yacine414
2011-04-08, 15:35
المقــدمــة
مقدمة:
إن الحرية الشخصية هي ملاك الحياة الإنسانية كلها، لا تخلقها الشرائع. بل تنظمها، و لا توجدها القوانين، بل توفق بين شتى مناحيها و مختلف توجيهاتها، تحقيقا للخير المشترك للجماعة ورعاية الصالح العام، فهي لا تقبل القيود إلا ما كان هادفا إلى هذه الغاية مستوجبا تلك الأغراض.
نعم ...تلك حقيقة مؤكدة ينبغي الحرص على تطبيقها و الحيلولة دون أهدارها ....فالحرية هي أثمن ما في الوجود، فإنسان بلاحرية كجسد بلا روح...كلاهما فاقدا لقدرته على العطاء.
لذلك كان احترام الحرية الشخصية موضع إهتمام الدساتير الجزائرية المتعاقبة بدأ من دستور 1963 حتى الدستور الحالي الصادر في سنة 1996.
غير أن كفالة الحرية الشخصية لا يتحقق فقط من خلال إيراد نصوص تؤكد ذلك، بل ينبغي أن يظهر التطبيق العملي الحرص التام على احترام هذه المبادئ الدستورية.
فإرتكاب الفرد لجريمة لا يؤدي بصورة آلية إلى توقيع العقوبة عليه، بل لابد أن يكون ذلك من خلال مجموعة من القواعد الإجرائية تمربها الدعوى الجنائية المقامة ضد مرتكب الجريمه، تهدف إلى إحاطة الفرد بضمانات تكفل صيانة حقوقه و حريته الطبيعية على النحو الذي يحقق التوازن بين مصلحته في ألا تمس حريته و مصلحة الدولة في توقيع العقاب.
و إذا كانت مرحلة جمع الاستدلالات- بما لها من أهمية بالنسبة لسلطة التحقيق و المحاكمة لدورها في التحري عن الجرائم و كشفها- تمثل المرحلة الممهدة لمرحلتي الدعوة الجنائية فقد حرص المشرع الدستوري و أيضا المشرع الدستوري و أيضا المشرع الاجرائي على حماية الحرية الشخصية للفرد في هذه المرحلة. لذلك كانت أحد سمات هذه المرحلة تجردها من عنصر القهر و الإجبار.
غير أن وجود الجريمة في حالة تلبس دفع المشرع إلى التضييق من نطاق الحرية الشخصية للفرد و ذلك بمنح ضابط الشرطة القضائية سلطتي القبض على المتهم و تفتيش شخصه من منطلق الحرص على جمع الدلائل التي تفيد و قوع الجريمة و نسبتها إلى مرتكبها حيث أنه بتوافر حالة التلبس تنتفي مظنة الخطأ أو الكيد للمتهم.
و نظرا لما يثيره موضوع التلبس بالجريمة من مشكلات في الحياة العملية فقد سعينا من خلال هذا البحث إلى إلقاء الضوء على النصوص المتعلقة بحالات التلبس و ذلك من خلال تحليلها، و لقد تعرضنا أيضا لإتجاهات الفقة الجزائري و المصري و الفرنسي و بعض الأحكام الصادرة من القضاء المصري و الفرنسي في هذا الشأن.
لذلك سنتناول هذا الموضوع في فصلين يتضمن كل فصل مبحثيتن:
مقدمة:
الفصل الأول: في التلبس بالجريمة
-المبحث الأول: مفهوم التلبس
*المطلب الأول: تعريف التلبس
*المطلب الثاني: حالات التلبس
*المطلب الثالث: تقييم حالات التلبس
-المبحث الثاني: صحة التلبس
*المطلب الأول: شروط صحة التلبس
*المطلب الثاني: خصائص التلبس.
*المطلب الثالث: الطبيعة القانونية للإجراءات المتخذة استثناءا بناء على حالة التلبس.
الفصل الثاني: مباشرة الإجراءات في حالة التلبس.
-المبحث الأول: السلطات الاستثنائية لضابط الشرطة القضائية في حالة التلبس.
* المطلب الأول: سلطتهم في إخطار وكيل الجمهورية بالنسبة للشهود و ندب الخبراء و الأمر بالإحضار و الحجز.
*المطلب الثاني: سلطتهم في حجز المتهم.
*المطلب الثالث: سلطتهم في تفتيش المتهمين و المساكن.
-المبحث الثاني: بطلان إجراءات التحقيق.
*المطلب الأول: البطلان المطلق.
*المطلب الثاني: البطلان النسبي.
المطلب الثالث: أثار البطلان.
الفصل الأول: في التلبس بالجريمة
ماهية التلبس بالجريمة:
يحمل التلبس معنيان أحدهما لغوي و الآخر اصطلاحي.
أ.المعني اللغوي للتلبس:
اللبس مصدر لقول لبست الثوب ألبسه، و اللباس ما يلبس و لبوس كثير اللباس، و اللباس ما يلبس من الثياب و السلاح، في قوله عز وجل:" وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ" ، ولباس الرجل امرأته وزوجها لباسها. لقوله عز وجل:" هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ".
*وورد في المعجم العربي الأساسي، تلبس يتلبس تلبسا.
1-ارتداه و لبسه.
2-يتلبس به الأمر، بمعنى أشتبه.
3-تلبسا بالجريمة تلبس بسرقة المجوهرات (ضبط متلبسا)
*التلبس لدى فقهاء الشريعة الإسلامية: يقصد به كشف الجريمة وقت ارتكابها فهم يستخدمون هذا التعبير للدلالة على وضوح الجريمة و ظهورها أمام العامة.
*تقابل كلمة تلبس في اللغة العربية كلمة Flagrance في اللغة الفرنسية و هي مشتقة من الكلمة اللاتينية Flagrare و من الكلمة اللاتينية أخذت الصفة Flagrant أي متلبس .
ب.المعني الاصطلاحي للتلبس:
تعددت التعريفات للتلبس فهناك البعض من الفقهاء عرفه: " هو حالة تقارب زمني بين وقوع الجريمة و إكتشافها" .
و هناك من عرفه " المشاهدة الفعلية بالجريمة و التقارب الزمني بين وقوع الجريمة و كشفها" حيث أضاف عبارة المشاهدة الفعلية.
*و عرفوه أيضا بأنه حالة واقعية يعبر عنها مجموعة من المظاهر الخارجية التي تدل بذاتها على أن الجريمة تقع أو بالكاد وقعت، وقوامها انعدام الزمن أو التقارب بين وقوع الجريمة و اكتشافها.
إن المشرع الجزائري لم يتطرق إلى تعريف التلبس و إنما تطرق في المادة 41 ق إ ج ج إلى حالات التلبس بالجريمة و التي أوردها على سبيل الحصر.
حالات التلبس:
نصت المادة 41 من ق إ ج ج على حالات التلبس بالجريمة: " توصف الجناية أو الجنحة بأنها في حالة تلبس إذا كانت مرتكبة في الحال أو عقب ارتكابها".
كما تعتبر الجناية أو الجنحة متلبسا بها إذا كان الشخص المشتبه في ارتكابه إياها في وقت قريب جدا من وقت وقوع الجريمة قد تبعه العامة بالصياح أو وجدت في حيازته أشياء أو وجدت آثار أو دلائل تدعو إلى افتراض مساهمته في الجناية أو الجنحة.و تتسم بصفة التلبس كل جناية أو جنحة وقعت و لو في غير الظروف المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين، إذا كانت قد ارتكبت في منزل و كشف صاحب المنزل عنها عقب وقوعها و بادر في الحال باستدعاء أحد ضباط الشرطة القضائية لإثباتها"
و هي ستة حالات أوردها على سبيل الحصر فلا يقاس عليها. و سنتعرض فيما يلي إليها.
الحالة الأولى: إدراك الجريمة حال ارتكابها.
هذه هي حالة التلبس الحقيقي الذي عبر عنها المشرع في عبارته الأولى من الفقرة الأولى بقوله"إذا كانت الجريمة مرتكبة في الحال" و المقصود بهذه العبارة أن يباغت الجاني أثناء ارتكابه للفعل كعنصر من عناصر الركن المادي للجريمة، و يعني أن يكتشف ضابط الشرطة بنفسه واقعة القتل أثناء إطلاق المقذوف الناري على المجني عليه و إدراك الجريمة حال ارتكابها هو الشرط الوحيد لقيام هذه الحالة بغض النظر عما إذا كانت الجريمة ارتكبت في الخفاء أو العلانية.
و إذا كان الركن المادي للجريمة يتكون من جملة أفعال فلا يشترط لتوافر هذه الحالة أن يدرك ضابط الشرطة جميع هذه الأفعال بل يكفي إدراكه لبعضها حتى تتحقق هذه الحالة.
وسيلة إدراك التلبس:
غالبا ما تكون الرؤية وسيلة إدراك التلبس بالجريمة من طرف ضابط الشرطة مثل مشاهدة المتهم
و هو يحمل المحذر أو مشاهدته و هو يتسلمه أو يقوم بإلقائه للتخلص منه لكن ليست هي السبيل الوحيد لذلك إذ يجوز إدراك الجريمة بأي حاسة من الحواس، مثل حاسة الشم، كشم رائحة المخدر تنبعث من الحقيبة التي يحملها المتهم، كذلك حاسة التذوق كمن شعر بطعم السم في شراب مقدم له أو إدراكها بحاسة اللمس كمن يشعر بيد تعبث في جيب سرواله الخلفي أثناء تواجده في أحد وسائل النقل العمومية فيمد يده ليمسك باليد الغريبة قبل أن يستدير ليرى صاحبها أو إدراكها لحاسة السمع مثل سماع صوت عيار ناري و مشاهدة الجاني قادما من الجهة ذاتها مصدر صوت العيار.
و الجدير بالذكر أنه يتعين أن يكون إدراك ضابط الشرطة لوقوع الجريمة إدراكا يقينيا لا يحتمل الشك.
الحالة الثانية: مشاهدة الجريمة عقب ارتكابها:
يقصد بهذه الحالة مشاهدة آثار الجريمة التي تنبئ عن ارتكابها منذ زمن يسير و يعبر بعض الفقهاء عن هذه الحالة بأن الجريمة تكون وقتئذ مازالت ساخنة فنارها لم تخمد بعد ودخانها لا يزال يشاهد و يعني ذلك أن لا يكون قد انطوى وقت طويل بين ارتكاب الجريمة و اكتشافها، و من أمثلة ذلك رؤية القتيل يلفظ أنفاسه الأخيرة و يسيل الدم من جروحه، و كذلك سماع صراخ المجني عليه من آلامه نتيجة اعتداء الجناة عليه في جريمة السرقة بإكراه بعد هروبهم بالمسروقات.
و لم يحدد المشرع الجزائري الفترة الزمنية التي تنقضي بين ارتكاب الجريمة و اكتشافها و إنما ترك تحديد هذا الوقت للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع و تطبيقا لذلك جرت أحكام القضاء على أنه لا ينفي قيام حالة التلبس كون ضابط الشرطة قد انتقل إلى محل الحادث بعد وقوعها بزمن مادام أنه بادر إلى الانتقال عقب علمه مباشرة، و مادام قد شاهد آثار الجريمة بادية.
الحالة الثالثة: تتبع الجاني بالصياح إثر وقوع الجريمة:
هذه الحالة هي إحدى حالات التلبس الاعتباري نص عليها المشرع الجزائري في الفقرة الثانية من المادة 41 ق إ ج ح بقوله:" تعتبر الجريمة متلبسا بها إذا كان الشخص المشتبه في ارتكابه إياها في وقت قريب جدا من وقت وقوع الجريمة قد تبعه العامة بالصياح" و يستفاد من هذا النص أنه يستوي أن يكون التتبع بالصياح صادرا من المجني عليه أو أحد أفراد أسرته أو من غيره من شهود الحادث أو الجيران، و يستوي أن يكون التابعين من العامة أو من ضباط الشرطة أو معاونيهم و قد تكون المتابعة بالعدو خلف الجاني للحاق به، و قد تكون بالسير خلفه دون أن تؤدي إلى ضبطه، و قد تكون بالإشارة إليه بالأيدي كما تكون بمجرد الصياح و القول إذا لم تتوافر القدرة على المتابعة.
المشرع الجزائري لم يحدد الفترة الزمنية التي تنقضي بين ارتكاب الفعل المجرم و المتابعة إذ أنه أحيانا قد يؤدي التتبع إلى أن يشاهد ضابط الشرطة المختص ذلك الجاني فيتابعه و تستمر المطاردة فيختبئ الجاني في المزرعة أو غابة تستمر محاصرتها يوما أو بعض يوم حتى يتم القبض عليه و لا شك أن حالة التلبس تضل قائمة مهما طال وقت المتابعة.
الحالة الرابعة:حيازة الجاني لأشياء تدل على مساهمته في الجريمة في وقت قريب جدا من وقوعها:
تعتبر هذه الحالة إحدى حالات التلبس الاعتباري التي نص عليها المشرع الجزائري في الفقرة الثانية من المادة 41 ق إج ج بقوله:" تعتبر الجناية أو الجنحة متلبسا بها إذا كان الشخص المشتبه في ارتكابه إياها في وقت قريب جدا من وقوعها، قد وجدت في حيازته أشياء تدل أو تدعو إلى افتراض مساهمته في الجناية أو الجنحة"
و في هذه الحالة تكون الجريمة قد وقعت منذ فترة قصيرة و شوهد الجاني في وقت قريب جدا من وقوعها حائزا لشيء أو لأشياء تكون إما قد استعملت في ارتكاب الجريمة كسكين ملوثة بدماء، أو تحصلت من ارتكابها كالمسروقات المتحصل عليها من السرقة حيث تعتبر قرينة قوية على ارتكابه للجريمة أو مساهمته فيها، و هنا لا يشترط أن يضبط المشتبه فيه في مكان الحادث أو قريبا منه بالإضافة إلى ذلك لم يحدد المشرع الجزائري الفترة الزمنية المقصودة من قوله:" وقت قريب جدا" و لذا ترك السلطة التقديرية للقاضي الموضوع.
إن المشرع الجزائري في هذه المادة قد وسع مجال التلبس في هذه الحالة فاعتد بمجرد الحيازة للأشياء دون حمل تلك الأشياء أي أنه لا يعتد بالإحراز وإنما بمجرد الحيازة .
و الإحراز يقصد به اتصال المشتبه فيه اتصالا مباشرا بالشيء الذي يحرزه كأن يكون ممسكا به أو حامل له سواء بشكل ظاهر أو مع محاولة إخفائه، و تطبيقا للتلبس يكفي لتوافر الحيازة أن تكون المسروقات في حديقة المنزل المشتبه فيه لأنها عندئذ تعتبر في حوزته التي تدعو إلى الافتراض بأنه قد ساهم في تلك الجريمة.
الحالة الخامسة: وجود آثار بالمشتبه فيه تدل على مساهمته في الجريمة:
كذلك هذه حالة من حالات التلبس الاعتباري وردت في نهاية الفقرة الثانية من المادة 41 من ق إج ج و التي تنص" إذا وجدت آثار أو دلائل تدعو إلى افتراض مساهمته في الجناية أو الجنحة" و يقصد بهذه الحالة وجود آثار أو دلائل في المشتبه فيه في وقت قريب جدا من وقت وقوع الجريمة تدعو إلى افتراض مساهمته في الجناية أو الجنحة و تتمثل الآثار و الدلائل في العلامات التي توجد في المشتبه فيه إما في جسمه كالآثار التي تتخلف من مقاومة المجني عليه له المتمثلة في جروح أو كدمات أو خدوش في يده أو رقبته أو وجهه أو في أي جزء من جسمه، و قد تكون تلك العلامات و الآثار في ملابس المشتبه فيه كبقع الدم أو تمزيق تلك الملابس مما يدعو إلى الاشتباه في مساهمته في الجريمة.
الحالة السادسة:المبادرة بالإبلاغ عن الجريمة عقب اكتشافها:
أضاف المشرع الجزائري هذه الحالة إلى حالات التلبس، بأن نص عليها في الفقرة الثالثة مستقلة في المادة 41 ق إ ج ج قائلا:" و تتسم بصفة التلبس كل جناية أو جنحة وقعت و لو في غير الظروف المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين، إذا كانت قد ارتكبت في منزل و كشف صاحب المنزل عنها عقب وقوعها و بادر في الحال باستدعاء أحد ضباط الشرطة لإثباتها"
و يقصد بهذه الحالة أن تقع الجريمة في وقت غير معلوم ثم يكتشف المجني عليه وقوعها بعد مدة من الزمن، و يقوم عقب اكتشافه لها بالمبادرة بإبلاغ ضابط الشرطة المختص عنها لإثبات الواقعة و اتخاذ إجراءات الضبط اللازمة مثال: لو تغيب صاحب المنزل عنه لمدة شهر مثلا و بمجرد عودته اكتشف وقوع سرقة أو اكتشف وجود جثة قتيل في حديقة منزله و بادر بإخطار السلطات عقب اكتشافه إياها تعتبر الجريمة متلبسا بها حكما بمقتضى هذا النص بغض النظر عن الوقت الذي انقضى بين ارتكابها و بين الإبلاغ عنها،و يرجع ذلك في اعتقادنا إلى عدم إمكان التكهن بالوقت الذي وقعت فيه الجريمة فعلا فقد يكون ذلك الوقت هو اليوم التالي لمغادرة المجني عليه لمسكنه و قد يكون هو اليوم السابق لعودته إليه، و قد يكون أي وقت آخر فيها بين هاذين اليومين فالمشرع قد اعتبر الجريمة قد وقعت حكما في وقت قريب لاكتشافها و يسند هذا الرأي أنه لو كان المقصود هو الإبلاغ عن الجريمة في هذه الحالة عقب وقوعها بحسب حرفية النص إذ يقول:" ...و كشف صاحب المنزل عنها عقب وقوعها..." لكانت تدخل ضمن الحالة الثانية من حالات التلبس المنصوص عليها في الفقرة الأولى من نفس المادة، إذ لو كان المقصود هو الإبلاغ وقت قريب جدا من وقت ارتكابها لكان من الواجب إدماجها ضمن الحالات التي نصت عليها الفقرة الثانية من نفس المادة و معنى ذلك أن المشرع أصبغ على هذه الحالة صفة التلبس مع أنها لا تدخل ضمن الظروف المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين معتبرا وقت اكتشاف الجريمة في حكم وقت ارتكابها ذلك الوقت الغير معلوم و الذي يصعب تحديده . و الجدير بالذكر أن هذه الحالة قد أضافها المشرع بغرض إضفاء أهمية خاصة على الجرائم التي تقع في المساكن في غيبة أصحابها و لذا حدد شروطا ضمنية لأعمال هذا النص و هي:
أن تقع الجريمة في منزل مسكون في غيبة صاحبه أو بغير علمه.
أن يقوم صاحب المنزل باكتشاف الجريمة.
أن يبادر فورا باستدعاء ضابط الشرطة وأن يقوم هذا الأخير بإثباتها.
و من توافر هذه الشروط و عند تيقن ضابط الشرطة من وقوع الجريمة على هذا النحو يمكنه ممارسة سلطاته الاستثنائية التي يمارسها في حالات التلبس.
التلبس في جريمة الزنا:
إن جريمة الزنا شأنها شأن أي جريمة تخضع لمبدأ حرية القاضي في الإثبات فيجوز إثبات هذه الجريمة بطرق الإثبات كافة، على أنه إذا كان ذلك جائزا بالنسبة للزوج في جريمة زنا الزوج أو بالنسبة للزوجة في جريمة زنا الزوجة، فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة لشريك الزوجة الزانية، إذ لا يجوز إثبات هذه الجريمة عليه إلا بوسائل إثبات محددة ذكرتها ضمنيا المادة 279 ق ع ج، و هي القبض عليه حين تلبسه بالفعل، أو اعترافه أو وجود مكاتيب أو أوراق أخرى مكتوبة منه أو وجوده في منزل مخصص للنساء و لكلمة التلبس في الزنا معنى مغاير للمعنى العادي لهذه الكلمة المنصوص عليها في المادة 41 ق ا ج فلا يقصد من التلبس في جريمة الزنا و جود الجاني في إحدى حالات التلبس المنصوص عليها في المادة 41 ق ا ج إنما المقصود من ذلك أن يوجد الشريك في ظروف لا تدع مجالا للشك عقلا في أن جريمة الزنا قد وقعت، أما اشتراط مشاهدة الفعل نفسه فإن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى إفلات الجاني من العقاب في غالبية الأحوال.
و على ذلك فإن التلبس بالزنا لا يقتصر فقط في حالة ضبط حال الاتصال الجنسي و لكن أيضا وجود الزاني و الزانية في ظروف تنبيء يقينا بارتكابها للزنا. و في فرنسا في محكمة النقض قضى بأن " المرأة التي توجد في منزل رجل في ساعة متأخرة من الليل و كانت ملابسهما حين ضبطهما تتسم بعدم النظام فإن ذلك لا يدع مجالا للشك في إرتكابهما لجريمة الزنا.
سلطة ضابط الشرطة القضائية في تفتيش المتهمين و المساكن في حالة تلبس:
التفتيش إجراء من إجراءات التحقيق بهدف إلى البحث عن الحقيقة في مستودع السر بذلك يعد من أهم إجراءات التحقيق في كشف الحقيقة لأنه غالبا ما يسفر عن ضبط أدلة مادية تؤيد نسبة الجريمة إلى المتهم.
و التفتيش بناءا على حالة تلبس محله شخص المتهم أما التفتيش مساكن المتهمين بناءا على حالة التلبس فهو يخضع للقواعد القانونية العادية.
تقييم حالات التلبس بالجريمة:
نظرا لأن التلبس بالجريمة مصدرا لسلطات استثنائية تنطوي على مساس بحرية المتهم و حصانة جسده، فإن المشرع الجزائري ذكر هذه الحالات الستة على سبيل الحصر لا على سبيل المثال، و هذا التحديد لحالات التلبس يقود إلى نتيجة حتمية هي عدم جواز القياس على تلك الحالات و أيضا عدم جواز التوسع في تفسيرها، فلا يضير العدالة إفلات المجرم من العقاب بقدر ما يضيرها المساس بحريات الناس و القبض عليهم بدون وجه حق، و من ثمة لا يجيز قانون الإجراءات الجزائية الجزائري لضابط الشرطة القضائية القبض على المتهم إلا في أحوال التلبس بالجريمة و بالشروط المنصوص عليها فيها.
1.شروط صحة التلبس بالجريمة:
إن تحديد حالات التلبس بالجريمة على سبيل الحصر لا يكفي لضمان عدم المساس بحقوق الأفراد و حرياتهم، فهذا التحديد تبدو أهميته في بيان حدود الإطار الخارجي الذي لا يستطيع مأمور الضبط القضائي أن يعمل في حدوده ما لم تتوافر إحدى الحالات التي تندرج في نطاق هذا الإطار و لا بطلت الإجراءات التي باشرها.
غير أن مشروعية مباشرة الاختصاصات الاستثنائية لا تتوقف على توافر إحدى الحالات المبررة لمباشرة هذا الاختصاص الاستثنائي، بل لا بد أيضا من التزام رجل الضبط القضائي بالقواعد التي تجعل من إدراكه لحالة التلبس أمرا مشروعا، و تعد هذه القواعد بمثابة الإطار الداخلي الذي يتعين على رجل الضبطية القضائية التزام حدوده.
و عليه ليكون التلبس صحيحا و بالتالي يكون منتجا لآثاره القانونية يجب أن تتوافر في كل حالة من حالاته الشروط الثلاثة الآتية:
أن يكون اكتشاف التلبس سابقا على إجراءات التحقيق التي تتخذ، و أن يكتشف التلبس بمعرفة ضابط الشرطة القضائية بنفسه أو يتحقق منه بشخصه، و أن يكون اكتشاف التلبس عن طريق مشروع. و سنتطرق إلى هذه الشروط بنوع من الشرح على الترتيب.
1*. الشرط الأول: أن يكون التلبس سابقا على إجراءات التحقيق التي تتخذ:
يعني ذلك أنه لا يجوز لضابط الشرطة القضائية أن يقوم بأي إجراء استثنائي كالتفتيش و ضبط الأشياء إلا بعد اكتشافه حالة التلبس و إلا كان عمله باطلا" و يترتب على بطلانه بطلان الدليل المستمد منه، إذ أن المشرع لم يمنح ضابط الشرطة حق مباشرة تلك السلطات التي هي أصلا من صميم اختصاص سلطة التحقيق إلا إذا توافر التلبس الصحيح المشروع أولا ثم تأتي تلك الإجراءات لاحقة للتلبس لا سابقة له.
مثال: لو علم ضابط الشرطة القضائية أن شخصا يحرز مخدرا في جيبه فقبض عليه أولا ريثما يستصدر إذنا من النيابة العامة بتفتيشه فإن ذلك القبض باعتباره إجراء من إجراءات التحقيق لا يكون صحيحا قانونا، و بالتالي لو ترتبت على ذلك القبض حال من حالات التلبس كأن يخرج المقبوض عليه ما في جيبه من مخدر و يلقي به على الأرض ليتخلص منه مثلا فيشاهد مأمور الضبط تلك المخدرات و يلتقطها معتقدا أن مشاهدته لها هي حالة من حالات التلبس الحقيقي كان اعتقاده في غير محله و كان التلبس باطلا لأنه وقع لاحقا للقبض لا سابقا عليه. و بالتالي يبطل الدليل المستمد من ذلك الإجراء الباطل أي أنه لا يعتد قانونا بإحراز الشخص المقبوض عليه للمخدرات.
2*. الشرط الثاني: اكتشاف التلبس بمعرفة ضابط الشرطة أو تحققه منه بنفسه:
يوجب القانون أن يكتشف ضابط الشرطة حالة التلبس بنفسه أو على الأقل يتحقق بشخصه من قيام تلك الحالة حتى يكون له أن يمارس إجراء من إجراءات التحقيق و بالتالي يكون ذلك الإجراء صحيحا ، و لا تتوافر حالة التلبس طالما أن ضابط الشرطة قد تلقى نبأها عن طريق الرواية أو النقل عن شهودها، فإذا كان الثابت أن الذي شاهد المتهم في حالة تلبس بجريمة بيع المواد المخدرة هو المرشد الذي أرسله ضابط الشرطة لشراء المادة المخدرة، فلما حضر الضابط إلى منزل المتهم لم يكن به من الآثار الظاهرة لتلك الجريمة ما يستطيع ضابط الشرطة مشاهدته و الاستدلال به على قيام حالة التلبس، فلا يمكن عند حضور الضابط اعتبار المتهم في حالة تلبس ذلك أنه لا يمكن اعتبار ورقة المخدر التي حملها المرشد إلى ضابط الشرطة عقب البيع أثر من آثار الجريمة يكفي لجعل حالة التلبس قائمة فعلا وقت انتقال الضابط، لأن الآثار التي يمكن اتخاذها أمارة على قيام حالة التلبس إنما هي الآثار التي تنبئ بنفسها عن أنها من مخلفات الجريمة التي لا تحتاج في الأنباء عنها إلى شهادة شاهد.
و تظل حالة التلبس قائمة على الرغم من أن ضابط الشرطة تلقى نبأ الجريمة عن طريق الغير مادام قد بادر بالانتقال إلى محل الواقعة فور علمه بالجريمة و شاهد آثارها التي تنبئ عن ارتكابها منذ وقت قصير أو يتأكد من وجود المشتبه فيه حائزا لأشياء أو يشاهده و به آثار تدعوا إلى افتراض مساهمته في ارتكاب جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس، و الجدير بالذكر أن حالات التلبس لا تتعلق بالمخالفات و إنما هي قاصرة على الجنايات و الجنح المعاقب عليها بالحبس، إذ أن المشرع نص في المادة 55 قانون إ ج" تطبق نصوص المواد من 42 إلى 54 في حالة الجنحة الملتبس بها في جميع الأحوال التي ينص فيها القانون على عقوبة الحبس"، و معنى ذلك أن التلبس يقصد به جرائم الجنايات عموما و جرائم الجنح المعاقب عليها بالحبس فلا تنطبق على الجنح المعاقب عليها بالغرامة، و بالمقارنة مع النص المقابل في القانون المصري في المادة34 إجراءات" لمأموري الضبط القضائي في أحوال التلبس بالجنايات أو الجنح التي يعاقب عليها بالحبس لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر أن يأمر بالقبض على المتهم الحاضر التي توجد دلائل كافية على اتهامه" و ما دام المشرع الجزائري لم يذكر في النص حدا أدنى للحبس في الجنح فمعنى ذلك أن جميع الجنح المعاقب عليها بالحبس أيا كانت مدته تسري عليها أحكام التلبس التي نحن بصددها بما فيها وجوب توافر شروط صحة التلبس.
و على الرغم من أن إجماع الفقهاء يكاد ينعقد على وجوب إدراك ضابط الشرطة إدراكا شخصيا و مباشرا للواقعة الإجرامية و آثارها، إلا أن بعض الفقهاء لم يتطلبوا هذا الشرط و سندهم في ذلك الآتي:
أن المشرع لم يتطلب هذا الشرط في نصوص المادة 41 قانون الإجراءات الجزائية و في نصوص المواد 30 إجراءات جنائية مصري و53 إجراءات جنائية فرنسي.
