تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : رمضان فرصة للتقوى 2


barika05
2008-08-27, 13:45
إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى *** تجرد عُريانا وإن كان كاسيا
وخيرُ خصال المـرءِ طـاعةُ ربه *** ولا خيرَ فيمن كان لله عاصيا
* ثم أعلم أن رمضان فيه الصوم والصوم ينهي عن فعل المحرمات :
فإن الله تعالى قد نهى الصائم عن الأكل و الشرب و الوقاع في نهار رمضان، و جعل ذلك مفسداً للصوم، فيتأكد على المسلم أيضاً أن يترك المحرمات في نهار صومه و في ليالي شهره، و ذلك لأن الله الذي حرّم عليك في نهار رمضان أن تأكل و أن تشرب؛ مع كون الأكل و الشرب من الشهوات النفسية التي تتناولها النفس بطبعها و التي تعيش عليها و تموت بفقدها، فإن الله تعالى حرم عليك محرمات أخرى هي أشد إثماً و أشد ضرراً و ليست بضرورية كضرورة الطعام و الشراب، و قد ورد في ذلك كثير من الآثار نذكر بعضها:
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، و لا يصخب و لا يفسق، فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل إني امرؤٌ صائم"
(أخرجه البخاري 1904 في الصوم. باب: "هل يقول إني صائم إذا شتم؟" و مسلم برقم 1151 في الصيام، باب: "فضل الصيام").
و الصخب هو: رفع الصوت بالكلام السيئ. و الرفث: هو الكلام في العورات، و الكلام فيما يتعلق بالنساء و نحو ذلك. أما الفسوق: فهو الكلام السيئ الذي فيه عصيان و فيه استهزاء وسخرية بشيء من الدين أو من الشريعة، و نحو ذلك.
فالصوم ينهي صاحبه عن هذه الأشياء. و كأنه يقول إن صيامي ينهاني عن هذا الصخب -فإن الصوم ينهى عن المأثم، ينهى عن الحرام- فيقولك كيف أترك الطعام و الشراب -الذي هو حلال- و آتي بما هو محرم في كل الأوقات؟‍
2- و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "من لم يدع قول الزور و العمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"
(أخرجه البخاري برقم 1903 في الصوم، باب: "من لم يدع قول الزور").
فالله تعالى ما كلفك أن تترك الطعام و الشراب إلا لتستفيد من هذا الترك، فتترك الرفث، و تترك الفسوق، و تترك قول الزور، و تترك المعاصي المتعلقة بالنساء و بالجوارح، فإن لم تفعل ذلك و لم تستفد من صيامك فالله تعالى يرده عليك و لا يجزيك على عملك.
3- و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "رب صائم حظه من صيامه الجوع و العطش، و رب قائم حظه من قيامه السهر"
(أخرجه ابن ماجة:برقم 1690، و أحمد في المسند 2/373، 441).
و لا شك أن الصوم الذي هذه آثاره لا ينتفع به صاحبه و لا يفيده؛ فإن الصوم الصحيح يجادل عن صاحبه و يشهد له يوم القيامة و يشفع له عند الله
(وفى الحديث: أن الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة.. ).، فإن لم يحفظ العبد صيامه لم يستفد منه و لم يؤجر عليه.
يقول بعضهم:
إذا لم يكن في السمع مني تصــاون وفي بصري غضٌّ وفي منطقي صمتُ
فحظي إذاً من صومي الجوع و الظمأ و إن قلتُ: إني صمتُ يومي فما صمتُ
فلا بد أن يكون على الصائم آثار الصيام، كما روي عن جابر رضي الله عنه أنه قال: "إذا صمت فليصم سمعك و بصرك و لسانك عن الغيبة و النميمة، و دع أذى الجار، و ليكن عليك سكينة و وقار، و لا تجعل يوم صومك و يوم فطرك سواء".
