yacine414
2011-04-17, 18:09
المقدمة:
قال الله تعالى: "يا أيها الناس إن خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا،إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير. إن هذه الآية الكريمة نستشف منها حكم بليغة وأمور عظيمة، ومن ذلك " إن خلقناكم من ذكر وأنثى ". فالناس كلهم أشقاء جميعهم لآدم وآدم من تراب . وهي حقيقة هامة فيجب أن لا يغفل عنها البشر و أنهم من أصل واحد وجعلهم آصرة الأخوة من أب واحد وأم واحدة .
" وجعلناكم شعوبا وقبائل ". هي مشيئة الله التي لا راد لها أن يفترق الناس جميعا إلى جماعات وشعوب وقبائل.
وقال تعالى : " لو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين. فالاختلاف بين البشر في الدين واللغة والثقافة سنة ماضية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فالله سبحانه وتعالى يدعوا الناس بحكم أخوتهم، إلى التعاون على الرغم من الاختلاف في اللغة أو الأصل العرقي أو الدين أو الثقافة . " إن أكرمكم عند الله أتقاكم "، فمن العقبات الرئيسية التي تحول دون تعارف الشعوب، هي ضن بعضهم أنهم أفضل عرقا من غيرهم ، وهم يرون ذلك بدعاوى لم تثبت صحتها عن الرقى العرقي.
وهنا الرقى الزائف جعل العلاقات بين الشعوب صعبة وحتى إن قامت بينها العلاقات فإنها تقدم على نحو غير صحيح ومصطنع، و الحقيقة كما وردت في الآية الكريمة " إن أكرمكم عند الله أتقاكم". فلا فرق ولا فضل لعربي على أعجمي ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى والعمل الصالح.
وربط العلاقات الطيبة بين الشعوب وجب إزاحة هذه العقباتٍٍٍ، وقد بات مؤكد أن تعاون الشعوب أمر لابد منه لاسيما أن مجالات الحيات أصبحت متعددة، السياسي منها والاقتصادي.
وتدخل هذه العلاقات في إطار القانون الدولي , وهو ما يسمى بالدبلوماسية وما ينتج عنها من معاملات وتنازع اختصاص القضاء الدولي بشكل موسع في تنفيذ القوانين وتطبيقها كونها تمس بالعلاقات الدولية، وهي درع في يد المتمتعين بها إزاء هذه القوانين عملا بمبادئ معينة مفروضة بمعاهدات ثنائية أو دولية .
أما الجانب التنظيمي و التشريعي الداخلي لكل دولة يفرض نوع آخر من الحصانات وهو الحصانة البرلمانية، والإشكال المطروح هنا هو ما مدى قوة هذه الحصانات ؟ هل هي مطلقة أم نسبية؟ وهل المتمتع بها على حسب اختلافها يوقف أم لا ؟.
ولهذا أهمية كبرى خاصة العمل اليومي لرجال الشرطة . وهي إحدى العقبات الكبرى التي يجب التعامل معها طبقا لإجراءات شرطية وقانونية معينة.
ومن هنا نتبع الخطة المرسومة من مقدمة وفصلين كل فصل به ثلاثة مباحث، وكل مبحث يحتوي على مطالب وفروع , ونتناول في الفصل الأول ماهية الحصانات وأنواعها عبر المباحث الثلاثة على التولي بداية بالحصانة الدبلوماسية، ثم الحصانة القضائية وبعدها الحصانة البرلمانية، ثم نتناول في الفصل الثاني دور السلطات إزاء الحصانات على التوالي وبداية سنتعرض الفصل الأول.
الفصل الأول: ماهية الحصانات وأنوعها.
إن الحصانات هي امتياز تمنحه الدولة في إطار اتفاقيات ومعاهدات وقواعد القانون الدولي لدولة أخرى متواجدة عبر إقليمها، فهي إذن تدخل في ممارسة العلاقات الدولية والمجاملة والمعاملة بالمثل، ومعنى هذا أن الدولة أو من يمثلها أو ما يماثلها تتمتع بالحصانة بأطرافها المتعددة فهي تستفيد من تسهيلات إجرائية وقانونية وقضائية، وتعني عدم المسألة عن أعمالها ما دامت تتمتع بهذه الحصانات .
هذا على المستوى الخارجي أما على المستوى الداخلي فإن لكل دولة نظامها الخاص المتمثل في قوانينها طبقا للنظام العام السائد، ولسير هذا النظام وجب أن توفر حصانة للقائمين به، وهي الحصانة البرلمانية المقررة للبرلمانيين، وسنتعرض لهذه الحصانات على التولي :
ـ الحصانة الدبلوماسية.
ـ الحصانة القضائية.
ـ والحصانة البرلمانية.
المبحث الأول: الحصانة الدبلوماسية.
تنقسم الحصانة الدبلوماسية إلى قسمين: منها الأجهزة الداخلية للعلاقات الدبلوماسية التي توفد إلى الخارج وهي دائمة وبداية نقوم بتعريف الدبلوماسية.
المطلب الأول: تعريف الدبلوماسية والحصانة.
في البداية سنقوم بتعريف موجز للدبلوماسية، ثم بعدها نعطي مفهوم الحصانة الدبلوماسية التي هي موضوعنا من خلال فرعين.
الفرع الأول: مفهوم الدبلوماسية .
هي علم وفن إدارة العلاقات الدولية والدبلوماسية وهي فن قبل أن تكون علم ظهرت مند القديم بإرسال المبعوثين والرسل, وهذا الأمر مارسه الشعوب والقبائل مند فجر التاريخ، ومنها التزام واحترام المبعوثين وتمتعهم بالحماية.
الفرع الثاني: مفهوم الحصانة الدبلوماسية.
هي مجموعة من الإعفاءات المعترف بها لبعض الأشخاص بسبب صفتهم أو لبعض الأموال ويتمتع بهذه الحصانة الأعوان الدبلوماسيون والقناصل، وأماكن السفارات والقنصليات والمحفوظات والمراسلات ويتم منح هذه الحصانة استنادا إلى الاعتقاد السائد بأنه لا يمكن لموظف التابع لدولة أجنبية أن ينفذ مهامه بصورة مرضية إلا إذا كان بمنأى عن المتابعات الصادرة عن السلطات المحلية وهي جزء لا يتجزأ من القانون الدولي العام، ولها نتطرق إلى نطاق هذه الحصانات في المطلب الثاني.
المطلب الثاني: نطاق الحصانة الدبلوماسية.
لقد ظهرت الحصانة الدبلوماسية في الأصل لصالح الأعوان الدبلوماسيين على سبيل الحصر لكنها توسعت وتطورت بتطور العلاقات الدولية أدى إلى تعميم تطبيقاتها من ذلك البعثات المؤقتة والممثلة في رئيس الدولة ووزير الخارجية أما بالنسبة للأجهزة الداخلية للعلاقات الدبلوماسية وبعثات دائمة ممثلة في البعثات الدبلوماسية ونتطرق لها كل على حدى.1
الفرع الأول: الأجهزة الداخلية للعلاقات الدبلوماسية.
وتتمثل في رئيس الدولة ووزير الخارجية.
1) رئيس الدولة:
يلعب رئيس الدولة دورا رئيسيا في إدارة العلاقات الدولية، فهو الممثل الرئيسي لدولته في التعبير عن إرادتها وعلاقاتها مع غيرها من الدول والمنظمات والهيئات الدولية.
ـ حصانة وامتيازاته : بما أنه الممثل الرئيسي لدولته وجب أن يحاط بالاحترام اللائق عند استقباله من طرف الدولة وهو يتمتع بالحصانات التالية : الحصانة الشخصية، الحصانة القضائية، والامتيازات المالية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
1 ـ د/ وائـل أحـمد عـلام , القانـون الدولـي, العلاقـات الدبلومـاسية. كليـة الحـقوق, جـامعة الـزقـازيـق, مصـر 1995, ص 7
أ ـ الحصانة الشخصية:
تتمثل في أمرين هما حرمة الذات وحرمة المسكن , فيجب على الدولة المضيفة عدم التعرض لشخص رئيس الدولة ولا يجوز دخول مقره لأي سبب من الأسباب إلا بناءا على رضاه وإذنه .
ب ـ الحصانة القضائية:
إن رئيس الدولة لا يخضع لمتابعة قضائية لدى الدولة المضيفة ويختلف رئيس الدولة بالنسبة للقضاء الجنائي، والقضاء المدني.2
فبالنسبة للقضاء الجنائي أنه يتمتع بالإعفاء من الخضوع إلى القضاء الجنائي وبالنسبة للقضاء المدني نميز بين تصرفين، هما تصرفات رسمية و تصرفات شخصية.
ج ـ الامتيازات المالية :
يتمتع رئيس الدولة المضيفة بالإعفاءات الضريبية والجمركية وثمن بعض الخدمات من باب المجاملة الدولية.
د ـ ممارسة رئيس الدولة لمهامه خارج دولته :
يمارس رئيس الدولة المهام خارج دولته، بتعيين مساعدين له في إدارة شؤون البلاد. ومن الأجهزة الداخلية نجد كذلك وزير الخارجية .
2) وزير الخارجية:
وهو يمثل المساعد لرئيس الدولة فيما يخص التعامل والتحاور مع الأطراف الخارجية في العلاقات بين الجانبين .
أ ـ مهام وزير الخارجية :
المشاركة مع الرئيس في تكوين الدولة في العلاقات الخارجية، فوزير الخارجية يقوم برسم السياسة الخارجية لدولته و التفاوض مع ممثلي الدول الأجنبية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
2ـ نفــس المــرجع الســابق , ص 17
كما يعتبر الرئيس الأعلى للبعثات الدبلوماسية والقنصلية التابعة لدولته، حيث يتولى استقبال المبعوثين الدبلوماسيين الأجانب وتقديمهم إلى رئيس دولته، المشاركة في المؤتمرات الدولية والاجتماعات والمنظمات الدولية.3
ب ـ حصانات وامتيازات وزير الخارجية :
يتمتع وزير الخارجية بالحصانة الشخصية فتكون ذاته مصونة فلا يجوز التعرض له، ويجب حمايته، كما يتمتع بالحصانة القضائية والامتيازات المالية بالإضافة للأجهزة الداخلية، حيث تباشر الدولة علاقاتها الدبلوماسية من خلال بعثاتها الدبلوماسية التي نتناولها في الفرع الثاني من المطلب الثاني.4
الفرع الثاني: تشكيل البعثة الدبلوماسية .
تتشكل البعثة الدبلوماسية من عدة فئات وهي كالتالي:
1ـ المبعوثون الدبلوماسيون:
وهم الأشخاص الدين تعينهم الدولة في العمل في مجال الدبلوماسية بالخارج وفي مجموع هؤلاء الأشخاص يتكون ما يعرف بالسلك الدبلوماسي diplomatique corps ويقصد به مجموع المبعوثين الدبلوماسيين المعتمدين لدى دولة ما, وتتمثل فئة المبعوثين في رئيس البعثة والموظفين الدبلوماسيين ورئيس البعثة وهو الذي يقوم بالدور الأساسي والهام في تقوية العلاقات بين دولته والدولة الموفد إليها، لذلك يجب على الدولة الموفدة أن تعلم الدولة الموفد إليها باسم رئيس البعثة قبل تعيينه، وللدولة الموفد إليها أن تعلن قبولها لهذا الشخص ولها أن تعلن أن هذا الشخص غير مرغوب فيه، وفي مجال الموافقة عليه فإن دولته تزوده بخطاب الاعتماد وهو عبارة عن وثيقة رسمية صادرة من الدولة الباعثة تبين اسم رئيس البعثة ومرتبته وصفته.5
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
3ـ د/ زيـدان عبـد الـله مصبـاح , الـدبلومـاسية.دار الجـليـل , الطبعـة الثـانية ,بـيروت, ص 45, 46
4 ـ د/محمد إسعاد , القانون الدولي , القواعد المادية. الطبعة الثانية , بيروت 1989 , ص 210.
5 ـ د/ مفيد شهاب , القانون الدولي العام. جامعة القاهرة , ص 15.
2ـ المزايا والحصانات الدبلوماسية :
تتمتع البعثة الدبلوماسية بعدد من الحصانات والامتيازات الدبلوماسية تكفل قيام البعثة بأداء المهام المكلفة بها على الوجه الأكمل وتجد هذه الحصانات الامتيازات مصدرها في العرف الدولي، وقد يتمتع السفراء المبعوثون دوما بالحماية والرعاية الخاصة، حيث إ ستقر الأمر بين الدول على اعتبار الحصانات والامتيازات الدبلوماسية عرفا ملزما تلتزم به الدول في علاقاتها الدولية، كما نص على هذه الحصانات والامتيازات في اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية في18 أفريل 1961م. وتوجد بخصوص تبرير تمتع البعثة بهذه المزايا والحصانات الثلاثة ثلاثة نظريات وهي :
ـ نظرية الامتداد الإقليمي.
ـ نظرية الصفة التمثيلية.