إن الفقهاء الذين تطلبوا هذا الشرط يهدفون إلى ضمان حرية المتهمين، غير أن تحديد حالات التلبس على سبيل الحصر يحقق هذا الضمان بما يغنى عن تطلب شرط الإدراك الشخصي المباشر.
إن واقع الحياة العملية يدل على أن ضابط الشرطة لا يشاهد حالة - لحرص المجرم على ارتكاب جريمته بعيدا عن رقابته- و إنما الغالب أن يتلقى نبأها عن طريق الرواية عن الغير و يؤيد ذلك أن المادة 42 ق إ ج أوجبت على ضابط الشرطة القضائية الانتقال دون تمهل إلى مكان الجناية المتلبس بها فور علمه بها، و هي بذلك تفترض أن ضابط الشرطة كان في مكتبه و لم يشاهد حالة التلبس.
كما أن اشتراط هذا الشرط يجعل التلبس غير قائم في كثير من الصور العملية كالشروع في القتل بعيار ناري لم يصب المجني عليه، فليست هناك آثار حتى يشاهدها ضابط الشرطة.
3*الشرط الثالث: اكتشاف التلبس بطريق مشروع
لا يكفي لصحة التلبس أن يكون سابقا لإجراءات التحقيق التي يمارسها ضابط الشرطة و أن يكون اكتشافه بمعرفة ضابط الشرطة شخصيا، بل يجب علاوة على ذلك أن يكون اكتشاف حالة التلبس عن طريق مشروع و يقصد بذلك أن يكون وسيلة اكتشافه غير مخالفة للقانون أو الأخلاق، و إلا كان التلبس و ما انبنى عليه من إجراءات و ما استمد منها من أدلة كلها باطلة.
و يثور التساؤل متى تكون طريقة اكتشاف التلبس مشروعة و متى لا تكون كذلك؟
و للإجابة على هذا السؤال يجب التفرقة بين الطرق المشروعة و غير المشروعة على النحو الآتي:
أولا: اكتشاف التلبس بطريق مشروع:
يكون التلبس مشروعا إذا اكتشف عرضا أو باستخدام حيلة مشروعة، أو أثناء القيام بإجراء صحيح على النحو التالي:
أ.اكتشافه عرضا: أي أن يقع التلبس بطريقة عرضية دون سعي أو إتيان عمل إيجابي من جانب ضابط الشرطة و مثال ذلك:
أن يصادف ضابط الشرطة القضائية شخصا في الطريق العام أو في المحل العام يحمل سلاحا ناريا ظاهرا فيسأله عما إذا كان لديه ترخيص بحمله فيجيب بالنفي، ذلك يعتبر تلبسا بجنحة حمل السلاح و لو استطاع المتهم فيما بعد أن يقدم الرخصة إذا لا يشترط في التلبس أن يثبت أن الواقعة التي اتخذت الإجراءات بالنسبة إليها متوافرة فيها عناصر الجريمة أو أن المتهم هو الذي قارفها و إذن القبض على هذا المتهم يكون صحيحا و تفتيشه، سواء لداعي مجرد القبض عليه أو للبحث عن أدلة مادية متعلقة بالجريمة كالخراطيش الخاصة بالسلاح الذي ضبط معه صحيح كذلك و متى كان التفتيش صحيحا فإن ضابط الشرطة القضائية الذي باشره يكون له بمقتضى القانون أن يضع يده على ما يجده في طريقه أثناء عملية التفتيش سواء في ذلك ما يكون متعلقا بالجريمة التي يعمل على كشف حقيقة أمرها أو بأية جريمة أخرى لم تكن وقت إذن محل بحث.
أما الضبط و هو عمل من أعمال التحقيق كالتفتيش و إن كان أهون منه على الناس في خطره فإنه يكون صحيحا على أساس التلبس إذا كان ما شوهد أثناء التفتيش تعد حيازته جريمة كالمخدر مثلا فإذا لم يكن إلا دليلا كشف عن جريمة سبق وقوعها فإن هذا الدليل يكون بمثابة بلاغ عنها يخول ضابط الشرطة القضائية أن ثبت حالة في محضر يحرره و يسير في التحري عنه ثم يتحفظ عليه مؤقتا حتى يقدمه لسلطة التحقيق المختصة بضبطه قانونا،ففي كل الأحوال يكون الاستدلال بالشيء المضبوط أثناء التفتيش الصحيح سائغا جائزا.
و قد يحدث أن يصاب شخص في حادث فينقل إلى المستشفى و في سبيل التعرف على شخصيته تفتش ملابسه، فإذا عثر على مادة مخدرة أو جسم لجريمة نتيجة هذا التفتيش تكون الجريمة في حالة تلبس مادام أن إجراء التفتيش قد تم بوجه قانوني.
ب. اكتشافه عن طريق استخدام حيلة مشروعة:
أي أن يجيء التلبس عن طريق سعي من ضابط الشرطة القضائية، و لكنه سعي لا يخالف القانون و لا الخلق، و مثال ذلك أن يصل إلى علم ضابط الشرطة القضائية أن شخصا يتاجر بالمخدرات و يبيعها للجمهور لمن يتقدم إليه فيتنكر ضابط الشرطة في زي مدني لكي يشترى منه قطعة من المخدر فيبيعه إياها فيضبطه بما يحمل من مخدرات.
و كذلك إذا تنكر ضابط الشرطة القضائية في زي عامل من عمال طلاء السيارات يشتري سلعة تموينية من شخص اشتهر عنه الاتجار في قوت الشعب فباعه بتلك السلعة بأزيد من السعر الرسمي كما يبيعها لغيره من العامة فضبطه عند إتمام عملية البيع.
ففي هاتين الحالتين لجأ ضابط الشرطة القضائية إلى حيلة التنكر بأزياء مدنية مستبدلين بها ملابسهم الرسمية و هذه حيلة لا تتعارض مع القانون أو الآداب أو الأخلاق في شيء.
جـ* اكتشاف التلبس أثناء القيام بإجراء صحيح:
و مثال ذلك أن يتوجه ضابط الشرطة القضائية لتفتيش مسكن شخص متهم في سرقة مجوهرات سواء كان ذلك في حالة تلبس صحيح قانونا، أو بناءا على أمر صادر من قاضى التحقيق أو النيابة العامة بالتفتيش بغرض البحث عن الحلي أو المجوهرات المسروقة فيعثر في منزل المتهم أثناء التفتيش على ساعة مسروقة في واقعة أخرى، أو يعثر على مواد مخدرة أو على سلاح ناري غير مرخص أو غير ذلك، فالتفتيش الذي أجراه ضابط الشرطة إجراء صحيح أصلا و حالات التلبس التي عرضت له تكون صحيحة و مشروعة و يترتب عليها مسؤولية صاحب المنزل عن كل جريمة جديدة متلبسا بها.
و إذا كان رجال البوليس المأذونين بتفتيش شخص و منزله و مقهاه، لما دخلوا المقهى قد شاهدوا شخصا غير وارد اسمه في إذن التفتيش عند بابه الخلفي يحاول الهرب، فلحق به أحدهم و بحث خارج ذلك الباب فوجد على مقربة منه كيسا على الأرض به حشيش ففتشوا الشخص لاعتقادهم أن له ضلع في جريمة إحراز هذا الحشيش فعثروا معه على حشيش أيضا، فإن هذا التفتيش يكون صحيحا. لأن الحكم يكون قد أثبت أن جريمة إحراز المخدر كان متلبسا بها، ذلك لأن التلبس بالجريمة لا يشترط فيه مشاهدة شخصا بعينه يرتكبها، بل أنه يكفي مشاهدة الفعل المكون له وقت ارتكابه أو بعد وقوعه ببرهة يسيرة و لو لم يشاهد مرتكبه و لأن رجال الضبطية القضائية هم في أحوال التلبس بالجنح و الجنايات أن يقبضوا على كل من يقوم لديهم أي دليل على مساهمته في الجريمة كفاعل أو شريك و لو لم يشاهد وقت ارتكابها.
ثانيا: اكتشاف التلبس بطريق غير مشروع:
تتعدد صور السلوك الغير مشروع الصادر من ضابط الشرطة القضائية و ترجع عدم المشروعية إما إلى كون سلوكه يشكل جريمة، أو تخلف بعض الشروط اللازمة لصحة العمل الذي باشره، أو تعسفه في تنفيذ اختصاصاته القانونية، أو منافاة سلوكه للأخلاق و الآداب العامة، أو أن يكون سلوكه يعد تحريضا على ارتكاب الجرائم.
2.أسباب عدم المشروعية:
أ) كشف التلبس من خلال سلوك يعد جريمة:
فقد يكون رجل السلطة العامة الذي كشف عن حالة التلبس جريمة في حد ذاته، كما لو باشر ضابط الشرطة القضائية قبضا و تفتيشا في غير الأحوال التي يرخص فيها القانون في ذلك كما لو قبض أحد رجال البوليس على شخص و هو سائر في الطريق و أجرى تفتيشه بمجرد الظن أو الاشتباه في أنه يحرز مخدرا، فإن هذا التفتيش الحاصل بغير إذن من النيابة العامة يكون باطلا لمخالفته لأحكام القانون، فإذا كانت الواقعة هي أن المتهم عند رؤيته رجال البوليس أخرج ورقة من جيبه ووضعها بسرعة في فمه فلا تلبس في هذه الحالة، لأن ما حوته تلك الورقة لم يكن بالظاهر حتى كان سيستطيع رجال البوليس رؤيته، إذا كان رجال البوليس قد قبضوا على هذا المتهم و فتشوه فهذا القبض و التفتيش يكونان باطلين حتى و لو كان المتهم من المعروفين لدى المصالح الجنائية بالاتجار في المخدرات.
ب) تخلف بعض الشروط اللازمة لصحة العمل:
كذلك يتحقق سلوك غير المشروع حتى و لو كان ضابط الشرطة القضائية يباشر عملا قانونيا و لكن تخلفت بعض شروط صحته،كما لو دخل ضابط الشرطة القضائية أحد المحال العامة(مقهى) لمراقبة تنفيذ القوانين، فإن هذا الدخول يكون مبررا و لا يستلزم الحصول على إذن، إلا أن هذا الدخول لا ينبغي أن يستطيل إلى الأماكن المتخذة سكنا، و يقتصر هذا الدخول على أوقات العمل دون الأوقات التي تغلق فيها، و ليس له استكشاف الأشياء المغلقة الغير الظاهرة ما لم يدرك ضابط الشرطة القضائية بأحد حواسه قبل التعرض لها مما يجعل أمر حيازتها أو إحرازها جريمة تبيح التفتيش، و يكون عمله في هذه الحالة قائما على حالة التلبس لا على حق ارتياد المحال العامة.
جـ)تعسف ضابط الشرطة في تنفيذ اختصاصاته القانونية:
و نقصد به تلك الحالات التي يكون فيها ضابط الشرطة القضائية مخولا سلطة ما للقيام بإجراء قانوني أصلا و لكنه يسيء استعمال تلك السلطة أو ينحرف عنها و تنشأ عن ذلك الانحراف بالسلطة حالة تلبس جديدة بجريمة أخرى غير الجريمة الأولى التي كان يمارس الإجراء القانوني فيها، و فيما يلي نقدم مثالين لحالتي تجاوز حدود السلطة و إساءة استعمالها.
1- إن يندب ضابط الشرطة لإجراء معين فيتجاوز حدود سلطته أي يتعداها إلى إجراء آخر و مثال ذلك: أن يكلف بتفتيش منزل شخص فيفتش المنزل ثم يفتش الشخص نفسه فإن عثر معه على شيء يكون جريمة فلا يعتد بالتلبس الأخير و العكس صحيح أي أن يكون مكلفا بتفتيش الشخص فقط فيفتشه ثم يفتش المسكن دون أن يكون مأمورا بالإجراء الأخير فيقع تفتيشه باطلا أيضا.
2- أن يتعسف ضابط الشرطة في استعمال سلطته: و مثال ذلك أن يكلف ضابط الشرطة القضائية بتفتيش مسكن شخص و تفتيش الشخص ذاته للبحث عن سلاح ناري استخدم في جناية قتل، فيجري ضابط الشرطة تفتيش حافظة نقود ذلك الشخص و يجد بها لفافة صغيرة فيفتحها فيجد بها قطعة من مادة مخدرة هنا يقع تفتيشه للمادة الموجودة باللفافة الصغيرة بداخل حافظة النقود باطلا لأنه تعسف في استعمال السلطة إذ لا يعقل من الناحية المنطقية وجود السلاح الناري الذي يبحث عنه بداخل اللفافة الصغيرة، و قد قضى ببطلان هذا التفتيش لأنه تعسف في استعمال السلطة.
د)- منافاة سلوك رجل الضبط للأخلاق والآداب العامة:
3- كذلك يعد سلوكا غير مشروع من جانب ضابط الشرطة القضائية اللجوء إلى وسيلة تتنافى مع الأخلاق و الآداب العامة لإثبات التلبس، فإذا كان من المقرر أنه لا يجوز إثبات حالة التلبس بناءا على مشاهدات يختلسها رجال الضبط من خلال ثقوب أبواب المساكن لما في هذا المساس بحرمة المساكن و المنافاة للآداب و كذلك لا يجوز إثبات تلك الحالة بناءا على اقتحام المسكن فإن ذلك يعد جريمة في القانون فإذا كان الظاهر أن مشاهدة رجال الضبط للمتهمين و هم يتعاطون الأفيون بواسطة الحقن كانت من ثقب الباب ، و أن أحد الشهود احتال عليهم لفتح الغرفة التي كانوا فيها على هذه الحالة ثم اقتحمها رجال الضبط و ضبط المتهمين و فتشهم فعثر لديهم على مخدر فإن حالة التلبس لا تكون ثابتة و يكون القبض و التفتيش باطلين.
4- و إذا كانت العلة في تجريم النظر من ثقوب الأبواب هي ما ينطوي عليه هذا العمل من انتهاك حرمة المكان، فإن الفعل يصبح مباحا إذا كان لا ينطوي على هذا الانتهاك كما لو كان النظر من ثقب الباب تم بمعرفة من له صفة في المكان فإذا كان الثابت أن المكان الذي حصل فيه التفتيش لم يكن مسكنا للمتهم بل هو المحل المخصص لعمل القهوة بديوان البوليس، فإن الشرطي الذي نظر خلال ثقب بابه لم يكن يقصد التجسس على من به إذ لم يكن يعرف أن المتهم مختبئ فيه، بل كان يستطلع سبب الضوء المنبعث منه، فرأى المتهم مشتغلا بعد كربونات الكيروسين المسروقة، فإن حالة التلبس تكون قائمة و التفتيش يكون صحيحا.
5- كذلك يعد النظر من ثقب الباب مشروعا إذا تم بموافقة من له الصفة في المكان إذ أن الرضا الصادر عمن له الصفة في المكان يعتبر في هذه الحالة سبب إباحة ينفي عن فعل ضابط الشرطة وصف الجريمة و يضفي المشروعية على اكتشاف حالة التلبس.
6- كذلك لا يصح إثبات التلبس من خلال التصنت ما لم يكن لا ينطوي على معنى الجاسوسية تطبيقا لذلك قضى بأنه متى كان الثابت أن الضابط و زميله إنما انتقلا إلى محل المجني عليه و استخفيا فيه بناءا على طلب صاحبه ليسمعا إقرار المتهم بأصل الدين و حقيقة الفائدة التي حصل عليها في القرضين. فإنه لا يصح أن يعاب التسمع هنا بالنسبة لرجل البوليس منافاة الأخلاق لأن من مهمة البوليس الكشف عن الجرائم للتوصل إلى معاقبة مرتكبيها.
7- كذلك تتوافر حالة التلبس بتسمع عضوي الرقابة الإدارية للحديث الذي دار بين المتهم و بين الموظف المبلغ في مسكن هذا الأخير و رؤيتهما واقعة تسليم مبلغ الرشوة من خلال ثقب الباب حجرة الاستقبال، مادامت تلك الحالة قد جاءت عن طريق مشروع و هو دعوة الموظف عضوي الرقابة إلى الدخول إلى منزله و تسهيله لهما رؤية الواقعة توصلا إلى ضبط مقارفهما، بما لا منافاة فيه لحرية شخصيته أو انتهاك لحرمة المسكن.
و)سلوك مأمور الضبط تعد تحريضا على ارتكاب الجرائم:
فالمشروعية هي السمة التي يجب أن تتوافر في سلوك مأمور الضبط القضائي عند إثبات التلبس، على أن أظهر حالات عدم المشروعية هي التحريض الواقع من رجل السلطة العامة لارتكاب جريمة لضبط مرتكبها في حالة تلبس، فالقضاء لا يقر التدخل الواقع من ضابط الشرطة القضائية في صورة تحريض على الجريمة بهدف ضبطها، ذلك أن عمل رجل البوليس يجب أن يقتصر على منع الجريمة، فإن أخفق في ذلك فعليه عبء ضبطها، و ليس له في سبيل ذلك أن يحرض على ارتكابها.
و يعد سلوك ضابط الشرطة القضائية تحريضا إذ كان ينطوي على خلق حالة التلبس و يكون ذلك بتعارض هذا السلوك مع القانون في نصوصه وروحه.
و يلاحظ أنه لا أهمية للباعث الذي دفع رجل الضبط إلى التحريض، لأن هذا السلوك يتعارض مع الواجبات الأدبية لوظيفة الضبط القضائي كما يتعارض هذا السلوك مع الالتزام بالاستقامة، ذلك الالتزام الذي يفرضه القانون على رجال الضبطية القضائية عند بحثهم عن الجرائم، و من أمثلة ذلك أن يتظاهر رجال الضبط بأنه يعتزم أن يستغل ما لديه من رأس مال في الاتجار الغير المشروع بالعملة و يلجأ إلى أحد الأشخاص المشهور عنهم تهريب النقد و يمدهم بالمال اللازم لتهريبه للخارج لعقد الصفقة ثم بضبطه بعد إتمام تلك الصفقة، و يصدق المثال على تمويل المجرمين لعقد صفقات لتهريب المواد المخدرة، و قد يستخدم رجال الضبط أموال الدولة في هذه المحاولات إذا كانت الأموال العامة تحت يده للإنفاق منها في وجوه معينة.
و لا شك أنه لا يعتد بالتلبس في مثل هذه الحالات التي يكون فيها وليد التحريض من جانب رجال الضبط على ارتكاب الجرائم إذ لولا تحريضه ولولا مساعدته للمجرمين بتقديم المال لما ارتكبت هذه الجرائم.
هل يعد تحريضا التحايل على اكتشاف الجرائم؟
هناك فارق بين التحريض على ارتكاب الجريمة و التحايل على اكتشافها، فالأول يؤدي إلى وقوع الجريمة كأثر له، أما الثاني فهو يهدف إلى كشف أمر جريمة ارتكبت بالفعل لذلك فإن القضاء أقر مشروعية الثاني دون الأول.
فاعتبر القضاء تحايلا على كشف الجريمة و من ثم مشروعية هذا السلوك.
2.خصائص التلبس:
يتميز التلبس كنظام قانوني بمجموعة من الخصائص التي تميزه عن النظم القانونية الأخرى، و قد سبق لنا أن تعرضنا لسمات ثلاث له هي: حصر حالات التلبس، جواز إدراك التلبس بأي حاسة من الحواس، سلطة قاضي الموضوع في القول بتوافر إحدى حالات التلبس أو انتقائها لذلك سنتعرض لبقية هذه السمات:
أ* الطابع العيني للتلبس:
يقصد بذلك أن التلبس وصف ينصرف إلى الجريمة لا إلى شخص مرتكبها، و هو ما عبر عنه المشرع الجزائري بقوله" توصف الجناية أو الجنحة بأنها في حالة تلبس"و ما دام الأمر كذلك فإنه متى توافرت إحدى حالات التلبس بالجريمة كان لضابط الشرطة القضائية الذي أدرك وقوعها القبض على كل من يقوم دليل على مساهمته فيها و تفتيشه بغير إذن النيابة يستوي في ذلك من يشاهد و هو يرتكب الفعل المكون للجريمة أو من يتبين مساهمته فيها و هو بعيد عن محل الواقعة.
فإذا استصدر ضابط الشرطة إذن من النيابة بضبط متهم حكم بإدانته و تفتيشه فقام بهذا الإجراء فوجده يحرز مادة مخدرة، و إن هذا المتهم دله على شخص آخر-هو المطعون ضده-باعتباره مصدر هذه المادة و البائع لها، فإن انتقال الضابط إلى مكان هذا الشخص و تفتيشه بإرشاد المتهم الآخر يكون إجراء صحيحا في القانون ذلك لأنه بضبط المخدر مع المتهم الآخر تكون جريمة إحرازه متلبسا بها مما يتيح لرجل الضبطية القضائية الذي شاهد وقوعها أن يقبض على كل من يقوم لديه دليل على مساهمته فيها و أن يفتشه.
ب* انصراف التلبس إلى ما يدل على توافر الركن المادي للجريمة:
فالتلبس كما ذكرنا يتعلق باكتشاف الجريمة، و مادام الأمر كذلك فلا بد من وجود ماديات يستدل بها على وقوع الجريمة، و لا يشترط في هذه الماديات أن تكون الركن المادي للجريمة بل يكفي أن تحمل على الاعتقاد بتحقيق الركن المادي للجريمة في أحد عناصره، فيستوي تعلقها بالفعل أو النتيجة.
و تفصيل ما سبق أن اشتراط انصراف التلبس إلى الركن المادي كما ذهب إلى ذلك رأي في الفقه لا يتوافر من وجهة نظرنا إلا بالنسبة للحالة الأولى و الثانية من حالات التلبس بالجريمة حيث يدرك ضابط الشرطة الركن المادي للجريمة وقت تنفيذه، أما ما عدا ذلك من حالات فلا يتوافر فيه هذا الإدراك في الغالب- و الدليل على ذلك - أن التتبع المقترن بالصياح ليس هو الفعل أو النتيجة الإجرامية في جريمة القتل أو السرقة مثلا كذلك فإن حالة الفزع التي انتابت شخصا في أعقاب إطلاق عيار ناري عليه أخطئه...
-و مشاهدة ضابط الشرطة حالة الفزع-ليست هي الفعل في جريمة الشروع في القتل، كذلك فإن حمل شخص سكينا ملوثة بالدماء بعد ارتكابه لجريمة القتل- و دون رؤية ضابط الشرطة فعل القتل أو جثة المجني عليه- لا يمكن اعتباره فعل القتل أو النتيجة الإجرامية.
ففي الحالات السابقة جميعها- ما عدا الحالة الأولى و الثانية من حالات التلبس -لم ينصرف التلبس إلى عناصر الركن المادي للجريمة، و إنما انصرف إلى مظاهر خارجية، لا تعد جزءا من الركن المادي و إن كانت مرتبطة به لدلالتها على وقوعها كأثر لكفايتها.
و متى شاهد ضابط الشرطة تحقق الركن المادي للجريمة أو تحقق أحد عناصره أو شاهد المظاهر التي تدل على وجوده تحققت بذلك حالة التلبس في إحدى صورها، و جاز له مباشرة الإجراءات المترتبة عليها دون حاجة إلى التحقق من العناصر الأخرى للجريمة..
جـ* انصراف التلبس إلى الجريمة التي توافرت لها إحدى حالاته:
متى توافرت حالة التلبس بالجريمة اقتصر هذا الوصف على الجريمة التي وجدت في إحدى حالات المنصوص عليها في المادة41 قانون إج، و يترتب على ذلك أن هذا الوصف لا يمتد لأي جريمة أخرى لم تتوافر لها إحدى حالات التلبس بالجريمة و لو كانت الجريمة الأخرى مرتبطة بالجريمة المتلبس بها، و من ثمة لا يجوز لضابط الشرطة مباشرة إجراءات التحقيق المخولة له استثناء بالنسبة للجريمة المرتبطة بالجريمة المتلبس بها ذلك أن التلبس نظام استثنائي مما يقتضي مباشرة السلطات المترتبة عليه في نطاق الجريمة التي وجدت في إحدى حالاته دون غيرها.
و يلاحظ أنه بالنسبة للجرائم المستمرة تظل حالة التلبس قائمة ما بقيت حالة الاستمرار، و يجوز خلال الوقت الذي تستمر خلاله الجريمة اتخاذ الإجراءات التي يجيزها التلبس، و يرجع ذلك إلى أن هذا النوع من الجرائم يكون تنفيذه قابلا للامتداد في الزمن كما أراد فاعلها ذلك، و من أمثلة هذه الجرائم جريمة استعمال محرر مزور " فهي جريمة مستمرة تبد أ بتقديم الورقة و التمسك بها و تبقى مستمرة ما بقي مقدمها متمسكا بها، و لا تبدأ مدة سقوط الدعوى إلا من تاريخ الكف عن التمسك بها أو التنازل عنها- و لو ظلت في يد الجهة المستعملة أمامها- أو من تاريخ صدور الحكم بتزويرها، و جريمة إحراز مواد مخدرة، و جريمة سرقة تيار كهربائي و جريمة إحراز سلاح بدون ترخيص، لذا قضى بأن متى كانت جريمة إحراز السلاح متلبسا بها، فإن هذا يجيز لضابط الشرطة القبض على الجاني و تفتيشه في أي وقت و في أي مكان مادامت حالة التلبس قائمة و لا تصح مطالبة القائم بالتفتيش بالوقوف فيه عند انقضاء وقت معين أو عند العثور على شيء معين و من ثمة فإن الدليل المستمد من هذا التفتيش يكون صحيحا.
الفصل الثاني: مباشرة الإجراءات في حالة التلبس
1.السلطات الاستثنائية لضابط الشرطة القضائية في حالات التلبس:
منحت المواد 42-62 من قانون الإجراءات الجزائية لضابط الشرطة القضائية في أحوال التلبس قسطا كبيرا من إجراءات التحقيق استثناء هي في واقع أمرها من أهم الآثار القانونية التي تترتب على حالات التلبس بالجريمة، لأن حالة التلبس كثيرا ما تلقي الذعر في نفوس أفراد المجتمع، و يكون من الصالح العام الإسراع باتخاذ إجراءات الضبط فيها و بحسب نصوص التشريع الجزائري تنحصر تلك السلطات الاستثنائية في خمس وهي:
• إخطار النيابة العامة فورا ووجوب الانتقال و المعاينة.
• سلطاتهم بالنسبة للشهود.
• سلطاتهم في ندب الخبراء
• سلطاتهم بالنسبة لاحتجاز المتهمين و الأمر بإحضارهم و القبض عليهم أو تفتيشهم
• سلطاتهم في تفتيش منازل المتهمين و غير المتهمين.
I .وجوب إخطار النيابة العامة و الانتقال و المعاينة فورا :
• تطبيقا لما نصت عليه المادة 42 من قانون إ ج" يجب على ضابط الشرطة القضائية الذي بلغ بجناية في حالة التلبس أن يخطر بها وكيل الجمهورية على الفور ثم ينتقل بدون تمهل إلى مكان الجناية و يتخذ جميع التحريات اللازمة و عليه أن يسهر على المحافظة على الآثار التي يخشى أن تختفي" و المقصود بالسهر على الآثار التحفظ عليها و عدم تمكين أحد أو السماح لأي شخص بتغيير معالم مكان وقوع الجريمة حيث تنص المادة43 ق إ ج" يحظر في مكان ارتكاب جناية على كل شخص لا صفة له، أن يقوم بإجراء أي تغيير على حالة الأماكن التي وقعت فيها الجريمة أو ينزع أي شيء منها قبل الإجراءات الأولية للتحقيق القضائي، و إلا عوقب بغرامة من 200 إلى 1000 دينار جزائري" و يتحتم على ضابط الشرطة القضائية أن يعرض الأشياء المضبوطة على الأشخاص المشتبه في مساهمتهم في الجناية للتعرف عليهم و ذلك تطبيقا للفقرة الأخيرة من المادة 42 التي تنص على :" و أن يعرض الأشياء المضبوطة على الأشخاص المشتبه في مساهمتهم في الجناية للتعرف عليها"
• و هذه الواجبات و إن كانت هي بعينها التي يقوم بها عادة ضابط الشرطة القضائية في حالة وقوع جناية أو جنحة في غير حالات التلبس، إلا أن الفارق بين حالة التلبس و غيرها أن الانتقال و المعاينة و إخطار النيابة بالواقعة قد أمر به المشرع على سبيل الوجوب و نص على الإلزام بالقيام بها بصفة فورية عاجلة، فهي إذن ليست اختيارية لضابط الشرطة كما هو الحال في غير حالات التلبس.
• و يترتب على هذا الإلزام أن ضابط الشرطة القضائية يسأل إداريا عن التمهل أو التأخير في الانتقال لضبط الواقعة و كذلك عند عدم إخطار وكيل الجمهورية بوقوع الجريمة في حيينها أو مجرد التراخي أو التأخير في ذلك الإخطار و من باب أولى يسأل ضابط الشرطة عن امتناعه عن تلقي بلاغ التلبس أو امتناعه عن ضبط الواقعة.
