yacine414
2011-04-08, 15:23
مقدمــــــــــة :
ـ لقد أنتهت المسيحية في أوروبا وأمريكا إلى أن تصبح راية قومية تتجمع تحتها جموعهم لا عقيدة دينية كما هي طبيعة المسيحية و هم يتنادون اليوم باسم حماية الحضارة المسيحية ، لا يقصدون العقيدة المسيحية كديانة بل يقصدون الأمم المسيحية كأوطان و قوميات و المسيحية جميعا و هذا مايفسر الإنحلال الخلقي والإجتماعي الذي يتزايد في محيط البلاد المسيحية منافيا لكل تعاليم المسيحية الحقة في الوقت الذي ترتفع فيه الدعوة باسم الحضارة المسيحية .
بينما نحن غافلين في أسيا و إفريقيا لا ندرك ضخامة الجهود التبشيرية التي تبذلها أوروبا و أمريكا لنشر المسيحية في أرجاء العالم كله في مجاهله و معموره على السواء ، كما لاندرك أن للكنيسة الكاثوليكية وحدها نحو أربعة ألاف بعثة تبشيرية تنتشر في أنحاء الأرض وورائها الأموال الطائلة و الضخمة التي لا تنفذ.
و هذه الجهود لا يقومون بها المبعثون وحدهم بل تعتمد كل الإعتماد على المواطنين في البلاد الأخرى و تتخذ لها طرقا و عنوانات شتى و تتزيا بأزياء كثيرة ليس الزي الديني إلا واحد منها و تقوم الحكومات بتشجيع هذه البعثات و تؤيدها ، لأنها ترمي من وراء المسيحية إلى أهداف سياسية و إقتصادية و ما المسيحية عندها إلا علما قوميا ينتشر ظله في هذه الأصقاع كلها ، كما أسلفنا ذكره.
إن هذه السياسة التي زاد في وبالها إنتسابها للكنيسة و تضاعف قبحها لصدورها على أناس يقاوموننا باسم الدين و هم لا دين لهم خاصة و نحن نعلم أن دعوى الدفاع عن مصالح المسيحية في العالم العربي و حمايتهم ماهي في الحقيقة إلا قناع كاذب يخفي وراءه البواعث الحقيقية لهذا الصنيع و هي الرغبة في إخضاعنا لسلطانهم و إستنفاذ موارد ثروات بلادنا .
و إذا كان الدين الوحيد الذي يقف في وجه هذه الجهود هوالإسلام وحده ، كما تقول تقريراتهم و كما يفصح أحيانا بعض الصرحاء منهم ، فإن للجزائر حضها الوافر من هذه الجهودات و الحملات التبشيرية التي تمتد جذورها إلى ماقبل دخول الإستعمار الفرنسي للجزائر ، فموقع الجزائر و ثروتها إضافة إلى ديانتها للإسلام جعلها تكون إحدى أهم النقاط الحساسة في مخططات الغرب التي صممت ضد العرب و الإسلام و إذا كانت الجزائر إحدى أهم محاور التنافس عند الغربيين كان يجب التوغل في أوساط مختلف شرائح المجتمع و هذا ليس بالأمر الهين كما نعلم فكان التبشير إحدى أهم الطرق التي أتبعت من طرف الغربيين و دعمت من قبل الإستعمار الفرنسي و هذا بغية المساس بالمقومات الشخصية الوطنية الجزائرية في أهم أعمدتها ليسهل طمسها ، و لم تتوقف الحملات التبشيرية بخروج الإستعمار بل بقيت و ماتزال الجهود تتضاعف من أجل تمسيح أكبر عدد ممكن من المواطنين و خاصة فئة الشباب مستغلين الأزمة المعاشة في البلاد و المشاكل التي تعترضهم في حياتهم اليومية ، و هذا ما أثبتته الدراسات والإحصائيات المتوفرة و كل هذا من أجل تحقيق أهداف خفية و مسطرة تحت ستار المسيحية التي تعتبر أحد منافذ المراقبة و الأساليب غير المباشرة للبقاء في الجزائر وشل عجلة التطور فيها ، و إذا كانت الشرطة في إطار كافة النظم السياسية هي الجهاز المكلف بحماية أسس الجماعة و كيانها من أي عدوان يهددها أو يقع عليها فإن واجب الشرطة الجزائرية في حمايتها من هذا النوع من العدوان و الذي يجعلنا نتسائل عن الدور الذي تلعبه الإستعلامات العامة في حماية الجزائر و مدى أهميتها في حماية مقومات الشخصية الوطنية الجزائرية و الدفاع عنها من حملات التمسيح التي أصبحت تهدد بلادنا في كافة ربوعها و قد تعرضنا في موضوعنا هذا للإجابة بكل توضيح على هذه التساؤلات المطروحة إلى ثلاثة مباحث أرتئينا فيها الإجابة إلىحد ماعلى تسائلنا هذا .
ـ حيث تناولنا في مبحثنا الأول المسيحية بصفة عامة أين حاولنا من خلاله توضيح المفهوم الحقيقي لهذه الديانة انتطرق في المبحث الثاني إلى المسيحية في الجزائر و الذي عالجنا فيه ظهور التمسيح في الجزائر موضحين السياسة التمسيحية في الجزائر و لفت الإنتباه إلى الطرق المستعملة في هذه الحملات التمسيحية للنتقل إلى التنبيه لتفاقم هذه الظاهرة ، أما في مبحثنا الثالث فتعرضنا بصفة وجيزة إلى الدور الذي تلعبه مصلحةالإستعلامات العامة في مواجهة ظاهرة التمسيح في الجزائر مبرزين أساليب المواجهة و التي أعددنها في عدة مجالات و هي المجال الديني ، الثقافي ، الإجتماعي و التاريخي .
المبحث الأول : المسيحية
المطلب الأول :
نبذة تاريخية عن المسيحية :
ـ نشأت المسيحية في الشرق و منذ نشأتها و ظهورها كانت تواجه جبهتين الوثنية و اليهودية حيث كانت روما على رأس الجبهة الأولى و كان زعماء الأمة اليهودية على رأس الجبهة الثانية و لم تتفق هاتان الجبهتان مرة إلا على محو المسيحية ، فقد كانتا على إصطدام دائم بالسيوف و الحراب و حين ظهرت المسيحية لتدعو إلى المحبة و التعاون و التوبة هب زعماء الأمة اليهودية إلى صلب المسيح وحملوا ممثل روما على تصديق حكمهم إذ أوهموه أنه المسيح يرجوا الحكم و يريد الملك على اليهود و لا ملك إلا للقيصر .
و من هنا بدأ عهد الإضطهاد و التعذيب و القتل حيث كان كان يقتل و يعذب كل من يؤمن بالمسيح و يحمل رسالته . فقد قتل بولس و بطرس في روما عاصمة الوثنية و قتل اسطفانوس و يعقوب في أورشليم عاصمة اليهودية .
و دامت هذه الحقبة ثلاثمئة سنة أي حتى أنتصار قسطنطين و إنتقاله إلى بزنطية عاصمة الإمبراطورية الجديدة .
و رغم الإضطهاد الذي عرفته المسيحية خلال هذه المرحلة إلا أنها عرفت مرحلة من العمل نظمت فيها نفسها و شؤونها فأنشأت الكنيسة وهذا من أجل خدمة المؤمنين المسيحيين و معالجة شؤونهم الروحية و الزمنية و إيجاد جهاز متماسك مسؤول منضبطيراعي المصالح و يتصدى للمشاكل التي يواجهها المسيحيون .
كما ظهرت أعمال كثيرة سميت بالعهد الجديد يحتوي على أناجيل متى ومرقس و لوقا و يوحنا ، كذلك أعمال الرسل و الرسائل و الرؤيا و عددها جميعها أي جميع الأسفار سبعة و عشرون .و نجد أيضا إنجيل العبرانيين و إنجيل بطرس ، إنجيل نقوديمس ، إنجيل الطفولة و أعمال بولس و تاريخ يوسف النجار .
المسيحية نشأتها و تطورها ـ تأليف شارل جينيز ـ ترجمة الدكتور عبد الحليم محمود
منشورات المكتبة العصرية ـ بيروت بتصرف .
في هذه الحقبة أيضا برزت القافلة الأولى من أولئك الذين عرفوا باباء الكنيسة و أنشئت كذلك مراكز و نقاط تجمع و كنائس في اورشليم و أنطاكيا وأقسس و روما و في أنطاكيا سمي المسيحيون بهذا الإسم لأول مرة،وقد إنتشرت المسيحية بنسب متفاوتة في فلسطين والجزيرة العربية و مصر و سوريا و شمالي إفريقيا وآسيا الصغرى و اليونان و بعض أجزاء أروبا و فارس و الهند.
وعندما إنتصر قسطنطين على خصمه ماكسانس إنتقلت المسيحية الى مرحلة جديدة حيث أصدر الإمبراطور قرارا عرف في التاريخ " بأمر ميلانو " و استنادا إلى هذا القرار أصبحت المسيحية دينا مباحا بين الأديان المباحة الأخرى . و سادت المسيحية خلال هذه المرحلة في ظل الإمبراطورية و بعد إنقضاء ثلثي قرن على قرار قسطنطين مات الإمبراطور تيودوسيوس عن وصية قسمت الإمبراطورية إلى قسمين على كل من ابنيه هو نوريوس و له الإمبراطورية الشرقية و عاصمتها القسطنطينية و إبنه الثاني أركاديوس و له الإمبراطورية الغربية و عاصمتها روما و قبل وفاة الإمبراطور كان قد أصدر أمرا صريحا إلى شعب الإمبراطورية يفرض عليه إعتناق الدين المسيحي واعتبر الوثنية دينا غير شرعي و غير مباح . و لم يمض وقت طويل حتى بدت المسيحية مرتبطة المصير بمصير الإمبراطورية و أصبحت في حمى السلطة زمنيا و سياسيا كما أصبحت السلطة في حمى الكنيسة روحيا و دينيا ، غير أن سلامة الإمبراطورية كان يهددها خطران .
واحد في الشمال مؤلف عن مجموعة شعوب الأصول مختلفة الأنساب وهم البرابرة وواحد من الشرق وهوإمبراطورية الفرس الساسانيين هذا ماأدى إلى ضعف الإمبراطورية و سقوطها بل بزوالها بعد ألف سنة من الشموخ خصوصا بعد الضربة القاضية على الإمبراطورية الغربية التي تلقتها حين أنقضى البرابرة الجرمانيون بقيادة أدواكر على ماتبقى من الإمبراطورية و أبادوها وأسروا الإمبراطور الولد . إلا أن هذا السقوط و الإنهيار لم يؤثر على المسيحية فقد كانت هذه المرحلة بالنسبة لها مرحلة عمل علني توجيهي فقد كان لها رجال و مؤسسات و أفراد و جماعات يعملون على نشر وتوسيع المسيحية و توجيه المؤمنين كما أن هذه المرحلة عرفت أحداث كثيرة منها إكتشاف خشبة الصليب و التي أكتشفتها القدوسية هيلانة أم الإمبراطور قسطنطين و ظهرت كذلك خلال هذه الحقبة بدع كثيرة تثبت ألوهية المسيح أو تنفيها منها بدعة دوناتيوس ، بدعة أريوس ، بدعة ماني ، بدعة نستوريوس ، بدعة الطبيعة الواحدة و في القرن الرابع توضحت و حددت نهائيا سلطة أسقف روما بما ترمز إليه و تجسده كلمة " بابا " الحالية ، و أنتشرت كذلك الرهبنة و الأديرة على نطاق واسع أي سقوط الإمبراطورية الغربية جعل شعبها يعيش في فوضى و فراغا في السلطة و مازاد الأمر صعوبة و تعقيدا هو أن الكثرة الساحقة للقبائل البربرية التي استولت على الإمبراطورية كان معظمها قبائل أريوسية و لم يكن هناك من حل إلا أن تمزج تلك القبائل بشعوب الإمبراطورية الأصلية العريقة بغية الإنصهار جميعا في عائلة إجتماعية واحدة و هنا كان للكنيسة دور فعال و ناجح في إنشاء نظام جديد يقوم على الإمتصاص المتبادل .
و نجد أيضا أن هذه الفترة الزمنية التي عاشتها المسيحية عرفت أحداث وتغيرات عديدة و من أهم الأحداث ظهور الدين الإسلامي خلال القرن السابع و الذي يدعو نبي عربي من أرض الجزيرة العربية و أنتصرت جيوشه على جيوش البزنطية فسلخت عن سلطانها سوريا و العراق و مصر و إفريقيا و إسبانيا.
و من بين الأحداث كذلك التي دارت خلال هذه الفترة و هو ظهور صور المسيح أو مايعرف بالإيقونات و هذا ماأحدث مشكل خطير يهز أركان الإمبراطورية بعد المد و الجزر و مآسي و مجازر دامت 120 سنة أنتهى النزاع و عادت الصور التي لم تمزق و تحرق إلى أماكنها . كما خاضت المسيحية الحروب الصليبية ضد الإسلام لإنقاذ الأماكن المقدسة و قد شهدت هذه الفترة إحترام فائق للشعائر و الذخائر و تميزت بالتقوى و التعبد و قوة الإيمان . و لم يمنع ذلك من ظهور مشكل أخر بين الكنيسة والملك يتصارعان حول أولوية الحكم و لمن الملك البابا أم للملك .
و شهدت هذه المرحلة كذلك حدثا إستمر 39 سنة و هو شقاق الغرب و أدى هذا الشقاق إلى إضعاف السلطة البابوية و التقليل من شأنها و قد ترتب على ذلك نتائج مسيئة إلى الكنيسة و سلطانها و بالتالي المسيحية و في الشرق زحف الأتراك إلى أوروبا الشرقية و هكذا سقطت القسطنطينية دون أن تمد لها روما يد المساعدة في الأخير فإن المسيحية الحاضرة أنفصلت عن مسيحية المسيح عيسى عليه السلام حيث أن هذه الأخيرة كانت في غاية البساطة فقد كان السيد المسيح يعلن التوحيد و يعلن أنه عبد الله و رسوله ، كما أنه محدد في رسالته لبني إسرائيل و قد كانت هذه الرسالة قائمة على التوحيد يدعو إلى الرحمة و المحبة و التعاطف و لم يدخل قط في تفاصيل العقائد و كان يؤمن أنه نبي من أنبياء بني إسرائيل .
أما المسيحية الحاضرة بكل مافيها من عقائد و طقوس و شعائر فإنها غريبة و بعيدة كل البعد عن رسالة المسيح عيسى عليه السلام ، حيث أنها بدأت في الإنفصال منذ أن دخلها القديس بولس و يظهر هذا الإنفصال في عقيدة بنوة المسيح الناتجة عن خطأ في ترجمة كلمة (عبدالله) التي كان يقولها المسيح عليه السلام . فما كان أمام القديس بولس إلا أن ترجمها إلى كلمة ( طفل ) أو كلمة ( خادم ) و إختار القديس كلمة طفل أي ( طفل الله) ، و كان لذلك تغيير هائل في المسيحية و في الفكرة الدينية عن صورة الإلاه في الفلسفة عامة و في الدين المسيحي خاصة .
تعاريـــــــف
المسيحيـــــــة:
لغة : تمسّح بمعنى لبس المســـوح.
أي لبس ثياب الرهبنة ليتميز به عن غيره.
المســوح: هي الملابس التي يرتديها الإنسان لطقس من الطقوس أو عادة من العادات
المسيــــح: هو الرجل السائح في الأرض كثيرا
و اسم مفعول للفعل ســاح ، مسيــوح ، مسيــح .
إصطلآحـــــــا :
المسيحية دين سيدنا المسيح عليه السلام القائم على الثالوث اللّه، المسيح ، والروح القدس و هو أيضا دين النصارى .
النصرانية : هي دين النصارى ، و تنسب المسيحية للنصارى فتسمى النصرانية والنصارى هم قوم عيسى عليه السلام .
التبشيـــر: هو نشر تعاليم سيدنا المسيح و الدعوة إليها باعتبارها طرائف تخلص الإنسان من الخطايا و الدنس و الذنوب .
الكنيسة : الكنيسة ليست دينا من روح أو بيوت صلاة و عبادة أو كهنة و خادمي كلمة تقتصر رسالتهم على الصلاة و إقامة الذبائح فحسب .
و إنما هي في واقعها الحقيقي الشامل تلك المجموعة الفريدة من المؤمنين رجال كهنوت وعلمانيين الذين عبأوا قواهم و مؤهلاتهم و إمكانتهم للكفاح و القتال ، لامن أجل الإيمان فحسب أو من أجل شأن روحي فقط ، بل من أجل محو البأس و الفقر و المرض و الجهل و اليأس ، لذا أنتشرت المعاهد و المدارس و المستشفيات و المياتيم ( المآوي) حيث يقبل المرضى و الأيتام و العجزة و الفقراء المحرومون فيجدون غراءا و عطفا و محبة فهي تعالج الروح و الجسد على حد السواء .
و الكنيسة ليست الأب الأقدس و الكرادلة و الأساقفة و هي ليست مجرد قوانين و أنظمة ووصايا ، إنما في الأساس مجموعة من المؤمنين من أجلهم كان البابا و الأساقفة والقوانين و الوصايا .
الكاهـــــــــــن : أعطي الكاهن سلطان مغفرة الخطايا و سلطان إجلال جسد المسيح يجعل من نفسه رقيب على نفسه و يبذل جهودا متواصلة ليتمكن من أن ينتصر على ذاته في كل محنة و يزن كل كلمة يقولها و كل خطوة يخطوها فهو الداعي و المرشد و الدليل الروحي ، خلاص الأنفس مرتبط به ، فالكاهن يلقي بنفسه في خضم هذه الحياة ليكون في طليعة الربانية ، فيتحمل الجزء الأكبر من مسؤولية القيادة الروحية و الخلقية و الإجتماعية فينتقل كلمة اللّه و رسالة المسيح و يجهز ضمائر المؤمنين و خواطرهم ليساهم في تخفيف ألامهم و حل مشاكلهم و يعمل على توجيههم في طريق المحبة و الإيمان و الرجاء .
المطلب الثانـــــــــــــي
المسيحية كدين مستقــــــل:
ـ لقد ظهرت المسيحية منذ القرن الأول في ثوب الديانة الشرقية الجامعة بين الرومنيات وبين الشعائر العملية ، إذ كانت تعتمد من ناحية على الإلهام الإلاهي و على الوعد ( الخلاص ) و الخلود عن طريق شفيع أعظم و تسعى من ناحية أخرى إلى إنشاء حياة جديدة على الأرض ، حياة كلها حب و فضيلة ، فكان من المربح أن تجد قبولا لدى هؤلاء القوم الذين يتطلعون إلى نفس الأمال التي جاءت بها غير أن مارأه الناس من تمسك المسيحية بعقيدة لا تميل إلى مزجها بما يحيط بها من عقائد كان من شأنه في البدأ أن يعرقل من إنتشارها قبل أن يأدي في النهاية إلى ضمان ومساعدة هذا الإنتشار ، فقد أبدت المسيحية أحجاما ظاهريا عن كل ما من شأنه التأليف بينها و بين الأديان الأخرى ، إلا أنها كانت لا تزال غاية في المرونة الفتية بحيث تستطيع إستقبال النزاعات الدينية و الشعائر المنتشرة إنتشارا واسعا التي تلاقيها في العالم اليوناني الروماني فندمجها في عقيدتها و شعائرها ، و يكاد يكون ذلك دون إدراك منها.
إن المسيحية في مقتبل القرن الثاني تظهر لنا في دين مستقل ، يدرك أصحابه تماما إنفصاله عن اليهودية أي كانت عناصره لم تزال بعيدة عن الإنسجام كما لم تخرج طقوسه و تنظيماته عن الطور البدائي ، و كانت هذه المسيحية منذ ذلك الوقت قد إبتعدت كثيرا عن الأفكار التي جاء بها عيسى و الحواريون و أصبحت تتجه إلى بني الإنسان جميعا دون تفرقة بين الأجناس أو الطبقات الإجتماعية لدعوتهم إلى حياة الخلود.
قد انتصرت المسيحية على سائر ألوان التأليف الديني الوثني في القرن الثالث ذلك أنها كانت قد تطورت هي الأخرى إلى تأليف ديني تجتمع فيه سائر العقائد الخصبة و الشعائر الجوهرية النابعة من العاطفة الدينية الوثنية ، قامت هي بترتيبها وتركيبها و أضفت عليها الإنسجام الذي تفتقر إليه بحيث استطاعت أن تقف بمفردها أمام أشتات المعتقدات و الشعائر التي يأمن بها أعدائها دون أن تظهر ضعفا أو نقصا عنها في أي من المجالات الهامة .
و إذا تأملنا الكنيسة المسيحية في مقتبل القرن الرابع فإنه يتعضر علينا أن نجد صورة من صور مجتمع الحواريون فبدلا من جماعة محدودة من اليهود لا يفرق بينهم و بين باقي أمته سوى أمل خاص و ترحيب بالمتتلمذين عليهم من الوثنيين يفوق ترحيب اليهود عامة بدلا من ذلك نجد مجتمعا دينيا واسع النطاق يدخل فيه دون تمييز لجنس أو طبقة معينة ، مجتمعا يدرك تماما أنه يشكل وحدة متكاملة و أنه هو الأمة المختارة . كما وجدت الوسيلة الناجعة للتخلص من الشعائرالعملية التي تفرضها الشريعة اليهودية مع الإحتفاظ بالعهد القديم كتابا مقدسا ، و على أساس من المبادئ الجوهرية أنشأت مجموعة عقائدية جديدة بالغة التعقيد إعتمدت في صلبها على شخصية المسيح التي نمت من حولها النظريات حتى تم توحيدها باللّه و قد خرجت هذه المجموعة العقائدية على الناس في صورة ماسمي ب: " شروط الإيمان " التي أقامها المختصون من ذوي السلطة بناءا على الأراء الغالبة ، و بعبارة أخرى أصبحت المسيحية دينا حقيقيا بل أكمل الأديان إذ ذاك لأنها تبنت من كل دين خير ما وجدته لديه ، و كانت أيضا أكثر الأديان ترحيبا بالوافدين إليها ، وأكثرها إيحاء بالصبر و السلوى ، ثم أيضا أكثرها قربا من الخصائص الفطرية للإنسان ، بحيث يجد البسطاء من القوم أنفسهم مندفعين إلى الإيمان بها و إن لم يدركوا مفاهيمها و إلى إطاعة ذوي السلطة في تنظيمها و إن لم يحاجوهم في الرأي ، و ذلك حتى يضمنوا الخلاص و الخلود ، كما يجد الفيلسوف في عقائدها مادة لا تنتهي للتأمل و التفكير .
