من أدلة مادية سواء تعلقت بالجريمة التي أتخذ هذا الإجراء من أجلها أم بجريمة أخرى كشف عنها هذا الإجراء في إطار ضوابط محددة تهدف الى أن يكون ضبط هذه الأدلة بطريقة عرضية و ينطوي إجراء التفتيش على مساس بحق الإنسان في السر الذي يمثل أحد مظاهر الحق في الخصوصية و له الحق في حرمة حياته الخاصة و سريتها في مجال هذه السرية في شخص الإنسان أو مسكنه و إذا كان الأصل أنه لايجوز للدولة في سبيل إثبات الجريمة لعقاب مرتكبيها خرق حجاب السرية إلا أن المشرع لم يجعل من حق الإنسان في السر قاعدة ذات حصانة مطلقة و إنما وازن بين إحترام هذا المبدأ و حق الدولة في العقاب فأجاز المشرع خرق هذا الحق من خلال عدة إجراءات منها التفتيش وفق ضوابط موضوعية بينها التشريع و دعمتها أحكام المحاكم و إجتهادات الفقهاء.
الفرع (01) : تفتيـــش المساكـــن :
تفتيش المساكن هو البحث في مكنون سر الأفراد على دليل الجريمة المرتكبة أو البحث عن الدليل أو هو من إجراءات التحقيق الإبتدائي الذي يخوله القانون لقاضي التحقيق أصلا ، و إستثناءا خول لضابط الشرطة القضائية في الجرائم المتلبس بها ، كما أن القانون قرر قيودا على ضابط الشرطة القضائية عن مباشرته للتفتيش فيجب عليه الإلتزام بها بحيث يجب أن ينصب التفتيش على جريمة وقعت فعلا ، فلا يجوز التفتيش بالنسبة لجريمة ستقع في المستقبل لأن الغرض من التفتيش هو البحث عن دليل جريمة وقعت و ليس البحث و الكشف عن جريمة قد تقع مستقبلا بالإضافة الى ذلك يجب أن تكون جريمة متلبس بها في إحدى أحواله التي سبق التعرض لها .
أ – دخول المساكن و تفتيشها : ينظم قانون الإجراءات الجزائية دخول المساكن في مادته 47 بتخطي حدود المسكن الخارجي و الولوج فيه بالظهور دون أن يمتد الى معاينة ما يوجد بداخله و فحصه ، إذ يجب أن يقتصر على الغرض الذي تم من أجله كأن يكون الدخول بغرض إغاثة مستغيث من الداخل أو بناءا على طلب صاحب المسكن أو لتنفيذ أمر القبض فلا يعد الدخول في هذه الحالات عن عمل مادي بحت فتنص المادة 47 من ق.إ.ج " لايجوز البدء في تفتيش المساكن أو معاينتها قبل الساعة الخامسة (05.00) صباحا و لابعد الساعة الثامنة (08.00) مساءا إلا إذا طلب صاحب المنزل أو وجهت نداءات من الداخل أو في الأحوال الإستثنائية المقررة قانونا " .
أما التفتيش في المادة 45 من ق.إ.ج فهو البحث و التنقيب عن دليل الجريمة في مستودع سر الأفراد و هو ما يستدعي بالضرورة دخول المسكن و قد وحدت أحكام الدخول و التفتيش فيخضع كل منهما لنفس القواعد و الأحكام المقررة في القانون رغم أن مفهوم الدخول يختلف عن مفهوم التفتيش .
ب – تفتيش الفنادق و المنازل المفروشة: يجوز التفتيش أيضا في الفنادق و المنازل المفروشة و المحلات و الأماكن العامة ، وضبط الأشياء الموجودة فيها إذا تعلق الأمر بجرائم المخدرات و الدعارة المعاقب عليها بالمواد 342 من ق.ع.ج وما يليها ، فتنص الفقرة الثانية في المادة 47 من ق.إ.ج " غير أنه يجوز إجراء التفتيش أو المعاينة أو الحجز في كل ساعة من ساعات النهار و الليل قصد التحقيق في جميع الجرائم التي تعاقب عليها قوانين المخدرات و الجرائم المعاقب عليها في المواد 342 – 348 من ق.ع.ج و ذلك في داخل كل فندق أو منزل مفروش أو فندق عائلي أو محل لبيع المشروبات أو نادي أو مرقص أو اماكن المشاهد العامة و ملحقاتها و في أي مكان مفتوح للعموم أو يرتاده الجمهور إذا تحقق أن أشخاصا يستقبلون فيه عادة لممارسة الدعارة " .