II. سلطتهم بالنسبة للشهود:
تطبيقا لأحكام المادة 50 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري" يجوز لضابط الشرطة القضائية منع أي شخص من مبارحة مكان الجريمة ريثما ينتهي من إجراء تحرياته"
و لما كانت تلك المادة توجب على كل شخص أن يمتثل لأوامر ضابط الشرطة القضائية في كل ما يطلبه منه بشأن التعرف على هويته أو التحقق من شخصيته كلما كان ذلك ضروريا في مجرى جمع الاستدلالات القانونية و تقضي الفقرة من هذه المادة" كل من خالف أحكام الفقرة السابقة يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز 10 أيام و بغرامة 500دج" و من الطبيعي أن المحكمة هي التي توقع هذه العقوبة بناءا على ما يثبته ضابط الشرطة القضائية في محضره
ليس هذا فحسب بل إن الفقرة الأولى من المادة 51من قانون الإجراءات الجزائرية " إذا رأى ضابط الشرطة القضائية لمقتضيات التحقيق، أن يوقف للنظر شخصا أو أكثر ممن أشير إليهم في المادة 50، فعليه أن يطلع فورا وكيل الجمهورية و يقدم له تقريرا عن دواعي التوقيف للنظر"
أي تجيز لضابط الشرطة القضائية أن يحتجز تحت المراقبة شخصا أو أكثر من شهود الحادث إذا كانت مقتضيات التحقيق تتطلب ذلك على أن لا تتجاوز مدة الحجز 48 ساعة و هذا ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 51ق إ ج.
و نلاحظ أن هذه السلطة ليست قاصرة على حالات التلبس بجناية فقط بل كذلك في التلبس بجنحة عقوبتها الحبس كما سبق القول تطبيقا للمادة 55 قانون إجراءات الجزائية أما في غير حالات التلبس فلا يملك ضابط الشرطة القضائية أن يأمر بإحضار شاهد أو حجزه و كل ما له هو أن يستدعيه للحضور لأخذ معلوماته فإذا امتنع يثبت ضابط الشرطة القضائية ذلك في محضره و له أن يستصدر أمرا بضبطه و إحضاره من قاضي التحقيق أو وكيل الجمهورية عند الاقتضاء.
III. سلطتهم بالنسبة لندب الخبراء:
تتضمن أحكام المادة49 من قانون أ ج ج:" إذا اقتضى الأمر إجراء معاينات لا يمكن تأخيرها فلضابط الشرطة القضائية أن يستعين بأشخاص مؤهلين لذلك.
و على هؤلاء الأشخاص الذين يستدعيهم هذا الإجراء أن يحلفوا اليمين كتابة على إبداء رأيهم بما يمليه عليهم الشرف و الضمير" و من هنا نرى أن انتداب الخبراء في هذه الحالة(تلبس)، خاضع لتقدير ضابط الشرطة القضائية و معياره سرعة اتخاذ الإجراء، و بذلك يختلف الأمر عن سلطته العادية في غير حالات التلبس إذ تكون سلطته في الاستعانة بالخبراء متوقفة على رضاء صاحب الشأن سواء كان رضاء صريحا أو فنيا على ما سبق بيانه و معنى ذلك أنه إذا كان الإجراء المطلوب انتداب الخبير من أجله، لا يتطلب السرعة في اتخاذه فإن على ضابط الشرطة القضائية أن يترك ذلك للمحقق الأصلي.
IV. سلطتهم بالنسبة لاحتجاز المتهمين أو الأمر بإحضارهم أو القبض عليهم أو تفتيشهم:
تناول المشرع الجزائري تلك السلطات في المواد من 51 إلى 54 قانون إج و يمكن تلخيص أحكامها فيما يلي:
1- احتجاز المتهم: تنص الفقرة الثانية المادة 50 ق إج:" على كل شخص يبدو له ضروريا في مجرى استدلالاته القضائية التعرف على هويته أو التحقق من شخصيته أن يمتثل له في كل ما يطلبه من إجراءات في هذا الخصوص" و التي تخول لضابط الشرطة القضائية في حالة التلبس حق استدعاء المتهم، للتعرف على هويته و التحقق من شخصيته و له الحق في احتجازه لمدة 48 ساعة تطبيقا للفقرة الأولى من المادة 51 ق إج، بالإضافة إلى ذلك يجوز لضابط الشرطة القضائية تمديد الحجز إلى فترة مماثلة بشرطين الأول تقوم دلائل قوية و متماسكة من شأنها التدليل على اتهامه، و الثاني أن يحصل على تصريح كتابي من وكيل الجمهورية بعد أن يقوم هذا الأخير بتدقيق الملف أي بعد الاطلاع على أوراق محضر جمع الاستدلالات، كما أنه يجوز لوكيل الجمهورية إصدار الأمر بالحجز لمدة 48 ساعة بناءا على مذكرة كتابية مسببة بدون الاطلاع على المحضر الخاص و ذلك تطبيقا للفقرة الثانية من المادة 51 ق أ ج ج" و إذا قامت ضد شخص دلائل قوية و متماسكة من شأنها التدليل على اتهامه فيتعين على ضابط الشرطة القضائية أن يقتاده إلى وكيل الجمهورية دون أن يوقفه للنظر أكثر من 48 ساعة" أما في الفقرة الأخيرة من نفس المادة51 القانون إج " تضاعف جميع الآجال المنصوص عليها في هذه المادة إذا تعلق الأمر باعتداء على أمن الدولة و يجوز تمديدها بإذن مكتوب من وكيل الجمهورية دون أن تتجاوز 12 يوما إذا ما تعلق الأمر بجرائم موصوفة بأفعال إرهابية أو تخريبية" فهي تجيز مضاعفة تلك المدة في حالة الاتهام في جرائم أمن الدولة ويجب في حالة حجز أي شخص أن يؤشر بذلك على هامش المحضر و أن تثبت بيانات الحجز مستوفاة في السجل الخاص و المعد لذلك و الكائن بكل دائرة الشرطة أو مركز للدرك و يكون ذلك السجل مرقما بأرقام متسلسلة و موقعا على كل صفحة منه من وكيل الجمهورية.
2- الأمر بالإحضار:
فرق القانون الجزائري بصريح النص بين الأمر بالإحضار و الأمر بالقبض، فنصت المادة 110 من قانون الإجراءات الجزائري على أن الأمر بالإحضار هو ذلك الأمر الذي يصدره قاضي التحقيق إلى القوة العمومية لاقتياد المتهم و مثوله أمامه على الفور، كما تنص تلك المادة على أنه يجوز لوكيل الجمهورية إصدار الأمر بالإحضار، على أن يبلغ الأمر في الحالتين و ينفذ بمعرفة أحد ضباط الشرطة القضائية أو أعوان الضبط القضائي.
و يشترط أن يكون الأمر بالإحضار من صورتين يقوم ضابط الشرطة القضائية بتسليم صورة منه إلى الشخص المطلوب إحضاره و تنص المادة 116 قانون إج على أنه إذا رفض المتهم الامتثال لأمر الإحضار أو أنه أبدى استعداده لتنفيذه و حاول الهرب فإنه يتعين إحضاره جبرا عنه بطريقة القوة.
و الأمر بالإحضار بهذا الوصف يصدر ضد المتهم الذي لم يسبق استجوابه لكي يمكن إحضاره أمام المحقق لاستجوابه عن التهمة المنسوبة إليه.
3- الأمر بالقبض:
تعريف القبض:لم يرد تعريف للقبض في قانون الإجراءات الجنائية الجزائري و المصري أو الفرنسي، أما الفقه فقد قام بدوره في تعريف القبض فعرفه البعض بأنه: " حرمان الشخص من حريته في التجول و لو لفترة يسيرة" و ذهب رأي آخر إلى القول " القبض هو الحجز على حرية متهم بتقييد حركة في التجول"و عرفه رأي آخر بأنه" سلب حرية شخص لمدة قصيرة في المكان الذي يعده القانون لذلك"و في فرنسا يعرفه الفقه بأنه" عمل مادي يباشر على جسم شخص بغرض حرمانه مؤقتا من حرية الغدو و الرواح" كذلك وردت بعض التعاريف في القضاء أهمها" مجموعة احتياطات متعلقة بحجز المتهمين ووضعهم في أي مكان تحت تصرف البوليس لمدة بضع ساعات كافية لجمع الاستدلالات التي يمكن أن يستنتج منها لزوم توقيع الحبس الاحتياطي و صحته قانونا"
يتضح من التعريفات السابقة أن القبض هو إجراء من إجراءات التحقيق يؤدي إلى تقييد حرية الشخص في التنقل فترة من الزمن بغرض اقتياده إلى سلطة التحقيق لتتولى استجوابها و تقرير ما إذا كان الأمر يتطلب حبسه أو إخلاء سبيله.
و بناءا على ما سبق فإن القبض كإجراء من إجراءات التحقيق يتطلب صدور الأمر به من سلطة التحقيق و هو وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق حسب نص المادة 119ق إج.
*سلطة ضابط الشرطة القضائية في القبض بناءا على حالة التلبس:
لم ينص المشرع الجزائري صراحة على حق ضابط الشرطة القضائية في القبض على المتهم في حالة تلبس، و لكن المادة 61 ق إج تنص على" يحق لكل شخص في حالات الجناية أو الجنحة المتلبس بها و المعاقب عليها بعقوبة الحبس ضبط الفاعل و اقتياده إلى أقرب ضابط للشرطة القضائية"
و كان الأولى بالاتباع أن ينص صراحة على حق ضابط الشرطة القضائية في حالات التلبس في القبض على المشتبه فيهم و تفتيش أشخاصهم أسوة بما نص عليه المشرع الجزائري من تقرير ذلك الحق بالنسبة لتفتيش مساكنهم و مساكن الغير و أسوة بما نص عليه المشرع المصري في المادة 34 " لمأموري الضبط القضائي في أحوال التلبس بالجنايات أو الجنح التي يعاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر أن يأمر بالقبض على المتهم الحاضر التي توجد دلائل كافية على اتهامه"
و ما نص عليه المشرع الليبي في المادة 24 من حق مأمور الضبط في إلقاء القبض على المتهم الحاضر في حالات التلبس و ما نصت عليه المادتان 35 من القانون المصري و 25 من القانون الليبي من حق مأمور الضبط في إصدار أمر بضبط المتهم و إحضاره في تلك الحالات إذا لم يكن حاضرا، و ما نصت عليه المادة 46 من الإجراءات المصري بقولها أنه في الأحوال التي يجوز فيها القبض على المتهم قانونا يجوز لمأمور الضبط القضائي أن يفتشه.
و من خلال ما سبق يتضح جليا أنه يتعين توافر شروط معينة لمباشرة ضابط الشرطة القضائية لسلطة القبض،و هذه الشروط تتعلق بأن تكون الجريمة في حالة تلبس و أن تكون من نوع الجناية أو الجنحة المعاقب عليها بعقوبة معينة وأن تتوفر الدلائل الكافية على نسبة الجريمة إلى المتهم و سنتناول كل شرط بشيء من التفصيل
أ. وجود الجريمة في حالة تلبس:
أي أن تكون الجريمة في إحدى حالات التلبس التي نص عليها القانون في المادة 41 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري و أن تتوافر حالة التلبس بجميع عناصرها و شروطها و بصفة خاصة أن يكون ضابط الشرطة القضائية قد عاين بنفسه حالة التلبس، و أن تكون هذه المعاينة قد تمت من خلال طريق مشروع، فإن مشاهدة المتهم و هو يرتكب الجريمة تتحقق به حالة تلبس مما يجيز القبض عليه و متى وجدت الجريمة في حالة تلبس فلا أهمية لما إذا كانت هذه الجريمة قد وقعت تامة أو وقفت على حد الشروع المعاقب عليه، كذلك لا أهمية لما إذا كانت الجريمة المتلبس بها عمدية أو غير عمدية.
و لما كان التلبس شرطا لصحة القبض فإن هذا يفترض أن حالة التلبس بالجريمة تتقدمه؛أي أنه يتعين أن يكون التلبس سببا للقبض أما إذا كان التلبس نتيجة لقبض غير مشروع فإن حالة التلبس تعد بدورها غير مشروعة و بالتالي لا يصح القبض الذي بوشر استنادا إليها.
ب)الجريمة من نوع جناية أو جنحة المعاقب عليها بعقوبة معينة:
إن سلطة ضابط الشرطة القضائية في القبض على المتهم لا تمتد إلى الجرائم المتلبس بها كافة و إنما الأمر على التفصيل الآتي:
* بالنسبة للجناية: تمتد سلطة ضابط الشرطة القضائية في القبض بالنسبة للجرائم المتلبس بها إلى كل فعل يعد جناية، و العبرة في ذلك بما قرره المشرع للجريمة من عقوبة باعتبار أنها ضابط تقسيم الجرائم، و متى كانت العقوبة تندرج في نطاق العقوبات المقررة للجنايات فلا أهمية بنوعها فيستوي أن تكون العقوبة بالإعدام أو السجن.
بل يجوز لضابط الشرطة القضائية مباشرة القبض متى اعتقد أن الفعل يعد جناية ثم اتضح فيما بعد أن الأمر لا يشكل جريمة، كما لو شاهد جريمة قتل عمد ترتكب ثم اتضح فيما بعد توافر سبب الإباحة حيث أن القاتل الذي قبض عليه كان يدافع عن نفسه، ذلك أن الأعمال الإجرائية تجري على حكم الظاهر و لا تبطل من بعد نزولا على ما يكتشف من أمر الواقع.
*بالنسبة للجنح:
يتجه المشرع الجزائري إلى منح ضابط الشرطة القضائية سلطة القبض في الجرائم التي تعد جنح غير أنه في ذات الوقت قدر أنه ليس كل جنحة تدل على خطورة إجرامية لهذا تطلب المشرع أن يتوافر في الجنحة شرطان حنى يكون لضابط الشرطة القضائية سلطة القبض.
أولا: أن تكون الجنحة معاقب عليها بعقوبة الحبس، و ينبني على ذلك لا يجوز القبض و لو كانت الجنحة معاقب عليها بعقوبة الغرامة فقط، أما إذا كانت الغرامة تخييري فيجوز لضابط الشرطة القضائية مباشرة القبض.
و لا يجوز القبض في حالة الشروع في جنحة متلبس بها إلا إذا كان المشرع يعاقب على هذا الشروع بعقوبة الحبس، (أي ما استثني من المشرع).
ثانيا: أن لا تقل عقوبة الحبس المقررة للجنحة عن حد معين ففي القانون الإجراءات الجزائية المصري لا يستطيع ضابط الشرطة القضائية مباشرة سلطة القبض على المتهم بارتكاب جنحة متلبس بها إلا إذا كانت عقوبة الحبس المقررة لها تزيد عن ثلاثة شهور إلا أن المشرع الجزائري لم يجعل من مدة الحبس لممارسة ضابط الشرطة القضائية القبض شرطا ضروريا.
بالنسبة للمخالفات: نظرا لبساطة الضرر المترتب عليه لم يخول المشرع الجزائري أو المصري أو الفرنسي ضابط الشرطة القضائية سلطة القبض على المتهم بارتكاب مخالفة.
جـ)الدلائل الكافية:
تعد الدلائل الكافية شرطا لمباشرة أي إجراء ينطوي على مساس بحرية المتهم، وهي تمثل الضمان الوحيد الذي رسمه المشرع الجزائري للأفراد لحمايتهم من كل إجراء قد يكون ضارا بهم.
و الدلائل الكافية هي مجموعة من الوقائع الظاهرة الملموسة التي يستنتج منها أن شخصا معينا هو مرتكب الجريمة، فالدلائل تستمد من واقع الحال من مجموعة من المظاهر المادية التي تؤيد نسبة الجريمة إلى شخص معين مثل مشاهدة المتهم قبل وقوع جريمة القتل يقوم بشراء سلاح ناري ذي مقذوف ناري معين ووجود هذا المقذوف في جسم المجني عليه القتيل أو شم رائحة المخدر تتصاعد من لفافة يحملها المتهم ثم محاولته التواري عن نظر الضابط مع ظهور علامات الارتباك عليه.
أما لكفاية الدلائل فتعني قوتها بحيث يصبح معها في العقل استناد جريمة معينة إلى شخص معين و لا يشترط للقول بقوتها أن ترتقي إلى مرتبة الأدلة، فهي و إن كانت تصلح لمباشرة ضابط الشرطة القضائية لبعض الإجراءات الماسة لحرية المتهم إلا أنها لا تصلح سببا للإدانة أمام محكمة الموضوع وإنما تصلح سببا للبراءة، و تؤسس البراءة في هذه الحالة على أساس عدم ثبوت الواقعة في حق المتهم لأن هذه الدلائل لا تجزم بأن متهما معينا هو الذي ارتكب الجريمة و إنما تثير غبارا حوله قد يكفي للشك في صحة موقفه و لكنها لا تكفي لإدانته.
و تقدير كفاية الدلائل متروك لتقدير ضابط الشرطة القضائية و بحيث يخضع تقديره لرقابة مزدوجة تباشرها سلطة التحقيق و من بعدها محكمة الموضوع.
III.تقييد سلطة ضابط الشرطة القضائية في القبض:
الأصل حرية النيابة العامة هي الممثلة للهيئة الاجتماعية تملك من حيث الأصل في تحريك الدعوى العمومية دون أن يحد من حريتها في هذا الصدد قيد ما و هذا هو الأصل و إذا كان ما سبق يمثل القاعدة العامة فإن المشرع الجزائري أورد إستثناءات على هذه السلطة المطلقة و أخضعها لقيود و شكليات معينة التي تتمثل في وجوب تقديم شكوى من المجني عليه أو الحصول على إذن أو طلب من جهة معنية قبل مباشرة أي إجراء من إجراءات التحقيق فيها ذلك حسب نوع الجرائم المرتكبة و حسب صفة المتهم أو وضعيته و هذه القيود إما تهدف إلى حماية الضحية أو لحماية أجهزة الدولة.
تقديم شكوى من المجني عليه:
يقصد به البلاغ الذي تقدمه الضحية إلى السلطات المختصة كالنيابة العامة أو حتى الشرطة القضائية تطلب فيه تحريك الدعوى العمومية و تؤسس طرفا مدنيا فيها فلا يمكن تحريك الدعوة العمومية تلقائيا من النيابة العامة إلا بعد تقديم شكوى من طرف المتضرر و من هذه الجرائم جريمة السرقة، النصب، و خيانة الأمانة التي تقع بين الأقارب و الحواشي إلى الدرجة الرابعة التي نصت عليها المواد 368-369-376 ق ع ج جريمة الزنا التي تقع بين الزوجين المادة 279 جريمة خطف قاصر 326 ق ع جريمة الهجرة العائلية المادة330 ق ع فإنه إذا كانت الجريمة المتلبس بها مما يتوقف رفع الدعوى العمومية عنها على شكوى فلا يجوز القبض على المتهم إلا إذا صرح بشكوى من يملك تقديمها....
الطلب:
يقصد به ما يصدر عن إحدى الهيئات تابعة للدولة سواء بوضعها ضحية في الجريمة أضرت بمصلحتها أو أنها ممثلة للمصلحة المضرورة يعد هذا العمل إجرائي لا بد منه و يبين لنا الإرادة و الرغبة في تحريك الدعوى العمومية بصدد الجرائم التي تقع و تصيب أو تضر هيئة من الهيئات العمومية و يجب أن يكون هذا الطلب كتابيا موقعا من طرف صاحب السلطة و القيد المتعلق بالجرائم المتلبس بها ينصرف إلى الجرائم التي يستلزم فيها القانون تقديم شكوى أو حصول على طلب.
الإذن:
نص قانون الإجراءات الجزائية و حتى القوانين الأخرى أن تحريك الدعوى العمومية ضد موظفين ينتمون إلى هيئات معينة لا تكون إلا بناءا على إذن خاص من الجهة التي يتبعونها و ذلك لحماية هؤلاء الموظفين من البلاغات الكيدية و الدعاوى فيها و يتمثل هذا في:
1.الحصانة البرلمانية: خول الدستور الجزائري 1996 الحصانة للنائب في البرلمان طوال مدة نيابته و نظم قواعد تحريك الدعوى العمومية ضده في حدود شروط هذا حسب المادة 109-110 من الدستور حيث لا يمكن أن يتابع أيا كان أو يوقع بسبب فعل إجرامي إلا بتنازل صريح منه أو بإذن من المجلس الشعبي الوطني الذي يقرر رفع الحصانة أما في حالة تلبس أحد النواب بجنحة أو جناية يمكن توقيفه و يخطر بذلك مكتب المجلس الشعبي الوطني أو مجلس الأمة حسب الحالة فورا و يمكن للمكتب المخطر أن يطلب إيقاف المتابعة و إطلاق سراح النائب على أن يعمل بأحكام المادة110 من الدستور هذا ما ورد في نص المادة111.
2.الحصانة الدبلوماسية: تمنح الاتفاقيات و الأعراف الدولية الحصانة الدبلوماسية للدبلوماسيين الأجنبيين المعتمدين في الوطن ممثلين لبلد جنسيتهم و لا يمكن المتابعة في الدعاوى العمومية.
3.القضاء: إن متابعة رجال القضاء عند ارتكابهم للجرائم تخضع لإجراءات خاصة و لا تتم المتابعة إلا بعد ترخيص صريح من ذوي الشأن في حالة إقرار بالمتابعة ينتدب قاضي التحقيق خارج اختصاص المجلس الذي يعمل به القاضي من أجل التحقيق المواد573-575.
VI.ضمانات الحرية الفردية عند تنفيذ القبض:
نص المشرع الجزائري على عدد من الضمانات تتعلق بتنفيذ القبض، و هذه الضمانات قد تتعلق بالشخص القائم بالإجراء و بمدة القبض، و أيضا قد تتعلق بالشخص المقبوض عليه.
• شخص القائم بإجراء القبض: القبض كإجراء لا ينبغي أن يباشر إلا بمعرفة السلطة المختصة بالتحقيق إلا أنه لاعتبارات عملية عهد المشرع لذلك أيضا إلى ضباط الشرطة القضائية أما أعوان الضبط القضائي الذين ليس لهم صفة ضابط الشرطة القضائية فليس لهم سوى سلطة الاقتياد المادي تحت إشراف و رقابة ضابط الشرطة القضائية.
• الحرمان من الحرية لا يكون إلا لمدة محددة: إن حرمان المقبوض عليه من حريته أمر يترتب تلقائيا على القبض الفعلي لذلك يعتبر هذا الحرمان جوهر القبض، غير أن مدة هذا الحرمان لا تعتبر من خصائصه، ذلك أن القبض لا يستغرق إلا لحظة، و قد تطول مدته.
يقصد بمدة القبض الفترة الزمنية التي يظل فيها المقبوض عليه محروما من حريته الشخصية في التنقل، و الواقع أن تحديد هذه المدة يعد ضمانة جوهرية للمتهم حتى لا يظل مهددا بهذا الأمر أمدا طويلا. و قد حدد المشرع الجزائري مدة القبض بمعرفة ضابط الشرطة القضائية بـ 48 ساعة و هذا مستخلص من نص المادة 121 ق أ ج ج التي أوجبت على ضابط الشرطة القضائية أن يسمع فورا أقوال المتهم المقبوض عليه ثم يساق هذا الأخير دون تمهل إلى مؤسسة إعادة التربية المبينة في أمر القبض حيث يجري تسلميه و حبسه.
سلطتهم في تفتيش المتهمين و المساكن
1.تعريف التفتيش:
تعددت التعريفات الفقهية التي قيل بها بشأن التفتيش، و هي لا تخرج عن أن التفتيش"إجراء من إجراءات التحقيق يقوم به موظف مختص، طبقا لإجراءات المقرر قانونا، في محل يتمتع بالحرمة بهدف الوصول إلى أدلة مادية لجناية أو جنحة تحقق وقوعها لإثبات ارتكابها أو نسبتها إلى المتهم".
و الهدف من مباشرة هذا الإجراء هو الحصول على دليل مادي يتعلق بالجريمة الجاري جمع الاستدلالات عنها أو التحقيق بشأنها لذلك قيل أن تفتيش لا يمكن اعتباره دليلا في حد ذاته، و إنما الدليل هو مانتج عنه من أدلة مادية سواء تعلقت بالجريمة التي أتخذ هذا الإجراء من أجلها، أم بجريمة أخرى كشف عنها هذا الإجراء في إطار ضوابط محددة تهدف إلى أن يكون ضبط هذه الأدلة بطريقة عرضية و ينطوي إجراء التفتيش على مساس بحق الانسان في السر الذي يمثل أحد مظاهر الحق في الخصوصية و له الحق في حرمة حياته الخاصة و سريتها و مجال هذه السر ية في شخص الانسان أو مسكنه و إذا كان الأصل أنه لا يجوز للدولة في سبيل إثبات الجريمة لعقاب مرتكبيها خرق حجاب السرية إلا أن المشرع لم يجعل من حق الانسان في السر قاعدة ذات حصانة مطلقة، و إنما وازن بين احترام هذا المبدأ و حق الدولة في العقاب فأجاز المشرع خرق هذا الحق من خلال عدة إجراءات منها التفتيش وفق ضوابط موضوعية بينها التشريع و دعمتها أحكام المحاكم و اجتهادات الفقهاء.
2.تفتيش المتهمين:
1.شروط التفتيش بناءا على حالة التلبس:
و تتمثل الشروط الموضوعية للتفتيش كاختصاص استثنائي تلقائي بضابط الشرطة فيما يلي:
أ.وقوع جريمة في حالة التلبس: لا يستطيع ضابط الشرطة القضائية مباشرة التفتيش كإجراء تحقق إلا بصدد جريمة وقعت فعلا و يرجع ذلك إلى أن إجراءات التحقيق-و منها التفتيش- لا يباشر إلا حيال جريمة وقعت بالفعل. و عليه فلا يصح مباشرة هذا الإجراء و لو وجدت تحريات جدية تدل عزم بعض الاشخاص على ارتكاب جريمة لذلك يعد باطلا إذن بالتفتيش متهم دلت التحريات على أنه سافر من مدينة إلى مدينة منذ ثلاثةأيام و سيعود بعد يومين و معه كمية من المخدرات و ذلك لأن الإذن بالتفتيش هو إجراء من إجراءات التحقيق و لا يصح قانونا إصداره إلا لضبط جريمة وقعت بالفعل و ترجحت نسبتها إلى المأذون بتفتيشه.
و يخضع القول بتوفر حالة التلبس بالجريمة لضابط الشرطة القضائية تحت رقابة سلطة التحقيق و محكمة الموضوع.
ب.أن تكون الجريمة من نوع الجناية أو الجنحة:
ساوى المشرع الجزائري بين سلطة ضابط الشرطة القضائية في القبض و سلطته في التفتيش الاداري للمتهم فله الحق في القبض على المتهم متى كانت الجريمة المتلبس بها من نوع الجنايات أو الجنح المعاقب عليها بالحبس.
أما المخالفات فلم يجز المشرع التفتتيش في شانها لأنها من ضآلة الشأن بحيث لا يتوافر لها من الخطورة ما يبرر إهدار حرمة الشخص أو حرمة مسكنه.
جـ- توافر الدلائل الكافية على نسبة الجريمة إلى المتهم:
و قد سبق لنا التعرض لمفهوم الدلائل الكافية و قلنا أنها شرط لكل إجراء ينطوي على المساس بحرمة المتهم أو حرمة مسكنه و نقول أيضا مرة ثانية أن حالة المتلبس بالجريمة لا تعد من قبيل الدلائل الكافية على نسبة الجريمة إلى المتهم إلا إذا شوهد الجاني و هو يرتكب الجريمة.
أما ما عدا ذلك فلا بد من وجود الدلائل الكافية على نسبة الجريمة إلى شخص معين، و يتولى ضابط الشرطة القضائية تقدير كفاية هذه الدلائل و يخضع تقديره لرقابة سلطة التحقيق و محكمة الموضوع.
د- يبرر التفتيش الاعتقاد بوجود أدلة مادية تتعلق بالجريمة المرتكبة:
لا يجد التفتيش سند مشروعيته فقط في كون الجرينة المتلبس بها تجيز لضابط الشرطة القضائية تفتيش شخص المتهم، بل أن مشروعية هذا الإجراء تتوقف أيضا على الاعتقاد بتوافر أمرات قوية على أن المتهم يحوزا أو يخنفي أشياء مادية تفيد في كشف الحقيقة عن الجريمة المرتكبة و لامقصود بهذه الأشياء هي تلك الادلة المادية التي تنتج عن عناصر مادية ناطقة بنفسها و تؤثر على اقتناع القاضي بطريقة مباشرة و تمكن الو صول إليها عن طريق التفتيش و الضبط وأعمال الخبرة. و هي تختلف عن الأدلة القولية التي لا يمكن ضبطها عن طريق التفتيش بإعتبارأنها تنتج عن عناصر شخصية تتمثل فيمايصدر عن الغير من أقوال و تؤثر في إقتناع القاضي بطريق غير مباشر مثل إعتراف و شهادة الشهود.
ومتى توافرت مبررات التفتيش صح هذا الإجراء و لو لم يسفر التفتيش عن وجود أشياء تفيد في كشف لحقيقة, ذلك أن العبرة بتوافر مبررات التفتيش و ليس بنتيجته إذ تعد هذه النتجة إحتمالية, بمعنى أن التفتيش قد لا يسفر عن ضبط مايفيد في كشف الحقيقة. و يخضع تقدير هذه القرائن لظابط الشرطة القظائية تحت رقابة سلطة التحقيق و محكمة الموضوع.