و مع كل ما إمتازبه هذا الدين من تيارات تأليفية عميقة ، فإننا نرى لديه تعصبا قويا عنيفا ، تعصبا لا يقهر ، فهو لا يقبل مشاركة أتباعه في دين أخر بأية صورة من الصور و هو لا يقبل أية منافسة و أدت هذه النزعة الجوهرية في طبيعته إلى إقامة عقبات بالغة الخطورة أمامه ، و نخص بالذكر عداوة الحكام و المجتمع المدني كله ، و لكنها اتيهت أخيرا إلى تثبيت أقدامه و ضمان إنتصاره.
و قبل أن نحاول تفهم الصراع بين المسيحية و بين الحكام والمجتمع ذلك الصراع الحاسم في طبيعته و نموه و أبعاده و نتائجه ، يجب علينا أن نحلل عن كثب و أن ندرس في مجال الواقع ظاهرتين اساسيتين و هما أن دين المسيح و نعني به الدين الذي يتخذ المسيح أبها خاصا به ، ثم إنه إلى جانب هذا قد تطور فأصبح مجموعة عقائدية و مذهبا للعقيدة ، بعد أن كان في بدايته أسلوب حياة .
المطلــــــب الثالــــــث
الدعاية المسيحيــــــة
تحتل الهيئات التبشيرية المسيحية الدور الأول بين أولئك الذين يقومون بالدعاية المضادة للإسلام في البلدان الإسلامية و لهم في ذلك تاريخ طويل ، فهم و مع بدء الدورة الإستعمارية لأوروبا بدأوا هجومهم ضد الدول الإسلامية ، حيث وصلت نشاطاتهم إلى ذروتها عندما تسلط المستعمرون على تلك الدول و يتولى القيام بمثل هذا الدور ملايين من المبشرين عدد هذه البعثات التبشيرية يوما بعد أخر ، ففي بلدان العالم الثالث وحدها إزداد عدد هذه البعثات من 2400 بعثة عام 1972 إلى 1800 بعثة عام 1993 ، فللبروتستانت وحدهم في أكثر من 100 دولة من دول العالم 50000 مبشر ،وتنفق الولايات المتحدة وحدها سنويا 700 مليون دولار لنفس الغرض ، و على إثر هذه الدعاية إزداد عدد المسيحيين في جنوب أسيا 106 مليون شخص في عام 1890 إلى 75 مليون شخص في عام 1992 و على إثر هذه الدعا يات صار الدين المسيحي و الذي كان حتى بدايات القرن الحالي دين أمريكا و أوروبا ، و كان يتمركز 8 بالمائة من المسيحيين في هذه المناطق ، صار يعتبر الأن دينا عالميا ، حيث ينتشر بالمائة من أتباعه خارج أمريكا الشمالية و أوروبا
و في إفريقيا كان عدد المسيحيين لا يزيد حتى بداية القرن الحالي عن ملايين شخص أما اليوم فقد وصل عددهم إلى 224مليون نسمة ، وتخطط المنظمات المسيحية العالمية حاليا لا يصال صوتها إلى 240 مليون من أولئك الذين لم تصلهم الدعاية المسيحية حتى الأن و في هذا السياق أعلن البابا جان بول الثاني عام 2000 تسود فيه المسيحية جميع سكان إفريقيا ، إن الملفت للنظر أن أيا من الدول الإسلامية ليست في مأمن من الدعاية المسيحية ، ففي الباكستان هناك بعثات تبشيرية من أمريكا وكندا تنشط كل على حدة ، حيث تقوم بإرسال المطبوعات و البعثات التبشيرية إلى هناك حيث يبلغ عددها 80 بعثة ، و يعيش في الباكستان 04 ملايين مسيحي و يقوم هؤلاء المبشرين و بواسطة إمكانيتهم المالية بنشاطات و خدمات للفقراء في مجال التعليم والصحة لتهيئة الأرضية اللازمة لإستقطابهم و في إفريقيا هناك العديد من القساوسة الذين يعيشون و منذ عشرات السنين في أدغالها بين القبائل البدائية لتنصيرهم ، أو أن بعض المبشرين يتوغلون في مناطق لم يتسنى حتى لحكومتها إلى اليوم أن ترسم لها الخرائط التي تبين مواقعها ، أن هذه الأمور تستحق أن نقف عندها و نتأملها، فبالإضافة إلى المبشرين النشطين هناك 04 محطات بث إذاعية تدعو إلى الدين المسيحي ، أحدهما تعرف ب trans world و تبث برامجها ب: 70 لغة و محطة أخرى تعرف ب vatican radio تبث برامجها ب:50 لغة ، و لنفس الغرض يتم الأن تشغيل قناة تلفزيون عالمية و بذلك تتمكن المسيحية من تغطية العالم كله بالبث التلفزيوني .
عندما ندقق في هذه القضايا يتبادر إلى الذهن سؤال و هو : هل هذه الدعاية الواسعة هي لترويج الدين المسيحي فقط و لا هدف أخر هناك ، أم أنه ليست من المستبعد أن يكون هناك تحت ستار المسيحية من يحاول تمديد أهدافه الخاصة ، إن دراسة هذا الموضوع توصلنا إلىأن المراكز المسيحية و على إمتداد التاريخ كانت تسعى لتأمين مصالح التجارة و المستثمرين أكثر مهما تقوم بالتبشير منذ أيام الحروب الصليبية التي قامت وباعتراف المؤرخين بسبب تهديد المصالح التجارية لأوروبا خاصة " فينيسيا " و " جنوا " بعد سيطرة المسلمين على القدس و إغلاق الطرق التجارية بين أوروبا و شرق أسيا لقد كان الظاهر من عمل المبشرين الذين ذهبوا إلى الهند و أمريكا اللاتينية هو التبشير لكنهم جلبوا معهم المستعمرين إلى هناك ، إذن بالإستناد إلى تلك الشواهد يمكن القول ببساطة أنه و على مدى التاريخ كانت المسيحية و مبشيروها سندا و عونا و شريكا للمستعمرين ، و كانت تمهد أيضا الأرضية المعنوية لنمو الرأسمالية و هيمنتها في تلك البلدان ، إن قرأة المسيرة التاريخية للمسيحية هيأت كل ماكانت الرأسمالية تحتاجه في جميع مراحل تطورها و ذلك عن طريق الدعاية الدينية و لهذا فإن الكنيسة تعتبر جزءا من عملية نشوء الرأسمالية ، و في وقت قريب و في مرحلة خاصة من الحرب الباردة ولأجل مواجهة الشيوعية نلاحظ إنتخاب " بابا" للكاثوليك من بولونيا ، و بمساعدته يتمكن "ليش فاليزا" قائد الحركة العمالية في بولونيا من الفوز ، كذلك لا تتوانى المسيحية في سياستها من التعاون مع الصهيونية و القيام بمساعدتها ، لقد كانت المسيحية في أحسن أنواعها ليست إلا ردود فعل دينية أمام التمييز الطبقي و اللادينية و تجاهل العواطف الدينية في المجتمعات الغربية ، إذن فإن العدو الحقيقي للإسلام في الوقت الحاضر ليس المسيحية بل العدو الحقيقي للإسلام هو الرأسمالية ، و بشكل عام هو الثقافة الغربية والمسماة ب:" الليبرالية " و هذا لا يعني أبدا تجاهل المسيحية أو التغافل عن دورها أو التقليل من شأنهــــــا .
المبحث الثانـــــــــــي
المسيحيــــــة في الجزائـــــــــــــــــــــــر
المطلب الأول :
نشأة و تطور المسيحية في الجزائر عبر التاريخ .
المطلب الثانـــي:
سياسة التمسيح في الجزائر .
المطلب الثالث :
تفاقم ظاهرة التمسيح في الجزائــــــــر.
المطلب الأول :
نشأة و تطور المسيحية في الجزائر عبر التاريخ.
نشأتها و تطورها :
ـ كان مولد المسيح بن مريم رسول اللّه و كلمته في السنة الثالثة و الأربعين من ولاية الأمبراطور أغسطس 1 ببيت لحم في فلسطين و خلاصة تعاليمه عليه الصلاة و السلام ترمي إلى بث الرحمة في القلوب و ربط صلة المودة و المحبة بين الناس و إفشاء السلام و الإخاء ، و قد لقي أتباع هذا الدين السماوي من رؤساء الوثنية وممن يعتقدون العصمة في شخص الإمبراطور و ينزهونه عن عوارض البشرية من الإضطهاد مالا قوة ... و ذلك محافظة من هؤلاء السادة من نفوذهم السياسي و دفاعا عن مقاصدهم الشخصية الإنتفاعية فلقد اصاب المؤمنين من الوثنيين في سبيل تبليغ الدعوة ألوان من التنكيل و التعذيب ... و سارت قافلة المسيحية تبشر بهذا الدين في جميع الجهات التي وطئتها أقدامها و منها هذا الوطن الجزائري الذي طالما بحث أهله عما يخلصهم من الإضطهاد الروماني فبادروا حينئذ إلى إعتناق هذا الدين الجديد تخلصا من نير استعباد الوثنية و الوثنيين .
ـ بقي أمر هذا الدين بين أتباعه و خصومهم في مد و جزر حتى أستتب الأمر إلى الأمبراطور قسطنطين و استولى على عرش رومة سنة 312 م فاعتنق المسيحية و أعلى من شأنها في البلاد و جعلها دين الحكومة الرسمي و أمر ببناء المعابد و الكنائس في أنحاء الإمبراطورية الرومانية و أعلن برفض دين الصائبة وأصدر مرسوما أطلق عليه الناس يومئذ إسم " مرسوم ميلان " ، يمنح به الحرية المطلقة في
تاريخ الجزائر العام ـ تأليف عبد الرحمان الجيلالي
الإعتقاد و لقد عاشت هذه الحرية مدة حكم قسطنطين إلى حد ما و ذلك عندما كان هذا الأمبراطور في نفس الوقت حاميا للمسيحيين .. و لكن الرومان بعد ذلك أصبحوا كلهم يدينون بالمسيحية في القرن الرابع ، لم يلبثوا أن ألغوا تلك الحرية الممنوحة على قسطنطين و أحدثوا قوانين صارمة للضرب بها على أيدي الوثنيين و المارقيين ( و هم في نظرهم القوم الذين لايرون ماتراه السلطة القائمة يومئذ من رأي ).
و إذا كان اليهود الأسعدون حظا من الوثنيين قد أحتفظوا بحقوقهم الدينية في مزاولة عبادتهم ، فإنه قد حظر عليهم أن يتزوجوا المسيحيات أو يفتحوا معابد جديدة لهم و من خالف هذا حكم عليه بالإعدام ، كما قد حظر عليهم أيضا تهويد المسيحي و إلا عوقبوا بنفس العقوبة و رغم هذه المحاولات و التشديدات كلها فإنه قد دخل على الدين المسيحي من عوائد الوثنية و غيرها ما أمتزج به في أغلب مظاهره و حدث القول بالتثليث فقبله و رفضه جماعة كان على رأسهم القس الراهب أريوس الإسكندراني المولود سنة 270 م و المتوفي سنة 336م ، كما أشتهر بينهم يومئذ مذهب الراهب دون الذي دعا إليه سنة 305م بمدينة كازنوار ـ الديار السود ـ بالقطر الجزائري شمال أوراس ـ و كان يزعم أن مذهبه هو المذهب الوحيد الذي يمثل العقيدة الصحيحة فإختلفت يومئذ كلمة أتباع المسيحية و أضطربت عقيدتهم فيما بينهم ، فدعا الأمبراطور قسطنطين إلى عقد مؤتمر ديني لتقرير العقيدة الرسمية و توحيد الكلمة بين النصارى جميعا فكان يومئذ مؤتمر نيقية 1 من بلاد الروم سنة 325م و هو أول إجتماع عقده رؤساء المسيحية في العالم ، اجتمع فيه ما ينيف عن ألفين و ثلاثمائة رئيس ديني و ذلك بحضور القيصر قسطنطين نفسه و كتبوا في ذلك وثيقة سموها بعقيدة الأمانة و حملوا الناس عليها إعتقادا وعملا.
ثم إختلفت أنظار هؤلاء الرؤساء أنفسهم القائمين بتسيير دقة الدين بسبب إختلاف النظريات الفلسفية الدخيلة يومئذ على الدين و كان أول منعمل على مزج الدراسات الفلسفية بالتعاليم الدينية هو الفيلسوف أمونيوس الإسكندراني 241 م فتشعبت يومئذ المذاهب و تصارعت فيما بينها و أنتصبت محاكم التفتيش للحكم على أصحاب المذاهب المناقضة الأخرى و بطردهم من الكنيسة و حرمانهم و إفترقت النصرانية يومئذ إلى فرق و شيع و طوائف متعددة إنقسمت بها الكنيسة على نفسها ،إشتهر منها اصحاب هذه المذاهب الأربعة الملكانية melchites نسبة إلى ملكا الذي ظهر بالروم و استولى عليها و هو مذهب البابا بدرومة و عليه جمهور الملوك و الرؤساء النصارى و عامتهم و اليعقوبية momophgsites اصحاب يعقوب البرذعاني راهب القسطنطينية و هو مذهب غالب الأرمن و الأقباط و جميع الحبشة و النوبة و النسطورية ، أصحاب نسطور يوسن بطريرك القسطنطينية 428م و المتوفي سنة 450 م و هو المذهب الغالب على نصارى الموصل و العراق و خراسان و المارونية نسبة إلى الراهب يوحنا مارون 667م و مذهب قريب من المذاهب الثلاثة المتقدمة بل هو قريب الشبه من المذهب الكاثوليكي و لقد نشأ من ظهور هذه المذاهب تنافس بين أهلها و مشاحنات ومجادلات دينية و إضطهادات نشأت عنها مذاهب أخرى . و عن مثل هذا السبب نفسه نشات الفرق و الطوائف الإسلامية بعد ذلك و كثر النقاش و الجدل الديني الفلسفي واختلفت المذاهب الإعتقادية في علم الكلام و التاريخ يعيد نفسه .
و كان حظ الجزائر من هذه المذاهب المسيحية هو مذهب دونتون أسقف الديار السود (كازنوار) شمال أوراس ، فمنذ سنة 305 م ، أخذ هذا المذهب ينتشر بسرعة في كامل القطر الجزائريو رغم مقاومة السلطة له و ذلك لما أصرت عليه تعاليمه من مبادئ التحرير و قد كثر أتباعه حتى كادوا في سنة 330م أن يستحوذوا على أكثر كنائس إفريقيا ، فقد بلغ عدد المراكز المسيحية بها سنة 411م سبعة و ثمانين و مائة كنيسة منها 87 دوناتية و البقية موزعة و موقوفة على مختلف المذاهب الأخرى ، ثم أن أهل هذا المذهب نفسه أنشقوا إلى طائفتين اثنتين كانت احداهما مقيمة بمدينة تيمقادي ويعتبر هذا المذهب بحسب مبادئه الإعتقادية ثائرا على النظام الحكم السائد يومئذ بهذه الديار ، و طالما أصدرت الحكومة أوامرها الصارمة على أتباعه ، فلم يحفلوا لها و ما تمذهب الجزائريون بهذا المذهب الدنتوسي إلا أنهم كانوا يرون فيه خلاصهم اسر الإستعباد و الإستعمار و لما أحتوت عليه تعاليمه من الثورة على قواعد الحكم الإستبدادي و ذلك هو الغرض و السير فيها نراه اليوم و قبل اليوم من تدخل الحكومات المستبدة والدول الإستعمارية في شؤون الأديان و المعتقدات ووضع يدها على العناصر الحيوية الحساسة مثل ماشهدناه نحن في بلادنا الجزائرية من فرنسا و ذلك لما تتوجسه هذه الدول المستبدة من النهضة الجزائرية الدينية التحريرية و مما يملكه رجالها من نفوذ روحي عند الجمهور و هذا هو وجه انصراف الناس بأوقافهم وأحباسهم الى هذه الناحية الدينية حتى لايتوقف أئمة الدين وعلماؤه في معاشهم على أرزاق الحكومات ووظائفها وحتى يبقى الدين حرا طليقا ولكن أين توجد اطرية بأتم معناه اليوم ؟ ...وهل يبقى للأوقاف والأخباس عندنا اليوم حرمة ؟...
نهضة الجزائر التحريرية:ـ
مافتئت الديانة المسيحية تنتشر لتأخذ مكانها على مذهب ـ دوناـ بهذه البلاد حتى أخذ أتباع هذا المذهب الديني الوصي في مطاردة أهل المذاهب الأخرى ، فنشأت عن ذلك فتن وأموال أدت الى ضلع طاعة الرومان ونبذ سلطانهم وتعددت الوقائع يومئذ ، فانتهز المناوئون للدولة فرصة هذا النزاع وأخذوا في عقد إجتماعاتهم بمدينة تيمقادي وغيرها للنظر والتدبير في أحداث إنقلاب سياسي عام ، وهم في كل ذلك يتظاهرون بالبحث والنقاش الديني وقد كان على رأس هذه الحركة الثورية الرئيس الوطني فيرموس إبن الملك البربري نوبيل ، أحد زعماء زواوة وجرجرة ، فانحاز اليه أتباع مذهب الدوناتيست وإندلع لهيب الثورة الوطنية التحريرية في البلاد سنة 371م وكان ذلك في ظل التطور المذهبي الجديد وكان يبلغ عدد جنود فيرموس نحو ً العشرين ألفا ً جاءت كلها محاصرة للعاصمة بول القيصرية ـ شرشال ـ وشددت عليها الخناق حتى فتحها وأحرقتها وإستولت على مدينة الجزائر .
ونادت بإسم فيرموس ملكا على البلاد وكانت قبللا ذلك وقائع وثورات بنوميدية وموريطانية دامت نحو عشر سنوات (253 ـ 262 م) منها ماوقع من أهالي قبائل "البابار" القاطنة بمرتفعات (البابور) بين سكيكدة وقسنطينة الثائرين تنحت قيادة أربعة زعماء نوميديين إتخذوا في كفاحهم مع قبائل الحلف الخماسي وهي خمس قبائل متحالفة تقيم بين بجاية شرقا ومدينة دلس غربا وجبال جرجرة جنوبا والبحر الأبيض المتوسط شمالا وإنضم اليهم القائد ( فاراكس ) مع جنوده الأبطال القادمين من مرتفعات ناحية بلعباس وزحف هؤلاء المتحالفون بأجمعهم على نوميدية فغزوا أرضها وأخذوا معهم عددا كبيرا من الأسرى ، حتى أن القديس " سيبريانوس " كان مضطرا الى جمع مبلغ كبير من المال لإفتداء النصارى و على الأخص العذاري اللاتي كان يخاف عليهن من الإغتصاب .
و استمرت المعارك بنواحي سور الغزلان 255م و ناحية "لامور يسيير " سنة 257م و في حدود موريطانية الشرقية ، حيث قتل " فاراكس" سنة 259م ولم تخمد نار الفتنة إلا في سنة 262م .
و فيما بين سنتي 289 ـ 298م نشأت ثوارات أحرى بالقبائل دامت هي بدورها أيضا عشر سنوات و كانت الإضطرابات في هذه المرة أشد و أقوى من التي مرت قبلها ، فلقد أمتدت الحرب هذه المرة إلى الجنوب و شملت جبال الحضنة و هدم الثوار صور " جواب " و كادوا يحتلون مدينة بجاية ( صلروى) و لما عجز الإمبراطور "ديوكليسيانوس " عن إخماد هذه الفتن أستعان بالقيصر ( مالسيميانوس ) الملقب بهرقل فقدم هذا إلى إفريقيا ليقود حملة إضطهادية قبل الحلف الخماس 1 و يومئذ جاءت الحامية الرومانية بقيادة ثاودوسيرس الروماني فنزلت بمرسى جيجل 273م فإنضم إليها طوعا أوكرها " جيلدون " أفوفيرموس ، فكانت الدائرة على فيرموس بنواحي سطيف و قضى القوم على هذه النهضة التحريرية ، و إنعقد الصلح بين الرومان و فيرموس على هذه الشروط الأتية :
ـ تنازل فيرموس عن ملكه.
ـ منح مدينة الجزائر للقائد الروماني ثاودوسيوس.
ـ أداء أموال طائلة لهذا القائدأيضا.
ـ وضع رجال من الوطنيين رهنا تحت رقابة الرومان .
ـ و حينئذ أضاف الرومان إمارة إفريقيا بمغاربها الثلاث إلى جيلدون مكافأة على إنتصاره لروما و خيانته لأخيه و صاهره الأمبراطور أيضا في بيته و في هذه الأونة اختفى فيرموس بنواحي الشرق الجزائري ريثما سنحت له فرصة النهوض إلى المقاومة مرة أخرى ، ففعل فأخفق و لكنه لم ييأس فأعاد الكرة على العدو للمرة الثالثة وجاء يومئذ بعدد أوفر من الجند ، قضى بهم على قوة ثاودوسيوس الرومانية فإنهزم القائد الروماني هذا إلى ناحية عيون بسام و سعى هنالك في إرتشاء الملك " فليسة أيغماس" للقبض على فيرموس و لما شعر فيرموس بضعفة أمام جميع هذه القوات المحيطة به وأدرك أنه يروم أمرا معضلا أنتحر خنقا سنة 375م و لما يظهر إيغماس إلا بجثته فوجهها على بعير ( جمل ) إلى قائد القوات الرومانية .
و في سنة 395 م ثارت في نفس جيلدون عوامل الغيرة الوطنية وعصفت فيرأسه حفيظة الإنتقام لأخيه فيرموس المنتحر من أجل غليه الرومان عليه فنهض مطالبا باستقلال أرض الجزائر من الرومان فرماه هؤلاء بأخيه " مسيزل " الذي كان ملتجئا عندهم في رومة منذ إنتحار فيرموس و جاء مسيزل لمقاتلة أخيه جيلدون وكانت المعرك بينهم بين مدينة أميرة حيدرة و تيفيست تبسة فإنهزم جيلدون وفر هاربا نحو البحر فركبه متوجها إلى القسطنطينية و كان البحر يومئذ مضطربا فرمى بمركبه على شاطئ طبرقة فحطمه ووقع جيلدون في قبضة والي المدينة فسجنه و هنالك إنتحر جيلدون سنة 398م بعدما ملك 12 عاما فكانت عاقبته مثل عاقبة أخيه فيرموس و أخيرا كان جزاء مسيزل جزاء سينمار فألقوه الرومان أنفسهم في لجة نهر مخافة تأسيسه وإفتدائه بأخويه فيرموس و جيلدون في بث روح الثورة الوطنية في البلاد .
المطلب الثانــــي
سياسة التمسيح في الجزائر.
