اسماء 4800
2011-03-24, 22:30
تعريف الفتنة:
قال الراغب:(أصل الفَتْن:إدخال الذهب النار لتظهر جودته من رداءته)المفردات372 وقال ابن منظور: ( قال الأزهري وغيره: جماع معنى الفتنة: الابتلاء والامتحان والاختبار. وأصلها مأخوذ من قولك: فتنت الفضة والذهب، إذا أذبتهما بالنار، لتميز الرديء من الجيد) لسان العرب:3344. مادة(فتن).
أنواع الفتن :
قال ابن القيم ، رحمه الله: ( الفتنة نوعان : فتنة الشبهات، وهي أعظم الفتنتين، وفتنة الشهوات. وقد يجتمعان للعبد، وقد ينفرد بإحداهما) إغاثة اللهفان: 2/160. ومعترك النزاع، وحلبة الصراع لهذه الفتن، القلوب، فعن حذيفة، رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تعرض الفتن على القلوب كالحصير، عوداً عوداً، فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء،وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء.
حتى تصير على قلبين: على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود، مرباداً، كالكوز مجخياً، لا يعرف معروفا ولا ينكر منكراً، إلا ما أشرب من هواه) رواه مسلم.
والفتن أقسام وأنواع ؛ باعتبار ذاتها ، ومآلاتها ، ومتعلقاتها ، فمنها : فتنة الشهوات، وفتنة الشبهات، فتنة المؤمن ، وفتنة الكافر ، فتنة المحيا ، وفتنة الممات ، فتنة القبر، وفتنة النار ، فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره، وفتن تموج كموج البحر .
ومرادنا هذا النوع الأخير الذي يعصف بعموم الناس ، ويجتاح الخاص والعام ، ويتتابع، ويتراكب، كموج البحر، وينشأ عنه الهرج والمرج، حتى يدع الحليم حيراناً. فعن حذيفة، رضي الله عنه، قال: بينا نحن جلوس عند عمر، إذ قال: أيكم يحفظ قول النبي صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟ قال: فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره تكفرها الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال: ليس عن هذا أسألك، ولكن التي تموج كموج البحر. قال: ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين. إن بينك وبينها بابا مغلقا. قال عمر: أيكسر الباب أم يفتح؟ قال: لا، بل يكسر.قال عمر: إذاً لا يغلق أبدا. قلت: أجل. قلنا لحذيفة: أكان عمر يعلم الباب؟قال: نعم، كما يعلم أن دون غد ليلة، وذلك أني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط. فهبنا أن نسأله من الباب، فأمرنا مسروقا فسأله، فقال: من الباب؟ قال عمر) رواه البخاري.
فمنذ ذلك الحين، والفتن تتابع في هذه الأمة، تذكو تارة، فتلتهم من استشرفها، وتخبو أخرى، فيعافي الله من شاء. وقد جعل الله تعالى لعباده المؤمنين سبلاً وأسباباً تقيهم من الوقوع في أتونها. وحذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من مقدماتها، وتضاعيفها، وآثارها. ولم يحدث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ، ومن ثَمَّ أمته ، بهذه الأخبار لتكون مجرد علامة من علامات النبوة ، فحسب ، ولا ليستدفع بها قدر الله المحتوم الذي لابد كائن ، وإنما ليستنقذ بها من سبقت له من الله الحسنى ، ويأخذ بحجزهم عن النار ، إن هم اعتصموا بعواصم الشرع من قواصم الفتن .
وفيما يلي جملة من جملة من العواصم، والعرى الوثقى، لمن استمسك بها.
1- الاعتصام بالله :
قال تعالى: (وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) آل عمران:101، قال ابن كثير، رحمه الله: (الاعتصام بالله، والتوكل عليه هو العمدة في الهداية، والعدة في مباعدة الغواية، والوسيلة إلى الرشاد، وطريق السداد، وحصول المراد) التفسير: 2/86. وقال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِير) الحجُ{78}.قال السعدي، رحمه الله: (أي امتنعوا بع، وتوكلوا عليه في ذلك، ولا تتكلوا على حولكم وقوتكم، هو مولاكم الذي يتولى أموركم، فيدبركم بحسن تدبيره، ويصرفكم على أحسن تقديره. فنعم المولى لمن تولاه فحصل له مطلوبه، ونعم النصير لمن استنصره، فدفع عنه المكروه) التفسير.