ـ ونظرية المقتضيات الوطنية.
وتقسم الامتيازات والحصانات الدبلوماسية إلى امتيازات وحصانات تتعلق بمقر البعثة وعملها، وأخرى تتعلق بأفراد البعثة ونتعرض لها على النحو التالي .
3 ـ حصانة مقر البعثة :
مقر البعثة هو المكان الذي تمارس من خلاله البعثة مهامها، وتحتفظ فيه بالوثائق والتسجيلات الخاصة، ويشمل مقر البعثة كافة الأماكن والمباني التي تشغلها البعثة وملحقاتها ، كما يقع مقر البعثة عادة بعاصمة الدولة المضيفة ، وقد يكون مملوكا للبعثة أو مؤجرا حسب قوانين الدولة المضيفة، وتشمل الحصانات المتعلقة بمقر البعثة الدبلوماسية وعملها فيما يلي:
ـ حرمة مقر البعثة.
ـ حرمة المحفوظات والوثائق.
ـ الإعفاء من الضرائب والرسوم.
ـ حرية الاتصال.
ـ استخدام علم وشعار الدولة .
ـ الحصانة الشخصية لأفراد البعثة:
يتمتع المبعوث الدبلوماسي بالحصانات والامتيازات الشخصية منها حرمة ذاته، لكن إذا كان له جنسية تلك الدولة المستقبلة فهو لا يتمتع بالحصانة الدبلوماسية للأعمال الوظيفية المبعوث من أجلها أو مسكنه والحصانة القضائية ، والامتيازات المالية ، والإعفاء من الخضوع لبعض الأحكام والقوانين المحلية، وحرية التنقل ، ومثال عن الحصانة القضائية نجد إن المبعوث معفى من الإدلاء بالشهادة إلا بترخيص من وزير الخارجية.
4 ـ القناصل:
بما أن القناصل لا يقومون بمهمة تمثيلية سيادية فإنهم لا يستفيدون من الحصانات إلا بالنسبة للأعمال التي يقومون بها أثناء ممارستهم لمهامهم، وصحيح إن المادة الأولى من المرسوم27 أوت 1964م أقر التماثل بين الأعوان القناصل الدين تلقوا براءة الاعتماد، وبين الدبلوماسيين في الاستفادة من الحصانات والامتيازات التقليدية ولكنها تفعل ذلك وفقا لأحكام واتفاقيات متعددة حيثيات المرسوم وفي جملتها اتفاقية فينا حول العلاقات القنصلية المؤرخة في 24 أفريل 1963 م، وقد أبرمت الجزائر أربعة اتفاقيات على مستوى العلاقات الثنائية أهمها بين الجزائر وتونس في 24 أفريل 1983م.6
ـ المزايا والحصانات الدبلوماسية للقناصل :
يتمتع الأعوان القناصل بالحصانة الدبلوماسية عند تأديتهم لوظائفهم القنصلية فقط ، وتطبيقا لما تقدم فإن المادة 43ـ01 من هذه الاتفاقية لا تمنح للموظفين المستخدمين القناصل حق الاستفادة من الحصانة الدبلوماسية ضد متابعات السلطات القضائية والإدارية العائدة للدولة الإقامة سوى بالنسبة للأعمال التي يقومون بها أثناء ممارستهم لوظيفتهم القنصلية،7 وهذا يعني إمكانية ملاحقة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
6 ـ د/ وائـل أحـمد عـلام , مـرجـع ســابق , ص 66
7ـ د/ عـلاء أبـو عامـر , الـوظـيفة الـدبلـومـاسيـة. دار الـشروق للـنشر والـتوزيع , الـطبعة الأولـى 2001, ص 115.
القنصل قضائيا في الجزائر حتى في المواد الجزائية. إلا أنه يجب مع ذلك أن يعامل الموظف القنصلي بما يستحقه من احترام. إذ لا يمكن توقيفه أو حبسه احتياطيا في حالة ارتكابه لجريمة خطيرة، وبناءا على قرار صادر عن السلطة القضائية المختصة، كما لا يجوز حبسه إلا تنفيذا لحكم قضائي نهائي على العكس من ذلك ومن هنا يتبين لنا حسب اتفاقية فينا 1961م للعلاقات الدبلوماسية، أن الحصانة مقررة للأشخاص الطبعين، في حال ممارستهم لوظائفهم التمثيلية لبلدانهم في أعمال السيادة الوطنية فقط، وبما أن الحصانة الدبلوماسية هي نفوذ وسلطة ضد إجراءات المتابعة، فنتناول استعمالها واستغلالها في المطلب الثالث وفي فرعين وذلك بمثالين.
المطلب الثالث: الدفع بالحصانة الدبلوماسية.
الحصانة الدبلوماسية هي حماية مقررة للمتمتعين بها، وجعلهم يمارسون مهامهم في طمأنينة وحرية، وسنعرض هنا مثالين لاستعمال الحصانة:
ـ الأول يتمثل في استعمال الحصانة من طرف صاحبها.
ـ والثاني من طرف شخص آخر لا يتمتع بها.
الفرع الأول: الدفع بالحصانة من طرف المستمع بها.
يلجا المبعوث الدبلوماسي أو صاحب الحصانة إلا استعمال حصانة ضد إجراءات تصدر ضده، وهذا الأمر نجده مثلا عندما يسافر المبعوث تحت اسم مستعار، إذ لا تكون له امتيازات إلا أنه إذا كشف صفته تعود له هذه الامتيازات، ومما نذكر في هذا الشأن أن السلطان لاهور زار إنجلترا سنة 1894م متخفيا باسم آخر وهناك تعرف على سيدة ووعدها بالزواج، إلا أنه لم يوف بوعده، فرفعت السيدة دعوى للتعويض أمام المحاكم الانجليزية إلا أن السلطان دفع بحصانته وقبلت المحاكم الانجليزية دفعه ورفضت الدعوى المرفوعة من قبل السيدة.8
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
8 ـ أ.د/ حفـيظـة السـيد الحداد , القانـون الدولـي الخـاص . جـامعـة الإسـكندرية , كـلية الحـقوق , دار الفكر الجامعي , مصر 2000, ص 75.
الفرع الثاني: الدفع بالحصانة من طرف شخص عديم الحصانة.
وقد يلجأ لاستعمال الحصانة الدبلوماسية شخص عادي، وهذا عند لجوءه إلى دار السفارة فلا يجوز استعمال القوة لإخراجه منها، وقد وقعت حوادث كثيرة من هذا القبيل قديما و حديثا كإيواء السفارات البريطانية في مدريد لوزير خارجية إسبانيا عام 1726م وعندما طلبت الحكومة الإسبانية تسليمه رفضت السفارة البريطانية ذلك فطوقت القوات الإسبانية دار السفارة تمهيدا لاقتحامها فاحتجت الحكومة البريطانية وطلبت من الحكومة الإسبانية تقديم الاعتذار، وعندما امتنعت الحكومة الإسبانية من تقديم الاعتذار أعلنت بريطانيا الحرب عليها.9
المبحث الثاني: الحصانة القضائية.
الحصانة القضائية عنصر هام من عناصر الحصانات الدبلوماسيـــــة وسنتطرق لها من نطاق موسع ونبين أنها لا تمثل تمتع القضاة أو رجال القضـــاء بها وبل يعتبرون موظفون عاديون ، وإنما هي أكبر من ذلك بكثير ونستعرضها من خلال ثلاث مطالب، المطلب الأول يتضمن تعار يف، والمطلب الثاني يتضمن نطاقها، والمطلب الثالث استعمالها.
المطلب الأول: تعريف الحصانة القضائية.
هي مسألة متعلقة بالنظام العام من ونعرضها من خلال فرعين:
الفرع الأول: المقصود بالحصانة القضائية.
هو عدم الخضوع لولاية القضاء الوطني خروجا على القواعد العامة.10
الفرع الثاني: المقصود بالحصانة القضائية.
هو الإعفاء القضائي الممنوح للدول الأجنبية، قد يكون مطلقا بمنع المقاضاة بصورة عامة وقد يكون مشروطا يمنع المقاضاة نسبيا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
9 ـ نــفـس الـمرجـع الســابق , ص 81.
10 ـ أ.د/ غالب علي داو ودي , تنازع القوانين وتنازع اختصاص القضاء الدولي وتنفيذ الأحكام الأجنبية .جامعة اليرموك سابقا , كلية الحقوق , دار الأهلية الطبعة الأولى , الأردن .
لكن هذا القضاء كان محلا للنقد وفي نهاية الأمر يجب ألا يكون التناقض صارخا بين النظام السياسي والاقتصادي للدولة الأجنبية المراد تمتعها بالحصانة لأن مناط التعايش بين النظم القانونية، هو تغايرها، فإذا كانت هذه الأخيرة متنافرة فيحق لكل دولة الحفاظ على كيانها.
أما بالنسبة لحصانة المشروعات العامة الأجنبية، فهي امتداد للدولة صاحبة المشروع،والأمر يتعلق بعنصر السيادة المقررة للدولة الأجنبية سواء تمتع المشروع بشخصية قانونية أم لا، مادام مبني على أوامر الدولة الباعثة، وننتقل إلى هيئات أخرى لها الحق في التمتع بالحصانة القضائية من خلال الفرع الثاني.
الفرع الثاني: حصانة المنظمات الدولية وحصانة الدبلوماسيين.
تنظم الاتفاقيات الدولي التي يتم بموجبها إنشاء المنظمات الدولية، تلك الحصانات القضائية التي تتمتع بها هذه الذخيرة في الدول الأطراف،وفيها كذلك العاملين بهذه المنظمات، وقد أقرت الحصانة القضائية للمنظمات الدولية الغالبية الساحقة من الاتفاقيات المنشأة لهذه المنظمات، ولا تخضع لولاية القضاء الوطني لاسيما الفروض التي يتعلق فيها الأمر بقضاء الدول الأعضاء المساهمة في إنشائها، وتمتد الحصانة إلى العاملين بها وإلى جانب المنظمات الدولية هناك البعثات الدبلوماسية، هذه الأخيرة تمتع بالحصانة القضائية ولا يمكن محاكمة المبعوث الدبلوماسي أمام محاكم الدولة المستقبلة للعرف السائد وهو احترام الدولة الموفدة ولا يعني عدم محاكمته وإنما تطلب الدولة المستقبلة محاكمة مبعوثها في محاكمها وهذا لأنه لم يحترم دولته كونها أوفدته لممارسة مهامها السيادية.
المطلب الثاني: نطاق الحصانة القضائية.
نتناول الحصانة من جانبين, الأول كونها جزء لا يتجزأ من الحصانات الدبلوماسية والثاني كونها مستقلة عنها وهدا في فرعين.
الفرع الأول: الحصانة القضائية عنصر من عناصر الدبلوماسية.
تشكل الحصانة القضائية عنصرا خاصا من عناصر الحصانات الدبلوماسية التي تستهدف عدم خضوع عون الدولة الأجنبية لأية ملاحقة قضائية ضمن إقليم الدولة المعتمدة لديها وقد بات مؤكدا أن من يتمتع بالحصانة الدبلوماسية تتقرر له الحصانة القضائية والإدارية والمدنية وتدخل ضمن هده الحصانة، حصانة التنفيذ.
ومن ذلك نجد الدول الأجنبية ورؤساء الدول والمنظمات الدولية والبعثات الدبلوماسية، غير أنه إذا تناولنا الحصانة القضائية بصفة مستقلة تكون بعد الوظيفة العامة.
الفرع الثاني: الحصانة القضائية عن الدبلوماسية.
ومن ذلك الحصانة المقرر في الموظف العام إذا لا يجوز محاكمة إلا بعد نزع الصفة عنه مثل أعضاء الحكومة، القضاة والنواب العامون، وضباط الشرطة .
المطلب الثالث : الدفع بالحصانة القضائية.
إن الدفع بالحصانة القضائية , معناه استعمالها ضد إجراءات قضائية وسنتناولها في فرعين.
الفرع الأول: في حالة الحصانة القضائية بصفتها تابعة لدبلوماسية.
إن استعمالها يدخل ضمن قواعد القانون الدولي ، والعرف الدولي كمعاملة بالمثل فلا يمكن مقضات الدولة أمام الدول الأخرى، والنزاع المطروح يكون من اختصاص المحاكمة الوطنية بناءا على معاهدات واتفاقيات بين الدول أو اللجوء إلى التحكيم، فيكون القضاء دولة ثالثة أو طرف ثالث وهو مختص في فض النزاع مما يعني عدم التنازل عن الحصانة ضمنيا، ولهذا نجد أن المتمتع بالحصانة القضائية يتمتع بحصانة التنفيذ وهي أوسع من الأولى لأن النيل من سيادة الدولة الأجنبية عن طريق تنفيذ حكم سيكون أشد خطورة بمجرد صدور حكم قضائي، ويخرج الآن عن إطار العلاقات الدولية إلى تنظيم داخلي لكل دولة وهذا فيما يلي.