سياسة الغزو و الإدماج :
ـ صرح عدد من الشخصيات العسكرية و الدينية الفرنسية بأن إحتلال الجزائر وحده لايكفي فينبغي أن يدعم بإدماج الجزائريين في المجتمع الفرنسي من ناحية و تنصيرهم من ناحية أخرى وإن كان القائد " ذي بورمون " قد وعد في تصريح 05جويلية 1830 بعد إستيلائه على مدينة الجزائر بإحترام دينهم وعاداتهم و تقاليدهم و ممتلكاتهم ، فكشف الغطاء عن نواياه عندما أستقبل المرشدين العسكريين بمناسبة الإحتفال الديني الذي أنتظم بعد إنتصاره فقال " قد فتحتم معنا من جديد باب المسيحية في إفريقيا و رجاؤنا أن تزدهر فيها عما قريب الحضارة التي كانت قد أنطفأت (1) و قد أكد أحد المرشدين العسكريين و هو" الأبي و بيجز " أن مرشدي الجيش جاؤوا ليحتلوا هم أيضا إفريقيا باسم الإنجيل .
و قال " لويس فويو" كاتب بيجو سنة1841 في كتاب له " إن الجزائر مملكة مغربية و لن تكون تونس و المغرب مثلها قبل زمن طويل ثم اضاف " إن العرب لن يكونوا لفرنسا إلا إذا صاروا فرنسيين و لن يكونوا فرنسيين إلا إذا تنصروا" و في مقاله نشرت سنة 1846 ، شرح أحد الضباط الفرنسيين الذي لم يذكر إسمه لماذا يجب تطبيق سياسة التنصير فقال " إن تعصب المسلمين هو الأمر الحقيقي الذي يدعم المقاومة التي نواجهها في إفريقيا و هذا الدين ( الإسلام) الذي أحترمناه إلى يومنا هذا نقترح الأن بجرأة محاربته و هكذا نثبت قوتنا و ننشر طقوسنا على أنقاض الإسلام و معنى هذا كله أن الإسلام قد قاوم الإحتلال الفرنسي فرأى المستعمرون إزالة هذا الدين خدمة لمصلحتهم.
و أبدى اسقف الجزائر " دوبوش " أن وجود الإسلام قد إنتهى و بعد نصف قرن لن يبقى ل÷ أثر إلا عند الهمجيين و ستعبث به أوروبا إلى الصحاري التي لجأ إليها لينقرض هناك و هكذا ستكتمل مشروعها التي بدأت في تنفيذه أثناء الحروب
الأبي دوبيجيز ص 166 ـ قسيس ، مرشد عسكري في الجيش الفرنسي.
الصليبية ، أما الأسقف الذي تولى بعد دوبوش و هو السيد" بافي " فقد رأى من واجبه محاربة القرآن و تنصير المسلمين و هكذا تتضح فكرة المستعمرين أن إحتلال الأرض لا يكفي و أنه يجب محاربة دين السكان و تحويلهم إلى نصارى فتتحول الجزائر المسلمة إلى أرض فرنسية مسيحية .
01 ـ أراء الأسقف لافيجـــري :
ـ كان لا فيجري قد تشبع بهذه الأراء الإستعمارية قبل أن يتولى رئاسة الكنيسة في الجزائر و قد عيّن في هذا المنصب بتزكية من الوالي العام الماريشال " ماك ماهون" إلا أنه سينشب بينهما الخلاف فيما بعد ، إن لافيجري أظهر عداوته للإسلام مثلما فعل الذينسبقوه فقال سنة 1860 " إنه من الواجب علينا أن نعدل عن الأخطاء التي إرتكبنها في الماضي فيجب أن نحصر ( الشعب الجزائري ) في حضيرة القرآن كما فعلنا ذلك مدة طويلة ، فاقترح تنصير الجزائريين أو ابعادهم إلى الجنوب فقال" يتعين على فرنسا إما أن تقدم للشعب الجزائري بل إني أخطأت التعبير يتعين عليها أن تفسح لنا المجال لنقدم له الإنجيل و إما عليها أن تطرد هذا الشعب إلى الصحاري بعيدا عن العالم المتمدن .
و في رسالة أخرى بيّن سبب هذه السياسة و هو مقاومة الجزائريين ضد الإحتلال الأجنبي فقال " إن القضية في جوهرها كما أكدنا على ذلك مرارا هي قضية هذا الدين الذي وقف أمامنا في غزو الجزائر نهائيا و لهذا الغرض أسس لافيجري جمعية لنشر الدين المسيحي ثم أسس جمعية المبشرين الذين يرتدون اللباس العربي و هم الأباء البيض سنة 1874 و قد أخطأت الإدارة الفرنسية في نظر لافيجري لأنها أحترمت الإسلام و مؤسساته فطالبها بالتخلي عن مساعدة المساجد و المدارس الإسلامية التي تثبت تعصب الأهالي فيجب أن تمنع هذه الإدارة تعليم القرآن و تسهيل أداء فريضة الحج و تناسى الأسقف أن الحكومة الفرنسية قد استولت سنة 1843 على الأوقاف الإسلامية التي كانت تسهر على شؤون المساجد و المشاريع الخيرية .
و تسهيلا لإدماجهم راى لافيجري لأمنها أن تمنح أراضي للجزائريين المتنصرين و لم يوافق طبعا على سياسة الإحترام لأنها كانت تبحث عن معاملة الأهالي في ظل القرأن و كان يعتقد أن المسلمين لا يمكن أن يتصوروا المستعمرين إلا في شكل " كلاب مسيحيين " فيجوز لهم أن يذبحوا و يرموهم في البحر " و حق الكنيسة في تنصير الأهالي كان يبرره في نظره ـ تخلف الإسلام الذي تسبب في غنحطاط الشعب العربي من الناحية الأخلاقية و لهذا كان من الضروري غبعاد الشعب عن الإسلام حتى يعود إلى ما كان يتولى التبشير في تونس بعد إحتلالها سنة 1881 ، فعين أول اسقف في إفريقيا و كان له مقر بقرطاجة قريبا من تونس ، غير أنه لم يكتف بهذا النشاط في الجزائر و تونس و عندما دفعه الطموح إلى مواصلة التبشير في القارة الإفريقيةكلها ، و كان السبب في ذلك أن الإسلام قد انتشر في هذه القارة الإفريقية بصفة ملحوظة بحيث أن عدد المسلمين فيها بلغ خمسين مليونا خلال قرن واحد فكان لابد من وضع حد لانتشار الإسلام ، ووافقت روما الأسقف على ذلك و عينته " كاردينال " تقديرا لعمله التبشيري سنة 1882.
02 ـ نشاطه التبشيري :
قضية اليتامى الجزائريين:
شملت مجاعة كبيرة القطر الجزائري مابين 1866 ـ 1868 فإغتنم لافيجري هذه الفرصة ليجمع عددا من اليتامى الجزائريين بموافقة السلطة العسكرية و طلب مساعدات مالية من المواطنين الفرنسيين و بعض المؤسسات ليبني ملجأ لهؤلاء الأيتام و قرر أيضا أن يربيهم تربية مسيحية و أن ينشئ لهم قرى فلاحية بعد رشدهم إلا أن الوالي العام " ماك ماهون " لم يقبل هذا المشروع و عارضه تخوفا من غضب الأهالي و مقاومتهم العنيفة له فحذر الأسقف قائلا " إذا علم الأهالي بواسطة الصحافة أنكم تريدون تنصيرهم بالقوة أو إبعادهم عن بلادهم ، أفلا يقولون بأنكم تريدون إغتنام هذه الفرصة التعيسة التي يعانون منها ليضحوا بدينهم في مقابل الخبز الذي قدمتموه لهم " ، فرد لافيجري بعنف على رسالة ماك ماهون قائلا " إن هؤلاء الأطفال هم لي ، لأن النفس التي هي فيهم أنا الذي حافظت لهم عليها ، إذا فإن القوة وحدها هي التي يمكن أن تأخذهم من مآويهم ".
و في الواقع أن الأولياء لم يطلبوا أطفالهم الذين استولى عليهم لافيجري و ذلك لأنهم هلكوا عن أخرهم ، و كانت أعمار اليتامى تتراوح بين الثامنة و العاشرة و بلغ عددهم 1753 طفلا في أول الأمر إلا أنهم ماتوا بسبب المجاعة و التعب فيقىمنهم 700 طفلا وزعخم لافيجري بين عدة ملاجئ و في سنة 1870م بعث بعدد
الأستاذ بوعزيز يحي ـ المجاعة في الجزائر ـ مجلة الأصالة ، العدد33
ص :29 / ماي 1976
منهم إلى روما حيث تم " تعميدهم " و يصعب علينا أن نتصور تعصبا أعظم من هذا وعداوة أكثر صلابة للمسلمين الذين لم يراع إلا الأسقف شعورهم إطلاقا.
03 ـ إنشاء القرى المسيحية :
قرر لافيجري إنشاء مراكز فلاحية لليتامى الذين نصرهم و بين الغرض من ذلك في رسالته المؤرخة في 06 أفريل 1878 فقال " سنجد فيها بعد سنوات قليلة مجموعة كبيرة من العمال المفيدين الذين يساندون تعميرنا و يصيرون أصدقاءأو بعبارة أخرى سنجد " عربا مسيحيين " و في سنة 1869 اشترى الأسقف لافيجري بعض الأراضي في وادي الشلف لينشئ قريتين لفائدة اليتامى المسيحيين و شيد سنة 1872 م قرية سان سيبريان تخليدا لأسقف قرطاجة السابق و قد أختار هذا المكان لأنه وجد فيه أثر كنيسة قديمة و أقام فيه 26 اسرة بعدما زوج اليتامى الذين بلغوا سن الرشد و منح لكل اسرة 20 هكتارا صالحة للزراعة ومنزلا يتألف من غرفتين إلى ثلاثة غرف و منحها تسبيقا من النقود أو من المواد الزراعية و قد بنيت القرية حول الكنيسة و يوجد في مدخلها بستان جماعي و إسطبل يأوي الحيوانات في المساء ، غير أنه لم تكن الأراضي ملكا لكل أسرة ، و لكنها أجرت لها بثمن رمزي ، و بهذه الطريقة ظل الفلاحون خاضعين لسلطة المبشرين ثم أسس الأسقف القرية الثانية بعد الأولى بقليل و سماها" سانت مونيك " تخليدا لأم القديس أوغسطيس و تكونت القرية من 24 أسرة و من ضمن العائلات نجد عائلات " فراسوا بن عيسى " و جان الشريف " الذين كانوا يعيشون أولا في سانت أوجين قريبا من بوزريعة و أقامت الأخوات البيض في القرية و إعتنين بالتعليم و التطبيب و في سنة 1876 أنشأ لافيجري مستشفى " سانت ايليزبيت " بالقرب من القريتين و شيده بحضور شخصيات مدنية و عسكرية و أعجب قنصل بريطانيا بلافيجري إلى أن شبهه بالقديس أوغسطيس و أشتغل الفلاحون بالزراعة و الرعي ، كما أنهم اشتغلوا بالصناعات المحلية التي يحتاج إليها سكان القرية من نجارة و إصلاح العربات و الحديد و أنشئتكذلك بعض الدكاكين للتغذية العامة ، و لم يختلط سكان القريتين بالمعمرين المسيحيين و لا بالجزائريين المسلمين و كان لافيجري يخشى عليها عادات المسيحيين السيئة ، كما كان يخشى من المسلمين أن يضهدوهم أو أن يجلبوهم للإسلام ، و هذه العزلة المفروضة على سكان القريتين كانت و لابد أن تؤدي إلى فشل المشروع طال الزمن أوقصر.
و قد أعتنى الأباء و الأخوات البيض بتعليم اليتامى و تربيتهم الدينية و كانت تجمعهم الصلاة كل يوم بالسكان في كنيسة القرية . كما أقتصر تعليم الأطفال على المبادئ الأولى من قرأة و حساب و نشر " الوطنية الفرنسية " قال لافيجري " بينما كان الفلاحون يشتغلون في القرية ، كان إثنان من المبشرين يقومان بتعليم بعض الأطفال المساكين الذين إلتقطوهم ... و لم يكن من الضروري أن يتجاوز هذا التعليم مستوى معينا فرفض الأب الذي أعتنى بتربية " جان بن عيسى" أن يقدمه إلى إمتحان الشهادة الإبتدائية بدعوى أنه قد يتعلم أشياء كثيرة غير مفيدة و قد يؤدي به نجاحه إلى التكبر و التطلع إلى شيئ غير الزراعة فيضطرب أمره ، فالغرض من هذ التعليم إذن هو ربط هؤلاء الناس بالأرض و جعلهم مساعدين للمعمرين الفرنسيين ، و كان ذلك هو هدف لافيجري إذ كتب في إحدى رسائله " هذا هو التأكيد الحل الأنسب للقضية الجزائرية الكبرى لأنه هو وحده الذي يجعل تحت تصرفنا هذه الألاف من الأيدي العاملة من أجل الأعمال السلمية و قد كانت دائما مستعدة لتحمل السلاح ضدنا و قد لاحظ أحد مترجميه فكرته الأساسية في إدماج الجزائر في فرنسا عن طريق المسيحية .
04 ـ فشل لافيجري:
أراد لافيجري إنشاء قرى مسيحية و لكنه لم يتمكن من تطبيق مشروعه معارضة الإدارة و المستعمرين و الجزائريين المسلمين .
ـ خشيت الإدارة الفرنسية ما قد ينتج عن سياسة التنصير الجنوبية هذه و رفضت إنشاء مراكز أخرى لأن عجز الجيش عن حمايتها لم يسمح بذلك و لم يرض "ماك ماهون" بنشوب حرب صليبية في الجزائر و إن كان قد ساعد لافيجري في عملياته الأولى في وادىشلف . و لكن أمام طموحه المفرط عدل عن مساعدته المالية سنة 1874 . و ألغى مجلس النواب هذه المساعدة من الميزانية و قد بلغت 950 ألف فرنك سابقا.
ـ ايدى المستعمرون لافيجري أول الأمر ضد الحاكم العام " ماك ماهون " لأنهم كانوا يرغبون في إزالة الحكم العسكري ، و لكنهم عارضوا فيما بعد فكرته ف] إنشاء قرى مسيحية جديدة و عبر الطبيب " فارنية " عن رأيهم إذ من المساعدات المالية التي منحت لليتامى و اتهمى لافيجري بأنه لم ينفق إلا أنه لم ينفق إلا جزء قليلا كما أنه وزع الأراضي على عدد قليل من الجزائريين المسيحيين و هم معزلون بين المسلمين فاقترح الدكتور " فارنيه " على مجلس النواب أن يوزع المتنصرين بين الأسر الأوروبية ليكونوا في خدمة المعمرين .
03 ـ أما المسلمين فقد اظهروا عداواتهم لمشروع التنصير منذ البداية ، حيث إحتج السيد إبن علي الشريف على رسالة لافيجري المؤرخة في 06 أفريل 1868 برسالة وجهها إلى نائب الوالي العام فقال " لقد قرأت رسالة الأسقف المؤرخة في السادس أفريل الماضي و التي يقول فيها أنه يريد استبدال القرآن بالإنجيل من أجل إحياء الشعب العربي ، لقد أثرت هذه الرسالة كثيرا في المسلمين ، إننا نفضل موت جميع أولادنا على تنصيرهم و بعث 61 من أعيان الجزائر برسالة إلى نابليون الثالث عبروا فيها عن سخطهم ضد رسالة الأسقف لافيجري و في بلاد القبائل أدى تعصب أحد المبشرين إلى معارضة السكان ، بحيث أضطر حاكم القطاع العسكري للمنطقة أن يطلب من هذا المبشر مغادرة البلاد و ذلك خوفا من ثورة دينية ، و هجر عدد كبير من اسر تيزي وزو إلى سوريا سنة 1870 ، و أمام هذه المعارضة كلها و عدم الإمكانات المالية أرغم لافيجري على التخلي عن مشروع إنشاء قرى مسيحية أخرى و توزع المسيحيون الجزائريون في البلاد و توظفوا في مختلف القطاعات و لم يبق إلا 200 تقريبا في القريتين السابقتين بوادي شلف و لم يتقبل الأسقف فشله بسعة الصدر و أتهم كل المعارضين بنوايا سيئة فكتب إلى ماك ماهون مدعيا أنه سيترك لليتامى كل الحرية و إذا أرادوا أن يظلوا مسلمين عندما يبلغون رشدهم ، فسوف لن يمنعهم من ذلك و سيظل مخلصا و حنونا معهم و هذه الأبوية الغريبة لم تستطيع أن تخفي غرضه التبشيري و أما المعمرون فإنهم عارضوه في سياسته لأنهم كانوا كفارا، صحيح أن الدكتور فارنيه كان ينتمي إلى الإشتراكيين من أنصار سان سيمون و لكنكان موقفه موقفا سياسيا ، إذ كان غرضه تمليك الأراضي المعمرين الأوروبيين فقط للجزائريين و لوكانوا مسيحيين .
أما الجزائريون المسلمون فقد إتهمهم لافيجري بكل الإتهامات كما اشرنا إلى ذلك ، إنهم يمثلون " الهمجية " في نظره و سن ضدهم حملات غريبة فالأغنياء منهم لا يساعدون إخوانهم الفقراء بل يطردون و يحاربون من يطلبون الخبز و بلغت به العنصرية إلى درجة أنه إتهم بأكل الإنسان فقال " لايوجد اليوم في بعض المناطق منزلا لم يأكل فيه لحم الإنسان "
حاول لافيجري عبثا بهذه الإتهامات الكاذبة أن يغطي الواقع الأليم الذي لم يرد الإعتراف به و هو أن الغزو العسكري و أستيلاب الأراضي قد حول الجزائريين إلى بؤس لا يوصف و لاحظ هذه التعاسة أحد مترجميه " كلاين " سنة 1890 في ضواحي القرى المسيحية بوادي شلف و أجمع المؤرخون عن هذه السياسة الظالمة التي تميزت بالسرقة و النهب و التعصب التي جعلت الشعب الجزائري يقاوم الإستعمار و يثور عليه باستمرار إلى أن أندلعت حرب التحرير النهائية .
ماذا تبقى اليوم من القرى المسيحية في وادي شلف شيئ قليل إذا اعتمدنا على دراسة حديثة ، فقد غادر المسيحيون الجزائريون بلادنا إلى فرنسا سنة 1962 حسب ماذكره الشيخ المهدي البوعبدلي و في الختام يمكن القول بأن نشاط لافيجري قد ترك في الجزائر ذكريات سيئة إلى يومنا هذا ، رغم تكيف بعض المبشرين مع ظروف الإستقلال ،فمثلت حركة هذا الكاردينال روح الإستعمار الحديث و الحروب الصليبية القديمة ، و لذا لا يمكن لحركة التبشير أن تنال ثقة المسلمين في الجزائر و لا في غيرها من البلاد الإسلامية.
الشيخ المهدي البوعبدلي ـ مجلة الأصالة ـ العدد 08 ص 305 ـ 320 ـ
شهر جوان 1972.
المطلب الثالــث
تفاقم ظاهرة التمسيح في الجزائر.
ـ آلاف الأشخاص يرتدون عن الإسلام :
تتعرض الجزائر إلى غارة تنصيرية نمظمة تضطلع بها عشرات المنظمات و الجمعيات التنصيرية التي تتحرك في الأوساط الشعبية و الجماهيربكل حرية و بدون إزعاج من أي مؤسسة رسمية و على الرغم من أن وسائل الإعلام الجزائرية الناطقة باللغة العربية قد اشارت إلى خطورة تفشي ظاهرة التنصير في الجزائر إلا أن أحدا لم يحرك ساكنا في الجزائر ، و يبدو أن هذه المنظمات التنصيرية قد إستغلت الأوضاع الأمنية و السياسة و انفجار الجبهة الإجتماعية لتنفذ قلوب على وجه التحديد وتشير بعض الأرقام التي وصلت إلى الجهات المعنية في الجزائر و الموجودة بحوزة هذه المنظمات التنصيرية أن حوالي عشرة ألاف شاب جزائري قد أعتنق المسيحية في الجزائر و حسب هذه الجهات المختصة التي تقوم برصد ظاهرة التنصير و من يقف وراءها فإن أنشط الجمعيات التنصيرية هي الكنيسة الكاثوليكية برئاسة القس هنري تسيي و كنيسة البروستانتية برئاسة هوج جونسون الأمريكي الأصل و المقيم بالجزائر العاصمة و يترأس الجمعية الخيرية البروستانتية ، و هناك جمعية نشيطة تدعى جمعية القلب المقدس و يترأس هذه الجمعية كاميف بيار و هو من مواليد وجدة المغربية و يقع مكتب الجمعية في حي ديدوش مراد العريق في قلب العاصمة ، و قد أعتبرت بعض القوى السياسية و بعض البرلمانيين الجزائريين أن هذه الغارة التنصيرية على الجزائر ماكانت لتنجح لولا الفقر المدقع الذي يعيشه أزيد من 80 بالمائة من الجزائريين ، حيث يبادر بعض المناصرين إلى تنصير الشباب الجزائري و بعد ذلك يقدمون وعود لهم بأن يسهلوا لهم مهمة الحصول على التأشيرة و الإقامة في أية دولة غربية يريدون التوجه إليها وقد طالب بعض النواب في المجلس الشعبي الوطني الحكومة الجزائرية بالتحرك الفوري لوقف الغارة التنصيرية على الجزائر و تجدر افشارة إلى أن نشاط القس هوج جونسون قديم في الجزائر ، حيث أوفد من قبل الكنيسة الأمريكية ألى الجزائر سنة 1963 و كان
يحي أبو زكريا : عميد النادي الثقافي العربي في السويد
أول من أقام كنيسة في مدينة تيزيوزو القبائلية سنة 1963 و تمكن من الحصول على إعتماد رسمي من السلطات الجزائرية و قد بدأ نشاطه بشكل سري إلى أن أثمر نشاطه وباتت الحالة التنصيرية في الجزائر ظاهرة يشار إليها " بالبنان " و كانت إستراتيجية جونسون تمكن بتنصير الجزائريين و تكليفهم بمهام الإشراف على الكنائس كما حدث مع نائبه و هو جزائري من منطقة بجاية القبائلية و الذي تنصر في سنة 1970 و أصبح يشرف على الكنيسة المسيحية في منطقة تيزيوزو ، و حسب معلومات دقيقة فإن المنصيرين الغربيين و الجزائريين يترددون على مرجعيتهم الكنيسة في أمريكا و فرنسا وسويسرا و يتلقون مساعدات مالية جبارة و التي يستخدمونها في إعادة عشرات الألاف من العائلات الفقيرة و تحديدا في المناطق القروية و تحديدا تلك الواقعة فب المناطق القبائلية و رغم أن الصحافة الجزائرية قد سلطت الضوء على القس الأمريكي جونسون هوج ونشاطاته التنصيرية المكثفة فب مختلف الولايات إلا أنه مازال يصول و يجول كما يحلوا له ، كما قال بعض النواب الجزائريين في البرلمان و سبب هذا النشاط التنصيري الرهيب فقد أنتشرت نسخ الإنجيل و الأشرطة السمعية البصرية باللغة العربية و اللهجة القبائلية في العديد من الولايات و كلها يتم طبعها و نسخها في بعض الدول الغربية ، الأمر الذي يوحي بوجود مشروع متكامل لتنصير الجزائر و المساس مستقبلا بالوحدة الترابية على إعتبار أن النشاطات التنصيرية يبيّن في الجزائر قس فرنسي كان ضابطا في الفرقة العسكرية الفرنسية الخاصة إلى سنة 1980 ، و بعد إعتزاله وظيفته قرر أن يؤسس جمعية إنجيلية نفذت العديد من النشاطات في إفريقيا و تحديدا في دولة التشاد ، و يتعلق الأمر بالفرنسي فيليب مارتيناز الذي أراد فتح كنيسة في مدينة تيزيوزو ، حيث تمكن من إقامة فرع للكنيسة الإنجيلية في المنطقة و تقدمت جمعيته التي تعرف بالجمعية الإنجيلية الجزائرية بطلب إلى وزارة الداخلية للحصول على إعتماد رسمي .