ومن الاعتصام بالله، الفزع إلى الصلاة، فـ(الصلاة نور) رواه مسلم. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.رواه الطبري. فعن أم سلمة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فزعا يقول: سبحان الله! ماذا أنزل الله من الخزائن! وماذا أنزل من الفتن! من يوقظ صواحب الحجرات، يريد أزواجه، لكي يصلين. رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة) رواه البخاري.
ومن الاعتصام بالله دعاؤه، سبحانه، والاستعاذة به من الفتن. فعن أنس، رضي الله عنه، قال: سألوا النبي صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه بالمسألة، فصعد النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم المنبر فقال: لا تسألوني عن شيء إلا بينت لكم. فجعلت أنظر يمينا وشمالاً، فإذا كل رجل رأسه في ثوبه يبكي، فأنشأ رجل كان إذا لاحى يدعى إلى غير أبيه، فقال: يا نبي الله: من أبي؟ فقال: أبوك حذافة. ثم أنشأ عمر فقال: رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً. نعوذ بالله من سوء الفتن. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما رأيت في الخير والشر كاليوم قط! إنه صورت لي الجنة والنار حتى رأيتهما دون الحائط) رواه البخاري، وفي رواية: (عائذا بالله من سوء الفتن أو قال أعوذ بالله من سوأى الفتن)
2- الاعتصام بكتاب الله :
ختم النبي صلى الله عليه وسلم خطبته يوم عرفة، بقوله: (وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله) رواه مسلم.
وعن الحارث الأعور الهمداني قال: مررت في المسجد، فإذا الناس يخوضون في الأحاديث، فدخلت على علي فقلت: يا أمير المؤمنين، ألا ترى أن الناس قد خاضوا في الأحاديث؟ قال: وقد فعلوها؟ قلت: نعم. قال: أما إني قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( ألا إنها ستكون فتنة. فقلت: ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله؛ فيه نبأ ما كان قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم. وهو الفصل ليس بالهزل. من تركه من جبار قصمه الله،ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله. وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم. هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الرد،ولا تنقضي عجائبه. هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: " إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد" من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم )خذها إليك يا أعور. قال أبو عيسى: هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وإسناده مجهول، وفي الحارث مقال . سنن الترمذي ج5/ص172.والدارمي، وابن أبي شيبة.وقال ابن كثير: وقد روي موقوفا عن علي رضي الله عنه وهو أشبه والله أعلم 1/28.
3- الاعتصام بالسنة :
عن أبي نجيح، العرباض بن سارية، رضي الله عنه، قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع، فأوصنا. قال: ( أوصيكم بتقوى الله عز وجل، والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد؛ فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا. فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ. وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة ) رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
ومن أسباب الاعتصام بالسنة، إفشاء العلم، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يتقارب الزمان، وينقص العلم، ويلقى الشح، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج. قالوا: يا رسول الله، أيما هو؟ قال: القتل القتل) وفي رواية: (إن بين يدي الساعة لأياماً ينزل فيها الجهل، ويرفع فيها العلم، ويكثر فيها الهرج) وفي أخرى:(بين يدي الساعة أيام الهرج، يزول فيها العلم، ويظهر فيها الجهل) رواه البخاري
ومن الاعتصام بالسنة، الحذر من الابتداع، والإحداث، والتبديل، فعن عبد الله بن مسعود قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا فرطكم على الحوض، فليرفعن إلي رجال منكم، حتى إذا أهويت لأناولهم، اختلجوا دوني، فأقول: أي رب: أصحابي! يقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك )رواه البخاري.
قال الحافظ ابن حجر: ( تضمن حديث الباب الوعيد على التبديل والإحداث، فإن الفتن، غالباً، إنما تنشأ عن ذلك) الفتح: 13/7.( بتصرف يسير).
4- لزوم جماعة المسلمين :
قال تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) آل عمران: 103.
وعن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله يرضى لكم ثلاثاً، ويسخطُ لكم ثلاثاً؛ يرضى لكم أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم. ويسخطُ لكم ثلاثاً:: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال) رواه مسلم.
