ناشر الخير
2011-04-10, 19:51
سلسلة دفاعا عن شيخنا أبي اسحاق الحويني
بقام باعدادها الأخ الحبيب أبو حذيفة الجزائري
إنّ الحمد لله تعالى نحمده و نستعينه و نستغفره و نعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا و سيّئات اعمالنا , من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له , و أشهد ألّا إله إلّا الله وحده لا شريك له , و أشــهد أنّ محمّدا عبده و رسوله .
أمّا بعد فإنّ أصدق الحديث كلام الله و خير الهدي هدي محمد و شر الأمور محدثاتها و كل محدثة بدعة و دل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار .
فأدعو الله تعالى أن يوفّقني في هذه الخطوة الأولى على هذا المنتدى الطيّب , و الذي أرشدني إليه إخوان مصريّون أحبّاء , رأوا حفظهم الله أن أتشرّف بالمشاركة فيه , و ذلك بنشر (الحلقة الأولى) من سلسة بدأتها في تجليـــة مواطن الغموض و بيان أركان الزّلل و منابع الخطل في فكر إخوان بغوا على إخوانهم و انتقصوا علمائهم فلم يوقّروا كبيرا و لم يرحموا صغيرا ...
و ذلك أنّه , و في مقابل انتشار فضل (أحد حماة السنّة) في هذا العصر , في مختلف بقاع الأرض و منها الجزائر , إستيقظ إخواننا هؤلاء وفّقهم الله ملبّسين على أهل العلم الكبار , مستعينين بطلبة العلم الصّغار , لكي ينالوا من عرض الشّيخ الفاضل محدّث الديار المصريّة بحق أبي إسحاق الحويني حفظه الله تعالى و نفع به , فكأنّ إخواننا هؤلاء قد (أزعجهم) القبول الذي وضعه الله للرجل في قلوب العالمين , فأنساهم ما يقرؤون في القرآن فضلا عن وصايا الأتقياء بأنّ الفضل بيد الله و حده (( قل اللهمّ مالك الملك تؤتي الملك من تشاء و تنزع الملك ممّن تشاء و تعزّ من تشاء و تذلّ من تشاء بيدك الخير إنّك على كلّ شيء قدير)) .
و قد كتبت ما كتبت بعد إلحاح و تشجيع كبير من أخي (أبو عبد الله سمير الجزائري) المشرف العام على (منتديات تبسّة الإسلاميّة) سلّمه الله و هو رجل فاضل محب للعلم و أهله , و قد دافع كثيرا عن عرض الشّيخ حتى في أعماق منتديات الغلوّ و التّجريح فلمّا رأى القوم لا يريدون غير الإصرار على انتقاص الأفاضل , ألحّ عليّ و شجّعني , فأجبته إلى ذلك داعيا الله تعالى بالتّوفيق , مع الإشارة إلى أنّي سآخذ وقتا طويلا في هذه الحلقات و ذلك لأمور :
أوّلا : أنّني سأحاول مناقشة الطّاعن في الشّيخ أبي إسحاق في (أغلب) أخطائه و جناياته
ثانيا : أنّني سأجعل هذه الحلقات بإذن الله تعالى مرجعا لكلّ الغيورين على الشّيخ ممّن أعيتهم شبهات الطّاعنين و قصر علمهم أو وقتهم على إدراك ما عند هؤلاء الإخوة الجرّاحين هداهم الله من (الكذب - البتر - التّقوّل بلا أدلّة - الظّلم )
ثالثا : أنّني أتريّث في المراجعة و التّأكّد مع الاستعانة بطلبة العلم الكبار في ذلك , و هنا أذكر و أشكر شيخين فاضلين استفدت منهما في هذا الموضوع :
الشيخ محمّد حاج عيسى الجزائري.
و الشّيخ سليمان بن صالح الخراشي من المملكة
و هذا الأخير جزاه الله خير الجزاء قرأ البحث كاملا و أفادني بملاحظتين أخذتهما بعين الاعتبار (ابتداء ممّا سينشر في هذا المنتدى إن شاء الله تعالى )
رابعا : أنّ الأصول الفاسدة التي سأناقشها , هي لسكّين واحد به جرح كثير من مشايخنا الأفاضل فليس الأمر مقتصرا على الشيخ أبي إسحاق و لا على مشايخ مصر كما قد يتوهّم متوهّم , بل هو امتداد للطّعن الذي نال كبار العلماء كالشيخ بكر أبو زيد و الشيخ ابن جبرين , فالرّد سيكون إن شاء الله مفيدا و شاملا و خاليا من التّعصّب و المين .
و أسأل الله تعالى التّوفيق , و أن يقيّض لي أخا معينا و ناصحا أمينا , و أن يكتب لهذا العمل القبول و النّفع إنّه ولي ذلك و القادر عليه و إلى المقطع الأوّل :
كشف التّعصّب و المَيــْـن و الكيل بمِكياليْــن
حوار مع صاحب
( الأصول التي خالف فيها الحويني أهل السّنّة )
أبو عبد الأعلى خالد المصري وفّقه الله
الحمد لله رب العالمين و الصّلاة و السّلام على أشرف المرسلين و على آله و صحبه و من اتّبعهم بإحسان إلى يوم الدّين أمّا بعد:
فكثيرا ما يوقفني بعض إخواني الغيورين على أعراض الدّعاة إلى الله جزاهم الله خيرا , على بعض الخرجات الفريدة التي لا زال غلاة الجرح و التّبديع من بعض شباب السنّة يخرجون علينا بها بين الفينة و الأخرى .
و لأنّني – بحمد الله – قد خبرت القوم و أدركت أغلب أساليبهم في تسويق بضاعتهم , فإنّني كنت أكتفي بالتّخفيف من هول الفجيعة على إخواني الغيورين هؤلاء , مع الإشارة إلى بعض دلائل التّلبيس و التّعصّب و التّطفيف في الميزان , و التي لا تخلو منها كتابات هؤلاء الإخوة هداهم الله , فكانت إشارتي إلى دلائل تلك الخصال الشّنيعة في تصرّفاتهم على سبيل دفع الشّبهة عن إخواني و تذكيرهم بنعمة الله عليهم إذ سلموا من رقّ تعظيم الخلق أكثر من الحقّ , كما هو حاصل لأولئك المساكين أصحاب التّعليقات الممجّدة للشّباب الجرّاحين و المشنّعة على الشّيوخ المجروحين بلا رحمة و لا شفقة , و الدّاعية للمضيّ في ذلك المسار الذي يزعمون فيه مقاومة أهل البدع و الحزبيّين , مع أنّهم في الحقيقة قد جسّدوا بدعة الحزبيّة المقيتة في أبشع صورها كما سيأتي في هذه العجالة .
و لقد كنت أدعو إخواني المنصفين ألّا ينشغلوا بتلك التّرهات التي تنبّه لها الحذّاق بما آتاهم الله من العلم و البصيرة , و سئم منها المبتدؤون بما منحهم الله من صفاء الفطرة و السّريرة فلم تعد تتجاوز القوم و شبكتهم مع حوالي ثلاث منتديات كاسدة أخرى يحسن إهمال ذكرها لتزيد على إبهامها إبهاما, فصار شأنهم و الحال هذه مجموعة تتبادل الخداع والمجاملة على حساب الحق , و إن استدرجوا بعض من يكتب تعليقات التّمجيد و التّعظيم فإنّهم كما قلت لك قوم أصابتهم فتنة فعموا و صمّوا و هم بحمد الله قليل يزداد قلّة , ويكفيك نظرة فاحصة لحال من جرحوه سابقا , تتأمّل فيها إلى أين صار و صاروا ؟ , فستجد أغلب بل كلّ من جرحوه من أهل السنّة و دعاتها في علوّ مقابل نزولهم , و في اجتماع في مقابل تفرّقهم و في ستر و عافية في مقابل فضائحهم .
ففي الجزائر التي يصوّرون للنّاس أنّ شبابها قد دخلوا في منهج الغلوّ أفواجا , يكذّبهم الواقع و الحمد لله , و يكفي أن تسأل عن ضحاياهم لترى كيف أنّ ما ألحقوه بالشّيخ العيد شريفي و الشّيخ أبي سعيد الجزائري و الشّيخ بن حنفيّة العابدين و غيرهما لم يكن إلّا ابتلاء لهم من الله تعالى , ثمّ جاءتهم العاقبة الحسنة , فها هي مجالس الشّيخ العيد شريفي تضيق بالشّباب السّلفيّين حيثما حلّ و ارتحل , و هاهي كتب الشّيخ أبي سعيد قد ملأت الآفاق , و ها هو شرح الرّسالة للشّيخ عابدين و غيره من كتبه يتخاطفه شباب السنّة , و هاهي مجالس إخوانهم في العاصمة تضيق بالشّباب و الطّلبة , و ها هم كبار تلاميذ الشّيخ فركوس كالشّيخ حاج عيسى و الشّيخ رابح مختاري ... يسيرون على الدّرب لا مبالين بصراخ الصّارخين و لا بتشويش بقايا المشوّشين .
و هم مع ذلك في ودّ و صفاء و تعاون على البرّ و التـقوى لا يعكّره اختلاف في اجتهاد و لا شيء ممّا يعتري أعمال العباد , نعم ليس أحد منهم معصوما و لكن ليس أحدٌ منهم مبتدعا كما يزعم إخواننا الغلاة.
و في المقابل : فقد دبّ الافتراق في صفوف المتعصّبين , فانشطر الحزب إلى أحزاب , وانقلب البناء إلى خراب و التّزكية إلى تبديع و سباب , فاعتبروا يا أولي الألباب .
ثمّ أمّا بعد :
فهذه وقفات مع خربشات بعض الإخوة المذكورين و نقولاتهم و حُججهم و أحكامهم و تجريحاتهم التي أرهقوا بها الغيورين عن السنّة ممّن لا يزال يلتفت إليهم و هم قلّة و الحمد لله قد كتبتها استجابة لإلحاح أخ فاضل رأى المصلحة في التّصدي لهذه الأساليب الظّالمة للعلم و أهله و المغامرة بمن وثق في أصحابها من حدثاء الأسنان من شباب السنّة حفظهم الله من كلّ ســوء فـأقول : أيّها الحبيب , هذا قليل يغني ذكره عن كثير, و من رأى من السّيف نصله فقد رآه كلّه, و إنّني إذ أجيبك عن صنيع هؤلاء فإنّما طمأنة لقلبك وجبرا لخاطرك و لأملك أن يهدي الله الضّال منّا , و من باب عدم اليأس من الأمر بالمعروف مهما أنكره النّاس و عدم اليأس من إنكار المنكر مهما تعارف عليه النّاس , و إلّا فليس مع إخواننا هؤلاء ما يستحقّ الالتفات و لا هم – و لله الحمد - أغرقوا الأمّة بتلك الشّبهات بل هم –كما قلت لك – من قلّة إلى أقل و شذوذهم هذا من انكسار إلى اندثار و لا ترعبنّك القلّة التي تحزّبت على هذا الأمر المشين فإنّه قد قيل و عُلم أنّ:
لكلّ ساقطة في الحيّ لاقــطة ° و كلّ كاسدة يوما لها ســوقُ
و ها أنا ذا أستعين الله تعالى في الوقوف مع بعض مواطن الخلل في ذلك الفكر المنحرف الذي تلبّس به بعض إخواننا , من خلال الصفحات التي سلّمتها لي و التي كتبها الأستاذ أبو عبد الأعلى خالد المصري طاعنا في الشّيخ أبي إسحاق و قد طار بها بعض إخواننا ظنّا منهم أنّها تساوي شيئا في ميزان العلم و أهله و هي – كما سترى- لا تساوي فلساً , فلا تحقيق و لا تدقيق و لا تأصيل و لا تنزيل , إلّا على طريقة الحائدين عن السّبيل .
و كيف توصف تلك الكلمات بأنّها (ردّ علميّ) و أركان الرّد العلمي مغيّبةٌ حاضر ما يهدمها فلا يبقي لها في قلوب الأتباع رسما و لا أثرا ؟
و إنّني و اللهِ لأتعجّب و أسترجع ذاهلا أمام ما نضحت به قريحة الأستاذ في هذا المقال من تصرّفات منسوبة للعلم و طريقة أهله , تجعل الواقف عليها بين أمرّين أحلاهما مرّ , أيتّهمُ أخاه هذا بسوء الفهم , أو يتّهمه بسوء القصد , أو يجمع له بينهما ؟ وهما جماع أسباب فساد العلم و الدّين كما هو معلوم , فمن اجتمعا فيه فقل عليه السّلام و اسأل الله العافية .
و إن كان سوء الفهم في الموقف و الموقفين يعذر به كلّ أحد إذ لا ينجو منه إلّا من عصمه الله تعالى , فكيف بسوء القصد , الذي بدا ظاهرا في أمور :
الأوّل : نسبة أقوال إلى أهل العلم ما قالوها أصلا باستغلال جهل المتلقّين بدلالات الألفاظ و طريقة فهم كلام العلماء من جهة , و تسليمهم له على طريقة (اعتقد و لا تنتقد) من جهة أخرى و الله المستعان .
الثّاني : نسبة عقائد باطلة إلى مخالفيه بمجرّد الظنّ و التّوهّم و فلتات اللّسان التي لو جعلناها مقياسَ عدلٍ لآلت بنا إلى تبديع جماهير الدّعاة إلى الله كما هو لازم فهمه و زعمه الذي ستراه .
الثّالث : الحيدة على الكلمات الصّريحة النّافية لتلك العقائد الباطلة , و التي عُرف بها من يطعن فيهم , على مدى مشوارهم الطويل في الدّعوة إلى الله تعالى , حتّى و الكلماتُ المصرّحة بعقيدة أهل السنّة في الموضع نفسه و في السّياق نفسه الذي أخذ منه الأستاذ معتمده في نسبة الباطل إلى (ضحاياه) و لا حول و لا قوّة إلا بالله.
الـــرّابع : بتــــرُه لكلام الشّيخ بحيث ينقلب المعنى تماما , بما ينتبه إليه كلّ ذي عينين في رأسه و يأنفه كلّ من خالط قلبُه نسيم الصّدق و الأمانة العلميّة .
و كفرع تابع لهذا الأصل الذي اتّكأ عليه الأستاذ عبد الأعلى المصري , فإنّه أيضا استشهد بكلام مبتور نقله كذّابون لبعض الشّيوخ الذين أمضى الأستاذُ تبديعَهم المبنيّ على ذلك البتر ناسيا أنّ ما بني على باطل فهو باطل .
و كفرع آخر لهذا الأصل الفاسد(البتر) : فإنّه تارة ينقل الكلام الذي يظنّه يخدمه كاملا و لو كان (عاميّا) , بزعم (الأمانة العلميّة!!!) و تارة أخرى يكتم كلاما لا يساعده على زعمه مكتفيا بالتعليق عليه بأنّه لا يفيد , و لا أدري ما هو ضابط التّقيّد بالأمانة العلميّة المجنيّ عليهـــــا عنده كمـــا سيأتي .
فهذه وقفات معه خصوصا و مع كلّ من أشبهه في طريقته أو نشر ثمارها أو انتصر لها و عظّمها عموما , يكون ذكر ما فيها مغنيا عمّا لم يذكر فإنّ الوقت نعمة مغبون فيها كثير من النّاس فلا يزيد المرء على ذلك بإنفاقها في هذه التّرهات .
و بين يدي هذه الوقفات أحبّ أن أقدّم بأمور لا بدّ من ذكرها و أرجو من كلّ فاضل نشطت نفسه لقراءة هذه الكلمات المتواضعة أن يستصحبها :
أوّلا :
أنّني لا أدّعي في هذه الورقات أنّني أفضل من إخواني الشّباب النّاقلين لتلك التّجريحات أو أكثر منهم علما , كما لا أدّعي أنّني قد بلغت من العلم مبلغ الطّلبة المبتدئين فضلا عن المتقنين و ( رحم الله امرء عرف قدر نفسه) , و لكنّني في المقابل أزعم أنّني قد أحطت من جوانب هذه المسألة بكثير ممّا لم يحط به إخواني , فوجب البيان و النّصيحة فيما علمت من هذه الأمور الخطيرة و المتشعّبة , و قد عَلم أهل الحقّ أنّ الاجتهاد يتجزّأ والعلم يتجزّأ فمن أتقن مسألة فهو بها عالم , و لا يُشترط أن ينتظر أن يصبح إماما لكي يتكلّم بما رآه من الحق كما هو ظاهر بيّن , و مثاله :
أنّ من رأى إخوانه يلحنون في الضّاد فينطقونها ظاء أو داء مفخّمة , فإنّه يجب عليه تقويم اعوجاجهم و إن لم يكن قد أحاط بباقي أبواب تجويد القرآن و أحكامه , لأنّه ( لا يكلّف الله نفسا إلّا وسعها ) و هذا أمر مطّرد في سائر الأبواب كمن قوّم أخا له في الوضوء أو الصّوم أو الزّكاة فلا يشترط فيه إذا أتقن تلك المسألة أن يكون فقيها كبيرا لكي يتكلّم فيها و هذا داخل في قوله عليه السّلام ( بلّغوا عنّي و لو آية ) .
ثانيا :
أنّني لا أزعم في هذه الوقفات أنّ إخواننا هؤلاء قد خرجوا من السنّة و السّلفيّة مع أنّني أوقن -كما عليه جمهور أهل السنّة - ببغيهم على طائفة من أهل السنّة بغير حقّ كما سيأتيك و أنّهم تعصّبوا تعصّبا مقيتا لطائفة أخرى في الوقت نفسه , فصاروا في هذا الجانب نموذجا حزبيّا يفرح به كلّ مفسد , و بما يكفي من عاملهم بقواعدهم أن يخرجهم من زمرة السّلفيّين , و لكنّ صراط الله أفضل و لا يردّ الباطل بباطل , و توضيح ذلك أن يقال :
معلوم أنّ الفضل يتبعّض كما أنّ الإيمان يتبعّض , فيتفاضل النّاس بحسب قيامهم بما أمروا به وجوبا و استحبابا و تحريما و كراهة , و معلوم أنّ السنّة أبواب و أصول , و أنّ الرّجل أو الجماعة قد يكونون قائمين بالسّنّة على وجه مرضيّ في الجملة و في أغلب الجوانب لكنّهم يكونون في الوقت نفسه مقصّرين أو متعدّين في جانب أو جانبين , فلا يقضي خطؤهم على صوابهم و لا يحول صوابهم عائقا في طريق بيان خطئهم , و هذا الذي أنا بصدده هو من ذلك الباب بالضّبط , فإنّ الرّدّ على هؤلاء الإخوة و تخطئتهم إنّما هو في باب لا في كلّ أبواب الدّين هذا و إن أمعنوا في تبديع كلّ مخالف على أساس و معيار ظالم سيأتيك خبره , فإنّ المنصف لا يزيد مقابل معصيتهم ربّهم فيه على أن يطيع ربّه فيهم و العاقبة للمتّقين.