و لم تترك الجمعيات الإنجيلية الجزائرية مكانا إلا و زحفت باتجاهه وحتى المناطق الصحراوية الجنوبية المعروفة بتقاليدها العربية الإسلامية لم تسلم من الزحف التنصيري المكثف و يدل العدد الكبير للمتنصيرين في الجزائر أن هناك إستراتيجية كاملة تستهدف العمق العقائدي و الإسلامي للشعب الجزائري و سوف تزيد الغارة التنصيرية من صعوبة الموقف في الجزائر خصوصا إذا علمنا أن الإنجليين الجزائريين الجدد ظهروا إلى الوجود بقوة هذه المرة ، كما برز ذلك في مؤتمر الكنيسة الإنجيلية في مدينة تيزيوزو و الذي حضره المئات من الجزائريين و بعض الدول الأوروبية في شهر سيبتمبر عام 2000.
ـ زحف التنصير في الجزائر :
قالت مصادر صحفية جزائرية إن عدد المرشيدين عن الإسلام في الجزائر و الملتحقين بالمسيحية بلغ رقما مخيفا في السنوات الأخيرة ، و قالت جريدة اليوم الوطنية في عددها الصادر يوم الأثنين 09/04/2001 أن عدد الجزائريين الذين يرشيدون يوميا عن الإسلام و يدخلون المسيحية بلغ ستة (06) أشخاص في كل يوم وذكرت الجريدة التي نشرت تقرير مفصل عن الظاهرة في صفحتها الأولى ، إن هذه الظاهرة أخذت الإنتشار بقوة في منطقة القبائل و في شرق البلاد و غربها و جنوبها وقالت أن عدد الجمعيات المسيحية الناشطة في دفع المسلمين إلى الإرتداد عن الإسلام وتغيير دينهم إلى المسيحية يقدر في منطقة القبائل وحدها ب: 19 جمعية و نقلت الجريدة تصريحات لرئيس كنيسة ميرابو في منطقة القبائل يقول فيها " إذا تم الإعتداء علينا وذهبنا ضحية من أجل إعتناقنا و ردّتنا عن الإسلام ، فسنقوم بكل مسعى يسمح لنا بتدوين قضيتنا و قالت أيضا إن أباء الكنيسة في الجزائر لم يقفوا عن التهديد بالتدويل ، بل طالبوا بإدخال الإنجيل إلى المدارس و كشفوا عن رفضهم للسياسة المتبعة حاليا من قبل الحكومة الجزائرية التي لا تخصص حصصا خاصة للمسيحية في التليفزيون و المدارس و ذكرت جريدة اليوم أيضا أن الإقبال على اعتناق الديانة المسيحية بالجزائر يعرف تطورا رهيبا في مناطق محددة في ظل طغيان السياسة على عوال التغيير في المجتمع ، و إنحطاط الأوضاع الأمنية و الإقتصادية و الثقافية منها على وجه الخصوص ، على حد قول الجريدة .
- و قالت إن هذا الأمر يحدث أمام مرأى و مسمع وزارة الشؤون الدينية و الأوقاف والمجلس الإسلامي الأعلى و بقية مؤسسات الدولة ، التي لم تحرك ساكنا ، و أضافة أن الردة على الإسلام تتزايد و أن ذلك يتزامن مع سن قوانين جديدة للتضييق على نشاطات المساجد ، تحت غطاء وقاية الدين من السياسة و مع حملة ضد المدرسة الجزائرية و اللغة العربية و الإسلامية و مع ظهور لباس كبير ، يسعى الى الخلط بين ماتقترفه الجماعات المسلحة و الإسلام.
- و ذكرت الجريدة أن مناطق القبائل التي ينشط فيها لوبي بريري فرنكفوني متطرف معادي للإسلام و الحضارة العربية و الإسلامية ، و بعض مناطق الصحراء ، أصبحت تعج الجمعيات و النوادي المخصصة و الدعاية المسيحية و هي تنشط في مقرات خاصة وعبر الكنائس المعتمدة من طرف الدولة ، بعيدا عن أعين الرقابة أو الإهتمامات الحساسة الذين قالت الجريدة أنهم غرقوا في متاهات النظام السياسي و مشاكله .
و قالت إنه في خضم المجازر التي أفرزها الوضع الأمني و إنشغال السلطة بالرد علىهذه المحاولات المزعجة التي تهدف إلة زعزعتها من داخل و خارج البلاد ، إزدهرت هذه الجماعات الدينية غبر مرور السنين في مناطق تأثرت كثيرا بحملات التنصير التي قادها أباء بيض " و أساقفة رئيسيون ".
و ذكرت جريدة اليوم أن مراجع صحفية أحصت 19 جمعية مسيحية في منطقة القبائل وحدها و تعززت في السنوات الأخيرة أن جزائريين خالصين و بمعدل 06 حالات إرتداء عن الدين الإسلامي كل يوم ، و ذكرت أيضا أن جيوبا ثقافية و رسمية أجنبية مشكوك في هويتها تساعد هذه الجمعيات التي أسفادت من الإنفتاح و إقتصاد السوق لتصدير أزيد من ثلاثين ألف نسخة من الإنجيل إلى مدينة تيزيوزو وحدها ، دون أن تكترث لذلك الهيئات المشرفة على تجارة الكتاب و الجمعيات الدينية الجزائرية وأرجعت الجريدة إنتشار موجة الإرتداد عن الإسلام و إتساع رقعة النشاط التبشيري إلى الإستقالة التامة للدولة عن مهمتها الثقافية و إرتفاع نسبة الإنتحار في أوساط الشبانية والشعبية بفعل تردي الوضع الإقتصادي و الإجتماعي و إنتشار مظاهر البؤس و الفقر المدقع مقابل نمو خطاب الإغراء المسيحي الواعد بتخليص الجزائريين من همومه ومشاكله المادية و الروحية و خاصة بعد أن تشوهت صورة الإسلام من جراء الجرائم الوحشية التي ترتكب باسمه .
وقالت الجريدة إن الكنائس المسيحية التي صارت تعيش في منطقة القبائل أستبشرت خيرا بعد أن عمدت الدولة إلى التضييق على المساجد و نشاطها خوفا من تسييسها ، و أضافت أن وسائل الإعلام المرئية المسموعة تسهل على تلك الجمعيات نشاطها ، و كان الجزائريون يرتدون عن الإسلام قد أبدوا سابقا أن إذاعة مونتيكارلو لعبت دورا بالغ الأهمية في إنتقالهم من الإسلام إلى المسيحية .
و ختمت الجريدة تقريرها بالقول أن مسؤولية إستشراء المد المسيحي في الجزائر تقع على عاتق الدولة بالدرجة الأولى ، و بضبط وزارة الشؤون الدينية و الأوقاف التي لم تسلم هي الأخرة من إفرازات الأزمة ، كما تتحملها الجمعيات الدينية و الخيرية التي تحزب معظمها تاركة المجال خصبا لنشوء عقيدة جديدة في الجزائر ، نجح الإستعمار الفرنسي في ترك بذورها طازجة .
1 ـ يحي أبو زكريا : عميد النادي الثقافي العربي في السويد.
2 ـ جريدة اليوم في عددها الصادر في 09/04/2001 .
المطلب الثانـــــي
ـ كيفية مواجهتها
01 ـ المجال الديني :
يعتبر المجال الديني من أهم ميادين نشاطات الإستعلامات العامة حيث تسعى هذه المصلحة جاهدة إلى معرفة الوضعية الخاصة به و تأثير الديانات الأخرى لحماية الدين الإسلامي من أي تشويه و بالتالي حماية المواطن من أي إعزاء قد ينتهج من طرف الديانات الأخرى و تبدو نقاط حماية الدين من الديانات الأخرى واضحة من خلال الميدان الديني الموضح في ميادين نشاط هذه المصلحة حيث ترتكز فيمايلي :
01 ـ الوضعية العامة:
ـ إن واجب الإستعلامات العامة ضروري في معرفة مكانة أي ديانة أخرى في أوساط الفئات الإجتماعية و هذا يجعلها تهتم بالديانة المسيحية و السعي وراء معرفة مكانتها في المجتمع الجزائري و التنبؤ بدرجة تأثيرها على الفرد الجزائري و بالتالي على الدين في الوطن و المجتمع بصفة عامة.
02 ـ مناطق تواجدها في التراب الوطني:
ـ إذا كانت المسيحية تتخذ من بعض المناطق في الوطن كأوطان لها أو نقاط إنطلاق لها فواجب الإستعلامات العامة هو معرفة هذه المناطق التي تتواجد بها جمعيات تخدم هذه الديانة و بالتالي محاولة حصرها في هذه المناطق لسهولة مراقبتها و الحد من إنتشارها في البلاد.
03 ـ الكنيسة و تأثيرها:
ـ كلنا نعلم أن الكنيسة هي بمثابة الحجر الأساس للمسيحية في أي بلاد و هذا لما تلعبه من دور فعال في نشر هذه الديانة لأن تأثيرها على أفراد المجتمع يكون بطريقة مباشرة مستعملة في ذلك عدة طرق و أساليب لأن للكنيسة حقها القانوني في ممارسة طقوسها في البلاد و هذا الحق القانوني يساعدها على تأدية مهامها التبشيرية إلى حد كبير و هذا كله بفرض على الإستعلامات العامة مراقبة و متابعة نشاطات هذا النوع من المعابد حيث يجب أن تراقب تحركات كل نشاطات الكنيسة و معرفة مايدور بداخلها و معرفة كل من يلتحق بها ، كما يجب أن تقوم بتتبع من يعمل في الكنيسة سواء كان أجنبي أو من أبناء الوطن و هذا لأجل التحكم فيها عن بعد و معرفة أفاقها المستقبلية وتكسير كل محاولات الخروج عن الإطار القانوني لنشاطات هذه المعابد ( الكنيسة ).
د ـ رجال الدين ، نشاطاتهم وتأثيرهم،علاقاتهم بالمجتمع و الديانات الأخرى:
ـ يبدو دور الإستعلامات العامة واضحا وجلي من خلال هذا العنصر حيث أن الإستعلامات العامة مطالبة بمراقبة كل حركات و نشاطات رجال الدين سواء نشاطات عملهم أو إتصالاتهم و كذا علاقاتهم بالمجتمع لأن لهذه النشاطات و العلاقات تأثير كبير على الفرد و بالتالي على المجتمع بصفة عامة فبفضل هذه العلاقات لرجال الدين التوغل أكثر بين مختلف الشرائح المجتمع و طبقاته و هذا يساعدهم على تمرير أفكارهم خاصة و نحن نعلم أن إمكانيات هذه الفئة كبيرة وضخمة بفضل التدعيم الكبير الذي يصلهم من الدول الأم التي تسعى من ورائهم إلى أهداف كثيرة و متنوعة و ما المسيحية إلا ستار لهذه الأهداف كما أسلفنا ذكره.
ـ المجال الثقافـي :
ـ إذا كانت الثقافة بمثابة المغذي الرئيسي للفكر و العامل الأساسي في تفتح و تنوير كل فرد فإن رجال الديانة المسيحية و نشاطات الكنائس إتخذت من هذا المجال بابا واسعا في التأثير على عقول الأفراد و جلب إهتمامتهم فعملت على إنشاء عدة جمعيات ثقافية في الظاهر و مسيحية في الداخل كما سعت و بذلت جهود كبيرة من أجل غرس عملائها في عدة منشآت ثقافية ورياضية و هذا كله من أجل تدعيم مكانتها في البلاد و تغذية الفكر لدى الفرد الجزائري بأفكار تخدم و تساعد هذه الديانة على الإنتشار و إذا كان عملاء هذه الديانة ينشطون في هذه المجالات بشكل يلفت الإنتباه فإهتمام الإستعلامات العامة بهذا المجال يجب أن يكون كبيرا و فعالا يجبر هذه المصلحة على مراقبة و متابعة كل الهياكل الثقافية و الجمعيات سواء كان ذلك سرا أو علنيا، ففي هذا المجال يجب على مصلحة الإستعلامات العامة عبر كامل التراب الوطني السعي جاهذة من أجل معرفة و متابعة كل المنشآت الثقافية و الرياضية التي لها علاقة مهما كان نوعها مع هؤلاء العملاء بفضل معرفة كل:
* ـ النشاطات العلنية و الخفية لهذه الجمعيات الثقافية و الرياضية.
* ـ مراقبة كل التجمعات و الملتقيات التي تقوم بها.
* ـ معرفة الإتجاه الفكري و الإيديولوجي و السياسي الذي تسعى إليه.
* ـ الطرق التي تتبعها في التأثير على المواطنين .
* ـ معرفة المصادر المالية و مصير الأرباح.
* ـ علاقاتها مع المنشآت الثقافية الوطنية والدولية.
كما أن معرفة كل هذه النقاط يساعد في التحكم الجيد في سير نشاطات هذه المنشآت و الجمعيات و بالتاليؤ شل كل مامن شأنه أن يؤثر على تطور البلاد و يخدم الأهداف الخفية لهذه الفيئات المدعمة من الخارج كما تم ذكره سالفا.
ـ المجال التاريخـــــي:
باعتبار التاريخ الذاكرة الحية و المرآة الحقيقية للشعوب بتراثها الماضي و الحاضر ، كان لزاما على رجل الإستعلامات العامة الحفاظ على هذا المكسب التاريخي و ذلك بالتصدي لكل الطوائف الدينية و السياسية التي تعمل دائما على تشويه سمعة الجزائر و تجريدها من تاريخها الحافل بالبطولات و الأمجاد و من أهم الديانات و الطوائف ، طائفة الديانة المسيحية التي قامت و لازالت تحاول جاهدة أن تقوم بغاراتها التنصيرية على الشعب الجزائري محاولة بذلك طمس الشخصية الوطنية و من بين الأساليب التي ينبغي على رجل الإستعلامات العامة اتباعها هي كمايلي:
* ـ مراقبة الكتب و المؤلفات المستوردة من الخارج و خاصة الكتب الدينية و التاريخية .
* ـ العمل على الحد من السياسة التعليمية المتبعة حاليا من طرف الكنائس و فروعها في مناطق تواجدها و لو بصفة خفية.
* ـ معرفة الأهداف الخفية و الظاهرة للفئات التبشيرية .
* ـ مراقبة تحركات القساوسة و الرهبان في الأوساط الإجتماعية.
* ـ متابعة إتصالاتهم و نشاطاتهم و تنقلاتهم داخل وخارج الوطن .
و من خلال ماسبق ذكره ، بات لزاما على رجل الإستعلامات العامة السهر و اليقظة على مراقبة هذه الفئات التبشيرية عن كثب و معرفة مدى خطورتها و تأثيرها على التاريخ الجزائري الذي يعتبر إحدى دعائم المقومات الوطنية الذي يعمل للمحافظة على هوية الشعب الجزائري.
ـ المجال الأمنــي:
ـ يعتبر هذا المجال من أهم مجالات المواجهة لهذه الظاهرة الخطيرة التي أصبحت تهدد البلاد خاصة في السنوات الأخيرة أو مايسمى بالعشرية السوداء في الجزائر ، فإذا كانت الدولة في هذه السنوات قد سخرت كل الوسائل المادية و البشرية و المعنوية لمحاربة التطرف الديني و الإرهاب ، مما ساعد على إنتشار المسيحية في الجزائر بكثرة فإهتمام الدولة بمحاربة المد الأصولي جعلها تغفل عن الزحف التنصيري حتى و إن كان تأثير هذه العشرية على رجال الدين المسيحي سلبي في بعض المناطق إلا أن التأثير الإيجابي كان واضحا بالنسبة لهذه السنوات لصالح البعثات التبشيرية مستغلة غفلة السلطة عن هذا المجال ، فإنتشار المسيحية يشير إلى وجود خلل في المجتمع و أن إنتشارها ليست نتيجة لتقصير جهاز الأمن الوطني فحسب بل هو حصيلة لخلل في كل هياكل المجتمع أو هو كنتيجة من نتائج العشرية السوداء كما سبق ذكره ، و إن كان جهاز الأمن أقدم أجهزة الدولة على تتبع و تلمس و تكوين و نمو الخلايا التمسيحية في الجزائر إن صح التعبير في جسد المجتمع كله فدور رجل الإستعلامات العامة يتمثل في إلقاء الضوء على كافة مجالات و أشكال إنتشاره و تحديد الجهات التي تعمل على تنصير الجزائريين و هذا مهما كانت الظروف لأن لكل أفة تأثيرها في السير الحسن لحركة التطور و الإزدهار في البلاد.
ـ فدور الإستعلامات العامة في مثل هذه الظروف هو التعرف على كل العلاقات و التقرب أكثر من كل الفئات من أجل التعرف على أفكارهم و تقديم التقارير و الإحصائيات إلى السلطات و أجهزة الإعلام حتى يتسنى لهم التصدي لها و الحد من زحفها و القضاء عليها و هي في مهدها.
* ـ الصعوبات و العراقيل .*
ـ من أهم الصعوبات و العراقيل التي واجهتنا خلال بحثنا هذا هي :
* ـ عدم توفر المراجع خصوصا في ميدان الإستعلامات العامة ، مما جعل مصادرنا محددة جدا في جمع المعلومات .
* ـ ضيق الوقت و عدم تناسبه مع طبيعة البحث .
* ـ عدم توفر فرص و أوقات للإتصال بمكتبات خارجية من أجل إثراء الموضوع أكثر و هذا ماجعلنا نعتمد بصفة كبيرة على المجلات و الكتب المتوفرة بمكتبة المدرسة .
* ـ الإقتراحــــــــات .*
ـ من خلال ماتطرقنا إليه في بحثنا ، خصوصا في دور الإستعلامات العامة في مجالات الحد من ظاهرة التمسيح في الجزائر ، تعرفنا على بعض الصعوبات و العراقيل التي تعترض رجل الإستعلامات العامة في أداء مهامه لمكافحة هذه الظاهرة ، أرتأينا أن نقدم بعض الإقتراحات لذلك و هي :
* ـ لفت إنتباه مختلف مصالح الشرطة بصفة عامة و الإستعلامات بصفة خاصة إلى خطورة هذه الظاهرة .
* ـ تزويد مكاتب التكوين بكتب و مواضيع تعالج هذه الظاهرة .
* ـ تكوين رجل الإستعلامات العامة و تزويده بمختلف الوسائل التقنية العصرية التي تسمح له بمواكبة تطور الطرق التبشيرية و بالتالي كشف نواياها.
* ـ توفير مراجع تتناول افستعلامات العامة في مكتبات مدارس الشرطة .
* ـ إعطاء الوقت الكافي لإنجاز البحوث حتى يتسنى الإلمام بجميع جوانب البحث.
الخاتمــــــة.
ـ إن ميادين الإستعلامات العامة شاملة و متنوعة و لايمكن حصرها في مجال من المجالات ، فنشاط هذه المصلحة ودورها في مكافحة ظاهرة التمسيح في الجزائر ، يتوقف على مدى إستيعابها لأساليب و طرق التبشير التي هي وليدة لبعثات محكمةو ناتجة عن مجتمعات نجهل في كثير من الأحيان إتجاهاتها الفكرية و الإيديولوجية و السياسية و متنوعة المصادر و الأديان التي تسخر إمكانيات و أحوال ضخمة من أجل الوصول إلى نتائجها الخفية كما جاء في بحثنا هذا .
ـ و كما نعلم فإنه يتصدر في الجزائر هذه البعثات بعثات التمسيح و التنصير التي هي ليست وليدة الصدفة ، بل هي إمتداد لأحقاد عرقية و دينية متعاقبة بتعاقب الأجيال و عليه فالسعي إلى المساس بالشعب الجزائري و الدين الإسلامي لن يتوقف و لن ينتهي عند حد معين مصداقا لقوله تعالى " لن ترضى عنك اليهود و لا النصارى حتى تتبع ملتهم ".
ـ و إذا كان الأمر كذلك فإن صعوبة دور الإستعلامات العامة في الحد من هذه الظاهرة يزداد بتزايد التنوع في الطرق و الأهداف ، خاصة في ظل التطورات التي يشهدها العالم المعاصر ، و كل هذا يحث الدولة على أخذ الظاهرة بعين الإعتبار ، مسخرة كل الوسائل المادية و المعنوية التي تساعد الإستعلامات العامة على مسايرة التطور في الطرق التبشيرية العصرية ، لأن مراقبة هذه الظاهرة و التحكم فيها يبقى محدود ، رغم كافة الجهود المبذولة من طرف مصلحة الإستعلامات العامة في ظل ما يسخر لهذه الحملات التبشيرية من إمكانيات مختلفة.
المراجــــع
الكتـــب:
ـ أحمد رضا بيك ـ وثائق عن الحروب الصليبية.
ـ عبد الرحمان الجيلالي ـ تاريخ الجزائر العام(الجزء الثاني).
ـ سيد قطب ـ معركة الإسلام و الرأسمالية.
ـ محمد الغزالي ـ قذائف الحق.
ـ شارل جينيز ـ المسيحية و نشأتها و تطورها ( ترجمة الدكتور محمود
عبد الحليم ).
الأنترنيت :
ـ مجلة الأصالة ـ مقال ـ الشيخ المهدي البوعبدلي ـ العدد 08 من شهر جوان عام 1972 ص 305 ـ 320 .
ـ مجلة الأصالة ـ مقال ـ الأستاذ بوعزيز يحي ـ العدد 33 من شهر ماي عام 1976 ص29.
ـ مجلة الأصالة مقال الأستاذ تميمي عبد الجليل ـ العدد 30 من شهر جانفي 1976 ص 49 ـ 61 .
الجرائــــــــد:
ـ جريدة " اليوم " الوطنية ـ العدد الصادر في 09/04/2001 .
المحاضرات :
ـ محاضرة بقلم أبو زكريا ـ عميد النادي الثقافي العربي حي السويد حول تفاقم ظاهرة التنصير في الجزائر.