وعن ابن عباس، رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى من أميره شيئا يكرهه، فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبرا، فمات، إلا مات ميتة جاهلية) رواه البخاري. قال ابن أبي جمرة: (المراد بالمفارقة: السعي في حل عقد البيعة التي حصلت لذلك الأمير، ولو بأدنى شيء، فكنَّى عنها بمقدار الشبر، لأن الأخذ بذلك يؤول إلى سفك الدماء بغير حق) الفتح :13/10.
وعن ابن عمر،رضي الله عنهما،قال: قال رسول الله صلى الله عيه وسلم : ( من خلع يداً من طاعة، لقي الله ولا حجة له،ومن مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية) رواه مسلم.
قال الحافظ ابن حجر: ( أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب، والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه، لما في ذلك من حقن الدماء، وتسكين الدهماء، وحجتهم هذا الخبر، وغيره مما يساعده، ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح، فلا تجوز طاعته في ذلك،بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها) الفتح: 13/10
وعن حذيفة بن اليمان، رضي الله عنه، قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني. فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم. قلت:وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن. قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر. قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم؛ دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها. قلت: يا رسول الله، صفهم لنا.قال:هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا.قلت:فما تأمرني إن أدركني ذلك؟قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. قلت:فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟قال: فاعتزل تلك الفرق كلها،ولو أن تعض بأصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك)رواه البخاري.
قال ابن بطال: (فيه حجة لجماعة الفقهاء في وجوب لزوم جماعة المسلمين، وترك الخروج على أئمة الجور، لأنه وصف الطائفة الأخيرة بأنهم دعاة على أبواب جهنم، ولم يقل فيهم: تعرف وتنكر، كما قال في الأولين. وهم لا يكونون كذلك إلا وهم على غير حق. وأمر مع ذلك بلزوم الجماعة) الفتح:13/47.
قال الطبري: (والصواب أن المراد من الخبر لزوم الجماعة الذين في طاعة من اجتمعوا على تأميره، فمن نكث بيعته خرج عن الجماعة قال وفي الحديث انه متى لم يكن للناس إمام فافترق الناس أحزابا فلا يتبع أحدا في لفرقة ويعتزل الجميع إن استطاع ذلك خشية من الوقوع في الشر) الفتح:13/47.
5- الصبر على جور الولاة :
عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنكم سترون بعدي أثرة، وأموراً تنكرونها. قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: أدوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم) رواه البخاري.
وعن جنادة بن أبي أمية قال: دخلنا على عبادة بن الصامت، وهو مريض، قلنا: أصلحك الله، حدث بحديث ينفعك الله به، سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم. قال: دعانا النبي صلى الله عليه وسلم، فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا أن بايَعنا على السمع والطاعة، في منشطنا، ومكرهنا، وعسرنا، ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن ترو كفرا بواحاً، عندكم من الله فيه برهان) رواه البخاري.
قال الخطابي: (معنى قوله بَواحا: يريد ظاهراً بادياً، من قولهم باح بالشيء يبوح به بوحاً وبواحاً، إذا أذاعه وأظهره) الفتح:13/11. قال شيخنا، رحمه الله: ( لابد من شروط أربعة: 1- الرؤية-2- كونه كفراً لا فسقاً-3- كونه بَواحاً لا محتملاً-4-عندنا فيه من الله برهان. ولا بد من القدرة ) باختصار من التعليق الصوتي على كتاب الفتن .
قال الحافظ في معنى البرهان: (أي نص آية، أو خبر صحيح، لا يحتمل التأويل. ومقتضاه أنه لا يجوز الخروج عليهم ما دام فعلهم يحتمل التأويل) الفتح: 13/11.
وعن يزيد بن سلمة الجعفي، رضي الله عنه، أنه قال : يا رسول الله: إن كان علينا أمراء يأخذون بالحق الذي علينا، ويمنعونا الحق الذي لنا، أنقاتلهم؟ قال:( لا.عليهم ما حملوا، وعليكم ما حملتم) رواه الطبراني .وفي رواية عن أم سلمة، رضي الله عنها، : أفلا نقاتلهم؟ قال: ( لا. ما صلوا) رواه مسلم. ومن حديث عوف بن مالك، رضي الله عنه: قلنا: يا رسول الله: أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال:(لا.ما أقاموا الصلاة) وفي رواية: ( وإذا رأيتم من ولاتكم شيئاً تكرهونه، فاكرهوا عمله، ولا تنزعوا يداً من طاعة) رواهما مسلم
للأمانة منقول من موقع باب التوبة
قال الراغب:(أصل الفَتْن:إدخال الذهب النار لتظهر جودته من رداءته)المفردات372 وقال ابن منظور: ( قال الأزهري وغيره: جماع معنى الفتنة: الابتلاء والامتحان والاختبار. وأصلها مأخوذ من قولك: فتنت الفضة والذهب، إذا أذبتهما بالنار، لتميز الرديء من الجيد) لسان العرب:3344. مادة(فتن).