ج- القيود الواردة على إجراء التفتيش : بالإضافة الى قيدي أن تكون هناك جريمة قد وقعت فعلا و أن تكون هذه الجريمة جناية أو جنحة معاقب عليها بعقوبة الحبس طبقا للمادتين 41-55 من ق.إ.ج فقد وضع المشرع الجزائري قيودا أو شروطا على إجراء التفتيش يجب على القائم به الإلتزام بها و هي :
1. أن يجري التفتيش ضابط الشرطة القضائية : يجب أن يقوم بعملية التفتيش ضباط الشرطة القضائية المحددين في المادة 15 من ق.إ.ج أو بحضوره و تحت إشرافه ، فلا يجوز لهم تكليف عون بإجرائه بصفة مستقلة و إنما يجوز مساعدته من طرف العون كأن يجريه تحت إشرافه و بحضوره وإلا وقع التفتيش باطلا .
2. أن يحصل الضابط على إذن : إذا شاهد الضابط الجريمة المتلبس بها أو أبلغ عنها فأنتقل الى مكان ارتكاب الجريمة بالمعاينة فشاهد آثارها بنفسه و استدعت التحريات تفتيش مسكن المشتبه فيه أو مسكن من يعتقد أنه يحوز أشياء أو أوراق لها علاقة بالأفعال المجرمة موضوع البحث فلا يجوز له دخوله و لا تفتيشه إلا بعد الحصول على إذن من وكيل الجمهورية أو من قاضي التحقيق فتنص المادة 44 من ق.إ.ج لا يجوز لضابط الشرطة القضائية الإنتقال الى مساكن الأشخاص الذين يظهر أنهم ساهموا في الجناية و أنهم يحوزون أوراقا أو أشياء متعلقة بالأفعال الجنائية المرتكبة لإجراء التفتيش إلا بإذن مكتوب صادر من وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق مع وجوب الإستظهار بهذا الأمر قبل الدخول الى المنزل و الشروع في التفتيش ، و رغم سكوت المادة على تحديد شروط الإذن –عدا شروط الكتابة المنصوص عليه صراحة– فإنه يجب أيكون متضمنا تاريخ إصداره و من الذي أصدره ، إسمه و صفته و ختمه و توقيعه و أن يكون صراحة في الدلالة على عملية التفتيش محددا المسكن المراد تفتيشه و يستوي على ذلك أن يحدد الضابط المكلف بإجرائه تعيينا دقيقا بصفته الشخصية أو تعيينا بصفته الوظيفية .
3.التفتيش في حدود الوقت المقرر قانونا : أي أن يتم تفتيش المسكن في الميقات القانوني أي الفترة التي يسمح فيها القانون لضابط الشرطة القضائية دخول المساكن و تفتيشها فتنص المادة 47/01 من ق.إ.ج " لايجوز البدء في تفتيش المساكن و معاينتها قبل الساعة الخامسة صباحا و لا بعد الساعة الثامنة مساءا ... " و هذا يعني أنه لايجوز كقاعدة عامة تفتيش و معاينة المساكن بعد الساعة الثامنة ليلا و قبل الخامسة صباحا مما يضفي عليها حماية خاصة بإعتبار أن المنزل مصون ليلا لأنه يعتبر ملجأ حصينا للأفراد فلا يجوز دخوله فإذا كانت ظروف الحال تستدعي تدخل ضابط الشرطة القضائية كالخوف من هروب الشخص المراد و الموجود داخل المسكن و مراقبة منافذه لحين حلول الميقات القانوني الذي يسمح فيه بالدخول للمسكن .
حـالات الخروج على الميقات القانوني : لقد وضع القانون استثناء لقاعدة عدم جواز دخول الضابط للمساكن و تفتيشها خارج الميقات المقرر قانونا بين الساعة الخامسة صباحا و الثامنة مساءا حيث أجاز الدخول و التفتيش في أي وقت من اليوم دون التقيد بالميقات القانوني و هي :
-حالة طلب صاحب المسكن : (حسب المادة 47 من ق.إ.ج ) بقوله " ... إلا إذا طلب صاحب المنزل ... " .