ـ لقد أنتهت المسيحية في أوروبا وأمريكا إلى أن تصبح راية قومية تتجمع تحتها جموعهم لا عقيدة دينية كما هي طبيعة المسيحية و هم يتنادون اليوم باسم حماية الحضارة المسيحية ، لا يقصدون العقيدة المسيحية كديانة بل يقصدون الأمم المسيحية كأوطان و قوميات و المسيحية جميعا و هذا مايفسر الإنحلال الخلقي والإجتماعي الذي يتزايد في محيط البلاد المسيحية منافيا لكل تعاليم المسيحية الحقة في الوقت الذي ترتفع فيه الدعوة باسم الحضارة المسيحية .
بينما نحن غافلين في أسيا و إفريقيا لا ندرك ضخامة الجهود التبشيرية التي تبذلها أوروبا و أمريكا لنشر المسيحية في أرجاء العالم كله في مجاهله و معموره على السواء ، كما لاندرك أن للكنيسة الكاثوليكية وحدها نحو أربعة ألاف بعثة تبشيرية تنتشر في أنحاء الأرض وورائها الأموال الطائلة و الضخمة التي لا تنفذ.
و هذه الجهود لا يقومون بها المبعثون وحدهم بل تعتمد كل الإعتماد على المواطنين في البلاد الأخرى و تتخذ لها طرقا و عنوانات شتى و تتزيا بأزياء كثيرة ليس الزي الديني إلا واحد منها و تقوم الحكومات بتشجيع هذه البعثات و تؤيدها ، لأنها ترمي من وراء المسيحية إلى أهداف سياسية و إقتصادية و ما المسيحية عندها إلا علما قوميا ينتشر ظله في هذه الأصقاع كلها ، كما أسلفنا ذكره.
إن هذه السياسة التي زاد في وبالها إنتسابها للكنيسة و تضاعف قبحها لصدورها على أناس يقاوموننا باسم الدين و هم لا دين لهم خاصة و نحن نعلم أن دعوى الدفاع عن مصالح المسيحية في العالم العربي و حمايتهم ماهي في الحقيقة إلا قناع كاذب يخفي وراءه البواعث الحقيقية لهذا الصنيع و هي الرغبة في إخضاعنا لسلطانهم و إستنفاذ موارد ثروات بلادنا .
و إذا كان الدين الوحيد الذي يقف في وجه هذه الجهود هوالإسلام وحده ، كما تقول تقريراتهم و كما يفصح أحيانا بعض الصرحاء منهم ، فإن للجزائر حضها الوافر من هذه الجهودات و الحملات التبشيرية التي تمتد جذورها إلى ماقبل دخول الإستعمار الفرنسي للجزائر ، فموقع الجزائر و ثروتها إضافة إلى ديانتها للإسلام جعلها تكون إحدى أهم النقاط الحساسة في مخططات الغرب التي صممت ضد العرب و الإسلام و إذا كانت الجزائر إحدى أهم محاور التنافس عند الغربيين كان يجب التوغل في أوساط مختلف شرائح المجتمع و هذا ليس بالأمر الهين كما نعلم فكان التبشير إحدى أهم الطرق التي أتبعت من طرف الغربيين و دعمت من قبل الإستعمار الفرنسي و هذا بغية المساس بالمقومات الشخصية الوطنية الجزائرية في أهم أعمدتها ليسهل طمسها ، و لم تتوقف الحملات التبشيرية بخروج الإستعمار بل بقيت و ماتزال الجهود تتضاعف من أجل تمسيح أكبر عدد ممكن من المواطنين و خاصة فئة الشباب مستغلين الأزمة المعاشة في البلاد و المشاكل التي تعترضهم في حياتهم اليومية ، و هذا ما أثبتته الدراسات والإحصائيات المتوفرة و كل هذا من أجل تحقيق أهداف خفية و مسطرة تحت ستار المسيحية التي تعتبر أحد منافذ المراقبة و الأساليب غير المباشرة للبقاء في الجزائر وشل عجلة التطور فيها ، و إذا كانت الشرطة في إطار كافة النظم السياسية هي الجهاز المكلف بحماية أسس الجماعة و كيانها من أي عدوان يهددها أو يقع عليها فإن واجب الشرطة الجزائرية في حمايتها من هذا النوع من العدوان و الذي يجعلنا نتسائل عن الدور الذي تلعبه الإستعلامات العامة في حماية الجزائر و مدى أهميتها في حماية مقومات الشخصية الوطنية الجزائرية و الدفاع عنها من حملات التمسيح التي أصبحت تهدد بلادنا في كافة ربوعها و قد تعرضنا في موضوعنا هذا للإجابة بكل توضيح على هذه التساؤلات المطروحة إلى ثلاثة مباحث أرتئينا فيها الإجابة إلىحد ماعلى تسائلنا هذا .
ـ حيث تناولنا في مبحثنا الأول المسيحية بصفة عامة أين حاولنا من خلاله توضيح المفهوم الحقيقي لهذه الديانة انتطرق في المبحث الثاني إلى المسيحية في الجزائر و الذي عالجنا فيه ظهور التمسيح في الجزائر موضحين السياسة التمسيحية في الجزائر و لفت الإنتباه إلى الطرق المستعملة في هذه الحملات التمسيحية للنتقل إلى التنبيه لتفاقم هذه الظاهرة ، أما في مبحثنا الثالث فتعرضنا بصفة وجيزة إلى الدور الذي تلعبه مصلحةالإستعلامات العامة في مواجهة ظاهرة التمسيح في الجزائر مبرزين أساليب المواجهة و التي أعددنها في عدة مجالات و هي المجال الديني ، الثقافي ، الإجتماعي و التاريخي .
المبحث الأول : المسيحية
المطلب الأول :
نبذة تاريخية عن المسيحية :
ـ نشأت المسيحية في الشرق و منذ نشأتها و ظهورها كانت تواجه جبهتين الوثنية و اليهودية حيث كانت روما على رأس الجبهة الأولى و كان زعماء الأمة اليهودية على رأس الجبهة الثانية و لم تتفق هاتان الجبهتان مرة إلا على محو المسيحية ، فقد كانتا على إصطدام دائم بالسيوف و الحراب و حين ظهرت المسيحية لتدعو إلى المحبة و التعاون و التوبة هب زعماء الأمة اليهودية إلى صلب المسيح وحملوا ممثل روما على تصديق حكمهم إذ أوهموه أنه المسيح يرجوا الحكم و يريد الملك على اليهود و لا ملك إلا للقيصر .
و من هنا بدأ عهد الإضطهاد و التعذيب و القتل حيث كان كان يقتل و يعذب كل من يؤمن بالمسيح و يحمل رسالته . فقد قتل بولس و بطرس في روما عاصمة الوثنية و قتل اسطفانوس و يعقوب في أورشليم عاصمة اليهودية .
و دامت هذه الحقبة ثلاثمئة سنة أي حتى أنتصار قسطنطين و إنتقاله إلى بزنطية عاصمة الإمبراطورية الجديدة .
و رغم الإضطهاد الذي عرفته المسيحية خلال هذه المرحلة إلا أنها عرفت مرحلة من العمل نظمت فيها نفسها و شؤونها فأنشأت الكنيسة وهذا من أجل خدمة المؤمنين المسيحيين و معالجة شؤونهم الروحية و الزمنية و إيجاد جهاز متماسك مسؤول منضبطيراعي المصالح و يتصدى للمشاكل التي يواجهها المسيحيون .
كما ظهرت أعمال كثيرة سميت بالعهد الجديد يحتوي على أناجيل متى ومرقس و لوقا و يوحنا ، كذلك أعمال الرسل و الرسائل و الرؤيا و عددها جميعها أي جميع الأسفار سبعة و عشرون .و نجد أيضا إنجيل العبرانيين و إنجيل بطرس ، إنجيل نقوديمس ، إنجيل الطفولة و أعمال بولس و تاريخ يوسف النجار .
المسيحية نشأتها و تطورها ـ تأليف شارل جينيز ـ ترجمة الدكتور عبد الحليم محمود
منشورات المكتبة العصرية ـ بيروت بتصرف .
في هذه الحقبة أيضا برزت القافلة الأولى من أولئك الذين عرفوا باباء الكنيسة و أنشئت كذلك مراكز و نقاط تجمع و كنائس في اورشليم و أنطاكيا وأقسس و روما و في أنطاكيا سمي المسيحيون بهذا الإسم لأول مرة،وقد إنتشرت المسيحية بنسب متفاوتة في فلسطين والجزيرة العربية و مصر و سوريا و شمالي إفريقيا وآسيا الصغرى و اليونان و بعض أجزاء أروبا و فارس و الهند.
وعندما إنتصر قسطنطين على خصمه ماكسانس إنتقلت المسيحية الى مرحلة جديدة حيث أصدر الإمبراطور قرارا عرف في التاريخ " بأمر ميلانو " و استنادا إلى هذا القرار أصبحت المسيحية دينا مباحا بين الأديان المباحة الأخرى . و سادت المسيحية خلال هذه المرحلة في ظل الإمبراطورية و بعد إنقضاء ثلثي قرن على قرار قسطنطين مات الإمبراطور تيودوسيوس عن وصية قسمت الإمبراطورية إلى قسمين على كل من ابنيه هو نوريوس و له الإمبراطورية الشرقية و عاصمتها القسطنطينية و إبنه الثاني أركاديوس و له الإمبراطورية الغربية و عاصمتها روما و قبل وفاة الإمبراطور كان قد أصدر أمرا صريحا إلى شعب الإمبراطورية يفرض عليه إعتناق الدين المسيحي واعتبر الوثنية دينا غير شرعي و غير مباح . و لم يمض وقت طويل حتى بدت المسيحية مرتبطة المصير بمصير الإمبراطورية و أصبحت في حمى السلطة زمنيا و سياسيا كما أصبحت السلطة في حمى الكنيسة روحيا و دينيا ، غير أن سلامة الإمبراطورية كان يهددها خطران .
واحد في الشمال مؤلف عن مجموعة شعوب الأصول مختلفة الأنساب وهم البرابرة وواحد من الشرق وهوإمبراطورية الفرس الساسانيين هذا ماأدى إلى ضعف الإمبراطورية و سقوطها بل بزوالها بعد ألف سنة من الشموخ خصوصا بعد الضربة القاضية على الإمبراطورية الغربية التي تلقتها حين أنقضى البرابرة الجرمانيون بقيادة أدواكر على ماتبقى من الإمبراطورية و أبادوها وأسروا الإمبراطور الولد . إلا أن هذا السقوط و الإنهيار لم يؤثر على المسيحية فقد كانت هذه المرحلة بالنسبة لها مرحلة عمل علني توجيهي فقد كان لها رجال و مؤسسات و أفراد و جماعات يعملون على نشر وتوسيع المسيحية و توجيه المؤمنين كما أن هذه المرحلة عرفت أحداث كثيرة منها إكتشاف خشبة الصليب و التي أكتشفتها القدوسية هيلانة أم الإمبراطور قسطنطين و ظهرت كذلك خلال هذه الحقبة بدع كثيرة تثبت ألوهية المسيح أو تنفيها منها بدعة دوناتيوس ، بدعة أريوس ، بدعة ماني ، بدعة نستوريوس ، بدعة الطبيعة الواحدة و في القرن الرابع توضحت و حددت نهائيا سلطة أسقف روما بما ترمز إليه و تجسده كلمة " بابا " الحالية ، و أنتشرت كذلك الرهبنة و الأديرة على نطاق واسع أي سقوط الإمبراطورية الغربية جعل شعبها يعيش في فوضى و فراغا في السلطة و مازاد الأمر صعوبة و تعقيدا هو أن الكثرة الساحقة للقبائل البربرية التي استولت على الإمبراطورية كان معظمها قبائل أريوسية و لم يكن هناك من حل إلا أن تمزج تلك القبائل بشعوب الإمبراطورية الأصلية العريقة بغية الإنصهار جميعا في عائلة إجتماعية واحدة و هنا كان للكنيسة دور فعال و ناجح في إنشاء نظام جديد يقوم على الإمتصاص المتبادل .
و نجد أيضا أن هذه الفترة الزمنية التي عاشتها المسيحية عرفت أحداث وتغيرات عديدة و من أهم الأحداث ظهور الدين الإسلامي خلال القرن السابع و الذي يدعو نبي عربي من أرض الجزيرة العربية و أنتصرت جيوشه على جيوش البزنطية فسلخت عن سلطانها سوريا و العراق و مصر و إفريقيا و إسبانيا.
و من بين الأحداث كذلك التي دارت خلال هذه الفترة و هو ظهور صور المسيح أو مايعرف بالإيقونات و هذا ماأحدث مشكل خطير يهز أركان الإمبراطورية بعد المد و الجزر و مآسي و مجازر دامت 120 سنة أنتهى النزاع و عادت الصور التي لم تمزق و تحرق إلى أماكنها . كما خاضت المسيحية الحروب الصليبية ضد الإسلام لإنقاذ الأماكن المقدسة و قد شهدت هذه الفترة إحترام فائق للشعائر و الذخائر و تميزت بالتقوى و التعبد و قوة الإيمان . و لم يمنع ذلك من ظهور مشكل أخر بين الكنيسة والملك يتصارعان حول أولوية الحكم و لمن الملك البابا أم للملك .
و شهدت هذه المرحلة كذلك حدثا إستمر 39 سنة و هو شقاق الغرب و أدى هذا الشقاق إلى إضعاف السلطة البابوية و التقليل من شأنها و قد ترتب على ذلك نتائج مسيئة إلى الكنيسة و سلطانها و بالتالي المسيحية و في الشرق زحف الأتراك إلى أوروبا الشرقية و هكذا سقطت القسطنطينية دون أن تمد لها روما يد المساعدة في الأخير فإن المسيحية الحاضرة أنفصلت عن مسيحية المسيح عيسى عليه السلام حيث أن هذه الأخيرة كانت في غاية البساطة فقد كان السيد المسيح يعلن التوحيد و يعلن أنه عبد الله و رسوله ، كما أنه محدد في رسالته لبني إسرائيل و قد كانت هذه الرسالة قائمة على التوحيد يدعو إلى الرحمة و المحبة و التعاطف و لم يدخل قط في تفاصيل العقائد و كان يؤمن أنه نبي من أنبياء بني إسرائيل .
أما المسيحية الحاضرة بكل مافيها من عقائد و طقوس و شعائر فإنها غريبة و بعيدة كل البعد عن رسالة المسيح عيسى عليه السلام ، حيث أنها بدأت في الإنفصال منذ أن دخلها القديس بولس و يظهر هذا الإنفصال في عقيدة بنوة المسيح الناتجة عن خطأ في ترجمة كلمة (عبدالله) التي كان يقولها المسيح عليه السلام . فما كان أمام القديس بولس إلا أن ترجمها إلى كلمة ( طفل ) أو كلمة ( خادم ) و إختار القديس كلمة طفل أي ( طفل الله) ، و كان لذلك تغيير هائل في المسيحية و في الفكرة الدينية عن صورة الإلاه في الفلسفة عامة و في الدين المسيحي خاصة .
تعاريـــــــف
المسيحيـــــــة:
لغة : تمسّح بمعنى لبس المســـوح.
أي لبس ثياب الرهبنة ليتميز به عن غيره.
المســوح: هي الملابس التي يرتديها الإنسان لطقس من الطقوس أو عادة من العادات
المسيــــح: هو الرجل السائح في الأرض كثيرا
و اسم مفعول للفعل ســاح ، مسيــوح ، مسيــح .
إصطلآحـــــــا :
المسيحية دين سيدنا المسيح عليه السلام القائم على الثالوث اللّه، المسيح ، والروح القدس و هو أيضا دين النصارى .
النصرانية : هي دين النصارى ، و تنسب المسيحية للنصارى فتسمى النصرانية والنصارى هم قوم عيسى عليه السلام .
التبشيـــر: هو نشر تعاليم سيدنا المسيح و الدعوة إليها باعتبارها طرائف تخلص الإنسان من الخطايا و الدنس و الذنوب .
الكنيسة : الكنيسة ليست دينا من روح أو بيوت صلاة و عبادة أو كهنة و خادمي كلمة تقتصر رسالتهم على الصلاة و إقامة الذبائح فحسب .
و إنما هي في واقعها الحقيقي الشامل تلك المجموعة الفريدة من المؤمنين رجال كهنوت وعلمانيين الذين عبأوا قواهم و مؤهلاتهم و إمكانتهم للكفاح و القتال ، لامن أجل الإيمان فحسب أو من أجل شأن روحي فقط ، بل من أجل محو البأس و الفقر و المرض و الجهل و اليأس ، لذا أنتشرت المعاهد و المدارس و المستشفيات و المياتيم ( المآوي) حيث يقبل المرضى و الأيتام و العجزة و الفقراء المحرومون فيجدون غراءا و عطفا و محبة فهي تعالج الروح و الجسد على حد السواء .
و الكنيسة ليست الأب الأقدس و الكرادلة و الأساقفة و هي ليست مجرد قوانين و أنظمة ووصايا ، إنما في الأساس مجموعة من المؤمنين من أجلهم كان البابا و الأساقفة والقوانين و الوصايا .
الكاهـــــــــــن : أعطي الكاهن سلطان مغفرة الخطايا و سلطان إجلال جسد المسيح يجعل من نفسه رقيب على نفسه و يبذل جهودا متواصلة ليتمكن من أن ينتصر على ذاته في كل محنة و يزن كل كلمة يقولها و كل خطوة يخطوها فهو الداعي و المرشد و الدليل الروحي ، خلاص الأنفس مرتبط به ، فالكاهن يلقي بنفسه في خضم هذه الحياة ليكون في طليعة الربانية ، فيتحمل الجزء الأكبر من مسؤولية القيادة الروحية و الخلقية و الإجتماعية فينتقل كلمة اللّه و رسالة المسيح و يجهز ضمائر المؤمنين و خواطرهم ليساهم في تخفيف ألامهم و حل مشاكلهم و يعمل على توجيههم في طريق المحبة و الإيمان و الرجاء .
المطلب الثانـــــــــــــي
المسيحية كدين مستقــــــل:
ـ لقد ظهرت المسيحية منذ القرن الأول في ثوب الديانة الشرقية الجامعة بين الرومنيات وبين الشعائر العملية ، إذ كانت تعتمد من ناحية على الإلهام الإلاهي و على الوعد ( الخلاص ) و الخلود عن طريق شفيع أعظم و تسعى من ناحية أخرى إلى إنشاء حياة جديدة على الأرض ، حياة كلها حب و فضيلة ، فكان من المربح أن تجد قبولا لدى هؤلاء القوم الذين يتطلعون إلى نفس الأمال التي جاءت بها غير أن مارأه الناس من تمسك المسيحية بعقيدة لا تميل إلى مزجها بما يحيط بها من عقائد كان من شأنه في البدأ أن يعرقل من إنتشارها قبل أن يأدي في النهاية إلى ضمان ومساعدة هذا الإنتشار ، فقد أبدت المسيحية أحجاما ظاهريا عن كل ما من شأنه التأليف بينها و بين الأديان الأخرى ، إلا أنها كانت لا تزال غاية في المرونة الفتية بحيث تستطيع إستقبال النزاعات الدينية و الشعائر المنتشرة إنتشارا واسعا التي تلاقيها في العالم اليوناني الروماني فندمجها في عقيدتها و شعائرها ، و يكاد يكون ذلك دون إدراك منها.
إن المسيحية في مقتبل القرن الثاني تظهر لنا في دين مستقل ، يدرك أصحابه تماما إنفصاله عن اليهودية أي كانت عناصره لم تزال بعيدة عن الإنسجام كما لم تخرج طقوسه و تنظيماته عن الطور البدائي ، و كانت هذه المسيحية منذ ذلك الوقت قد إبتعدت كثيرا عن الأفكار التي جاء بها عيسى و الحواريون و أصبحت تتجه إلى بني الإنسان جميعا دون تفرقة بين الأجناس أو الطبقات الإجتماعية لدعوتهم إلى حياة الخلود.
قد انتصرت المسيحية على سائر ألوان التأليف الديني الوثني في القرن الثالث ذلك أنها كانت قد تطورت هي الأخرى إلى تأليف ديني تجتمع فيه سائر العقائد الخصبة و الشعائر الجوهرية النابعة من العاطفة الدينية الوثنية ، قامت هي بترتيبها وتركيبها و أضفت عليها الإنسجام الذي تفتقر إليه بحيث استطاعت أن تقف بمفردها أمام أشتات المعتقدات و الشعائر التي يأمن بها أعدائها دون أن تظهر ضعفا أو نقصا عنها في أي من المجالات الهامة .
و إذا تأملنا الكنيسة المسيحية في مقتبل القرن الرابع فإنه يتعضر علينا أن نجد صورة من صور مجتمع الحواريون فبدلا من جماعة محدودة من اليهود لا يفرق بينهم و بين باقي أمته سوى أمل خاص و ترحيب بالمتتلمذين عليهم من الوثنيين يفوق ترحيب اليهود عامة بدلا من ذلك نجد مجتمعا دينيا واسع النطاق يدخل فيه دون تمييز لجنس أو طبقة معينة ، مجتمعا يدرك تماما أنه يشكل وحدة متكاملة و أنه هو الأمة المختارة . كما وجدت الوسيلة الناجعة للتخلص من الشعائرالعملية التي تفرضها الشريعة اليهودية مع الإحتفاظ بالعهد القديم كتابا مقدسا ، و على أساس من المبادئ الجوهرية أنشأت مجموعة عقائدية جديدة بالغة التعقيد إعتمدت في صلبها على شخصية المسيح التي نمت من حولها النظريات حتى تم توحيدها باللّه و قد خرجت هذه المجموعة العقائدية على الناس في صورة ماسمي ب: " شروط الإيمان " التي أقامها المختصون من ذوي السلطة بناءا على الأراء الغالبة ، و بعبارة أخرى أصبحت المسيحية دينا حقيقيا بل أكمل الأديان إذ ذاك لأنها تبنت من كل دين خير ما وجدته لديه ، و كانت أيضا أكثر الأديان ترحيبا بالوافدين إليها ، وأكثرها إيحاء بالصبر و السلوى ، ثم أيضا أكثرها قربا من الخصائص الفطرية للإنسان ، بحيث يجد البسطاء من القوم أنفسهم مندفعين إلى الإيمان بها و إن لم يدركوا مفاهيمها و إلى إطاعة ذوي السلطة في تنظيمها و إن لم يحاجوهم في الرأي ، و ذلك حتى يضمنوا الخلاص و الخلود ، كما يجد الفيلسوف في عقائدها مادة لا تنتهي للتأمل و التفكير .