أنواع الفتن :
قال ابن القيم ، رحمه الله: ( الفتنة نوعان : فتنة الشبهات، وهي أعظم الفتنتين، وفتنة الشهوات. وقد يجتمعان للعبد، وقد ينفرد بإحداهما) إغاثة اللهفان: 2/160. ومعترك النزاع، وحلبة الصراع لهذه الفتن، القلوب، فعن حذيفة، رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تعرض الفتن على القلوب كالحصير، عوداً عوداً، فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء،وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء.
حتى تصير على قلبين: على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود، مرباداً، كالكوز مجخياً، لا يعرف معروفا ولا ينكر منكراً، إلا ما أشرب من هواه) رواه مسلم.
والفتن أقسام وأنواع ؛ باعتبار ذاتها ، ومآلاتها ، ومتعلقاتها ، فمنها : فتنة الشهوات، وفتنة الشبهات، فتنة المؤمن ، وفتنة الكافر ، فتنة المحيا ، وفتنة الممات ، فتنة القبر، وفتنة النار ، فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره، وفتن تموج كموج البحر .
ومرادنا هذا النوع الأخير الذي يعصف بعموم الناس ، ويجتاح الخاص والعام ، ويتتابع، ويتراكب، كموج البحر، وينشأ عنه الهرج والمرج، حتى يدع الحليم حيراناً. فعن حذيفة، رضي الله عنه، قال: بينا نحن جلوس عند عمر، إذ قال: أيكم يحفظ قول النبي صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟ قال: فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره تكفرها الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال: ليس عن هذا أسألك، ولكن التي تموج كموج البحر. قال: ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين. إن بينك وبينها بابا مغلقا. قال عمر: أيكسر الباب أم يفتح؟ قال: لا، بل يكسر.قال عمر: إذاً لا يغلق أبدا. قلت: أجل. قلنا لحذيفة: أكان عمر يعلم الباب؟قال: نعم، كما يعلم أن دون غد ليلة، وذلك أني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط. فهبنا أن نسأله من الباب، فأمرنا مسروقا فسأله، فقال: من الباب؟ قال عمر) رواه البخاري.
فمنذ ذلك الحين، والفتن تتابع في هذه الأمة، تذكو تارة، فتلتهم من استشرفها، وتخبو أخرى، فيعافي الله من شاء. وقد جعل الله تعالى لعباده المؤمنين سبلاً وأسباباً تقيهم من الوقوع في أتونها. وحذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من مقدماتها، وتضاعيفها، وآثارها. ولم يحدث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ، ومن ثَمَّ أمته ، بهذه الأخبار لتكون مجرد علامة من علامات النبوة ، فحسب ، ولا ليستدفع بها قدر الله المحتوم الذي لابد كائن ، وإنما ليستنقذ بها من سبقت له من الله الحسنى ، ويأخذ بحجزهم عن النار ، إن هم اعتصموا بعواصم الشرع من قواصم الفتن .
وفيما يلي جملة من جملة من العواصم، والعرى الوثقى، لمن استمسك بها.
1- الاعتصام بالله :
قال تعالى: (وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) آل عمران:101، قال ابن كثير، رحمه الله: (الاعتصام بالله، والتوكل عليه هو العمدة في الهداية، والعدة في مباعدة الغواية، والوسيلة إلى الرشاد، وطريق السداد، وحصول المراد) التفسير: 2/86. وقال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِير) الحجُ{78}.قال السعدي، رحمه الله: (أي امتنعوا بع، وتوكلوا عليه في ذلك، ولا تتكلوا على حولكم وقوتكم، هو مولاكم الذي يتولى أموركم، فيدبركم بحسن تدبيره، ويصرفكم على أحسن تقديره. فنعم المولى لمن تولاه فحصل له مطلوبه، ونعم النصير لمن استنصره، فدفع عنه المكروه) التفسير.