ثالثا :
أنّ كلّ ذي بصيرة يدرك أنّ القوم ينطلقون من نقطة جوهريّة عندهم و إن أنكروها الا و هي : نصرة أقوال بعض المشايخ في الجماعات و الرّجال , و الدّفاع عن تلك الأقوال بأيّة وسيلة , و التّعلّق في إثباتها بأيّة قشّة , و هم في ذلك بين متعصّب معاند و بين مخدوع بالمتعصّب يسايره في ما يمليه عليه ظانّا أنّه الحقّ لأسباب يطول ذكرها و مدارها على الجهل و قلّة الاطّلاع و التّشبّع اللاإرادي بالقواعد الفاسدة حتّى أنّ أذهان القوم و قلوبهم أشربت منهجا عجيبا غريبا مبناه على أنّ المصيب لا يعتريه خطأ و المخطأ لا يقع في صواب , و مثله الفضل مع الذّم و مثله التّسنّن مع البدعة , فمن وافقهم نظروا في كلامه بعيون عمياء لا تفحص و لا تبحث , و من خالفهم أعرضوا عن كلامه إعراضا تامّا , أو نظروا فيه بالمجهر و جعلوا حسنه قبيحا فكيف بقبيحه , فدخلوا – من هذا الوجه - في قول شيخ الإسلام كما في بداية كتاب التّصوّف إهـ (جزء 11 ص 12):
( ... وكثير من الناس إذا علم من الرّجل ما يحبه , أحب الرّجل مطلقًا ، وأعرض عن سيئاته، وإذا علم منه ما يبغضه؛ أبغضه مطلقا، وأعرض عن حسناته،(...) وهذا من أقوال أهل البدع والخوارج والمعتزلة والمرجئة ، وأهل السنة والجماعة يقولون ما دلّ عليه الكتاب والسنة والإجماع و هو أنّ المؤمن يستحق وعد الله و فضله الثّواب على حسناته ويستحقّ العقاب على سيّئاته و إنّ الشّخص الواحد يجتمع فيه ما يثاب عليه و ما يعاقب عليه و ما يحمد عليـه و ما يذمّ عليه و ما يحبّ منه و ما يبغض منه فهذا هذا .)
و له رحمه الله كلام كثير نفيس يقرّر فيه هذا الأصل الأصيل الذي عليه أهل السنّة و الجماعة و الذي غيّبه إخواننا هؤلاء بحجّة دفع (منهج الموازنات في النّقد ) و ليس بشيء فإنّ الموازنة بين المحاسن و المساوئ في الحكم على الرّجال و تقرير منزلتهم في الدّين منهج صحيح قويم و يخشى على من ردّه أن يكون باغيا مبتدعا و تفصيله ليس هذا موضعه و الله المستعان.
رابعا :
فصل في التّنبيه على الخلط بين الاتّفاق على القدر الأدنى و بين الإجماع على القدر الأعلى و أنّ هذا من أبطل الباطل:
وذلك أنّ إخواننا هؤلاء يصوّرون للشّباب أنّ (كلّ!) علماء السنّة في هذا العصر بل وعلى مدار الزّمن متّفقون مع من يتعصّبون لهم في مسائل الاجتهاد المتعلّقة بباب التّبديع والحكم على الجماعات , و هذا باطل و توضيحه مهمّ جدّا يجفّ بسدّ ثغرته واد كبير من أودية الغلو , فتأمّله ترشد و تهتد :
و ذلك أنّ المعيّن محل النّزاع تكون له أخطاء أو بدع و ضلالات , فيتكلّم فيه لأجلها خلق كثير من الأفاضل و العلماء , فمنهم من يبدّعه و منهم من يشنّع عليه في بدعته و لا يحكم عليه بالبدعة , و منهم من يراه جاهلا و منهم من يبحث لفعله أو قوله عن محمل ما و منهم من قد يشدّد فيكفّره أو يكاد و منهم من يتساهل فيعدّه إماما و لا شيء عليه مع اعترافه بأنّه أخطأ في تلك المسألة و منهم من يقول تراجع و منهم من ينازع في كون مقالته دالّة على البدعة أو أنّها مجملة فيذمّه في إجماله و لا يحكم عليه بشيء .
فتصرّفُ هؤلاء المذكورين في هذا المثال , ليس على صورة واحدة كما ترى , فهم اختلفوا في أشياء و اتّفقوا في شيء و هو القدر الأدنى المشترك بينهم جميعا أو بين أكثرهم و هو مثلا :
- إثبات وقوع المحكوم عليه في البدعة أو الخطأ.
- أو إثبات ذمّه و إنزاله عن منزلة الإمامة في الدّين .
فيأتي متعصّب لمن كفّره , فيظنّ كلامهم إجماعا على قول متبوعه و يجعله ملزما لمن خالفه كإلزام الإجماع تماما , و يعامل من خالفه بمعاملة من خالف نصّا أو إجماعا متيقّنا , و الحقّ أنّ هؤلاء الأفاضل ما اتّفقوا في هذه الصّورة على الوجه الذي يفهمه المتعصّب وبيانه :
أنّهم إذا كانوا اتّفقوا على تخطئته فإنّ شيخك كفّره ( أو بدّعه ) و التّخطئة غير التّكفير والتّبديع .
و إذا كانوا اتّفقوا على ذمّه فإنّ الذّمّ درجات فمنه تكفير و منه تبديع و منه تفسيق و منه تجهيل, فإنْ كنت تتعصّب لمن كفّره مثلا فهل من الصّدق أن تقول : أجمع هؤلاء العلماء على ما قال به شيخي ؟ و كذلك التّفسيق و غيره .
و ما قيل في درجات الذّمّ يقال في درجات التّبديع و التّفسيق من جهة الاختلاف والتّفاوت .
و ما قيل في الفرد المعيّن يقال في الجماعات .
و ما قيل في هذه المسألة يقال في غيرها .
و هذا مرجعه إلى مباحث الإجماع و دلالات الألفاظ و المعاني , حيث يتوهّم بعض النّاس إطباق المشايخ على قول و هم في الحقيقة مشتركون في قدر و مختلفين في ما زاد عن ذلك القدر الذي ينصره المتوهّــم , و التّنبّه لهذا الأمر مهمّ في ما نحن بصدده جدّا , و هو أنّ ما دلّ على القدر المشترك بين هؤلاء المختلفين , ليس فيه دليلا على ما اختصّ به كلّ واحد منهم زائدا به على غيره فكيف بزعم الإجماع و الله المستعان .
و من هذا الباب دخل التّعصّب و أُدخل الباطل على كثير من الشّباب فإنّ العلماء قد يتّفقون على ذمّ شخص و لكنّهم يختلفون في وجه ذلك الذّمّ و درجته , فيأتي من يدّعي نسبته إلى الجهم بن صفوان بأقوال من ردّوا مقالة كفريّة جَهميّة للمحكوم عليه و يضمّها إلى صوت من حكم عليه بالجهميّة الصّريحة على أنّها موافقة مطلقة !!! فيلتبس الأمر على المتلقّي الغارق في العاطفة و حسن الظنّ فيرمي من خالف رأي شيخه بأنّه خالف إجماع العلماء افتراء على الحقّ و طلبته و أهله , و يضيع الحق و معه حقوق كثيرة أوّلها حقّ العلماء في عدم تحريف أقوالهم و عدم التّقوّل عليهم و حقّ طلبة العلم في أن يعانُوا و لا يُهانوا , و حقّ الأخوّة الإيمانيّة الثّابتة التي لا يحرّكها اختلاف في اجتهاد و غير ذلك ممّا تتفطّر له القلوب كثير و لا حول و لا قوّة إلاّ بالله .
و في واقع إخواننا و تعاملاتهم يظهر هذا المعلم المظلم جليّا لا يحتاج إلى مزيد توضيح وقد ذكرته ها هنا لأنّي سأُحيلك عليه في ما بقي من المناقشة و الله الموفّق لا إله إلّا هو .
خامسا :
أنّ إخواننا هؤلاء و حيث تعصّبوا لكلام بعض الأفاضل فإنّه عسُرَ عليهم التّسليم لمن خالفهم , و زاد الأمر تعقيدا في نفوسهم أن جعلوا موضع النّزاع ليس هو تبرئة الحويني (كما هنا) و لكنّهم جعلوا موضع النّزاع هو انتقاص من بدّع الحويني أو غيره , و لذلك تراهم ينهالون بتعليقات الثّناء على المشايخ بمجرّد تنزيل موضوع في ذمّ هذا أو ذاك و كأنّ ثمّة خصومة دنيوية لا علميّة , و هذا من الجهل و التّعصّب و الحيدة عن مواطن الخلاف والقفز إلى اصطناع خلاف غير موجود أصلا , و ذلك أنّنا لا نخالفهم في فضل كثير ممّن يتعصّبون لهم و لكنّنا بحمد الله ننظر نظرة سلفيّة لا نظرة صوفيّة , فنقبل الحقّ ممّن جاء به و نرد الباطل ممّن صدر منه , و لا يلزم من قبول الحقّ تعظيم قائله و لا يلزم من ردّ الباطل انتقاص قائله , و هذا هو منهج أهل السنّة قاطبة و عليه نسير , و من زعم أنّ الأمر غير هذا فعليه البيّنة و أنّى له .
سادسا : أنّ الشّيخ أبا إسحاق الحويني سلّمه الله قد ثبتت له منزلة الفضل مستفيضةً في هذه الأمّة بما لا ينكره إلا مجحف , وقد ذُكِر ذلك قديما على لسان الشّيخ الألباني في أكثر من موضع , ثمّ جاءت فتنة الغلوّ في التّجريح , فأصابته سهام القوم الذين هم بين باغ ومجتهد مأجور و إنّما الوقفة هذه مع البغاة الذين جنوا على الرّجل و على كثير من أهل الفضل بقواعد هشّة لا يعرفها أهل الحقّ و لا يقرّونها . مع نقض عُرى الباطل التي يعتمدون عليها من مقالات الرّجال كائنا قائلها من كان فإنّه لا تنافي بين التّوقير و التّعقّب و الله تعالى أحقّ بالارضاء و التّعظيم .
و قد أثبتت السّنون لكلّ ذي عينين أنّ هذا الرّجل الذي نجادلهم فيه بحقّ -إن شاء الله تعالى- سلفيّ مصلح لا خلفيّ مفسد , و لو كان كما يقولون لما طال عمرُ فتنته و لما استمرّت فصول (كذبته) فإنّه كما قال بعض السّلف :
(لو همّ رجل أن يكذب على النّبي الكريم في البحر تحدّث النّاس في البر أنّ فلانا كذّاب ) و لم نسمع الشّيخ يوما يكفّر أهل المعاصي أو يطالب بالخروج على أولياء الأمور أو يعرّض بذلك , و لا رأينا منه تحريضا و لا رأى منه ذلك من يتابع دروسه من المنصفين والعقلاء .
ثمّ شاء الله تعالى أن يخرج الشّيخ بدعوته المباركة على شاشات بعض الفضائيّات , فعادت إليه ألسنة الشّباب الجرّاحين تطلب عرضه و تروم هدمه , آخذة في ذلك بالأقوال التي مرّت عليها سنين يتذكّر فيها المتذكّر , و يتّعظ فيها المتّعظ , و يظهر فيها المخبوء , و الرّجل ثابت لا يتزعزع كما أسلفت لك .
ثمّ سئل عنه الشّيخ الفاضل المحدّث أبو عبيدة مشهور حسن سلمان , فزكّاه و أشهَدَ اللهَ على ما يقول , و صرّح أنّه من الرّاسخين في الحديث الدّاعين إلى التّصفية و التّربية , مشيرا إلى آثار خروجه على بعض القنوات , و ظهور تلك الآثار الطيّبة على العوام فضلا على المتسنّنين , و طالب الشّيخ من يلمز في الحويني أن يأتي بالبرهان و الدّليل , و أن يتّق الله ربّه .
و هذا عليه عدّة من مشايخنا الأفاضل في الجزائر و في غيرها , و قد وضع الله تعالى له القبول في كثير من طبقات النّاس , حتّى واللهِ لقد صار كثير من العوام يحذّرون بعضهم بعضا من الأحاديث الضّعيفة و الموضوعة ويعرفون شرك الدّعاء و حرمة الاستغاثة بالصّالحين و الأولياء , و أنّ العبادة يجب أن تصرف خالصة لربّ السّماء , ولا عجب , فإنّ الشّيخ حفظه الله كاد الّا يترك بابا من أبواب الدّين إلا و نبّه عليه , فردّ على الصّوفيّة و ردّ على العقلانيّين و ردّ على أكثر المخالفين في مصر و غيرها , بطريقة يفرح بها كلّ محبّ للسنّة و يكفي أن يزحف بجحافل السنّة و حجج أهل الحديث على الرّوافض الذين يسبّون الصّحابة في مصر , فيفحمهم , و على النّصارى فيفضحهم و على المتصوّفة فلا يبقي لهم قشّة يتعلّقون بها , و يكفي أنّه حفظه الله قد أخرج الله به كثيرا ممّن يملكون صحونا لاقطة , أخرجهم من فتن قنوات الشّعوذة و الدّجل و الغناء و الأفلام السّاقطة إلى رياض السنّة الزّاهرة , و سحائبها الماطرة , فهل من معترف بالفضل لأهل الفضل يا أهل الفضل الذين بغوا على إخوانهم .
و هل من العدل أن تخرجوا علينا تصرخون أنّ الرّجل ليس معه إلا القصص و الكلام السّياسي! و أنّه لا يدعو لتوحيد و لا لسنّة و لا لتصفية و لا لتربية , بل و اتّهمتموه أنّه يجعل التّوحيد أربع أقسام , و أنّه يجعل الألوهيّة هي الحكم , و أنّه يجعل لا إله إلا الله بمعنى ( لا حاكم إلا الله) و أنّكم ما رأيتم منه خيرا قط , أفلا تتّقون ؟
و إذا كان أغلبكم أو كلكم لا يتابعون القنوات و لا لمن يتابع هذه القنوات (لأنّ هذا عندكم من الحزبيّة و الضّلال مطلقا !!) , فكيف تجعلون عدم العلم بجهود الشّيخ علما بعدم جهوده ؟ و عدم العلم ليس علما بالعدم كما هي القاعدة المعلومة ؟
و أمّا نحن : فلا ندّعي له و لا لغيره العصمة و لا السلامة من الخطأ و الزّلل , و لكنّنا نرى أنّكم بخستموه حقّه , بل و بخستم السنّة حقّها فإنّه قد علم أنّ النّظر إلى المصالح و المفاسد و الإنصاف في الحكم و اعتبار المآلات , هذا كلّه حاكم على الأمور الاجتهادية التي منها الحكم على الأعيان و خاصة الذين من هذا النّوع .
و لو أنّكم فصّلتم في الحكم لكان وقع ظلمكم أخفّ , و لو أنّكم لم توالوا و تعادوا على ذلك الحكم لكان أخفّ و أخفّ , لكنكم -والله المستعان- قد أجملتم في موضع التّفصيل وأطلقتم في موضع التّقييد , و قلتم ما ليس لكم عليه غير مشتبهات محتملات , و ممّن يقرأ هذه الورقات أناس يشاهدون الحويني على القنوات فنسألهم : بالله عليكم : هل سمعتم الرّجل يقول إنّ توحيد الألوهيّة هو توحيد الحكم , أو أنّ الخروج على ولاة الأمور جائز أو مختلف فيه , أو أنّ حكّام الأرض جميعا كفرة ؟؟ !!!
فأمّا الحجج التي يزعم إخواننا أنّها معهم فأبشر بانهيارها عمّا قريب , و أمّا أنّ رجلا له خمسين عاما يخطب و يتكلّم , و ينقّب المتربّصون له عن زلّة أو هفوة و يجدونها , فهذا ممكن بل أكيد , و أمّا زعمهم أنّها دليل على منهج يسلكه فهذا قول مضحك مبك سيأتيك خبره
فتعيّن أن أجيبك – أخي المستنصح – إلى الدّفاع عن الرّجل منطلقا من مناقشة بعض أصول من تعصّب على تبديعه من إخواننا وذلك من خلال ما كتبه الأستاذ خالد المصري وفّقه الله ثـــمّ احتجّ به بعض الشّباب ظانّين أنّهم جاؤوا بمليئ , لننصح و نستنصح , و نبحث عن الحقّ فيما اختلف فيه الخلق , و ها هنا تنبيه مهــم :
قد وددت - و الله - ألا أذكر اسما و لا رسما , و لكنّ ما لا يتحقّق المطلوب إلا بذكره فلا محيد عليه .
و هذه الشّبكة التي ينشر فيها القوم وددت أيضا ألا أذكرها و لكنّ الأمر لازم إلا ألّا أتكلّم أصلا فذكرتها, وأنا إذ أنتقد على إخواني الشّباب مسلكهم في الجرح و التّبديع و التّقليد الشّنيع إلا أنّني أقول :
قد رأيت بعض الطيّبين من الأعضاء ينقلون من تلك الشّبكة فلعلّه يحسن أن أقول لهم :
أولا : لا يضير أن تنقلوا بل و أن تسجّلوا هناك و تستفيدوا من هذه الشّبكة في ما يتعلّق بالعلم النّافع و الذي لا تخلو منه و المنع المطلق مذهبهم لا مذهب أهل السنّة و إن نسبوه هم إليهم.
ثانيا : أمّا بخصوص الغيبة و النّميمة و الطّعن في السّلفيّين الدّعاة إلى الله , فهذه هي البقعة السّوداء على تلك الشّبكة فاحذروها و خاصّة من هو جديد في الالتزام و لا يزال على الفطرة لم يدخل عليه داخل الغلو , و والله قد رأيت من اهتدى إلى السنة بسبب الحويني ومحمّد حسّان , و غيرهما , ثمّ وقع في أيدي هؤلاء الإخوة سامحهم الله , فصار اليوم يسمّي الحويني بالضّال المضل , بل و يحذّر أمّه من مشاهدته!! و هذا من فوائد الإطلاق عند القوم و إلّا فماذا يخشى على عجوز طاعنة أن تفعل بها قطبيّة! الحويني, أو حزبيّة! محمّد حسّان ! و يخلق الله ما يشاء و لا حول و لا قوّة إلا بالله .
هذه كلمات بين يدي المقال , و قد أزف الابتداء في مناقشة من تعصّب للرّجال , و هذه الوقفة الأولى في ذمّ استعماله و إخوانه هداهم الله , للتّبديع بالأوصاف الغامضة المجملة , وهي الحلقة الأولى و تأتي بعدها حلقات أسأل الله أن يعين على تمامها , و أن ينفع بها من كتبها و من قرأها وأن يهدينا جميعا سواء السّبيل , و قد سمّيت هذه الوقفات : كشف التّعصّب و المين والكيل بمكيالين حوار مع صاحب ورقات ( الأصول التي خالف فيها الحويني أهل السّنّة ) و الله الموفّق لا إله غيره .