الفرع الثاني: في حالة الحصانة القضائية إذا تعلقت بالوظيفة العامة والتشريع الداخلي.
فلا يمكن متابعة أعضاء الحكومة أو القضاة أو النواب العامون أو ضباط الشرطة إلا عن طريق إتباع السلم التدريجي وعند إخلالهم بوظائفهم بارتكاب جناية أو جنحة في حلة خطئهم تتحمل الدولة التعويض عن ذلك كما هو الحال في حالة ارتكاب خطأ قضائي فالوظيفة تكفل الحماية للموظف أثناء ممارسته لمهامه فيمكنه الدفع بها .
المبحث الثالث: الحصانة البرلمانية.
الحصانة البرلمانية هي تلك الحماية المقررة لأعضاء ونواب البرلمان إذ يتمتعون بها .
المطلب الأول: تعريف الحصانة القضائية.
الحصانة البرلمانية هي تحصين لأعضاء المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة من الناحية الجنائية بالقدر الذي يمكنهم من أداء واجبهم البرلماني بالحرية التامة واستقلال كامل، والحصانة التي يقررها الدستور تتمثل في أمرين.
الفرع الأول : الحصانة ضد الإجراءات الجنائية .
تتمثل هذه الحصانة جواز اتخاذ إجراءات جنائية ضد أعضاء نواب البرلمان في غير حلة التلبس، إلا بعد الحصول على إذن سابق في المجلس، وحسب نص المادة 109 من الدستور فإن الحصانة معترف بها للنواب وأعضاء مجلس الأمة مدة نيابتهم ومهمتهم البرلمانية.
الفرع الثاني: الحصانة ضد المسئول عما يبديه النائب أو العضو من أفكار وآراء.
إلى جانب الحصانة ضد الإجراءات الجنائية تقرر الدساتير حماية لأعضاء البرلمان مقتضاها عدم مسئوليتهم عما يعبرون عنه من أفكار أو آراء مداولاتهم في المجلس، وهو منصوص عليه في المادة 109 من الدستور فلا يسلط عليهم أي ضغط بسبب ما عبروا عنه من آراء أو ما تلفظوا به من كلام ، أو بسبب تصويتهم خلال ممارسة مهامهم البرلمانية.11
المطلب الثاني: نطاق الحصانة البرلمانية .
تشمل الحصانة البرلمانية نواب المجلس الشعبي الوطني وأعضاء مجلس الأمة وتقرر هذه الحصانة نظرا للمهمة الوطنية المكلفين بها .
الفرع الأول: انتخاب أعضاء ونواب البرلمان .
تحدد كيفيات انتخاب النواب وأعضاء مجلس الأمة أو تعيينهم وشروط قابليتهم للانتخاب وحالات التنافي بموجب قانون عضوي .
الفرع الثاني: مهمة النواب وأعضاء مجلس الأمة.
إن مهمة النائب وعضو مجلس الأمة وطنية قابلة للتجديد ولا يمكن الجمع بينها وبين مهام أو وظائف أخرى ، وإثبات عضوية النواب والأعضاء ترجع لكل غرفة على حدى.
المطلب الثالث : الدفع بالحصانة البرلمانية .
الدفع بالحصانة البرلمانية معناه استعمالها ضد الإجراءات المتخذة من أي جهة قضائية أو إدارية .
الفرع الأول : الدفع بالحصانة البرلمانية ضد الإجراءات الإدارية .
وتخص هنا إجراءات الشرطة ومصالح الأمن , فتعد باطلة ولا تحوز على قوة التنفيذ، ما دام البرلمان يتمتع بهذه الحصانة وكمثال على ذلك بالنسبة للنائب الذي يمثل ولاية بجاية عند ارتكابه لجريمة قتل، فلا يمكن توقيفه أو تفتيشه إلا بتنازل صريح منه عن الحصانة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
11 ـ المــادة 109 مـن , الـدستور الـجزائـري . لـسنة 1996.
الفرع الثاني : الدفع بالحصانة البرلمانية ضد الإجراءات القضائية.
لا يمكن أن نخضع النائب في البرلمان إلى المتابعة القضائية، وكل حكم أو إجراء يعد باطلا, حيث أن البرلمان هو الذي يقرر متابعة النائب من عدمه ويكون بأغلبية أعضائه وعندئذ تزول الحصانة بزوال عضويته أو نيابته وذلك حسب كل حالة.
وبهذا ننهي الفصل الأول المتضمن ماهية الحصانات وأنواعها، ونستعرض الآن السلطات المخولة لنزع هذه الحصانات، والإجراءات المتبعة في ذلك في الفصل الثاني، الذي يحتوي على ثلاثة مباحث كل مبحث يحتوي على ثلاثة مطالب .
الفصل الثاني: دور السلطات الثلاثة إزاء الحصانات.
في هذا الفصل نستعرض الجهة المخول لها إنهاء الحصانة وبداية بالحصانات الدبلوماسية .
المبحث الأول : السلطة التنفيذية والحصانات.
نتناول هذا المبحث في ثلاثة مطالب مع إبراز علاقة السلطة التنفيذية بالحصانات.
المطلب الأول: تعريف السلطة التنفيذية .
هي الجهاز التنفيذي في الدولة وتتمثل في رئيس الدولة و الجهاز الحكومي ومن وزارات ومديريات مركزية، فهي سلطة مركزية لإتحاد القرار تمارس مهامها كذلك عن طريق هيئات لامركزية هي الولاية والبلدية .
الفرع الأول: علاقة السلطة التنفيذية بالحصانة الدبلوماسية.
إن منبع الحصانة الدبلوماسية هو العرف الدولي والقانون الدولي، ولا شك أن أول ممثل للدولة في الخارج هو السلطة التنفيذية بالإضافة إلي الهيكل الحكومي والوزاري، وهو ما عبرنا عنه بالأجهزة الداخلية الدبلوماسية منها وزارة الخارجية .
الفرع الثاني: وزارة الخارجية.
تعتبر هذه الوزارة من وزارات السيادة، وهي تنطوي تحت لواء السلطة التنفيذية تتمثل علاقتها بالحصانة الدبلوماسية، ومن خلال علاقة السلطة التنفيذية بالحصانة الدبلوماسية، نتطرق إلي الأساس القانوني لهذه الحصانة من خلال جانب نظري وأخر تطبيقي.
المطلب الثاني : الأساس القانوني للحصانة والامتيازات الدبلوماسية.
عمل الفقه الدولي علي اتخاذ مبرر قانوني لتمتع المبعوث الدبلوماسي بالحصانات والامتيازات الدبلوماسية، وتوجد ثلاث نظريات تحاول كل منها أن تفسر تمتع المبعوث بها وهي:
ـ نظرية الامتداد الإقليمي.
ـ نظرية الصفة التمثيلية.
ـ نظرية مقتضيات الوظيفة.
الفرع الثاني: شرح النظريات الثلاثة .
ـ نظرية الامتداد الإقليمي:
أن المبعوث الدبلوماسي كأنه لم يغادر دولته وأن مقر البعثة الدبلوماسية يفترض أنه لا يقع على إقليم الدولة المضيفة وإنما يعتبر امتداد لإقليم دولة المبعوث الدبلوماسي.
ـ نظرية الصفة التمثيلية:
تقوم علي أساس أن المبعوث الدبلوماسي يمثل دولته ورئيسها و يجب أن يتمتع بالحصانات والامتيازات الدبلوماسية و احتراما سيادة دولته و رئيسها التي يمثلها المبعوث الدبلوماسي.
ـ نظرية مقتضيات الوظيفة:
مفادها أن المبعوث الدبلوماسي يحتاج في أداء وظائفه إلي عدد من الحصانات والامتيازات حتى يتمكن من القيام بهذا الوظائف في جو من الطمأنينة، و تتميز هذه النظرية باتفاقها مع الواقع العملي في مجالات العلاقات الدبلوماسية.12
الفرع الثاني: الاتفاقيات والمعاهدات.
يلعب العرف دورا هاما وجوهريا في تكوين معظم القواعد المنظمة للعلاقات الدبلوماسية، وقد نص على هذه القواعد العرفية في معاهدات واتفاقيات دولية تخص تنظيم العلاقات الدبلوماسية، وهناك لائحة أقرها مؤتمر فينا في 19 مارس1815م ويكمل هده اللائحة بروتوكول " اكس لاشابل" التي أقره مؤتمر في :21 نوفمبر 1818م. وقد نظمت هذه اللائحة قواعد التقدم في الاحتفالات بين رؤساء البعثات الدبلوماسية.13
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
12. 13ـ القانون الدولي الخاص , الاستثناءات التي ترد على حرية الدولة, الطبعة الرابعة, 2004 ص 50, 63, 78, 103.
المطلب الثالث:إنهاء الحصانة الدبلوماسية والتنازل عنها.
إن الحصانة الدبلوماسية حماية ممنوحة من طرف دولة الاستقبال لممثلي الدولة الموفدة، إذ لا تنتهي الحصانة بانتهاء التمثيل الدبلوماسي، إما لنشوب حرب بينهما أو كنتيجة لقرار أحدهما بقطع العلاقات الدبلوماسية وهذا بصفة مؤقتة.
الفرع الأول: انتهاء الحصانة الدبلوماسية.
إن العلاقات الدبلوماسية مظهر من مظاهر العلاقات الودية والسلمية وانتهاء حالة السلم بين الدولتين فإن مظاهر العلاقات الودية تنتهي بدورها ، وتحل محلها المظاهر العدائية بين الدولتين لكن الحصانة لا تنتهي مباشرة وإنما تبقى مؤقتة إلى إجراءات المغادرة ، فيجب على الدولتين في حالة قيام الحرب بينها، أو في حلة قطع العلاقات الدبلوماسية ومنح التسهيلات اللازمة لتمكين الأجانب المتمتعين بالامتيازات والحصانة، وتمكين أسرهم أيا كانت جنسيتهم من مغادرة إقليمها في أقرب وقت، كما لا يترتب على قطع العلاقات الدبلوماسية قطع جميع العلاقات بين الدولتين فقط تستمر العلاقات التجارية والاقتصادية، ولا يترتب أيضا أي مساس بالعلاقات القانونية التي تقيمها المعاهدات بين الدولتين في نطاق ما يجعل بقاء العلاقات لازما لتطبيق المعاهدات، وبالتالي فالحصانة لا تنتهي في هذين الظرفين بصفة مطلقة .
الفرع الثاني: التنازل عن الحصانة الدبلوماسية.
لا يمكن التعدي على الحصانة لكونها مشتركة بين الأطراف الثلاثة المستفيد منها هو المبعوث، والمقرر لها الحصانة هي دولة الإيفاد والدولة المانحة للحصانة هي الدولة المستقبلة.
لا شك أن لا أحد من هؤلاء له الحق في نزع الحصانة بمفرده فتكون بإقرار من الأطراف الثلاثة معا، وتكون بتنازل صريح من المبعوث وموافقة حكومته الصريحة كونها صاحبة الحصانة، والدولة المستقبلة المانحة لها، ويشترط عدم تعلق العمل بأعمال السيادة.
ونصت على ذلك اتفاقية هافانا المبرمة بين دول أمريكا اللاتينية في مدينة هافانا بكوبا في 20 فبراير 1927م التي تتعلق بتنظيم العلاقات الدبلوماسية، وكذلك توجد معاهدات ثنائية تنظم العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين فقط مثل معاهدة الصداقة الفرنسية الإيرانية بتاريخ 20 مايو 1929م.14
بالإضافة إلى المعاهدات الأخرى بين الولايات المتحدة والفلبين، وبين فرنسا والفلبين وكلها تعمل على تنظيم العلاقات الدبلوماسية وما ينتج عنها من حصانات وامتيازات، خاصة في اتفاقية فينا في 18 أفريل 1961م التي كانت نتيجة المؤتمر الذي عقد بين 02 مارس و 14 أفريل 1961م بالنمسا و يتكون من مواد تتعلق بالعلاقات الدبلوماسية والحصانات والامتيازات الممنوحة للمبعوثين الدبلوماسيين.15
البحث الثاني: السلطة القضائية والحصانة.
تعتبر السلطة القضائية في بلادنا مستقلة عن بقية السلطات عملا بمبدأ استقلالية القضاء .
المطلب الأول: تعريف السلطة القضائية.
تختلف السلطة القضائية عن باقي السلطات كونها هي من يصدر الأحكام وتوقيع الجزاء، ولكي تطبق هذه الأحكام لا بد من استقلالية هذه الهيئة، فهي مستقلة عن السلطة التشريعية والتنفيذية.
الفرع الأول: علاقة الحصانة القضائية بالسلطة القضائية كعنصر من القانون الدولي.
إن الحصانة القضائية التي يفرضها القانون الدولي تجعل من المتمتعين بها غير خاضعين لولاية القضاء الوطني أو الأجنبي في حالة ما إذا تعلق العمل بأعمال ذات السيادة.16
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ
14 ـ نفس المرجع السابق , ص 198, 199.