و مع كل ما إمتازبه هذا الدين من تيارات تأليفية عميقة ، فإننا نرى لديه تعصبا قويا عنيفا ، تعصبا لا يقهر ، فهو لا يقبل مشاركة أتباعه في دين أخر بأية صورة من الصور و هو لا يقبل أية منافسة و أدت هذه النزعة الجوهرية في طبيعته إلى إقامة عقبات بالغة الخطورة أمامه ، و نخص بالذكر عداوة الحكام و المجتمع المدني كله ، و لكنها اتيهت أخيرا إلى تثبيت أقدامه و ضمان إنتصاره.
و قبل أن نحاول تفهم الصراع بين المسيحية و بين الحكام والمجتمع ذلك الصراع الحاسم في طبيعته و نموه و أبعاده و نتائجه ، يجب علينا أن نحلل عن كثب و أن ندرس في مجال الواقع ظاهرتين اساسيتين و هما أن دين المسيح و نعني به الدين الذي يتخذ المسيح أبها خاصا به ، ثم إنه إلى جانب هذا قد تطور فأصبح مجموعة عقائدية و مذهبا للعقيدة ، بعد أن كان في بدايته أسلوب حياة .
المطلــــــب الثالــــــث
الدعاية المسيحيــــــة
تحتل الهيئات التبشيرية المسيحية الدور الأول بين أولئك الذين يقومون بالدعاية المضادة للإسلام في البلدان الإسلامية و لهم في ذلك تاريخ طويل ، فهم و مع بدء الدورة الإستعمارية لأوروبا بدأوا هجومهم ضد الدول الإسلامية ، حيث وصلت نشاطاتهم إلى ذروتها عندما تسلط المستعمرون على تلك الدول و يتولى القيام بمثل هذا الدور ملايين من المبشرين عدد هذه البعثات التبشيرية يوما بعد أخر ، ففي بلدان العالم الثالث وحدها إزداد عدد هذه البعثات من 2400 بعثة عام 1972 إلى 1800 بعثة عام 1993 ، فللبروتستانت وحدهم في أكثر من 100 دولة من دول العالم 50000 مبشر ،وتنفق الولايات المتحدة وحدها سنويا 700 مليون دولار لنفس الغرض ، و على إثر هذه الدعاية إزداد عدد المسيحيين في جنوب أسيا 106 مليون شخص في عام 1890 إلى 75 مليون شخص في عام 1992 و على إثر هذه الدعا يات صار الدين المسيحي و الذي كان حتى بدايات القرن الحالي دين أمريكا و أوروبا ، و كان يتمركز 8 بالمائة من المسيحيين في هذه المناطق ، صار يعتبر الأن دينا عالميا ، حيث ينتشر بالمائة من أتباعه خارج أمريكا الشمالية و أوروبا
و في إفريقيا كان عدد المسيحيين لا يزيد حتى بداية القرن الحالي عن ملايين شخص أما اليوم فقد وصل عددهم إلى 224مليون نسمة ، وتخطط المنظمات المسيحية العالمية حاليا لا يصال صوتها إلى 240 مليون من أولئك الذين لم تصلهم الدعاية المسيحية حتى الأن و في هذا السياق أعلن البابا جان بول الثاني عام 2000 تسود فيه المسيحية جميع سكان إفريقيا ، إن الملفت للنظر أن أيا من الدول الإسلامية ليست في مأمن من الدعاية المسيحية ، ففي الباكستان هناك بعثات تبشيرية من أمريكا وكندا تنشط كل على حدة ، حيث تقوم بإرسال المطبوعات و البعثات التبشيرية إلى هناك حيث يبلغ عددها 80 بعثة ، و يعيش في الباكستان 04 ملايين مسيحي و يقوم هؤلاء المبشرين و بواسطة إمكانيتهم المالية بنشاطات و خدمات للفقراء في مجال التعليم والصحة لتهيئة الأرضية اللازمة لإستقطابهم و في إفريقيا هناك العديد من القساوسة الذين يعيشون و منذ عشرات السنين في أدغالها بين القبائل البدائية لتنصيرهم ، أو أن بعض المبشرين يتوغلون في مناطق لم يتسنى حتى لحكومتها إلى اليوم أن ترسم لها الخرائط التي تبين مواقعها ، أن هذه الأمور تستحق أن نقف عندها و نتأملها، فبالإضافة إلى المبشرين النشطين هناك 04 محطات بث إذاعية تدعو إلى الدين المسيحي ، أحدهما تعرف ب trans world و تبث برامجها ب: 70 لغة و محطة أخرى تعرف ب vatican radio تبث برامجها ب:50 لغة ، و لنفس الغرض يتم الأن تشغيل قناة تلفزيون عالمية و بذلك تتمكن المسيحية من تغطية العالم كله بالبث التلفزيوني .
عندما ندقق في هذه القضايا يتبادر إلى الذهن سؤال و هو : هل هذه الدعاية الواسعة هي لترويج الدين المسيحي فقط و لا هدف أخر هناك ، أم أنه ليست من المستبعد أن يكون هناك تحت ستار المسيحية من يحاول تمديد أهدافه الخاصة ، إن دراسة هذا الموضوع توصلنا إلىأن المراكز المسيحية و على إمتداد التاريخ كانت تسعى لتأمين مصالح التجارة و المستثمرين أكثر مهما تقوم بالتبشير منذ أيام الحروب الصليبية التي قامت وباعتراف المؤرخين بسبب تهديد المصالح التجارية لأوروبا خاصة " فينيسيا " و " جنوا " بعد سيطرة المسلمين على القدس و إغلاق الطرق التجارية بين أوروبا و شرق أسيا لقد كان الظاهر من عمل المبشرين الذين ذهبوا إلى الهند و أمريكا اللاتينية هو التبشير لكنهم جلبوا معهم المستعمرين إلى هناك ، إذن بالإستناد إلى تلك الشواهد يمكن القول ببساطة أنه و على مدى التاريخ كانت المسيحية و مبشيروها سندا و عونا و شريكا للمستعمرين ، و كانت تمهد أيضا الأرضية المعنوية لنمو الرأسمالية و هيمنتها في تلك البلدان ، إن قرأة المسيرة التاريخية للمسيحية هيأت كل ماكانت الرأسمالية تحتاجه في جميع مراحل تطورها و ذلك عن طريق الدعاية الدينية و لهذا فإن الكنيسة تعتبر جزءا من عملية نشوء الرأسمالية ، و في وقت قريب و في مرحلة خاصة من الحرب الباردة ولأجل مواجهة الشيوعية نلاحظ إنتخاب " بابا" للكاثوليك من بولونيا ، و بمساعدته يتمكن "ليش فاليزا" قائد الحركة العمالية في بولونيا من الفوز ، كذلك لا تتوانى المسيحية في سياستها من التعاون مع الصهيونية و القيام بمساعدتها ، لقد كانت المسيحية في أحسن أنواعها ليست إلا ردود فعل دينية أمام التمييز الطبقي و اللادينية و تجاهل العواطف الدينية في المجتمعات الغربية ، إذن فإن العدو الحقيقي للإسلام في الوقت الحاضر ليس المسيحية بل العدو الحقيقي للإسلام هو الرأسمالية ، و بشكل عام هو الثقافة الغربية والمسماة ب:" الليبرالية " و هذا لا يعني أبدا تجاهل المسيحية أو التغافل عن دورها أو التقليل من شأنهــــــا .
المبحث الثانـــــــــــي
المسيحيــــــة في الجزائـــــــــــــــــــــــر
المطلب الأول :
نشأة و تطور المسيحية في الجزائر عبر التاريخ .
المطلب الثانـــي:
سياسة التمسيح في الجزائر .
المطلب الثالث :
تفاقم ظاهرة التمسيح في الجزائــــــــر.
المطلب الأول :
نشأة و تطور المسيحية في الجزائر عبر التاريخ.
نشأتها و تطورها :
ـ كان مولد المسيح بن مريم رسول اللّه و كلمته في السنة الثالثة و الأربعين من ولاية الأمبراطور أغسطس 1 ببيت لحم في فلسطين و خلاصة تعاليمه عليه الصلاة و السلام ترمي إلى بث الرحمة في القلوب و ربط صلة المودة و المحبة بين الناس و إفشاء السلام و الإخاء ، و قد لقي أتباع هذا الدين السماوي من رؤساء الوثنية وممن يعتقدون العصمة في شخص الإمبراطور و ينزهونه عن عوارض البشرية من الإضطهاد مالا قوة ... و ذلك محافظة من هؤلاء السادة من نفوذهم السياسي و دفاعا عن مقاصدهم الشخصية الإنتفاعية فلقد اصاب المؤمنين من الوثنيين في سبيل تبليغ الدعوة ألوان من التنكيل و التعذيب ... و سارت قافلة المسيحية تبشر بهذا الدين في جميع الجهات التي وطئتها أقدامها و منها هذا الوطن الجزائري الذي طالما بحث أهله عما يخلصهم من الإضطهاد الروماني فبادروا حينئذ إلى إعتناق هذا الدين الجديد تخلصا من نير استعباد الوثنية و الوثنيين .
ـ بقي أمر هذا الدين بين أتباعه و خصومهم في مد و جزر حتى أستتب الأمر إلى الأمبراطور قسطنطين و استولى على عرش رومة سنة 312 م فاعتنق المسيحية و أعلى من شأنها في البلاد و جعلها دين الحكومة الرسمي و أمر ببناء المعابد و الكنائس في أنحاء الإمبراطورية الرومانية و أعلن برفض دين الصائبة وأصدر مرسوما أطلق عليه الناس يومئذ إسم " مرسوم ميلان " ، يمنح به الحرية المطلقة في
تاريخ الجزائر العام ـ تأليف عبد الرحمان الجيلالي
الإعتقاد و لقد عاشت هذه الحرية مدة حكم قسطنطين إلى حد ما و ذلك عندما كان هذا الأمبراطور في نفس الوقت حاميا للمسيحيين .. و لكن الرومان بعد ذلك أصبحوا كلهم يدينون بالمسيحية في القرن الرابع ، لم يلبثوا أن ألغوا تلك الحرية الممنوحة على قسطنطين و أحدثوا قوانين صارمة للضرب بها على أيدي الوثنيين و المارقيين ( و هم في نظرهم القوم الذين لايرون ماتراه السلطة القائمة يومئذ من رأي ).
و إذا كان اليهود الأسعدون حظا من الوثنيين قد أحتفظوا بحقوقهم الدينية في مزاولة عبادتهم ، فإنه قد حظر عليهم أن يتزوجوا المسيحيات أو يفتحوا معابد جديدة لهم و من خالف هذا حكم عليه بالإعدام ، كما قد حظر عليهم أيضا تهويد المسيحي و إلا عوقبوا بنفس العقوبة و رغم هذه المحاولات و التشديدات كلها فإنه قد دخل على الدين المسيحي من عوائد الوثنية و غيرها ما أمتزج به في أغلب مظاهره و حدث القول بالتثليث فقبله و رفضه جماعة كان على رأسهم القس الراهب أريوس الإسكندراني المولود سنة 270 م و المتوفي سنة 336م ، كما أشتهر بينهم يومئذ مذهب الراهب دون الذي دعا إليه سنة 305م بمدينة كازنوار ـ الديار السود ـ بالقطر الجزائري شمال أوراس ـ و كان يزعم أن مذهبه هو المذهب الوحيد الذي يمثل العقيدة الصحيحة فإختلفت يومئذ كلمة أتباع المسيحية و أضطربت عقيدتهم فيما بينهم ، فدعا الأمبراطور قسطنطين إلى عقد مؤتمر ديني لتقرير العقيدة الرسمية و توحيد الكلمة بين النصارى جميعا فكان يومئذ مؤتمر نيقية 1 من بلاد الروم سنة 325م و هو أول إجتماع عقده رؤساء المسيحية في العالم ، اجتمع فيه ما ينيف عن ألفين و ثلاثمائة رئيس ديني و ذلك بحضور القيصر قسطنطين نفسه و كتبوا في ذلك وثيقة سموها بعقيدة الأمانة و حملوا الناس عليها إعتقادا وعملا.
ثم إختلفت أنظار هؤلاء الرؤساء أنفسهم القائمين بتسيير دقة الدين بسبب إختلاف النظريات الفلسفية الدخيلة يومئذ على الدين و كان أول منعمل على مزج الدراسات الفلسفية بالتعاليم الدينية هو الفيلسوف أمونيوس الإسكندراني 241 م فتشعبت يومئذ المذاهب و تصارعت فيما بينها و أنتصبت محاكم التفتيش للحكم على أصحاب المذاهب المناقضة الأخرى و بطردهم من الكنيسة و حرمانهم و إفترقت النصرانية يومئذ إلى فرق و شيع و طوائف متعددة إنقسمت بها الكنيسة على نفسها ،إشتهر منها اصحاب هذه المذاهب الأربعة الملكانية melchites نسبة إلى ملكا الذي ظهر بالروم و استولى عليها و هو مذهب البابا بدرومة و عليه جمهور الملوك و الرؤساء النصارى و عامتهم و اليعقوبية momophgsites اصحاب يعقوب البرذعاني راهب القسطنطينية و هو مذهب غالب الأرمن و الأقباط و جميع الحبشة و النوبة و النسطورية ، أصحاب نسطور يوسن بطريرك القسطنطينية 428م و المتوفي سنة 450 م و هو المذهب الغالب على نصارى الموصل و العراق و خراسان و المارونية نسبة إلى الراهب يوحنا مارون 667م و مذهب قريب من المذاهب الثلاثة المتقدمة بل هو قريب الشبه من المذهب الكاثوليكي و لقد نشأ من ظهور هذه المذاهب تنافس بين أهلها و مشاحنات ومجادلات دينية و إضطهادات نشأت عنها مذاهب أخرى . و عن مثل هذا السبب نفسه نشات الفرق و الطوائف الإسلامية بعد ذلك و كثر النقاش و الجدل الديني الفلسفي واختلفت المذاهب الإعتقادية في علم الكلام و التاريخ يعيد نفسه .
و كان حظ الجزائر من هذه المذاهب المسيحية هو مذهب دونتون أسقف الديار السود (كازنوار) شمال أوراس ، فمنذ سنة 305 م ، أخذ هذا المذهب ينتشر بسرعة في كامل القطر الجزائريو رغم مقاومة السلطة له و ذلك لما أصرت عليه تعاليمه من مبادئ التحرير و قد كثر أتباعه حتى كادوا في سنة 330م أن يستحوذوا على أكثر كنائس إفريقيا ، فقد بلغ عدد المراكز المسيحية بها سنة 411م سبعة و ثمانين و مائة كنيسة منها 87 دوناتية و البقية موزعة و موقوفة على مختلف المذاهب الأخرى ، ثم أن أهل هذا المذهب نفسه أنشقوا إلى طائفتين اثنتين كانت احداهما مقيمة بمدينة تيمقادي ويعتبر هذا المذهب بحسب مبادئه الإعتقادية ثائرا على النظام الحكم السائد يومئذ بهذه الديار ، و طالما أصدرت الحكومة أوامرها الصارمة على أتباعه ، فلم يحفلوا لها و ما تمذهب الجزائريون بهذا المذهب الدنتوسي إلا أنهم كانوا يرون فيه خلاصهم اسر الإستعباد و الإستعمار و لما أحتوت عليه تعاليمه من الثورة على قواعد الحكم الإستبدادي و ذلك هو الغرض و السير فيها نراه اليوم و قبل اليوم من تدخل الحكومات المستبدة والدول الإستعمارية في شؤون الأديان و المعتقدات ووضع يدها على العناصر الحيوية الحساسة مثل ماشهدناه نحن في بلادنا الجزائرية من فرنسا و ذلك لما تتوجسه هذه الدول المستبدة من النهضة الجزائرية الدينية التحريرية و مما يملكه رجالها من نفوذ روحي عند الجمهور و هذا هو وجه انصراف الناس بأوقافهم وأحباسهم الى هذه الناحية الدينية حتى لايتوقف أئمة الدين وعلماؤه في معاشهم على أرزاق الحكومات ووظائفها وحتى يبقى الدين حرا طليقا ولكن أين توجد اطرية بأتم معناه اليوم ؟ ...وهل يبقى للأوقاف والأخباس عندنا اليوم حرمة ؟...
نهضة الجزائر التحريرية:ـ
مافتئت الديانة المسيحية تنتشر لتأخذ مكانها على مذهب ـ دوناـ بهذه البلاد حتى أخذ أتباع هذا المذهب الديني الوصي في مطاردة أهل المذاهب الأخرى ، فنشأت عن ذلك فتن وأموال أدت الى ضلع طاعة الرومان ونبذ سلطانهم وتعددت الوقائع يومئذ ، فانتهز المناوئون للدولة فرصة هذا النزاع وأخذوا في عقد إجتماعاتهم بمدينة تيمقادي وغيرها للنظر والتدبير في أحداث إنقلاب سياسي عام ، وهم في كل ذلك يتظاهرون بالبحث والنقاش الديني وقد كان على رأس هذه الحركة الثورية الرئيس الوطني فيرموس إبن الملك البربري نوبيل ، أحد زعماء زواوة وجرجرة ، فانحاز اليه أتباع مذهب الدوناتيست وإندلع لهيب الثورة الوطنية التحريرية في البلاد سنة 371م وكان ذلك في ظل التطور المذهبي الجديد وكان يبلغ عدد جنود فيرموس نحو ً العشرين ألفا ً جاءت كلها محاصرة للعاصمة بول القيصرية ـ شرشال ـ وشددت عليها الخناق حتى فتحها وأحرقتها وإستولت على مدينة الجزائر .
ونادت بإسم فيرموس ملكا على البلاد وكانت قبللا ذلك وقائع وثورات بنوميدية وموريطانية دامت نحو عشر سنوات (253 ـ 262 م) منها ماوقع من أهالي قبائل "البابار" القاطنة بمرتفعات (البابور) بين سكيكدة وقسنطينة الثائرين تنحت قيادة أربعة زعماء نوميديين إتخذوا في كفاحهم مع قبائل الحلف الخماسي وهي خمس قبائل متحالفة تقيم بين بجاية شرقا ومدينة دلس غربا وجبال جرجرة جنوبا والبحر الأبيض المتوسط شمالا وإنضم اليهم القائد ( فاراكس ) مع جنوده الأبطال القادمين من مرتفعات ناحية بلعباس وزحف هؤلاء المتحالفون بأجمعهم على نوميدية فغزوا أرضها وأخذوا معهم عددا كبيرا من الأسرى ، حتى أن القديس " سيبريانوس " كان مضطرا الى جمع مبلغ كبير من المال لإفتداء النصارى و على الأخص العذاري اللاتي كان يخاف عليهن من الإغتصاب .
و استمرت المعارك بنواحي سور الغزلان 255م و ناحية "لامور يسيير " سنة 257م و في حدود موريطانية الشرقية ، حيث قتل " فاراكس" سنة 259م ولم تخمد نار الفتنة إلا في سنة 262م .
و فيما بين سنتي 289 ـ 298م نشأت ثوارات أحرى بالقبائل دامت هي بدورها أيضا عشر سنوات و كانت الإضطرابات في هذه المرة أشد و أقوى من التي مرت قبلها ، فلقد أمتدت الحرب هذه المرة إلى الجنوب و شملت جبال الحضنة و هدم الثوار صور " جواب " و كادوا يحتلون مدينة بجاية ( صلروى) و لما عجز الإمبراطور "ديوكليسيانوس " عن إخماد هذه الفتن أستعان بالقيصر ( مالسيميانوس ) الملقب بهرقل فقدم هذا إلى إفريقيا ليقود حملة إضطهادية قبل الحلف الخماس 1 و يومئذ جاءت الحامية الرومانية بقيادة ثاودوسيرس الروماني فنزلت بمرسى جيجل 273م فإنضم إليها طوعا أوكرها " جيلدون " أفوفيرموس ، فكانت الدائرة على فيرموس بنواحي سطيف و قضى القوم على هذه النهضة التحريرية ، و إنعقد الصلح بين الرومان و فيرموس على هذه الشروط الأتية :
ـ تنازل فيرموس عن ملكه.
ـ منح مدينة الجزائر للقائد الروماني ثاودوسيوس.
ـ أداء أموال طائلة لهذا القائدأيضا.
ـ وضع رجال من الوطنيين رهنا تحت رقابة الرومان .
ـ و حينئذ أضاف الرومان إمارة إفريقيا بمغاربها الثلاث إلى جيلدون مكافأة على إنتصاره لروما و خيانته لأخيه و صاهره الأمبراطور أيضا في بيته و في هذه الأونة اختفى فيرموس بنواحي الشرق الجزائري ريثما سنحت له فرصة النهوض إلى المقاومة مرة أخرى ، ففعل فأخفق و لكنه لم ييأس فأعاد الكرة على العدو للمرة الثالثة وجاء يومئذ بعدد أوفر من الجند ، قضى بهم على قوة ثاودوسيوس الرومانية فإنهزم القائد الروماني هذا إلى ناحية عيون بسام و سعى هنالك في إرتشاء الملك " فليسة أيغماس" للقبض على فيرموس و لما شعر فيرموس بضعفة أمام جميع هذه القوات المحيطة به وأدرك أنه يروم أمرا معضلا أنتحر خنقا سنة 375م و لما يظهر إيغماس إلا بجثته فوجهها على بعير ( جمل ) إلى قائد القوات الرومانية .
و في سنة 395 م ثارت في نفس جيلدون عوامل الغيرة الوطنية وعصفت فيرأسه حفيظة الإنتقام لأخيه فيرموس المنتحر من أجل غليه الرومان عليه فنهض مطالبا باستقلال أرض الجزائر من الرومان فرماه هؤلاء بأخيه " مسيزل " الذي كان ملتجئا عندهم في رومة منذ إنتحار فيرموس و جاء مسيزل لمقاتلة أخيه جيلدون وكانت المعرك بينهم بين مدينة أميرة حيدرة و تيفيست تبسة فإنهزم جيلدون وفر هاربا نحو البحر فركبه متوجها إلى القسطنطينية و كان البحر يومئذ مضطربا فرمى بمركبه على شاطئ طبرقة فحطمه ووقع جيلدون في قبضة والي المدينة فسجنه و هنالك إنتحر جيلدون سنة 398م بعدما ملك 12 عاما فكانت عاقبته مثل عاقبة أخيه فيرموس و أخيرا كان جزاء مسيزل جزاء سينمار فألقوه الرومان أنفسهم في لجة نهر مخافة تأسيسه وإفتدائه بأخويه فيرموس و جيلدون في بث روح الثورة الوطنية في البلاد .
المطلب الثانــــي
سياسة التمسيح في الجزائر.