الحلقة الأولى :
الأستاذ يستعمل ألفاظا مجملة غير محرّرة و يعلّق عليها ذمّا شرعيّا و اقعا على معيّن بلا دليل :
قال وفّقه الله إلى العدل :
...أما بعد؛ فإن المخالفات الكبرى عند الحويني والتي خالف بها أصول أهل السنة، ووافق فيها الخوارج من القطبيين السروريين تنحصر فيما يلي :...
قوله : ( المخالفات الكبرى... ) وصف مجمل يحتمل أحد معنيين أو كليهما , من جهة كبر هذه المخالفات : نسبيّ ( إلى صاحبها ) و حقيقي , فيقال هلّا بيّنت لنا مقصودك :
أهي كبرى بمعنى أنّها أكبر ما وجد عند الحويني من مخالفات , أم أنّها كبرى بالنّسبة لأصول أهل السنّة و عقيدتهم التي تميّزوا بها عن أهل البدعة و الضّلالة .
و الظّاهر أنّ كلّا من الأمرين مقصود :
فالمعنى الأوّل : دليله الحكم عليه بأنّه مبتدع , و لا يكون الرّجل مبتدعا إلا بمخالفته للسنّة في أصل عظيم , أو بما يرقى إلى درجته بمجموعه من الفروع و الجزئيّات كما هو معلوم .
و المعنى الثّاني : دليله ذكر انحصار ما أخذ على الرّجل في ما ساقه و لا شكّ أنّ متخصّصا حاذقا !! مثلك , لا يمكن أن يذكر الهنات عند تبديع صاحب (كبرى المخالفات) في مقام تفصيل و احتجاج على أمر عظيم و هو الطّعن في دين حامل دين داعية إلى الله كالحويني .
قوله ( .... ووافق فيها الخوارج من القطبيين السروريين...)
أقول : هذه بداية مبكّرة في الانحراف عن قواعد أهل السنّة و أصولهم التي يزعم الأستاذ المنافحة عنها , و هو بذلك قد وافق سمتا عامّا تتميّز به ألفاظ أهل البدع كما سترى :
طريقة أهل السنّة و موقفهم من استعمال الألفاظ المجملة و محلّ الأستاذ الجارح منها :
و ذلك أنّ أهل السنّة و الجماعة و حيث كانوا أعلم النّاس بالحق و أرحمهم بالخلق فإنّهم يتخيّرون من العبارات أبعدها عن الإجمال و أسلمها من الاحتمال , و أوضحها في المقال هذا دأبهم العام في كلّ شؤونهم و مواقفهم , فكيف بأمر متعلّق بأعراض المسلمين , فكيف بأسماءَ يعلّق عليها المتكلّم ذمّا شرعيّا منسوبا إلى الله و رسوله ؟ و يجعلها قسما مندرجا تحت بدعة كبرى و هي بدعة الخروج ؟
أهكذا يكون عَرض أهل السنّة للعلم , و حالهم في الكلام عن خصومهم ؟, التّصنيف بالظنّ و الجرح بالاحتمالات و القذف بالألفاظ المجملات ! و أين هذا التّصرّف الغامض من قول شيخ الإسلام رحمه الله في شرح حديث الافتراق :
(وما تنازع فيه الناس من مسائل الصفات والقدر والوعيد والأسماء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك يردونه (يعني أهل السنّة) إلى الله ورسوله، ويفسرون الألفاظ المجملة التي تنازع فيها أهل التفرق والاختلاف، فما كان من معانيها موافقًا للكتاب والسنة أثبتوه، وما كان منها مخالفًا للكتاب والسنة أبطلوه، ولا يتبعون الظن وما تهوى الأنفس، فإن اتباع الظن جهل، و اتباع هوى النفس بغير هدى من الله ظلم. وجماع الشر الجهل والظلم ، قال الله تعالى: {وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} إلى آخر السورة [الأحزاب: 72، 73]. وذكر التوبة لعلمه سبحانه وتعالى أنه لابد لكل إنسان من أن يكون فيه جهل وظلم، ثم يتوب الله على من يشاء، فلا يزال العبد المؤمن دائمًا يتبين له من الحق ما كان جاهلًا به، و يرجع عن عمل كان ظالمًا فيه) مجموع الفتاوى الجزء 3 ص213
فهل أجمع أهل السنّة أنّها توجد فرقة جديدة إسمها السّروريّة و أدرجوها تحت الأصل البدعي الأكبر الذي هو الخروج ؟ , لأنّهم إذا كانوا قد أجمعوا على ذلك , فلا شكّ أنّهم بيّنوا رحمهم الله أصول هذه الفرقة و مقالاتها و مميّزاتها , سواءً ما لحقت من أجله بالخوارج أو ما تميّزت به عن باقي فرقهم كالحروريّة و الأزارقة و غيرهم و هذا هو محلّ الخلل في كلام الطّاعن كما سيأتي .
فإن كان الأمر كذلك فإنّ على المتكلّم أن يبيّن للنّاس أين وقع هذا في فتاواهم رحمهم الله ثمّ بعد ذلك يأتي بدعواه أنّ فلانا من هؤلاء لكي يحسن له الاحتجاج إذا احتج , و يحسن للنّاس النّظر في أقواله المجرّدة التي يبقى أبناؤها أدعياء إلى حين إثبات البيّنات عليها , و هذا لكي لا يكون ممّن يتكلّم في الشّرع و في أعراض حملة الشّرع بالألفاظ المجملة فيلحق –من هذا الوجه - بمن ذمّهم شيخ الإسلام في النّقل السّابق .
و توضيحه :
أنّ الحكم على فلان بأنّه سروري مفتقر إلى مقدّمات أهمّها : معرفة من هم السّروريّة معرفة جليّة واضحة لا يعتريها وهم أو اضطراب , معرفة أصولهم , معرفة أصول المحكوم عليه , ثمّ النّظر في هذه الأصول هل هي فعلا أصول القوم أم لا , فإن ثبت ذلك أو بعضه نُظر في ما يسمّى بضوابط الحكم على المعيّن من قيام حجّة و انتفاء الموانع و توفّر الشّروط مع استصحاب القاعدة الكبرى التي غفل عنها الأستاذ و هي أنّه ( ليس كلّ من وقع في الكفر كافرا و لا كلّ من وقع في البدعة مبتدعا ) و لا كلّ من وقع في السّروريّة !سروريّا
فأين هذا كلّه في دعوى الأستاذ الجارح و في فقه من نقل عنه من المقلّدين ؟
و أعلم بارك الله فيك , أنّ هذا اللّعب بعقول النّاس و التّهاون في باب عظيم من أبواب الدّين , هذا كلّه منطلق من اطمئنان مغشوش إلى موافقة طبقة شاذّة من الشّباب الغافل كما هو حال النّاقل المنافح المقلّد , و عليه يقال لهذا الجارح : ليس النّاس سواء , و إذا كان هؤلاء قد وافقوك على النّقير و القطمير لجهل أو قصور أو تقليد و غفلة , فإنّ سواد أهل السنّة و الجماعة مازالوا بحمد الله مستمسكين بالدّليل و البرهان , متّبعين للنّصوص التي منها (( يا أيّها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبيّنوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)) و منها ( لو أعطي النّاس بدعواهم لادّعى قوم دماء قوم و أموالهم, و لكن البيّنة على المدّعي ..) فهات على ما زعمت البرهان و الدّليل و أثبت العرش ثمّ انقش , و اعلم أنّ عهد تنزيل كلام بعض الكبار منزلة الوحي قد ولّى فكيف بكلام الصّغار ؟!
و قد بنيت أنت تبديعك للحويني على مخالفة أهل السنّة و علمائهم , فها أنا أسوق لك شيئا غير قليل ممّا تمتّعت به طليعة تقريرك فغدت غير ممتّعة , لأنّ أهل السنّة كما أنّ لهم أصولهم في معاملة فاعل الكبيرة و معاملة الحكّام , فكذلك لهم أصولهم في الرّد على المبتدعة و على سائر المخالفين , فإن كان يحرم مخالفتهم في الأولى كما تزعم أنّ الحويني قد فعل , فكذلك يحرم مخالفتهم في الثّانية كما سأبيّن وقوعه من فضيلتك ثمّ أسألك بعد ذلك عن حكمك إذ خالفت هذه الأصول و تلك الفتاوى , و أسأل الله تعالى أن يجنّبنا سبيل الذين يقولون ما لا يعلمون فأقول :
أمّا السّروريّة بوصفها حزبا مباينا لسبيل المؤمنين , فموجودة و هي ثلّة من المتحزّبين حسيّا و معنويّا مع المسمّى محمّد سرور الموجود في ديار الكفر , و لها أفكار منحرفة تلبسها ثوب ما يسمّى بالمعارضة السّياسيّة , و تنشرها في مجلّة إسمها (السنّة) و غيرها , و قد ردّ عليهم أهل العلم و بيّنوا حالهم منذ القديم بما لا يحتاج لإعادته هنا , و إنّما المقصود أنّه إذا كانت نسبتهم إلى الخوارج مستساغة بما شاع عنهم من التّحريض على الخروج على ولاة الأمر و ما شابه ذلك , فإنّ جعلهم فرقة جديدة من تلك الفرق نفسه فيه نظر , فكيف بتعليق الذّمّ الشّرعي عليها و إلصاقه بالدّعاة تبديعا و تشنيعا و المتلقّون أكثرهم لا يدرك لا حقيقة السّروريّة و لا ضابط نسبة النّاس إليها , وأنّى له أن يدرك ذلك و العلماء – كما قلت لك – لم يتكلّموا به و لا صنّفوا النّاس على أساسه , فمثل هذه الألفاظ المجملة لا يجوز أن يتعامل بها في مقام الحكم على الأعيان لأنّه إذا كان الحويني هذا يكفّر بالكبيرة ( أو بالإصرار عليها) و يقول بالخروج فإنّه – و العياذ بالله – يلحق بالخوارج لا بالسّروريّة , فلو صحّت دعوى الطّاعن فيه لكانت أدلّته محقّقة لشطر دعواه و بقي الشّطر الآخر كاذبا إذ كلامه متكوّن من شقّين :
الأول : أنّ الحويني من الخوارج .
الثّاني : أنّه من السّروريّة .
( هذا مع اضطرابه – كما ترى - فتارة يزيد عليها القطبيّة كما في أوّل التّقرير و تارة يزيد عليها نسبته إلى النّجدات , و الله أعلم منْ من الثّلاثة سيظفر بهذا المحدّث المصريّ الفحل , أهو محمّد سرور أو سيّد قطب رحمه الله أو نجدة ابن عامر ؟)
و أنا أناقشه في السّروريّة لأبيّن لك وجه الاضطراب في حكمه و ما قيل فيها يقال في صويحباتها من (حزبي) (قطبي ) (مميّع) ..و العاقل يكفيه المرويّ عن المطويّ كما هو معلوم .
أقول : فلو ثبت أن الحويني يكفّر بالكبيرة و يرى السّيف لكان خارجيّا و هذا إثبات الرّكن الأوّل و ستأتي مناقشته في حلقة مستقلّة بإذن الله تعالى .
فبقي الرّكن الثّاني : و هو السّروريّة و هو ما لم يقم عليه أيّ دليل ممّا يجعل النّاظر غير العارف بمنهج القوم يرميه بالكذب و البهتان و لكنّ الحق أنّ الخلل الذي دفعه إلى ذلك الإجمال مرجعه إلى أحد أمرين أو كليهما :
الأوّل : التّهاون في إطلاق الأوصاف الذّميمة المجملة على المخالفين مع الافتقار إلى التّقوى و الورع , و الرّغبة في ترك مساحة للتّخرّص و التّفلّت عند المحاققة كما حدث لأبي عمر العتيبي في مناظرته مع الأستاذ الفاضل عادل المرشدي على موقع الكاشف .
الثّاني : الجهل بحقيقة السّروريّة و أنّها بهذا التّعبير ليست بعقيدة قسيمة لعقائد الفرق الضالة و إن كانت قسما داخلا تحتها باعتبار الخروج و السّيف و الذي يعتبر القاسم المشترك بين فرق الخوارج و المعلم الرّئيس المرشد إليهم .
و الحق فيما يظهر و الله أعلم : أنّ تسميتهم بالسّروريّة نسبة إلى زعيمهم محمّد سرور -هداه الله - لا باعتبار عقدي و لكن باعتبار التّحزّب الحسّي و المعنوي على هذا الرّجل و الذي يظهر إمّا بالانتماء الصّريح إلى حزبه أو بتمجيد أهدافه و المنافحة عنها و المناظرة عليها أو ما يساوي ذلك من الأفعال التي لا يعتريها إجمال و لا احتمال ممّا يدلّ دلالة قاطعة أو غالبة على الأقل على انتماء (المجروح) إلى ذلك الرّجل , أي : انتماء سياسيّا ( إلى حزبه) وليس انتماءً (شرعيّا) إلى عقيدته كما يصوّره فرسان الجرح الجدد لأجل التّوسّع في الجناية و الله المستعان .
و الدّليل القاطع على ذلك – كما قلت لك – إعراضُ كبار أئمّة المسلمين عن التّعاطي بهذه الطّريقة حتّى مع من تأثّروا بأفكار الرّجل في فترة ما كالشيخين سلمان و سفر , و اقرأ فتوى اللجنة الدّائمة بتاريخ : ( 03-04- 1414هـ ) في إيقافهم , و اقرأ فتواها الثّانية بتاريخ ( 10-4-1414)و التي فيها تبرئتهم من منهج الخوارج , ترى عجبا من الفرق بين تصـرّف العلماء الرّبّانيّين و بين تصرّف ( الشّباب المتهوّرين المتسرّعين في التّبديع )
و قد ذكر الشّيخ مقبل في بعض أجوبته أنّ ممّن تأثّر بمحمد سرور ( الدكتور سفر الحوالي) مع إشارته أنّ فيه أملا كبيرا للتّخلّص من ذاك (التّأثّر) لو خالط بعض الصّالحين , و أشار الشّيخ ابن باز و إخوانه العلماء –كما مرّ ذكره- بإيقافه و أخيه عن التّدريس في زمن ما , و مع ذلك لم ينسبوهم لا لسرور و لا للخوارج بل نفوا عنهم ذلك عنه و برّؤوهم منه , فإن كان من تأثّر بهم عند هؤلاء الكبار لا ينسب إليهم فكيف بمن لا يستطيع الأستاذ سامحه الله , أن يأتي بقشّة من أدلّة الارتباط بينه و بينهم كما ترى في تقريره محلّ النّقد , و لاحظ –زادك الله بصيرة – أنّه لم يأت بدليل واحد على سّروريّة الحويني خلا ما لهج به من قوله أنّ الحويني يزورهم !!! وما يشبه ذلك من أدلّة الطّيش التي سيأتيك بيانها , و حسبك الآن أن تعلم بما يلي :
إطلاق الأوصاف المجملة ( الأدْخل في التّلبيس) علامة "مسجّلة" لغلاة التّــجريح :
إنّ هذه عادة و سمة يعرف بها هؤلاء الإخوة الجرّاحون أعني إطلاق أوصاف مجملة في التّبديع و التّشنيع مع جرأة عجيبة على منهج السّلف في تجنّب هذا المسلك كما نقلت لك كلام شيخ الإسلام قريبا , ثمّ جرأة أعجب منها على نسبة تصرّفهم هذا إلى السّلف وجعل كلمة ( حزبي ) تساوي ( مبتدع) تماما كجهمي أو مرجئي أو معتزلي , و هذا الذي يفعلونه في الحقيقة ما هو إلا مسلك من مسالك أهل البدع التي اتّخذوها مطيّة لتحريف الدّين و جحد آيات ربّ العالمين و لذلك فإنّ الأستاذ خالد بن عبد الرحمن نفسه لو طالبته بضابط محرّر مجمع عليه للحزبيّة أو للسّروريّة لما وجدت عنده إلا سرابا و هذا السّراب الذي يحسبه الأتباع ماء هو الذي تنفق به بضاعة التّبديع التي يروّجها الغلاة و لذلك تحدّى أذكاهم أن يأتيك بنقل عن الألباني أو ابن باز أو ابن عثيمين أو صالح آل الشّيخ أو صالح الفوزان أو سماحة المفتي أو الشّيخ العبيكان أو اللحيدان أو الرّاجحي, علّقوا فيه الذّمّ الشّرعي الواقع على معيّن بهذه الأوصاف .فإن أتاك بكلام عامّ فيه ذكر هذه الألفاظ فقل له :
أوّلا : لسنا ننفي ورود الكلمة في استعمالاتهم نفيا مطلقا و لا نحن ننفي أنّ لها معنى و استعمال غير ما تعنيه و ما تستعمله أنت , فلا وجه لأن تأتينا بهذا و إنّما ننفي استعمالهم لها على وجه مطّرد في التّبديع و الذّمّ الشّرعي للأعيان كاستعمالهم لجهمي أو معتزلي أو رافضي , فهل تأتينا بنقل واحد عن هؤلاء فيه : فلان سروري ؟
و مادام الشّيخ الألباني و الإمامين لم يستعملوها في حقّ سفر و سلمان مع ما وقع منهم , فكيف تأتي أنت و تستعملها في حقّ غيرهما بإطلاق مريب و إبهام عجيب و هل هذا إلّا من جنس فعل من قال عنهم شيخ الإسلام و غيره في كثير من المواضع أنّهم يميلون إلى الألفاظ المجملة المبتدعة بدل الألفاظ الشّرعيّة المنصوص عليها ( أو التي أجمعت عليها الأمّة ممّا لا يعتريه إجمال و لا غموض) كما في منهاج السنّة النّبويّة (الجزء الأوّل ص 279) حيث قال
رحمه الله :
( والمقصود هنا أنهم (يعني أهل البدع) أفسدوا الأدلة السمعية بما أدخلوه فيها من القرمطة وتحريف الكلم عن مواضعه كما أفسدوا الأدلة العقلية بما أدخلوه فيها من السفسطة وقلب الحقائق المعقولة عما هي عليه وتغيير فطرة الله التي فطر الناس عليها ولهذا يستعملون الألفاظ المجملة والمتشابهة لأنها أدخل في التلبيس والتمويه مثل لفظ التأثير والاستناد ...) اهـ
فإن قال الأستاذ أو من معه : إنّ شيخ الإسلام هنا يتكلّم عن إجمال أهل البدع الذي يقصد منه إفساد الأدلّة السّمعية و العقليّة في باب العقائد و ليس الكلام متعلّقا بباب الكلام عن النّاس ( أو عن المبتدعة) فالجواب من وجوه :
أوّلا : هذا الحصر باطل بنصّ كلام الإمام نفسه فإنّه تكلّم في السّياق نفسه كما في النّقل السّابق عن موقف أهل السنّة: (... من مسائل الصفات والقدر والوعيد والأسماء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك يردونه إلى الله ورسوله ، ويفسرون الألفاظ المجملة التي تنازع فيها أهل التفرق و الاختلاف..)