15 ـ أ.د/غالب علي داو ودي , مرجع سابق , ص 200, 201, 245.
16 ـ د/ مفيد شهاب , مرجع سابق ص133, 135.
الفرع الثاني: علاقة الحصانة القضائية بالسلطة القضائية كعنصر من القانون الداخلي لدولة.
الحصانة القضائية التي يفرضها القانون الداخلي للدولة من الوظيفة العامة، فيخضع لمتابعة الموظف الحكومي أو القاضي بعد النظر في قضية بطريقة استشارية أي إمكانية عدم متابعته خاصة إذا تعلق الأمر بالمخالفات، ويتضح الأمر في حالة الجناية أو الجنحة المرتكبة من طرف رئيس الدولة , فلا يتابع أمام القضاء إلا في حالة الخيانة العظمى، وتشكل له محكمة خاصة، ومن خلال هذه العلاقة نستخلص الأساس القانوني للحصانة القضائية .
المطلب الثاني: الأساس القانوني للحصانة القضائية.
إذا درسنا الحصانة القضائية كعنصر خاص من الدبلوماسية، فإن أساسها هو أساسا لحصانة الدبلوماسية كونها مستمدة من العرف الدولي، وتتجسد في النظريات السالفة الذكر منها اتفاقية فينا.
أما إذا درسنا أساس الحصانة القضائية للنظام الداخلي في الدولة فإن أساسها القانوني هو الدستور، وقانون العقوبات الجزائري، والإجراءات الجزائية .
الفرع الأول: الأساس القانوني للحصانة القضائية كعنصر من القانون الدولي.
بما أن الحصانة القضائية عنصر من عناصر الدبلوماسية بصفتها امتداد لها، فهي تقرر متى تقررت الحصانة الدبلوماسية للدول والمنظمات العالمية والبعثات الدبلوماسية، فإن أساسها هنا يكون القوانين التي تنظم هذه الأطراف، كالقانون و المعاهدات والاتفاقيات منها اتفاقيات فينا لعام 1961م إذا تعلق الأمر بعنصر أجنبي وعلاقات دولية أما إذا تعلق الأمر بالامتيازات الممنوحة للمواطنين الحكوميين والقضاة ورئيس الدولة فنتطرق له من خلال الفرع الثاني.
الفرع الثاني: أساس القانون للحصانة القضائية كعنصر من القانون الداخلي للدولة.
إن الامتيازات الممنوحة والإجراءات المبينة في قانون الإجراءات الجزائية من المادة 573 إلى 581 تبين أن للموظفين الحكوميين والقضاة عند ارتكابهم لخيانة لا يحاكمون مباشرة إلا بعد إجراءات خاصة، تتمثل في تكوين ملف إجرائي قضائي يرسل إلى المحكمة العليا بالتدرج17، حيث تنظر هذه الأخيرة في إمكانية متابعة الموظف أو عدم متابعته أي أن هناك حصانة قضائية ضمنية وهذا ما تؤكده المادة 12 من قانون رقم 06-01 المؤرخ في 20 فبراير 2006م المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته.18
المطلب الثالث: التنازل عن الحصانة القضائية وانتهائها.
لما كانت الحصانة القضائية ميزة أو حق فإنه يجوز للمستفيد التنازل عنها ويشترط في التنازل أن يكون صريحا وواضحا ولكن ليس هناك ما يمنع من أن يكون التنازل عن الحصانة تنازلا ضمنيا إلا أنه يجب على القضاء الوطني أن يتحرى الدقة عند الكشف عن أدلة هذا التنازل الضمني فهو لا يفترض، ولقد قضت أحكام القضاء الفرنسي بأن اتخاذ فرنسا موطنا مختارا لتنفيذ التزام معين فيها فيعد من قبيل التنازل الضمني عن الحصانة القضائية، ومن هنا يتجلى فكر التحكيم ومن جهة أخرى فيما يتعلق بإنهاء الحماية التي يتمتع بها رئيس الجمهورية عند ارتكابه لجريمة الخيانة العظمى من طرف قضاء وطنه ورضوخه للمحاكمة، سنعالج هذين الأمرين في فرعين على سبيل المثال.
الفرع الأول: التنازل عن الحصانة عن طريق شرط التحكيم على حصانة قضائية.
إن قبول الدولة لشرط التحكيم يعتبر بمثابة تنازل ضمني من قبل هذه الأخيرة عن التمسك بحصانتها أمام المحكم الذي قبلت الخضوع الاختياري لقضائه، أما إذا عرضت المنازعة المتفق بصددها أمام القضاء الوطني فلا يعد وجود شرط التحكيم قرينة في حد ذاته إلا إذا رفعت الدعوة أمام القضاء الوطني لإحدى الدول.19
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
17 ـ المواد من 573 إلى 581 , قانون الإجراءات الجزائية الجزائري.الديوان الوطني للأشغال التربوية , الطبعة الخامسة ,سنة2007.
18 ـ المادة 12 من القانون المتعلق بالفساد ومكافحته, قانون العقوبات الجزائري. الديوان الوطني للأشغال التربوية , الطبعة الخامسة , سنة2007
19 ـ القانون الدولي الخاص, الاستثناءات التي ترد على حرية الدولة.مرجع سابق ص 321.
الفرع الثاني: إنهاء الحصانة القضائية.
إن متابعة الرؤساء عقب جرائم الحرب التي يرتكبونها يعتبر إنهاء لحصانتهم القضائية، كما أن متابعة الرئيس في دولته لارتكابه جريمة الخيانة العظمى يعتبر إنهاء لحصانته وتنفيذ الحكم واجب.
المبحث الثالث: السلطة البرلمانية والحصانة.
إن للسلطة البرلمانية السيادة في إعداد القانون والتصويت عليه، وهي سلطة لها دور هام إذ أن رسم السياسات الوطنية لا يكون إلا بنظام قوانين وتشريعات تصدر من هذه الأخيرة.
المطلب الأول: تعريف السلطة البرلمانية.
يمارس السلطة التشريعية برلمان يتكون من غرفتين وهما المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة، هذا الأخير استحدث في دستور 1996م فهذا المجلس لم يكن موجودا من قبل، وبما أن هذه السلطة لها سيادة في إعداد القانون والتصويت عليه فإنه يراقب عمل الحكومة وفقا للشروط المحددة في المواد 80-84 ، 133 و 134 من الدستور.20
الفرع الأول: علاقة الحصانة البرلمانية بالسلطة البرلمانية.
إن مهمة إعداد القانون تتطلب نوع من الرقي والسمو وبالتالي وجب على القائمين بهذه المهمة حماية وتحصين الحصانة البرلمانية وهي مقررة في الدستور.
الفرع الثاني: الميادين التي تشرع فيها الحصانة البرلمانية.
يشرع البرلمان في الميادين التي يخصصها له الدستور وكذلك في المجالات الآتية منها: حقوق الأشخاص وواجباتهم الأساسية لاسيما نظام الحريات العمومية وحماية الحريات الفردية وواجبات المواطنين وأعمال هذه السلطة محمية ، وبالتالي فإن مجالات العمل محددة، ولا تمتد إلى اقتراح أي قانون مضمونه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
20 ـ المواد 80, 84 ,133, 134 من الدستور الجزائري لسنة 1996.
أو نتيجته تخفيض الموارد العمومية، وهو ما نصت عليه المادة 121 قانون دستوري.
المطلب الثاني: الأساس القانوني للحصانة البرلمانية.
لقد نص قانون العقوبات على الحصانة البرلمانية على أنه يعاقب كل من يتعرض للمتمتع بالحصانة.
الفرع الأول: قانون العقوبات الجزائري.
جاء في المادة 111 من قانون العقوبات على أنه يعاقب بالحبس لمدة ستة أشهر إلى ثلاث سنوات كل قاض أو ضابط شرطة قضائية يجري متابعات أو يصدر أمرا أو حكما أو يوقع عليهما أو يصدر أمرا قضائيا ضد شخص متمتع بالحصانة في غير حالات التلبس بالجريمة دون أن يحصل قبل ذلك على رفع الحصانة عنه، وفقا للأوضاع القانونية.21
الفرع الثاني: الدستور.
نصت المادة 109 على أن الحصانة البرلمانية معترف بها للنواب ولأعضاء مجلس الأمة، مدة نيابتهم ومهمتهم البرلمانية ولا يمكن أن يتابعوا أو يوقفوا، وعلى العموم لا يمكن أن ترفع عليهم أية دعوى مدنية أو جزائية أو يسلط عليهم أي ضغط بسبب ما عبروا عنه من آراء أو ما تلفظوا به من كلام، أو بسبب تصويتهم خلال ممارسة مهامهم البرلمانية.22
المطلب الثالث: التنازل عن الحصانة وإنهائها.
إن الحصانة البرلمانية ليست مطلقة فلو أنها كانت كذلك لحدثت فوضى عارمة في البلاد واستعصى اتخاذ الإجراءات .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
21ـ المادة 111 من قانون العقوبات الجزائري. سبق ذكره.
22 ـ المادة 109 من الدستور. سبق ذكره.
الفرع الأول: نسبية الحصانة البرلمانية
إن في هذا حكمة تكمن في توازن السلطات، فلسلطة التشريعية رقابة على أعمال السلطة التنفيذية والعكس صحيح وبالتالي نجد أن عمل البرلمان محدد في مجالات معينة من قبل الحكومة، وبالتالي فالحصانة ليست مطلقة في هذا المجال.
الفرع الثاني: إنهاء الحصانة والتنازل عنها.
جاء في المادة 107 من الدستور أن النائب أو عضو مجلس الأمة مسؤول أمام زملائه الذين يمكنهم تجريده من مهمته النيابية إن اقترف فعلا يخل بشرف مهنته.
كما يحدد النظام الداخلي لكل غرفة الشروط التي يتعرض فيها أي نائب أو عضو مجلس الأمة بأغلبية أعضائها دون المساس بجميع المتابعات الأخرى الواردة في الفانون.23
أما التنازل والاستقالة فتحدد بقانون عضوي يقبلها البرلمان في حالات محددة فقط , وهو ما جاء في المادة 108 من الدستور.24
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
23ـ24ـ المواد 107و 108 من الدستور . سبق ذكره.
الخــاتمة:
الحصانات بمختلف أصنافها هي عالم قائم بذاته يقوم بتنظيم العلاقات في العالم بين الدول، فالأمن والسلام الدوليين لا يمكن أن نوفرهما بالانغلاق والتقوقع، بل بالانفتاح والتعاون والتبادل والتواصل وهذه السبل لا تؤمنها إلا الحصانة الدبلوماسية والقضائية والبرلمانية .
لذلك وضعت لها الأصول والقواعد والمرتبات والتصنيفات والدرجات ووسائل القيام بأعبائها وما يتطلبه هذا القيام من أصول بروتوكولية ولباقة واحترام ودراية وحنكة وفهم وقدرة على استيعاب المشاكل وإيجاد الحلول لها بمنأى عن لغة المدفع وحوار الدمار والموت.
فالإنسان أولا وأخيرا هو المقصود من كل ذلك والمجتمع الإنساني هو الهدف من كل هذه النظم والقواعد والأصول وإعلاء القيم الإنسانية هو ما تعنيه التشريعات التي وضعت في هذا المجال. وهذا من اجل استكشاف عالم يجد فيه الإنسان كثيرا من الإغراء و التشويق.
قائمة المـــراجع
1ـ د/ وائل أحمد علام، القانون الدولي العام، العلاقات الدبلوماسية. كلية الحقوق، جامعة الزقازيق، مصر 1995.
2 ـ د/ زيدان عبد الله مصباح, الدبلوماسية. دار الجليل, الطبعة الثانية، بيروت.
3 ـ د/ علاء أبو عامر، الوظيفة الدبلوماسية. دار الشروق للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى سنة 2001.
4 ـ أ.د/ حفيظة السيد الحداد, القانون الدولي الخاص. جامعة الإسكندرية، كلية الحقوق، دار الفكر الجامعي بالإسكندرية سنة 2000.
5 ـ د/ محمد إسعاد, القانون الدولي، القواعد المادية. الطبعة الثاني، بيروت سنة 1989.
6 ـ أ.د/غالب علي داوودي، تنازع القوانين وتنازع الاختصاص القضاء الدولي وتنفيذ الأحكام الأجنبية. جامعة اليرموك سابقا, كلية الحقوق، دار الأهلية، الطبعة الأولى، الأردن.
7ـ د/ مفيد شهاب، القانون الدولي العام. جامعة القاهرة.
8 ـ القانون الدولي الخاص، الاستثناءات التي ترد على حرية الدولة. الطبعة الرابعة سنة 2000 .
9 ـ قانون الإجراءات الجزائية الجزائري. الديوان الوطني للأشغال التربوية, الطبعة الخامسة سنة 2007.
10 ـ قانون العقوبات الجزائري. الديوان الوطني للأشغال التربوية، الطبعة الخامسة سنة 2007.