2.حدود تفتيش شخص المتهم :
متى توافرت حالة التلبس بشروطها القانونية نشأ لضابط الشرطة القضائية إختصاص تلقائي بتفتيش المتهم و يخضع تفتيش المتهم لبعض الضوابط التي يتعين مراعاتها و هي:
أ. التفتيش مقصور على شخص المتهم دون غيره:
إباحة التفتيش لضابط الشرطة القضائية لا ينصرف إلا لشخص المتهم دون غيره فسلطته في التفتيش بناءا على حالة التلبس بالجريمة تقتصر على من توافرت في حقه الدلائل الكافية على ارتكابه الجريمة المتلبس بها ولا يجوز أن يمتد التفتيش إلى غيره كزوجته أو ابنه لمجرد توافر تلك الصفة فحسب.
ب. تفتيش المتهم يشمل شخصه و ما بحوزته من منقولات يحملها:
إن تفتيش شخص المتهم يعني تحسس ملابسه من الخارج كما يعني التنقيب فيها بدقة كذلك فحص الجسد ظاهريا لبيان ما به من آثار تساعد في إجلاء الحقيقة.
كذلك يمتد التفتيش إلى المنقولات كافة التي بحوزة المتهم المراد تفتيشه فيمتد إلى الحقائب و الأوراق و الصناديق و أي شيء يحمله المتهم باعتباره من توابعه.
أما إذا لم يكن من الجائز تفتيش الشخص فلا يجوز تفتيش ما يحمله و لو كان الذي يحمله ليس على ملكه لأن هذا الشيء تنعطف عليه الحماية الجنائية المقررة لحامله فيعتبر من توابعه..
و لا يشترط أن تكون هذه الحقائب في يد المتهم وقت تفتيشه لأماكن تفتيشها، بل يصح تفتيشها و لو كان يضعها أمامه في طريق عام ما دام ظاهر الحال لا يوحي بتخليه عنها أماإذا كان العكس فإن فتحها لا يعد تفتيشا بل هو ضرب من ضروب الاستطلاع و التحري،فالتخلي الاختياري يجيز البحث و التنقيب في الشيء المتخلى عنه فإذا أسفر هذا البحث عن وجود جريمة متلبس بها و توافرت الدلائل الكافية قبل شخص على أنه مرتكبها جاز تفتيشه.
• جواز استخدام القوة لتنفيذ التفتيش:
تنفيذ التفتيش ليس متروكا لإرادة المتهم، و إنما يتعين عليه أن يخضع للتفتيش طواعية، فإن أبى ذلك كان لضابط الشرطة القضائية اللجوء للقوة لأجباره للخضوع للتفتيش بشرط أن يكون الإكراه الذي تعرض له المتهم بالقدر اللازم لتنفيذ التفتيش فإذا زاد الإكراه عن ذلك كان العمل غير مشروع، و قد تترتب عليه المسؤولية الجنائيةلضابط الشرطة القضائية فإذا كان بمقدور القائم بالتفتيش تكبيل يد المتهم لتنفيذ التفتيش فليس له أن يصيبه بجروح لإعاقته من الحركة بدلا من تكبيل يديه بحجة تنفيذ التفتيش و يخضع تقدير ضابط الشرطة القضائية في هذا الصدد لرقابة جهة التحقيق و محكمة الموضوع.
3- استخدام الوسائل العلمية في تفتيش المتهم:
يقصد بالشخص كمحل قابل للتفتيش هو كيانه المادي و كل ما يتعلق به و يتصل به فتفتيش الشخص يشمل جسمه و ملابسه و المنقولات التي في حوزته.
و لكن هل يمكن أن يمتد التفتيش إلى داخل جسم الانسان؟ و بعبارة اخرى هل يمكن الاستعانة بالوسائل العلمية الحديثة للتعرف في مكنون النفس البشرية و ما يحويه الشخص من أدلة للجريمة؟
إن الوسائل العلمية التي يمكن الاستعانة بها في التفتيش عديدة و متنوعة منها ما يؤثر على إرادة المتهم، و لذلك اتجهت أحكام المحاكم إلى عدم جواز استخدامها كوسيلة تفتيش مثل وسيلة التنويم المغناطيسي و التحليل التحذيري المتمثل في حقن الشخص بعقار يؤدي إلى حجب التحكم في الاداء العقلي و الإرادي، و أخيرا جهاز كشف الكذب، و علة الاستبعاد هذه الوسائل أنها تؤثر في إرادة الشخص فلا يعد ما يصدر عنه من أقوال صادرا عن إرادة حرة وواعية.
إلا أن بعض الوسائل العلمية الحديثة لا تؤثر في إرادة المتهم مثل أخذ بصمات المشتبه فيه،و أيضا عمليات تحليل الدم و البول و إجراء غسيل معدة المتهم و هو ما سنتناوله.
أ. تحليل الدم:
يعد تحليل الدم من الإجراءات التي أقرت شرعيتها العديد من النصوص القانونية و أظهر حالات تحليل الدم هو ما يجري ضمن أحكام قوانين المرور.
فلإثبات أن قائد السيارة كان يقودها تحت تأثير الخمر أو المخدر مما أدى إلى مخالفته قواعد المرور فإنه يجوز الالتجاء إلى الوسائل العلمية و الطبية الحديثة و ذلك بإحالته إلى أحد المستشفيات لتوقيع الكشف الطبي عليه فور ضبطه وقبل أن يزول أثر المخدر أو الخمر بتأثير مرور الوقت فإذا ارتكب شخص جريمة من جرائم المرور وبان لضابط الشرطة القضائية أن المتهم ارتكب هذه الجريمة في موقف ينبئ عن أنه كان يقود المركبة و هو تحت تأثير الخمر أو المخدر، كأن كانت تنبعث من فمه أو ملابسه رائحة الخمر أو المخدر، أو كان يترنح لغير علة جسدية ظاهرة، أو كان يتفوه بألفاظ توحي عن عدم سيطرته الذهنية أو الفكرية أو ما شابه ذلك من حالات يستشف منها أن المتهم كان تحت تأثير خمر أو مخدر، فلضابط الشرطة القضائية عملا بالحق الممنوح له،و يكون له أن يتخذ من الإجراءات ما يمكنه من أخذ عينة من دم المتهم مستعينا بأهل الخبرة.
ب.غسيل المعدة:
إختلف الفقه القانوني حول مشروعية غسيل معدة المتهم، فذهب البعض إلى أنه إجراء يتنافى مع الكرامة الانسانية للمتهم التي حرص الدستور الجزائري على اقرارها. في المادة 34 من الدستور و ما أكدته المواد من قانون الإجراءات الجزائرية كذلك فإن عدم مشروعيته ترجع إلى أنه يتضمن انتزاعا للدليل من جسد المتهم و هو ما لا يجوز. أما الرأي الغالب في الفقه فيذهب للقول بمشروعية هذا الإجراء لكن اختلفوا في شأن تحديد طبعته فالرأي الغالب يرى أن التفتيش يتضمن غسيل المعدة، و البعض الآخر يرى أن غسيل المعدة أقرب إلى أعمال الخبرة منه إلى التفتيش.
4- قواعد تفتيش الأنثى:
القاعدة أن ضابط الشرطة القضائية يتعين أن يتولى بنفسه إجراء التفتيش، أو يجريه أحد معاونيه ما دام ذلك يتم تحت إشرافه و رقابته إلا أنه لإعتبارات تتعلق بالنظام العام، و بهدف الحفاظ على حياء المرأة و صيانة عرضها يتعين أن يتم تفتيشها بمعرفة أنثى مثلها، و هذا ما نصت عليه المادة 46 من قانون الإجراءات الجنائية المصري بقولها:"و إذا كان المتهم أنثى وجب أن يكون التفتيش بمعرفة أنثى يند بها لذلك مأمور الضبط القضائي، و هذا القيد يتعلق بالنظام العام و مخالفته تؤدي إلى بطلان إجراءات التفتيش و ما أسفر عنها من أدلة"
عكس المشرع الجزائري الذي لم ينص صراحة على ذلك إلا أنه لا يعني إهدار هذه القاعدة العامة و لا يخول لضابط الشرطة القضائية أن يفتش الأنثى بنفسه و خصوصا مواضع الأنوثة و إلا ارتكب جريمة هتك عرض بالقوة، و معنى ذلك أنه يجوز تفتيش يديها مثلا لأن اليدين ليست من العورات للأنثى.
و الجدير بالذكر أن تفتيش الشخص إجراء مستقل عن القبض عليه بمعنى أنه إذا كان الأمر الصادر لضابط الشرطة القضائية بالقبض فقط فلا يتجاوزه إلى تفتيشه.
إلا أن هناك نوع من التفتيش الإداري يتخذ قبل الشخص المقبوض عليه أو المحجوز تحت الرقابة بغرض تجريده مما يحمل من أسلحة أو آلات يجوز أن يستخدمها لإيذاء نفسه أو الاعتداء على الغير أو لمساعدته على الهرب و لا يعتبر هذا التفتيش من الإجراءات الفنية في التحقيق بل يعتبر إجراءا إداريا إذا لا يكون بغرض البحث عن الأدلة في الجريمة.
الاستثناءات الواردة على سلطةضابط الشرطة القضائية في مباشرة التفتيش بناءا على حالة التلبس
أ.الاستثناءات المتعلقة بالحصانة الديبلوماسية:
إن الاختصاص الاستثنائي لضابط الشرطة القضائية و الناتج عن حالة التلبس يتعطل إذا كان مرتكب الجريمة يتمتع بالحصانة الدبلوماسية، كأن يكون أحد أعضاء السلك الدبلوماسي أو زوجاتهم أو أولادهم او أقاربهم المقيمين معهم و الذين يعتمدون في معيشتهم عليه كذلك يتعطل هذا الإختصاص الاستثنائي بالنسبة لرئيس البعثة القنصلية دون زوجته و أولاده، إذا ما ارتكب أحدهم جريمة متلبس بها.
أما أعضاء البعثة القنصلية فهم و إن كان يعترف لهم بحصانة شخصية ضد الإجراءات الجنائية إلا أن هذه الحصانة تنسلخ عنهم إذا ما توافر في حق أحدهم إحدى حالات التلبس بالجريمة.
ب. الاستثناءات المتعلقة بالحصانة البرلمانية:
حرص المشرع الجزائري على أن يكفل لأعضاء الهيئة التشريعية حصانة خاصة حيال بعض الأحكام و الإجراءات المقررة في التشريع الجنائي، و ذلك لضمان إستقلال هؤلاء الأعضاء عند قيامهم بأداء مهامهم و مباشرة وظائفهم.
فالحصانة تشمل شخص النائب، مسكنه و سيارته، بحيث لا يجوز إتخاذ أي إجراء ماس بحرية النائب إلا بناءا على حالة التلبس بالجريمة التي يكون فيها الحق في القبض و التفتيش و علة هذا الاستثناء انه يتوافر حالة التلبس تنتفي مظنة الخطأ، كما أنه لا يمكن ترك معالم الجريمة تضيع حتى يتم الحصول على إذن.
سلطتهم في تفتيش مساكن المتهمين و غيرهم:
يقصد بالتفتيش البحث في مستودع السر عن أدلة تفيد إثبات الجريمة أو نسبتها إلى متهم معين و معنى ذلك أن تكون هناك جريمة وقعت فعلا و أن الذي يقوم بالتفتيش عن أدلة هذه الجريمة من مأمور الضبط القضائي أو محقق قضائي.
و يقصد بالمسكن كل مكان مسكون فعلا أو معد للسكنى سواء كان الشخص يقيم به بصفة دائمة أو بصفة مؤقتة كالفندق مثلا، و يستوي أن يكون المسكن مملوكا لمن يقيم فيه أو مؤجرا له أو أنه يقيم فيه برضاء صاحبه و لو بدون مقابل و يسري تعبير المسكن على مكان الاقامة فيستوي أن يكون قصرا أو منزلا صغيرا أو شقة أو غرفة مؤثثة أو كشكا خشبيا أو خيمة متنقلة أو محلا للعمل إعتاد صاحبه الاقامة فيه، كما تعتبر مسكنا توابع المنزل المسكون كالحدائق و الحظائر و الإسطبلات و الخازن و غيرها و ذلك تطبيقا لنص المادة 355 ق ع ج و قد نصت المادة 44 ق إ ج على أنه في حالة التلبس:" يجوز لمأمور الضبط القضائي الانتقال إلى مساكن الأشخاص الذين يكونون قد ساهموا في الجناية أو يحرزون أوراقا أو أشياء متعلقة بأفعال جنائية و يجري تفتيشها و يحررعنه محضرا و تعني هذه المادة أنه يجوز تفتيش منازل المتهمين الذين ساهموا في الجريمة و كذلك مساكن الذين يحرزون أشياء متعلقة بالجريمة ولو لم يكونوا مساهمين فيها.
هذا و قد نصت المادة 45 /1 ق أ ج على كيفية إجراء التفتيش و استلزمت لأن يجرى بحضور صاحب المسكن أو من يمثله، فإذا إمتنع عن الخضور أو عن انتداب ممثل له أو كان هاربا فإنه يتعين على مأمور الضبط القضائي أن يستدعي لحضور التفتيش شخصين من غير المعاونين الخاضعين لسلطته، كما تضمنت نفس المادة في فقرتها 02 أنه إذا أجرى التفتيش في مسكن شخص من الغير يكون من الضروري حضوره أو ندب من يمثله فإذا استحال ذلك تتم الإجراءات على النحو السابق.
و استلزمت المادة 47 ق إ ج أن يكون التفتيش في ما بين الساعة الخامسة صباحا و الساعة الثامنة مساءا، و لكن يستثنى من ذلك تفتيش المحلات المفتوحة للعموم و تفتيش المساكن بناءا على طلب صاحب المنزل أو بناءا على نداء نجدة من داخل المسكن، أو في جرائم الدعارة و التحريض على الفسق المنصوص عليهما في المواد من 342 إلى غاية 348 ق ع ج.
و نصت المادة 48 ق إ ج على أنه يترتب على عدم مراعاة أحكام المواد من 45-47 ق إ ج السابق بيان مضمونها بطلان إجراء التفتيش و بالتالي إهدار الدليل المستمد منه.
الفرق بين قيام مأمور الضبط بالتفتيش في حالات التلبس و بين قيامهم بإجرائه في غير حالات التلبس هو أنه في التلبس لا يتوقف التفتيش على رضاء المتهم بينما رضاء المتهم شرط أساسي و أن يكون ذلك الرضاء كتابة بخط يد صاحب المنزل في غير حالات التلبس أو بإثبات الرضاء في المحضر مع الاشارة إلى أنه لا يعرف القراءة و الكتابة إذا كان ذلك الشخص لا يمكنه الكتابة( المادة 64 ق إ ج) و مع ذلك تجب مراعاة أن كيفية إجراء التفتيش و أن مواعيد إجراءه واحدة في الحالتين أي في التلبس و غير التلبس.
أ.تفتيش الأماكن الأخرى:
التفتيش الذي يعتبر إجراء من إجراءات جمع الاستدلالات هو الذي يجريه مأمور الضبط القضائي في الأحوال العادية برضاء صاحب المسكن و في حالات التلبس بدون ذلك الرضاء، أما التفتيش الذي يعتبر من إجراءات التحقيق فهو الذي يجريه من له سلطة التحقيق أو مأمور الضبط القضائي المندوب لهذا الإجراء من المحقق، و في هاتين الحالتين يكون التفتيش إجراء فنيا من إجراءات الاستدلال أو اجرءات التحقيق و من شروط صحته أن تكون هناك جريمة قد وقعت فعلا و أن يكون التفتيش قد أجري بغرض البحث في مكمن السر عن دليل أو قرينة تثبت وقوع الجريمة أو اسنادها إلى شخص معين.
إلا أن هناك نوع آخر من التفتيش لا يعتبر إجراء فنيا من إجراءات التحقيق ذلك هو التفتيش الاداري و يقصد به التفتيش الذي يجريه أحد مأموري الضبط القضائي أو معاونيهم بحيث لا تكون هناك جريمة قد وقعت مسبقا و لا يكون التفتيش بحثا عن دليل فيها و امثلة ذلك أن يدخل ضابط الشرطة إلى الفندق ليفحص سجلات النزلاء فيه و يتأكد من إثبات أسماء النزلاء بما يطابق الواقع، و دخول مأمور الضبط إلى أحد المصانع للتفتيش عن مدى تنفيذ الشروط قانون العمل و تشغيل العمال طبقا لها، فهذه كلها حالات من حالات التفتيش الاداري أي أنها ليست تفتيشا قضائيا بمعناه الفني، و مما هو جدير بالذكر أنه إذا ظهرت حالة من حالات التلبس بصفة عرضية لمأمور الضبط أثناء إجراء مثل هذا التفتيش الإداري و تعتبر تلبسا حقيقيا و يعتد بها قانونا.
و هناك نوع ثالث من التفتيش و هو التفتيش المادي، فلا هو تفتيش قضائي و لا هو إداري لأن الذي يقوم به ليس من مأموري الضبط القضائي أصلا، لأن التفتيش ذاته لا يتعلق بجريمة وقعت مسبقا، و نقصد بهذا الإجراء المادي ما يقوم به حارس المصنع من تفتيش العمال عند خروجهم توقيا لوقوع سرقة شيء، و تفتيش المصابين بمعرفة مندوب الاسعاف أو عامل الاستقبال للمستشفى بحثا عن ما يثبت شخصية المصاب أو المتوفى أو فاقد الوعي و مما يجدر ذكره أن ذلك الإجراء المادي البحت إذا أسفر عن اكتشاف حالة التلبس بجريمة يعتبر التلبس حقيقيا و يعتد به قانونا كما هو الحال في حكم التفتيش الاداري السابق ذكره.
ب. تفتيش السيارات:
ثار جدل فقهي حول تفتيش السيارات يستخلص منه أن السيارات الخاصة تعتبر في حكم المحلات المسكونة أو المعدة للسكني،أما السيارات المعدة للاستعمال بالأجر للعامة كسيارة الأجرة و الحافلة فحكمها حكم المحلات العامة، المعدة لاستقبال الجمهور فلا يحتاج تفتيشها إلى إذن أو إجراء من نوع خاص.
بطلان إجراءات التحقيق في حالة التلبس:
قصد المشرع بنصوص قانون الإجراءات الجنائية تحقيق مصلحة معتبرة، و لا تأتي بلوغ هذا الغرض إذا لم يكن هناك جزاء مترتب على مخالفة تلك النصوص فيشترط لصحة العمل الإجرائي أن تحترم الضمانات التي تعبر عن جوهر العمل الإجرائي، و الشرعية الإجرائية.
و يهتم قانون الإجراءات الجنائية بنوع واحد من الأجزية، و هو بطلان العمل المخالف و هو ما سنقتصرالكلام عليه في هذا المقام.
يترتب البطلان على مخالفة كل قاعدة إجرائية أتت بضمانات لتأكيد الشرعية الإجرائية سواء أكان ذلك لحماية الحرية الشخصية للمتهم، أو لضمان الاشراف القضائي على الإجراءات الجزائية، بمخالفة هذه الضمانات الاجرائية هي سبب البطلان و البطلان نوعان، مطلق و نسبي.
1. البطلان المطلق:
حددت المواد 157 إلى 161 قانون الإجراءات الجزائية البطلان المطلق بأنه راجع إلى عدم مراعاة القانون المتعلق بتشكيل المحكمة أو بولايتها بالحكم في الدعوى أو باختصاصها من حيث نوع الجريمة المعروضة عليها أو بغير ذلك مما هو متعلق بالنظام العام، و مثال ذلك قاعدة منع استجواب المتهم من ضابط الشرطة المنتدب للتحقيق في الحالات التي لا يدخل فيها من فوات الوقت.
و قاعدة وجود اتهام موجه إلى الشخص المراد تفتيش منزله و قرائن دالة على حيازته أشياء تتعلق بالجريمة موضوع الاتهام.
و البطلان المطلق لا يصححه الرضاء بالإجراء المشوب به، من جانب من يتعارض هذا الإجراء مع مصلحته، كما لا يلزم أن يتمسك هذا الأخير في سبيل هدم ذلك الإجراء و إنما تراقبه المحكمة من تلقاء نفسها في أية حالة كانت عليها الدعوة وقت اكتشافه.
غير أنه إذا كانت الدعوى قد استنفذت كل طرق الطعن العادية والغير عادية، و حاز الحكم قوة الشيء المقضي فيه، فلا يكون ثمة سبيل هدم الإجراء بعدئذ و يفترق البطلان المطلق عن الانعدام.
فالانعدام يعنى عدم الوجود، وهو أمر يختلف عن البطلان المطلق، لأن الإجراء الباطل له أساس من الوجود القانوني، و لكن شابه عدم الصحة.
أما الإجراء المنعدم فهو بداية و نهاية مجرد من الوجود القانوني، فهما و أن تلاقيا في تعطيل أثار العمل القانوني، إلا أنهما يختلفان في سبب هذا التعطيل، فالانعدام يعنى بحكم طبيعته أن العمل غير موجود و بالتالي فلا أثر له، أما البطلان فإنه يعني بناء على أمر القضاء أن العمل يجب أن يتجرد من آثاره القانونية.
مثال: أن قاضيا مدنيا يكتشف في أوراق الدعوى جريمة ارتكبها خصم على اخر فيحكم على مرتكب الجريمة بالعقوبة المقررة لها.
مثل هذا الحكم يعد منعدما لأنه يعتبر كما لو كان صادرا من غير قاضي و إذا لم يطعن على هذا الحكم، و حاز قوة الشيء المقضي فيه، فإنه لا يمكن تنفيذه، إذ يكفي الاستشكال فيه حتى يوقف نفاذه.
مثال: ما نصت عليه المادة 110 مكرر/3 ق ع ج:" كل موظف أو مستخدم يمارس أو يأمر بممارسة التعذيب للحصول على اقرارات يعاقب..."كذلك ما نصت عليه المادة 126 قانون العقوبات المصري " كل موظف أو مستخدم عمومي أمر بتعذيب متهم أو فعل ذلك بنفسه لحمله على الاعتراف يعاقب..."
فإذا حدث و أفضى التعذيب إلى اعتراف، فإنه لا يصح الأخذ بهذا الاعتراف على وجود جريمة معاقب عليها في التعذيب الذي انتجه.
فإذا كان التعذيب منعدما قانونا، فبالتالي يكون الاعتراف منعدما كأثر ناتج عنه.
كذلك نص المادة 111 ق ع ج:" يعاقب بالحبس لمدة 06 أشهر إلى ثلاث سنوات كل قاض أو ضابط بالشرطة القضائية يجري متابعات، أو يصدر أمرا أو حكما أو يوقع عليهما، أو يصدر أمرا قضائيا ضد شخص متمتع بالحصانة القضائية في غير حالات التلبس بالجريمة دون أن يحصل قبل ذلك على رفع الحصانة عنه وفقا للأوضاع القانونية" .
المادة 107 ق ع ج :"يعاقب الموظف بالسجن المؤقت من خمس إلى عشرة سنوات إذا أمر بعمل تحكمي أو ماس سواء بالحرية الشخصية للفرد أو بالحقوق الوطنية لمواطن أو أكثر".
2.البطلان النسبي
هو كل بطلان ينشأ عن مخالفة قاعدة غير متعلقة بالنظام العام و إن كانت جوهرية في إظهار الحقيقة و الحرص على كفالة حق المتهم في الدفاع و لقد ذكر قانون الإجراءات الجنائية ضمن أحوال ذلك البطلان ما يتعلق بمخالفة الإجراءات الخاصة بجمع الاستدلالات، أو التحقيق الابتدائي.
فمن قبيل الإجراء الجوهري في جمع الاستدلالات.
1-توقيع ضابط الشرطة القضائية على محضره، و بيانه وقت اتخاذ الإجراءات و مكان حصولها و توقيع الشهود و الخبراء على محضره(54 ق ا ج)
حضور المتهم أو نائبه أو شاهدين عملية التفتيش منزل المتهم (45 ق ا ج)
ساعة البدء في عملية التفتيش المساكن أو المعاينة (47 ق ا ج).
اتخاذ التدابير اللازمة لضمان احترام السر المهني ( 45 ق ا ج).
تحريز الاشياء و الأوراق المضبوطة و ختمها (45 ق ا ج).
فمن قبيل الإجراء الجوهري في إجراءات التحقيق الابتدائي:
1-استجواب المتهم بواسطة قاضي التحقيق اذا كان هو القائم بالتحقيق.
2- إخطار قاضي التحقيق لوكيل الجمهورية بانتقاله لأمكنة التفتيش.
3- عدم جواز الفصل بين المتهم و محاميه الحاضر معه أثناء التحقيق(105 ق إ ج)
4- دعوة محامي المتهم للحضور قبل استجواب المتهم في جناية ما لم تكن في حالة التلبس أو كانت توجد حالة تستوجب السرعة خوفا من ضياع الادلة (105،101،100 ق إ ج).
أ. خصائص البطلان النسبي:
يختص بعدم التمسك به، فيصير الإجراء الباطل صحيحا لا معقب عليه، إذ ليس على المحكمة أن تراعي البطلان من تلقاء نفسها( و إن كان يجوزها ذلك)
عدم التمسك بالبطلان من جانب الطرف المقرر هذا البطلان لصالحه يكون إما بالرضاء الصريح بالإجراء على الرغم من شائبة البطلان فيه و إما بالرضاء الضمني، و الرضاء الضمني يستفاد من عدم الاعتراض على الإجراء سواء كان الإجراء قد اتخذ في الجلسة ذاتها فلم يعترض عليه وقت اتخاذه، أو كان قد اتخذ ضمن الإجراءات السابقة على المحاكمة.
فلا يقبل الدفع ببطلان الإجراء لأول مرة أمام محكمة النقض، الا إذا كان البطلان مطلقا لتعلقه بالنظام العام.
أن التمسك بالبطلان النسبي لإجراء ما، ليس من شأنه ان يقضي فعلا على تقرير البطلان من جانب المحكمة تلك في صدد الإجراء الباطل نسبيا أن تبقي عليه مع تصحيحه ان كان التصحيح ممكنا.
إن البطلان النسبي لا يقبل الدفع به من جانب من لم يتقرر هذا البطلان في صالحه، أو حيث تكون النيابة التي من أجلها تقرر الشكل الذي وقع الإجراء باطلا بالمخالفة له قد تحققت على الرغم من حدوث هذه المخالفة و ليس هذا إلا تطبيقا لمبدأ الدعوى حيث لا تكون مصلحة.
3.آثار البطلان
الأصل أن البطلان لا يترتب آثاره إلا متى تقرر بحكم أو بأمر من قضاء التحقيق، و هي قاعدة متعلقة بالنظام العام، و القاعدة أنه متى تقرر بطلان الإجراءات زالت آثاره القانونية فيصبح و كأنه لم يكن.
و تطبيقا لذلك فإن التفتيش الباطل لا يترتب عليه نسبة الأشياء المضبوطة إلى المتهم والاعتراف الباطل لا يجوز الاستناد إليه في الإدانة، كما أن بطلان ورقة التكليف بالحضور أو أمر الإحالة لا يترتب عليه دخول القضية في حوزة المحكمة.
على أن البطلان لا يؤثر في صحة الادلة المنفصلة عن إجراء الباطل، فإذا ثبت مثلا أن اعتراف المتهم مستقل عن واقعة التفتيش الباطل إذا لم يتأثر به، فلا يوجد ما يحول دون أخذ القاضي بهذا الدليل المستقل، فالبطلان لا ينال من العمل الانتيجة للعيب الذي أثر في صحته.
و يشترط في الإجراء الباطل حتى يؤثر في الإجراءات التالية له أن يكون مؤثرا، وهو ما لا يتحقق إلا إذا كان الإجراء الباطل جوهريا، و ذلك حين يعتبرشكلا جوهريا بصحة الإجراء التالي له، مثل ذلك استجواب المتهم قبل حبسه احتياطيا.
و لمحكمة الموضوع سلطة تقدير العلاقة بين الإجراء الباطل و الإجراء التالي له لمعرفة تأثير الاول على الثاني.
تحول العمل الاجرائي الباطل:
يشترط لتحول العمل الاجرائي الباطل إلى عمل آخر صحيح:
أن يكون العمل الاجرائي الاصل باطلا.
أن يتضمن العمل الإجرائي الباطل عناصر عمل آخر صحيح.
مثال: إذا باشر وكيل الجمهورية التحقيق و حرر محضر بيده دون الاستعانة بكاتب فيكون التحقيق باطلا، الا أنه يتحول إلى استدلال صحيح.
أ. تجديد العمل الإجرائي الباطل:
يجوز إعادة العمل الإجرائي الباطل، و الشرط الوحيد هذا التجديد أن يكون ممكنا، فقد يستحيل بسبب قانوني هو سقوط الحق في مباشرة العمل الإجرائي أو لسبب مادي،و ذلك إذا حال دون التجديد حائل مادي مثل وفاة الشاهد الذي يراد إعادة سماع أقواله.
المراجع
-المبادئ الأساسية في قانون الإجراءات الجزائية الجزائري للدكتور إسحاق إبراهيم منصور –الطبعة الثانية 1982- ديوان المطبوعات الجامعية-الجزائر-
-التلبس بالجريمة و أثره على الحرية الشخصية- د. إبراهيم حامد طنطاوي- - توزيع المكتبة القانونية- 1995
-التلبس بالجريمة في ضوء القضاء و الفقه- المستشار الدكتور عبد الحميد الشواربي.
-قانون العقوبات الجزائري طبعة 2002
-قانون الإجراءات الجزائية- الديوان الوطني للأشغال التربوية 2002 الطبعة الثالثة
-نصوص قانونية –قانون الإجراءات المصري.