أقول : فإن لم ينتف الحصر المزعوم بالإطلاق في قوله (الأسماء) انتفى بما عطف عليها من قوله ( ..و الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر) إذ لا شكّ أن الرّدّ على المخالفين داخل تحت هذا الأصل فتأمّل .
ثانيا : شيخ الإسلام و مثله كلّ أهل العلم و الفضل يذمّون الإجمال ذمّا مطلقا و خاصّة في موضع التّفصيل , لأنّ المتلبّس به عن قصد لا يُعمله في باب من أبواب الدّين إلا أفسد و لم يصلح و ليس ذلك مقتصرا على موضع دون موضع .
ثالثا : أنّكم بلا شكّ تقرّون شيخ الإسلام و إخوانه العلماء على ذمّ الإجمال في الكلام عن الأسماء و الصّفات , و المباحث العقدية فيقال لكم : أليس الكلام في تلكم المسائل قول على الله تعالى , فإن قلتم نعم , قيل لكم : و الكلام عن عباد الله , أليس مرجعه إلى التّبليغ عنه عزّ و جلّ بأنّ فلانا مذموم شرعا ؟ , فكيف يكون الإجمال ممقوتا هناك و لا يكون ممقوتا هنا , و ما هو الدّليل الذي فرّقتم به بين الموضعين ؟
و لذلك أيضا قال الشّيخ الألباني الذي يزعم الأستاذ و من معه أنّهم على منهجه :
( سرور ) كشخص (....) تلك المجلة لم نطلع على منهجه وعقيدته بقدر ما اطلعنا على دعوته السياسية ولذلك فلا يـجوز أن ننسب إخواننا هؤلاء الذين يشتركون معنا في الدعوة إلى الكتاب والسنة والتوحيد ومحاربة البدع ، هذا الجانب لا نعرفه من سرور ، فلو كان العكس لكان أقرب ، لو نُسِب سرور إلى هؤلاء كان مقبولاً ، لأن سرور ما نعرف عنه شيئاً من هذا العلم الذي نعرفه عن هؤلاء ، ولذلك فأنا أنصح إخواننا هؤلاء الذين يتسرعون في نسبة من هم معنا في الدعوة السلفية ... إلى شخص لا نعرف ما هي حقيقة دعوته ... هؤلاء إخواننا الذين يتهمون هؤلاء الإخوان السلفيين بأنهم ( سروريون ) نقول لهم : هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ، أولاً سوف لا يستطيعــون أن يقدموا دعــوة (سرور) ما هي ؟ فإذاً هم يتهمون هؤلاء الذين عُرِفوا بدعوتهم بدعوة إنسان لم يُعرف دعوته منه ما هي ، تشملهم تلك النصوص التي ذكرتُ آنفاً من القرآن ، ثم يأتي أخيراً قوله عليه الصلاة والسلام : (كفى المرء كذباً أن يـحدث بكل ما سمع) ، ولذلك فأنا أذكر كل إخواننا السلفيين في كل بلد الدنيا الذين هم معنا على أصول الدعوة السلفية وفروعها ومنها : ألا ننقل خبراً إلا بعد أن نتثبت منه ، اتهام هؤلاء بأنهم (سروريون ) هذا خطأ بيِّن وواضح ، وما هو مفرق للصف فلا يـجوز . (تسجيل صوتي متوفّر)
فأشار رحمه الله تعالى إلى أنّ السروريّة أكثر تميّزها هو تميّز سياسيّ لا عقدي و أشار إلى أنّها من ناحية العقيدة جماعة غامضة لا تعرف فصار هذا علّة في عدم جواز أن ينسب النّاس إليها لأنّ من فعل ذلك فهو معرّض للوقوع في الكذب كما قال رحمه الله تعالى وليست القضيّة كما قد يقول بعض المعترضين أنّ الشّيخ لم يكن أدرك أخطائهم بعدُ , فإنّ السّياق لا يساعد , هذا أوّلا و ثانيا , الشّيخ وجدنا له كلاما في هؤلاء حتّى بعد أن قال فيهم ما يسمّيه بعض إخواننا تراجعا أي (بعد أن أدرك أخطائهم), و مع ذلك لم ينسبهم لهذا الأصل البدعي (المبتدع ) من طرف الغلاة , و هذا من عدل أهل العلم و السنّة , نعم نردّ ظلم من ظلمنا و نردّ على من أخطأ كائنا من كان و ما كان , و لكنّنا نردّ بحقّ لا بباطل و بوضوح لا بغموض , و تخبّط الأستاذ أسامة العتيبي و تناقض جوابه مع حاله و حال غيره ممّا سبق ذكره هو أعظم دليل على أنّ مفهوم هذا الأمر لا يزال غامضا إلى اليوم فدلّ على استمرار ذمّ هذا المسلك المجحف و بُعده عن طريقة العلماء .
فهل فقه الأستاذ خالد بن عبد الرّحمن المصري وجه تلبيسه على الشّباب المساكين الذين تقودهم العاطفة إلى التّقليد الأعمى و التّهافت الأحمق على كلامٍ هذا حال أوّله من الحيدة عن سبيل أهل السنّة في الوضوح الإنصاف وهل من هذا حاله يتصدّر للكلام في علم هو لخاصّة الخاصّة ؟
و ها أنا أزيد الأستاذ من مشكاة العلماء الذين يزعم أنّه يتابعهم حذو القذّة بالقذّة :
قال الشّيخ العلّامة عبد الله بن قعود عضو هيئة كبار العلماء و عضو اللجنة الدّائمة للإفتاء رحمه الله تعالى:
( سروري ؟!.. من أين عملية السرورية من وين جاءتنا ؟ فتش في كتب اللغة ، فتش في كتب الملل والنـحل ، فتش أين تجد (سرورية) منه ؟!! صحيـح إذا كان هذا معناه أنه مسرور بواقِعِه ، وفرح بما أعطاه الله سبحانه وتعالى وأفـاض الله عليه من تعليم علم ، ومن معتقد سليـــم، و من و من .. فهذا صحيـح كلنا نرجوا أن نكون سروريين بهذا المعنى ... ) (شريط وصايا للدّعاة و انظر المصدر السّابق )
قلت :
فانظر يرحمك الله إلى سبيل العلماء الرّبّانيين من الورع و تجنّب المشتبهات في هذا الباب العظيم أعني باب الحكم على المعيّنين , و قارنه بتلك الجرأة النّادرة التي تميّز بها هؤلاء الإخوة و اجتمعوا عليها و لعلّ أقوى ما بين أيديهم كلمات لبعض العلماء أو طلبة العلم ممّن لا يقاوم قولُهم ما عليه جمهور علماء هذا العصر كما سيأتيك مزيد بيان لذلك .
جواب على بعض الإيرادات :
أوّلا : قد يقول قائلهم : إنّ الشّيخ فلان أو علّان وصف فلانا بالسّروري أو القطبي أو الحزبي و يسوقه في ما يشبه معارضة ما نقلته إليك من منطوق شيخ الإسلام و الشيخين الألباني و ابن قعود و من تصرّف الشّيخين ابن باز و العثيمين و اللجنة الدّائمة و يوجد غيرهم كثير .
فالجواب : هذا حتّى لو سلّم به فإنّه لا يحمي تصرّف الأستاذ و أضرابه بنسبة النّاس إلى هذه الفرقة إذ يكفي عدم قيام الإجماع على كونها فرقة لتجتنب تعليق الأوصاف الشّرعيّة عليها , فكيف و قد عورض قول مشايخك بأقوال و أفعال كبار العلماء الذين ذكرتهم لك آنفا فكيف تحدّث أهل السنّة بشيء لم ينضبط بمفهوم واضح عند علمائهم المعتبرين سواء من تستشهد بهم أو غيرهم ؟ و حتّى إن كنت أنت أخذت برأي من تحتجّ بقولهم فمن المعلوم أنّ مسائل الحكم على المعيّن أو على الجماعات الغامضة من المسائل الاجتهادية , فأقلّ ما يقال لك : ليس قول من تتّبعهم من الأفاضل بحجّة على أقوال و تصرّفات هؤلاء العظماء فتنبّه ؟
ثانيا : لإخواننا هؤلاء مسالك عجيبة كثيرا ما يهرعون إليها في مثل هذه المواطن و لعلّ من أبرزها أن يقولوا : من علم حجّة على من لم يعلم!! , و أنّ لأئمّة الثّلاثة و اللجنة الدائمة و الشيخ ابن قعود لم يظهر لهم الأمر بجلاء و نحن قد ظهر لنا و الأستاذ خالد المصري قد ظهر له !!
فجوابه : سبحان الله , قد علم كلّ ذي ذاكرة أنّ سرور أوّل ما ظهر خاصم صنفين هما أمراء بلاده و علماؤها , و في مقدّمة هؤلاء العلماء المشايخ الذين تعاملوا مع أخطاء سلمان و سفر , و قد ذكروا رحمهم الله أنّهم اتّخذوا قرار التّوقيف بعد مشاورة و دراسة للموضوع من كلّ جوانبه , فهل خفي كلّ ذلك عليهم ليكتشفه غيرهم ؟ خاصة إذا كان هذا الغير هو الأستاذ
و من على شاكلته؟
و هل تعلمون أنّه لو تتبّع أحدٌ احتجاجاتكم العجيبة بلفظة ( الشيخ لم يكن يدري !!, والشيخ تراجع!! و هذا كلام قديم!!!) لجَمَعَ في ذلك كراريس .
ثمّ لو تتبّع إلزامكم للنّاس بأن يتراجعوا على كلّ لفظة قالوها ممّا تبدّعونهم به , و نظر في التّراجع المفصّل القاطع الذي تشترطونه , لتعيّن دفع التّعارض بين المسلكين بأحد أمور لا أدري ما موقفكم منها :
فـإمّا أن (تتراجعوا) عن أحد القولين .
و إمّا أن يكون الأئمّة الذين تزعمون تراجعهم ( لم يتراجعـوا) حيث لم يقع منهم التّراجع على المنابر و بالتّفصيل الذي ترتضون .
و على ذلك لزم من تبديع المجروحين بهذا النّوع العجيب من الجرح , أن يبدّع الأئمّة
و لزم من " تبرئة " الأئمة و قبول تراجعهم أن يعدّل هؤلاء المظلومون.
و هذا من آثار الاضطراب عندكم في بيان حدّ التّراجع و جعله متأرجحا بحسب المقام , فمفهومه في مقام ردّ توبة التّائبين هو غير مفهومه في معرض التّملّص من أقوال العلماء الرّبّانيّين .
ثمّ : إذا كان من تقلّدونهم قد ضبطوا حدّ السّروريّة و الحزبيّة و القطبيّة و الحركيّة فهلّا أخبرتم إخوانكم أين وقع هذا في كتب مللكم و نحلكم !!!؟
عـــدم اتّفاق من يتعصّب لهم الأستاذ على حدّ مضبوط لهذه الألفاظ :
و أنا أعطيك ما يدلّ على أنّ المشايخ أنفسهم غير متّفقين على ضابط لهذه الإطلاقات :
ـ فمنهم من عرف بإطلاقها على عباد الله من عقود و لم يعرف عنه التّفصيل و لا في موضع من حياته , إلّا أنّ شواهد تصرّفاته تدلّ على أنّه يبدّع بها مطلقا كالصّنف الثّاني :
ـ و منهم من يجعلها مرادفة للبدعة مطلقا و يصرح بذلك .
ـ و منهم من لا يدرِي أصلا : هل هي مرادفة للبدعة حقّا أم لا , و الله المستعان .
فمن آخر ما نزّلــــه الإخوة في سحاب جواب للشّيخ محمّد المدخلي وفّقه الله على سؤال نصّه : هل قول العالم عن شخص حزبي أو سروري ... جرح مفسّر أم لا ؟
فأجاب الشّيخ بأنّه جرح مفسّر بلا شكّ و أنّه مرادف للبدعة مطلقا !! بل و شنّع على من يستفصلون عنه و عدّه من عجائب الزّمن .
و أمّا الأستاذ أسامة عطايا العتيبي فقد صرّح بالعجائب و الله المستعان و ذلك في مناظرته مع الأستاذ عادل المرشدي في منتدى الكاشف حيث قال لمناظره : إن بعض الألفاظ التي عزوتها إلى تلك الفرقة لا أدري مدى مطابقتها للواقع، فهل لفظة : "حزبي" تعني أنه مبتدع مطلقاً، وكذلك "حركي" ، "خبيث" ، "متلون" ، "مضطرب" ؟ أرجو أن تعطيني أمثلة من كلامهم ، وأنها تعني البدعة مطلقاً ؟ !
و إذا علمت أنّ الأستاذ أسامة عطايا العتيبي المتخصّص في علم الجرح و المشرف –فيما بلغني - على موقع الإمام الألباني و المصنّف من علماء تلك الشبكة و مشايخها الذين يظاهرون الأستاذ خالد , هذا الرّجل لا يدري مدى مطابقة تلك الألفاظ للواقع في الوقت الذي تمتلأ صحائفه و صحائف إخوانه في الشّبكة بهذه الألفاظ إذا علمت ذلك أدركت أنّ القوم دخلوا فعلا في مخالفة سبيل المؤمنين من هذا الوجه , وأنّهم من أولئك الذين قال عنهم شيخ الإسلام في شرح حديث الافتراق: ( تأمّل ما تحته سطر)
( لكن الجزم بأن هذه الفرقة الموصوفة ()هي إحدى الثنتين والسبعين لابد له من دليل، فإن الله حرم القول بلا علم عمومًا، وحرم القول عليه بلا علم خصوصًا، فقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33]، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلًا طَيِّبًا وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) وقال تعالى: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا)
وأيضًا، فكثير من الناس يخبر عن هذه الفرق بحكم الظن والهوى، فيجعل طائفته والمنتسبة إلى متبوعه الموالية له هم أهل السنة والجماعة، ويجعل من خالفها أهل البدع، وهذا ضلال مبين، فإن أهل الحق والسنة لا يكون متبوعهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، فهو الذي يجب تصديقه في كل ما أخبر، وطاعته في كل ما أمر، وليست هذه المنزلة لغيره من الأئمة، بل كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ..). مجموع الفتاوى الجزء الثّالث (ص212و ما بعدها )
فهل ترى هذا الذي لا يدري مدى مطابقة الأوصاف التي يطلقونها على عباد الله للبدعة وللواقع إلّا داخلا في هذا الصّنف الذي (يخبر عن هذه الفرق بحكم الظن والهوى) و الله المستعان .
و إن كان قول الدّكتور محمّد بن هادي أرجح عندهم فإنّهم عندما يصفون الرّجل بالقطبي أو الحزبي فإنّهم يعاملونه معاملة المبتدعة بلا تفريق و لا تفصيل و أيضا لأنّ الشيخ محمّد لم يقل ما قاله في مضائق المناظرات كما حصل للأستاذ للعتيبي
و قد كانت صفحات هذه الشّبكة إلى زمن قريب تعرض مجموعة تافهة اسمها المطاردة تحت أصوات المدافع للمسمّى شكيب الأثري جمع فيها شتات أشرطة الجرح مبوّبا! و معنونا بعناوين ظلمات بعضها فوق بعض و يكفي المنصف أن يرى ما بوّب!! به للكلام في عَلََمين من أعلام المسلمين قائلا :
أقوال العلماء في القطـــبي بكر أبو زيد
أقوال العلمـاء في الإخوانـي ابن جبرين
و على جواب الشّيخ محمد المدخلي الذي فيه أنّ الحزبي مبتدع قولا واحدا فإنّ الشّيخ المتفنّن بكر أبو زيد رحمه الله و سماحة الشيخ الجبرين حفظه الله يكونان مبتدعين بلا ريب بناء على وصفهما بالحزبية و القطبية و الإخوانية و الذي هو متواتر عند إخواننا في سحاب تقليدا لفاضل غير معصوم .
و أمّا الصّفحات المذكورة ففي علمي أنّها قد حذفت لأحد سببين :
إمّا : حين انقلب شكيب الأثري هذا يمارس أساليبه نفسها في معسكر أخرى ضدّ الشبكة التي يكتب فيها الأستاذ خالد المصري .
و إمّا : حين واجه الأستاذ الفاضل عادل المرشدي أخاه أسامة العتيبي في المناظرة المذكورة بالرّوابط الظّالمة و أحرجه بها.
و على كلّ حال فالصّفحة معروفة محفوظة و يوجد في غيرِها غيرُها ممّا لم يحذف .
فليجيبوا الآن عن موقفهم من هذين العالمين الفاضلين , بصدق و شجاعة , و ليعلم أنّ من آثار منهجهم المضطرب أنّ الشّباب المخدوعين بهم في الجزائر لا يزال أكثرهم إلى اليوم يصف هذين العَلَمين بالبدعة , بل حين توفيّ الشّيخ الفاضل بكر أبو زيد كان منهم من ذكر في مجلسهم فلم يترحّموا عليه , و (( إن يهلكون إلّا أنفسهم )) أمّا الشّيخ فأهل الفضل يعرفون له فضله و الحمد لله .
و قد جمعتُ بفضل الله مادّة علميّة يفرح بها كلّ منصف و جعلتها رسالة مستقلّة في الذّبّ عن الشّيخ و قد انتهى الفصل الأوّل منها و بقيت فصول , أسأل الله تعالى العون على إتمامها .
و المقصود أنّ هذه الطّريقة و لوازمها هي بحقّ من المشانق التي نسجها القوم بأيديهم ولفّوها حولَ أعناقهم ثمّ وقفوا على غير مليء , فإنّ الحقّ أبلج و الباطل لجلج و من وهب محياه و مماته لنصرة قولِ غَيْرِ معصومٍ صار اللّجاج دينه والشّيطانُ قرينه و حُجز في مضيق الحقّ مهما طال غيّه في ساحات الباطل , و هذه سنّة الله تعالى في بيان الهدى لعباده , القاصرُ منهم و العالـمُ , و ذلك بأن يجري على لسان المبطل المتعدّي ما لا يحتاج صاحب الفطرة السّليمة إلى كثير علم حتّى يدرك أنّه من أهل التّردّي و الحقّ عليه نور , والباطل له ظلمة تنفّر النّفس الطّيّبة منه فلا تستكين له , و للكلام بسط سيأتي إن أمدّ الله في العمر و هيّأ الظّرف و هذه نهاية الحلقة الأولى و صلّى الله على نبيّنا محمّدا و على آله و صحبه و سلّم .