11 ـ الدستور الجزائري لسنة 1996.
قال الله تعالى: "يا أيها الناس إن خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا،إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير. إن هذه الآية الكريمة نستشف منها حكم بليغة وأمور عظيمة، ومن ذلك " إن خلقناكم من ذكر وأنثى ". فالناس كلهم أشقاء جميعهم لآدم وآدم من تراب . وهي حقيقة هامة فيجب أن لا يغفل عنها البشر و أنهم من أصل واحد وجعلهم آصرة الأخوة من أب واحد وأم واحدة .
" وجعلناكم شعوبا وقبائل ". هي مشيئة الله التي لا راد لها أن يفترق الناس جميعا إلى جماعات وشعوب وقبائل.
وقال تعالى : " لو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين. فالاختلاف بين البشر في الدين واللغة والثقافة سنة ماضية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فالله سبحانه وتعالى يدعوا الناس بحكم أخوتهم، إلى التعاون على الرغم من الاختلاف في اللغة أو الأصل العرقي أو الدين أو الثقافة . " إن أكرمكم عند الله أتقاكم "، فمن العقبات الرئيسية التي تحول دون تعارف الشعوب، هي ضن بعضهم أنهم أفضل عرقا من غيرهم ، وهم يرون ذلك بدعاوى لم تثبت صحتها عن الرقى العرقي.
وهنا الرقى الزائف جعل العلاقات بين الشعوب صعبة وحتى إن قامت بينها العلاقات فإنها تقدم على نحو غير صحيح ومصطنع، و الحقيقة كما وردت في الآية الكريمة " إن أكرمكم عند الله أتقاكم". فلا فرق ولا فضل لعربي على أعجمي ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى والعمل الصالح.
وربط العلاقات الطيبة بين الشعوب وجب إزاحة هذه العقباتٍٍٍ، وقد بات مؤكد أن تعاون الشعوب أمر لابد منه لاسيما أن مجالات الحيات أصبحت متعددة، السياسي منها والاقتصادي.
وتدخل هذه العلاقات في إطار القانون الدولي , وهو ما يسمى بالدبلوماسية وما ينتج عنها من معاملات وتنازع اختصاص القضاء الدولي بشكل موسع في تنفيذ القوانين وتطبيقها كونها تمس بالعلاقات الدولية، وهي درع في يد المتمتعين بها إزاء هذه القوانين عملا بمبادئ معينة مفروضة بمعاهدات ثنائية أو دولية .
أما الجانب التنظيمي و التشريعي الداخلي لكل دولة يفرض نوع آخر من الحصانات وهو الحصانة البرلمانية، والإشكال المطروح هنا هو ما مدى قوة هذه الحصانات ؟ هل هي مطلقة أم نسبية؟ وهل المتمتع بها على حسب اختلافها يوقف أم لا ؟.
ولهذا أهمية كبرى خاصة العمل اليومي لرجال الشرطة . وهي إحدى العقبات الكبرى التي يجب التعامل معها طبقا لإجراءات شرطية وقانونية معينة.
ومن هنا نتبع الخطة المرسومة من مقدمة وفصلين كل فصل به ثلاثة مباحث، وكل مبحث يحتوي على مطالب وفروع , ونتناول في الفصل الأول ماهية الحصانات وأنواعها عبر المباحث الثلاثة على التولي بداية بالحصانة الدبلوماسية، ثم الحصانة القضائية وبعدها الحصانة البرلمانية، ثم نتناول في الفصل الثاني دور السلطات إزاء الحصانات على التوالي وبداية سنتعرض الفصل الأول.
الفصل الأول: ماهية الحصانات وأنوعها.
إن الحصانات هي امتياز تمنحه الدولة في إطار اتفاقيات ومعاهدات وقواعد القانون الدولي لدولة أخرى متواجدة عبر إقليمها، فهي إذن تدخل في ممارسة العلاقات الدولية والمجاملة والمعاملة بالمثل، ومعنى هذا أن الدولة أو من يمثلها أو ما يماثلها تتمتع بالحصانة بأطرافها المتعددة فهي تستفيد من تسهيلات إجرائية وقانونية وقضائية، وتعني عدم المسألة عن أعمالها ما دامت تتمتع بهذه الحصانات .
هذا على المستوى الخارجي أما على المستوى الداخلي فإن لكل دولة نظامها الخاص المتمثل في قوانينها طبقا للنظام العام السائد، ولسير هذا النظام وجب أن توفر حصانة للقائمين به، وهي الحصانة البرلمانية المقررة للبرلمانيين، وسنتعرض لهذه الحصانات على التولي :
ـ الحصانة الدبلوماسية.
ـ الحصانة القضائية.
ـ والحصانة البرلمانية.
المبحث الأول: الحصانة الدبلوماسية.
تنقسم الحصانة الدبلوماسية إلى قسمين: منها الأجهزة الداخلية للعلاقات الدبلوماسية التي توفد إلى الخارج وهي دائمة وبداية نقوم بتعريف الدبلوماسية.
المطلب الأول: تعريف الدبلوماسية والحصانة.
في البداية سنقوم بتعريف موجز للدبلوماسية، ثم بعدها نعطي مفهوم الحصانة الدبلوماسية التي هي موضوعنا من خلال فرعين.
الفرع الأول: مفهوم الدبلوماسية .
هي علم وفن إدارة العلاقات الدولية والدبلوماسية وهي فن قبل أن تكون علم ظهرت مند القديم بإرسال المبعوثين والرسل, وهذا الأمر مارسه الشعوب والقبائل مند فجر التاريخ، ومنها التزام واحترام المبعوثين وتمتعهم بالحماية.
الفرع الثاني: مفهوم الحصانة الدبلوماسية.
هي مجموعة من الإعفاءات المعترف بها لبعض الأشخاص بسبب صفتهم أو لبعض الأموال ويتمتع بهذه الحصانة الأعوان الدبلوماسيون والقناصل، وأماكن السفارات والقنصليات والمحفوظات والمراسلات ويتم منح هذه الحصانة استنادا إلى الاعتقاد السائد بأنه لا يمكن لموظف التابع لدولة أجنبية أن ينفذ مهامه بصورة مرضية إلا إذا كان بمنأى عن المتابعات الصادرة عن السلطات المحلية وهي جزء لا يتجزأ من القانون الدولي العام، ولها نتطرق إلى نطاق هذه الحصانات في المطلب الثاني.
المطلب الثاني: نطاق الحصانة الدبلوماسية.
لقد ظهرت الحصانة الدبلوماسية في الأصل لصالح الأعوان الدبلوماسيين على سبيل الحصر لكنها توسعت وتطورت بتطور العلاقات الدولية أدى إلى تعميم تطبيقاتها من ذلك البعثات المؤقتة والممثلة في رئيس الدولة ووزير الخارجية أما بالنسبة للأجهزة الداخلية للعلاقات الدبلوماسية وبعثات دائمة ممثلة في البعثات الدبلوماسية ونتطرق لها كل على حدى.1
الفرع الأول: الأجهزة الداخلية للعلاقات الدبلوماسية.
وتتمثل في رئيس الدولة ووزير الخارجية.
1) رئيس الدولة:
يلعب رئيس الدولة دورا رئيسيا في إدارة العلاقات الدولية، فهو الممثل الرئيسي لدولته في التعبير عن إرادتها وعلاقاتها مع غيرها من الدول والمنظمات والهيئات الدولية.
ـ حصانة وامتيازاته : بما أنه الممثل الرئيسي لدولته وجب أن يحاط بالاحترام اللائق عند استقباله من طرف الدولة وهو يتمتع بالحصانات التالية : الحصانة الشخصية، الحصانة القضائية، والامتيازات المالية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
1 ـ د/ وائـل أحـمد عـلام , القانـون الدولـي, العلاقـات الدبلومـاسية. كليـة الحـقوق, جـامعة الـزقـازيـق, مصـر 1995, ص 7
أ ـ الحصانة الشخصية:
تتمثل في أمرين هما حرمة الذات وحرمة المسكن , فيجب على الدولة المضيفة عدم التعرض لشخص رئيس الدولة ولا يجوز دخول مقره لأي سبب من الأسباب إلا بناءا على رضاه وإذنه .
ب ـ الحصانة القضائية:
إن رئيس الدولة لا يخضع لمتابعة قضائية لدى الدولة المضيفة ويختلف رئيس الدولة بالنسبة للقضاء الجنائي، والقضاء المدني.2
فبالنسبة للقضاء الجنائي أنه يتمتع بالإعفاء من الخضوع إلى القضاء الجنائي وبالنسبة للقضاء المدني نميز بين تصرفين، هما تصرفات رسمية و تصرفات شخصية.
ج ـ الامتيازات المالية :
يتمتع رئيس الدولة المضيفة بالإعفاءات الضريبية والجمركية وثمن بعض الخدمات من باب المجاملة الدولية.
د ـ ممارسة رئيس الدولة لمهامه خارج دولته :
يمارس رئيس الدولة المهام خارج دولته، بتعيين مساعدين له في إدارة شؤون البلاد. ومن الأجهزة الداخلية نجد كذلك وزير الخارجية .
2) وزير الخارجية:
وهو يمثل المساعد لرئيس الدولة فيما يخص التعامل والتحاور مع الأطراف الخارجية في العلاقات بين الجانبين .
أ ـ مهام وزير الخارجية :
المشاركة مع الرئيس في تكوين الدولة في العلاقات الخارجية، فوزير الخارجية يقوم برسم السياسة الخارجية لدولته و التفاوض مع ممثلي الدول الأجنبية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
2ـ نفــس المــرجع الســابق , ص 17
كما يعتبر الرئيس الأعلى للبعثات الدبلوماسية والقنصلية التابعة لدولته، حيث يتولى استقبال المبعوثين الدبلوماسيين الأجانب وتقديمهم إلى رئيس دولته، المشاركة في المؤتمرات الدولية والاجتماعات والمنظمات الدولية.3
ب ـ حصانات وامتيازات وزير الخارجية :
يتمتع وزير الخارجية بالحصانة الشخصية فتكون ذاته مصونة فلا يجوز التعرض له، ويجب حمايته، كما يتمتع بالحصانة القضائية والامتيازات المالية بالإضافة للأجهزة الداخلية، حيث تباشر الدولة علاقاتها الدبلوماسية من خلال بعثاتها الدبلوماسية التي نتناولها في الفرع الثاني من المطلب الثاني.4
الفرع الثاني: تشكيل البعثة الدبلوماسية .
تتشكل البعثة الدبلوماسية من عدة فئات وهي كالتالي:
1ـ المبعوثون الدبلوماسيون:
وهم الأشخاص الدين تعينهم الدولة في العمل في مجال الدبلوماسية بالخارج وفي مجموع هؤلاء الأشخاص يتكون ما يعرف بالسلك الدبلوماسي diplomatique corps ويقصد به مجموع المبعوثين الدبلوماسيين المعتمدين لدى دولة ما, وتتمثل فئة المبعوثين في رئيس البعثة والموظفين الدبلوماسيين ورئيس البعثة وهو الذي يقوم بالدور الأساسي والهام في تقوية العلاقات بين دولته والدولة الموفد إليها، لذلك يجب على الدولة الموفدة أن تعلم الدولة الموفد إليها باسم رئيس البعثة قبل تعيينه، وللدولة الموفد إليها أن تعلن قبولها لهذا الشخص ولها أن تعلن أن هذا الشخص غير مرغوب فيه، وفي مجال الموافقة عليه فإن دولته تزوده بخطاب الاعتماد وهو عبارة عن وثيقة رسمية صادرة من الدولة الباعثة تبين اسم رئيس البعثة ومرتبته وصفته.5
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
3ـ د/ زيـدان عبـد الـله مصبـاح , الـدبلومـاسية.دار الجـليـل , الطبعـة الثـانية ,بـيروت, ص 45, 46
4 ـ د/محمد إسعاد , القانون الدولي , القواعد المادية. الطبعة الثانية , بيروت 1989 , ص 210.
5 ـ د/ مفيد شهاب , القانون الدولي العام. جامعة القاهرة , ص 15.
2ـ المزايا والحصانات الدبلوماسية :
تتمتع البعثة الدبلوماسية بعدد من الحصانات والامتيازات الدبلوماسية تكفل قيام البعثة بأداء المهام المكلفة بها على الوجه الأكمل وتجد هذه الحصانات الامتيازات مصدرها في العرف الدولي، وقد يتمتع السفراء المبعوثون دوما بالحماية والرعاية الخاصة، حيث إ ستقر الأمر بين الدول على اعتبار الحصانات والامتيازات الدبلوماسية عرفا ملزما تلتزم به الدول في علاقاتها الدولية، كما نص على هذه الحصانات والامتيازات في اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية في18 أفريل 1961م. وتوجد بخصوص تبرير تمتع البعثة بهذه المزايا والحصانات الثلاثة ثلاثة نظريات وهي :
ـ نظرية الامتداد الإقليمي.
ـ نظرية الصفة التمثيلية.