مقدمة:
إن الحرية الشخصية هي ملاك الحياة الإنسانية كلها، لا تخلقها الشرائع. بل تنظمها، و لا توجدها القوانين، بل توفق بين شتى مناحيها و مختلف توجيهاتها، تحقيقا للخير المشترك للجماعة ورعاية الصالح العام، فهي لا تقبل القيود إلا ما كان هادفا إلى هذه الغاية مستوجبا تلك الأغراض.
نعم ...تلك حقيقة مؤكدة ينبغي الحرص على تطبيقها و الحيلولة دون أهدارها ....فالحرية هي أثمن ما في الوجود، فإنسان بلاحرية كجسد بلا روح...كلاهما فاقدا لقدرته على العطاء.
لذلك كان احترام الحرية الشخصية موضع إهتمام الدساتير الجزائرية المتعاقبة بدأ من دستور 1963 حتى الدستور الحالي الصادر في سنة 1996.
غير أن كفالة الحرية الشخصية لا يتحقق فقط من خلال إيراد نصوص تؤكد ذلك، بل ينبغي أن يظهر التطبيق العملي الحرص التام على احترام هذه المبادئ الدستورية.
فإرتكاب الفرد لجريمة لا يؤدي بصورة آلية إلى توقيع العقوبة عليه، بل لابد أن يكون ذلك من خلال مجموعة من القواعد الإجرائية تمربها الدعوى الجنائية المقامة ضد مرتكب الجريمه، تهدف إلى إحاطة الفرد بضمانات تكفل صيانة حقوقه و حريته الطبيعية على النحو الذي يحقق التوازن بين مصلحته في ألا تمس حريته و مصلحة الدولة في توقيع العقاب.
و إذا كانت مرحلة جمع الاستدلالات- بما لها من أهمية بالنسبة لسلطة التحقيق و المحاكمة لدورها في التحري عن الجرائم و كشفها- تمثل المرحلة الممهدة لمرحلتي الدعوة الجنائية فقد حرص المشرع الدستوري و أيضا المشرع الدستوري و أيضا المشرع الاجرائي على حماية الحرية الشخصية للفرد في هذه المرحلة. لذلك كانت أحد سمات هذه المرحلة تجردها من عنصر القهر و الإجبار.
غير أن وجود الجريمة في حالة تلبس دفع المشرع إلى التضييق من نطاق الحرية الشخصية للفرد و ذلك بمنح ضابط الشرطة القضائية سلطتي القبض على المتهم و تفتيش شخصه من منطلق الحرص على جمع الدلائل التي تفيد و قوع الجريمة و نسبتها إلى مرتكبها حيث أنه بتوافر حالة التلبس تنتفي مظنة الخطأ أو الكيد للمتهم.
و نظرا لما يثيره موضوع التلبس بالجريمة من مشكلات في الحياة العملية فقد سعينا من خلال هذا البحث إلى إلقاء الضوء على النصوص المتعلقة بحالات التلبس و ذلك من خلال تحليلها، و لقد تعرضنا أيضا لإتجاهات الفقة الجزائري و المصري و الفرنسي و بعض الأحكام الصادرة من القضاء المصري و الفرنسي في هذا الشأن.
لذلك سنتناول هذا الموضوع في فصلين يتضمن كل فصل مبحثيتن:
مقدمة:
الفصل الأول: في التلبس بالجريمة
-المبحث الأول: مفهوم التلبس
*المطلب الأول: تعريف التلبس
*المطلب الثاني: حالات التلبس
*المطلب الثالث: تقييم حالات التلبس
-المبحث الثاني: صحة التلبس
*المطلب الأول: شروط صحة التلبس
*المطلب الثاني: خصائص التلبس.
*المطلب الثالث: الطبيعة القانونية للإجراءات المتخذة استثناءا بناء على حالة التلبس.
الفصل الثاني: مباشرة الإجراءات في حالة التلبس.
-المبحث الأول: السلطات الاستثنائية لضابط الشرطة القضائية في حالة التلبس.
* المطلب الأول: سلطتهم في إخطار وكيل الجمهورية بالنسبة للشهود و ندب الخبراء و الأمر بالإحضار و الحجز.
*المطلب الثاني: سلطتهم في حجز المتهم.
*المطلب الثالث: سلطتهم في تفتيش المتهمين و المساكن.
-المبحث الثاني: بطلان إجراءات التحقيق.
*المطلب الأول: البطلان المطلق.
*المطلب الثاني: البطلان النسبي.
المطلب الثالث: أثار البطلان.
الفصل الأول: في التلبس بالجريمة
ماهية التلبس بالجريمة:
يحمل التلبس معنيان أحدهما لغوي و الآخر اصطلاحي.
أ.المعني اللغوي للتلبس:
اللبس مصدر لقول لبست الثوب ألبسه، و اللباس ما يلبس و لبوس كثير اللباس، و اللباس ما يلبس من الثياب و السلاح، في قوله عز وجل:" وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ" ، ولباس الرجل امرأته وزوجها لباسها. لقوله عز وجل:" هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ".
*وورد في المعجم العربي الأساسي، تلبس يتلبس تلبسا.
1-ارتداه و لبسه.
2-يتلبس به الأمر، بمعنى أشتبه.
3-تلبسا بالجريمة تلبس بسرقة المجوهرات (ضبط متلبسا)
*التلبس لدى فقهاء الشريعة الإسلامية: يقصد به كشف الجريمة وقت ارتكابها فهم يستخدمون هذا التعبير للدلالة على وضوح الجريمة و ظهورها أمام العامة.
*تقابل كلمة تلبس في اللغة العربية كلمة Flagrance في اللغة الفرنسية و هي مشتقة من الكلمة اللاتينية Flagrare و من الكلمة اللاتينية أخذت الصفة Flagrant أي متلبس .
ب.المعني الاصطلاحي للتلبس:
تعددت التعريفات للتلبس فهناك البعض من الفقهاء عرفه: " هو حالة تقارب زمني بين وقوع الجريمة و إكتشافها" .
و هناك من عرفه " المشاهدة الفعلية بالجريمة و التقارب الزمني بين وقوع الجريمة و كشفها" حيث أضاف عبارة المشاهدة الفعلية.
*و عرفوه أيضا بأنه حالة واقعية يعبر عنها مجموعة من المظاهر الخارجية التي تدل بذاتها على أن الجريمة تقع أو بالكاد وقعت، وقوامها انعدام الزمن أو التقارب بين وقوع الجريمة و اكتشافها.
إن المشرع الجزائري لم يتطرق إلى تعريف التلبس و إنما تطرق في المادة 41 ق إ ج ج إلى حالات التلبس بالجريمة و التي أوردها على سبيل الحصر.
حالات التلبس:
نصت المادة 41 من ق إ ج ج على حالات التلبس بالجريمة: " توصف الجناية أو الجنحة بأنها في حالة تلبس إذا كانت مرتكبة في الحال أو عقب ارتكابها".
كما تعتبر الجناية أو الجنحة متلبسا بها إذا كان الشخص المشتبه في ارتكابه إياها في وقت قريب جدا من وقت وقوع الجريمة قد تبعه العامة بالصياح أو وجدت في حيازته أشياء أو وجدت آثار أو دلائل تدعو إلى افتراض مساهمته في الجناية أو الجنحة.و تتسم بصفة التلبس كل جناية أو جنحة وقعت و لو في غير الظروف المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين، إذا كانت قد ارتكبت في منزل و كشف صاحب المنزل عنها عقب وقوعها و بادر في الحال باستدعاء أحد ضباط الشرطة القضائية لإثباتها"
و هي ستة حالات أوردها على سبيل الحصر فلا يقاس عليها. و سنتعرض فيما يلي إليها.
الحالة الأولى: إدراك الجريمة حال ارتكابها.
هذه هي حالة التلبس الحقيقي الذي عبر عنها المشرع في عبارته الأولى من الفقرة الأولى بقوله"إذا كانت الجريمة مرتكبة في الحال" و المقصود بهذه العبارة أن يباغت الجاني أثناء ارتكابه للفعل كعنصر من عناصر الركن المادي للجريمة، و يعني أن يكتشف ضابط الشرطة بنفسه واقعة القتل أثناء إطلاق المقذوف الناري على المجني عليه و إدراك الجريمة حال ارتكابها هو الشرط الوحيد لقيام هذه الحالة بغض النظر عما إذا كانت الجريمة ارتكبت في الخفاء أو العلانية.
و إذا كان الركن المادي للجريمة يتكون من جملة أفعال فلا يشترط لتوافر هذه الحالة أن يدرك ضابط الشرطة جميع هذه الأفعال بل يكفي إدراكه لبعضها حتى تتحقق هذه الحالة.
وسيلة إدراك التلبس:
غالبا ما تكون الرؤية وسيلة إدراك التلبس بالجريمة من طرف ضابط الشرطة مثل مشاهدة المتهم
و هو يحمل المحذر أو مشاهدته و هو يتسلمه أو يقوم بإلقائه للتخلص منه لكن ليست هي السبيل الوحيد لذلك إذ يجوز إدراك الجريمة بأي حاسة من الحواس، مثل حاسة الشم، كشم رائحة المخدر تنبعث من الحقيبة التي يحملها المتهم، كذلك حاسة التذوق كمن شعر بطعم السم في شراب مقدم له أو إدراكها بحاسة اللمس كمن يشعر بيد تعبث في جيب سرواله الخلفي أثناء تواجده في أحد وسائل النقل العمومية فيمد يده ليمسك باليد الغريبة قبل أن يستدير ليرى صاحبها أو إدراكها لحاسة السمع مثل سماع صوت عيار ناري و مشاهدة الجاني قادما من الجهة ذاتها مصدر صوت العيار.
و الجدير بالذكر أنه يتعين أن يكون إدراك ضابط الشرطة لوقوع الجريمة إدراكا يقينيا لا يحتمل الشك.
الحالة الثانية: مشاهدة الجريمة عقب ارتكابها:
يقصد بهذه الحالة مشاهدة آثار الجريمة التي تنبئ عن ارتكابها منذ زمن يسير و يعبر بعض الفقهاء عن هذه الحالة بأن الجريمة تكون وقتئذ مازالت ساخنة فنارها لم تخمد بعد ودخانها لا يزال يشاهد و يعني ذلك أن لا يكون قد انطوى وقت طويل بين ارتكاب الجريمة و اكتشافها، و من أمثلة ذلك رؤية القتيل يلفظ أنفاسه الأخيرة و يسيل الدم من جروحه، و كذلك سماع صراخ المجني عليه من آلامه نتيجة اعتداء الجناة عليه في جريمة السرقة بإكراه بعد هروبهم بالمسروقات.
و لم يحدد المشرع الجزائري الفترة الزمنية التي تنقضي بين ارتكاب الجريمة و اكتشافها و إنما ترك تحديد هذا الوقت للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع و تطبيقا لذلك جرت أحكام القضاء على أنه لا ينفي قيام حالة التلبس كون ضابط الشرطة قد انتقل إلى محل الحادث بعد وقوعها بزمن مادام أنه بادر إلى الانتقال عقب علمه مباشرة، و مادام قد شاهد آثار الجريمة بادية.
الحالة الثالثة: تتبع الجاني بالصياح إثر وقوع الجريمة:
هذه الحالة هي إحدى حالات التلبس الاعتباري نص عليها المشرع الجزائري في الفقرة الثانية من المادة 41 ق إ ج ح بقوله:" تعتبر الجريمة متلبسا بها إذا كان الشخص المشتبه في ارتكابه إياها في وقت قريب جدا من وقت وقوع الجريمة قد تبعه العامة بالصياح" و يستفاد من هذا النص أنه يستوي أن يكون التتبع بالصياح صادرا من المجني عليه أو أحد أفراد أسرته أو من غيره من شهود الحادث أو الجيران، و يستوي أن يكون التابعين من العامة أو من ضباط الشرطة أو معاونيهم و قد تكون المتابعة بالعدو خلف الجاني للحاق به، و قد تكون بالسير خلفه دون أن تؤدي إلى ضبطه، و قد تكون بالإشارة إليه بالأيدي كما تكون بمجرد الصياح و القول إذا لم تتوافر القدرة على المتابعة.
المشرع الجزائري لم يحدد الفترة الزمنية التي تنقضي بين ارتكاب الفعل المجرم و المتابعة إذ أنه أحيانا قد يؤدي التتبع إلى أن يشاهد ضابط الشرطة المختص ذلك الجاني فيتابعه و تستمر المطاردة فيختبئ الجاني في المزرعة أو غابة تستمر محاصرتها يوما أو بعض يوم حتى يتم القبض عليه و لا شك أن حالة التلبس تضل قائمة مهما طال وقت المتابعة.
الحالة الرابعة:حيازة الجاني لأشياء تدل على مساهمته في الجريمة في وقت قريب جدا من وقوعها:
تعتبر هذه الحالة إحدى حالات التلبس الاعتباري التي نص عليها المشرع الجزائري في الفقرة الثانية من المادة 41 ق إج ج بقوله:" تعتبر الجناية أو الجنحة متلبسا بها إذا كان الشخص المشتبه في ارتكابه إياها في وقت قريب جدا من وقوعها، قد وجدت في حيازته أشياء تدل أو تدعو إلى افتراض مساهمته في الجناية أو الجنحة"
و في هذه الحالة تكون الجريمة قد وقعت منذ فترة قصيرة و شوهد الجاني في وقت قريب جدا من وقوعها حائزا لشيء أو لأشياء تكون إما قد استعملت في ارتكاب الجريمة كسكين ملوثة بدماء، أو تحصلت من ارتكابها كالمسروقات المتحصل عليها من السرقة حيث تعتبر قرينة قوية على ارتكابه للجريمة أو مساهمته فيها، و هنا لا يشترط أن يضبط المشتبه فيه في مكان الحادث أو قريبا منه بالإضافة إلى ذلك لم يحدد المشرع الجزائري الفترة الزمنية المقصودة من قوله:" وقت قريب جدا" و لذا ترك السلطة التقديرية للقاضي الموضوع.
إن المشرع الجزائري في هذه المادة قد وسع مجال التلبس في هذه الحالة فاعتد بمجرد الحيازة للأشياء دون حمل تلك الأشياء أي أنه لا يعتد بالإحراز وإنما بمجرد الحيازة .
و الإحراز يقصد به اتصال المشتبه فيه اتصالا مباشرا بالشيء الذي يحرزه كأن يكون ممسكا به أو حامل له سواء بشكل ظاهر أو مع محاولة إخفائه، و تطبيقا للتلبس يكفي لتوافر الحيازة أن تكون المسروقات في حديقة المنزل المشتبه فيه لأنها عندئذ تعتبر في حوزته التي تدعو إلى الافتراض بأنه قد ساهم في تلك الجريمة.
الحالة الخامسة: وجود آثار بالمشتبه فيه تدل على مساهمته في الجريمة:
كذلك هذه حالة من حالات التلبس الاعتباري وردت في نهاية الفقرة الثانية من المادة 41 من ق إج ج و التي تنص" إذا وجدت آثار أو دلائل تدعو إلى افتراض مساهمته في الجناية أو الجنحة" و يقصد بهذه الحالة وجود آثار أو دلائل في المشتبه فيه في وقت قريب جدا من وقت وقوع الجريمة تدعو إلى افتراض مساهمته في الجناية أو الجنحة و تتمثل الآثار و الدلائل في العلامات التي توجد في المشتبه فيه إما في جسمه كالآثار التي تتخلف من مقاومة المجني عليه له المتمثلة في جروح أو كدمات أو خدوش في يده أو رقبته أو وجهه أو في أي جزء من جسمه، و قد تكون تلك العلامات و الآثار في ملابس المشتبه فيه كبقع الدم أو تمزيق تلك الملابس مما يدعو إلى الاشتباه في مساهمته في الجريمة.
الحالة السادسة:المبادرة بالإبلاغ عن الجريمة عقب اكتشافها:
أضاف المشرع الجزائري هذه الحالة إلى حالات التلبس، بأن نص عليها في الفقرة الثالثة مستقلة في المادة 41 ق إ ج ج قائلا:" و تتسم بصفة التلبس كل جناية أو جنحة وقعت و لو في غير الظروف المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين، إذا كانت قد ارتكبت في منزل و كشف صاحب المنزل عنها عقب وقوعها و بادر في الحال باستدعاء أحد ضباط الشرطة لإثباتها"
و يقصد بهذه الحالة أن تقع الجريمة في وقت غير معلوم ثم يكتشف المجني عليه وقوعها بعد مدة من الزمن، و يقوم عقب اكتشافه لها بالمبادرة بإبلاغ ضابط الشرطة المختص عنها لإثبات الواقعة و اتخاذ إجراءات الضبط اللازمة مثال: لو تغيب صاحب المنزل عنه لمدة شهر مثلا و بمجرد عودته اكتشف وقوع سرقة أو اكتشف وجود جثة قتيل في حديقة منزله و بادر بإخطار السلطات عقب اكتشافه إياها تعتبر الجريمة متلبسا بها حكما بمقتضى هذا النص بغض النظر عن الوقت الذي انقضى بين ارتكابها و بين الإبلاغ عنها،و يرجع ذلك في اعتقادنا إلى عدم إمكان التكهن بالوقت الذي وقعت فيه الجريمة فعلا فقد يكون ذلك الوقت هو اليوم التالي لمغادرة المجني عليه لمسكنه و قد يكون هو اليوم السابق لعودته إليه، و قد يكون أي وقت آخر فيها بين هاذين اليومين فالمشرع قد اعتبر الجريمة قد وقعت حكما في وقت قريب لاكتشافها و يسند هذا الرأي أنه لو كان المقصود هو الإبلاغ عن الجريمة في هذه الحالة عقب وقوعها بحسب حرفية النص إذ يقول:" ...و كشف صاحب المنزل عنها عقب وقوعها..." لكانت تدخل ضمن الحالة الثانية من حالات التلبس المنصوص عليها في الفقرة الأولى من نفس المادة، إذ لو كان المقصود هو الإبلاغ وقت قريب جدا من وقت ارتكابها لكان من الواجب إدماجها ضمن الحالات التي نصت عليها الفقرة الثانية من نفس المادة و معنى ذلك أن المشرع أصبغ على هذه الحالة صفة التلبس مع أنها لا تدخل ضمن الظروف المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين معتبرا وقت اكتشاف الجريمة في حكم وقت ارتكابها ذلك الوقت الغير معلوم و الذي يصعب تحديده . و الجدير بالذكر أن هذه الحالة قد أضافها المشرع بغرض إضفاء أهمية خاصة على الجرائم التي تقع في المساكن في غيبة أصحابها و لذا حدد شروطا ضمنية لأعمال هذا النص و هي:
أن تقع الجريمة في منزل مسكون في غيبة صاحبه أو بغير علمه.
أن يقوم صاحب المنزل باكتشاف الجريمة.
أن يبادر فورا باستدعاء ضابط الشرطة وأن يقوم هذا الأخير بإثباتها.
و من توافر هذه الشروط و عند تيقن ضابط الشرطة من وقوع الجريمة على هذا النحو يمكنه ممارسة سلطاته الاستثنائية التي يمارسها في حالات التلبس.
التلبس في جريمة الزنا:
إن جريمة الزنا شأنها شأن أي جريمة تخضع لمبدأ حرية القاضي في الإثبات فيجوز إثبات هذه الجريمة بطرق الإثبات كافة، على أنه إذا كان ذلك جائزا بالنسبة للزوج في جريمة زنا الزوج أو بالنسبة للزوجة في جريمة زنا الزوجة، فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة لشريك الزوجة الزانية، إذ لا يجوز إثبات هذه الجريمة عليه إلا بوسائل إثبات محددة ذكرتها ضمنيا المادة 279 ق ع ج، و هي القبض عليه حين تلبسه بالفعل، أو اعترافه أو وجود مكاتيب أو أوراق أخرى مكتوبة منه أو وجوده في منزل مخصص للنساء و لكلمة التلبس في الزنا معنى مغاير للمعنى العادي لهذه الكلمة المنصوص عليها في المادة 41 ق ا ج فلا يقصد من التلبس في جريمة الزنا و جود الجاني في إحدى حالات التلبس المنصوص عليها في المادة 41 ق ا ج إنما المقصود من ذلك أن يوجد الشريك في ظروف لا تدع مجالا للشك عقلا في أن جريمة الزنا قد وقعت، أما اشتراط مشاهدة الفعل نفسه فإن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى إفلات الجاني من العقاب في غالبية الأحوال.
و على ذلك فإن التلبس بالزنا لا يقتصر فقط في حالة ضبط حال الاتصال الجنسي و لكن أيضا وجود الزاني و الزانية في ظروف تنبيء يقينا بارتكابها للزنا. و في فرنسا في محكمة النقض قضى بأن " المرأة التي توجد في منزل رجل في ساعة متأخرة من الليل و كانت ملابسهما حين ضبطهما تتسم بعدم النظام فإن ذلك لا يدع مجالا للشك في إرتكابهما لجريمة الزنا.
سلطة ضابط الشرطة القضائية في تفتيش المتهمين و المساكن في حالة تلبس:
التفتيش إجراء من إجراءات التحقيق بهدف إلى البحث عن الحقيقة في مستودع السر بذلك يعد من أهم إجراءات التحقيق في كشف الحقيقة لأنه غالبا ما يسفر عن ضبط أدلة مادية تؤيد نسبة الجريمة إلى المتهم.
و التفتيش بناءا على حالة تلبس محله شخص المتهم أما التفتيش مساكن المتهمين بناءا على حالة التلبس فهو يخضع للقواعد القانونية العادية.
تقييم حالات التلبس بالجريمة:
نظرا لأن التلبس بالجريمة مصدرا لسلطات استثنائية تنطوي على مساس بحرية المتهم و حصانة جسده، فإن المشرع الجزائري ذكر هذه الحالات الستة على سبيل الحصر لا على سبيل المثال، و هذا التحديد لحالات التلبس يقود إلى نتيجة حتمية هي عدم جواز القياس على تلك الحالات و أيضا عدم جواز التوسع في تفسيرها، فلا يضير العدالة إفلات المجرم من العقاب بقدر ما يضيرها المساس بحريات الناس و القبض عليهم بدون وجه حق، و من ثمة لا يجيز قانون الإجراءات الجزائية الجزائري لضابط الشرطة القضائية القبض على المتهم إلا في أحوال التلبس بالجريمة و بالشروط المنصوص عليها فيها.
1.شروط صحة التلبس بالجريمة:
إن تحديد حالات التلبس بالجريمة على سبيل الحصر لا يكفي لضمان عدم المساس بحقوق الأفراد و حرياتهم، فهذا التحديد تبدو أهميته في بيان حدود الإطار الخارجي الذي لا يستطيع مأمور الضبط القضائي أن يعمل في حدوده ما لم تتوافر إحدى الحالات التي تندرج في نطاق هذا الإطار و لا بطلت الإجراءات التي باشرها.
غير أن مشروعية مباشرة الاختصاصات الاستثنائية لا تتوقف على توافر إحدى الحالات المبررة لمباشرة هذا الاختصاص الاستثنائي، بل لا بد أيضا من التزام رجل الضبط القضائي بالقواعد التي تجعل من إدراكه لحالة التلبس أمرا مشروعا، و تعد هذه القواعد بمثابة الإطار الداخلي الذي يتعين على رجل الضبطية القضائية التزام حدوده.
و عليه ليكون التلبس صحيحا و بالتالي يكون منتجا لآثاره القانونية يجب أن تتوافر في كل حالة من حالاته الشروط الثلاثة الآتية:
أن يكون اكتشاف التلبس سابقا على إجراءات التحقيق التي تتخذ، و أن يكتشف التلبس بمعرفة ضابط الشرطة القضائية بنفسه أو يتحقق منه بشخصه، و أن يكون اكتشاف التلبس عن طريق مشروع. و سنتطرق إلى هذه الشروط بنوع من الشرح على الترتيب.
1*. الشرط الأول: أن يكون التلبس سابقا على إجراءات التحقيق التي تتخذ:
يعني ذلك أنه لا يجوز لضابط الشرطة القضائية أن يقوم بأي إجراء استثنائي كالتفتيش و ضبط الأشياء إلا بعد اكتشافه حالة التلبس و إلا كان عمله باطلا" و يترتب على بطلانه بطلان الدليل المستمد منه، إذ أن المشرع لم يمنح ضابط الشرطة حق مباشرة تلك السلطات التي هي أصلا من صميم اختصاص سلطة التحقيق إلا إذا توافر التلبس الصحيح المشروع أولا ثم تأتي تلك الإجراءات لاحقة للتلبس لا سابقة له.
مثال: لو علم ضابط الشرطة القضائية أن شخصا يحرز مخدرا في جيبه فقبض عليه أولا ريثما يستصدر إذنا من النيابة العامة بتفتيشه فإن ذلك القبض باعتباره إجراء من إجراءات التحقيق لا يكون صحيحا قانونا، و بالتالي لو ترتبت على ذلك القبض حال من حالات التلبس كأن يخرج المقبوض عليه ما في جيبه من مخدر و يلقي به على الأرض ليتخلص منه مثلا فيشاهد مأمور الضبط تلك المخدرات و يلتقطها معتقدا أن مشاهدته لها هي حالة من حالات التلبس الحقيقي كان اعتقاده في غير محله و كان التلبس باطلا لأنه وقع لاحقا للقبض لا سابقا عليه. و بالتالي يبطل الدليل المستمد من ذلك الإجراء الباطل أي أنه لا يعتد قانونا بإحراز الشخص المقبوض عليه للمخدرات.
2*. الشرط الثاني: اكتشاف التلبس بمعرفة ضابط الشرطة أو تحققه منه بنفسه:
يوجب القانون أن يكتشف ضابط الشرطة حالة التلبس بنفسه أو على الأقل يتحقق بشخصه من قيام تلك الحالة حتى يكون له أن يمارس إجراء من إجراءات التحقيق و بالتالي يكون ذلك الإجراء صحيحا ، و لا تتوافر حالة التلبس طالما أن ضابط الشرطة قد تلقى نبأها عن طريق الرواية أو النقل عن شهودها، فإذا كان الثابت أن الذي شاهد المتهم في حالة تلبس بجريمة بيع المواد المخدرة هو المرشد الذي أرسله ضابط الشرطة لشراء المادة المخدرة، فلما حضر الضابط إلى منزل المتهم لم يكن به من الآثار الظاهرة لتلك الجريمة ما يستطيع ضابط الشرطة مشاهدته و الاستدلال به على قيام حالة التلبس، فلا يمكن عند حضور الضابط اعتبار المتهم في حالة تلبس ذلك أنه لا يمكن اعتبار ورقة المخدر التي حملها المرشد إلى ضابط الشرطة عقب البيع أثر من آثار الجريمة يكفي لجعل حالة التلبس قائمة فعلا وقت انتقال الضابط، لأن الآثار التي يمكن اتخاذها أمارة على قيام حالة التلبس إنما هي الآثار التي تنبئ بنفسها عن أنها من مخلفات الجريمة التي لا تحتاج في الأنباء عنها إلى شهادة شاهد.
و تظل حالة التلبس قائمة على الرغم من أن ضابط الشرطة تلقى نبأ الجريمة عن طريق الغير مادام قد بادر بالانتقال إلى محل الواقعة فور علمه بالجريمة و شاهد آثارها التي تنبئ عن ارتكابها منذ وقت قصير أو يتأكد من وجود المشتبه فيه حائزا لأشياء أو يشاهده و به آثار تدعوا إلى افتراض مساهمته في ارتكاب جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس، و الجدير بالذكر أن حالات التلبس لا تتعلق بالمخالفات و إنما هي قاصرة على الجنايات و الجنح المعاقب عليها بالحبس، إذ أن المشرع نص في المادة 55 قانون إ ج" تطبق نصوص المواد من 42 إلى 54 في حالة الجنحة الملتبس بها في جميع الأحوال التي ينص فيها القانون على عقوبة الحبس"، و معنى ذلك أن التلبس يقصد به جرائم الجنايات عموما و جرائم الجنح المعاقب عليها بالحبس فلا تنطبق على الجنح المعاقب عليها بالغرامة، و بالمقارنة مع النص المقابل في القانون المصري في المادة34 إجراءات" لمأموري الضبط القضائي في أحوال التلبس بالجنايات أو الجنح التي يعاقب عليها بالحبس لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر أن يأمر بالقبض على المتهم الحاضر التي توجد دلائل كافية على اتهامه" و ما دام المشرع الجزائري لم يذكر في النص حدا أدنى للحبس في الجنح فمعنى ذلك أن جميع الجنح المعاقب عليها بالحبس أيا كانت مدته تسري عليها أحكام التلبس التي نحن بصددها بما فيها وجوب توافر شروط صحة التلبس.
و على الرغم من أن إجماع الفقهاء يكاد ينعقد على وجوب إدراك ضابط الشرطة إدراكا شخصيا و مباشرا للواقعة الإجرامية و آثارها، إلا أن بعض الفقهاء لم يتطلبوا هذا الشرط و سندهم في ذلك الآتي:
أن المشرع لم يتطلب هذا الشرط في نصوص المادة 41 قانون الإجراءات الجزائية و في نصوص المواد 30 إجراءات جنائية مصري و53 إجراءات جنائية فرنسي.