ومن الاعتصام بالله، الفزع إلى الصلاة، فـ(الصلاة نور) رواه مسلم. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.رواه الطبري. فعن أم سلمة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فزعا يقول: سبحان الله! ماذا أنزل الله من الخزائن! وماذا أنزل من الفتن! من يوقظ صواحب الحجرات، يريد أزواجه، لكي يصلين. رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة) رواه البخاري.
ومن الاعتصام بالله دعاؤه، سبحانه، والاستعاذة به من الفتن. فعن أنس، رضي الله عنه، قال: سألوا النبي صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه بالمسألة، فصعد النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم المنبر فقال: لا تسألوني عن شيء إلا بينت لكم. فجعلت أنظر يمينا وشمالاً، فإذا كل رجل رأسه في ثوبه يبكي، فأنشأ رجل كان إذا لاحى يدعى إلى غير أبيه، فقال: يا نبي الله: من أبي؟ فقال: أبوك حذافة. ثم أنشأ عمر فقال: رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً. نعوذ بالله من سوء الفتن. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما رأيت في الخير والشر كاليوم قط! إنه صورت لي الجنة والنار حتى رأيتهما دون الحائط) رواه البخاري، وفي رواية: (عائذا بالله من سوء الفتن أو قال أعوذ بالله من سوأى الفتن)
2- الاعتصام بكتاب الله :
ختم النبي صلى الله عليه وسلم خطبته يوم عرفة، بقوله: (وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله) رواه مسلم.
وعن الحارث الأعور الهمداني قال: مررت في المسجد، فإذا الناس يخوضون في الأحاديث، فدخلت على علي فقلت: يا أمير المؤمنين، ألا ترى أن الناس قد خاضوا في الأحاديث؟ قال: وقد فعلوها؟ قلت: نعم. قال: أما إني قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( ألا إنها ستكون فتنة. فقلت: ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله؛ فيه نبأ ما كان قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم. وهو الفصل ليس بالهزل. من تركه من جبار قصمه الله،ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله. وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم. هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الرد،ولا تنقضي عجائبه. هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: " إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد" من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم )خذها إليك يا أعور. قال أبو عيسى: هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وإسناده مجهول، وفي الحارث مقال . سنن الترمذي ج5/ص172.والدارمي، وابن أبي شيبة.وقال ابن كثير: وقد روي موقوفا عن علي رضي الله عنه وهو أشبه والله أعلم 1/28.
3- الاعتصام بالسنة :
عن أبي نجيح، العرباض بن سارية، رضي الله عنه، قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع، فأوصنا. قال: ( أوصيكم بتقوى الله عز وجل، والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد؛ فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا. فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ. وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة ) رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
ومن أسباب الاعتصام بالسنة، إفشاء العلم، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يتقارب الزمان، وينقص العلم، ويلقى الشح، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج. قالوا: يا رسول الله، أيما هو؟ قال: القتل القتل) وفي رواية: (إن بين يدي الساعة لأياماً ينزل فيها الجهل، ويرفع فيها العلم، ويكثر فيها الهرج) وفي أخرى:(بين يدي الساعة أيام الهرج، يزول فيها العلم، ويظهر فيها الجهل) رواه البخاري
ومن الاعتصام بالسنة، الحذر من الابتداع، والإحداث، والتبديل، فعن عبد الله بن مسعود قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا فرطكم على الحوض، فليرفعن إلي رجال منكم، حتى إذا أهويت لأناولهم، اختلجوا دوني، فأقول: أي رب: أصحابي! يقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك )رواه البخاري.
قال الحافظ ابن حجر: ( تضمن حديث الباب الوعيد على التبديل والإحداث، فإن الفتن، غالباً، إنما تنشأ عن ذلك) الفتح: 13/7.( بتصرف يسير).
4- لزوم جماعة المسلمين :
قال تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) آل عمران: 103.
وعن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله يرضى لكم ثلاثاً، ويسخطُ لكم ثلاثاً؛ يرضى لكم أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم. ويسخطُ لكم ثلاثاً:: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال) رواه مسلم.
وعن ابن عباس، رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى من أميره شيئا يكرهه، فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبرا، فمات، إلا مات ميتة جاهلية) رواه البخاري. قال ابن أبي جمرة: (المراد بالمفارقة: السعي في حل عقد البيعة التي حصلت لذلك الأمير، ولو بأدنى شيء، فكنَّى عنها بمقدار الشبر، لأن الأخذ بذلك يؤول إلى سفك الدماء بغير حق) الفتح :13/10.