- حالة الضرورة : (حسب المادة 47 من ق.إ.ج ) بقوله "... و وجهت نداءات من الداخل أو في الحالات الإستثنائية ... " و هي حالات غير محدودة على سبيل الحصر حيث يقاس عليها كل حالة مشابهة كالحريق و الغرق و ما إليها .
- حالة الجرائم الموصوفة بالأفعال الإرهابية أو التخريبية : وهي الجرائم المضافة لقانون العقوبات بالأمر 95/11 المؤرخ في 1995.02.25 الذي أضيفت بموجبه المواد 87 مكرر الى 87 مكرر /09 تحت عنوان الجرائم الموصوفة بأفعال إرهابية أو تخريبية حيث أدخل على قانون الإجراءات الجزائية تعديلا موازي بالأمر رقم 95/10 المؤرخ 1995.02.25 أضيفت بمقتضاه فقرة للمادة 47 منه تنص " عندما يتعلق الأمر بجرائم موصوفة بأفعال إرهابية أو تخريبية يمكن لقاضي التحقيق أن يقوم بأية عملية تفتيش أو حجز ليلا أو نهارا أو في أي وقت على امتداد التراب الوطني أو بأمر ضباط الشرطة القضائية المختصين للقيام بذلك " . و هذا يعني أن ضابط الشرطة القضائية و فيما يتعلق بالأفعال الموصوفة بالأفعال الإرهابية أو التخريبية يجوز له القيام بعمليات التفتيش و الضبط في أي وقت ليلا أو نهارا بشرط :
* أن يتعلق الأمر بالجرائم الإرهابية أو التخريبية المحددة في المواد 87 مكرر الى 87 مكرر/09 من ق.ع.ج .
* أن يصدر له أمر من قاضي التحقيق للقيام بتلك الإجراءات ( ).
3. أن يحضر التفتيش صاحب المسكن : تنص المادة 45 من ق.إ.ج على أنه " إذا وقع التفتيش في مسكن ... الفقرة السابقة " وعليه فإن الحضور لعملية التفتيش لمسكن المشتبه فيه في ارتكاب الجريمة أو في حيازته لما يفيد في البحث و التحقيق موحدة كالآتي :
- أن يحضر المشتبه في ارتكاب الجريمة أو الذي يحوز أوراقا أو أشياء تتعلق بالجريمة موضع الحدث .
- في حالة تعذر المعني بالأمر يجوز أن ينيب غيره لحضور عملية التفتيش .
- لضابط الشرطة القضائية في حالة عدم الحضور الشخصي و عدم تعيين نائب لحضوره .
- التفتيش نيابة عنه أن يعين شخصين يشهدا عملية التفتيش بشرط أن لا يكونا من الموظفين
الخاضعين لسلطته .
حالة يقررفيها القانون عدم الإلتزام بقاعدة الحضور : تنص المادة 45/06 من ق.إ.ج "لا تطبق هذه الأحكام إذا تعلق الأمر بجرائم موصوفة بأفعال إرهابية أو تخريبية بإستثناء الأحكام المتعلقة بالحفاظ على السر المهني المذكور أعلاه " فيجوز لضابط الشرطة القضائية أن يدخل المسكن و يفتشه و يعاينه في أي ساعة من ساعات النهار أو الليل سواء كان مسكن المشتبه في إرتكاب الجريمة الإرهابية أو التخريبية أو مسكن من يحوز فيه أوراقا أو أشياء تتعلق بنفس الجرائم بحيث يجوز له القيام بذلك بغير حضور صاحب المسكن ولا من ينوب عنه ولا شـاهـديـن .