بقام باعدادها الأخ الحبيب أبو حذيفة الجزائري
إنّ الحمد لله تعالى نحمده و نستعينه و نستغفره و نعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا و سيّئات اعمالنا , من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له , و أشهد ألّا إله إلّا الله وحده لا شريك له , و أشــهد أنّ محمّدا عبده و رسوله .
أمّا بعد فإنّ أصدق الحديث كلام الله و خير الهدي هدي محمد و شر الأمور محدثاتها و كل محدثة بدعة و دل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار .
فأدعو الله تعالى أن يوفّقني في هذه الخطوة الأولى على هذا المنتدى الطيّب , و الذي أرشدني إليه إخوان مصريّون أحبّاء , رأوا حفظهم الله أن أتشرّف بالمشاركة فيه , و ذلك بنشر (الحلقة الأولى) من سلسة بدأتها في تجليـــة مواطن الغموض و بيان أركان الزّلل و منابع الخطل في فكر إخوان بغوا على إخوانهم و انتقصوا علمائهم فلم يوقّروا كبيرا و لم يرحموا صغيرا ...
و ذلك أنّه , و في مقابل انتشار فضل (أحد حماة السنّة) في هذا العصر , في مختلف بقاع الأرض و منها الجزائر , إستيقظ إخواننا هؤلاء وفّقهم الله ملبّسين على أهل العلم الكبار , مستعينين بطلبة العلم الصّغار , لكي ينالوا من عرض الشّيخ الفاضل محدّث الديار المصريّة بحق أبي إسحاق الحويني حفظه الله تعالى و نفع به , فكأنّ إخواننا هؤلاء قد (أزعجهم) القبول الذي وضعه الله للرجل في قلوب العالمين , فأنساهم ما يقرؤون في القرآن فضلا عن وصايا الأتقياء بأنّ الفضل بيد الله و حده (( قل اللهمّ مالك الملك تؤتي الملك من تشاء و تنزع الملك ممّن تشاء و تعزّ من تشاء و تذلّ من تشاء بيدك الخير إنّك على كلّ شيء قدير)) .
و قد كتبت ما كتبت بعد إلحاح و تشجيع كبير من أخي (أبو عبد الله سمير الجزائري) المشرف العام على (منتديات تبسّة الإسلاميّة) سلّمه الله و هو رجل فاضل محب للعلم و أهله , و قد دافع كثيرا عن عرض الشّيخ حتى في أعماق منتديات الغلوّ و التّجريح فلمّا رأى القوم لا يريدون غير الإصرار على انتقاص الأفاضل , ألحّ عليّ و شجّعني , فأجبته إلى ذلك داعيا الله تعالى بالتّوفيق , مع الإشارة إلى أنّي سآخذ وقتا طويلا في هذه الحلقات و ذلك لأمور :
أوّلا : أنّني سأحاول مناقشة الطّاعن في الشّيخ أبي إسحاق في (أغلب) أخطائه و جناياته
ثانيا : أنّني سأجعل هذه الحلقات بإذن الله تعالى مرجعا لكلّ الغيورين على الشّيخ ممّن أعيتهم شبهات الطّاعنين و قصر علمهم أو وقتهم على إدراك ما عند هؤلاء الإخوة الجرّاحين هداهم الله من (الكذب - البتر - التّقوّل بلا أدلّة - الظّلم )
ثالثا : أنّني أتريّث في المراجعة و التّأكّد مع الاستعانة بطلبة العلم الكبار في ذلك , و هنا أذكر و أشكر شيخين فاضلين استفدت منهما في هذا الموضوع :
الشيخ محمّد حاج عيسى الجزائري.
و الشّيخ سليمان بن صالح الخراشي من المملكة
و هذا الأخير جزاه الله خير الجزاء قرأ البحث كاملا و أفادني بملاحظتين أخذتهما بعين الاعتبار (ابتداء ممّا سينشر في هذا المنتدى إن شاء الله تعالى )
رابعا : أنّ الأصول الفاسدة التي سأناقشها , هي لسكّين واحد به جرح كثير من مشايخنا الأفاضل فليس الأمر مقتصرا على الشيخ أبي إسحاق و لا على مشايخ مصر كما قد يتوهّم متوهّم , بل هو امتداد للطّعن الذي نال كبار العلماء كالشيخ بكر أبو زيد و الشيخ ابن جبرين , فالرّد سيكون إن شاء الله مفيدا و شاملا و خاليا من التّعصّب و المين .
و أسأل الله تعالى التّوفيق , و أن يقيّض لي أخا معينا و ناصحا أمينا , و أن يكتب لهذا العمل القبول و النّفع إنّه ولي ذلك و القادر عليه و إلى المقطع الأوّل :
كشف التّعصّب و المَيــْـن و الكيل بمِكياليْــن
حوار مع صاحب
( الأصول التي خالف فيها الحويني أهل السّنّة )
أبو عبد الأعلى خالد المصري وفّقه الله
الحمد لله رب العالمين و الصّلاة و السّلام على أشرف المرسلين و على آله و صحبه و من اتّبعهم بإحسان إلى يوم الدّين أمّا بعد:
فكثيرا ما يوقفني بعض إخواني الغيورين على أعراض الدّعاة إلى الله جزاهم الله خيرا , على بعض الخرجات الفريدة التي لا زال غلاة الجرح و التّبديع من بعض شباب السنّة يخرجون علينا بها بين الفينة و الأخرى .
و لأنّني – بحمد الله – قد خبرت القوم و أدركت أغلب أساليبهم في تسويق بضاعتهم , فإنّني كنت أكتفي بالتّخفيف من هول الفجيعة على إخواني الغيورين هؤلاء , مع الإشارة إلى بعض دلائل التّلبيس و التّعصّب و التّطفيف في الميزان , و التي لا تخلو منها كتابات هؤلاء الإخوة هداهم الله , فكانت إشارتي إلى دلائل تلك الخصال الشّنيعة في تصرّفاتهم على سبيل دفع الشّبهة عن إخواني و تذكيرهم بنعمة الله عليهم إذ سلموا من رقّ تعظيم الخلق أكثر من الحقّ , كما هو حاصل لأولئك المساكين أصحاب التّعليقات الممجّدة للشّباب الجرّاحين و المشنّعة على الشّيوخ المجروحين بلا رحمة و لا شفقة , و الدّاعية للمضيّ في ذلك المسار الذي يزعمون فيه مقاومة أهل البدع و الحزبيّين , مع أنّهم في الحقيقة قد جسّدوا بدعة الحزبيّة المقيتة في أبشع صورها كما سيأتي في هذه العجالة .
و لقد كنت أدعو إخواني المنصفين ألّا ينشغلوا بتلك التّرهات التي تنبّه لها الحذّاق بما آتاهم الله من العلم و البصيرة , و سئم منها المبتدؤون بما منحهم الله من صفاء الفطرة و السّريرة فلم تعد تتجاوز القوم و شبكتهم مع حوالي ثلاث منتديات كاسدة أخرى يحسن إهمال ذكرها لتزيد على إبهامها إبهاما, فصار شأنهم و الحال هذه مجموعة تتبادل الخداع والمجاملة على حساب الحق , و إن استدرجوا بعض من يكتب تعليقات التّمجيد و التّعظيم فإنّهم كما قلت لك قوم أصابتهم فتنة فعموا و صمّوا و هم بحمد الله قليل يزداد قلّة , ويكفيك نظرة فاحصة لحال من جرحوه سابقا , تتأمّل فيها إلى أين صار و صاروا ؟ , فستجد أغلب بل كلّ من جرحوه من أهل السنّة و دعاتها في علوّ مقابل نزولهم , و في اجتماع في مقابل تفرّقهم و في ستر و عافية في مقابل فضائحهم .
ففي الجزائر التي يصوّرون للنّاس أنّ شبابها قد دخلوا في منهج الغلوّ أفواجا , يكذّبهم الواقع و الحمد لله , و يكفي أن تسأل عن ضحاياهم لترى كيف أنّ ما ألحقوه بالشّيخ العيد شريفي و الشّيخ أبي سعيد الجزائري و الشّيخ بن حنفيّة العابدين و غيرهما لم يكن إلّا ابتلاء لهم من الله تعالى , ثمّ جاءتهم العاقبة الحسنة , فها هي مجالس الشّيخ العيد شريفي تضيق بالشّباب السّلفيّين حيثما حلّ و ارتحل , و هاهي كتب الشّيخ أبي سعيد قد ملأت الآفاق , و ها هو شرح الرّسالة للشّيخ عابدين و غيره من كتبه يتخاطفه شباب السنّة , و هاهي مجالس إخوانهم في العاصمة تضيق بالشّباب و الطّلبة , و ها هم كبار تلاميذ الشّيخ فركوس كالشّيخ حاج عيسى و الشّيخ رابح مختاري ... يسيرون على الدّرب لا مبالين بصراخ الصّارخين و لا بتشويش بقايا المشوّشين .
و هم مع ذلك في ودّ و صفاء و تعاون على البرّ و التـقوى لا يعكّره اختلاف في اجتهاد و لا شيء ممّا يعتري أعمال العباد , نعم ليس أحد منهم معصوما و لكن ليس أحدٌ منهم مبتدعا كما يزعم إخواننا الغلاة.
و في المقابل : فقد دبّ الافتراق في صفوف المتعصّبين , فانشطر الحزب إلى أحزاب , وانقلب البناء إلى خراب و التّزكية إلى تبديع و سباب , فاعتبروا يا أولي الألباب .
ثمّ أمّا بعد :
فهذه وقفات مع خربشات بعض الإخوة المذكورين و نقولاتهم و حُججهم و أحكامهم و تجريحاتهم التي أرهقوا بها الغيورين عن السنّة ممّن لا يزال يلتفت إليهم و هم قلّة و الحمد لله قد كتبتها استجابة لإلحاح أخ فاضل رأى المصلحة في التّصدي لهذه الأساليب الظّالمة للعلم و أهله و المغامرة بمن وثق في أصحابها من حدثاء الأسنان من شباب السنّة حفظهم الله من كلّ ســوء فـأقول : أيّها الحبيب , هذا قليل يغني ذكره عن كثير, و من رأى من السّيف نصله فقد رآه كلّه, و إنّني إذ أجيبك عن صنيع هؤلاء فإنّما طمأنة لقلبك وجبرا لخاطرك و لأملك أن يهدي الله الضّال منّا , و من باب عدم اليأس من الأمر بالمعروف مهما أنكره النّاس و عدم اليأس من إنكار المنكر مهما تعارف عليه النّاس , و إلّا فليس مع إخواننا هؤلاء ما يستحقّ الالتفات و لا هم – و لله الحمد - أغرقوا الأمّة بتلك الشّبهات بل هم –كما قلت لك – من قلّة إلى أقل و شذوذهم هذا من انكسار إلى اندثار و لا ترعبنّك القلّة التي تحزّبت على هذا الأمر المشين فإنّه قد قيل و عُلم أنّ:
لكلّ ساقطة في الحيّ لاقــطة ° و كلّ كاسدة يوما لها ســوقُ
و ها أنا ذا أستعين الله تعالى في الوقوف مع بعض مواطن الخلل في ذلك الفكر المنحرف الذي تلبّس به بعض إخواننا , من خلال الصفحات التي سلّمتها لي و التي كتبها الأستاذ أبو عبد الأعلى خالد المصري طاعنا في الشّيخ أبي إسحاق و قد طار بها بعض إخواننا ظنّا منهم أنّها تساوي شيئا في ميزان العلم و أهله و هي – كما سترى- لا تساوي فلساً , فلا تحقيق و لا تدقيق و لا تأصيل و لا تنزيل , إلّا على طريقة الحائدين عن السّبيل .
و كيف توصف تلك الكلمات بأنّها (ردّ علميّ) و أركان الرّد العلمي مغيّبةٌ حاضر ما يهدمها فلا يبقي لها في قلوب الأتباع رسما و لا أثرا ؟
و إنّني و اللهِ لأتعجّب و أسترجع ذاهلا أمام ما نضحت به قريحة الأستاذ في هذا المقال من تصرّفات منسوبة للعلم و طريقة أهله , تجعل الواقف عليها بين أمرّين أحلاهما مرّ , أيتّهمُ أخاه هذا بسوء الفهم , أو يتّهمه بسوء القصد , أو يجمع له بينهما ؟ وهما جماع أسباب فساد العلم و الدّين كما هو معلوم , فمن اجتمعا فيه فقل عليه السّلام و اسأل الله العافية .
و إن كان سوء الفهم في الموقف و الموقفين يعذر به كلّ أحد إذ لا ينجو منه إلّا من عصمه الله تعالى , فكيف بسوء القصد , الذي بدا ظاهرا في أمور :
الأوّل : نسبة أقوال إلى أهل العلم ما قالوها أصلا باستغلال جهل المتلقّين بدلالات الألفاظ و طريقة فهم كلام العلماء من جهة , و تسليمهم له على طريقة (اعتقد و لا تنتقد) من جهة أخرى و الله المستعان .
الثّاني : نسبة عقائد باطلة إلى مخالفيه بمجرّد الظنّ و التّوهّم و فلتات اللّسان التي لو جعلناها مقياسَ عدلٍ لآلت بنا إلى تبديع جماهير الدّعاة إلى الله كما هو لازم فهمه و زعمه الذي ستراه .
الثّالث : الحيدة على الكلمات الصّريحة النّافية لتلك العقائد الباطلة , و التي عُرف بها من يطعن فيهم , على مدى مشوارهم الطويل في الدّعوة إلى الله تعالى , حتّى و الكلماتُ المصرّحة بعقيدة أهل السنّة في الموضع نفسه و في السّياق نفسه الذي أخذ منه الأستاذ معتمده في نسبة الباطل إلى (ضحاياه) و لا حول و لا قوّة إلا بالله.
الـــرّابع : بتــــرُه لكلام الشّيخ بحيث ينقلب المعنى تماما , بما ينتبه إليه كلّ ذي عينين في رأسه و يأنفه كلّ من خالط قلبُه نسيم الصّدق و الأمانة العلميّة .
و كفرع تابع لهذا الأصل الذي اتّكأ عليه الأستاذ عبد الأعلى المصري , فإنّه أيضا استشهد بكلام مبتور نقله كذّابون لبعض الشّيوخ الذين أمضى الأستاذُ تبديعَهم المبنيّ على ذلك البتر ناسيا أنّ ما بني على باطل فهو باطل .
و كفرع آخر لهذا الأصل الفاسد(البتر) : فإنّه تارة ينقل الكلام الذي يظنّه يخدمه كاملا و لو كان (عاميّا) , بزعم (الأمانة العلميّة!!!) و تارة أخرى يكتم كلاما لا يساعده على زعمه مكتفيا بالتعليق عليه بأنّه لا يفيد , و لا أدري ما هو ضابط التّقيّد بالأمانة العلميّة المجنيّ عليهـــــا عنده كمـــا سيأتي .
فهذه وقفات معه خصوصا و مع كلّ من أشبهه في طريقته أو نشر ثمارها أو انتصر لها و عظّمها عموما , يكون ذكر ما فيها مغنيا عمّا لم يذكر فإنّ الوقت نعمة مغبون فيها كثير من النّاس فلا يزيد المرء على ذلك بإنفاقها في هذه التّرهات .
و بين يدي هذه الوقفات أحبّ أن أقدّم بأمور لا بدّ من ذكرها و أرجو من كلّ فاضل نشطت نفسه لقراءة هذه الكلمات المتواضعة أن يستصحبها :
أوّلا :
أنّني لا أدّعي في هذه الورقات أنّني أفضل من إخواني الشّباب النّاقلين لتلك التّجريحات أو أكثر منهم علما , كما لا أدّعي أنّني قد بلغت من العلم مبلغ الطّلبة المبتدئين فضلا عن المتقنين و ( رحم الله امرء عرف قدر نفسه) , و لكنّني في المقابل أزعم أنّني قد أحطت من جوانب هذه المسألة بكثير ممّا لم يحط به إخواني , فوجب البيان و النّصيحة فيما علمت من هذه الأمور الخطيرة و المتشعّبة , و قد عَلم أهل الحقّ أنّ الاجتهاد يتجزّأ والعلم يتجزّأ فمن أتقن مسألة فهو بها عالم , و لا يُشترط أن ينتظر أن يصبح إماما لكي يتكلّم بما رآه من الحق كما هو ظاهر بيّن , و مثاله :
أنّ من رأى إخوانه يلحنون في الضّاد فينطقونها ظاء أو داء مفخّمة , فإنّه يجب عليه تقويم اعوجاجهم و إن لم يكن قد أحاط بباقي أبواب تجويد القرآن و أحكامه , لأنّه ( لا يكلّف الله نفسا إلّا وسعها ) و هذا أمر مطّرد في سائر الأبواب كمن قوّم أخا له في الوضوء أو الصّوم أو الزّكاة فلا يشترط فيه إذا أتقن تلك المسألة أن يكون فقيها كبيرا لكي يتكلّم فيها و هذا داخل في قوله عليه السّلام ( بلّغوا عنّي و لو آية ) .
ثانيا :
أنّني لا أزعم في هذه الوقفات أنّ إخواننا هؤلاء قد خرجوا من السنّة و السّلفيّة مع أنّني أوقن -كما عليه جمهور أهل السنّة - ببغيهم على طائفة من أهل السنّة بغير حقّ كما سيأتيك و أنّهم تعصّبوا تعصّبا مقيتا لطائفة أخرى في الوقت نفسه , فصاروا في هذا الجانب نموذجا حزبيّا يفرح به كلّ مفسد , و بما يكفي من عاملهم بقواعدهم أن يخرجهم من زمرة السّلفيّين , و لكنّ صراط الله أفضل و لا يردّ الباطل بباطل , و توضيح ذلك أن يقال :
معلوم أنّ الفضل يتبعّض كما أنّ الإيمان يتبعّض , فيتفاضل النّاس بحسب قيامهم بما أمروا به وجوبا و استحبابا و تحريما و كراهة , و معلوم أنّ السنّة أبواب و أصول , و أنّ الرّجل أو الجماعة قد يكونون قائمين بالسّنّة على وجه مرضيّ في الجملة و في أغلب الجوانب لكنّهم يكونون في الوقت نفسه مقصّرين أو متعدّين في جانب أو جانبين , فلا يقضي خطؤهم على صوابهم و لا يحول صوابهم عائقا في طريق بيان خطئهم , و هذا الذي أنا بصدده هو من ذلك الباب بالضّبط , فإنّ الرّدّ على هؤلاء الإخوة و تخطئتهم إنّما هو في باب لا في كلّ أبواب الدّين هذا و إن أمعنوا في تبديع كلّ مخالف على أساس و معيار ظالم سيأتيك خبره , فإنّ المنصف لا يزيد مقابل معصيتهم ربّهم فيه على أن يطيع ربّه فيهم و العاقبة للمتّقين.