وعن ابن عمر،رضي الله عنهما،قال: قال رسول الله صلى الله عيه وسلم : ( من خلع يداً من طاعة، لقي الله ولا حجة له،ومن مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية) رواه مسلم.
قال الحافظ ابن حجر: ( أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب، والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه، لما في ذلك من حقن الدماء، وتسكين الدهماء، وحجتهم هذا الخبر، وغيره مما يساعده، ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح، فلا تجوز طاعته في ذلك،بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها) الفتح: 13/10
وعن حذيفة بن اليمان، رضي الله عنه، قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني. فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم. قلت:وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن. قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر. قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم؛ دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها. قلت: يا رسول الله، صفهم لنا.قال:هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا.قلت:فما تأمرني إن أدركني ذلك؟قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. قلت:فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟قال: فاعتزل تلك الفرق كلها،ولو أن تعض بأصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك)رواه البخاري.
قال ابن بطال: (فيه حجة لجماعة الفقهاء في وجوب لزوم جماعة المسلمين، وترك الخروج على أئمة الجور، لأنه وصف الطائفة الأخيرة بأنهم دعاة على أبواب جهنم، ولم يقل فيهم: تعرف وتنكر، كما قال في الأولين. وهم لا يكونون كذلك إلا وهم على غير حق. وأمر مع ذلك بلزوم الجماعة) الفتح:13/47.
قال الطبري: (والصواب أن المراد من الخبر لزوم الجماعة الذين في طاعة من اجتمعوا على تأميره، فمن نكث بيعته خرج عن الجماعة قال وفي الحديث انه متى لم يكن للناس إمام فافترق الناس أحزابا فلا يتبع أحدا في لفرقة ويعتزل الجميع إن استطاع ذلك خشية من الوقوع في الشر) الفتح:13/47.
5- الصبر على جور الولاة :
عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنكم سترون بعدي أثرة، وأموراً تنكرونها. قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: أدوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم) رواه البخاري.
وعن جنادة بن أبي أمية قال: دخلنا على عبادة بن الصامت، وهو مريض، قلنا: أصلحك الله، حدث بحديث ينفعك الله به، سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم. قال: دعانا النبي صلى الله عليه وسلم، فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا أن بايَعنا على السمع والطاعة، في منشطنا، ومكرهنا، وعسرنا، ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن ترو كفرا بواحاً، عندكم من الله فيه برهان) رواه البخاري.
قال الخطابي: (معنى قوله بَواحا: يريد ظاهراً بادياً، من قولهم باح بالشيء يبوح به بوحاً وبواحاً، إذا أذاعه وأظهره) الفتح:13/11. قال شيخنا، رحمه الله: ( لابد من شروط أربعة: 1- الرؤية-2- كونه كفراً لا فسقاً-3- كونه بَواحاً لا محتملاً-4-عندنا فيه من الله برهان. ولا بد من القدرة ) باختصار من التعليق الصوتي على كتاب الفتن .
قال الحافظ في معنى البرهان: (أي نص آية، أو خبر صحيح، لا يحتمل التأويل. ومقتضاه أنه لا يجوز الخروج عليهم ما دام فعلهم يحتمل التأويل) الفتح: 13/11.
وعن يزيد بن سلمة الجعفي، رضي الله عنه، أنه قال : يا رسول الله: إن كان علينا أمراء يأخذون بالحق الذي علينا، ويمنعونا الحق الذي لنا، أنقاتلهم؟ قال:( لا.عليهم ما حملوا، وعليكم ما حملتم) رواه الطبراني .وفي رواية عن أم سلمة، رضي الله عنها، : أفلا نقاتلهم؟ قال: ( لا. ما صلوا) رواه مسلم. ومن حديث عوف بن مالك، رضي الله عنه: قلنا: يا رسول الله: أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال:(لا.ما أقاموا الصلاة) وفي رواية: ( وإذا رأيتم من ولاتكم شيئاً تكرهونه، فاكرهوا عمله، ولا تنزعوا يداً من طاعة) رواهما مسلم
للأمانة منقول من موقع باب التوبة