الفرع (02) : تفتيـــش الأشخـــاص :
لم ينظم قانون الإجراءات الجزائية تفتيش الأشخاص إلا بإعتباره من الإجراءات الوقائية الأمنية أو إجراءات التحقيق فعليه فإن تفتيش الأ شخاص يخضع للقواعد العامة و بالتالي فإن الشخص يخضع لتفتيش شخصه من طرف ضابط الشرطة القضائية في حالتين :
أ- تفتيش الشخص حال القبض عليه : إذا ألقي ضابط الشرطة القضائية القبض على المشتبه فيه تطبيقا لحكم المادة 51/02 من ق.إ.ج أو المادة 120 من ق.إ.ج جاز له أن يقوم بتفتيشه تفتيشا قانونيا صحيحا منتجا لآثاره القانونية و هو تفتيش مقترن بالقبض في الجناية أو الجنحة المتلبس بها أو تنفيذ الأمر كالقبض الصادر من قاضي التحقيق .
ب – تفتيش الشخص كإجراء مكمل لتفتيش المسكن : إذا كان الأصل أن تفتيش الأشخاص إجراء مستقل عن تفتيش المساكن فالقاعدة أن تفتيش المسكن لا يجيز تفتيش الأشخاص المتواجدين به سواء كان صاحبه أو الغير ، إلا أنه إذا دعت مقتضيات إجرائه بأن قامت دلائل قوية على حيازة أو إخفاء أحد المتواجدين بالمسكن لأشياء أو أوراق تتعلق بالجريمة موضوع الحدث تفيد في إظهار الحقيقة جاز تفتيشه .
* تفتيش الأنثــى : تفرض القواعد العامة أن يتم تفتيش الأنثى بواسطة الأنثى إحتراما لحياء المرأة و حفاظا على عورتها ، إذا كان من شأنه –أي التفتيش– أن يتعرض لأجزاء من جسمها باللمس أو المشاهدة فلا يجوز لمسها و لا مشاهدتها متى كان يشكل عورة من عورات المرأة ، و عليه فإن ضابط الشرطة القضائية عليه أن يفتش الأنثى في كل موضع يعد عورة و إلا ترتب البطلان على ذلك و يمكن مثلا أن تقوم المسألة الجنائية عن جريمة هتك العرض المنصوص عليها في المادة 355 من قانون العقوبات الجزائري .
الفرع (03) : بطــــلان التفتيــــش :
تنص المادة 48 من ق.إ.ج على أنه " يجب مراعاة الإجراءات التي إستوجبتها المادتان 45 و 47 من ق.إ.ج و يترتب على مخالفتها البطلان " طبقا لهذه المادة فإن أي تفتيش يتم بالمخالفة لأحكام المواد 44 ، 45 ، 47 من ق.إ.ج يقع باطلا ، أي أن مخالفة القيود المتعلقة بالحضور و الميقات القانوني و الإذن من السلطة القضائية المختصة يترتب عليها البطلان فتقع عديمة الأثر . ولايمكن الإستناد إليه في الإدانة ، بالإضافة الى ذلك فإن التفتيش الذي يجريه العون خارج قواعد إختصاصه النوعي وهو مساعدة و معاونة الضابط يقع باطلا إذ لا يجـوز له أن يستقل بإجراء إلا إذا كان مساعدا أو معاونا و بحضـور الضابــط وتحت إشـرافـــه .
المبحث الثالث: بطـــلان الإجراءات في حالة التلبس
بطـلان الإجراءات في حالة التلبس بالجريمـة :
قصد المشرع بنصوص قانون الإجراءات الجنائية تحقيق مصلحة معتبرة ، ولا تأتي بلوغ هذا الغرض إذا لم يكن هناك جزاء مترتب على مخالفة تلك النصوص فيشترط لصحة العمل الإجرائي أن تحترم الضمانات التي تعبر عن جوهر العمل الإجرائي و الشرعية ، ويهتم قانون الإجراءات الجنائية بنوع واحد من الجزاءات و هو بطـلان العمل المخالف و هو ما سنقتصر الكلام عليـه في هذا المقــام .
يترتب البطلان على مخالفة كل قاعدة إجرائية أتت بضمانات لتأكد الشرعية الإجرائية سواء كان ذلك لحماية الحرية الشخصية للمتهم أو لضمان الإشراف القضائي على الإجراءات الجزائية بمخالفة هذه الضمانات الإجرائيـة هي سبـب البطـلان و هو نوعان بطلان نسبي وبطلان مطلـــق .