إن الفقهاء الذين تطلبوا هذا الشرط يهدفون إلى ضمان حرية المتهمين، غير أن تحديد حالات التلبس على سبيل الحصر يحقق هذا الضمان بما يغنى عن تطلب شرط الإدراك الشخصي المباشر.
إن واقع الحياة العملية يدل على أن ضابط الشرطة لا يشاهد حالة - لحرص المجرم على ارتكاب جريمته بعيدا عن رقابته- و إنما الغالب أن يتلقى نبأها عن طريق الرواية عن الغير و يؤيد ذلك أن المادة 42 ق إ ج أوجبت على ضابط الشرطة القضائية الانتقال دون تمهل إلى مكان الجناية المتلبس بها فور علمه بها، و هي بذلك تفترض أن ضابط الشرطة كان في مكتبه و لم يشاهد حالة التلبس.
كما أن اشتراط هذا الشرط يجعل التلبس غير قائم في كثير من الصور العملية كالشروع في القتل بعيار ناري لم يصب المجني عليه، فليست هناك آثار حتى يشاهدها ضابط الشرطة.
3*الشرط الثالث: اكتشاف التلبس بطريق مشروع
لا يكفي لصحة التلبس أن يكون سابقا لإجراءات التحقيق التي يمارسها ضابط الشرطة و أن يكون اكتشافه بمعرفة ضابط الشرطة شخصيا، بل يجب علاوة على ذلك أن يكون اكتشاف حالة التلبس عن طريق مشروع و يقصد بذلك أن يكون وسيلة اكتشافه غير مخالفة للقانون أو الأخلاق، و إلا كان التلبس و ما انبنى عليه من إجراءات و ما استمد منها من أدلة كلها باطلة.
و يثور التساؤل متى تكون طريقة اكتشاف التلبس مشروعة و متى لا تكون كذلك؟
و للإجابة على هذا السؤال يجب التفرقة بين الطرق المشروعة و غير المشروعة على النحو الآتي:
أولا: اكتشاف التلبس بطريق مشروع:
يكون التلبس مشروعا إذا اكتشف عرضا أو باستخدام حيلة مشروعة، أو أثناء القيام بإجراء صحيح على النحو التالي:
أ.اكتشافه عرضا: أي أن يقع التلبس بطريقة عرضية دون سعي أو إتيان عمل إيجابي من جانب ضابط الشرطة و مثال ذلك:
أن يصادف ضابط الشرطة القضائية شخصا في الطريق العام أو في المحل العام يحمل سلاحا ناريا ظاهرا فيسأله عما إذا كان لديه ترخيص بحمله فيجيب بالنفي، ذلك يعتبر تلبسا بجنحة حمل السلاح و لو استطاع المتهم فيما بعد أن يقدم الرخصة إذا لا يشترط في التلبس أن يثبت أن الواقعة التي اتخذت الإجراءات بالنسبة إليها متوافرة فيها عناصر الجريمة أو أن المتهم هو الذي قارفها و إذن القبض على هذا المتهم يكون صحيحا و تفتيشه، سواء لداعي مجرد القبض عليه أو للبحث عن أدلة مادية متعلقة بالجريمة كالخراطيش الخاصة بالسلاح الذي ضبط معه صحيح كذلك و متى كان التفتيش صحيحا فإن ضابط الشرطة القضائية الذي باشره يكون له بمقتضى القانون أن يضع يده على ما يجده في طريقه أثناء عملية التفتيش سواء في ذلك ما يكون متعلقا بالجريمة التي يعمل على كشف حقيقة أمرها أو بأية جريمة أخرى لم تكن وقت إذن محل بحث.
أما الضبط و هو عمل من أعمال التحقيق كالتفتيش و إن كان أهون منه على الناس في خطره فإنه يكون صحيحا على أساس التلبس إذا كان ما شوهد أثناء التفتيش تعد حيازته جريمة كالمخدر مثلا فإذا لم يكن إلا دليلا كشف عن جريمة سبق وقوعها فإن هذا الدليل يكون بمثابة بلاغ عنها يخول ضابط الشرطة القضائية أن ثبت حالة في محضر يحرره و يسير في التحري عنه ثم يتحفظ عليه مؤقتا حتى يقدمه لسلطة التحقيق المختصة بضبطه قانونا،ففي كل الأحوال يكون الاستدلال بالشيء المضبوط أثناء التفتيش الصحيح سائغا جائزا.
و قد يحدث أن يصاب شخص في حادث فينقل إلى المستشفى و في سبيل التعرف على شخصيته تفتش ملابسه، فإذا عثر على مادة مخدرة أو جسم لجريمة نتيجة هذا التفتيش تكون الجريمة في حالة تلبس مادام أن إجراء التفتيش قد تم بوجه قانوني.
ب. اكتشافه عن طريق استخدام حيلة مشروعة:
أي أن يجيء التلبس عن طريق سعي من ضابط الشرطة القضائية، و لكنه سعي لا يخالف القانون و لا الخلق، و مثال ذلك أن يصل إلى علم ضابط الشرطة القضائية أن شخصا يتاجر بالمخدرات و يبيعها للجمهور لمن يتقدم إليه فيتنكر ضابط الشرطة في زي مدني لكي يشترى منه قطعة من المخدر فيبيعه إياها فيضبطه بما يحمل من مخدرات.
و كذلك إذا تنكر ضابط الشرطة القضائية في زي عامل من عمال طلاء السيارات يشتري سلعة تموينية من شخص اشتهر عنه الاتجار في قوت الشعب فباعه بتلك السلعة بأزيد من السعر الرسمي كما يبيعها لغيره من العامة فضبطه عند إتمام عملية البيع.
ففي هاتين الحالتين لجأ ضابط الشرطة القضائية إلى حيلة التنكر بأزياء مدنية مستبدلين بها ملابسهم الرسمية و هذه حيلة لا تتعارض مع القانون أو الآداب أو الأخلاق في شيء.
جـ* اكتشاف التلبس أثناء القيام بإجراء صحيح:
و مثال ذلك أن يتوجه ضابط الشرطة القضائية لتفتيش مسكن شخص متهم في سرقة مجوهرات سواء كان ذلك في حالة تلبس صحيح قانونا، أو بناءا على أمر صادر من قاضى التحقيق أو النيابة العامة بالتفتيش بغرض البحث عن الحلي أو المجوهرات المسروقة فيعثر في منزل المتهم أثناء التفتيش على ساعة مسروقة في واقعة أخرى، أو يعثر على مواد مخدرة أو على سلاح ناري غير مرخص أو غير ذلك، فالتفتيش الذي أجراه ضابط الشرطة إجراء صحيح أصلا و حالات التلبس التي عرضت له تكون صحيحة و مشروعة و يترتب عليها مسؤولية صاحب المنزل عن كل جريمة جديدة متلبسا بها.
و إذا كان رجال البوليس المأذونين بتفتيش شخص و منزله و مقهاه، لما دخلوا المقهى قد شاهدوا شخصا غير وارد اسمه في إذن التفتيش عند بابه الخلفي يحاول الهرب، فلحق به أحدهم و بحث خارج ذلك الباب فوجد على مقربة منه كيسا على الأرض به حشيش ففتشوا الشخص لاعتقادهم أن له ضلع في جريمة إحراز هذا الحشيش فعثروا معه على حشيش أيضا، فإن هذا التفتيش يكون صحيحا. لأن الحكم يكون قد أثبت أن جريمة إحراز المخدر كان متلبسا بها، ذلك لأن التلبس بالجريمة لا يشترط فيه مشاهدة شخصا بعينه يرتكبها، بل أنه يكفي مشاهدة الفعل المكون له وقت ارتكابه أو بعد وقوعه ببرهة يسيرة و لو لم يشاهد مرتكبه و لأن رجال الضبطية القضائية هم في أحوال التلبس بالجنح و الجنايات أن يقبضوا على كل من يقوم لديهم أي دليل على مساهمته في الجريمة كفاعل أو شريك و لو لم يشاهد وقت ارتكابها.
ثانيا: اكتشاف التلبس بطريق غير مشروع:
تتعدد صور السلوك الغير مشروع الصادر من ضابط الشرطة القضائية و ترجع عدم المشروعية إما إلى كون سلوكه يشكل جريمة، أو تخلف بعض الشروط اللازمة لصحة العمل الذي باشره، أو تعسفه في تنفيذ اختصاصاته القانونية، أو منافاة سلوكه للأخلاق و الآداب العامة، أو أن يكون سلوكه يعد تحريضا على ارتكاب الجرائم.
2.أسباب عدم المشروعية:
أ) كشف التلبس من خلال سلوك يعد جريمة:
فقد يكون رجل السلطة العامة الذي كشف عن حالة التلبس جريمة في حد ذاته، كما لو باشر ضابط الشرطة القضائية قبضا و تفتيشا في غير الأحوال التي يرخص فيها القانون في ذلك كما لو قبض أحد رجال البوليس على شخص و هو سائر في الطريق و أجرى تفتيشه بمجرد الظن أو الاشتباه في أنه يحرز مخدرا، فإن هذا التفتيش الحاصل بغير إذن من النيابة العامة يكون باطلا لمخالفته لأحكام القانون، فإذا كانت الواقعة هي أن المتهم عند رؤيته رجال البوليس أخرج ورقة من جيبه ووضعها بسرعة في فمه فلا تلبس في هذه الحالة، لأن ما حوته تلك الورقة لم يكن بالظاهر حتى كان سيستطيع رجال البوليس رؤيته، إذا كان رجال البوليس قد قبضوا على هذا المتهم و فتشوه فهذا القبض و التفتيش يكونان باطلين حتى و لو كان المتهم من المعروفين لدى المصالح الجنائية بالاتجار في المخدرات.
ب) تخلف بعض الشروط اللازمة لصحة العمل:
كذلك يتحقق سلوك غير المشروع حتى و لو كان ضابط الشرطة القضائية يباشر عملا قانونيا و لكن تخلفت بعض شروط صحته،كما لو دخل ضابط الشرطة القضائية أحد المحال العامة(مقهى) لمراقبة تنفيذ القوانين، فإن هذا الدخول يكون مبررا و لا يستلزم الحصول على إذن، إلا أن هذا الدخول لا ينبغي أن يستطيل إلى الأماكن المتخذة سكنا، و يقتصر هذا الدخول على أوقات العمل دون الأوقات التي تغلق فيها، و ليس له استكشاف الأشياء المغلقة الغير الظاهرة ما لم يدرك ضابط الشرطة القضائية بأحد حواسه قبل التعرض لها مما يجعل أمر حيازتها أو إحرازها جريمة تبيح التفتيش، و يكون عمله في هذه الحالة قائما على حالة التلبس لا على حق ارتياد المحال العامة.
جـ)تعسف ضابط الشرطة في تنفيذ اختصاصاته القانونية:
و نقصد به تلك الحالات التي يكون فيها ضابط الشرطة القضائية مخولا سلطة ما للقيام بإجراء قانوني أصلا و لكنه يسيء استعمال تلك السلطة أو ينحرف عنها و تنشأ عن ذلك الانحراف بالسلطة حالة تلبس جديدة بجريمة أخرى غير الجريمة الأولى التي كان يمارس الإجراء القانوني فيها، و فيما يلي نقدم مثالين لحالتي تجاوز حدود السلطة و إساءة استعمالها.
1- إن يندب ضابط الشرطة لإجراء معين فيتجاوز حدود سلطته أي يتعداها إلى إجراء آخر و مثال ذلك: أن يكلف بتفتيش منزل شخص فيفتش المنزل ثم يفتش الشخص نفسه فإن عثر معه على شيء يكون جريمة فلا يعتد بالتلبس الأخير و العكس صحيح أي أن يكون مكلفا بتفتيش الشخص فقط فيفتشه ثم يفتش المسكن دون أن يكون مأمورا بالإجراء الأخير فيقع تفتيشه باطلا أيضا.
2- أن يتعسف ضابط الشرطة في استعمال سلطته: و مثال ذلك أن يكلف ضابط الشرطة القضائية بتفتيش مسكن شخص و تفتيش الشخص ذاته للبحث عن سلاح ناري استخدم في جناية قتل، فيجري ضابط الشرطة تفتيش حافظة نقود ذلك الشخص و يجد بها لفافة صغيرة فيفتحها فيجد بها قطعة من مادة مخدرة هنا يقع تفتيشه للمادة الموجودة باللفافة الصغيرة بداخل حافظة النقود باطلا لأنه تعسف في استعمال السلطة إذ لا يعقل من الناحية المنطقية وجود السلاح الناري الذي يبحث عنه بداخل اللفافة الصغيرة، و قد قضى ببطلان هذا التفتيش لأنه تعسف في استعمال السلطة.
د)- منافاة سلوك رجل الضبط للأخلاق والآداب العامة:
3- كذلك يعد سلوكا غير مشروع من جانب ضابط الشرطة القضائية اللجوء إلى وسيلة تتنافى مع الأخلاق و الآداب العامة لإثبات التلبس، فإذا كان من المقرر أنه لا يجوز إثبات حالة التلبس بناءا على مشاهدات يختلسها رجال الضبط من خلال ثقوب أبواب المساكن لما في هذا المساس بحرمة المساكن و المنافاة للآداب و كذلك لا يجوز إثبات تلك الحالة بناءا على اقتحام المسكن فإن ذلك يعد جريمة في القانون فإذا كان الظاهر أن مشاهدة رجال الضبط للمتهمين و هم يتعاطون الأفيون بواسطة الحقن كانت من ثقب الباب ، و أن أحد الشهود احتال عليهم لفتح الغرفة التي كانوا فيها على هذه الحالة ثم اقتحمها رجال الضبط و ضبط المتهمين و فتشهم فعثر لديهم على مخدر فإن حالة التلبس لا تكون ثابتة و يكون القبض و التفتيش باطلين.
4- و إذا كانت العلة في تجريم النظر من ثقوب الأبواب هي ما ينطوي عليه هذا العمل من انتهاك حرمة المكان، فإن الفعل يصبح مباحا إذا كان لا ينطوي على هذا الانتهاك كما لو كان النظر من ثقب الباب تم بمعرفة من له صفة في المكان فإذا كان الثابت أن المكان الذي حصل فيه التفتيش لم يكن مسكنا للمتهم بل هو المحل المخصص لعمل القهوة بديوان البوليس، فإن الشرطي الذي نظر خلال ثقب بابه لم يكن يقصد التجسس على من به إذ لم يكن يعرف أن المتهم مختبئ فيه، بل كان يستطلع سبب الضوء المنبعث منه، فرأى المتهم مشتغلا بعد كربونات الكيروسين المسروقة، فإن حالة التلبس تكون قائمة و التفتيش يكون صحيحا.
5- كذلك يعد النظر من ثقب الباب مشروعا إذا تم بموافقة من له الصفة في المكان إذ أن الرضا الصادر عمن له الصفة في المكان يعتبر في هذه الحالة سبب إباحة ينفي عن فعل ضابط الشرطة وصف الجريمة و يضفي المشروعية على اكتشاف حالة التلبس.
6- كذلك لا يصح إثبات التلبس من خلال التصنت ما لم يكن لا ينطوي على معنى الجاسوسية تطبيقا لذلك قضى بأنه متى كان الثابت أن الضابط و زميله إنما انتقلا إلى محل المجني عليه و استخفيا فيه بناءا على طلب صاحبه ليسمعا إقرار المتهم بأصل الدين و حقيقة الفائدة التي حصل عليها في القرضين. فإنه لا يصح أن يعاب التسمع هنا بالنسبة لرجل البوليس منافاة الأخلاق لأن من مهمة البوليس الكشف عن الجرائم للتوصل إلى معاقبة مرتكبيها.
7- كذلك تتوافر حالة التلبس بتسمع عضوي الرقابة الإدارية للحديث الذي دار بين المتهم و بين الموظف المبلغ في مسكن هذا الأخير و رؤيتهما واقعة تسليم مبلغ الرشوة من خلال ثقب الباب حجرة الاستقبال، مادامت تلك الحالة قد جاءت عن طريق مشروع و هو دعوة الموظف عضوي الرقابة إلى الدخول إلى منزله و تسهيله لهما رؤية الواقعة توصلا إلى ضبط مقارفهما، بما لا منافاة فيه لحرية شخصيته أو انتهاك لحرمة المسكن.
و)سلوك مأمور الضبط تعد تحريضا على ارتكاب الجرائم:
فالمشروعية هي السمة التي يجب أن تتوافر في سلوك مأمور الضبط القضائي عند إثبات التلبس، على أن أظهر حالات عدم المشروعية هي التحريض الواقع من رجل السلطة العامة لارتكاب جريمة لضبط مرتكبها في حالة تلبس، فالقضاء لا يقر التدخل الواقع من ضابط الشرطة القضائية في صورة تحريض على الجريمة بهدف ضبطها، ذلك أن عمل رجل البوليس يجب أن يقتصر على منع الجريمة، فإن أخفق في ذلك فعليه عبء ضبطها، و ليس له في سبيل ذلك أن يحرض على ارتكابها.
و يعد سلوك ضابط الشرطة القضائية تحريضا إذ كان ينطوي على خلق حالة التلبس و يكون ذلك بتعارض هذا السلوك مع القانون في نصوصه وروحه.
و يلاحظ أنه لا أهمية للباعث الذي دفع رجل الضبط إلى التحريض، لأن هذا السلوك يتعارض مع الواجبات الأدبية لوظيفة الضبط القضائي كما يتعارض هذا السلوك مع الالتزام بالاستقامة، ذلك الالتزام الذي يفرضه القانون على رجال الضبطية القضائية عند بحثهم عن الجرائم، و من أمثلة ذلك أن يتظاهر رجال الضبط بأنه يعتزم أن يستغل ما لديه من رأس مال في الاتجار الغير المشروع بالعملة و يلجأ إلى أحد الأشخاص المشهور عنهم تهريب النقد و يمدهم بالمال اللازم لتهريبه للخارج لعقد الصفقة ثم بضبطه بعد إتمام تلك الصفقة، و يصدق المثال على تمويل المجرمين لعقد صفقات لتهريب المواد المخدرة، و قد يستخدم رجال الضبط أموال الدولة في هذه المحاولات إذا كانت الأموال العامة تحت يده للإنفاق منها في وجوه معينة.
و لا شك أنه لا يعتد بالتلبس في مثل هذه الحالات التي يكون فيها وليد التحريض من جانب رجال الضبط على ارتكاب الجرائم إذ لولا تحريضه ولولا مساعدته للمجرمين بتقديم المال لما ارتكبت هذه الجرائم.
هل يعد تحريضا التحايل على اكتشاف الجرائم؟
هناك فارق بين التحريض على ارتكاب الجريمة و التحايل على اكتشافها، فالأول يؤدي إلى وقوع الجريمة كأثر له، أما الثاني فهو يهدف إلى كشف أمر جريمة ارتكبت بالفعل لذلك فإن القضاء أقر مشروعية الثاني دون الأول.
فاعتبر القضاء تحايلا على كشف الجريمة و من ثم مشروعية هذا السلوك.
2.خصائص التلبس:
يتميز التلبس كنظام قانوني بمجموعة من الخصائص التي تميزه عن النظم القانونية الأخرى، و قد سبق لنا أن تعرضنا لسمات ثلاث له هي: حصر حالات التلبس، جواز إدراك التلبس بأي حاسة من الحواس، سلطة قاضي الموضوع في القول بتوافر إحدى حالات التلبس أو انتقائها لذلك سنتعرض لبقية هذه السمات:
أ* الطابع العيني للتلبس:
يقصد بذلك أن التلبس وصف ينصرف إلى الجريمة لا إلى شخص مرتكبها، و هو ما عبر عنه المشرع الجزائري بقوله" توصف الجناية أو الجنحة بأنها في حالة تلبس"و ما دام الأمر كذلك فإنه متى توافرت إحدى حالات التلبس بالجريمة كان لضابط الشرطة القضائية الذي أدرك وقوعها القبض على كل من يقوم دليل على مساهمته فيها و تفتيشه بغير إذن النيابة يستوي في ذلك من يشاهد و هو يرتكب الفعل المكون للجريمة أو من يتبين مساهمته فيها و هو بعيد عن محل الواقعة.
فإذا استصدر ضابط الشرطة إذن من النيابة بضبط متهم حكم بإدانته و تفتيشه فقام بهذا الإجراء فوجده يحرز مادة مخدرة، و إن هذا المتهم دله على شخص آخر-هو المطعون ضده-باعتباره مصدر هذه المادة و البائع لها، فإن انتقال الضابط إلى مكان هذا الشخص و تفتيشه بإرشاد المتهم الآخر يكون إجراء صحيحا في القانون ذلك لأنه بضبط المخدر مع المتهم الآخر تكون جريمة إحرازه متلبسا بها مما يتيح لرجل الضبطية القضائية الذي شاهد وقوعها أن يقبض على كل من يقوم لديه دليل على مساهمته فيها و أن يفتشه.
ب* انصراف التلبس إلى ما يدل على توافر الركن المادي للجريمة:
فالتلبس كما ذكرنا يتعلق باكتشاف الجريمة، و مادام الأمر كذلك فلا بد من وجود ماديات يستدل بها على وقوع الجريمة، و لا يشترط في هذه الماديات أن تكون الركن المادي للجريمة بل يكفي أن تحمل على الاعتقاد بتحقيق الركن المادي للجريمة في أحد عناصره، فيستوي تعلقها بالفعل أو النتيجة.
و تفصيل ما سبق أن اشتراط انصراف التلبس إلى الركن المادي كما ذهب إلى ذلك رأي في الفقه لا يتوافر من وجهة نظرنا إلا بالنسبة للحالة الأولى و الثانية من حالات التلبس بالجريمة حيث يدرك ضابط الشرطة الركن المادي للجريمة وقت تنفيذه، أما ما عدا ذلك من حالات فلا يتوافر فيه هذا الإدراك في الغالب- و الدليل على ذلك - أن التتبع المقترن بالصياح ليس هو الفعل أو النتيجة الإجرامية في جريمة القتل أو السرقة مثلا كذلك فإن حالة الفزع التي انتابت شخصا في أعقاب إطلاق عيار ناري عليه أخطئه...
-و مشاهدة ضابط الشرطة حالة الفزع-ليست هي الفعل في جريمة الشروع في القتل، كذلك فإن حمل شخص سكينا ملوثة بالدماء بعد ارتكابه لجريمة القتل- و دون رؤية ضابط الشرطة فعل القتل أو جثة المجني عليه- لا يمكن اعتباره فعل القتل أو النتيجة الإجرامية.
ففي الحالات السابقة جميعها- ما عدا الحالة الأولى و الثانية من حالات التلبس -لم ينصرف التلبس إلى عناصر الركن المادي للجريمة، و إنما انصرف إلى مظاهر خارجية، لا تعد جزءا من الركن المادي و إن كانت مرتبطة به لدلالتها على وقوعها كأثر لكفايتها.
و متى شاهد ضابط الشرطة تحقق الركن المادي للجريمة أو تحقق أحد عناصره أو شاهد المظاهر التي تدل على وجوده تحققت بذلك حالة التلبس في إحدى صورها، و جاز له مباشرة الإجراءات المترتبة عليها دون حاجة إلى التحقق من العناصر الأخرى للجريمة..
جـ* انصراف التلبس إلى الجريمة التي توافرت لها إحدى حالاته:
متى توافرت حالة التلبس بالجريمة اقتصر هذا الوصف على الجريمة التي وجدت في إحدى حالات المنصوص عليها في المادة41 قانون إج، و يترتب على ذلك أن هذا الوصف لا يمتد لأي جريمة أخرى لم تتوافر لها إحدى حالات التلبس بالجريمة و لو كانت الجريمة الأخرى مرتبطة بالجريمة المتلبس بها، و من ثمة لا يجوز لضابط الشرطة مباشرة إجراءات التحقيق المخولة له استثناء بالنسبة للجريمة المرتبطة بالجريمة المتلبس بها ذلك أن التلبس نظام استثنائي مما يقتضي مباشرة السلطات المترتبة عليه في نطاق الجريمة التي وجدت في إحدى حالاته دون غيرها.
و يلاحظ أنه بالنسبة للجرائم المستمرة تظل حالة التلبس قائمة ما بقيت حالة الاستمرار، و يجوز خلال الوقت الذي تستمر خلاله الجريمة اتخاذ الإجراءات التي يجيزها التلبس، و يرجع ذلك إلى أن هذا النوع من الجرائم يكون تنفيذه قابلا للامتداد في الزمن كما أراد فاعلها ذلك، و من أمثلة هذه الجرائم جريمة استعمال محرر مزور " فهي جريمة مستمرة تبد أ بتقديم الورقة و التمسك بها و تبقى مستمرة ما بقي مقدمها متمسكا بها، و لا تبدأ مدة سقوط الدعوى إلا من تاريخ الكف عن التمسك بها أو التنازل عنها- و لو ظلت في يد الجهة المستعملة أمامها- أو من تاريخ صدور الحكم بتزويرها، و جريمة إحراز مواد مخدرة، و جريمة سرقة تيار كهربائي و جريمة إحراز سلاح بدون ترخيص، لذا قضى بأن متى كانت جريمة إحراز السلاح متلبسا بها، فإن هذا يجيز لضابط الشرطة القبض على الجاني و تفتيشه في أي وقت و في أي مكان مادامت حالة التلبس قائمة و لا تصح مطالبة القائم بالتفتيش بالوقوف فيه عند انقضاء وقت معين أو عند العثور على شيء معين و من ثمة فإن الدليل المستمد من هذا التفتيش يكون صحيحا.
الفصل الثاني: مباشرة الإجراءات في حالة التلبس
1.السلطات الاستثنائية لضابط الشرطة القضائية في حالات التلبس:
منحت المواد 42-62 من قانون الإجراءات الجزائية لضابط الشرطة القضائية في أحوال التلبس قسطا كبيرا من إجراءات التحقيق استثناء هي في واقع أمرها من أهم الآثار القانونية التي تترتب على حالات التلبس بالجريمة، لأن حالة التلبس كثيرا ما تلقي الذعر في نفوس أفراد المجتمع، و يكون من الصالح العام الإسراع باتخاذ إجراءات الضبط فيها و بحسب نصوص التشريع الجزائري تنحصر تلك السلطات الاستثنائية في خمس وهي:
• إخطار النيابة العامة فورا ووجوب الانتقال و المعاينة.
• سلطاتهم بالنسبة للشهود.
• سلطاتهم في ندب الخبراء
• سلطاتهم بالنسبة لاحتجاز المتهمين و الأمر بإحضارهم و القبض عليهم أو تفتيشهم
• سلطاتهم في تفتيش منازل المتهمين و غير المتهمين.
I .وجوب إخطار النيابة العامة و الانتقال و المعاينة فورا :
• تطبيقا لما نصت عليه المادة 42 من قانون إ ج" يجب على ضابط الشرطة القضائية الذي بلغ بجناية في حالة التلبس أن يخطر بها وكيل الجمهورية على الفور ثم ينتقل بدون تمهل إلى مكان الجناية و يتخذ جميع التحريات اللازمة و عليه أن يسهر على المحافظة على الآثار التي يخشى أن تختفي" و المقصود بالسهر على الآثار التحفظ عليها و عدم تمكين أحد أو السماح لأي شخص بتغيير معالم مكان وقوع الجريمة حيث تنص المادة43 ق إ ج" يحظر في مكان ارتكاب جناية على كل شخص لا صفة له، أن يقوم بإجراء أي تغيير على حالة الأماكن التي وقعت فيها الجريمة أو ينزع أي شيء منها قبل الإجراءات الأولية للتحقيق القضائي، و إلا عوقب بغرامة من 200 إلى 1000 دينار جزائري" و يتحتم على ضابط الشرطة القضائية أن يعرض الأشياء المضبوطة على الأشخاص المشتبه في مساهمتهم في الجناية للتعرف عليهم و ذلك تطبيقا للفقرة الأخيرة من المادة 42 التي تنص على :" و أن يعرض الأشياء المضبوطة على الأشخاص المشتبه في مساهمتهم في الجناية للتعرف عليها"
• و هذه الواجبات و إن كانت هي بعينها التي يقوم بها عادة ضابط الشرطة القضائية في حالة وقوع جناية أو جنحة في غير حالات التلبس، إلا أن الفارق بين حالة التلبس و غيرها أن الانتقال و المعاينة و إخطار النيابة بالواقعة قد أمر به المشرع على سبيل الوجوب و نص على الإلزام بالقيام بها بصفة فورية عاجلة، فهي إذن ليست اختيارية لضابط الشرطة كما هو الحال في غير حالات التلبس.
• و يترتب على هذا الإلزام أن ضابط الشرطة القضائية يسأل إداريا عن التمهل أو التأخير في الانتقال لضبط الواقعة و كذلك عند عدم إخطار وكيل الجمهورية بوقوع الجريمة في حيينها أو مجرد التراخي أو التأخير في ذلك الإخطار و من باب أولى يسأل ضابط الشرطة عن امتناعه عن تلقي بلاغ التلبس أو امتناعه عن ضبط الواقعة.