ـ ونظرية المقتضيات الوطنية.
وتقسم الامتيازات والحصانات الدبلوماسية إلى امتيازات وحصانات تتعلق بمقر البعثة وعملها، وأخرى تتعلق بأفراد البعثة ونتعرض لها على النحو التالي .
3 ـ حصانة مقر البعثة :
مقر البعثة هو المكان الذي تمارس من خلاله البعثة مهامها، وتحتفظ فيه بالوثائق والتسجيلات الخاصة، ويشمل مقر البعثة كافة الأماكن والمباني التي تشغلها البعثة وملحقاتها ، كما يقع مقر البعثة عادة بعاصمة الدولة المضيفة ، وقد يكون مملوكا للبعثة أو مؤجرا حسب قوانين الدولة المضيفة، وتشمل الحصانات المتعلقة بمقر البعثة الدبلوماسية وعملها فيما يلي:
ـ حرمة مقر البعثة.
ـ حرمة المحفوظات والوثائق.
ـ الإعفاء من الضرائب والرسوم.
ـ حرية الاتصال.
ـ استخدام علم وشعار الدولة .
ـ الحصانة الشخصية لأفراد البعثة:
يتمتع المبعوث الدبلوماسي بالحصانات والامتيازات الشخصية منها حرمة ذاته، لكن إذا كان له جنسية تلك الدولة المستقبلة فهو لا يتمتع بالحصانة الدبلوماسية للأعمال الوظيفية المبعوث من أجلها أو مسكنه والحصانة القضائية ، والامتيازات المالية ، والإعفاء من الخضوع لبعض الأحكام والقوانين المحلية، وحرية التنقل ، ومثال عن الحصانة القضائية نجد إن المبعوث معفى من الإدلاء بالشهادة إلا بترخيص من وزير الخارجية.
4 ـ القناصل:
بما أن القناصل لا يقومون بمهمة تمثيلية سيادية فإنهم لا يستفيدون من الحصانات إلا بالنسبة للأعمال التي يقومون بها أثناء ممارستهم لمهامهم، وصحيح إن المادة الأولى من المرسوم27 أوت 1964م أقر التماثل بين الأعوان القناصل الدين تلقوا براءة الاعتماد، وبين الدبلوماسيين في الاستفادة من الحصانات والامتيازات التقليدية ولكنها تفعل ذلك وفقا لأحكام واتفاقيات متعددة حيثيات المرسوم وفي جملتها اتفاقية فينا حول العلاقات القنصلية المؤرخة في 24 أفريل 1963 م، وقد أبرمت الجزائر أربعة اتفاقيات على مستوى العلاقات الثنائية أهمها بين الجزائر وتونس في 24 أفريل 1983م.6
ـ المزايا والحصانات الدبلوماسية للقناصل :
يتمتع الأعوان القناصل بالحصانة الدبلوماسية عند تأديتهم لوظائفهم القنصلية فقط ، وتطبيقا لما تقدم فإن المادة 43ـ01 من هذه الاتفاقية لا تمنح للموظفين المستخدمين القناصل حق الاستفادة من الحصانة الدبلوماسية ضد متابعات السلطات القضائية والإدارية العائدة للدولة الإقامة سوى بالنسبة للأعمال التي يقومون بها أثناء ممارستهم لوظيفتهم القنصلية،7 وهذا يعني إمكانية ملاحقة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
6 ـ د/ وائـل أحـمد عـلام , مـرجـع ســابق , ص 66
7ـ د/ عـلاء أبـو عامـر , الـوظـيفة الـدبلـومـاسيـة. دار الـشروق للـنشر والـتوزيع , الـطبعة الأولـى 2001, ص 115.
القنصل قضائيا في الجزائر حتى في المواد الجزائية. إلا أنه يجب مع ذلك أن يعامل الموظف القنصلي بما يستحقه من احترام. إذ لا يمكن توقيفه أو حبسه احتياطيا في حالة ارتكابه لجريمة خطيرة، وبناءا على قرار صادر عن السلطة القضائية المختصة، كما لا يجوز حبسه إلا تنفيذا لحكم قضائي نهائي على العكس من ذلك ومن هنا يتبين لنا حسب اتفاقية فينا 1961م للعلاقات الدبلوماسية، أن الحصانة مقررة للأشخاص الطبعين، في حال ممارستهم لوظائفهم التمثيلية لبلدانهم في أعمال السيادة الوطنية فقط، وبما أن الحصانة الدبلوماسية هي نفوذ وسلطة ضد إجراءات المتابعة، فنتناول استعمالها واستغلالها في المطلب الثالث وفي فرعين وذلك بمثالين.
المطلب الثالث: الدفع بالحصانة الدبلوماسية.
الحصانة الدبلوماسية هي حماية مقررة للمتمتعين بها، وجعلهم يمارسون مهامهم في طمأنينة وحرية، وسنعرض هنا مثالين لاستعمال الحصانة:
ـ الأول يتمثل في استعمال الحصانة من طرف صاحبها.
ـ والثاني من طرف شخص آخر لا يتمتع بها.
الفرع الأول: الدفع بالحصانة من طرف المستمع بها.
يلجا المبعوث الدبلوماسي أو صاحب الحصانة إلا استعمال حصانة ضد إجراءات تصدر ضده، وهذا الأمر نجده مثلا عندما يسافر المبعوث تحت اسم مستعار، إذ لا تكون له امتيازات إلا أنه إذا كشف صفته تعود له هذه الامتيازات، ومما نذكر في هذا الشأن أن السلطان لاهور زار إنجلترا سنة 1894م متخفيا باسم آخر وهناك تعرف على سيدة ووعدها بالزواج، إلا أنه لم يوف بوعده، فرفعت السيدة دعوى للتعويض أمام المحاكم الانجليزية إلا أن السلطان دفع بحصانته وقبلت المحاكم الانجليزية دفعه ورفضت الدعوى المرفوعة من قبل السيدة.8
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
8 ـ أ.د/ حفـيظـة السـيد الحداد , القانـون الدولـي الخـاص . جـامعـة الإسـكندرية , كـلية الحـقوق , دار الفكر الجامعي , مصر 2000, ص 75.
الفرع الثاني: الدفع بالحصانة من طرف شخص عديم الحصانة.
وقد يلجأ لاستعمال الحصانة الدبلوماسية شخص عادي، وهذا عند لجوءه إلى دار السفارة فلا يجوز استعمال القوة لإخراجه منها، وقد وقعت حوادث كثيرة من هذا القبيل قديما و حديثا كإيواء السفارات البريطانية في مدريد لوزير خارجية إسبانيا عام 1726م وعندما طلبت الحكومة الإسبانية تسليمه رفضت السفارة البريطانية ذلك فطوقت القوات الإسبانية دار السفارة تمهيدا لاقتحامها فاحتجت الحكومة البريطانية وطلبت من الحكومة الإسبانية تقديم الاعتذار، وعندما امتنعت الحكومة الإسبانية من تقديم الاعتذار أعلنت بريطانيا الحرب عليها.9
المبحث الثاني: الحصانة القضائية.
الحصانة القضائية عنصر هام من عناصر الحصانات الدبلوماسيـــــة وسنتطرق لها من نطاق موسع ونبين أنها لا تمثل تمتع القضاة أو رجال القضـــاء بها وبل يعتبرون موظفون عاديون ، وإنما هي أكبر من ذلك بكثير ونستعرضها من خلال ثلاث مطالب، المطلب الأول يتضمن تعار يف، والمطلب الثاني يتضمن نطاقها، والمطلب الثالث استعمالها.
المطلب الأول: تعريف الحصانة القضائية.
هي مسألة متعلقة بالنظام العام من ونعرضها من خلال فرعين:
الفرع الأول: المقصود بالحصانة القضائية.
هو عدم الخضوع لولاية القضاء الوطني خروجا على القواعد العامة.10
الفرع الثاني: المقصود بالحصانة القضائية.
هو الإعفاء القضائي الممنوح للدول الأجنبية، قد يكون مطلقا بمنع المقاضاة بصورة عامة وقد يكون مشروطا يمنع المقاضاة نسبيا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
9 ـ نــفـس الـمرجـع الســابق , ص 81.
10 ـ أ.د/ غالب علي داو ودي , تنازع القوانين وتنازع اختصاص القضاء الدولي وتنفيذ الأحكام الأجنبية .جامعة اليرموك سابقا , كلية الحقوق , دار الأهلية الطبعة الأولى , الأردن .
لكن هذا القضاء كان محلا للنقد وفي نهاية الأمر يجب ألا يكون التناقض صارخا بين النظام السياسي والاقتصادي للدولة الأجنبية المراد تمتعها بالحصانة لأن مناط التعايش بين النظم القانونية، هو تغايرها، فإذا كانت هذه الأخيرة متنافرة فيحق لكل دولة الحفاظ على كيانها.
أما بالنسبة لحصانة المشروعات العامة الأجنبية، فهي امتداد للدولة صاحبة المشروع،والأمر يتعلق بعنصر السيادة المقررة للدولة الأجنبية سواء تمتع المشروع بشخصية قانونية أم لا، مادام مبني على أوامر الدولة الباعثة، وننتقل إلى هيئات أخرى لها الحق في التمتع بالحصانة القضائية من خلال الفرع الثاني.
الفرع الثاني: حصانة المنظمات الدولية وحصانة الدبلوماسيين.
تنظم الاتفاقيات الدولي التي يتم بموجبها إنشاء المنظمات الدولية، تلك الحصانات القضائية التي تتمتع بها هذه الذخيرة في الدول الأطراف،وفيها كذلك العاملين بهذه المنظمات، وقد أقرت الحصانة القضائية للمنظمات الدولية الغالبية الساحقة من الاتفاقيات المنشأة لهذه المنظمات، ولا تخضع لولاية القضاء الوطني لاسيما الفروض التي يتعلق فيها الأمر بقضاء الدول الأعضاء المساهمة في إنشائها، وتمتد الحصانة إلى العاملين بها وإلى جانب المنظمات الدولية هناك البعثات الدبلوماسية، هذه الأخيرة تمتع بالحصانة القضائية ولا يمكن محاكمة المبعوث الدبلوماسي أمام محاكم الدولة المستقبلة للعرف السائد وهو احترام الدولة الموفدة ولا يعني عدم محاكمته وإنما تطلب الدولة المستقبلة محاكمة مبعوثها في محاكمها وهذا لأنه لم يحترم دولته كونها أوفدته لممارسة مهامها السيادية.
المطلب الثاني: نطاق الحصانة القضائية.
نتناول الحصانة من جانبين, الأول كونها جزء لا يتجزأ من الحصانات الدبلوماسية والثاني كونها مستقلة عنها وهدا في فرعين.
الفرع الأول: الحصانة القضائية عنصر من عناصر الدبلوماسية.
تشكل الحصانة القضائية عنصرا خاصا من عناصر الحصانات الدبلوماسية التي تستهدف عدم خضوع عون الدولة الأجنبية لأية ملاحقة قضائية ضمن إقليم الدولة المعتمدة لديها وقد بات مؤكدا أن من يتمتع بالحصانة الدبلوماسية تتقرر له الحصانة القضائية والإدارية والمدنية وتدخل ضمن هده الحصانة، حصانة التنفيذ.
ومن ذلك نجد الدول الأجنبية ورؤساء الدول والمنظمات الدولية والبعثات الدبلوماسية، غير أنه إذا تناولنا الحصانة القضائية بصفة مستقلة تكون بعد الوظيفة العامة.
الفرع الثاني: الحصانة القضائية عن الدبلوماسية.
ومن ذلك الحصانة المقرر في الموظف العام إذا لا يجوز محاكمة إلا بعد نزع الصفة عنه مثل أعضاء الحكومة، القضاة والنواب العامون، وضباط الشرطة .
المطلب الثالث : الدفع بالحصانة القضائية.
إن الدفع بالحصانة القضائية , معناه استعمالها ضد إجراءات قضائية وسنتناولها في فرعين.
الفرع الأول: في حالة الحصانة القضائية بصفتها تابعة لدبلوماسية.
إن استعمالها يدخل ضمن قواعد القانون الدولي ، والعرف الدولي كمعاملة بالمثل فلا يمكن مقضات الدولة أمام الدول الأخرى، والنزاع المطروح يكون من اختصاص المحاكمة الوطنية بناءا على معاهدات واتفاقيات بين الدول أو اللجوء إلى التحكيم، فيكون القضاء دولة ثالثة أو طرف ثالث وهو مختص في فض النزاع مما يعني عدم التنازل عن الحصانة ضمنيا، ولهذا نجد أن المتمتع بالحصانة القضائية يتمتع بحصانة التنفيذ وهي أوسع من الأولى لأن النيل من سيادة الدولة الأجنبية عن طريق تنفيذ حكم سيكون أشد خطورة بمجرد صدور حكم قضائي، ويخرج الآن عن إطار العلاقات الدولية إلى تنظيم داخلي لكل دولة وهذا فيما يلي.