المطلب الأول : البطـــلان المطلــق :
حددت المواد 157 إلى 161 قانون الإجراءات الجزائية البطلان المطلق بأنه راجع إلى عدم مراعاة القانون المتعلق بتشكيل المحكمة أو بولايتها بالحكم في الدعوى أو باختصاصها من حيث نوع الجريمة المعروضة عليها أو بغير ذلك مما هو متعلق بالنظام العام، و مثال ذلك قاعدة منع استجواب المتهم من ضابط الشرطة المنتدب للتحقيق في الحالات التي لا يدخل فيها من فوات الوقت.
و قاعدة وجود اتهام موجه إلى الشخص المراد تفتيش منزله و قرائن دالة على حيازته أشياء تتعلق بالجريمة موضوع الاتهام.
و البطلان المطلق لا يصححه الرضاء بالإجراء المشوب به ، من جانب من يتعارض هذا الإجراء مع مصلحته، كما لا يلزم أن يتمسك هذا الأخير في سبيل هدم ذلك الإجراء و إنما تراقبه المحكمة من تلقاء نفسها في أية حالة كانت عليها الدعوة وقت اكتشافه.
غير أنه إذا كانت الدعوى قد استنفذت كل طرق الطعن العادية والغير عادية ، و حاز الحكم قوة الشيء المقضي فيه ، فلا يكون ثمة سبيل هدم الإجراء بعدئذ و يفترق البطلان المطلق عن الانعدام.
فالانعدام يعنى عدم الوجود ، وهو أمر يختلف عن البطلان المطلق ، لأن الإجراء الباطل له أساس من الوجود القانوني ، و لكن شابه عدم الصحة.
أما الإجراء المنعدم فهو بداية و نهاية مجرد من الوجود القانوني ، فهما و أن تلاقيا في تعطيل أثار العمل القانوني ، إلا أنهما يختلفان في سبب هذا التعطيل، فالانعدام يعنى بحكم طبيعته أن العمل غير موجود و بالتالي فلا أثر له ، أما البطلان فإنه يعني بناء على أمر القضاء أن العمل يجب أن يتجرد من آثاره القانونية.
مثال: أن قاضيا مدنيا يكتشف في أوراق الدعوى جريمة ارتكبها خصم على اخر فيحكم على مرتكب الجريمة بالعقوبة المقررة لها.
مثل هذا الحكم يعد منعدما لأنه يعتبر كما لو كان صادرا من غير قاضي و إذا لم يطعن على هذا الحكم ، و حاز قوة الشيء المقضي فيه ، فإنه لا يمكن تنفيذه ، إذ يكفي الاستشكال فيه حتى يوقف نفاذه.
مثال: ما نصت عليه المادة 110 مكرر/3 ق ع ج:" كل موظف أو مستخدم يمارس أو يأمر بممارسة التعذيب للحصول على اقرارات يعاقب..."كذلك ما نصت عليه المادة 126 قانون العقوبات المصري ( )" كل موظف أو مستخدم عمومي أمر بتعذيب متهم أو فعل ذلك بنفسه لحمله على الاعتراف يعاقب..."
فإذا حدث و أفضى التعذيب إلى اعتراف ، فإنه لا يصح الأخذ بهذا الاعتراف على وجود جريمة معاقب عليها في التعذيب الذي انتجه.
فإذا كان التعذيب منعدما قانونا، فبالتالي يكون الاعتراف منعدما كأثر ناتج عنه.
كذلك نص المادة 111 ق ع ج:" يعاقب بالحبس لمدة 06 أشهر إلى ثلاث سنوات كل قاض أو ضابط بالشرطة القضائية يجري متابعات ، أو يصدر أمرا أو حكما أو يوقع عليهما ، أو يصدر أمرا قضائيا ضد شخص متمتع بالحصانة القضائية في غير حالات التلبس بالجريمة دون أن يحصل قبل ذلك على رفع الحصانة عنه وفقا للأوضاع القانونية" ( ).
المادة 107 ق ع ج :"يعاقب الموظف بالسجن المؤقت من خمس إلى عشرة سنوات إذا أمر بعمل تحكمي أو ماس سواء بالحرية الشخصية للفرد أو بالحقوق الوطنية لمواطن أو أكثر".