سياسة الغزو و الإدماج :
ـ صرح عدد من الشخصيات العسكرية و الدينية الفرنسية بأن إحتلال الجزائر وحده لايكفي فينبغي أن يدعم بإدماج الجزائريين في المجتمع الفرنسي من ناحية و تنصيرهم من ناحية أخرى وإن كان القائد " ذي بورمون " قد وعد في تصريح 05جويلية 1830 بعد إستيلائه على مدينة الجزائر بإحترام دينهم وعاداتهم و تقاليدهم و ممتلكاتهم ، فكشف الغطاء عن نواياه عندما أستقبل المرشدين العسكريين بمناسبة الإحتفال الديني الذي أنتظم بعد إنتصاره فقال " قد فتحتم معنا من جديد باب المسيحية في إفريقيا و رجاؤنا أن تزدهر فيها عما قريب الحضارة التي كانت قد أنطفأت (1) و قد أكد أحد المرشدين العسكريين و هو" الأبي و بيجز " أن مرشدي الجيش جاؤوا ليحتلوا هم أيضا إفريقيا باسم الإنجيل .
و قال " لويس فويو" كاتب بيجو سنة1841 في كتاب له " إن الجزائر مملكة مغربية و لن تكون تونس و المغرب مثلها قبل زمن طويل ثم اضاف " إن العرب لن يكونوا لفرنسا إلا إذا صاروا فرنسيين و لن يكونوا فرنسيين إلا إذا تنصروا" و في مقاله نشرت سنة 1846 ، شرح أحد الضباط الفرنسيين الذي لم يذكر إسمه لماذا يجب تطبيق سياسة التنصير فقال " إن تعصب المسلمين هو الأمر الحقيقي الذي يدعم المقاومة التي نواجهها في إفريقيا و هذا الدين ( الإسلام) الذي أحترمناه إلى يومنا هذا نقترح الأن بجرأة محاربته و هكذا نثبت قوتنا و ننشر طقوسنا على أنقاض الإسلام و معنى هذا كله أن الإسلام قد قاوم الإحتلال الفرنسي فرأى المستعمرون إزالة هذا الدين خدمة لمصلحتهم.
و أبدى اسقف الجزائر " دوبوش " أن وجود الإسلام قد إنتهى و بعد نصف قرن لن يبقى ل÷ أثر إلا عند الهمجيين و ستعبث به أوروبا إلى الصحاري التي لجأ إليها لينقرض هناك و هكذا ستكتمل مشروعها التي بدأت في تنفيذه أثناء الحروب
الأبي دوبيجيز ص 166 ـ قسيس ، مرشد عسكري في الجيش الفرنسي.
الصليبية ، أما الأسقف الذي تولى بعد دوبوش و هو السيد" بافي " فقد رأى من واجبه محاربة القرآن و تنصير المسلمين و هكذا تتضح فكرة المستعمرين أن إحتلال الأرض لا يكفي و أنه يجب محاربة دين السكان و تحويلهم إلى نصارى فتتحول الجزائر المسلمة إلى أرض فرنسية مسيحية .
01 ـ أراء الأسقف لافيجـــري :
ـ كان لا فيجري قد تشبع بهذه الأراء الإستعمارية قبل أن يتولى رئاسة الكنيسة في الجزائر و قد عيّن في هذا المنصب بتزكية من الوالي العام الماريشال " ماك ماهون" إلا أنه سينشب بينهما الخلاف فيما بعد ، إن لافيجري أظهر عداوته للإسلام مثلما فعل الذينسبقوه فقال سنة 1860 " إنه من الواجب علينا أن نعدل عن الأخطاء التي إرتكبنها في الماضي فيجب أن نحصر ( الشعب الجزائري ) في حضيرة القرآن كما فعلنا ذلك مدة طويلة ، فاقترح تنصير الجزائريين أو ابعادهم إلى الجنوب فقال" يتعين على فرنسا إما أن تقدم للشعب الجزائري بل إني أخطأت التعبير يتعين عليها أن تفسح لنا المجال لنقدم له الإنجيل و إما عليها أن تطرد هذا الشعب إلى الصحاري بعيدا عن العالم المتمدن .
و في رسالة أخرى بيّن سبب هذه السياسة و هو مقاومة الجزائريين ضد الإحتلال الأجنبي فقال " إن القضية في جوهرها كما أكدنا على ذلك مرارا هي قضية هذا الدين الذي وقف أمامنا في غزو الجزائر نهائيا و لهذا الغرض أسس لافيجري جمعية لنشر الدين المسيحي ثم أسس جمعية المبشرين الذين يرتدون اللباس العربي و هم الأباء البيض سنة 1874 و قد أخطأت الإدارة الفرنسية في نظر لافيجري لأنها أحترمت الإسلام و مؤسساته فطالبها بالتخلي عن مساعدة المساجد و المدارس الإسلامية التي تثبت تعصب الأهالي فيجب أن تمنع هذه الإدارة تعليم القرآن و تسهيل أداء فريضة الحج و تناسى الأسقف أن الحكومة الفرنسية قد استولت سنة 1843 على الأوقاف الإسلامية التي كانت تسهر على شؤون المساجد و المشاريع الخيرية .
و تسهيلا لإدماجهم راى لافيجري لأمنها أن تمنح أراضي للجزائريين المتنصرين و لم يوافق طبعا على سياسة الإحترام لأنها كانت تبحث عن معاملة الأهالي في ظل القرأن و كان يعتقد أن المسلمين لا يمكن أن يتصوروا المستعمرين إلا في شكل " كلاب مسيحيين " فيجوز لهم أن يذبحوا و يرموهم في البحر " و حق الكنيسة في تنصير الأهالي كان يبرره في نظره ـ تخلف الإسلام الذي تسبب في غنحطاط الشعب العربي من الناحية الأخلاقية و لهذا كان من الضروري غبعاد الشعب عن الإسلام حتى يعود إلى ما كان يتولى التبشير في تونس بعد إحتلالها سنة 1881 ، فعين أول اسقف في إفريقيا و كان له مقر بقرطاجة قريبا من تونس ، غير أنه لم يكتف بهذا النشاط في الجزائر و تونس و عندما دفعه الطموح إلى مواصلة التبشير في القارة الإفريقيةكلها ، و كان السبب في ذلك أن الإسلام قد انتشر في هذه القارة الإفريقية بصفة ملحوظة بحيث أن عدد المسلمين فيها بلغ خمسين مليونا خلال قرن واحد فكان لابد من وضع حد لانتشار الإسلام ، ووافقت روما الأسقف على ذلك و عينته " كاردينال " تقديرا لعمله التبشيري سنة 1882.
02 ـ نشاطه التبشيري :
قضية اليتامى الجزائريين:
شملت مجاعة كبيرة القطر الجزائري مابين 1866 ـ 1868 فإغتنم لافيجري هذه الفرصة ليجمع عددا من اليتامى الجزائريين بموافقة السلطة العسكرية و طلب مساعدات مالية من المواطنين الفرنسيين و بعض المؤسسات ليبني ملجأ لهؤلاء الأيتام و قرر أيضا أن يربيهم تربية مسيحية و أن ينشئ لهم قرى فلاحية بعد رشدهم إلا أن الوالي العام " ماك ماهون " لم يقبل هذا المشروع و عارضه تخوفا من غضب الأهالي و مقاومتهم العنيفة له فحذر الأسقف قائلا " إذا علم الأهالي بواسطة الصحافة أنكم تريدون تنصيرهم بالقوة أو إبعادهم عن بلادهم ، أفلا يقولون بأنكم تريدون إغتنام هذه الفرصة التعيسة التي يعانون منها ليضحوا بدينهم في مقابل الخبز الذي قدمتموه لهم " ، فرد لافيجري بعنف على رسالة ماك ماهون قائلا " إن هؤلاء الأطفال هم لي ، لأن النفس التي هي فيهم أنا الذي حافظت لهم عليها ، إذا فإن القوة وحدها هي التي يمكن أن تأخذهم من مآويهم ".
و في الواقع أن الأولياء لم يطلبوا أطفالهم الذين استولى عليهم لافيجري و ذلك لأنهم هلكوا عن أخرهم ، و كانت أعمار اليتامى تتراوح بين الثامنة و العاشرة و بلغ عددهم 1753 طفلا في أول الأمر إلا أنهم ماتوا بسبب المجاعة و التعب فيقىمنهم 700 طفلا وزعخم لافيجري بين عدة ملاجئ و في سنة 1870م بعث بعدد
الأستاذ بوعزيز يحي ـ المجاعة في الجزائر ـ مجلة الأصالة ، العدد33
ص :29 / ماي 1976
منهم إلى روما حيث تم " تعميدهم " و يصعب علينا أن نتصور تعصبا أعظم من هذا وعداوة أكثر صلابة للمسلمين الذين لم يراع إلا الأسقف شعورهم إطلاقا.
03 ـ إنشاء القرى المسيحية :
قرر لافيجري إنشاء مراكز فلاحية لليتامى الذين نصرهم و بين الغرض من ذلك في رسالته المؤرخة في 06 أفريل 1878 فقال " سنجد فيها بعد سنوات قليلة مجموعة كبيرة من العمال المفيدين الذين يساندون تعميرنا و يصيرون أصدقاءأو بعبارة أخرى سنجد " عربا مسيحيين " و في سنة 1869 اشترى الأسقف لافيجري بعض الأراضي في وادي الشلف لينشئ قريتين لفائدة اليتامى المسيحيين و شيد سنة 1872 م قرية سان سيبريان تخليدا لأسقف قرطاجة السابق و قد أختار هذا المكان لأنه وجد فيه أثر كنيسة قديمة و أقام فيه 26 اسرة بعدما زوج اليتامى الذين بلغوا سن الرشد و منح لكل اسرة 20 هكتارا صالحة للزراعة ومنزلا يتألف من غرفتين إلى ثلاثة غرف و منحها تسبيقا من النقود أو من المواد الزراعية و قد بنيت القرية حول الكنيسة و يوجد في مدخلها بستان جماعي و إسطبل يأوي الحيوانات في المساء ، غير أنه لم تكن الأراضي ملكا لكل أسرة ، و لكنها أجرت لها بثمن رمزي ، و بهذه الطريقة ظل الفلاحون خاضعين لسلطة المبشرين ثم أسس الأسقف القرية الثانية بعد الأولى بقليل و سماها" سانت مونيك " تخليدا لأم القديس أوغسطيس و تكونت القرية من 24 أسرة و من ضمن العائلات نجد عائلات " فراسوا بن عيسى " و جان الشريف " الذين كانوا يعيشون أولا في سانت أوجين قريبا من بوزريعة و أقامت الأخوات البيض في القرية و إعتنين بالتعليم و التطبيب و في سنة 1876 أنشأ لافيجري مستشفى " سانت ايليزبيت " بالقرب من القريتين و شيده بحضور شخصيات مدنية و عسكرية و أعجب قنصل بريطانيا بلافيجري إلى أن شبهه بالقديس أوغسطيس و أشتغل الفلاحون بالزراعة و الرعي ، كما أنهم اشتغلوا بالصناعات المحلية التي يحتاج إليها سكان القرية من نجارة و إصلاح العربات و الحديد و أنشئتكذلك بعض الدكاكين للتغذية العامة ، و لم يختلط سكان القريتين بالمعمرين المسيحيين و لا بالجزائريين المسلمين و كان لافيجري يخشى عليها عادات المسيحيين السيئة ، كما كان يخشى من المسلمين أن يضهدوهم أو أن يجلبوهم للإسلام ، و هذه العزلة المفروضة على سكان القريتين كانت و لابد أن تؤدي إلى فشل المشروع طال الزمن أوقصر.
و قد أعتنى الأباء و الأخوات البيض بتعليم اليتامى و تربيتهم الدينية و كانت تجمعهم الصلاة كل يوم بالسكان في كنيسة القرية . كما أقتصر تعليم الأطفال على المبادئ الأولى من قرأة و حساب و نشر " الوطنية الفرنسية " قال لافيجري " بينما كان الفلاحون يشتغلون في القرية ، كان إثنان من المبشرين يقومان بتعليم بعض الأطفال المساكين الذين إلتقطوهم ... و لم يكن من الضروري أن يتجاوز هذا التعليم مستوى معينا فرفض الأب الذي أعتنى بتربية " جان بن عيسى" أن يقدمه إلى إمتحان الشهادة الإبتدائية بدعوى أنه قد يتعلم أشياء كثيرة غير مفيدة و قد يؤدي به نجاحه إلى التكبر و التطلع إلى شيئ غير الزراعة فيضطرب أمره ، فالغرض من هذ التعليم إذن هو ربط هؤلاء الناس بالأرض و جعلهم مساعدين للمعمرين الفرنسيين ، و كان ذلك هو هدف لافيجري إذ كتب في إحدى رسائله " هذا هو التأكيد الحل الأنسب للقضية الجزائرية الكبرى لأنه هو وحده الذي يجعل تحت تصرفنا هذه الألاف من الأيدي العاملة من أجل الأعمال السلمية و قد كانت دائما مستعدة لتحمل السلاح ضدنا و قد لاحظ أحد مترجميه فكرته الأساسية في إدماج الجزائر في فرنسا عن طريق المسيحية .
04 ـ فشل لافيجري:
أراد لافيجري إنشاء قرى مسيحية و لكنه لم يتمكن من تطبيق مشروعه معارضة الإدارة و المستعمرين و الجزائريين المسلمين .
ـ خشيت الإدارة الفرنسية ما قد ينتج عن سياسة التنصير الجنوبية هذه و رفضت إنشاء مراكز أخرى لأن عجز الجيش عن حمايتها لم يسمح بذلك و لم يرض "ماك ماهون" بنشوب حرب صليبية في الجزائر و إن كان قد ساعد لافيجري في عملياته الأولى في وادىشلف . و لكن أمام طموحه المفرط عدل عن مساعدته المالية سنة 1874 . و ألغى مجلس النواب هذه المساعدة من الميزانية و قد بلغت 950 ألف فرنك سابقا.
ـ ايدى المستعمرون لافيجري أول الأمر ضد الحاكم العام " ماك ماهون " لأنهم كانوا يرغبون في إزالة الحكم العسكري ، و لكنهم عارضوا فيما بعد فكرته ف] إنشاء قرى مسيحية جديدة و عبر الطبيب " فارنية " عن رأيهم إذ من المساعدات المالية التي منحت لليتامى و اتهمى لافيجري بأنه لم ينفق إلا أنه لم ينفق إلا جزء قليلا كما أنه وزع الأراضي على عدد قليل من الجزائريين المسيحيين و هم معزلون بين المسلمين فاقترح الدكتور " فارنيه " على مجلس النواب أن يوزع المتنصرين بين الأسر الأوروبية ليكونوا في خدمة المعمرين .
03 ـ أما المسلمين فقد اظهروا عداواتهم لمشروع التنصير منذ البداية ، حيث إحتج السيد إبن علي الشريف على رسالة لافيجري المؤرخة في 06 أفريل 1868 برسالة وجهها إلى نائب الوالي العام فقال " لقد قرأت رسالة الأسقف المؤرخة في السادس أفريل الماضي و التي يقول فيها أنه يريد استبدال القرآن بالإنجيل من أجل إحياء الشعب العربي ، لقد أثرت هذه الرسالة كثيرا في المسلمين ، إننا نفضل موت جميع أولادنا على تنصيرهم و بعث 61 من أعيان الجزائر برسالة إلى نابليون الثالث عبروا فيها عن سخطهم ضد رسالة الأسقف لافيجري و في بلاد القبائل أدى تعصب أحد المبشرين إلى معارضة السكان ، بحيث أضطر حاكم القطاع العسكري للمنطقة أن يطلب من هذا المبشر مغادرة البلاد و ذلك خوفا من ثورة دينية ، و هجر عدد كبير من اسر تيزي وزو إلى سوريا سنة 1870 ، و أمام هذه المعارضة كلها و عدم الإمكانات المالية أرغم لافيجري على التخلي عن مشروع إنشاء قرى مسيحية أخرى و توزع المسيحيون الجزائريون في البلاد و توظفوا في مختلف القطاعات و لم يبق إلا 200 تقريبا في القريتين السابقتين بوادي شلف و لم يتقبل الأسقف فشله بسعة الصدر و أتهم كل المعارضين بنوايا سيئة فكتب إلى ماك ماهون مدعيا أنه سيترك لليتامى كل الحرية و إذا أرادوا أن يظلوا مسلمين عندما يبلغون رشدهم ، فسوف لن يمنعهم من ذلك و سيظل مخلصا و حنونا معهم و هذه الأبوية الغريبة لم تستطيع أن تخفي غرضه التبشيري و أما المعمرون فإنهم عارضوه في سياسته لأنهم كانوا كفارا، صحيح أن الدكتور فارنيه كان ينتمي إلى الإشتراكيين من أنصار سان سيمون و لكنكان موقفه موقفا سياسيا ، إذ كان غرضه تمليك الأراضي المعمرين الأوروبيين فقط للجزائريين و لوكانوا مسيحيين .
أما الجزائريون المسلمون فقد إتهمهم لافيجري بكل الإتهامات كما اشرنا إلى ذلك ، إنهم يمثلون " الهمجية " في نظره و سن ضدهم حملات غريبة فالأغنياء منهم لا يساعدون إخوانهم الفقراء بل يطردون و يحاربون من يطلبون الخبز و بلغت به العنصرية إلى درجة أنه إتهم بأكل الإنسان فقال " لايوجد اليوم في بعض المناطق منزلا لم يأكل فيه لحم الإنسان "
حاول لافيجري عبثا بهذه الإتهامات الكاذبة أن يغطي الواقع الأليم الذي لم يرد الإعتراف به و هو أن الغزو العسكري و أستيلاب الأراضي قد حول الجزائريين إلى بؤس لا يوصف و لاحظ هذه التعاسة أحد مترجميه " كلاين " سنة 1890 في ضواحي القرى المسيحية بوادي شلف و أجمع المؤرخون عن هذه السياسة الظالمة التي تميزت بالسرقة و النهب و التعصب التي جعلت الشعب الجزائري يقاوم الإستعمار و يثور عليه باستمرار إلى أن أندلعت حرب التحرير النهائية .
ماذا تبقى اليوم من القرى المسيحية في وادي شلف شيئ قليل إذا اعتمدنا على دراسة حديثة ، فقد غادر المسيحيون الجزائريون بلادنا إلى فرنسا سنة 1962 حسب ماذكره الشيخ المهدي البوعبدلي و في الختام يمكن القول بأن نشاط لافيجري قد ترك في الجزائر ذكريات سيئة إلى يومنا هذا ، رغم تكيف بعض المبشرين مع ظروف الإستقلال ،فمثلت حركة هذا الكاردينال روح الإستعمار الحديث و الحروب الصليبية القديمة ، و لذا لا يمكن لحركة التبشير أن تنال ثقة المسلمين في الجزائر و لا في غيرها من البلاد الإسلامية.
الشيخ المهدي البوعبدلي ـ مجلة الأصالة ـ العدد 08 ص 305 ـ 320 ـ
شهر جوان 1972.
المطلب الثالــث
تفاقم ظاهرة التمسيح في الجزائر.
ـ آلاف الأشخاص يرتدون عن الإسلام :
تتعرض الجزائر إلى غارة تنصيرية نمظمة تضطلع بها عشرات المنظمات و الجمعيات التنصيرية التي تتحرك في الأوساط الشعبية و الجماهيربكل حرية و بدون إزعاج من أي مؤسسة رسمية و على الرغم من أن وسائل الإعلام الجزائرية الناطقة باللغة العربية قد اشارت إلى خطورة تفشي ظاهرة التنصير في الجزائر إلا أن أحدا لم يحرك ساكنا في الجزائر ، و يبدو أن هذه المنظمات التنصيرية قد إستغلت الأوضاع الأمنية و السياسة و انفجار الجبهة الإجتماعية لتنفذ قلوب على وجه التحديد وتشير بعض الأرقام التي وصلت إلى الجهات المعنية في الجزائر و الموجودة بحوزة هذه المنظمات التنصيرية أن حوالي عشرة ألاف شاب جزائري قد أعتنق المسيحية في الجزائر و حسب هذه الجهات المختصة التي تقوم برصد ظاهرة التنصير و من يقف وراءها فإن أنشط الجمعيات التنصيرية هي الكنيسة الكاثوليكية برئاسة القس هنري تسيي و كنيسة البروستانتية برئاسة هوج جونسون الأمريكي الأصل و المقيم بالجزائر العاصمة و يترأس الجمعية الخيرية البروستانتية ، و هناك جمعية نشيطة تدعى جمعية القلب المقدس و يترأس هذه الجمعية كاميف بيار و هو من مواليد وجدة المغربية و يقع مكتب الجمعية في حي ديدوش مراد العريق في قلب العاصمة ، و قد أعتبرت بعض القوى السياسية و بعض البرلمانيين الجزائريين أن هذه الغارة التنصيرية على الجزائر ماكانت لتنجح لولا الفقر المدقع الذي يعيشه أزيد من 80 بالمائة من الجزائريين ، حيث يبادر بعض المناصرين إلى تنصير الشباب الجزائري و بعد ذلك يقدمون وعود لهم بأن يسهلوا لهم مهمة الحصول على التأشيرة و الإقامة في أية دولة غربية يريدون التوجه إليها وقد طالب بعض النواب في المجلس الشعبي الوطني الحكومة الجزائرية بالتحرك الفوري لوقف الغارة التنصيرية على الجزائر و تجدر افشارة إلى أن نشاط القس هوج جونسون قديم في الجزائر ، حيث أوفد من قبل الكنيسة الأمريكية ألى الجزائر سنة 1963 و كان
يحي أبو زكريا : عميد النادي الثقافي العربي في السويد
أول من أقام كنيسة في مدينة تيزيوزو القبائلية سنة 1963 و تمكن من الحصول على إعتماد رسمي من السلطات الجزائرية و قد بدأ نشاطه بشكل سري إلى أن أثمر نشاطه وباتت الحالة التنصيرية في الجزائر ظاهرة يشار إليها " بالبنان " و كانت إستراتيجية جونسون تمكن بتنصير الجزائريين و تكليفهم بمهام الإشراف على الكنائس كما حدث مع نائبه و هو جزائري من منطقة بجاية القبائلية و الذي تنصر في سنة 1970 و أصبح يشرف على الكنيسة المسيحية في منطقة تيزيوزو ، و حسب معلومات دقيقة فإن المنصيرين الغربيين و الجزائريين يترددون على مرجعيتهم الكنيسة في أمريكا و فرنسا وسويسرا و يتلقون مساعدات مالية جبارة و التي يستخدمونها في إعادة عشرات الألاف من العائلات الفقيرة و تحديدا في المناطق القروية و تحديدا تلك الواقعة فب المناطق القبائلية و رغم أن الصحافة الجزائرية قد سلطت الضوء على القس الأمريكي جونسون هوج ونشاطاته التنصيرية المكثفة فب مختلف الولايات إلا أنه مازال يصول و يجول كما يحلوا له ، كما قال بعض النواب الجزائريين في البرلمان و سبب هذا النشاط التنصيري الرهيب فقد أنتشرت نسخ الإنجيل و الأشرطة السمعية البصرية باللغة العربية و اللهجة القبائلية في العديد من الولايات و كلها يتم طبعها و نسخها في بعض الدول الغربية ، الأمر الذي يوحي بوجود مشروع متكامل لتنصير الجزائر و المساس مستقبلا بالوحدة الترابية على إعتبار أن النشاطات التنصيرية يبيّن في الجزائر قس فرنسي كان ضابطا في الفرقة العسكرية الفرنسية الخاصة إلى سنة 1980 ، و بعد إعتزاله وظيفته قرر أن يؤسس جمعية إنجيلية نفذت العديد من النشاطات في إفريقيا و تحديدا في دولة التشاد ، و يتعلق الأمر بالفرنسي فيليب مارتيناز الذي أراد فتح كنيسة في مدينة تيزيوزو ، حيث تمكن من إقامة فرع للكنيسة الإنجيلية في المنطقة و تقدمت جمعيته التي تعرف بالجمعية الإنجيلية الجزائرية بطلب إلى وزارة الداخلية للحصول على إعتماد رسمي .
