فتاة الورود
2011-04-08, 21:19
http://1.bp.blogspot.com/_pQouQwK3jmg/TCibJ7M_Y4I/AAAAAAAACj0/AmCQmRBc2A8/s1600/Traffic-light-red-contrast.jpg
استوقفتني إحْدَى جَاراتِنَا عَلَى بابِ الْمَنْزلِ وَهِيَ تَتَساءَلُ:"إلَى أيْنَ!"
حَدَقْتُ فِي الأفْق ِ الْبَعيدِ وَهَمَسْتُ:"لا أعْلَم!"..وََأخَذْتُ أبْتَعِدُ وَصَدَى صَوْتهَا يُلاحِقُنِي بــِإصْرَار: "فَتَاة غَريبة!"
بَدَأتُ أعْبُرُ الشَّارعَ الْفَاصِلِ كَحَدِّ السَّيْفِ بَيْنَ الحَيّ العَرَبِي الْمُهْمَل ِعَبْرَ سَنَوَاتِ الْجَفَافِ وَبَيْنَ الْحيّ الآخَر الْمَزْروع بالْجَنَةِ. خُطُوَاتِي مُتَثاقِلَة كَسْلَى. صَرَخَ أحَدُ السّائِقِين الّذي كَادَ يَدْهَسنِي بشَاحِنَتِهِ الْضَّخْمَة:
" عَمْيــاء! الضَّوءُ أحْمَر!!"
لَمْ تُثِرْ صَرْخَتُهُ انْفِعَالِي، لكنَّ قميصَهُ الَّذي دَلَّ عَلَى كَوْنِهِ جُنْديَّا أثَارَ فُضُولِي، فَبَدَأَتْ تَتَرَاقَصُ فِي ذَاكِرَتِي صُوَرُ أجْسَادٍ مَبْتُورَة وَبُيُوتٍ مُهَدَّمَّة.. دُمُوعٌ.. هَلَعٌ.. دَمٌّ..صُوَرٌ تُطَالِعُنَا بِهَا النَّشَرَاتُ الإخْبَاريَّة كُلّ يَوْم بل كُلّ ثانِية حَتّى أنّها صَارَتْ جُزْءًا أساسيَّا مِنْ كُلّ نَشْرَة.
مَرَّتْ بِي شَاحِنَة مُزْدَحِمَة بالرجَال فَتَمَلَكَني هَاجِسُ عَدِّهِم. بَدَأتُ بالعَدِّ كَطفلة تَعَلَمَتْ لِتَوِّها الأرقِام الحِسَابيّة: جُنْدي..جُنْديَانِ.. ثَلاثَةُ جُنُودٍ.. أربعَة..خَمْسَة..
تَلَقَفَ أنْفِي رَائِحَةُ طَعَام مَا فَكَرْتُ باقْتِحَامِ المَكَانِ لكنّي أحْجَمْتُ حينَ تَذَكَرّتُ أنَّ مَلابِسِي الْعاديَّة لا تتنَاسَبُ وَالملابِس الْفَاخِرَة على أجساد ِهؤلاء فواصَلْتُ سَيْري، وَبَدَأتُ بقِراءَةِ الإعْلانَاتِ الْمَصْلُوبَة عَلَى أعْمِدَةِ الْكَهْرَبَاءِ:" حَافِظُوا عَلَى نَظَافَةِ الْمَدينَة. بَلَديَّة حَْيفَا".
ابتسمتُ ابتسامَة ً شَاحِبَة وَتَمَنَيْتُ لَوْ ألْتَقِي ثَانِيَة بذلكَ الجندي الّذي صَرَخَ في وجهي أنَّ الضَّوءَ أحْمَرلأسْألَهُ إنْ كَانَتْ الْمَدينَة حَقًّا نَظيفَة.
تنَازَلْتُ عَنْ الْفِكْرَة سريعًا وَبَدَأتُ بالتَنْقيبِ عَنْ شَيء مـَا بِإمْكَانِهِ إشْغالِي نِصْفَ السَّاعَة الْمُتَبَقِيَّة عَلَى ابتداء مُنَاوبَتِي الْمَسَائِيَّة في مَعْمَل الْنَسِيج.
جَذَبَ انْتِبَاهِي لَوْنٌ أحْمَرٌ لِفُسْتَانٍ مَا عَلَى دُمْيَّة.