الفرع الثاني: في حالة الحصانة القضائية إذا تعلقت بالوظيفة العامة والتشريع الداخلي.
فلا يمكن متابعة أعضاء الحكومة أو القضاة أو النواب العامون أو ضباط الشرطة إلا عن طريق إتباع السلم التدريجي وعند إخلالهم بوظائفهم بارتكاب جناية أو جنحة في حلة خطئهم تتحمل الدولة التعويض عن ذلك كما هو الحال في حالة ارتكاب خطأ قضائي فالوظيفة تكفل الحماية للموظف أثناء ممارسته لمهامه فيمكنه الدفع بها .
المبحث الثالث: الحصانة البرلمانية.
الحصانة البرلمانية هي تلك الحماية المقررة لأعضاء ونواب البرلمان إذ يتمتعون بها .
المطلب الأول: تعريف الحصانة القضائية.
الحصانة البرلمانية هي تحصين لأعضاء المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة من الناحية الجنائية بالقدر الذي يمكنهم من أداء واجبهم البرلماني بالحرية التامة واستقلال كامل، والحصانة التي يقررها الدستور تتمثل في أمرين.
الفرع الأول : الحصانة ضد الإجراءات الجنائية .
تتمثل هذه الحصانة جواز اتخاذ إجراءات جنائية ضد أعضاء نواب البرلمان في غير حلة التلبس، إلا بعد الحصول على إذن سابق في المجلس، وحسب نص المادة 109 من الدستور فإن الحصانة معترف بها للنواب وأعضاء مجلس الأمة مدة نيابتهم ومهمتهم البرلمانية.
الفرع الثاني: الحصانة ضد المسئول عما يبديه النائب أو العضو من أفكار وآراء.
إلى جانب الحصانة ضد الإجراءات الجنائية تقرر الدساتير حماية لأعضاء البرلمان مقتضاها عدم مسئوليتهم عما يعبرون عنه من أفكار أو آراء مداولاتهم في المجلس، وهو منصوص عليه في المادة 109 من الدستور فلا يسلط عليهم أي ضغط بسبب ما عبروا عنه من آراء أو ما تلفظوا به من كلام ، أو بسبب تصويتهم خلال ممارسة مهامهم البرلمانية.11
المطلب الثاني: نطاق الحصانة البرلمانية .
تشمل الحصانة البرلمانية نواب المجلس الشعبي الوطني وأعضاء مجلس الأمة وتقرر هذه الحصانة نظرا للمهمة الوطنية المكلفين بها .
الفرع الأول: انتخاب أعضاء ونواب البرلمان .
تحدد كيفيات انتخاب النواب وأعضاء مجلس الأمة أو تعيينهم وشروط قابليتهم للانتخاب وحالات التنافي بموجب قانون عضوي .
الفرع الثاني: مهمة النواب وأعضاء مجلس الأمة.
إن مهمة النائب وعضو مجلس الأمة وطنية قابلة للتجديد ولا يمكن الجمع بينها وبين مهام أو وظائف أخرى ، وإثبات عضوية النواب والأعضاء ترجع لكل غرفة على حدى.
المطلب الثالث : الدفع بالحصانة البرلمانية .
الدفع بالحصانة البرلمانية معناه استعمالها ضد الإجراءات المتخذة من أي جهة قضائية أو إدارية .
الفرع الأول : الدفع بالحصانة البرلمانية ضد الإجراءات الإدارية .
وتخص هنا إجراءات الشرطة ومصالح الأمن , فتعد باطلة ولا تحوز على قوة التنفيذ، ما دام البرلمان يتمتع بهذه الحصانة وكمثال على ذلك بالنسبة للنائب الذي يمثل ولاية بجاية عند ارتكابه لجريمة قتل، فلا يمكن توقيفه أو تفتيشه إلا بتنازل صريح منه عن الحصانة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
11 ـ المــادة 109 مـن , الـدستور الـجزائـري . لـسنة 1996.
الفرع الثاني : الدفع بالحصانة البرلمانية ضد الإجراءات القضائية.
لا يمكن أن نخضع النائب في البرلمان إلى المتابعة القضائية، وكل حكم أو إجراء يعد باطلا, حيث أن البرلمان هو الذي يقرر متابعة النائب من عدمه ويكون بأغلبية أعضائه وعندئذ تزول الحصانة بزوال عضويته أو نيابته وذلك حسب كل حالة.
وبهذا ننهي الفصل الأول المتضمن ماهية الحصانات وأنواعها، ونستعرض الآن السلطات المخولة لنزع هذه الحصانات، والإجراءات المتبعة في ذلك في الفصل الثاني، الذي يحتوي على ثلاثة مباحث كل مبحث يحتوي على ثلاثة مطالب .
الفصل الثاني: دور السلطات الثلاثة إزاء الحصانات.
في هذا الفصل نستعرض الجهة المخول لها إنهاء الحصانة وبداية بالحصانات الدبلوماسية .
المبحث الأول : السلطة التنفيذية والحصانات.
نتناول هذا المبحث في ثلاثة مطالب مع إبراز علاقة السلطة التنفيذية بالحصانات.
المطلب الأول: تعريف السلطة التنفيذية .
هي الجهاز التنفيذي في الدولة وتتمثل في رئيس الدولة و الجهاز الحكومي ومن وزارات ومديريات مركزية، فهي سلطة مركزية لإتحاد القرار تمارس مهامها كذلك عن طريق هيئات لامركزية هي الولاية والبلدية .
الفرع الأول: علاقة السلطة التنفيذية بالحصانة الدبلوماسية.
إن منبع الحصانة الدبلوماسية هو العرف الدولي والقانون الدولي، ولا شك أن أول ممثل للدولة في الخارج هو السلطة التنفيذية بالإضافة إلي الهيكل الحكومي والوزاري، وهو ما عبرنا عنه بالأجهزة الداخلية الدبلوماسية منها وزارة الخارجية .
الفرع الثاني: وزارة الخارجية.
تعتبر هذه الوزارة من وزارات السيادة، وهي تنطوي تحت لواء السلطة التنفيذية تتمثل علاقتها بالحصانة الدبلوماسية، ومن خلال علاقة السلطة التنفيذية بالحصانة الدبلوماسية، نتطرق إلي الأساس القانوني لهذه الحصانة من خلال جانب نظري وأخر تطبيقي.
المطلب الثاني : الأساس القانوني للحصانة والامتيازات الدبلوماسية.
عمل الفقه الدولي علي اتخاذ مبرر قانوني لتمتع المبعوث الدبلوماسي بالحصانات والامتيازات الدبلوماسية، وتوجد ثلاث نظريات تحاول كل منها أن تفسر تمتع المبعوث بها وهي:
ـ نظرية الامتداد الإقليمي.
ـ نظرية الصفة التمثيلية.
ـ نظرية مقتضيات الوظيفة.
الفرع الثاني: شرح النظريات الثلاثة .
ـ نظرية الامتداد الإقليمي:
أن المبعوث الدبلوماسي كأنه لم يغادر دولته وأن مقر البعثة الدبلوماسية يفترض أنه لا يقع على إقليم الدولة المضيفة وإنما يعتبر امتداد لإقليم دولة المبعوث الدبلوماسي.
ـ نظرية الصفة التمثيلية:
تقوم علي أساس أن المبعوث الدبلوماسي يمثل دولته ورئيسها و يجب أن يتمتع بالحصانات والامتيازات الدبلوماسية و احتراما سيادة دولته و رئيسها التي يمثلها المبعوث الدبلوماسي.
ـ نظرية مقتضيات الوظيفة:
مفادها أن المبعوث الدبلوماسي يحتاج في أداء وظائفه إلي عدد من الحصانات والامتيازات حتى يتمكن من القيام بهذا الوظائف في جو من الطمأنينة، و تتميز هذه النظرية باتفاقها مع الواقع العملي في مجالات العلاقات الدبلوماسية.12
الفرع الثاني: الاتفاقيات والمعاهدات.
يلعب العرف دورا هاما وجوهريا في تكوين معظم القواعد المنظمة للعلاقات الدبلوماسية، وقد نص على هذه القواعد العرفية في معاهدات واتفاقيات دولية تخص تنظيم العلاقات الدبلوماسية، وهناك لائحة أقرها مؤتمر فينا في 19 مارس1815م ويكمل هده اللائحة بروتوكول " اكس لاشابل" التي أقره مؤتمر في :21 نوفمبر 1818م. وقد نظمت هذه اللائحة قواعد التقدم في الاحتفالات بين رؤساء البعثات الدبلوماسية.13
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
12. 13ـ القانون الدولي الخاص , الاستثناءات التي ترد على حرية الدولة, الطبعة الرابعة, 2004 ص 50, 63, 78, 103.
المطلب الثالث:إنهاء الحصانة الدبلوماسية والتنازل عنها.
إن الحصانة الدبلوماسية حماية ممنوحة من طرف دولة الاستقبال لممثلي الدولة الموفدة، إذ لا تنتهي الحصانة بانتهاء التمثيل الدبلوماسي، إما لنشوب حرب بينهما أو كنتيجة لقرار أحدهما بقطع العلاقات الدبلوماسية وهذا بصفة مؤقتة.
الفرع الأول: انتهاء الحصانة الدبلوماسية.
إن العلاقات الدبلوماسية مظهر من مظاهر العلاقات الودية والسلمية وانتهاء حالة السلم بين الدولتين فإن مظاهر العلاقات الودية تنتهي بدورها ، وتحل محلها المظاهر العدائية بين الدولتين لكن الحصانة لا تنتهي مباشرة وإنما تبقى مؤقتة إلى إجراءات المغادرة ، فيجب على الدولتين في حالة قيام الحرب بينها، أو في حلة قطع العلاقات الدبلوماسية ومنح التسهيلات اللازمة لتمكين الأجانب المتمتعين بالامتيازات والحصانة، وتمكين أسرهم أيا كانت جنسيتهم من مغادرة إقليمها في أقرب وقت، كما لا يترتب على قطع العلاقات الدبلوماسية قطع جميع العلاقات بين الدولتين فقط تستمر العلاقات التجارية والاقتصادية، ولا يترتب أيضا أي مساس بالعلاقات القانونية التي تقيمها المعاهدات بين الدولتين في نطاق ما يجعل بقاء العلاقات لازما لتطبيق المعاهدات، وبالتالي فالحصانة لا تنتهي في هذين الظرفين بصفة مطلقة .
الفرع الثاني: التنازل عن الحصانة الدبلوماسية.
لا يمكن التعدي على الحصانة لكونها مشتركة بين الأطراف الثلاثة المستفيد منها هو المبعوث، والمقرر لها الحصانة هي دولة الإيفاد والدولة المانحة للحصانة هي الدولة المستقبلة.
لا شك أن لا أحد من هؤلاء له الحق في نزع الحصانة بمفرده فتكون بإقرار من الأطراف الثلاثة معا، وتكون بتنازل صريح من المبعوث وموافقة حكومته الصريحة كونها صاحبة الحصانة، والدولة المستقبلة المانحة لها، ويشترط عدم تعلق العمل بأعمال السيادة.
ونصت على ذلك اتفاقية هافانا المبرمة بين دول أمريكا اللاتينية في مدينة هافانا بكوبا في 20 فبراير 1927م التي تتعلق بتنظيم العلاقات الدبلوماسية، وكذلك توجد معاهدات ثنائية تنظم العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين فقط مثل معاهدة الصداقة الفرنسية الإيرانية بتاريخ 20 مايو 1929م.14
بالإضافة إلى المعاهدات الأخرى بين الولايات المتحدة والفلبين، وبين فرنسا والفلبين وكلها تعمل على تنظيم العلاقات الدبلوماسية وما ينتج عنها من حصانات وامتيازات، خاصة في اتفاقية فينا في 18 أفريل 1961م التي كانت نتيجة المؤتمر الذي عقد بين 02 مارس و 14 أفريل 1961م بالنمسا و يتكون من مواد تتعلق بالعلاقات الدبلوماسية والحصانات والامتيازات الممنوحة للمبعوثين الدبلوماسيين.15
البحث الثاني: السلطة القضائية والحصانة.
تعتبر السلطة القضائية في بلادنا مستقلة عن بقية السلطات عملا بمبدأ استقلالية القضاء .
المطلب الأول: تعريف السلطة القضائية.
تختلف السلطة القضائية عن باقي السلطات كونها هي من يصدر الأحكام وتوقيع الجزاء، ولكي تطبق هذه الأحكام لا بد من استقلالية هذه الهيئة، فهي مستقلة عن السلطة التشريعية والتنفيذية.
الفرع الأول: علاقة الحصانة القضائية بالسلطة القضائية كعنصر من القانون الدولي.
إن الحصانة القضائية التي يفرضها القانون الدولي تجعل من المتمتعين بها غير خاضعين لولاية القضاء الوطني أو الأجنبي في حالة ما إذا تعلق العمل بأعمال ذات السيادة.16
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ
14 ـ نفس المرجع السابق , ص 198, 199.