المطلب الثاني : البطـــلان النسبـــي :
كل بطلان ينشأ عن مخالفة قاعدة غير متعلقة بالنظام العام و إن كانت جوهرية في إظهار الحقيقة و الحرص على كفالة حق المتهم في الدفاع و لقد ذكر قانون الإجراءات الجنائية ضمن أحوال ذلك البطلان ما يتعلق بمخالفة الإجراءات الخاصة بجمع الاستدلالات ، أو التحقيق الابتــــدائي.
فمن قبيل الإجراء الجوهري في جمع الاستدلالات.
1-توقيع ضابط الشرطة القضائية على محضره ، و بيانه وقت اتخاذ الإجراءات ومكان حصولها و توقيع الشهود و الخبراء على محضره المادة(54 ق ا ج) .
2- حضور المتهم أو نائبه أو شاهدين عملية التفتيش لمنزل المتهم المادة (45 ق ا ج) .
3- ساعة البدء في عملية تفتيش المساكن أو المعاينة المادة (47 ق ا ج).
4- اتخاذ التدابير اللازمة لضمان احترام السر المهني المادة ( 45 ق ا ج).
5- تحرير الاشياء و الأوراق المضبوطة و ختمها المادة (45 ق ا ج).
فمن قبيل الإجراء الجوهري في إجراءات التحقيق الابتدائي:
1-استجواب المتهم بواسطة قاضي التحقيق اذا كان هو القائم بالتحقيق.
2- إخطار قاضي التحقيق لوكيل الجمهورية بانتقاله لأمكنة التفتيش.
3- عدم جواز الفصل بين المتهم و محاميه الحاضر معه أثناء التحقيق(105 ق إ ج).
4- دعوة محامي المتهم للحضور قبل استجواب المتهم في جناية ما لم تكن في حالة التلبس أو كانت توجد حالة تستوجب السرعة خوفا من ضياع الادلة المواد (105،101،100 ق إ ج).
أ. خصائص البطلان النسبي:
يختص بعدم التمسك به، فيصير الإجراء الباطل صحيحا لا معقب عليه ، إذ ليس على المحكمة أن تراعي البطلان من تلقاء نفسها( و إن كان يجوزها ذلك)عدم التمسك بالبطلان من جانب الطرف المقرر هذا البطلان لصالحه يكون إما بالرضا الصريح بالإجراء على الرغم من شائبة البطلان فيه و إما بالرضا الضمني ، و الرضا الضمني يستفاد من عدم الاعتراض على الإجراء سواء كان الإجراء قد اتخذ في الجلسة ذاتها فلم يعترض عليه وقت اتخاذه ، أو كان قد اتخذ ضمن الإجراءات السابقة على المحاكمة.
فلا يقبل الدفع ببطلان الإجراء لأول مرة أمام محكمة النقض ، الا إذا كان البطلان مطلقا لتعلقه بالنظام العام.
أن التمسك بالبطلان النسبي لإجراء ما ، ليس من شأنه ان يقضي فعلا على تقرير البطلان من جانب المحكمة تلك في صدد الإجراء الباطل نسبيا أن تبقي عليه مع تصحيحه ان كان التصحيح ممكنا.
إن البطلان النسبي لا يقبل الدفع به من جانب من لم يتقرر هذا البطلان في صالحه، أو حيث تكون النيابة التي من أجلها تقرر الشكل الذي وقع الإجراء باطلا بالمخالفة له قد تحققت على الرغم من حدوث هذه المخالفة و ليس هذا إلا تطبيقا لمبدأ الدعوى حيث لا تكون مصلحة.
المطلب الثالث : آثـار البطــلان :
الأصل أن البطلان لا يترتب آثاره إلا متى تقرر بحكم أو بأمر من قضاء التحقيق ، وهي قاعدة متعلقة بالنظام العام ، و القاعدة أنه متى تقرر بطلان الإجراءات زالت آثاره القانونية فيصبح و كأنه لم يكن.
و تطبيقا لذلك فإن التفتيش الباطل لا يترتب عليه نسبة الأشياء المضبوطة إلى المتهم والاعتراف الباطل لا يجوز الاستناد إليه في الإدانة ، كما أن بطلان ورقة التكليف بالحضور أو أمر الإحالة لا يترتب عليه دخول القضية في حوزة المحكمة.