* و بالجملة فالصوم الصحيح يدعو صاحبه إلى ترك المحرمات،
فإن المعصية إذا سولت للإنسان نفسه أن يقترفها رجع إلى نفسه، و فكّر و قدر و نظر و اعتبر، و قال مخاطباً نفسه: كيف أقدم على معصية الله و أنا في قبضته و تحت سلطانه، و خيره عليَّ نازل، و أنا أتقرب إليه بهذه العبادة؟‍
و من الذين لم يستفيدوا من صيامهم: أولئك الذين يسهرون على تعاطي الدخان المحرم الذي هو ضار بكل حالاته و وجوهه، فلا شك أنهم لم يستفيدوا من صيامهم ذلك أن الصوم تبقى آثاره، و هؤلاء لا أثر للصيام عليهم.
فالصائم الذي امتنع عن شرب الدخان طوال نهاره، و كذلك عن تعاطى الأشياء المحرمة -و العياذ بالله- و لكنه تناول ذلك في ليله، فهذا الفعل دليل على أنه لم يستفد من صومه، و إنما صومه عليه وبال.
فالصيام الصحيح هو الذي يزجر صاحبه عن المحرمات:
فإذا نادته نفسه، و زينت له أن ينظر بعينيه إلى شيء من العورات؛ كأن ينظر إلى صور عارية في أفلام و نحوها، أو ينظر إلى النساء المتبرجات رجع إلى نفسه و قال: كيف أمتنع عن الحلال الذي حرمه الله -في النهار- كالأكل و الشرب، و آتي شيئاً محرماً تحريماً مؤبداً في آن واحد؟‍
و هكذا إذا دعته نفسه إلى أن يتناول شيئاً من المكاسب المحرمة كرشوة أو رباً أو خديعة في معاملة، أو غش، أو ما أشبه ذلك رجع إلى نفسه، و قال: لا يمكن أن أجمع بين فعل عبادة و فعل معصية. فإذا رجع إلى نفسه تاب من فعله و أناب.
فهذه بعض أمثلة في أن الصائم صحيح الصيام يستفيد من صيامه في ترك المعاصي ؛سواءً كانت تلك المعاصي محرمة تحريماً مؤقتاً كالطعام و الشراب، أوتحريماً مؤبداً كالخمر و الميسر و القمار و الدخان و الرشوة و الغش و الربا و الزنا والملاهي و نحوها، فإن هذه تحريمها أكيد.
فالمسلم يتفكر في أن الذي حرم هذا هو الذي حرم ذاك فيمتنع بصيامه عن كل ما حرم الله عز و جل.
فإذا كان صومك كذلك فأنت من الذين يستفيدون من صيامهم، و من الذين يترتب على صيامهم الحسنات، و يترتب عليه المغفرة، فقد أكّد النبي صلى الله عليه و سلم أن مغفرة الذنوب تتحقق بالصوم إيماناً و احتساباً كما في الحديث المشهور: "من صام رمضان إيماناً و احتساباً غفرله ما تقدم من ذنبه.."
(أخرجه البخاري برقم 38 في الإيمان، باب: "صوم رمضان احتساباً من الإيمان").،
فشرط فيه أن يكون صومه إيماناً و احتساباً، و لا شك أن معنى الإيمان هو: التصديق بأنه عبادة لله، فرضه على العباد، و أما الاحتساب فهو: احتساب ثوابه عند الله، و ذلك يستدعي مراقبة ربه في كل الأحوال.
ذكر بعض العلماء: أن الصيام سر بين العبد و بين ربه، حتى قال بعضهم: إنَّه لا يطلع عليه أحد من البشر أولا تكتبه الحفظة.
فيمكن للصائم أن ينفرد في زاوية من الزوايا أو في مكان خفي، و يتناول المفطرات بحيث لا يراه أحد، و لكن المؤمن الذي يصوم إيماناً و احتساباً و يعبد ربَّه و يعلم أن الله يراقبه، كما قال تعالى: "الذي يراك حين تقوم * و تقلبك في الساجدين * إنه هو السميع العليم" (الشعراء:218-220). يعلم بأن ربه يراه حيث كان، فمثل هذا لا يتناول شيئاً من المفطرات و لو اختلى بها، و لو كان جائعاً فإنه يصبر على الجوع و لا يصبر على غضب ربه.