رغْمَ الْمَسَافَة بَيْنَنَا .. انهمكت ِ الْمَرْأة ُ بوَضْع ِ الثَّوبِ عَلَى جَسَدِ الْدُمْيَّة. رَكَضْتُ نَحْوَها، فَقَدْ جَعَلَ اللَّوْنُ الأحْمَرُ دَمِّي يَجْري بشَرَاسَة فِي عُرُوقِي. إنَّهُ أحْمَرٌ، لكنّه غَريبٌ. غَريبٌ جِدًّا. أرْبَكَ أفْكَاري. دَوَّخَنِِي.حَدَقْتُ بهِ وَتُهْتُ. كَمْ أحْسدُ تِلْكَ الدُّمْيَّة الصَّامِتَة الّتي تَفْتَقِدُ مَشَاعِرَنَـَا الإنْسَانِيَّة إلاّ أنّهَا " تَتَمَتَع " بِمَا يَنْقُصُنْا نَحْنُ! تَمَنَيْتُ لَوْ أتمكن مِنْ وَضْع ِ الثَّوْبِ الأحْمَر عَلَى "جَسَدي أنـَا" بَدَلَ هذه الثِّيَاب البالٍيَّة الّتي فَقَدَتْ رونقها مُنْذُ زَمَن!!
دُونَمـَا تَفْكير، كأنّي أستَفيق مِنْ حُلُم ٍ، دَفَعْتُ جَسَدي دَاخِلَ الْغُرْفَة وَطَلَبْتُ مِنَ الْعَامِلَة أنْ تُنَاولَني ذلك الثَّوب الأحمر لأرتَديهِ على جَسّدي. تَفَحَصَّتْ هِيَ ثِيابِي بِنَظْرَة ٍ خَاطِفَة ثُمَّ أعْلَنَتْ بِبُرُود ٍ وَبِلَهْجَة عَرَبِيَّة ثَقيلَة:" دَه غَالـِي!!!"
شَعَرْتُ أنَّ جُدْرَانَ الْغُرْفَة تَدُورُ مِنْ حَوْلِي فَسَألْتُهَا بـِلَهْفَة:"كَمْ..!".
هَمَسَتْ ببرود:"ألف.."
ألف...!!!
دَوَّى هذا الرَّقْمُ داخِلَ رَأسِي فَصَارَ رَأسِي كَخَلِيَّة نَحْل ٍمُضْطَربَة. يَجِب أن أشتَري هذا الثَّوب. يَجِبْ وَلَوْ مَرَّة أنْ أحصل على شئ أتَمَنَاه! سأدفع لَهَا مَا يُعَادِلُ نِصْفَ راتِبي ، بَلْ أكْثّر!. لَيْتَنِي ما كنتُ عَامِلَة في مَصْنَع!! لو كنتُ مُتَعَلِمَة كَغَيْري مِنَ الْفَتَيَات لتَقَاضَيْتُ مَبْلَغًا لِتَسْديد ِ احْتِيَاجَاتِي أنـَا وَأهْلي وأخْوَتِي الثمانيَّة الّذينَ يَنْتَظِرُونَ رَاتِبي كُلَّ شَهْر بفَارغ ِ الأمَلْ..! حَسَنًا. سأطْلب من " يوسِي" أنْ يُرَتّب لِي ساعات عمل ليليّة لتحسين راتبي في الأشهر القادمة.
فَتَحْتُ الحَقيبَة وَتَنَاوَلْتُ الْمَبْلَغَ، ثُمَّ بَسَطْتُ ذراعي وعلى راحةِ يَدي ألفُ شَاقِل.
ابتَسَمَتْ المَرْأة بإعياء وَلَمْ تَتَنَاوَلْ الْمَبْلَغَ. ابْتِسَامَتَهَا الصَّفراء شّلَّتْ حَواسي. بَعْثَرَتْ هُدوئِي.
قَالَتْ:"ألف دولار"..
وَاسْتَدَارَتْ لِتُحَييّ امرأة تَلّفُ جَسَدَهَا بالفِرَاءِ دَخَلَتْ الغُرْفَة تِلْكَ اللّحْظَة كَمَا تَدْخُلُ السَّمَكَةُ الْبَحْرَ.
حَمْلَقْتُ فِي كُلّ مَا حَوْلِي..
تَرَاخَتْ شَفَتَيَّ...
خَرَجْتُ مِنَ الْغُرْفَة بِخُطُوات ٍ مُخَدَّرَّة.