ثالثا :
أنّ كلّ ذي بصيرة يدرك أنّ القوم ينطلقون من نقطة جوهريّة عندهم و إن أنكروها الا و هي : نصرة أقوال بعض المشايخ في الجماعات و الرّجال , و الدّفاع عن تلك الأقوال بأيّة وسيلة , و التّعلّق في إثباتها بأيّة قشّة , و هم في ذلك بين متعصّب معاند و بين مخدوع بالمتعصّب يسايره في ما يمليه عليه ظانّا أنّه الحقّ لأسباب يطول ذكرها و مدارها على الجهل و قلّة الاطّلاع و التّشبّع اللاإرادي بالقواعد الفاسدة حتّى أنّ أذهان القوم و قلوبهم أشربت منهجا عجيبا غريبا مبناه على أنّ المصيب لا يعتريه خطأ و المخطأ لا يقع في صواب , و مثله الفضل مع الذّم و مثله التّسنّن مع البدعة , فمن وافقهم نظروا في كلامه بعيون عمياء لا تفحص و لا تبحث , و من خالفهم أعرضوا عن كلامه إعراضا تامّا , أو نظروا فيه بالمجهر و جعلوا حسنه قبيحا فكيف بقبيحه , فدخلوا – من هذا الوجه - في قول شيخ الإسلام كما في بداية كتاب التّصوّف إهـ (جزء 11 ص 12):
( ... وكثير من الناس إذا علم من الرّجل ما يحبه , أحب الرّجل مطلقًا ، وأعرض عن سيئاته، وإذا علم منه ما يبغضه؛ أبغضه مطلقا، وأعرض عن حسناته،(...) وهذا من أقوال أهل البدع والخوارج والمعتزلة والمرجئة ، وأهل السنة والجماعة يقولون ما دلّ عليه الكتاب والسنة والإجماع و هو أنّ المؤمن يستحق وعد الله و فضله الثّواب على حسناته ويستحقّ العقاب على سيّئاته و إنّ الشّخص الواحد يجتمع فيه ما يثاب عليه و ما يعاقب عليه و ما يحمد عليـه و ما يذمّ عليه و ما يحبّ منه و ما يبغض منه فهذا هذا .)
و له رحمه الله كلام كثير نفيس يقرّر فيه هذا الأصل الأصيل الذي عليه أهل السنّة و الجماعة و الذي غيّبه إخواننا هؤلاء بحجّة دفع (منهج الموازنات في النّقد ) و ليس بشيء فإنّ الموازنة بين المحاسن و المساوئ في الحكم على الرّجال و تقرير منزلتهم في الدّين منهج صحيح قويم و يخشى على من ردّه أن يكون باغيا مبتدعا و تفصيله ليس هذا موضعه و الله المستعان.
رابعا :
فصل في التّنبيه على الخلط بين الاتّفاق على القدر الأدنى و بين الإجماع على القدر الأعلى و أنّ هذا من أبطل الباطل:
وذلك أنّ إخواننا هؤلاء يصوّرون للشّباب أنّ (كلّ!) علماء السنّة في هذا العصر بل وعلى مدار الزّمن متّفقون مع من يتعصّبون لهم في مسائل الاجتهاد المتعلّقة بباب التّبديع والحكم على الجماعات , و هذا باطل و توضيحه مهمّ جدّا يجفّ بسدّ ثغرته واد كبير من أودية الغلو , فتأمّله ترشد و تهتد :
و ذلك أنّ المعيّن محل النّزاع تكون له أخطاء أو بدع و ضلالات , فيتكلّم فيه لأجلها خلق كثير من الأفاضل و العلماء , فمنهم من يبدّعه و منهم من يشنّع عليه في بدعته و لا يحكم عليه بالبدعة , و منهم من يراه جاهلا و منهم من يبحث لفعله أو قوله عن محمل ما و منهم من قد يشدّد فيكفّره أو يكاد و منهم من يتساهل فيعدّه إماما و لا شيء عليه مع اعترافه بأنّه أخطأ في تلك المسألة و منهم من يقول تراجع و منهم من ينازع في كون مقالته دالّة على البدعة أو أنّها مجملة فيذمّه في إجماله و لا يحكم عليه بشيء .
فتصرّفُ هؤلاء المذكورين في هذا المثال , ليس على صورة واحدة كما ترى , فهم اختلفوا في أشياء و اتّفقوا في شيء و هو القدر الأدنى المشترك بينهم جميعا أو بين أكثرهم و هو مثلا :
- إثبات وقوع المحكوم عليه في البدعة أو الخطأ.
- أو إثبات ذمّه و إنزاله عن منزلة الإمامة في الدّين .
فيأتي متعصّب لمن كفّره , فيظنّ كلامهم إجماعا على قول متبوعه و يجعله ملزما لمن خالفه كإلزام الإجماع تماما , و يعامل من خالفه بمعاملة من خالف نصّا أو إجماعا متيقّنا , و الحقّ أنّ هؤلاء الأفاضل ما اتّفقوا في هذه الصّورة على الوجه الذي يفهمه المتعصّب وبيانه :
أنّهم إذا كانوا اتّفقوا على تخطئته فإنّ شيخك كفّره ( أو بدّعه ) و التّخطئة غير التّكفير والتّبديع .
و إذا كانوا اتّفقوا على ذمّه فإنّ الذّمّ درجات فمنه تكفير و منه تبديع و منه تفسيق و منه تجهيل, فإنْ كنت تتعصّب لمن كفّره مثلا فهل من الصّدق أن تقول : أجمع هؤلاء العلماء على ما قال به شيخي ؟ و كذلك التّفسيق و غيره .
و ما قيل في درجات الذّمّ يقال في درجات التّبديع و التّفسيق من جهة الاختلاف والتّفاوت .
و ما قيل في الفرد المعيّن يقال في الجماعات .
و ما قيل في هذه المسألة يقال في غيرها .
و هذا مرجعه إلى مباحث الإجماع و دلالات الألفاظ و المعاني , حيث يتوهّم بعض النّاس إطباق المشايخ على قول و هم في الحقيقة مشتركون في قدر و مختلفين في ما زاد عن ذلك القدر الذي ينصره المتوهّــم , و التّنبّه لهذا الأمر مهمّ في ما نحن بصدده جدّا , و هو أنّ ما دلّ على القدر المشترك بين هؤلاء المختلفين , ليس فيه دليلا على ما اختصّ به كلّ واحد منهم زائدا به على غيره فكيف بزعم الإجماع و الله المستعان .
و من هذا الباب دخل التّعصّب و أُدخل الباطل على كثير من الشّباب فإنّ العلماء قد يتّفقون على ذمّ شخص و لكنّهم يختلفون في وجه ذلك الذّمّ و درجته , فيأتي من يدّعي نسبته إلى الجهم بن صفوان بأقوال من ردّوا مقالة كفريّة جَهميّة للمحكوم عليه و يضمّها إلى صوت من حكم عليه بالجهميّة الصّريحة على أنّها موافقة مطلقة !!! فيلتبس الأمر على المتلقّي الغارق في العاطفة و حسن الظنّ فيرمي من خالف رأي شيخه بأنّه خالف إجماع العلماء افتراء على الحقّ و طلبته و أهله , و يضيع الحق و معه حقوق كثيرة أوّلها حقّ العلماء في عدم تحريف أقوالهم و عدم التّقوّل عليهم و حقّ طلبة العلم في أن يعانُوا و لا يُهانوا , و حقّ الأخوّة الإيمانيّة الثّابتة التي لا يحرّكها اختلاف في اجتهاد و غير ذلك ممّا تتفطّر له القلوب كثير و لا حول و لا قوّة إلاّ بالله .
و في واقع إخواننا و تعاملاتهم يظهر هذا المعلم المظلم جليّا لا يحتاج إلى مزيد توضيح وقد ذكرته ها هنا لأنّي سأُحيلك عليه في ما بقي من المناقشة و الله الموفّق لا إله إلّا هو .
خامسا :
أنّ إخواننا هؤلاء و حيث تعصّبوا لكلام بعض الأفاضل فإنّه عسُرَ عليهم التّسليم لمن خالفهم , و زاد الأمر تعقيدا في نفوسهم أن جعلوا موضع النّزاع ليس هو تبرئة الحويني (كما هنا) و لكنّهم جعلوا موضع النّزاع هو انتقاص من بدّع الحويني أو غيره , و لذلك تراهم ينهالون بتعليقات الثّناء على المشايخ بمجرّد تنزيل موضوع في ذمّ هذا أو ذاك و كأنّ ثمّة خصومة دنيوية لا علميّة , و هذا من الجهل و التّعصّب و الحيدة عن مواطن الخلاف والقفز إلى اصطناع خلاف غير موجود أصلا , و ذلك أنّنا لا نخالفهم في فضل كثير ممّن يتعصّبون لهم و لكنّنا بحمد الله ننظر نظرة سلفيّة لا نظرة صوفيّة , فنقبل الحقّ ممّن جاء به و نرد الباطل ممّن صدر منه , و لا يلزم من قبول الحقّ تعظيم قائله و لا يلزم من ردّ الباطل انتقاص قائله , و هذا هو منهج أهل السنّة قاطبة و عليه نسير , و من زعم أنّ الأمر غير هذا فعليه البيّنة و أنّى له .
سادسا : أنّ الشّيخ أبا إسحاق الحويني سلّمه الله قد ثبتت له منزلة الفضل مستفيضةً في هذه الأمّة بما لا ينكره إلا مجحف , وقد ذُكِر ذلك قديما على لسان الشّيخ الألباني في أكثر من موضع , ثمّ جاءت فتنة الغلوّ في التّجريح , فأصابته سهام القوم الذين هم بين باغ ومجتهد مأجور و إنّما الوقفة هذه مع البغاة الذين جنوا على الرّجل و على كثير من أهل الفضل بقواعد هشّة لا يعرفها أهل الحقّ و لا يقرّونها . مع نقض عُرى الباطل التي يعتمدون عليها من مقالات الرّجال كائنا قائلها من كان فإنّه لا تنافي بين التّوقير و التّعقّب و الله تعالى أحقّ بالارضاء و التّعظيم .
و قد أثبتت السّنون لكلّ ذي عينين أنّ هذا الرّجل الذي نجادلهم فيه بحقّ -إن شاء الله تعالى- سلفيّ مصلح لا خلفيّ مفسد , و لو كان كما يقولون لما طال عمرُ فتنته و لما استمرّت فصول (كذبته) فإنّه كما قال بعض السّلف :
(لو همّ رجل أن يكذب على النّبي الكريم في البحر تحدّث النّاس في البر أنّ فلانا كذّاب ) و لم نسمع الشّيخ يوما يكفّر أهل المعاصي أو يطالب بالخروج على أولياء الأمور أو يعرّض بذلك , و لا رأينا منه تحريضا و لا رأى منه ذلك من يتابع دروسه من المنصفين والعقلاء .
ثمّ شاء الله تعالى أن يخرج الشّيخ بدعوته المباركة على شاشات بعض الفضائيّات , فعادت إليه ألسنة الشّباب الجرّاحين تطلب عرضه و تروم هدمه , آخذة في ذلك بالأقوال التي مرّت عليها سنين يتذكّر فيها المتذكّر , و يتّعظ فيها المتّعظ , و يظهر فيها المخبوء , و الرّجل ثابت لا يتزعزع كما أسلفت لك .
ثمّ سئل عنه الشّيخ الفاضل المحدّث أبو عبيدة مشهور حسن سلمان , فزكّاه و أشهَدَ اللهَ على ما يقول , و صرّح أنّه من الرّاسخين في الحديث الدّاعين إلى التّصفية و التّربية , مشيرا إلى آثار خروجه على بعض القنوات , و ظهور تلك الآثار الطيّبة على العوام فضلا على المتسنّنين , و طالب الشّيخ من يلمز في الحويني أن يأتي بالبرهان و الدّليل , و أن يتّق الله ربّه .
و هذا عليه عدّة من مشايخنا الأفاضل في الجزائر و في غيرها , و قد وضع الله تعالى له القبول في كثير من طبقات النّاس , حتّى واللهِ لقد صار كثير من العوام يحذّرون بعضهم بعضا من الأحاديث الضّعيفة و الموضوعة ويعرفون شرك الدّعاء و حرمة الاستغاثة بالصّالحين و الأولياء , و أنّ العبادة يجب أن تصرف خالصة لربّ السّماء , ولا عجب , فإنّ الشّيخ حفظه الله كاد الّا يترك بابا من أبواب الدّين إلا و نبّه عليه , فردّ على الصّوفيّة و ردّ على العقلانيّين و ردّ على أكثر المخالفين في مصر و غيرها , بطريقة يفرح بها كلّ محبّ للسنّة و يكفي أن يزحف بجحافل السنّة و حجج أهل الحديث على الرّوافض الذين يسبّون الصّحابة في مصر , فيفحمهم , و على النّصارى فيفضحهم و على المتصوّفة فلا يبقي لهم قشّة يتعلّقون بها , و يكفي أنّه حفظه الله قد أخرج الله به كثيرا ممّن يملكون صحونا لاقطة , أخرجهم من فتن قنوات الشّعوذة و الدّجل و الغناء و الأفلام السّاقطة إلى رياض السنّة الزّاهرة , و سحائبها الماطرة , فهل من معترف بالفضل لأهل الفضل يا أهل الفضل الذين بغوا على إخوانهم .
و هل من العدل أن تخرجوا علينا تصرخون أنّ الرّجل ليس معه إلا القصص و الكلام السّياسي! و أنّه لا يدعو لتوحيد و لا لسنّة و لا لتصفية و لا لتربية , بل و اتّهمتموه أنّه يجعل التّوحيد أربع أقسام , و أنّه يجعل الألوهيّة هي الحكم , و أنّه يجعل لا إله إلا الله بمعنى ( لا حاكم إلا الله) و أنّكم ما رأيتم منه خيرا قط , أفلا تتّقون ؟
و إذا كان أغلبكم أو كلكم لا يتابعون القنوات و لا لمن يتابع هذه القنوات (لأنّ هذا عندكم من الحزبيّة و الضّلال مطلقا !!) , فكيف تجعلون عدم العلم بجهود الشّيخ علما بعدم جهوده ؟ و عدم العلم ليس علما بالعدم كما هي القاعدة المعلومة ؟
و أمّا نحن : فلا ندّعي له و لا لغيره العصمة و لا السلامة من الخطأ و الزّلل , و لكنّنا نرى أنّكم بخستموه حقّه , بل و بخستم السنّة حقّها فإنّه قد علم أنّ النّظر إلى المصالح و المفاسد و الإنصاف في الحكم و اعتبار المآلات , هذا كلّه حاكم على الأمور الاجتهادية التي منها الحكم على الأعيان و خاصة الذين من هذا النّوع .
و لو أنّكم فصّلتم في الحكم لكان وقع ظلمكم أخفّ , و لو أنّكم لم توالوا و تعادوا على ذلك الحكم لكان أخفّ و أخفّ , لكنكم -والله المستعان- قد أجملتم في موضع التّفصيل وأطلقتم في موضع التّقييد , و قلتم ما ليس لكم عليه غير مشتبهات محتملات , و ممّن يقرأ هذه الورقات أناس يشاهدون الحويني على القنوات فنسألهم : بالله عليكم : هل سمعتم الرّجل يقول إنّ توحيد الألوهيّة هو توحيد الحكم , أو أنّ الخروج على ولاة الأمور جائز أو مختلف فيه , أو أنّ حكّام الأرض جميعا كفرة ؟؟ !!!
فأمّا الحجج التي يزعم إخواننا أنّها معهم فأبشر بانهيارها عمّا قريب , و أمّا أنّ رجلا له خمسين عاما يخطب و يتكلّم , و ينقّب المتربّصون له عن زلّة أو هفوة و يجدونها , فهذا ممكن بل أكيد , و أمّا زعمهم أنّها دليل على منهج يسلكه فهذا قول مضحك مبك سيأتيك خبره
فتعيّن أن أجيبك – أخي المستنصح – إلى الدّفاع عن الرّجل منطلقا من مناقشة بعض أصول من تعصّب على تبديعه من إخواننا وذلك من خلال ما كتبه الأستاذ خالد المصري وفّقه الله ثـــمّ احتجّ به بعض الشّباب ظانّين أنّهم جاؤوا بمليئ , لننصح و نستنصح , و نبحث عن الحقّ فيما اختلف فيه الخلق , و ها هنا تنبيه مهــم :
قد وددت - و الله - ألا أذكر اسما و لا رسما , و لكنّ ما لا يتحقّق المطلوب إلا بذكره فلا محيد عليه .
و هذه الشّبكة التي ينشر فيها القوم وددت أيضا ألا أذكرها و لكنّ الأمر لازم إلا ألّا أتكلّم أصلا فذكرتها, وأنا إذ أنتقد على إخواني الشّباب مسلكهم في الجرح و التّبديع و التّقليد الشّنيع إلا أنّني أقول :
قد رأيت بعض الطيّبين من الأعضاء ينقلون من تلك الشّبكة فلعلّه يحسن أن أقول لهم :
أولا : لا يضير أن تنقلوا بل و أن تسجّلوا هناك و تستفيدوا من هذه الشّبكة في ما يتعلّق بالعلم النّافع و الذي لا تخلو منه و المنع المطلق مذهبهم لا مذهب أهل السنّة و إن نسبوه هم إليهم.
ثانيا : أمّا بخصوص الغيبة و النّميمة و الطّعن في السّلفيّين الدّعاة إلى الله , فهذه هي البقعة السّوداء على تلك الشّبكة فاحذروها و خاصّة من هو جديد في الالتزام و لا يزال على الفطرة لم يدخل عليه داخل الغلو , و والله قد رأيت من اهتدى إلى السنة بسبب الحويني ومحمّد حسّان , و غيرهما , ثمّ وقع في أيدي هؤلاء الإخوة سامحهم الله , فصار اليوم يسمّي الحويني بالضّال المضل , بل و يحذّر أمّه من مشاهدته!! و هذا من فوائد الإطلاق عند القوم و إلّا فماذا يخشى على عجوز طاعنة أن تفعل بها قطبيّة! الحويني, أو حزبيّة! محمّد حسّان ! و يخلق الله ما يشاء و لا حول و لا قوّة إلا بالله .
هذه كلمات بين يدي المقال , و قد أزف الابتداء في مناقشة من تعصّب للرّجال , و هذه الوقفة الأولى في ذمّ استعماله و إخوانه هداهم الله , للتّبديع بالأوصاف الغامضة المجملة , وهي الحلقة الأولى و تأتي بعدها حلقات أسأل الله أن يعين على تمامها , و أن ينفع بها من كتبها و من قرأها وأن يهدينا جميعا سواء السّبيل , و قد سمّيت هذه الوقفات : كشف التّعصّب و المين والكيل بمكيالين حوار مع صاحب ورقات ( الأصول التي خالف فيها الحويني أهل السّنّة ) و الله الموفّق لا إله غيره .
