sollo44
2011-04-04, 11:06
اصطدمت في رأسه أفكار شتى . و اختلجت عيونه لأول مرة منذ زمن بعيد . ترى كيف شكل المدينة الآن؟ و كيف لون السماء بعد هذا الغياب كله ؟ . في فجر اليوم التالي سينفتح باب السجن معلنا عن سقوط إمبراطورية قديمة هزيلة من المخاوف و التشاؤم، و في غد ، في ذلك الغد الجميل سيكون له مع الأحباب خلوة . ستنفرج الأسارير ابتهاجا بخروجه من السجن ، و ستشتعل المصابيح الملونة ،و توزع الحلوى على الضيوف و المهنئين و المارة ، قال مراد مستذكرا :
في السجن تمر اللحظات كأنها دهر محنط . تستمر العذابات تباعا و بلا رحمة، الشوق للحرية و الأهل و الخلان . و حكايات غريبة تحدث هناك في كل يوم ، كأن يتشاجر سجينان من أجل نظرة منفلتة بلا معنى . و قد نقيم لسجين آخر حفلة عيد ميلاده و كنا في كل يوم تقريبا نودع سجينا فنشيعه ببصر مائع إلى عالمه الجديد . عالم الحرية و الإنطلاق و العجائب .
غدا سأخرج من هذا السجن الموحش ، و سأودع برودة حيطانه الإسمنتية . و ظلامه و سكونه. سأترك ذكرياتي هنا . حبيسة كما كانت معي لعامين كاملين . التراب و الماء و السجان .
أذكر الآن يوم ختاني ، و يوم ذهبت للمدرسة أول مرة ، كنت فتى صغيرا خائفا و بدت لي المدرسة كأنها سجن !! لا أذكر تماما ذلك الرجل الذي أعطاني حبة حلوى و لكنه أسكتني بها و مسح على شعري حتى بث في قلبي الطمأنينة . و قال لي أحد المساجين فجأة :
- هل سيغفر الله لنا ذنوبنا ؟
فقلت مازحا :
- يغفرها جميعا عدى الشرك
فقال الآخر في عطف :
- و لكنني لم أدخل السجن لشرك اقترفته .
- الغضب يا صديقي . الغضب هو من أدخلك السجن و أدخلني .
و لكنه انتفض غاضبا كأنه في صراع :
- الكل يغضبون و لكنهم رغم ذلك لا يدخلون السجن !
فكلمته بلهجة الملاطف :
- و لكنه سبب وجيه .
قال مراد : في ليلة عبوسة و أنا في السجن ، تذكرت حمامتي البيضاء ، دجاجاتي و أرنبتي البنية . تذكرت البوضة في أيام الصيف الحارة . الغبار و الضيق و الهواء الحار. تذكرت ليلة الدخلة و تذكرت أسرارا عجيبة كقصة الجنية التي ظهرت في حارتنا في ليلة القدر!!
و قال له السجين الآخر :
- إنك فعلا مجنون !!
غدا ستحين اللحظة الموعودة ، لحظة حسبت لها ألف حساب ، إنها لحظة الجنون الحقيقي ، و لطالما حلفت بالله أني بريء و لكن أحدا لم يرغب في تصديقي في تلك الجلسة ، تهافت الشهود في ذلك اليوم كأنهم يودون الإطاحة بعدو لدود ، و من خلال القفص الحديدي بدا لي وجه القاضي كحبل يوصل للغريق لحظة الغرق ، و المحامي كان متأكدا من البراءة و لكن الأمور انعكست في جنون لا نهائي أوصلني لباب السجن .
و في الصباح ، سمعت شنشنة المفاتيح خلف الباب و جاء السجان و المسئولون ، و اقتربت تلك اللحظة السحرية . فتسارع النبض و غار قلبي داخل صدري بحدة . استلمت ثيابي و أوراقي و لكن شيئا لم يكن في بالي بعد الحرية عدى عناق أمي !!
في السجن تمر اللحظات كأنها دهر محنط . تستمر العذابات تباعا و بلا رحمة، الشوق للحرية و الأهل و الخلان . و حكايات غريبة تحدث هناك في كل يوم ، كأن يتشاجر سجينان من أجل نظرة منفلتة بلا معنى . و قد نقيم لسجين آخر حفلة عيد ميلاده و كنا في كل يوم تقريبا نودع سجينا فنشيعه ببصر مائع إلى عالمه الجديد . عالم الحرية و الإنطلاق و العجائب .
غدا سأخرج من هذا السجن الموحش ، و سأودع برودة حيطانه الإسمنتية . و ظلامه و سكونه. سأترك ذكرياتي هنا . حبيسة كما كانت معي لعامين كاملين . التراب و الماء و السجان .
أذكر الآن يوم ختاني ، و يوم ذهبت للمدرسة أول مرة ، كنت فتى صغيرا خائفا و بدت لي المدرسة كأنها سجن !! لا أذكر تماما ذلك الرجل الذي أعطاني حبة حلوى و لكنه أسكتني بها و مسح على شعري حتى بث في قلبي الطمأنينة . و قال لي أحد المساجين فجأة :
- هل سيغفر الله لنا ذنوبنا ؟
فقلت مازحا :
- يغفرها جميعا عدى الشرك
فقال الآخر في عطف :
- و لكنني لم أدخل السجن لشرك اقترفته .
- الغضب يا صديقي . الغضب هو من أدخلك السجن و أدخلني .
و لكنه انتفض غاضبا كأنه في صراع :
- الكل يغضبون و لكنهم رغم ذلك لا يدخلون السجن !
فكلمته بلهجة الملاطف :
- و لكنه سبب وجيه .
قال مراد : في ليلة عبوسة و أنا في السجن ، تذكرت حمامتي البيضاء ، دجاجاتي و أرنبتي البنية . تذكرت البوضة في أيام الصيف الحارة . الغبار و الضيق و الهواء الحار. تذكرت ليلة الدخلة و تذكرت أسرارا عجيبة كقصة الجنية التي ظهرت في حارتنا في ليلة القدر!!
و قال له السجين الآخر :
- إنك فعلا مجنون !!
غدا ستحين اللحظة الموعودة ، لحظة حسبت لها ألف حساب ، إنها لحظة الجنون الحقيقي ، و لطالما حلفت بالله أني بريء و لكن أحدا لم يرغب في تصديقي في تلك الجلسة ، تهافت الشهود في ذلك اليوم كأنهم يودون الإطاحة بعدو لدود ، و من خلال القفص الحديدي بدا لي وجه القاضي كحبل يوصل للغريق لحظة الغرق ، و المحامي كان متأكدا من البراءة و لكن الأمور انعكست في جنون لا نهائي أوصلني لباب السجن .
و في الصباح ، سمعت شنشنة المفاتيح خلف الباب و جاء السجان و المسئولون ، و اقتربت تلك اللحظة السحرية . فتسارع النبض و غار قلبي داخل صدري بحدة . استلمت ثيابي و أوراقي و لكن شيئا لم يكن في بالي بعد الحرية عدى عناق أمي !!