هذا معنى كون الصيام سراً خفياً لا يطلع عليه إلا الله، و هذا معنى كونه إيماناً، يعني ما حمله على صيامه إلا الإيمان؛ ترك شهواته إيماناً بالله، إيماناً بأنه هو الذي فرضه، وإيماناً بأنه هو الذي حرم عليه هذه الشهوات و هذه الأشياء.
فالصيام الصحيح هو الذي تظهر عليك آثاره، و تحفظه في كل حالاتك، و تتذكره في كل الأوقات و لا تخدشه بشيء من المنقصات.
فإذا فعلت ذلك، فإنَّ صومك يترتب عليه مغفرة الذنوب، كما قال صلى الله عليه و سلم: "غفر له ما تقدم من ذنبه"، فلا شك أن هذا العمل الذي هو الصيام لما كانت هذه آثاره كان محبباً للنفوس الزكية، النفوس السليمة، النفوس الصحيحة النقية، التي تسعد بهذا الصيام و تزكو و ترتقي.
وأما النفوس المتطرفة الغاوية فإنها تتثاقل هذا الصوم، و تتمنى انقطاعه، و انتهاء أيامه لذلك ترى الفرق الكبير بين المؤمن و غيره، المؤمن حقاً هو الذي يتمنى بقاء هذا الشهر، و أن تطول أيامه، كما رُوي في الأثر ولا يصح مرفوعا: "لو تعلم أمتي ما في رمضان لتمنت أن تكون السنة كلها رمضان...
فانظر و فرّق. هناك قوم من السلف الصالح، و من أولياء الله و أصفيائه سنتهم كلها رمضان
و كان بعضهم يصوم، و يكثر من الصوم، و لا يفطر إلا مع المساكين، و إذا منعه أهله أن يفطر مع المساكين لم يتعش تلك الليلة.
و كان بعضهم يطعم أصحابه أنواع الأطعمة و يقف يروحهم و هو صائم.
فهؤلاء هم الذين يتمنون أن يطول وقت الصوم، و ما يزيدهم رمضان إلا اجتهاداً في الطاعة و العبادة عما كانوا عليه في رجب، و في شعبان و ما بعده وفي سائر السنة، فأعمالهم كلها متقاربة.
أما من لم تصل حقيقة هذا الصوم إلى نفوسهم و لم تتأثر به قلوبهم، و لم يتربوا التربية السليمة، فإنهم يستثقلونه، و يتمنون انقضاءه في أسرع وقت، و أن تنتهي أيامه، و يفرحون بكل يوم يقطعونه منه، فما هكذا الصوم الصحيح بل الصائم المؤمن التقي هو الذي يتمنى بقاء هذه الأيام. فكثير ما نسمع من بعض ضعفاء النفوس أنه يتمنى أن يذهب رمضان، و إذا ما هلّ هلال شوال فرحوا و استبشروا، كأنهم ألقوا عنهم ثقلاً.
فنحن نوصي إخواننا أن يقيسوا أنفسهم، و ينظروا مدى تأثرهم بهذه العبادة، فإذا رأوا أن نفوسهم قد ألفتها، و قد أحبتها، و انهم قد استفادوا منها فائدة مستمرة في ليلهم و نهارهم، و في شهرهم و شهورهم، فإن ذلك دليل على حسن آثاره على هذا العبد، و إذا لم يتأثروا، بل رجعوا بعد رمضان إلى تفريطهم و إهمالهم رجعوا إلى المعاصي و الذنوب التي كانوا يقترفونها قبل رمضان، فإن هؤلاء لم يستفيدوا من صيامهم، ولم يكن رمضان لهم فرصة للتقوى , و يوشك أن يكون صومهم مردوداً عليهم.