على أن البطلان لا يؤثر في صحة الادلة المنفصلة عن إجراء الباطل ، فإذا ثبت مثلا أن اعتراف المتهم مستقل عن واقعة التفتيش الباطل إذا لم يتأثر به ، فلا يوجد ما يحول دون أخذ القاضي بهذا الدليل المستقل ، فالبطلان لا ينال من العمل الا نتيجة للعيب الذي أثر في صحته.
و يشترط في الإجراء الباطل حتى يؤثر في الإجراءات التالية له أن يكون مؤثرا ، وهو ما لا يتحقق إلا إذا كان الإجراء الباطل جوهريا ، و ذلك حين يعتبرشكلا جوهريا بصحة الإجراء التالي له ، مثل ذلك استجواب المتهم قبل حبسه احتياطيا.
و لمحكمة الموضوع سلطة تقدير العلاقة بين الإجراء الباطل و الإجراء التالي له لمعرفة تأثير الاول على الثاني.
* تحول العمل الاجرائي الباطل: يشتـرط لتحول العمـل الاجرائـي الباطـل إلى عمـل آخر صحيـح:
- أن يكون العمل الاجرائي الاصل باطلا.
- أن يتضمن العمل الإجرائي الباطل عناصر عمل آخر صحيح.
مثال: إذا باشر وكيل الجمهورية التحقيق وحرر محضر بيده دون الاستعانة بكاتب فيكون التحقيق باطلا ، الا أنه يتحول إلى استدلال صحيح.
أ. تجديد العمل الإجرائي الباطل:
يجوز إعادة العمل الإجرائي الباطل ، و الشرط الوحيد هذا التجديد أن يكون ممكنا، فقد يستحيل بسبب قانوني هو سقوط الحق في مباشرة العمل الإجرائي أو لسبب مادي ، وذلك إذا حال دون التجديد حائل مادي مثل وفاة الشاهد الذي يراد إعادة سماع أقواله.
- * * الخاتمــــة * * -
اكتشاف حقيقة مراحل ارتكاب الجريمة غاية المحقق والهدف الأسمى هو تجنب توريط أشخـاصـا أبرياء فـي جرائم لا علاقة لهم بها والدفع بهم فــي غيابات السجون وســـط المجرمين و قطع دابر الجريمة ، لكن إيقاع المجرم الحقيقي بدل البريء في مكانه اللائق به هو الصواب بعينه و لا يتأتى ذلك إلا بعد الإلمام الواسع بقانون الإجراءات الجزائية التـي تنظم كل إجراء على حدى والإحاطة الكاملة بتقنيات التحقيق التي تنظم كيفية السير في دروب التحقيق من بداية الإبلاغ عن وقوع الجريمة التوقيف إلى غاية تقديم المجرم ( ين ) الى العدالة ثم النطق بالحكم و تحقيــق العدل .
فالغاية المقصــودة من هذه المذكرة المتواضعة الإدراك ولو بالجزء القليل عن الإختصاصات الإستثنائية التي خولها قانون الإجراءات الجزائية لضابط الشرطة القضائية و القيام بإجراءات هي من إجراءات التحقيق و ذلك في حالة التلبس بالجريمة ، وقد حاول المشرع الجزائري في هذا الشأن مراعاة عدة أشياء منها المحافظة على أدلة إثبات الجريمة من الضياع لذلك أجاز لضباط الشرطة القضائية القيام بإجراءات التحقيق إستثناءا حتى لا يعيب بمعالم الجريمة أو تضيع ، ولهذا تنسب الجريمة الى مرتكبيهـا حيث أن بتوافر حالة التلبس تنتفي مظنــة الخطـأ أو الكيد للمتهم ، وكذلك بمعرفة كيفية إجراء التحقيق بشكل قانوني سريع و فعال نتفــادى الوقوع في أخطــاء تكلف أناسـا أبريـاء حريتهـم .
المراجع
- مبادىء الإجراءات الجزائية في التشريع الجزائري _الجزء الثاني_ ديوان المطبوعات
الجامعية طبعة 1999 .
- شرح قانون الإجراءات الجزائية _ الجزء الأول _ في التحري و التحقيق معهد الحقوق
جامعة الجزائر .للدكتور/عبدالله أوهايبية .