II. سلطتهم بالنسبة للشهود:
تطبيقا لأحكام المادة 50 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري" يجوز لضابط الشرطة القضائية منع أي شخص من مبارحة مكان الجريمة ريثما ينتهي من إجراء تحرياته"
و لما كانت تلك المادة توجب على كل شخص أن يمتثل لأوامر ضابط الشرطة القضائية في كل ما يطلبه منه بشأن التعرف على هويته أو التحقق من شخصيته كلما كان ذلك ضروريا في مجرى جمع الاستدلالات القانونية و تقضي الفقرة من هذه المادة" كل من خالف أحكام الفقرة السابقة يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز 10 أيام و بغرامة 500دج" و من الطبيعي أن المحكمة هي التي توقع هذه العقوبة بناءا على ما يثبته ضابط الشرطة القضائية في محضره
ليس هذا فحسب بل إن الفقرة الأولى من المادة 51من قانون الإجراءات الجزائرية " إذا رأى ضابط الشرطة القضائية لمقتضيات التحقيق، أن يوقف للنظر شخصا أو أكثر ممن أشير إليهم في المادة 50، فعليه أن يطلع فورا وكيل الجمهورية و يقدم له تقريرا عن دواعي التوقيف للنظر"
أي تجيز لضابط الشرطة القضائية أن يحتجز تحت المراقبة شخصا أو أكثر من شهود الحادث إذا كانت مقتضيات التحقيق تتطلب ذلك على أن لا تتجاوز مدة الحجز 48 ساعة و هذا ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 51ق إ ج.
و نلاحظ أن هذه السلطة ليست قاصرة على حالات التلبس بجناية فقط بل كذلك في التلبس بجنحة عقوبتها الحبس كما سبق القول تطبيقا للمادة 55 قانون إجراءات الجزائية أما في غير حالات التلبس فلا يملك ضابط الشرطة القضائية أن يأمر بإحضار شاهد أو حجزه و كل ما له هو أن يستدعيه للحضور لأخذ معلوماته فإذا امتنع يثبت ضابط الشرطة القضائية ذلك في محضره و له أن يستصدر أمرا بضبطه و إحضاره من قاضي التحقيق أو وكيل الجمهورية عند الاقتضاء.
III. سلطتهم بالنسبة لندب الخبراء:
تتضمن أحكام المادة49 من قانون أ ج ج:" إذا اقتضى الأمر إجراء معاينات لا يمكن تأخيرها فلضابط الشرطة القضائية أن يستعين بأشخاص مؤهلين لذلك.
و على هؤلاء الأشخاص الذين يستدعيهم هذا الإجراء أن يحلفوا اليمين كتابة على إبداء رأيهم بما يمليه عليهم الشرف و الضمير" و من هنا نرى أن انتداب الخبراء في هذه الحالة(تلبس)، خاضع لتقدير ضابط الشرطة القضائية و معياره سرعة اتخاذ الإجراء، و بذلك يختلف الأمر عن سلطته العادية في غير حالات التلبس إذ تكون سلطته في الاستعانة بالخبراء متوقفة على رضاء صاحب الشأن سواء كان رضاء صريحا أو فنيا على ما سبق بيانه و معنى ذلك أنه إذا كان الإجراء المطلوب انتداب الخبير من أجله، لا يتطلب السرعة في اتخاذه فإن على ضابط الشرطة القضائية أن يترك ذلك للمحقق الأصلي.
IV. سلطتهم بالنسبة لاحتجاز المتهمين أو الأمر بإحضارهم أو القبض عليهم أو تفتيشهم:
تناول المشرع الجزائري تلك السلطات في المواد من 51 إلى 54 قانون إج و يمكن تلخيص أحكامها فيما يلي:
1- احتجاز المتهم: تنص الفقرة الثانية المادة 50 ق إج:" على كل شخص يبدو له ضروريا في مجرى استدلالاته القضائية التعرف على هويته أو التحقق من شخصيته أن يمتثل له في كل ما يطلبه من إجراءات في هذا الخصوص" و التي تخول لضابط الشرطة القضائية في حالة التلبس حق استدعاء المتهم، للتعرف على هويته و التحقق من شخصيته و له الحق في احتجازه لمدة 48 ساعة تطبيقا للفقرة الأولى من المادة 51 ق إج، بالإضافة إلى ذلك يجوز لضابط الشرطة القضائية تمديد الحجز إلى فترة مماثلة بشرطين الأول تقوم دلائل قوية و متماسكة من شأنها التدليل على اتهامه، و الثاني أن يحصل على تصريح كتابي من وكيل الجمهورية بعد أن يقوم هذا الأخير بتدقيق الملف أي بعد الاطلاع على أوراق محضر جمع الاستدلالات، كما أنه يجوز لوكيل الجمهورية إصدار الأمر بالحجز لمدة 48 ساعة بناءا على مذكرة كتابية مسببة بدون الاطلاع على المحضر الخاص و ذلك تطبيقا للفقرة الثانية من المادة 51 ق أ ج ج" و إذا قامت ضد شخص دلائل قوية و متماسكة من شأنها التدليل على اتهامه فيتعين على ضابط الشرطة القضائية أن يقتاده إلى وكيل الجمهورية دون أن يوقفه للنظر أكثر من 48 ساعة" أما في الفقرة الأخيرة من نفس المادة51 القانون إج " تضاعف جميع الآجال المنصوص عليها في هذه المادة إذا تعلق الأمر باعتداء على أمن الدولة و يجوز تمديدها بإذن مكتوب من وكيل الجمهورية دون أن تتجاوز 12 يوما إذا ما تعلق الأمر بجرائم موصوفة بأفعال إرهابية أو تخريبية" فهي تجيز مضاعفة تلك المدة في حالة الاتهام في جرائم أمن الدولة ويجب في حالة حجز أي شخص أن يؤشر بذلك على هامش المحضر و أن تثبت بيانات الحجز مستوفاة في السجل الخاص و المعد لذلك و الكائن بكل دائرة الشرطة أو مركز للدرك و يكون ذلك السجل مرقما بأرقام متسلسلة و موقعا على كل صفحة منه من وكيل الجمهورية.
2- الأمر بالإحضار:
فرق القانون الجزائري بصريح النص بين الأمر بالإحضار و الأمر بالقبض، فنصت المادة 110 من قانون الإجراءات الجزائري على أن الأمر بالإحضار هو ذلك الأمر الذي يصدره قاضي التحقيق إلى القوة العمومية لاقتياد المتهم و مثوله أمامه على الفور، كما تنص تلك المادة على أنه يجوز لوكيل الجمهورية إصدار الأمر بالإحضار، على أن يبلغ الأمر في الحالتين و ينفذ بمعرفة أحد ضباط الشرطة القضائية أو أعوان الضبط القضائي.
و يشترط أن يكون الأمر بالإحضار من صورتين يقوم ضابط الشرطة القضائية بتسليم صورة منه إلى الشخص المطلوب إحضاره و تنص المادة 116 قانون إج على أنه إذا رفض المتهم الامتثال لأمر الإحضار أو أنه أبدى استعداده لتنفيذه و حاول الهرب فإنه يتعين إحضاره جبرا عنه بطريقة القوة.
و الأمر بالإحضار بهذا الوصف يصدر ضد المتهم الذي لم يسبق استجوابه لكي يمكن إحضاره أمام المحقق لاستجوابه عن التهمة المنسوبة إليه.
3- الأمر بالقبض:
تعريف القبض:لم يرد تعريف للقبض في قانون الإجراءات الجنائية الجزائري و المصري أو الفرنسي، أما الفقه فقد قام بدوره في تعريف القبض فعرفه البعض بأنه: " حرمان الشخص من حريته في التجول و لو لفترة يسيرة" و ذهب رأي آخر إلى القول " القبض هو الحجز على حرية متهم بتقييد حركة في التجول"و عرفه رأي آخر بأنه" سلب حرية شخص لمدة قصيرة في المكان الذي يعده القانون لذلك"و في فرنسا يعرفه الفقه بأنه" عمل مادي يباشر على جسم شخص بغرض حرمانه مؤقتا من حرية الغدو و الرواح" كذلك وردت بعض التعاريف في القضاء أهمها" مجموعة احتياطات متعلقة بحجز المتهمين ووضعهم في أي مكان تحت تصرف البوليس لمدة بضع ساعات كافية لجمع الاستدلالات التي يمكن أن يستنتج منها لزوم توقيع الحبس الاحتياطي و صحته قانونا"
يتضح من التعريفات السابقة أن القبض هو إجراء من إجراءات التحقيق يؤدي إلى تقييد حرية الشخص في التنقل فترة من الزمن بغرض اقتياده إلى سلطة التحقيق لتتولى استجوابها و تقرير ما إذا كان الأمر يتطلب حبسه أو إخلاء سبيله.
و بناءا على ما سبق فإن القبض كإجراء من إجراءات التحقيق يتطلب صدور الأمر به من سلطة التحقيق و هو وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق حسب نص المادة 119ق إج.
*سلطة ضابط الشرطة القضائية في القبض بناءا على حالة التلبس:
لم ينص المشرع الجزائري صراحة على حق ضابط الشرطة القضائية في القبض على المتهم في حالة تلبس، و لكن المادة 61 ق إج تنص على" يحق لكل شخص في حالات الجناية أو الجنحة المتلبس بها و المعاقب عليها بعقوبة الحبس ضبط الفاعل و اقتياده إلى أقرب ضابط للشرطة القضائية"
و كان الأولى بالاتباع أن ينص صراحة على حق ضابط الشرطة القضائية في حالات التلبس في القبض على المشتبه فيهم و تفتيش أشخاصهم أسوة بما نص عليه المشرع الجزائري من تقرير ذلك الحق بالنسبة لتفتيش مساكنهم و مساكن الغير و أسوة بما نص عليه المشرع المصري في المادة 34 " لمأموري الضبط القضائي في أحوال التلبس بالجنايات أو الجنح التي يعاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر أن يأمر بالقبض على المتهم الحاضر التي توجد دلائل كافية على اتهامه"
و ما نص عليه المشرع الليبي في المادة 24 من حق مأمور الضبط في إلقاء القبض على المتهم الحاضر في حالات التلبس و ما نصت عليه المادتان 35 من القانون المصري و 25 من القانون الليبي من حق مأمور الضبط في إصدار أمر بضبط المتهم و إحضاره في تلك الحالات إذا لم يكن حاضرا، و ما نصت عليه المادة 46 من الإجراءات المصري بقولها أنه في الأحوال التي يجوز فيها القبض على المتهم قانونا يجوز لمأمور الضبط القضائي أن يفتشه.
و من خلال ما سبق يتضح جليا أنه يتعين توافر شروط معينة لمباشرة ضابط الشرطة القضائية لسلطة القبض،و هذه الشروط تتعلق بأن تكون الجريمة في حالة تلبس و أن تكون من نوع الجناية أو الجنحة المعاقب عليها بعقوبة معينة وأن تتوفر الدلائل الكافية على نسبة الجريمة إلى المتهم و سنتناول كل شرط بشيء من التفصيل
أ. وجود الجريمة في حالة تلبس:
أي أن تكون الجريمة في إحدى حالات التلبس التي نص عليها القانون في المادة 41 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري و أن تتوافر حالة التلبس بجميع عناصرها و شروطها و بصفة خاصة أن يكون ضابط الشرطة القضائية قد عاين بنفسه حالة التلبس، و أن تكون هذه المعاينة قد تمت من خلال طريق مشروع، فإن مشاهدة المتهم و هو يرتكب الجريمة تتحقق به حالة تلبس مما يجيز القبض عليه و متى وجدت الجريمة في حالة تلبس فلا أهمية لما إذا كانت هذه الجريمة قد وقعت تامة أو وقفت على حد الشروع المعاقب عليه، كذلك لا أهمية لما إذا كانت الجريمة المتلبس بها عمدية أو غير عمدية.
و لما كان التلبس شرطا لصحة القبض فإن هذا يفترض أن حالة التلبس بالجريمة تتقدمه؛أي أنه يتعين أن يكون التلبس سببا للقبض أما إذا كان التلبس نتيجة لقبض غير مشروع فإن حالة التلبس تعد بدورها غير مشروعة و بالتالي لا يصح القبض الذي بوشر استنادا إليها.
ب)الجريمة من نوع جناية أو جنحة المعاقب عليها بعقوبة معينة:
إن سلطة ضابط الشرطة القضائية في القبض على المتهم لا تمتد إلى الجرائم المتلبس بها كافة و إنما الأمر على التفصيل الآتي:
* بالنسبة للجناية: تمتد سلطة ضابط الشرطة القضائية في القبض بالنسبة للجرائم المتلبس بها إلى كل فعل يعد جناية، و العبرة في ذلك بما قرره المشرع للجريمة من عقوبة باعتبار أنها ضابط تقسيم الجرائم، و متى كانت العقوبة تندرج في نطاق العقوبات المقررة للجنايات فلا أهمية بنوعها فيستوي أن تكون العقوبة بالإعدام أو السجن.
بل يجوز لضابط الشرطة القضائية مباشرة القبض متى اعتقد أن الفعل يعد جناية ثم اتضح فيما بعد أن الأمر لا يشكل جريمة، كما لو شاهد جريمة قتل عمد ترتكب ثم اتضح فيما بعد توافر سبب الإباحة حيث أن القاتل الذي قبض عليه كان يدافع عن نفسه، ذلك أن الأعمال الإجرائية تجري على حكم الظاهر و لا تبطل من بعد نزولا على ما يكتشف من أمر الواقع.
*بالنسبة للجنح:
يتجه المشرع الجزائري إلى منح ضابط الشرطة القضائية سلطة القبض في الجرائم التي تعد جنح غير أنه في ذات الوقت قدر أنه ليس كل جنحة تدل على خطورة إجرامية لهذا تطلب المشرع أن يتوافر في الجنحة شرطان حنى يكون لضابط الشرطة القضائية سلطة القبض.
أولا: أن تكون الجنحة معاقب عليها بعقوبة الحبس، و ينبني على ذلك لا يجوز القبض و لو كانت الجنحة معاقب عليها بعقوبة الغرامة فقط، أما إذا كانت الغرامة تخييري فيجوز لضابط الشرطة القضائية مباشرة القبض.
و لا يجوز القبض في حالة الشروع في جنحة متلبس بها إلا إذا كان المشرع يعاقب على هذا الشروع بعقوبة الحبس، (أي ما استثني من المشرع).
ثانيا: أن لا تقل عقوبة الحبس المقررة للجنحة عن حد معين ففي القانون الإجراءات الجزائية المصري لا يستطيع ضابط الشرطة القضائية مباشرة سلطة القبض على المتهم بارتكاب جنحة متلبس بها إلا إذا كانت عقوبة الحبس المقررة لها تزيد عن ثلاثة شهور إلا أن المشرع الجزائري لم يجعل من مدة الحبس لممارسة ضابط الشرطة القضائية القبض شرطا ضروريا.
بالنسبة للمخالفات: نظرا لبساطة الضرر المترتب عليه لم يخول المشرع الجزائري أو المصري أو الفرنسي ضابط الشرطة القضائية سلطة القبض على المتهم بارتكاب مخالفة.
جـ)الدلائل الكافية:
تعد الدلائل الكافية شرطا لمباشرة أي إجراء ينطوي على مساس بحرية المتهم، وهي تمثل الضمان الوحيد الذي رسمه المشرع الجزائري للأفراد لحمايتهم من كل إجراء قد يكون ضارا بهم.
و الدلائل الكافية هي مجموعة من الوقائع الظاهرة الملموسة التي يستنتج منها أن شخصا معينا هو مرتكب الجريمة، فالدلائل تستمد من واقع الحال من مجموعة من المظاهر المادية التي تؤيد نسبة الجريمة إلى شخص معين مثل مشاهدة المتهم قبل وقوع جريمة القتل يقوم بشراء سلاح ناري ذي مقذوف ناري معين ووجود هذا المقذوف في جسم المجني عليه القتيل أو شم رائحة المخدر تتصاعد من لفافة يحملها المتهم ثم محاولته التواري عن نظر الضابط مع ظهور علامات الارتباك عليه.
أما لكفاية الدلائل فتعني قوتها بحيث يصبح معها في العقل استناد جريمة معينة إلى شخص معين و لا يشترط للقول بقوتها أن ترتقي إلى مرتبة الأدلة، فهي و إن كانت تصلح لمباشرة ضابط الشرطة القضائية لبعض الإجراءات الماسة لحرية المتهم إلا أنها لا تصلح سببا للإدانة أمام محكمة الموضوع وإنما تصلح سببا للبراءة، و تؤسس البراءة في هذه الحالة على أساس عدم ثبوت الواقعة في حق المتهم لأن هذه الدلائل لا تجزم بأن متهما معينا هو الذي ارتكب الجريمة و إنما تثير غبارا حوله قد يكفي للشك في صحة موقفه و لكنها لا تكفي لإدانته.
و تقدير كفاية الدلائل متروك لتقدير ضابط الشرطة القضائية و بحيث يخضع تقديره لرقابة مزدوجة تباشرها سلطة التحقيق و من بعدها محكمة الموضوع.
III.تقييد سلطة ضابط الشرطة القضائية في القبض:
الأصل حرية النيابة العامة هي الممثلة للهيئة الاجتماعية تملك من حيث الأصل في تحريك الدعوى العمومية دون أن يحد من حريتها في هذا الصدد قيد ما و هذا هو الأصل و إذا كان ما سبق يمثل القاعدة العامة فإن المشرع الجزائري أورد إستثناءات على هذه السلطة المطلقة و أخضعها لقيود و شكليات معينة التي تتمثل في وجوب تقديم شكوى من المجني عليه أو الحصول على إذن أو طلب من جهة معنية قبل مباشرة أي إجراء من إجراءات التحقيق فيها ذلك حسب نوع الجرائم المرتكبة و حسب صفة المتهم أو وضعيته و هذه القيود إما تهدف إلى حماية الضحية أو لحماية أجهزة الدولة.
تقديم شكوى من المجني عليه:
يقصد به البلاغ الذي تقدمه الضحية إلى السلطات المختصة كالنيابة العامة أو حتى الشرطة القضائية تطلب فيه تحريك الدعوى العمومية و تؤسس طرفا مدنيا فيها فلا يمكن تحريك الدعوة العمومية تلقائيا من النيابة العامة إلا بعد تقديم شكوى من طرف المتضرر و من هذه الجرائم جريمة السرقة، النصب، و خيانة الأمانة التي تقع بين الأقارب و الحواشي إلى الدرجة الرابعة التي نصت عليها المواد 368-369-376 ق ع ج جريمة الزنا التي تقع بين الزوجين المادة 279 جريمة خطف قاصر 326 ق ع جريمة الهجرة العائلية المادة330 ق ع فإنه إذا كانت الجريمة المتلبس بها مما يتوقف رفع الدعوى العمومية عنها على شكوى فلا يجوز القبض على المتهم إلا إذا صرح بشكوى من يملك تقديمها....
الطلب:
يقصد به ما يصدر عن إحدى الهيئات تابعة للدولة سواء بوضعها ضحية في الجريمة أضرت بمصلحتها أو أنها ممثلة للمصلحة المضرورة يعد هذا العمل إجرائي لا بد منه و يبين لنا الإرادة و الرغبة في تحريك الدعوى العمومية بصدد الجرائم التي تقع و تصيب أو تضر هيئة من الهيئات العمومية و يجب أن يكون هذا الطلب كتابيا موقعا من طرف صاحب السلطة و القيد المتعلق بالجرائم المتلبس بها ينصرف إلى الجرائم التي يستلزم فيها القانون تقديم شكوى أو حصول على طلب.
الإذن:
نص قانون الإجراءات الجزائية و حتى القوانين الأخرى أن تحريك الدعوى العمومية ضد موظفين ينتمون إلى هيئات معينة لا تكون إلا بناءا على إذن خاص من الجهة التي يتبعونها و ذلك لحماية هؤلاء الموظفين من البلاغات الكيدية و الدعاوى فيها و يتمثل هذا في:
1.الحصانة البرلمانية: خول الدستور الجزائري 1996 الحصانة للنائب في البرلمان طوال مدة نيابته و نظم قواعد تحريك الدعوى العمومية ضده في حدود شروط هذا حسب المادة 109-110 من الدستور حيث لا يمكن أن يتابع أيا كان أو يوقع بسبب فعل إجرامي إلا بتنازل صريح منه أو بإذن من المجلس الشعبي الوطني الذي يقرر رفع الحصانة أما في حالة تلبس أحد النواب بجنحة أو جناية يمكن توقيفه و يخطر بذلك مكتب المجلس الشعبي الوطني أو مجلس الأمة حسب الحالة فورا و يمكن للمكتب المخطر أن يطلب إيقاف المتابعة و إطلاق سراح النائب على أن يعمل بأحكام المادة110 من الدستور هذا ما ورد في نص المادة111.
2.الحصانة الدبلوماسية: تمنح الاتفاقيات و الأعراف الدولية الحصانة الدبلوماسية للدبلوماسيين الأجنبيين المعتمدين في الوطن ممثلين لبلد جنسيتهم و لا يمكن المتابعة في الدعاوى العمومية.
3.القضاء: إن متابعة رجال القضاء عند ارتكابهم للجرائم تخضع لإجراءات خاصة و لا تتم المتابعة إلا بعد ترخيص صريح من ذوي الشأن في حالة إقرار بالمتابعة ينتدب قاضي التحقيق خارج اختصاص المجلس الذي يعمل به القاضي من أجل التحقيق المواد573-575.
VI.ضمانات الحرية الفردية عند تنفيذ القبض:
نص المشرع الجزائري على عدد من الضمانات تتعلق بتنفيذ القبض، و هذه الضمانات قد تتعلق بالشخص القائم بالإجراء و بمدة القبض، و أيضا قد تتعلق بالشخص المقبوض عليه.
• شخص القائم بإجراء القبض: القبض كإجراء لا ينبغي أن يباشر إلا بمعرفة السلطة المختصة بالتحقيق إلا أنه لاعتبارات عملية عهد المشرع لذلك أيضا إلى ضباط الشرطة القضائية أما أعوان الضبط القضائي الذين ليس لهم صفة ضابط الشرطة القضائية فليس لهم سوى سلطة الاقتياد المادي تحت إشراف و رقابة ضابط الشرطة القضائية.
• الحرمان من الحرية لا يكون إلا لمدة محددة: إن حرمان المقبوض عليه من حريته أمر يترتب تلقائيا على القبض الفعلي لذلك يعتبر هذا الحرمان جوهر القبض، غير أن مدة هذا الحرمان لا تعتبر من خصائصه، ذلك أن القبض لا يستغرق إلا لحظة، و قد تطول مدته.
يقصد بمدة القبض الفترة الزمنية التي يظل فيها المقبوض عليه محروما من حريته الشخصية في التنقل، و الواقع أن تحديد هذه المدة يعد ضمانة جوهرية للمتهم حتى لا يظل مهددا بهذا الأمر أمدا طويلا. و قد حدد المشرع الجزائري مدة القبض بمعرفة ضابط الشرطة القضائية بـ 48 ساعة و هذا مستخلص من نص المادة 121 ق أ ج ج التي أوجبت على ضابط الشرطة القضائية أن يسمع فورا أقوال المتهم المقبوض عليه ثم يساق هذا الأخير دون تمهل إلى مؤسسة إعادة التربية المبينة في أمر القبض حيث يجري تسلميه و حبسه.
سلطتهم في تفتيش المتهمين و المساكن
1.تعريف التفتيش:
تعددت التعريفات الفقهية التي قيل بها بشأن التفتيش، و هي لا تخرج عن أن التفتيش"إجراء من إجراءات التحقيق يقوم به موظف مختص، طبقا لإجراءات المقرر قانونا، في محل يتمتع بالحرمة بهدف الوصول إلى أدلة مادية لجناية أو جنحة تحقق وقوعها لإثبات ارتكابها أو نسبتها إلى المتهم".
و الهدف من مباشرة هذا الإجراء هو الحصول على دليل مادي يتعلق بالجريمة الجاري جمع الاستدلالات عنها أو التحقيق بشأنها لذلك قيل أن تفتيش لا يمكن اعتباره دليلا في حد ذاته، و إنما الدليل هو مانتج عنه من أدلة مادية سواء تعلقت بالجريمة التي أتخذ هذا الإجراء من أجلها، أم بجريمة أخرى كشف عنها هذا الإجراء في إطار ضوابط محددة تهدف إلى أن يكون ضبط هذه الأدلة بطريقة عرضية و ينطوي إجراء التفتيش على مساس بحق الانسان في السر الذي يمثل أحد مظاهر الحق في الخصوصية و له الحق في حرمة حياته الخاصة و سريتها و مجال هذه السر ية في شخص الانسان أو مسكنه و إذا كان الأصل أنه لا يجوز للدولة في سبيل إثبات الجريمة لعقاب مرتكبيها خرق حجاب السرية إلا أن المشرع لم يجعل من حق الانسان في السر قاعدة ذات حصانة مطلقة، و إنما وازن بين احترام هذا المبدأ و حق الدولة في العقاب فأجاز المشرع خرق هذا الحق من خلال عدة إجراءات منها التفتيش وفق ضوابط موضوعية بينها التشريع و دعمتها أحكام المحاكم و اجتهادات الفقهاء.
2.تفتيش المتهمين:
1.شروط التفتيش بناءا على حالة التلبس:
و تتمثل الشروط الموضوعية للتفتيش كاختصاص استثنائي تلقائي بضابط الشرطة فيما يلي:
أ.وقوع جريمة في حالة التلبس: لا يستطيع ضابط الشرطة القضائية مباشرة التفتيش كإجراء تحقق إلا بصدد جريمة وقعت فعلا و يرجع ذلك إلى أن إجراءات التحقيق-و منها التفتيش- لا يباشر إلا حيال جريمة وقعت بالفعل. و عليه فلا يصح مباشرة هذا الإجراء و لو وجدت تحريات جدية تدل عزم بعض الاشخاص على ارتكاب جريمة لذلك يعد باطلا إذن بالتفتيش متهم دلت التحريات على أنه سافر من مدينة إلى مدينة منذ ثلاثةأيام و سيعود بعد يومين و معه كمية من المخدرات و ذلك لأن الإذن بالتفتيش هو إجراء من إجراءات التحقيق و لا يصح قانونا إصداره إلا لضبط جريمة وقعت بالفعل و ترجحت نسبتها إلى المأذون بتفتيشه.
و يخضع القول بتوفر حالة التلبس بالجريمة لضابط الشرطة القضائية تحت رقابة سلطة التحقيق و محكمة الموضوع.
ب.أن تكون الجريمة من نوع الجناية أو الجنحة:
ساوى المشرع الجزائري بين سلطة ضابط الشرطة القضائية في القبض و سلطته في التفتيش الاداري للمتهم فله الحق في القبض على المتهم متى كانت الجريمة المتلبس بها من نوع الجنايات أو الجنح المعاقب عليها بالحبس.
أما المخالفات فلم يجز المشرع التفتتيش في شانها لأنها من ضآلة الشأن بحيث لا يتوافر لها من الخطورة ما يبرر إهدار حرمة الشخص أو حرمة مسكنه.
جـ- توافر الدلائل الكافية على نسبة الجريمة إلى المتهم:
و قد سبق لنا التعرض لمفهوم الدلائل الكافية و قلنا أنها شرط لكل إجراء ينطوي على المساس بحرمة المتهم أو حرمة مسكنه و نقول أيضا مرة ثانية أن حالة المتلبس بالجريمة لا تعد من قبيل الدلائل الكافية على نسبة الجريمة إلى المتهم إلا إذا شوهد الجاني و هو يرتكب الجريمة.
أما ما عدا ذلك فلا بد من وجود الدلائل الكافية على نسبة الجريمة إلى شخص معين، و يتولى ضابط الشرطة القضائية تقدير كفاية هذه الدلائل و يخضع تقديره لرقابة سلطة التحقيق و محكمة الموضوع.
د- يبرر التفتيش الاعتقاد بوجود أدلة مادية تتعلق بالجريمة المرتكبة:
لا يجد التفتيش سند مشروعيته فقط في كون الجرينة المتلبس بها تجيز لضابط الشرطة القضائية تفتيش شخص المتهم، بل أن مشروعية هذا الإجراء تتوقف أيضا على الاعتقاد بتوافر أمرات قوية على أن المتهم يحوزا أو يخنفي أشياء مادية تفيد في كشف الحقيقة عن الجريمة المرتكبة و لامقصود بهذه الأشياء هي تلك الادلة المادية التي تنتج عن عناصر مادية ناطقة بنفسها و تؤثر على اقتناع القاضي بطريقة مباشرة و تمكن الو صول إليها عن طريق التفتيش و الضبط وأعمال الخبرة. و هي تختلف عن الأدلة القولية التي لا يمكن ضبطها عن طريق التفتيش بإعتبارأنها تنتج عن عناصر شخصية تتمثل فيمايصدر عن الغير من أقوال و تؤثر في إقتناع القاضي بطريق غير مباشر مثل إعتراف و شهادة الشهود.
ومتى توافرت مبررات التفتيش صح هذا الإجراء و لو لم يسفر التفتيش عن وجود أشياء تفيد في كشف لحقيقة, ذلك أن العبرة بتوافر مبررات التفتيش و ليس بنتيجته إذ تعد هذه النتجة إحتمالية, بمعنى أن التفتيش قد لا يسفر عن ضبط مايفيد في كشف الحقيقة. و يخضع تقدير هذه القرائن لظابط الشرطة القظائية تحت رقابة سلطة التحقيق و محكمة الموضوع.