15 ـ أ.د/غالب علي داو ودي , مرجع سابق , ص 200, 201, 245.
16 ـ د/ مفيد شهاب , مرجع سابق ص133, 135.
الفرع الثاني: علاقة الحصانة القضائية بالسلطة القضائية كعنصر من القانون الداخلي لدولة.
الحصانة القضائية التي يفرضها القانون الداخلي للدولة من الوظيفة العامة، فيخضع لمتابعة الموظف الحكومي أو القاضي بعد النظر في قضية بطريقة استشارية أي إمكانية عدم متابعته خاصة إذا تعلق الأمر بالمخالفات، ويتضح الأمر في حالة الجناية أو الجنحة المرتكبة من طرف رئيس الدولة , فلا يتابع أمام القضاء إلا في حالة الخيانة العظمى، وتشكل له محكمة خاصة، ومن خلال هذه العلاقة نستخلص الأساس القانوني للحصانة القضائية .
المطلب الثاني: الأساس القانوني للحصانة القضائية.
إذا درسنا الحصانة القضائية كعنصر خاص من الدبلوماسية، فإن أساسها هو أساسا لحصانة الدبلوماسية كونها مستمدة من العرف الدولي، وتتجسد في النظريات السالفة الذكر منها اتفاقية فينا.
أما إذا درسنا أساس الحصانة القضائية للنظام الداخلي في الدولة فإن أساسها القانوني هو الدستور، وقانون العقوبات الجزائري، والإجراءات الجزائية .
الفرع الأول: الأساس القانوني للحصانة القضائية كعنصر من القانون الدولي.
بما أن الحصانة القضائية عنصر من عناصر الدبلوماسية بصفتها امتداد لها، فهي تقرر متى تقررت الحصانة الدبلوماسية للدول والمنظمات العالمية والبعثات الدبلوماسية، فإن أساسها هنا يكون القوانين التي تنظم هذه الأطراف، كالقانون و المعاهدات والاتفاقيات منها اتفاقيات فينا لعام 1961م إذا تعلق الأمر بعنصر أجنبي وعلاقات دولية أما إذا تعلق الأمر بالامتيازات الممنوحة للمواطنين الحكوميين والقضاة ورئيس الدولة فنتطرق له من خلال الفرع الثاني.
الفرع الثاني: أساس القانون للحصانة القضائية كعنصر من القانون الداخلي للدولة.
إن الامتيازات الممنوحة والإجراءات المبينة في قانون الإجراءات الجزائية من المادة 573 إلى 581 تبين أن للموظفين الحكوميين والقضاة عند ارتكابهم لخيانة لا يحاكمون مباشرة إلا بعد إجراءات خاصة، تتمثل في تكوين ملف إجرائي قضائي يرسل إلى المحكمة العليا بالتدرج17، حيث تنظر هذه الأخيرة في إمكانية متابعة الموظف أو عدم متابعته أي أن هناك حصانة قضائية ضمنية وهذا ما تؤكده المادة 12 من قانون رقم 06-01 المؤرخ في 20 فبراير 2006م المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته.18
المطلب الثالث: التنازل عن الحصانة القضائية وانتهائها.
لما كانت الحصانة القضائية ميزة أو حق فإنه يجوز للمستفيد التنازل عنها ويشترط في التنازل أن يكون صريحا وواضحا ولكن ليس هناك ما يمنع من أن يكون التنازل عن الحصانة تنازلا ضمنيا إلا أنه يجب على القضاء الوطني أن يتحرى الدقة عند الكشف عن أدلة هذا التنازل الضمني فهو لا يفترض، ولقد قضت أحكام القضاء الفرنسي بأن اتخاذ فرنسا موطنا مختارا لتنفيذ التزام معين فيها فيعد من قبيل التنازل الضمني عن الحصانة القضائية، ومن هنا يتجلى فكر التحكيم ومن جهة أخرى فيما يتعلق بإنهاء الحماية التي يتمتع بها رئيس الجمهورية عند ارتكابه لجريمة الخيانة العظمى من طرف قضاء وطنه ورضوخه للمحاكمة، سنعالج هذين الأمرين في فرعين على سبيل المثال.
الفرع الأول: التنازل عن الحصانة عن طريق شرط التحكيم على حصانة قضائية.
إن قبول الدولة لشرط التحكيم يعتبر بمثابة تنازل ضمني من قبل هذه الأخيرة عن التمسك بحصانتها أمام المحكم الذي قبلت الخضوع الاختياري لقضائه، أما إذا عرضت المنازعة المتفق بصددها أمام القضاء الوطني فلا يعد وجود شرط التحكيم قرينة في حد ذاته إلا إذا رفعت الدعوة أمام القضاء الوطني لإحدى الدول.19
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
17 ـ المواد من 573 إلى 581 , قانون الإجراءات الجزائية الجزائري.الديوان الوطني للأشغال التربوية , الطبعة الخامسة ,سنة2007.
18 ـ المادة 12 من القانون المتعلق بالفساد ومكافحته, قانون العقوبات الجزائري. الديوان الوطني للأشغال التربوية , الطبعة الخامسة , سنة2007
19 ـ القانون الدولي الخاص, الاستثناءات التي ترد على حرية الدولة.مرجع سابق ص 321.
الفرع الثاني: إنهاء الحصانة القضائية.
إن متابعة الرؤساء عقب جرائم الحرب التي يرتكبونها يعتبر إنهاء لحصانتهم القضائية، كما أن متابعة الرئيس في دولته لارتكابه جريمة الخيانة العظمى يعتبر إنهاء لحصانته وتنفيذ الحكم واجب.
المبحث الثالث: السلطة البرلمانية والحصانة.
إن للسلطة البرلمانية السيادة في إعداد القانون والتصويت عليه، وهي سلطة لها دور هام إذ أن رسم السياسات الوطنية لا يكون إلا بنظام قوانين وتشريعات تصدر من هذه الأخيرة.
المطلب الأول: تعريف السلطة البرلمانية.
يمارس السلطة التشريعية برلمان يتكون من غرفتين وهما المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة، هذا الأخير استحدث في دستور 1996م فهذا المجلس لم يكن موجودا من قبل، وبما أن هذه السلطة لها سيادة في إعداد القانون والتصويت عليه فإنه يراقب عمل الحكومة وفقا للشروط المحددة في المواد 80-84 ، 133 و 134 من الدستور.20
الفرع الأول: علاقة الحصانة البرلمانية بالسلطة البرلمانية.
إن مهمة إعداد القانون تتطلب نوع من الرقي والسمو وبالتالي وجب على القائمين بهذه المهمة حماية وتحصين الحصانة البرلمانية وهي مقررة في الدستور.
الفرع الثاني: الميادين التي تشرع فيها الحصانة البرلمانية.
يشرع البرلمان في الميادين التي يخصصها له الدستور وكذلك في المجالات الآتية منها: حقوق الأشخاص وواجباتهم الأساسية لاسيما نظام الحريات العمومية وحماية الحريات الفردية وواجبات المواطنين وأعمال هذه السلطة محمية ، وبالتالي فإن مجالات العمل محددة، ولا تمتد إلى اقتراح أي قانون مضمونه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
20 ـ المواد 80, 84 ,133, 134 من الدستور الجزائري لسنة 1996.
أو نتيجته تخفيض الموارد العمومية، وهو ما نصت عليه المادة 121 قانون دستوري.
المطلب الثاني: الأساس القانوني للحصانة البرلمانية.
لقد نص قانون العقوبات على الحصانة البرلمانية على أنه يعاقب كل من يتعرض للمتمتع بالحصانة.
الفرع الأول: قانون العقوبات الجزائري.
جاء في المادة 111 من قانون العقوبات على أنه يعاقب بالحبس لمدة ستة أشهر إلى ثلاث سنوات كل قاض أو ضابط شرطة قضائية يجري متابعات أو يصدر أمرا أو حكما أو يوقع عليهما أو يصدر أمرا قضائيا ضد شخص متمتع بالحصانة في غير حالات التلبس بالجريمة دون أن يحصل قبل ذلك على رفع الحصانة عنه، وفقا للأوضاع القانونية.21
الفرع الثاني: الدستور.
نصت المادة 109 على أن الحصانة البرلمانية معترف بها للنواب ولأعضاء مجلس الأمة، مدة نيابتهم ومهمتهم البرلمانية ولا يمكن أن يتابعوا أو يوقفوا، وعلى العموم لا يمكن أن ترفع عليهم أية دعوى مدنية أو جزائية أو يسلط عليهم أي ضغط بسبب ما عبروا عنه من آراء أو ما تلفظوا به من كلام، أو بسبب تصويتهم خلال ممارسة مهامهم البرلمانية.22
المطلب الثالث: التنازل عن الحصانة وإنهائها.
إن الحصانة البرلمانية ليست مطلقة فلو أنها كانت كذلك لحدثت فوضى عارمة في البلاد واستعصى اتخاذ الإجراءات .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
21ـ المادة 111 من قانون العقوبات الجزائري. سبق ذكره.
22 ـ المادة 109 من الدستور. سبق ذكره.
الفرع الأول: نسبية الحصانة البرلمانية
إن في هذا حكمة تكمن في توازن السلطات، فلسلطة التشريعية رقابة على أعمال السلطة التنفيذية والعكس صحيح وبالتالي نجد أن عمل البرلمان محدد في مجالات معينة من قبل الحكومة، وبالتالي فالحصانة ليست مطلقة في هذا المجال.
الفرع الثاني: إنهاء الحصانة والتنازل عنها.
جاء في المادة 107 من الدستور أن النائب أو عضو مجلس الأمة مسؤول أمام زملائه الذين يمكنهم تجريده من مهمته النيابية إن اقترف فعلا يخل بشرف مهنته.
كما يحدد النظام الداخلي لكل غرفة الشروط التي يتعرض فيها أي نائب أو عضو مجلس الأمة بأغلبية أعضائها دون المساس بجميع المتابعات الأخرى الواردة في الفانون.23
أما التنازل والاستقالة فتحدد بقانون عضوي يقبلها البرلمان في حالات محددة فقط , وهو ما جاء في المادة 108 من الدستور.24
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
23ـ24ـ المواد 107و 108 من الدستور . سبق ذكره.
الخــاتمة:
الحصانات بمختلف أصنافها هي عالم قائم بذاته يقوم بتنظيم العلاقات في العالم بين الدول، فالأمن والسلام الدوليين لا يمكن أن نوفرهما بالانغلاق والتقوقع، بل بالانفتاح والتعاون والتبادل والتواصل وهذه السبل لا تؤمنها إلا الحصانة الدبلوماسية والقضائية والبرلمانية .
لذلك وضعت لها الأصول والقواعد والمرتبات والتصنيفات والدرجات ووسائل القيام بأعبائها وما يتطلبه هذا القيام من أصول بروتوكولية ولباقة واحترام ودراية وحنكة وفهم وقدرة على استيعاب المشاكل وإيجاد الحلول لها بمنأى عن لغة المدفع وحوار الدمار والموت.
فالإنسان أولا وأخيرا هو المقصود من كل ذلك والمجتمع الإنساني هو الهدف من كل هذه النظم والقواعد والأصول وإعلاء القيم الإنسانية هو ما تعنيه التشريعات التي وضعت في هذا المجال. وهذا من اجل استكشاف عالم يجد فيه الإنسان كثيرا من الإغراء و التشويق.
قائمة المـــراجع
1ـ د/ وائل أحمد علام، القانون الدولي العام، العلاقات الدبلوماسية. كلية الحقوق، جامعة الزقازيق، مصر 1995.
2 ـ د/ زيدان عبد الله مصباح, الدبلوماسية. دار الجليل, الطبعة الثانية، بيروت.
3 ـ د/ علاء أبو عامر، الوظيفة الدبلوماسية. دار الشروق للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى سنة 2001.
4 ـ أ.د/ حفيظة السيد الحداد, القانون الدولي الخاص. جامعة الإسكندرية، كلية الحقوق، دار الفكر الجامعي بالإسكندرية سنة 2000.
5 ـ د/ محمد إسعاد, القانون الدولي، القواعد المادية. الطبعة الثاني، بيروت سنة 1989.
6 ـ أ.د/غالب علي داوودي، تنازع القوانين وتنازع الاختصاص القضاء الدولي وتنفيذ الأحكام الأجنبية. جامعة اليرموك سابقا, كلية الحقوق، دار الأهلية، الطبعة الأولى، الأردن.
7ـ د/ مفيد شهاب، القانون الدولي العام. جامعة القاهرة.
8 ـ القانون الدولي الخاص، الاستثناءات التي ترد على حرية الدولة. الطبعة الرابعة سنة 2000 .
9 ـ قانون الإجراءات الجزائية الجزائري. الديوان الوطني للأشغال التربوية, الطبعة الخامسة سنة 2007.
10 ـ قانون العقوبات الجزائري. الديوان الوطني للأشغال التربوية، الطبعة الخامسة سنة 2007.
11 ـ الدستور الجزائري لسنة 1996.