- المبادئ الأساسية في قانون الإجراءات الجزائية الجزائري للدكتور إسحاق إبراهيم منصور –الطبعة الثانية 1982- ديوان المطبوعات الجامعية – الجزائر -
- التلبس بالجريمة و أثره على الحرية الشخصية - د. إبراهيم حامد طنطاوي- - توزيع المكتبة القانونية- 1995
- التلبس بالجريمة في ضوء القضاء و الفقه- المستشار الدكتور عبد الحميد الشواربي.
-قانون العقوبات الجزائري طبعة 2007
-قانون الإجراءات الجزائية- الديوان الوطني للأشغال التربوية 2002 الطبعة الثالثة .
- نصوص قانونية – قانون الإجراءات المصري.
- شرح قانون الإجراءات الجزائية الجزائري الطبعة الثانية – ديوان المطبوعات الجامعية الجزائــر - ( محمد صبحي محمد نجـم ) .
- الإجراءات الجزائية في التشريع الجزائري– المؤسسة الوطنية للكتاب1987 الطبعة الأولى .
المحتــــويات الصفحة
المقدمة
المبحث الأول: في ماهية التلبس بالجريمة
المطلب الأول:تعريف التلبس.......................................
الفرع الأول:التعريف اللغوي......................................
الفرع الثاني: التعريف الاصطلاحي................................
الفرع الثالث : التعريف القانوني..................................
المطلب الثاني:حالات التلبس.......................................
الفرع الأول: التلبس الحقيقــي....................................
الفرع الثاني:التلبس الاعتباري.....................................
الفرع الثالث : الجريمة المتسمة بصفة التلبس.....................
المطلب الثالث : شــروط صحة التلبس ...........................
الفرع الأول: أن يكون التلبس سابقا زمنيا على اجراءات التحقيق....
الفرع الثاني:إكتشاف التلبس بمعرفة ض.ش.ق أو تحققه منه بنفسه.
الفرع الثالث: إكتشاف التلبس بطريق مشروع........................
المطلب الرابع : خصائص التلبس بالجريمة..........................
الفرع الأول: الطابع العيني للتلبس ..................................
الفرع الثاني:إنصراف التلبس الى ما يدل على توافر الركن المادي
للجريمة........................................... ..
الفرع الثالث : انصراف التلبس الى الجريمة التي توافرت لها احدى
حالاتــــه.......................................
المبحث الثاني: السلطات الإستثنائية لـ ض ش ق في حالات التلبس.
المطلب الأول : واجبات ض ش ق في حالة التلبس ..................
الفرع الأول : اخطار وكيل الجمهورية والانتقال فورا للمعاينة ........
الفرع الثاني : سماع أقوال الشهود...................................
الفرع الثالث : ندب الخبراء و الاستعانة بالأشخاص المؤهلين........
المطلب الثاني : سلطة ض ش ق في الاستيقاف و القبض ...........
الفرع الأول : الاستيقاف بغرض تحقيق الهوية.......................
الفرع الثاني : القبض ...............................................
الفرع الثالث : التفرقة بين القبض و الاستيقاف .....................
المطلب الثالث : سلطة ض ش ق في التحفظ على الحاضرين و
الشهود بمسرح الجريمة ...........................
الفرع الأول : ضبط المشتبه فيه ....................................
الفرع الثاني : الأمر بعدم المبارحــة ..............................
المطلب الرابع : سلطة ض ش ق في التوقيف للنظر.................
الفرع الأول : تعريف التوقيف للنظر.................................
الفرع الثاني:القيود المقررة على سلطة ض ش ق في التوقيف للنظر.
الفرع الثالث: جزاء مخالفة قواعد التوقيف للنظر ....................
المطلب الخامس : سلطة ض ش ق في التفتيش ....................
الفرع الأول : تفتيش المساكن .......................................
الفرع الثاني: تفتيش الأشخاص ......................................
الفرع الثالث : بطـلان التفتيــش .................................
المبحث الثالث : بطلان الاجراءات في حالة التلبس ..................
المطلب الأول : البطــلان المطلق ..................................
المطلب الثاني : البطـــلان النسبي ...............................
المطلب الثالث : آثــار البطـــلان...............................
الخاتمــــــــة ..............................................
04
05
06
06
06
06
07
07
08
09
10
10
10
12
16
16
17
17
19
20
20
21
21
22
22
22
24
24
24
25
26
26
26
28
28
29
31
32
33
34
35
36
38