و لهذا كان السلف رحمهم الله يهتمون اهتماماً كبيراً في قبول صيامهم؛ فقد اشتهر عنهم أنهم كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم شهر رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يقبله منهم. يحرصون على العمل فيعملونه، فإذا ما عملوه و أتموه، وقع عليهم الهمّ ،هل قبل منهم أو لم يقبل منهم؟
و رأى بعضهم قوماً يضحكون في يوم عيد، فقال: إن كان هؤلاء من المقبولين، فما هذا فعل الشاكرين، و إن كانوا من المردودين، فما هذا فعل الخائفين.
أخي: إن للمعاصي آثار بليغة في قسوة القلوب ! ورمضان شهر التجليات .. وموسم القلوب الرقـيقة .. فـإذا لم تعـد لـه أخي قلباً رقيقاً خالياً من أدران المعاصي...لعلك لاتدرك فيه التقوى ومن لايدركها فى رمضان فلعله لايدركها والله المستعان.
أخي: لا تجعل أيام رمضان كأيامك العادية ! بل فلتجعلها غرة بيضاء في جبين أيام عمرك !
أخي: احرص على نظافة صومك .. كحرصك على نظافة ثوبك . فاجتنب اللغو ، والفحش ، ورذائل الأخلاق .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ليس الصيام من الأكل والشرب ! إنما الصيام من اللغو والرفث! فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل:إني صائم"...[ رواه ابن خزيمة والحاكم/ صحيح الترغيب:1068]
فلا تكن أخي من أولئك الذين وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : "رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ! ورب قائم حظه من قيامه السهر!" ... [رواه الطبراني/ صحيح الترغيب: 1070]
أخي: اجعل من صومك مدرسة تهذب فيها نفسك وتعلمها محاسن الأخلاق وتربيها على الفضيلة .. حتى إذا انقضى رمضان أحسست بالنتيجة الطيبة لصومك .. وكنت من المنتفعين بهذا الشهر المبارك ..
قال الحسن البصري (رحمه الله) : " إن الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته ، فسبق قوم ففازوا ،وتخلف آخرون فخابوا ! فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ! ويخسر فيه المبطلون" !
أخي: أرأيت إذا رحلت إلى قضاء حاجة من حاجاتك فسافرت لها ثلاثين يوماً !! وبعد بلوغ نهاية سفرك إذا بك ترجع صفر اليدين من حاجتك ! ليذهب تعبك ونصبك في أدراج الريح ! كيف أنت وقتها ؟!... كيف أنت وقتها ؟!... كيف أنت وقتها ؟!
أخي: قليل أولئك الذين يهيأون أنفسهم قبل رمضان لتستقبل تلك الأيام المباركة راغبة راهبة...فكن من هؤلاء القليل !
أخي: وأنا أطوي هذه الأوراق ، فلتسأل الله معي أن يطوي لنا الأيام حتى ندرك رمضان .. وأن يجعلنا من المرحومين بصيامه ..
أخي: رزقني الله وإياك صدق الصائمين .. وإقبال القائمين .. وخصال المتقين .. وحشرني وإياك يوم النشور في زمرة المنعمين .. وبلغني وإياك برحمته ورضوانه درجات المقربين .. وحمداً لله تعالى دائماً بلا نقصان .. وصلاة وسلاماً على النبي وآله وأصحابه وأتباعهم بإحسان ...والحمد لله رب العالمين.

barika05
2008-08-29, 17:55
عليك بما يفيدك في المعــاد *** وما تنجو به يوم التناد
فمالك ليس ينفع فيك وعظ *** ولا زجر كأنك من جماد
ستندم إن رحـلت بغير زاد ***وتشقى إذ يناديك المنـاد
فـلا تفـرح بـمال تقتنيه *** فإنك فـيه مـعكوس المراد
وتـب مما جنيت وأنت حي *** وكن متنبها مـن ذا الرقاد
يسـرك أن تكون رفيق قوم *** لـهم زاد وأنـت بغير زاد