الحلقة الأولى :
الأستاذ يستعمل ألفاظا مجملة غير محرّرة و يعلّق عليها ذمّا شرعيّا و اقعا على معيّن بلا دليل :
قال وفّقه الله إلى العدل :
...أما بعد؛ فإن المخالفات الكبرى عند الحويني والتي خالف بها أصول أهل السنة، ووافق فيها الخوارج من القطبيين السروريين تنحصر فيما يلي :...
قوله : ( المخالفات الكبرى... ) وصف مجمل يحتمل أحد معنيين أو كليهما , من جهة كبر هذه المخالفات : نسبيّ ( إلى صاحبها ) و حقيقي , فيقال هلّا بيّنت لنا مقصودك :
أهي كبرى بمعنى أنّها أكبر ما وجد عند الحويني من مخالفات , أم أنّها كبرى بالنّسبة لأصول أهل السنّة و عقيدتهم التي تميّزوا بها عن أهل البدعة و الضّلالة .
و الظّاهر أنّ كلّا من الأمرين مقصود :
فالمعنى الأوّل : دليله الحكم عليه بأنّه مبتدع , و لا يكون الرّجل مبتدعا إلا بمخالفته للسنّة في أصل عظيم , أو بما يرقى إلى درجته بمجموعه من الفروع و الجزئيّات كما هو معلوم .
و المعنى الثّاني : دليله ذكر انحصار ما أخذ على الرّجل في ما ساقه و لا شكّ أنّ متخصّصا حاذقا !! مثلك , لا يمكن أن يذكر الهنات عند تبديع صاحب (كبرى المخالفات) في مقام تفصيل و احتجاج على أمر عظيم و هو الطّعن في دين حامل دين داعية إلى الله كالحويني .
قوله ( .... ووافق فيها الخوارج من القطبيين السروريين...)
أقول : هذه بداية مبكّرة في الانحراف عن قواعد أهل السنّة و أصولهم التي يزعم الأستاذ المنافحة عنها , و هو بذلك قد وافق سمتا عامّا تتميّز به ألفاظ أهل البدع كما سترى :
طريقة أهل السنّة و موقفهم من استعمال الألفاظ المجملة و محلّ الأستاذ الجارح منها :
و ذلك أنّ أهل السنّة و الجماعة و حيث كانوا أعلم النّاس بالحق و أرحمهم بالخلق فإنّهم يتخيّرون من العبارات أبعدها عن الإجمال و أسلمها من الاحتمال , و أوضحها في المقال هذا دأبهم العام في كلّ شؤونهم و مواقفهم , فكيف بأمر متعلّق بأعراض المسلمين , فكيف بأسماءَ يعلّق عليها المتكلّم ذمّا شرعيّا منسوبا إلى الله و رسوله ؟ و يجعلها قسما مندرجا تحت بدعة كبرى و هي بدعة الخروج ؟
أهكذا يكون عَرض أهل السنّة للعلم , و حالهم في الكلام عن خصومهم ؟, التّصنيف بالظنّ و الجرح بالاحتمالات و القذف بالألفاظ المجملات ! و أين هذا التّصرّف الغامض من قول شيخ الإسلام رحمه الله في شرح حديث الافتراق :
(وما تنازع فيه الناس من مسائل الصفات والقدر والوعيد والأسماء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك يردونه (يعني أهل السنّة) إلى الله ورسوله، ويفسرون الألفاظ المجملة التي تنازع فيها أهل التفرق والاختلاف، فما كان من معانيها موافقًا للكتاب والسنة أثبتوه، وما كان منها مخالفًا للكتاب والسنة أبطلوه، ولا يتبعون الظن وما تهوى الأنفس، فإن اتباع الظن جهل، و اتباع هوى النفس بغير هدى من الله ظلم. وجماع الشر الجهل والظلم ، قال الله تعالى: {وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} إلى آخر السورة [الأحزاب: 72، 73]. وذكر التوبة لعلمه سبحانه وتعالى أنه لابد لكل إنسان من أن يكون فيه جهل وظلم، ثم يتوب الله على من يشاء، فلا يزال العبد المؤمن دائمًا يتبين له من الحق ما كان جاهلًا به، و يرجع عن عمل كان ظالمًا فيه) مجموع الفتاوى الجزء 3 ص213
فهل أجمع أهل السنّة أنّها توجد فرقة جديدة إسمها السّروريّة و أدرجوها تحت الأصل البدعي الأكبر الذي هو الخروج ؟ , لأنّهم إذا كانوا قد أجمعوا على ذلك , فلا شكّ أنّهم بيّنوا رحمهم الله أصول هذه الفرقة و مقالاتها و مميّزاتها , سواءً ما لحقت من أجله بالخوارج أو ما تميّزت به عن باقي فرقهم كالحروريّة و الأزارقة و غيرهم و هذا هو محلّ الخلل في كلام الطّاعن كما سيأتي .
فإن كان الأمر كذلك فإنّ على المتكلّم أن يبيّن للنّاس أين وقع هذا في فتاواهم رحمهم الله ثمّ بعد ذلك يأتي بدعواه أنّ فلانا من هؤلاء لكي يحسن له الاحتجاج إذا احتج , و يحسن للنّاس النّظر في أقواله المجرّدة التي يبقى أبناؤها أدعياء إلى حين إثبات البيّنات عليها , و هذا لكي لا يكون ممّن يتكلّم في الشّرع و في أعراض حملة الشّرع بالألفاظ المجملة فيلحق –من هذا الوجه - بمن ذمّهم شيخ الإسلام في النّقل السّابق .
و توضيحه :
أنّ الحكم على فلان بأنّه سروري مفتقر إلى مقدّمات أهمّها : معرفة من هم السّروريّة معرفة جليّة واضحة لا يعتريها وهم أو اضطراب , معرفة أصولهم , معرفة أصول المحكوم عليه , ثمّ النّظر في هذه الأصول هل هي فعلا أصول القوم أم لا , فإن ثبت ذلك أو بعضه نُظر في ما يسمّى بضوابط الحكم على المعيّن من قيام حجّة و انتفاء الموانع و توفّر الشّروط مع استصحاب القاعدة الكبرى التي غفل عنها الأستاذ و هي أنّه ( ليس كلّ من وقع في الكفر كافرا و لا كلّ من وقع في البدعة مبتدعا ) و لا كلّ من وقع في السّروريّة !سروريّا
فأين هذا كلّه في دعوى الأستاذ الجارح و في فقه من نقل عنه من المقلّدين ؟
و أعلم بارك الله فيك , أنّ هذا اللّعب بعقول النّاس و التّهاون في باب عظيم من أبواب الدّين , هذا كلّه منطلق من اطمئنان مغشوش إلى موافقة طبقة شاذّة من الشّباب الغافل كما هو حال النّاقل المنافح المقلّد , و عليه يقال لهذا الجارح : ليس النّاس سواء , و إذا كان هؤلاء قد وافقوك على النّقير و القطمير لجهل أو قصور أو تقليد و غفلة , فإنّ سواد أهل السنّة و الجماعة مازالوا بحمد الله مستمسكين بالدّليل و البرهان , متّبعين للنّصوص التي منها (( يا أيّها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبيّنوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)) و منها ( لو أعطي النّاس بدعواهم لادّعى قوم دماء قوم و أموالهم, و لكن البيّنة على المدّعي ..) فهات على ما زعمت البرهان و الدّليل و أثبت العرش ثمّ انقش , و اعلم أنّ عهد تنزيل كلام بعض الكبار منزلة الوحي قد ولّى فكيف بكلام الصّغار ؟!
و قد بنيت أنت تبديعك للحويني على مخالفة أهل السنّة و علمائهم , فها أنا أسوق لك شيئا غير قليل ممّا تمتّعت به طليعة تقريرك فغدت غير ممتّعة , لأنّ أهل السنّة كما أنّ لهم أصولهم في معاملة فاعل الكبيرة و معاملة الحكّام , فكذلك لهم أصولهم في الرّد على المبتدعة و على سائر المخالفين , فإن كان يحرم مخالفتهم في الأولى كما تزعم أنّ الحويني قد فعل , فكذلك يحرم مخالفتهم في الثّانية كما سأبيّن وقوعه من فضيلتك ثمّ أسألك بعد ذلك عن حكمك إذ خالفت هذه الأصول و تلك الفتاوى , و أسأل الله تعالى أن يجنّبنا سبيل الذين يقولون ما لا يعلمون فأقول :
أمّا السّروريّة بوصفها حزبا مباينا لسبيل المؤمنين , فموجودة و هي ثلّة من المتحزّبين حسيّا و معنويّا مع المسمّى محمّد سرور الموجود في ديار الكفر , و لها أفكار منحرفة تلبسها ثوب ما يسمّى بالمعارضة السّياسيّة , و تنشرها في مجلّة إسمها (السنّة) و غيرها , و قد ردّ عليهم أهل العلم و بيّنوا حالهم منذ القديم بما لا يحتاج لإعادته هنا , و إنّما المقصود أنّه إذا كانت نسبتهم إلى الخوارج مستساغة بما شاع عنهم من التّحريض على الخروج على ولاة الأمر و ما شابه ذلك , فإنّ جعلهم فرقة جديدة من تلك الفرق نفسه فيه نظر , فكيف بتعليق الذّمّ الشّرعي عليها و إلصاقه بالدّعاة تبديعا و تشنيعا و المتلقّون أكثرهم لا يدرك لا حقيقة السّروريّة و لا ضابط نسبة النّاس إليها , وأنّى له أن يدرك ذلك و العلماء – كما قلت لك – لم يتكلّموا به و لا صنّفوا النّاس على أساسه , فمثل هذه الألفاظ المجملة لا يجوز أن يتعامل بها في مقام الحكم على الأعيان لأنّه إذا كان الحويني هذا يكفّر بالكبيرة ( أو بالإصرار عليها) و يقول بالخروج فإنّه – و العياذ بالله – يلحق بالخوارج لا بالسّروريّة , فلو صحّت دعوى الطّاعن فيه لكانت أدلّته محقّقة لشطر دعواه و بقي الشّطر الآخر كاذبا إذ كلامه متكوّن من شقّين :
الأول : أنّ الحويني من الخوارج .
الثّاني : أنّه من السّروريّة .
( هذا مع اضطرابه – كما ترى - فتارة يزيد عليها القطبيّة كما في أوّل التّقرير و تارة يزيد عليها نسبته إلى النّجدات , و الله أعلم منْ من الثّلاثة سيظفر بهذا المحدّث المصريّ الفحل , أهو محمّد سرور أو سيّد قطب رحمه الله أو نجدة ابن عامر ؟)
و أنا أناقشه في السّروريّة لأبيّن لك وجه الاضطراب في حكمه و ما قيل فيها يقال في صويحباتها من (حزبي) (قطبي ) (مميّع) ..و العاقل يكفيه المرويّ عن المطويّ كما هو معلوم .
أقول : فلو ثبت أن الحويني يكفّر بالكبيرة و يرى السّيف لكان خارجيّا و هذا إثبات الرّكن الأوّل و ستأتي مناقشته في حلقة مستقلّة بإذن الله تعالى .
فبقي الرّكن الثّاني : و هو السّروريّة و هو ما لم يقم عليه أيّ دليل ممّا يجعل النّاظر غير العارف بمنهج القوم يرميه بالكذب و البهتان و لكنّ الحق أنّ الخلل الذي دفعه إلى ذلك الإجمال مرجعه إلى أحد أمرين أو كليهما :
الأوّل : التّهاون في إطلاق الأوصاف الذّميمة المجملة على المخالفين مع الافتقار إلى التّقوى و الورع , و الرّغبة في ترك مساحة للتّخرّص و التّفلّت عند المحاققة كما حدث لأبي عمر العتيبي في مناظرته مع الأستاذ الفاضل عادل المرشدي على موقع الكاشف .
الثّاني : الجهل بحقيقة السّروريّة و أنّها بهذا التّعبير ليست بعقيدة قسيمة لعقائد الفرق الضالة و إن كانت قسما داخلا تحتها باعتبار الخروج و السّيف و الذي يعتبر القاسم المشترك بين فرق الخوارج و المعلم الرّئيس المرشد إليهم .
و الحق فيما يظهر و الله أعلم : أنّ تسميتهم بالسّروريّة نسبة إلى زعيمهم محمّد سرور -هداه الله - لا باعتبار عقدي و لكن باعتبار التّحزّب الحسّي و المعنوي على هذا الرّجل و الذي يظهر إمّا بالانتماء الصّريح إلى حزبه أو بتمجيد أهدافه و المنافحة عنها و المناظرة عليها أو ما يساوي ذلك من الأفعال التي لا يعتريها إجمال و لا احتمال ممّا يدلّ دلالة قاطعة أو غالبة على الأقل على انتماء (المجروح) إلى ذلك الرّجل , أي : انتماء سياسيّا ( إلى حزبه) وليس انتماءً (شرعيّا) إلى عقيدته كما يصوّره فرسان الجرح الجدد لأجل التّوسّع في الجناية و الله المستعان .
و الدّليل القاطع على ذلك – كما قلت لك – إعراضُ كبار أئمّة المسلمين عن التّعاطي بهذه الطّريقة حتّى مع من تأثّروا بأفكار الرّجل في فترة ما كالشيخين سلمان و سفر , و اقرأ فتوى اللجنة الدّائمة بتاريخ : ( 03-04- 1414هـ ) في إيقافهم , و اقرأ فتواها الثّانية بتاريخ ( 10-4-1414)و التي فيها تبرئتهم من منهج الخوارج , ترى عجبا من الفرق بين تصـرّف العلماء الرّبّانيّين و بين تصرّف ( الشّباب المتهوّرين المتسرّعين في التّبديع )
و قد ذكر الشّيخ مقبل في بعض أجوبته أنّ ممّن تأثّر بمحمد سرور ( الدكتور سفر الحوالي) مع إشارته أنّ فيه أملا كبيرا للتّخلّص من ذاك (التّأثّر) لو خالط بعض الصّالحين , و أشار الشّيخ ابن باز و إخوانه العلماء –كما مرّ ذكره- بإيقافه و أخيه عن التّدريس في زمن ما , و مع ذلك لم ينسبوهم لا لسرور و لا للخوارج بل نفوا عنهم ذلك عنه و برّؤوهم منه , فإن كان من تأثّر بهم عند هؤلاء الكبار لا ينسب إليهم فكيف بمن لا يستطيع الأستاذ سامحه الله , أن يأتي بقشّة من أدلّة الارتباط بينه و بينهم كما ترى في تقريره محلّ النّقد , و لاحظ –زادك الله بصيرة – أنّه لم يأت بدليل واحد على سّروريّة الحويني خلا ما لهج به من قوله أنّ الحويني يزورهم !!! وما يشبه ذلك من أدلّة الطّيش التي سيأتيك بيانها , و حسبك الآن أن تعلم بما يلي :
إطلاق الأوصاف المجملة ( الأدْخل في التّلبيس) علامة "مسجّلة" لغلاة التّــجريح :
إنّ هذه عادة و سمة يعرف بها هؤلاء الإخوة الجرّاحون أعني إطلاق أوصاف مجملة في التّبديع و التّشنيع مع جرأة عجيبة على منهج السّلف في تجنّب هذا المسلك كما نقلت لك كلام شيخ الإسلام قريبا , ثمّ جرأة أعجب منها على نسبة تصرّفهم هذا إلى السّلف وجعل كلمة ( حزبي ) تساوي ( مبتدع) تماما كجهمي أو مرجئي أو معتزلي , و هذا الذي يفعلونه في الحقيقة ما هو إلا مسلك من مسالك أهل البدع التي اتّخذوها مطيّة لتحريف الدّين و جحد آيات ربّ العالمين و لذلك فإنّ الأستاذ خالد بن عبد الرحمن نفسه لو طالبته بضابط محرّر مجمع عليه للحزبيّة أو للسّروريّة لما وجدت عنده إلا سرابا و هذا السّراب الذي يحسبه الأتباع ماء هو الذي تنفق به بضاعة التّبديع التي يروّجها الغلاة و لذلك تحدّى أذكاهم أن يأتيك بنقل عن الألباني أو ابن باز أو ابن عثيمين أو صالح آل الشّيخ أو صالح الفوزان أو سماحة المفتي أو الشّيخ العبيكان أو اللحيدان أو الرّاجحي, علّقوا فيه الذّمّ الشّرعي الواقع على معيّن بهذه الأوصاف .فإن أتاك بكلام عامّ فيه ذكر هذه الألفاظ فقل له :
أوّلا : لسنا ننفي ورود الكلمة في استعمالاتهم نفيا مطلقا و لا نحن ننفي أنّ لها معنى و استعمال غير ما تعنيه و ما تستعمله أنت , فلا وجه لأن تأتينا بهذا و إنّما ننفي استعمالهم لها على وجه مطّرد في التّبديع و الذّمّ الشّرعي للأعيان كاستعمالهم لجهمي أو معتزلي أو رافضي , فهل تأتينا بنقل واحد عن هؤلاء فيه : فلان سروري ؟
و مادام الشّيخ الألباني و الإمامين لم يستعملوها في حقّ سفر و سلمان مع ما وقع منهم , فكيف تأتي أنت و تستعملها في حقّ غيرهما بإطلاق مريب و إبهام عجيب و هل هذا إلّا من جنس فعل من قال عنهم شيخ الإسلام و غيره في كثير من المواضع أنّهم يميلون إلى الألفاظ المجملة المبتدعة بدل الألفاظ الشّرعيّة المنصوص عليها ( أو التي أجمعت عليها الأمّة ممّا لا يعتريه إجمال و لا غموض) كما في منهاج السنّة النّبويّة (الجزء الأوّل ص 279) حيث قال
رحمه الله :
( والمقصود هنا أنهم (يعني أهل البدع) أفسدوا الأدلة السمعية بما أدخلوه فيها من القرمطة وتحريف الكلم عن مواضعه كما أفسدوا الأدلة العقلية بما أدخلوه فيها من السفسطة وقلب الحقائق المعقولة عما هي عليه وتغيير فطرة الله التي فطر الناس عليها ولهذا يستعملون الألفاظ المجملة والمتشابهة لأنها أدخل في التلبيس والتمويه مثل لفظ التأثير والاستناد ...) اهـ
فإن قال الأستاذ أو من معه : إنّ شيخ الإسلام هنا يتكلّم عن إجمال أهل البدع الذي يقصد منه إفساد الأدلّة السّمعية و العقليّة في باب العقائد و ليس الكلام متعلّقا بباب الكلام عن النّاس ( أو عن المبتدعة) فالجواب من وجوه :
أوّلا : هذا الحصر باطل بنصّ كلام الإمام نفسه فإنّه تكلّم في السّياق نفسه كما في النّقل السّابق عن موقف أهل السنّة: (... من مسائل الصفات والقدر والوعيد والأسماء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك يردونه إلى الله ورسوله ، ويفسرون الألفاظ المجملة التي تنازع فيها أهل التفرق و الاختلاف..)