وَلا أدري لمَ فِي تِلْكَ اللَّحْظَة بِالذات... تَمَلَكَتْنـِي رَغْبَةٌ جامحة فِي أنْ: "أبــــْصِـــقْ..!! "من القصص التي اعجبتني جدا
للكاتبه ريتا عوده
استوقفتني إحْدَى جَاراتِنَا عَلَى بابِ الْمَنْزلِ وَهِيَ تَتَساءَلُ:"إلَى أيْنَ!"
حَدَقْتُ فِي الأفْق ِ الْبَعيدِ وَهَمَسْتُ:"لا أعْلَم!"..وََأخَذْتُ أبْتَعِدُ وَصَدَى صَوْتهَا يُلاحِقُنِي بــِإصْرَار: "فَتَاة غَريبة!"
بَدَأتُ أعْبُرُ الشَّارعَ الْفَاصِلِ كَحَدِّ السَّيْفِ بَيْنَ الحَيّ العَرَبِي الْمُهْمَل ِعَبْرَ سَنَوَاتِ الْجَفَافِ وَبَيْنَ الْحيّ الآخَر الْمَزْروع بالْجَنَةِ. خُطُوَاتِي مُتَثاقِلَة كَسْلَى. صَرَخَ أحَدُ السّائِقِين الّذي كَادَ يَدْهَسنِي بشَاحِنَتِهِ الْضَّخْمَة:
" عَمْيــاء! الضَّوءُ أحْمَر!!"
لَمْ تُثِرْ صَرْخَتُهُ انْفِعَالِي، لكنَّ قميصَهُ الَّذي دَلَّ عَلَى كَوْنِهِ جُنْديَّا أثَارَ فُضُولِي، فَبَدَأَتْ تَتَرَاقَصُ فِي ذَاكِرَتِي صُوَرُ أجْسَادٍ مَبْتُورَة وَبُيُوتٍ مُهَدَّمَّة.. دُمُوعٌ.. هَلَعٌ.. دَمٌّ..صُوَرٌ تُطَالِعُنَا بِهَا النَّشَرَاتُ الإخْبَاريَّة كُلّ يَوْم بل كُلّ ثانِية حَتّى أنّها صَارَتْ جُزْءًا أساسيَّا مِنْ كُلّ نَشْرَة.
مَرَّتْ بِي شَاحِنَة مُزْدَحِمَة بالرجَال فَتَمَلَكَني هَاجِسُ عَدِّهِم. بَدَأتُ بالعَدِّ كَطفلة تَعَلَمَتْ لِتَوِّها الأرقِام الحِسَابيّة: جُنْدي..جُنْديَانِ.. ثَلاثَةُ جُنُودٍ.. أربعَة..خَمْسَة..
تَلَقَفَ أنْفِي رَائِحَةُ طَعَام مَا فَكَرْتُ باقْتِحَامِ المَكَانِ لكنّي أحْجَمْتُ حينَ تَذَكَرّتُ أنَّ مَلابِسِي الْعاديَّة لا تتنَاسَبُ وَالملابِس الْفَاخِرَة على أجساد ِهؤلاء فواصَلْتُ سَيْري، وَبَدَأتُ بقِراءَةِ الإعْلانَاتِ الْمَصْلُوبَة عَلَى أعْمِدَةِ الْكَهْرَبَاءِ:" حَافِظُوا عَلَى نَظَافَةِ الْمَدينَة. بَلَديَّة حَْيفَا".
ابتسمتُ ابتسامَة ً شَاحِبَة وَتَمَنَيْتُ لَوْ ألْتَقِي ثَانِيَة بذلكَ الجندي الّذي صَرَخَ في وجهي أنَّ الضَّوءَ أحْمَرلأسْألَهُ إنْ كَانَتْ الْمَدينَة حَقًّا نَظيفَة.
تنَازَلْتُ عَنْ الْفِكْرَة سريعًا وَبَدَأتُ بالتَنْقيبِ عَنْ شَيء مـَا بِإمْكَانِهِ إشْغالِي نِصْفَ السَّاعَة الْمُتَبَقِيَّة عَلَى ابتداء مُنَاوبَتِي الْمَسَائِيَّة في مَعْمَل الْنَسِيج.
جَذَبَ انْتِبَاهِي لَوْنٌ أحْمَرٌ لِفُسْتَانٍ مَا عَلَى دُمْيَّة.