2.حدود تفتيش شخص المتهم :
متى توافرت حالة التلبس بشروطها القانونية نشأ لضابط الشرطة القضائية إختصاص تلقائي بتفتيش المتهم و يخضع تفتيش المتهم لبعض الضوابط التي يتعين مراعاتها و هي:
أ. التفتيش مقصور على شخص المتهم دون غيره:
إباحة التفتيش لضابط الشرطة القضائية لا ينصرف إلا لشخص المتهم دون غيره فسلطته في التفتيش بناءا على حالة التلبس بالجريمة تقتصر على من توافرت في حقه الدلائل الكافية على ارتكابه الجريمة المتلبس بها ولا يجوز أن يمتد التفتيش إلى غيره كزوجته أو ابنه لمجرد توافر تلك الصفة فحسب.
ب. تفتيش المتهم يشمل شخصه و ما بحوزته من منقولات يحملها:
إن تفتيش شخص المتهم يعني تحسس ملابسه من الخارج كما يعني التنقيب فيها بدقة كذلك فحص الجسد ظاهريا لبيان ما به من آثار تساعد في إجلاء الحقيقة.
كذلك يمتد التفتيش إلى المنقولات كافة التي بحوزة المتهم المراد تفتيشه فيمتد إلى الحقائب و الأوراق و الصناديق و أي شيء يحمله المتهم باعتباره من توابعه.
أما إذا لم يكن من الجائز تفتيش الشخص فلا يجوز تفتيش ما يحمله و لو كان الذي يحمله ليس على ملكه لأن هذا الشيء تنعطف عليه الحماية الجنائية المقررة لحامله فيعتبر من توابعه..
و لا يشترط أن تكون هذه الحقائب في يد المتهم وقت تفتيشه لأماكن تفتيشها، بل يصح تفتيشها و لو كان يضعها أمامه في طريق عام ما دام ظاهر الحال لا يوحي بتخليه عنها أماإذا كان العكس فإن فتحها لا يعد تفتيشا بل هو ضرب من ضروب الاستطلاع و التحري،فالتخلي الاختياري يجيز البحث و التنقيب في الشيء المتخلى عنه فإذا أسفر هذا البحث عن وجود جريمة متلبس بها و توافرت الدلائل الكافية قبل شخص على أنه مرتكبها جاز تفتيشه.
• جواز استخدام القوة لتنفيذ التفتيش:
تنفيذ التفتيش ليس متروكا لإرادة المتهم، و إنما يتعين عليه أن يخضع للتفتيش طواعية، فإن أبى ذلك كان لضابط الشرطة القضائية اللجوء للقوة لأجباره للخضوع للتفتيش بشرط أن يكون الإكراه الذي تعرض له المتهم بالقدر اللازم لتنفيذ التفتيش فإذا زاد الإكراه عن ذلك كان العمل غير مشروع، و قد تترتب عليه المسؤولية الجنائيةلضابط الشرطة القضائية فإذا كان بمقدور القائم بالتفتيش تكبيل يد المتهم لتنفيذ التفتيش فليس له أن يصيبه بجروح لإعاقته من الحركة بدلا من تكبيل يديه بحجة تنفيذ التفتيش و يخضع تقدير ضابط الشرطة القضائية في هذا الصدد لرقابة جهة التحقيق و محكمة الموضوع.
3- استخدام الوسائل العلمية في تفتيش المتهم:
يقصد بالشخص كمحل قابل للتفتيش هو كيانه المادي و كل ما يتعلق به و يتصل به فتفتيش الشخص يشمل جسمه و ملابسه و المنقولات التي في حوزته.
و لكن هل يمكن أن يمتد التفتيش إلى داخل جسم الانسان؟ و بعبارة اخرى هل يمكن الاستعانة بالوسائل العلمية الحديثة للتعرف في مكنون النفس البشرية و ما يحويه الشخص من أدلة للجريمة؟
إن الوسائل العلمية التي يمكن الاستعانة بها في التفتيش عديدة و متنوعة منها ما يؤثر على إرادة المتهم، و لذلك اتجهت أحكام المحاكم إلى عدم جواز استخدامها كوسيلة تفتيش مثل وسيلة التنويم المغناطيسي و التحليل التحذيري المتمثل في حقن الشخص بعقار يؤدي إلى حجب التحكم في الاداء العقلي و الإرادي، و أخيرا جهاز كشف الكذب، و علة الاستبعاد هذه الوسائل أنها تؤثر في إرادة الشخص فلا يعد ما يصدر عنه من أقوال صادرا عن إرادة حرة وواعية.
إلا أن بعض الوسائل العلمية الحديثة لا تؤثر في إرادة المتهم مثل أخذ بصمات المشتبه فيه،و أيضا عمليات تحليل الدم و البول و إجراء غسيل معدة المتهم و هو ما سنتناوله.
أ. تحليل الدم:
يعد تحليل الدم من الإجراءات التي أقرت شرعيتها العديد من النصوص القانونية و أظهر حالات تحليل الدم هو ما يجري ضمن أحكام قوانين المرور.
فلإثبات أن قائد السيارة كان يقودها تحت تأثير الخمر أو المخدر مما أدى إلى مخالفته قواعد المرور فإنه يجوز الالتجاء إلى الوسائل العلمية و الطبية الحديثة و ذلك بإحالته إلى أحد المستشفيات لتوقيع الكشف الطبي عليه فور ضبطه وقبل أن يزول أثر المخدر أو الخمر بتأثير مرور الوقت فإذا ارتكب شخص جريمة من جرائم المرور وبان لضابط الشرطة القضائية أن المتهم ارتكب هذه الجريمة في موقف ينبئ عن أنه كان يقود المركبة و هو تحت تأثير الخمر أو المخدر، كأن كانت تنبعث من فمه أو ملابسه رائحة الخمر أو المخدر، أو كان يترنح لغير علة جسدية ظاهرة، أو كان يتفوه بألفاظ توحي عن عدم سيطرته الذهنية أو الفكرية أو ما شابه ذلك من حالات يستشف منها أن المتهم كان تحت تأثير خمر أو مخدر، فلضابط الشرطة القضائية عملا بالحق الممنوح له،و يكون له أن يتخذ من الإجراءات ما يمكنه من أخذ عينة من دم المتهم مستعينا بأهل الخبرة.
ب.غسيل المعدة:
إختلف الفقه القانوني حول مشروعية غسيل معدة المتهم، فذهب البعض إلى أنه إجراء يتنافى مع الكرامة الانسانية للمتهم التي حرص الدستور الجزائري على اقرارها. في المادة 34 من الدستور و ما أكدته المواد من قانون الإجراءات الجزائرية كذلك فإن عدم مشروعيته ترجع إلى أنه يتضمن انتزاعا للدليل من جسد المتهم و هو ما لا يجوز. أما الرأي الغالب في الفقه فيذهب للقول بمشروعية هذا الإجراء لكن اختلفوا في شأن تحديد طبعته فالرأي الغالب يرى أن التفتيش يتضمن غسيل المعدة، و البعض الآخر يرى أن غسيل المعدة أقرب إلى أعمال الخبرة منه إلى التفتيش.
4- قواعد تفتيش الأنثى:
القاعدة أن ضابط الشرطة القضائية يتعين أن يتولى بنفسه إجراء التفتيش، أو يجريه أحد معاونيه ما دام ذلك يتم تحت إشرافه و رقابته إلا أنه لإعتبارات تتعلق بالنظام العام، و بهدف الحفاظ على حياء المرأة و صيانة عرضها يتعين أن يتم تفتيشها بمعرفة أنثى مثلها، و هذا ما نصت عليه المادة 46 من قانون الإجراءات الجنائية المصري بقولها:"و إذا كان المتهم أنثى وجب أن يكون التفتيش بمعرفة أنثى يند بها لذلك مأمور الضبط القضائي، و هذا القيد يتعلق بالنظام العام و مخالفته تؤدي إلى بطلان إجراءات التفتيش و ما أسفر عنها من أدلة"
عكس المشرع الجزائري الذي لم ينص صراحة على ذلك إلا أنه لا يعني إهدار هذه القاعدة العامة و لا يخول لضابط الشرطة القضائية أن يفتش الأنثى بنفسه و خصوصا مواضع الأنوثة و إلا ارتكب جريمة هتك عرض بالقوة، و معنى ذلك أنه يجوز تفتيش يديها مثلا لأن اليدين ليست من العورات للأنثى.
و الجدير بالذكر أن تفتيش الشخص إجراء مستقل عن القبض عليه بمعنى أنه إذا كان الأمر الصادر لضابط الشرطة القضائية بالقبض فقط فلا يتجاوزه إلى تفتيشه.
إلا أن هناك نوع من التفتيش الإداري يتخذ قبل الشخص المقبوض عليه أو المحجوز تحت الرقابة بغرض تجريده مما يحمل من أسلحة أو آلات يجوز أن يستخدمها لإيذاء نفسه أو الاعتداء على الغير أو لمساعدته على الهرب و لا يعتبر هذا التفتيش من الإجراءات الفنية في التحقيق بل يعتبر إجراءا إداريا إذا لا يكون بغرض البحث عن الأدلة في الجريمة.
الاستثناءات الواردة على سلطةضابط الشرطة القضائية في مباشرة التفتيش بناءا على حالة التلبس
أ.الاستثناءات المتعلقة بالحصانة الديبلوماسية:
إن الاختصاص الاستثنائي لضابط الشرطة القضائية و الناتج عن حالة التلبس يتعطل إذا كان مرتكب الجريمة يتمتع بالحصانة الدبلوماسية، كأن يكون أحد أعضاء السلك الدبلوماسي أو زوجاتهم أو أولادهم او أقاربهم المقيمين معهم و الذين يعتمدون في معيشتهم عليه كذلك يتعطل هذا الإختصاص الاستثنائي بالنسبة لرئيس البعثة القنصلية دون زوجته و أولاده، إذا ما ارتكب أحدهم جريمة متلبس بها.
أما أعضاء البعثة القنصلية فهم و إن كان يعترف لهم بحصانة شخصية ضد الإجراءات الجنائية إلا أن هذه الحصانة تنسلخ عنهم إذا ما توافر في حق أحدهم إحدى حالات التلبس بالجريمة.
ب. الاستثناءات المتعلقة بالحصانة البرلمانية:
حرص المشرع الجزائري على أن يكفل لأعضاء الهيئة التشريعية حصانة خاصة حيال بعض الأحكام و الإجراءات المقررة في التشريع الجنائي، و ذلك لضمان إستقلال هؤلاء الأعضاء عند قيامهم بأداء مهامهم و مباشرة وظائفهم.
فالحصانة تشمل شخص النائب، مسكنه و سيارته، بحيث لا يجوز إتخاذ أي إجراء ماس بحرية النائب إلا بناءا على حالة التلبس بالجريمة التي يكون فيها الحق في القبض و التفتيش و علة هذا الاستثناء انه يتوافر حالة التلبس تنتفي مظنة الخطأ، كما أنه لا يمكن ترك معالم الجريمة تضيع حتى يتم الحصول على إذن.
سلطتهم في تفتيش مساكن المتهمين و غيرهم:
يقصد بالتفتيش البحث في مستودع السر عن أدلة تفيد إثبات الجريمة أو نسبتها إلى متهم معين و معنى ذلك أن تكون هناك جريمة وقعت فعلا و أن الذي يقوم بالتفتيش عن أدلة هذه الجريمة من مأمور الضبط القضائي أو محقق قضائي.
و يقصد بالمسكن كل مكان مسكون فعلا أو معد للسكنى سواء كان الشخص يقيم به بصفة دائمة أو بصفة مؤقتة كالفندق مثلا، و يستوي أن يكون المسكن مملوكا لمن يقيم فيه أو مؤجرا له أو أنه يقيم فيه برضاء صاحبه و لو بدون مقابل و يسري تعبير المسكن على مكان الاقامة فيستوي أن يكون قصرا أو منزلا صغيرا أو شقة أو غرفة مؤثثة أو كشكا خشبيا أو خيمة متنقلة أو محلا للعمل إعتاد صاحبه الاقامة فيه، كما تعتبر مسكنا توابع المنزل المسكون كالحدائق و الحظائر و الإسطبلات و الخازن و غيرها و ذلك تطبيقا لنص المادة 355 ق ع ج و قد نصت المادة 44 ق إ ج على أنه في حالة التلبس:" يجوز لمأمور الضبط القضائي الانتقال إلى مساكن الأشخاص الذين يكونون قد ساهموا في الجناية أو يحرزون أوراقا أو أشياء متعلقة بأفعال جنائية و يجري تفتيشها و يحررعنه محضرا و تعني هذه المادة أنه يجوز تفتيش منازل المتهمين الذين ساهموا في الجريمة و كذلك مساكن الذين يحرزون أشياء متعلقة بالجريمة ولو لم يكونوا مساهمين فيها.
هذا و قد نصت المادة 45 /1 ق أ ج على كيفية إجراء التفتيش و استلزمت لأن يجرى بحضور صاحب المسكن أو من يمثله، فإذا إمتنع عن الخضور أو عن انتداب ممثل له أو كان هاربا فإنه يتعين على مأمور الضبط القضائي أن يستدعي لحضور التفتيش شخصين من غير المعاونين الخاضعين لسلطته، كما تضمنت نفس المادة في فقرتها 02 أنه إذا أجرى التفتيش في مسكن شخص من الغير يكون من الضروري حضوره أو ندب من يمثله فإذا استحال ذلك تتم الإجراءات على النحو السابق.
و استلزمت المادة 47 ق إ ج أن يكون التفتيش في ما بين الساعة الخامسة صباحا و الساعة الثامنة مساءا، و لكن يستثنى من ذلك تفتيش المحلات المفتوحة للعموم و تفتيش المساكن بناءا على طلب صاحب المنزل أو بناءا على نداء نجدة من داخل المسكن، أو في جرائم الدعارة و التحريض على الفسق المنصوص عليهما في المواد من 342 إلى غاية 348 ق ع ج.
و نصت المادة 48 ق إ ج على أنه يترتب على عدم مراعاة أحكام المواد من 45-47 ق إ ج السابق بيان مضمونها بطلان إجراء التفتيش و بالتالي إهدار الدليل المستمد منه.
الفرق بين قيام مأمور الضبط بالتفتيش في حالات التلبس و بين قيامهم بإجرائه في غير حالات التلبس هو أنه في التلبس لا يتوقف التفتيش على رضاء المتهم بينما رضاء المتهم شرط أساسي و أن يكون ذلك الرضاء كتابة بخط يد صاحب المنزل في غير حالات التلبس أو بإثبات الرضاء في المحضر مع الاشارة إلى أنه لا يعرف القراءة و الكتابة إذا كان ذلك الشخص لا يمكنه الكتابة( المادة 64 ق إ ج) و مع ذلك تجب مراعاة أن كيفية إجراء التفتيش و أن مواعيد إجراءه واحدة في الحالتين أي في التلبس و غير التلبس.
أ.تفتيش الأماكن الأخرى:
التفتيش الذي يعتبر إجراء من إجراءات جمع الاستدلالات هو الذي يجريه مأمور الضبط القضائي في الأحوال العادية برضاء صاحب المسكن و في حالات التلبس بدون ذلك الرضاء، أما التفتيش الذي يعتبر من إجراءات التحقيق فهو الذي يجريه من له سلطة التحقيق أو مأمور الضبط القضائي المندوب لهذا الإجراء من المحقق، و في هاتين الحالتين يكون التفتيش إجراء فنيا من إجراءات الاستدلال أو اجرءات التحقيق و من شروط صحته أن تكون هناك جريمة قد وقعت فعلا و أن يكون التفتيش قد أجري بغرض البحث في مكمن السر عن دليل أو قرينة تثبت وقوع الجريمة أو اسنادها إلى شخص معين.
إلا أن هناك نوع آخر من التفتيش لا يعتبر إجراء فنيا من إجراءات التحقيق ذلك هو التفتيش الاداري و يقصد به التفتيش الذي يجريه أحد مأموري الضبط القضائي أو معاونيهم بحيث لا تكون هناك جريمة قد وقعت مسبقا و لا يكون التفتيش بحثا عن دليل فيها و امثلة ذلك أن يدخل ضابط الشرطة إلى الفندق ليفحص سجلات النزلاء فيه و يتأكد من إثبات أسماء النزلاء بما يطابق الواقع، و دخول مأمور الضبط إلى أحد المصانع للتفتيش عن مدى تنفيذ الشروط قانون العمل و تشغيل العمال طبقا لها، فهذه كلها حالات من حالات التفتيش الاداري أي أنها ليست تفتيشا قضائيا بمعناه الفني، و مما هو جدير بالذكر أنه إذا ظهرت حالة من حالات التلبس بصفة عرضية لمأمور الضبط أثناء إجراء مثل هذا التفتيش الإداري و تعتبر تلبسا حقيقيا و يعتد بها قانونا.
و هناك نوع ثالث من التفتيش و هو التفتيش المادي، فلا هو تفتيش قضائي و لا هو إداري لأن الذي يقوم به ليس من مأموري الضبط القضائي أصلا، لأن التفتيش ذاته لا يتعلق بجريمة وقعت مسبقا، و نقصد بهذا الإجراء المادي ما يقوم به حارس المصنع من تفتيش العمال عند خروجهم توقيا لوقوع سرقة شيء، و تفتيش المصابين بمعرفة مندوب الاسعاف أو عامل الاستقبال للمستشفى بحثا عن ما يثبت شخصية المصاب أو المتوفى أو فاقد الوعي و مما يجدر ذكره أن ذلك الإجراء المادي البحت إذا أسفر عن اكتشاف حالة التلبس بجريمة يعتبر التلبس حقيقيا و يعتد به قانونا كما هو الحال في حكم التفتيش الاداري السابق ذكره.
ب. تفتيش السيارات:
ثار جدل فقهي حول تفتيش السيارات يستخلص منه أن السيارات الخاصة تعتبر في حكم المحلات المسكونة أو المعدة للسكني،أما السيارات المعدة للاستعمال بالأجر للعامة كسيارة الأجرة و الحافلة فحكمها حكم المحلات العامة، المعدة لاستقبال الجمهور فلا يحتاج تفتيشها إلى إذن أو إجراء من نوع خاص.
بطلان إجراءات التحقيق في حالة التلبس:
قصد المشرع بنصوص قانون الإجراءات الجنائية تحقيق مصلحة معتبرة، و لا تأتي بلوغ هذا الغرض إذا لم يكن هناك جزاء مترتب على مخالفة تلك النصوص فيشترط لصحة العمل الإجرائي أن تحترم الضمانات التي تعبر عن جوهر العمل الإجرائي، و الشرعية الإجرائية.
و يهتم قانون الإجراءات الجنائية بنوع واحد من الأجزية، و هو بطلان العمل المخالف و هو ما سنقتصرالكلام عليه في هذا المقام.
يترتب البطلان على مخالفة كل قاعدة إجرائية أتت بضمانات لتأكيد الشرعية الإجرائية سواء أكان ذلك لحماية الحرية الشخصية للمتهم، أو لضمان الاشراف القضائي على الإجراءات الجزائية، بمخالفة هذه الضمانات الاجرائية هي سبب البطلان و البطلان نوعان، مطلق و نسبي.
1. البطلان المطلق:
حددت المواد 157 إلى 161 قانون الإجراءات الجزائية البطلان المطلق بأنه راجع إلى عدم مراعاة القانون المتعلق بتشكيل المحكمة أو بولايتها بالحكم في الدعوى أو باختصاصها من حيث نوع الجريمة المعروضة عليها أو بغير ذلك مما هو متعلق بالنظام العام، و مثال ذلك قاعدة منع استجواب المتهم من ضابط الشرطة المنتدب للتحقيق في الحالات التي لا يدخل فيها من فوات الوقت.
و قاعدة وجود اتهام موجه إلى الشخص المراد تفتيش منزله و قرائن دالة على حيازته أشياء تتعلق بالجريمة موضوع الاتهام.
و البطلان المطلق لا يصححه الرضاء بالإجراء المشوب به، من جانب من يتعارض هذا الإجراء مع مصلحته، كما لا يلزم أن يتمسك هذا الأخير في سبيل هدم ذلك الإجراء و إنما تراقبه المحكمة من تلقاء نفسها في أية حالة كانت عليها الدعوة وقت اكتشافه.
غير أنه إذا كانت الدعوى قد استنفذت كل طرق الطعن العادية والغير عادية، و حاز الحكم قوة الشيء المقضي فيه، فلا يكون ثمة سبيل هدم الإجراء بعدئذ و يفترق البطلان المطلق عن الانعدام.
فالانعدام يعنى عدم الوجود، وهو أمر يختلف عن البطلان المطلق، لأن الإجراء الباطل له أساس من الوجود القانوني، و لكن شابه عدم الصحة.
أما الإجراء المنعدم فهو بداية و نهاية مجرد من الوجود القانوني، فهما و أن تلاقيا في تعطيل أثار العمل القانوني، إلا أنهما يختلفان في سبب هذا التعطيل، فالانعدام يعنى بحكم طبيعته أن العمل غير موجود و بالتالي فلا أثر له، أما البطلان فإنه يعني بناء على أمر القضاء أن العمل يجب أن يتجرد من آثاره القانونية.
مثال: أن قاضيا مدنيا يكتشف في أوراق الدعوى جريمة ارتكبها خصم على اخر فيحكم على مرتكب الجريمة بالعقوبة المقررة لها.
مثل هذا الحكم يعد منعدما لأنه يعتبر كما لو كان صادرا من غير قاضي و إذا لم يطعن على هذا الحكم، و حاز قوة الشيء المقضي فيه، فإنه لا يمكن تنفيذه، إذ يكفي الاستشكال فيه حتى يوقف نفاذه.
مثال: ما نصت عليه المادة 110 مكرر/3 ق ع ج:" كل موظف أو مستخدم يمارس أو يأمر بممارسة التعذيب للحصول على اقرارات يعاقب..."كذلك ما نصت عليه المادة 126 قانون العقوبات المصري " كل موظف أو مستخدم عمومي أمر بتعذيب متهم أو فعل ذلك بنفسه لحمله على الاعتراف يعاقب..."
فإذا حدث و أفضى التعذيب إلى اعتراف، فإنه لا يصح الأخذ بهذا الاعتراف على وجود جريمة معاقب عليها في التعذيب الذي انتجه.
فإذا كان التعذيب منعدما قانونا، فبالتالي يكون الاعتراف منعدما كأثر ناتج عنه.
كذلك نص المادة 111 ق ع ج:" يعاقب بالحبس لمدة 06 أشهر إلى ثلاث سنوات كل قاض أو ضابط بالشرطة القضائية يجري متابعات، أو يصدر أمرا أو حكما أو يوقع عليهما، أو يصدر أمرا قضائيا ضد شخص متمتع بالحصانة القضائية في غير حالات التلبس بالجريمة دون أن يحصل قبل ذلك على رفع الحصانة عنه وفقا للأوضاع القانونية" .
المادة 107 ق ع ج :"يعاقب الموظف بالسجن المؤقت من خمس إلى عشرة سنوات إذا أمر بعمل تحكمي أو ماس سواء بالحرية الشخصية للفرد أو بالحقوق الوطنية لمواطن أو أكثر".
2.البطلان النسبي
هو كل بطلان ينشأ عن مخالفة قاعدة غير متعلقة بالنظام العام و إن كانت جوهرية في إظهار الحقيقة و الحرص على كفالة حق المتهم في الدفاع و لقد ذكر قانون الإجراءات الجنائية ضمن أحوال ذلك البطلان ما يتعلق بمخالفة الإجراءات الخاصة بجمع الاستدلالات، أو التحقيق الابتدائي.
فمن قبيل الإجراء الجوهري في جمع الاستدلالات.
1-توقيع ضابط الشرطة القضائية على محضره، و بيانه وقت اتخاذ الإجراءات و مكان حصولها و توقيع الشهود و الخبراء على محضره(54 ق ا ج)
حضور المتهم أو نائبه أو شاهدين عملية التفتيش منزل المتهم (45 ق ا ج)
ساعة البدء في عملية التفتيش المساكن أو المعاينة (47 ق ا ج).
اتخاذ التدابير اللازمة لضمان احترام السر المهني ( 45 ق ا ج).
تحريز الاشياء و الأوراق المضبوطة و ختمها (45 ق ا ج).
فمن قبيل الإجراء الجوهري في إجراءات التحقيق الابتدائي:
1-استجواب المتهم بواسطة قاضي التحقيق اذا كان هو القائم بالتحقيق.
2- إخطار قاضي التحقيق لوكيل الجمهورية بانتقاله لأمكنة التفتيش.
3- عدم جواز الفصل بين المتهم و محاميه الحاضر معه أثناء التحقيق(105 ق إ ج)
4- دعوة محامي المتهم للحضور قبل استجواب المتهم في جناية ما لم تكن في حالة التلبس أو كانت توجد حالة تستوجب السرعة خوفا من ضياع الادلة (105،101،100 ق إ ج).
أ. خصائص البطلان النسبي:
يختص بعدم التمسك به، فيصير الإجراء الباطل صحيحا لا معقب عليه، إذ ليس على المحكمة أن تراعي البطلان من تلقاء نفسها( و إن كان يجوزها ذلك)
عدم التمسك بالبطلان من جانب الطرف المقرر هذا البطلان لصالحه يكون إما بالرضاء الصريح بالإجراء على الرغم من شائبة البطلان فيه و إما بالرضاء الضمني، و الرضاء الضمني يستفاد من عدم الاعتراض على الإجراء سواء كان الإجراء قد اتخذ في الجلسة ذاتها فلم يعترض عليه وقت اتخاذه، أو كان قد اتخذ ضمن الإجراءات السابقة على المحاكمة.
فلا يقبل الدفع ببطلان الإجراء لأول مرة أمام محكمة النقض، الا إذا كان البطلان مطلقا لتعلقه بالنظام العام.
أن التمسك بالبطلان النسبي لإجراء ما، ليس من شأنه ان يقضي فعلا على تقرير البطلان من جانب المحكمة تلك في صدد الإجراء الباطل نسبيا أن تبقي عليه مع تصحيحه ان كان التصحيح ممكنا.
إن البطلان النسبي لا يقبل الدفع به من جانب من لم يتقرر هذا البطلان في صالحه، أو حيث تكون النيابة التي من أجلها تقرر الشكل الذي وقع الإجراء باطلا بالمخالفة له قد تحققت على الرغم من حدوث هذه المخالفة و ليس هذا إلا تطبيقا لمبدأ الدعوى حيث لا تكون مصلحة.
3.آثار البطلان
الأصل أن البطلان لا يترتب آثاره إلا متى تقرر بحكم أو بأمر من قضاء التحقيق، و هي قاعدة متعلقة بالنظام العام، و القاعدة أنه متى تقرر بطلان الإجراءات زالت آثاره القانونية فيصبح و كأنه لم يكن.
و تطبيقا لذلك فإن التفتيش الباطل لا يترتب عليه نسبة الأشياء المضبوطة إلى المتهم والاعتراف الباطل لا يجوز الاستناد إليه في الإدانة، كما أن بطلان ورقة التكليف بالحضور أو أمر الإحالة لا يترتب عليه دخول القضية في حوزة المحكمة.
على أن البطلان لا يؤثر في صحة الادلة المنفصلة عن إجراء الباطل، فإذا ثبت مثلا أن اعتراف المتهم مستقل عن واقعة التفتيش الباطل إذا لم يتأثر به، فلا يوجد ما يحول دون أخذ القاضي بهذا الدليل المستقل، فالبطلان لا ينال من العمل الانتيجة للعيب الذي أثر في صحته.
و يشترط في الإجراء الباطل حتى يؤثر في الإجراءات التالية له أن يكون مؤثرا، وهو ما لا يتحقق إلا إذا كان الإجراء الباطل جوهريا، و ذلك حين يعتبرشكلا جوهريا بصحة الإجراء التالي له، مثل ذلك استجواب المتهم قبل حبسه احتياطيا.
و لمحكمة الموضوع سلطة تقدير العلاقة بين الإجراء الباطل و الإجراء التالي له لمعرفة تأثير الاول على الثاني.
تحول العمل الاجرائي الباطل:
يشترط لتحول العمل الاجرائي الباطل إلى عمل آخر صحيح:
أن يكون العمل الاجرائي الاصل باطلا.
أن يتضمن العمل الإجرائي الباطل عناصر عمل آخر صحيح.
مثال: إذا باشر وكيل الجمهورية التحقيق و حرر محضر بيده دون الاستعانة بكاتب فيكون التحقيق باطلا، الا أنه يتحول إلى استدلال صحيح.
أ. تجديد العمل الإجرائي الباطل:
يجوز إعادة العمل الإجرائي الباطل، و الشرط الوحيد هذا التجديد أن يكون ممكنا، فقد يستحيل بسبب قانوني هو سقوط الحق في مباشرة العمل الإجرائي أو لسبب مادي،و ذلك إذا حال دون التجديد حائل مادي مثل وفاة الشاهد الذي يراد إعادة سماع أقواله.
المراجع
-المبادئ الأساسية في قانون الإجراءات الجزائية الجزائري للدكتور إسحاق إبراهيم منصور –الطبعة الثانية 1982- ديوان المطبوعات الجامعية-الجزائر-
-التلبس بالجريمة و أثره على الحرية الشخصية- د. إبراهيم حامد طنطاوي- - توزيع المكتبة القانونية- 1995
-التلبس بالجريمة في ضوء القضاء و الفقه- المستشار الدكتور عبد الحميد الشواربي.
-قانون العقوبات الجزائري طبعة 2002
-قانون الإجراءات الجزائية- الديوان الوطني للأشغال التربوية 2002 الطبعة الثالثة
-نصوص قانونية –قانون الإجراءات المصري.