أقول : فإن لم ينتف الحصر المزعوم بالإطلاق في قوله (الأسماء) انتفى بما عطف عليها من قوله ( ..و الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر) إذ لا شكّ أن الرّدّ على المخالفين داخل تحت هذا الأصل فتأمّل .
ثانيا : شيخ الإسلام و مثله كلّ أهل العلم و الفضل يذمّون الإجمال ذمّا مطلقا و خاصّة في موضع التّفصيل , لأنّ المتلبّس به عن قصد لا يُعمله في باب من أبواب الدّين إلا أفسد و لم يصلح و ليس ذلك مقتصرا على موضع دون موضع .
ثالثا : أنّكم بلا شكّ تقرّون شيخ الإسلام و إخوانه العلماء على ذمّ الإجمال في الكلام عن الأسماء و الصّفات , و المباحث العقدية فيقال لكم : أليس الكلام في تلكم المسائل قول على الله تعالى , فإن قلتم نعم , قيل لكم : و الكلام عن عباد الله , أليس مرجعه إلى التّبليغ عنه عزّ و جلّ بأنّ فلانا مذموم شرعا ؟ , فكيف يكون الإجمال ممقوتا هناك و لا يكون ممقوتا هنا , و ما هو الدّليل الذي فرّقتم به بين الموضعين ؟
و لذلك أيضا قال الشّيخ الألباني الذي يزعم الأستاذ و من معه أنّهم على منهجه :
( سرور ) كشخص (....) تلك المجلة لم نطلع على منهجه وعقيدته بقدر ما اطلعنا على دعوته السياسية ولذلك فلا يـجوز أن ننسب إخواننا هؤلاء الذين يشتركون معنا في الدعوة إلى الكتاب والسنة والتوحيد ومحاربة البدع ، هذا الجانب لا نعرفه من سرور ، فلو كان العكس لكان أقرب ، لو نُسِب سرور إلى هؤلاء كان مقبولاً ، لأن سرور ما نعرف عنه شيئاً من هذا العلم الذي نعرفه عن هؤلاء ، ولذلك فأنا أنصح إخواننا هؤلاء الذين يتسرعون في نسبة من هم معنا في الدعوة السلفية ... إلى شخص لا نعرف ما هي حقيقة دعوته ... هؤلاء إخواننا الذين يتهمون هؤلاء الإخوان السلفيين بأنهم ( سروريون ) نقول لهم : هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ، أولاً سوف لا يستطيعــون أن يقدموا دعــوة (سرور) ما هي ؟ فإذاً هم يتهمون هؤلاء الذين عُرِفوا بدعوتهم بدعوة إنسان لم يُعرف دعوته منه ما هي ، تشملهم تلك النصوص التي ذكرتُ آنفاً من القرآن ، ثم يأتي أخيراً قوله عليه الصلاة والسلام : (كفى المرء كذباً أن يـحدث بكل ما سمع) ، ولذلك فأنا أذكر كل إخواننا السلفيين في كل بلد الدنيا الذين هم معنا على أصول الدعوة السلفية وفروعها ومنها : ألا ننقل خبراً إلا بعد أن نتثبت منه ، اتهام هؤلاء بأنهم (سروريون ) هذا خطأ بيِّن وواضح ، وما هو مفرق للصف فلا يـجوز . (تسجيل صوتي متوفّر)
فأشار رحمه الله تعالى إلى أنّ السروريّة أكثر تميّزها هو تميّز سياسيّ لا عقدي و أشار إلى أنّها من ناحية العقيدة جماعة غامضة لا تعرف فصار هذا علّة في عدم جواز أن ينسب النّاس إليها لأنّ من فعل ذلك فهو معرّض للوقوع في الكذب كما قال رحمه الله تعالى وليست القضيّة كما قد يقول بعض المعترضين أنّ الشّيخ لم يكن أدرك أخطائهم بعدُ , فإنّ السّياق لا يساعد , هذا أوّلا و ثانيا , الشّيخ وجدنا له كلاما في هؤلاء حتّى بعد أن قال فيهم ما يسمّيه بعض إخواننا تراجعا أي (بعد أن أدرك أخطائهم), و مع ذلك لم ينسبهم لهذا الأصل البدعي (المبتدع ) من طرف الغلاة , و هذا من عدل أهل العلم و السنّة , نعم نردّ ظلم من ظلمنا و نردّ على من أخطأ كائنا من كان و ما كان , و لكنّنا نردّ بحقّ لا بباطل و بوضوح لا بغموض , و تخبّط الأستاذ أسامة العتيبي و تناقض جوابه مع حاله و حال غيره ممّا سبق ذكره هو أعظم دليل على أنّ مفهوم هذا الأمر لا يزال غامضا إلى اليوم فدلّ على استمرار ذمّ هذا المسلك المجحف و بُعده عن طريقة العلماء .
فهل فقه الأستاذ خالد بن عبد الرّحمن المصري وجه تلبيسه على الشّباب المساكين الذين تقودهم العاطفة إلى التّقليد الأعمى و التّهافت الأحمق على كلامٍ هذا حال أوّله من الحيدة عن سبيل أهل السنّة في الوضوح الإنصاف وهل من هذا حاله يتصدّر للكلام في علم هو لخاصّة الخاصّة ؟
و ها أنا أزيد الأستاذ من مشكاة العلماء الذين يزعم أنّه يتابعهم حذو القذّة بالقذّة :
قال الشّيخ العلّامة عبد الله بن قعود عضو هيئة كبار العلماء و عضو اللجنة الدّائمة للإفتاء رحمه الله تعالى:
( سروري ؟!.. من أين عملية السرورية من وين جاءتنا ؟ فتش في كتب اللغة ، فتش في كتب الملل والنـحل ، فتش أين تجد (سرورية) منه ؟!! صحيـح إذا كان هذا معناه أنه مسرور بواقِعِه ، وفرح بما أعطاه الله سبحانه وتعالى وأفـاض الله عليه من تعليم علم ، ومن معتقد سليـــم، و من و من .. فهذا صحيـح كلنا نرجوا أن نكون سروريين بهذا المعنى ... ) (شريط وصايا للدّعاة و انظر المصدر السّابق )
قلت :
فانظر يرحمك الله إلى سبيل العلماء الرّبّانيين من الورع و تجنّب المشتبهات في هذا الباب العظيم أعني باب الحكم على المعيّنين , و قارنه بتلك الجرأة النّادرة التي تميّز بها هؤلاء الإخوة و اجتمعوا عليها و لعلّ أقوى ما بين أيديهم كلمات لبعض العلماء أو طلبة العلم ممّن لا يقاوم قولُهم ما عليه جمهور علماء هذا العصر كما سيأتيك مزيد بيان لذلك .
جواب على بعض الإيرادات :
أوّلا : قد يقول قائلهم : إنّ الشّيخ فلان أو علّان وصف فلانا بالسّروري أو القطبي أو الحزبي و يسوقه في ما يشبه معارضة ما نقلته إليك من منطوق شيخ الإسلام و الشيخين الألباني و ابن قعود و من تصرّف الشّيخين ابن باز و العثيمين و اللجنة الدّائمة و يوجد غيرهم كثير .
فالجواب : هذا حتّى لو سلّم به فإنّه لا يحمي تصرّف الأستاذ و أضرابه بنسبة النّاس إلى هذه الفرقة إذ يكفي عدم قيام الإجماع على كونها فرقة لتجتنب تعليق الأوصاف الشّرعيّة عليها , فكيف و قد عورض قول مشايخك بأقوال و أفعال كبار العلماء الذين ذكرتهم لك آنفا فكيف تحدّث أهل السنّة بشيء لم ينضبط بمفهوم واضح عند علمائهم المعتبرين سواء من تستشهد بهم أو غيرهم ؟ و حتّى إن كنت أنت أخذت برأي من تحتجّ بقولهم فمن المعلوم أنّ مسائل الحكم على المعيّن أو على الجماعات الغامضة من المسائل الاجتهادية , فأقلّ ما يقال لك : ليس قول من تتّبعهم من الأفاضل بحجّة على أقوال و تصرّفات هؤلاء العظماء فتنبّه ؟
ثانيا : لإخواننا هؤلاء مسالك عجيبة كثيرا ما يهرعون إليها في مثل هذه المواطن و لعلّ من أبرزها أن يقولوا : من علم حجّة على من لم يعلم!! , و أنّ لأئمّة الثّلاثة و اللجنة الدائمة و الشيخ ابن قعود لم يظهر لهم الأمر بجلاء و نحن قد ظهر لنا و الأستاذ خالد المصري قد ظهر له !!
فجوابه : سبحان الله , قد علم كلّ ذي ذاكرة أنّ سرور أوّل ما ظهر خاصم صنفين هما أمراء بلاده و علماؤها , و في مقدّمة هؤلاء العلماء المشايخ الذين تعاملوا مع أخطاء سلمان و سفر , و قد ذكروا رحمهم الله أنّهم اتّخذوا قرار التّوقيف بعد مشاورة و دراسة للموضوع من كلّ جوانبه , فهل خفي كلّ ذلك عليهم ليكتشفه غيرهم ؟ خاصة إذا كان هذا الغير هو الأستاذ
و من على شاكلته؟
و هل تعلمون أنّه لو تتبّع أحدٌ احتجاجاتكم العجيبة بلفظة ( الشيخ لم يكن يدري !!, والشيخ تراجع!! و هذا كلام قديم!!!) لجَمَعَ في ذلك كراريس .
ثمّ لو تتبّع إلزامكم للنّاس بأن يتراجعوا على كلّ لفظة قالوها ممّا تبدّعونهم به , و نظر في التّراجع المفصّل القاطع الذي تشترطونه , لتعيّن دفع التّعارض بين المسلكين بأحد أمور لا أدري ما موقفكم منها :
فـإمّا أن (تتراجعوا) عن أحد القولين .
و إمّا أن يكون الأئمّة الذين تزعمون تراجعهم ( لم يتراجعـوا) حيث لم يقع منهم التّراجع على المنابر و بالتّفصيل الذي ترتضون .
و على ذلك لزم من تبديع المجروحين بهذا النّوع العجيب من الجرح , أن يبدّع الأئمّة
و لزم من " تبرئة " الأئمة و قبول تراجعهم أن يعدّل هؤلاء المظلومون.
و هذا من آثار الاضطراب عندكم في بيان حدّ التّراجع و جعله متأرجحا بحسب المقام , فمفهومه في مقام ردّ توبة التّائبين هو غير مفهومه في معرض التّملّص من أقوال العلماء الرّبّانيّين .
ثمّ : إذا كان من تقلّدونهم قد ضبطوا حدّ السّروريّة و الحزبيّة و القطبيّة و الحركيّة فهلّا أخبرتم إخوانكم أين وقع هذا في كتب مللكم و نحلكم !!!؟
عـــدم اتّفاق من يتعصّب لهم الأستاذ على حدّ مضبوط لهذه الألفاظ :
و أنا أعطيك ما يدلّ على أنّ المشايخ أنفسهم غير متّفقين على ضابط لهذه الإطلاقات :
ـ فمنهم من عرف بإطلاقها على عباد الله من عقود و لم يعرف عنه التّفصيل و لا في موضع من حياته , إلّا أنّ شواهد تصرّفاته تدلّ على أنّه يبدّع بها مطلقا كالصّنف الثّاني :
ـ و منهم من يجعلها مرادفة للبدعة مطلقا و يصرح بذلك .
ـ و منهم من لا يدرِي أصلا : هل هي مرادفة للبدعة حقّا أم لا , و الله المستعان .
فمن آخر ما نزّلــــه الإخوة في سحاب جواب للشّيخ محمّد المدخلي وفّقه الله على سؤال نصّه : هل قول العالم عن شخص حزبي أو سروري ... جرح مفسّر أم لا ؟
فأجاب الشّيخ بأنّه جرح مفسّر بلا شكّ و أنّه مرادف للبدعة مطلقا !! بل و شنّع على من يستفصلون عنه و عدّه من عجائب الزّمن .
و أمّا الأستاذ أسامة عطايا العتيبي فقد صرّح بالعجائب و الله المستعان و ذلك في مناظرته مع الأستاذ عادل المرشدي في منتدى الكاشف حيث قال لمناظره : إن بعض الألفاظ التي عزوتها إلى تلك الفرقة لا أدري مدى مطابقتها للواقع، فهل لفظة : "حزبي" تعني أنه مبتدع مطلقاً، وكذلك "حركي" ، "خبيث" ، "متلون" ، "مضطرب" ؟ أرجو أن تعطيني أمثلة من كلامهم ، وأنها تعني البدعة مطلقاً ؟ !
و إذا علمت أنّ الأستاذ أسامة عطايا العتيبي المتخصّص في علم الجرح و المشرف –فيما بلغني - على موقع الإمام الألباني و المصنّف من علماء تلك الشبكة و مشايخها الذين يظاهرون الأستاذ خالد , هذا الرّجل لا يدري مدى مطابقة تلك الألفاظ للواقع في الوقت الذي تمتلأ صحائفه و صحائف إخوانه في الشّبكة بهذه الألفاظ إذا علمت ذلك أدركت أنّ القوم دخلوا فعلا في مخالفة سبيل المؤمنين من هذا الوجه , وأنّهم من أولئك الذين قال عنهم شيخ الإسلام في شرح حديث الافتراق: ( تأمّل ما تحته سطر)
( لكن الجزم بأن هذه الفرقة الموصوفة ()هي إحدى الثنتين والسبعين لابد له من دليل، فإن الله حرم القول بلا علم عمومًا، وحرم القول عليه بلا علم خصوصًا، فقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33]، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلًا طَيِّبًا وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) وقال تعالى: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا)
وأيضًا، فكثير من الناس يخبر عن هذه الفرق بحكم الظن والهوى، فيجعل طائفته والمنتسبة إلى متبوعه الموالية له هم أهل السنة والجماعة، ويجعل من خالفها أهل البدع، وهذا ضلال مبين، فإن أهل الحق والسنة لا يكون متبوعهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، فهو الذي يجب تصديقه في كل ما أخبر، وطاعته في كل ما أمر، وليست هذه المنزلة لغيره من الأئمة، بل كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ..). مجموع الفتاوى الجزء الثّالث (ص212و ما بعدها )
فهل ترى هذا الذي لا يدري مدى مطابقة الأوصاف التي يطلقونها على عباد الله للبدعة وللواقع إلّا داخلا في هذا الصّنف الذي (يخبر عن هذه الفرق بحكم الظن والهوى) و الله المستعان .
و إن كان قول الدّكتور محمّد بن هادي أرجح عندهم فإنّهم عندما يصفون الرّجل بالقطبي أو الحزبي فإنّهم يعاملونه معاملة المبتدعة بلا تفريق و لا تفصيل و أيضا لأنّ الشيخ محمّد لم يقل ما قاله في مضائق المناظرات كما حصل للأستاذ للعتيبي
و قد كانت صفحات هذه الشّبكة إلى زمن قريب تعرض مجموعة تافهة اسمها المطاردة تحت أصوات المدافع للمسمّى شكيب الأثري جمع فيها شتات أشرطة الجرح مبوّبا! و معنونا بعناوين ظلمات بعضها فوق بعض و يكفي المنصف أن يرى ما بوّب!! به للكلام في عَلََمين من أعلام المسلمين قائلا :
أقوال العلماء في القطـــبي بكر أبو زيد
أقوال العلمـاء في الإخوانـي ابن جبرين
و على جواب الشّيخ محمد المدخلي الذي فيه أنّ الحزبي مبتدع قولا واحدا فإنّ الشّيخ المتفنّن بكر أبو زيد رحمه الله و سماحة الشيخ الجبرين حفظه الله يكونان مبتدعين بلا ريب بناء على وصفهما بالحزبية و القطبية و الإخوانية و الذي هو متواتر عند إخواننا في سحاب تقليدا لفاضل غير معصوم .
و أمّا الصّفحات المذكورة ففي علمي أنّها قد حذفت لأحد سببين :
إمّا : حين انقلب شكيب الأثري هذا يمارس أساليبه نفسها في معسكر أخرى ضدّ الشبكة التي يكتب فيها الأستاذ خالد المصري .
و إمّا : حين واجه الأستاذ الفاضل عادل المرشدي أخاه أسامة العتيبي في المناظرة المذكورة بالرّوابط الظّالمة و أحرجه بها.
و على كلّ حال فالصّفحة معروفة محفوظة و يوجد في غيرِها غيرُها ممّا لم يحذف .
فليجيبوا الآن عن موقفهم من هذين العالمين الفاضلين , بصدق و شجاعة , و ليعلم أنّ من آثار منهجهم المضطرب أنّ الشّباب المخدوعين بهم في الجزائر لا يزال أكثرهم إلى اليوم يصف هذين العَلَمين بالبدعة , بل حين توفيّ الشّيخ الفاضل بكر أبو زيد كان منهم من ذكر في مجلسهم فلم يترحّموا عليه , و (( إن يهلكون إلّا أنفسهم )) أمّا الشّيخ فأهل الفضل يعرفون له فضله و الحمد لله .
و قد جمعتُ بفضل الله مادّة علميّة يفرح بها كلّ منصف و جعلتها رسالة مستقلّة في الذّبّ عن الشّيخ و قد انتهى الفصل الأوّل منها و بقيت فصول , أسأل الله تعالى العون على إتمامها .
و المقصود أنّ هذه الطّريقة و لوازمها هي بحقّ من المشانق التي نسجها القوم بأيديهم ولفّوها حولَ أعناقهم ثمّ وقفوا على غير مليء , فإنّ الحقّ أبلج و الباطل لجلج و من وهب محياه و مماته لنصرة قولِ غَيْرِ معصومٍ صار اللّجاج دينه والشّيطانُ قرينه و حُجز في مضيق الحقّ مهما طال غيّه في ساحات الباطل , و هذه سنّة الله تعالى في بيان الهدى لعباده , القاصرُ منهم و العالـمُ , و ذلك بأن يجري على لسان المبطل المتعدّي ما لا يحتاج صاحب الفطرة السّليمة إلى كثير علم حتّى يدرك أنّه من أهل التّردّي و الحقّ عليه نور , والباطل له ظلمة تنفّر النّفس الطّيّبة منه فلا تستكين له , و للكلام بسط سيأتي إن أمدّ الله في العمر و هيّأ الظّرف و هذه نهاية الحلقة الأولى و صلّى الله على نبيّنا محمّدا و على آله و صحبه و سلّم .