رغْمَ الْمَسَافَة بَيْنَنَا .. انهمكت ِ الْمَرْأة ُ بوَضْع ِ الثَّوبِ عَلَى جَسَدِ الْدُمْيَّة. رَكَضْتُ نَحْوَها، فَقَدْ جَعَلَ اللَّوْنُ الأحْمَرُ دَمِّي يَجْري بشَرَاسَة فِي عُرُوقِي. إنَّهُ أحْمَرٌ، لكنّه غَريبٌ. غَريبٌ جِدًّا. أرْبَكَ أفْكَاري. دَوَّخَنِِي.حَدَقْتُ بهِ وَتُهْتُ. كَمْ أحْسدُ تِلْكَ الدُّمْيَّة الصَّامِتَة الّتي تَفْتَقِدُ مَشَاعِرَنَـَا الإنْسَانِيَّة إلاّ أنّهَا " تَتَمَتَع " بِمَا يَنْقُصُنْا نَحْنُ! تَمَنَيْتُ لَوْ أتمكن مِنْ وَضْع ِ الثَّوْبِ الأحْمَر عَلَى "جَسَدي أنـَا" بَدَلَ هذه الثِّيَاب البالٍيَّة الّتي فَقَدَتْ رونقها مُنْذُ زَمَن!!
دُونَمـَا تَفْكير، كأنّي أستَفيق مِنْ حُلُم ٍ، دَفَعْتُ جَسَدي دَاخِلَ الْغُرْفَة وَطَلَبْتُ مِنَ الْعَامِلَة أنْ تُنَاولَني ذلك الثَّوب الأحمر لأرتَديهِ على جَسّدي. تَفَحَصَّتْ هِيَ ثِيابِي بِنَظْرَة ٍ خَاطِفَة ثُمَّ أعْلَنَتْ بِبُرُود ٍ وَبِلَهْجَة عَرَبِيَّة ثَقيلَة:" دَه غَالـِي!!!"
شَعَرْتُ أنَّ جُدْرَانَ الْغُرْفَة تَدُورُ مِنْ حَوْلِي فَسَألْتُهَا بـِلَهْفَة:"كَمْ..!".
هَمَسَتْ ببرود:"ألف.."
ألف...!!!
دَوَّى هذا الرَّقْمُ داخِلَ رَأسِي فَصَارَ رَأسِي كَخَلِيَّة نَحْل ٍمُضْطَربَة. يَجِب أن أشتَري هذا الثَّوب. يَجِبْ وَلَوْ مَرَّة أنْ أحصل على شئ أتَمَنَاه! سأدفع لَهَا مَا يُعَادِلُ نِصْفَ راتِبي ، بَلْ أكْثّر!. لَيْتَنِي ما كنتُ عَامِلَة في مَصْنَع!! لو كنتُ مُتَعَلِمَة كَغَيْري مِنَ الْفَتَيَات لتَقَاضَيْتُ مَبْلَغًا لِتَسْديد ِ احْتِيَاجَاتِي أنـَا وَأهْلي وأخْوَتِي الثمانيَّة الّذينَ يَنْتَظِرُونَ رَاتِبي كُلَّ شَهْر بفَارغ ِ الأمَلْ..! حَسَنًا. سأطْلب من " يوسِي" أنْ يُرَتّب لِي ساعات عمل ليليّة لتحسين راتبي في الأشهر القادمة.
فَتَحْتُ الحَقيبَة وَتَنَاوَلْتُ الْمَبْلَغَ، ثُمَّ بَسَطْتُ ذراعي وعلى راحةِ يَدي ألفُ شَاقِل.
ابتَسَمَتْ المَرْأة بإعياء وَلَمْ تَتَنَاوَلْ الْمَبْلَغَ. ابْتِسَامَتَهَا الصَّفراء شّلَّتْ حَواسي. بَعْثَرَتْ هُدوئِي.
قَالَتْ:"ألف دولار"..
وَاسْتَدَارَتْ لِتُحَييّ امرأة تَلّفُ جَسَدَهَا بالفِرَاءِ دَخَلَتْ الغُرْفَة تِلْكَ اللّحْظَة كَمَا تَدْخُلُ السَّمَكَةُ الْبَحْرَ.
حَمْلَقْتُ فِي كُلّ مَا حَوْلِي..
تَرَاخَتْ شَفَتَيَّ...
خَرَجْتُ مِنَ الْغُرْفَة بِخُطُوات ٍ مُخَدَّرَّة.
وَلا أدري لمَ فِي تِلْكَ اللَّحْظَة بِالذات... تَمَلَكَتْنـِي رَغْبَةٌ جامحة فِي أنْ: "أبــــْصِـــقْ..!! "من القصص التي اعجبتني جدا
للكاتبه ريتا عوده