و لم تترك الجمعيات الإنجيلية الجزائرية مكانا إلا و زحفت باتجاهه وحتى المناطق الصحراوية الجنوبية المعروفة بتقاليدها العربية الإسلامية لم تسلم من الزحف التنصيري المكثف و يدل العدد الكبير للمتنصيرين في الجزائر أن هناك إستراتيجية كاملة تستهدف العمق العقائدي و الإسلامي للشعب الجزائري و سوف تزيد الغارة التنصيرية من صعوبة الموقف في الجزائر خصوصا إذا علمنا أن الإنجليين الجزائريين الجدد ظهروا إلى الوجود بقوة هذه المرة ، كما برز ذلك في مؤتمر الكنيسة الإنجيلية في مدينة تيزيوزو و الذي حضره المئات من الجزائريين و بعض الدول الأوروبية في شهر سيبتمبر عام 2000.
ـ زحف التنصير في الجزائر :
قالت مصادر صحفية جزائرية إن عدد المرشيدين عن الإسلام في الجزائر و الملتحقين بالمسيحية بلغ رقما مخيفا في السنوات الأخيرة ، و قالت جريدة اليوم الوطنية في عددها الصادر يوم الأثنين 09/04/2001 أن عدد الجزائريين الذين يرشيدون يوميا عن الإسلام و يدخلون المسيحية بلغ ستة (06) أشخاص في كل يوم وذكرت الجريدة التي نشرت تقرير مفصل عن الظاهرة في صفحتها الأولى ، إن هذه الظاهرة أخذت الإنتشار بقوة في منطقة القبائل و في شرق البلاد و غربها و جنوبها وقالت أن عدد الجمعيات المسيحية الناشطة في دفع المسلمين إلى الإرتداد عن الإسلام وتغيير دينهم إلى المسيحية يقدر في منطقة القبائل وحدها ب: 19 جمعية و نقلت الجريدة تصريحات لرئيس كنيسة ميرابو في منطقة القبائل يقول فيها " إذا تم الإعتداء علينا وذهبنا ضحية من أجل إعتناقنا و ردّتنا عن الإسلام ، فسنقوم بكل مسعى يسمح لنا بتدوين قضيتنا و قالت أيضا إن أباء الكنيسة في الجزائر لم يقفوا عن التهديد بالتدويل ، بل طالبوا بإدخال الإنجيل إلى المدارس و كشفوا عن رفضهم للسياسة المتبعة حاليا من قبل الحكومة الجزائرية التي لا تخصص حصصا خاصة للمسيحية في التليفزيون و المدارس و ذكرت جريدة اليوم أيضا أن الإقبال على اعتناق الديانة المسيحية بالجزائر يعرف تطورا رهيبا في مناطق محددة في ظل طغيان السياسة على عوال التغيير في المجتمع ، و إنحطاط الأوضاع الأمنية و الإقتصادية و الثقافية منها على وجه الخصوص ، على حد قول الجريدة .
- و قالت إن هذا الأمر يحدث أمام مرأى و مسمع وزارة الشؤون الدينية و الأوقاف والمجلس الإسلامي الأعلى و بقية مؤسسات الدولة ، التي لم تحرك ساكنا ، و أضافة أن الردة على الإسلام تتزايد و أن ذلك يتزامن مع سن قوانين جديدة للتضييق على نشاطات المساجد ، تحت غطاء وقاية الدين من السياسة و مع حملة ضد المدرسة الجزائرية و اللغة العربية و الإسلامية و مع ظهور لباس كبير ، يسعى الى الخلط بين ماتقترفه الجماعات المسلحة و الإسلام.
- و ذكرت الجريدة أن مناطق القبائل التي ينشط فيها لوبي بريري فرنكفوني متطرف معادي للإسلام و الحضارة العربية و الإسلامية ، و بعض مناطق الصحراء ، أصبحت تعج الجمعيات و النوادي المخصصة و الدعاية المسيحية و هي تنشط في مقرات خاصة وعبر الكنائس المعتمدة من طرف الدولة ، بعيدا عن أعين الرقابة أو الإهتمامات الحساسة الذين قالت الجريدة أنهم غرقوا في متاهات النظام السياسي و مشاكله .
و قالت إنه في خضم المجازر التي أفرزها الوضع الأمني و إنشغال السلطة بالرد علىهذه المحاولات المزعجة التي تهدف إلة زعزعتها من داخل و خارج البلاد ، إزدهرت هذه الجماعات الدينية غبر مرور السنين في مناطق تأثرت كثيرا بحملات التنصير التي قادها أباء بيض " و أساقفة رئيسيون ".
و ذكرت جريدة اليوم أن مراجع صحفية أحصت 19 جمعية مسيحية في منطقة القبائل وحدها و تعززت في السنوات الأخيرة أن جزائريين خالصين و بمعدل 06 حالات إرتداء عن الدين الإسلامي كل يوم ، و ذكرت أيضا أن جيوبا ثقافية و رسمية أجنبية مشكوك في هويتها تساعد هذه الجمعيات التي أسفادت من الإنفتاح و إقتصاد السوق لتصدير أزيد من ثلاثين ألف نسخة من الإنجيل إلى مدينة تيزيوزو وحدها ، دون أن تكترث لذلك الهيئات المشرفة على تجارة الكتاب و الجمعيات الدينية الجزائرية وأرجعت الجريدة إنتشار موجة الإرتداد عن الإسلام و إتساع رقعة النشاط التبشيري إلى الإستقالة التامة للدولة عن مهمتها الثقافية و إرتفاع نسبة الإنتحار في أوساط الشبانية والشعبية بفعل تردي الوضع الإقتصادي و الإجتماعي و إنتشار مظاهر البؤس و الفقر المدقع مقابل نمو خطاب الإغراء المسيحي الواعد بتخليص الجزائريين من همومه ومشاكله المادية و الروحية و خاصة بعد أن تشوهت صورة الإسلام من جراء الجرائم الوحشية التي ترتكب باسمه .
وقالت الجريدة إن الكنائس المسيحية التي صارت تعيش في منطقة القبائل أستبشرت خيرا بعد أن عمدت الدولة إلى التضييق على المساجد و نشاطها خوفا من تسييسها ، و أضافت أن وسائل الإعلام المرئية المسموعة تسهل على تلك الجمعيات نشاطها ، و كان الجزائريون يرتدون عن الإسلام قد أبدوا سابقا أن إذاعة مونتيكارلو لعبت دورا بالغ الأهمية في إنتقالهم من الإسلام إلى المسيحية .
و ختمت الجريدة تقريرها بالقول أن مسؤولية إستشراء المد المسيحي في الجزائر تقع على عاتق الدولة بالدرجة الأولى ، و بضبط وزارة الشؤون الدينية و الأوقاف التي لم تسلم هي الأخرة من إفرازات الأزمة ، كما تتحملها الجمعيات الدينية و الخيرية التي تحزب معظمها تاركة المجال خصبا لنشوء عقيدة جديدة في الجزائر ، نجح الإستعمار الفرنسي في ترك بذورها طازجة .
1 ـ يحي أبو زكريا : عميد النادي الثقافي العربي في السويد.
2 ـ جريدة اليوم في عددها الصادر في 09/04/2001 .
المطلب الثانـــــي
ـ كيفية مواجهتها
01 ـ المجال الديني :
يعتبر المجال الديني من أهم ميادين نشاطات الإستعلامات العامة حيث تسعى هذه المصلحة جاهدة إلى معرفة الوضعية الخاصة به و تأثير الديانات الأخرى لحماية الدين الإسلامي من أي تشويه و بالتالي حماية المواطن من أي إعزاء قد ينتهج من طرف الديانات الأخرى و تبدو نقاط حماية الدين من الديانات الأخرى واضحة من خلال الميدان الديني الموضح في ميادين نشاط هذه المصلحة حيث ترتكز فيمايلي :
01 ـ الوضعية العامة:
ـ إن واجب الإستعلامات العامة ضروري في معرفة مكانة أي ديانة أخرى في أوساط الفئات الإجتماعية و هذا يجعلها تهتم بالديانة المسيحية و السعي وراء معرفة مكانتها في المجتمع الجزائري و التنبؤ بدرجة تأثيرها على الفرد الجزائري و بالتالي على الدين في الوطن و المجتمع بصفة عامة.
02 ـ مناطق تواجدها في التراب الوطني:
ـ إذا كانت المسيحية تتخذ من بعض المناطق في الوطن كأوطان لها أو نقاط إنطلاق لها فواجب الإستعلامات العامة هو معرفة هذه المناطق التي تتواجد بها جمعيات تخدم هذه الديانة و بالتالي محاولة حصرها في هذه المناطق لسهولة مراقبتها و الحد من إنتشارها في البلاد.
03 ـ الكنيسة و تأثيرها:
ـ كلنا نعلم أن الكنيسة هي بمثابة الحجر الأساس للمسيحية في أي بلاد و هذا لما تلعبه من دور فعال في نشر هذه الديانة لأن تأثيرها على أفراد المجتمع يكون بطريقة مباشرة مستعملة في ذلك عدة طرق و أساليب لأن للكنيسة حقها القانوني في ممارسة طقوسها في البلاد و هذا الحق القانوني يساعدها على تأدية مهامها التبشيرية إلى حد كبير و هذا كله بفرض على الإستعلامات العامة مراقبة و متابعة نشاطات هذا النوع من المعابد حيث يجب أن تراقب تحركات كل نشاطات الكنيسة و معرفة مايدور بداخلها و معرفة كل من يلتحق بها ، كما يجب أن تقوم بتتبع من يعمل في الكنيسة سواء كان أجنبي أو من أبناء الوطن و هذا لأجل التحكم فيها عن بعد و معرفة أفاقها المستقبلية وتكسير كل محاولات الخروج عن الإطار القانوني لنشاطات هذه المعابد ( الكنيسة ).
د ـ رجال الدين ، نشاطاتهم وتأثيرهم،علاقاتهم بالمجتمع و الديانات الأخرى:
ـ يبدو دور الإستعلامات العامة واضحا وجلي من خلال هذا العنصر حيث أن الإستعلامات العامة مطالبة بمراقبة كل حركات و نشاطات رجال الدين سواء نشاطات عملهم أو إتصالاتهم و كذا علاقاتهم بالمجتمع لأن لهذه النشاطات و العلاقات تأثير كبير على الفرد و بالتالي على المجتمع بصفة عامة فبفضل هذه العلاقات لرجال الدين التوغل أكثر بين مختلف الشرائح المجتمع و طبقاته و هذا يساعدهم على تمرير أفكارهم خاصة و نحن نعلم أن إمكانيات هذه الفئة كبيرة وضخمة بفضل التدعيم الكبير الذي يصلهم من الدول الأم التي تسعى من ورائهم إلى أهداف كثيرة و متنوعة و ما المسيحية إلا ستار لهذه الأهداف كما أسلفنا ذكره.
ـ المجال الثقافـي :
ـ إذا كانت الثقافة بمثابة المغذي الرئيسي للفكر و العامل الأساسي في تفتح و تنوير كل فرد فإن رجال الديانة المسيحية و نشاطات الكنائس إتخذت من هذا المجال بابا واسعا في التأثير على عقول الأفراد و جلب إهتمامتهم فعملت على إنشاء عدة جمعيات ثقافية في الظاهر و مسيحية في الداخل كما سعت و بذلت جهود كبيرة من أجل غرس عملائها في عدة منشآت ثقافية ورياضية و هذا كله من أجل تدعيم مكانتها في البلاد و تغذية الفكر لدى الفرد الجزائري بأفكار تخدم و تساعد هذه الديانة على الإنتشار و إذا كان عملاء هذه الديانة ينشطون في هذه المجالات بشكل يلفت الإنتباه فإهتمام الإستعلامات العامة بهذا المجال يجب أن يكون كبيرا و فعالا يجبر هذه المصلحة على مراقبة و متابعة كل الهياكل الثقافية و الجمعيات سواء كان ذلك سرا أو علنيا، ففي هذا المجال يجب على مصلحة الإستعلامات العامة عبر كامل التراب الوطني السعي جاهذة من أجل معرفة و متابعة كل المنشآت الثقافية و الرياضية التي لها علاقة مهما كان نوعها مع هؤلاء العملاء بفضل معرفة كل:
* ـ النشاطات العلنية و الخفية لهذه الجمعيات الثقافية و الرياضية.
* ـ مراقبة كل التجمعات و الملتقيات التي تقوم بها.
* ـ معرفة الإتجاه الفكري و الإيديولوجي و السياسي الذي تسعى إليه.
* ـ الطرق التي تتبعها في التأثير على المواطنين .
* ـ معرفة المصادر المالية و مصير الأرباح.
* ـ علاقاتها مع المنشآت الثقافية الوطنية والدولية.
كما أن معرفة كل هذه النقاط يساعد في التحكم الجيد في سير نشاطات هذه المنشآت و الجمعيات و بالتاليؤ شل كل مامن شأنه أن يؤثر على تطور البلاد و يخدم الأهداف الخفية لهذه الفيئات المدعمة من الخارج كما تم ذكره سالفا.
ـ المجال التاريخـــــي:
باعتبار التاريخ الذاكرة الحية و المرآة الحقيقية للشعوب بتراثها الماضي و الحاضر ، كان لزاما على رجل الإستعلامات العامة الحفاظ على هذا المكسب التاريخي و ذلك بالتصدي لكل الطوائف الدينية و السياسية التي تعمل دائما على تشويه سمعة الجزائر و تجريدها من تاريخها الحافل بالبطولات و الأمجاد و من أهم الديانات و الطوائف ، طائفة الديانة المسيحية التي قامت و لازالت تحاول جاهدة أن تقوم بغاراتها التنصيرية على الشعب الجزائري محاولة بذلك طمس الشخصية الوطنية و من بين الأساليب التي ينبغي على رجل الإستعلامات العامة اتباعها هي كمايلي:
* ـ مراقبة الكتب و المؤلفات المستوردة من الخارج و خاصة الكتب الدينية و التاريخية .
* ـ العمل على الحد من السياسة التعليمية المتبعة حاليا من طرف الكنائس و فروعها في مناطق تواجدها و لو بصفة خفية.
* ـ معرفة الأهداف الخفية و الظاهرة للفئات التبشيرية .
* ـ مراقبة تحركات القساوسة و الرهبان في الأوساط الإجتماعية.
* ـ متابعة إتصالاتهم و نشاطاتهم و تنقلاتهم داخل وخارج الوطن .
و من خلال ماسبق ذكره ، بات لزاما على رجل الإستعلامات العامة السهر و اليقظة على مراقبة هذه الفئات التبشيرية عن كثب و معرفة مدى خطورتها و تأثيرها على التاريخ الجزائري الذي يعتبر إحدى دعائم المقومات الوطنية الذي يعمل للمحافظة على هوية الشعب الجزائري.
ـ المجال الأمنــي:
ـ يعتبر هذا المجال من أهم مجالات المواجهة لهذه الظاهرة الخطيرة التي أصبحت تهدد البلاد خاصة في السنوات الأخيرة أو مايسمى بالعشرية السوداء في الجزائر ، فإذا كانت الدولة في هذه السنوات قد سخرت كل الوسائل المادية و البشرية و المعنوية لمحاربة التطرف الديني و الإرهاب ، مما ساعد على إنتشار المسيحية في الجزائر بكثرة فإهتمام الدولة بمحاربة المد الأصولي جعلها تغفل عن الزحف التنصيري حتى و إن كان تأثير هذه العشرية على رجال الدين المسيحي سلبي في بعض المناطق إلا أن التأثير الإيجابي كان واضحا بالنسبة لهذه السنوات لصالح البعثات التبشيرية مستغلة غفلة السلطة عن هذا المجال ، فإنتشار المسيحية يشير إلى وجود خلل في المجتمع و أن إنتشارها ليست نتيجة لتقصير جهاز الأمن الوطني فحسب بل هو حصيلة لخلل في كل هياكل المجتمع أو هو كنتيجة من نتائج العشرية السوداء كما سبق ذكره ، و إن كان جهاز الأمن أقدم أجهزة الدولة على تتبع و تلمس و تكوين و نمو الخلايا التمسيحية في الجزائر إن صح التعبير في جسد المجتمع كله فدور رجل الإستعلامات العامة يتمثل في إلقاء الضوء على كافة مجالات و أشكال إنتشاره و تحديد الجهات التي تعمل على تنصير الجزائريين و هذا مهما كانت الظروف لأن لكل أفة تأثيرها في السير الحسن لحركة التطور و الإزدهار في البلاد.
ـ فدور الإستعلامات العامة في مثل هذه الظروف هو التعرف على كل العلاقات و التقرب أكثر من كل الفئات من أجل التعرف على أفكارهم و تقديم التقارير و الإحصائيات إلى السلطات و أجهزة الإعلام حتى يتسنى لهم التصدي لها و الحد من زحفها و القضاء عليها و هي في مهدها.
* ـ الصعوبات و العراقيل .*
ـ من أهم الصعوبات و العراقيل التي واجهتنا خلال بحثنا هذا هي :
* ـ عدم توفر المراجع خصوصا في ميدان الإستعلامات العامة ، مما جعل مصادرنا محددة جدا في جمع المعلومات .
* ـ ضيق الوقت و عدم تناسبه مع طبيعة البحث .
* ـ عدم توفر فرص و أوقات للإتصال بمكتبات خارجية من أجل إثراء الموضوع أكثر و هذا ماجعلنا نعتمد بصفة كبيرة على المجلات و الكتب المتوفرة بمكتبة المدرسة .
* ـ الإقتراحــــــــات .*
ـ من خلال ماتطرقنا إليه في بحثنا ، خصوصا في دور الإستعلامات العامة في مجالات الحد من ظاهرة التمسيح في الجزائر ، تعرفنا على بعض الصعوبات و العراقيل التي تعترض رجل الإستعلامات العامة في أداء مهامه لمكافحة هذه الظاهرة ، أرتأينا أن نقدم بعض الإقتراحات لذلك و هي :
* ـ لفت إنتباه مختلف مصالح الشرطة بصفة عامة و الإستعلامات بصفة خاصة إلى خطورة هذه الظاهرة .
* ـ تزويد مكاتب التكوين بكتب و مواضيع تعالج هذه الظاهرة .
* ـ تكوين رجل الإستعلامات العامة و تزويده بمختلف الوسائل التقنية العصرية التي تسمح له بمواكبة تطور الطرق التبشيرية و بالتالي كشف نواياها.
* ـ توفير مراجع تتناول افستعلامات العامة في مكتبات مدارس الشرطة .
* ـ إعطاء الوقت الكافي لإنجاز البحوث حتى يتسنى الإلمام بجميع جوانب البحث.
الخاتمــــــة.
ـ إن ميادين الإستعلامات العامة شاملة و متنوعة و لايمكن حصرها في مجال من المجالات ، فنشاط هذه المصلحة ودورها في مكافحة ظاهرة التمسيح في الجزائر ، يتوقف على مدى إستيعابها لأساليب و طرق التبشير التي هي وليدة لبعثات محكمةو ناتجة عن مجتمعات نجهل في كثير من الأحيان إتجاهاتها الفكرية و الإيديولوجية و السياسية و متنوعة المصادر و الأديان التي تسخر إمكانيات و أحوال ضخمة من أجل الوصول إلى نتائجها الخفية كما جاء في بحثنا هذا .
ـ و كما نعلم فإنه يتصدر في الجزائر هذه البعثات بعثات التمسيح و التنصير التي هي ليست وليدة الصدفة ، بل هي إمتداد لأحقاد عرقية و دينية متعاقبة بتعاقب الأجيال و عليه فالسعي إلى المساس بالشعب الجزائري و الدين الإسلامي لن يتوقف و لن ينتهي عند حد معين مصداقا لقوله تعالى " لن ترضى عنك اليهود و لا النصارى حتى تتبع ملتهم ".
ـ و إذا كان الأمر كذلك فإن صعوبة دور الإستعلامات العامة في الحد من هذه الظاهرة يزداد بتزايد التنوع في الطرق و الأهداف ، خاصة في ظل التطورات التي يشهدها العالم المعاصر ، و كل هذا يحث الدولة على أخذ الظاهرة بعين الإعتبار ، مسخرة كل الوسائل المادية و المعنوية التي تساعد الإستعلامات العامة على مسايرة التطور في الطرق التبشيرية العصرية ، لأن مراقبة هذه الظاهرة و التحكم فيها يبقى محدود ، رغم كافة الجهود المبذولة من طرف مصلحة الإستعلامات العامة في ظل ما يسخر لهذه الحملات التبشيرية من إمكانيات مختلفة.
المراجــــع
الكتـــب:
ـ أحمد رضا بيك ـ وثائق عن الحروب الصليبية.
ـ عبد الرحمان الجيلالي ـ تاريخ الجزائر العام(الجزء الثاني).
ـ سيد قطب ـ معركة الإسلام و الرأسمالية.
ـ محمد الغزالي ـ قذائف الحق.
ـ شارل جينيز ـ المسيحية و نشأتها و تطورها ( ترجمة الدكتور محمود
عبد الحليم ).
الأنترنيت :
ـ مجلة الأصالة ـ مقال ـ الشيخ المهدي البوعبدلي ـ العدد 08 من شهر جوان عام 1972 ص 305 ـ 320 .
ـ مجلة الأصالة ـ مقال ـ الأستاذ بوعزيز يحي ـ العدد 33 من شهر ماي عام 1976 ص29.
ـ مجلة الأصالة مقال الأستاذ تميمي عبد الجليل ـ العدد 30 من شهر جانفي 1976 ص 49 ـ 61 .
الجرائــــــــد:
ـ جريدة " اليوم " الوطنية ـ العدد الصادر في 09/04/2001 .
المحاضرات :
ـ محاضرة بقلم أبو زكريا ـ عميد النادي الثقافي العربي حي السويد حول تفاقم ظاهرة التنصير في الجزائر.