تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : القيادة الربانية


@سلمى@
2011-03-18, 11:17
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إن من أخطر عوائق التمكين غياب القيادة الربانية, وذلك أن قادة الأمة هم عصب حياتها، وبمنزلة الرأس من جسدها، فإذا صلح القادة صلحت الأمة, وإذا فسد القادة صار هذا الفساد إلى الأمة، ولقد فطن أعداء الإسلام لأهمية القيادة في حياة الأمة الإسلامية، ولذلك حرصوا كل الحرص على ألا يمكنوا القيادات الربانية من امتلاك نواصي الأمور وأزمة الحكم في الأمة الإسلامية, ففي خطة لويس التاسع أوصى بـ «عدم تمكين البلاد الإسلامية والعربية من أن يقوم بها حاكم صالح» كما أوصى بـ «العمل على إفساد أنظمة الحكم في البلاد الإسلامية بالرشوة والفساد والنساء، حتى تنفصل القاعدة عن القمة»

وصرح المستشرق البريطاني «مونتجومري وات» في جريدة التايمز اللندنية قائلا: «إذا وجد القائد المناسب الذي يتكلم الكلام المناسب عن الإسلام فإن من الممكن لهذا الدين أن يظهر كإحدى القوى السياسية العظمى في العالم مرة أخرى»

وقال المستشرق الصهيوني: «برنارد لويس» تحت عنوان: «عودة الإسلام» في دراسة نشرها عام 1976م: «... إن غياب القيادة العصرية المثقفة؛ القيادة التي تخدم الإسلام بما يقتضيه العصر من علم وتنظيم، إن غياب هذه القيادة قد قيدت حركة الإسلام كقوة منتصرة، ومنع غياب هذه القيادات الحركات الإسلامية من أن تكون منافسا خطيرا على السلطة في العالم الإسلامي, لكن هذه الحركات يمكن أن تتحول إلى قوى سياسية هائلة إذا تهيأ لهذا النوع من القيادة».

ويظهر للباحث أهمية القيادة الربانية في فقه التمكين، وقد تكلم العلماء عن صفات القائد الرباني ونجملها في أمور ونركز على بعضها بالتفصيل، فمن أهم هذه الصفات: سلامة المعتقد، والعلم الشرعي، والثقة بالله، والقدوة، والصدق، والكفاءة، والشجاعة، والمروءة، والزهد، وحب التضحية، وحسن اختياره لمعاونيه، والتواضع، وقبول التضحية، والحلم، والصبر وعلو الهمة، و التميز بخفة الروح والدعابة، والحزم والإرادة القوية، والعدل والاحترام المتبادل والقدرة على حل المشكلات، والقدرة على التعليم وإعداد القادة، وغير ذلك من الصفات.
إن من أهم أسباب التمكين أن يتولى أمور الدعوة وقيادة المسلمين قيادة ربانية قد جرى الإيمان في قلبها وعروقها وانعكست ثماره على جوارحها وتفجرت صفات التقوى في أعمالها وسكناتها وأحوالها.
إن القيادة الربانية تستطيع أن تنتقل بفضل الله وتوفيقه بالحركة نحو أهدافها المرسومة بخطوات ثابتة, ولابد أن يكون العلماء الربانيون هم قلب القيادة الربانية وعقلها المفكر حتى تسير الحركة والأمة على بصيرة وهدى وعلم.
ولابد أن نحدد من هم العلماء الذين يكونون على رأس القيادة الربانية.
والعلماء المقصودون هم: العارفون بشرع الله، المتفقهون في دينه، العاملون بعلمهم على هدى وبصيرة، الذين وهبهم الله الحكمة "وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الألْبَابِ" [البقرة: 269].
والعلماء هم: الذين جعل الله عز وجل عماد الناس عليهم في الفقه، والعلم, وأمور الدين والدنيا.
والعلماء هم: (فقهاء الإسلام، ومن دار الفتيا على أقوالهم بين الأنام الذين خصوا باستنباط الأحكام، وعُنوا بضبط قواعد الحلال والحرام) .
والعلماء هم: أئمة الدين، نالوا هذه المنزلة العظيمة بالاجتهاد والصبر واليقين "وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ" [السجدة: 24].
والعلماء هم: ورثة الأنبياء، ورثوا عنهم العلم، فهم يحملونه في صدورهم وينطبع في الجملة - على أعمالهم - ويدعون الناس إليه.
والعلماء هم: الفرقة التي نفرت من هذه الأمة لتتفقه في دين الله، ثم تقوم بواجب الدعوة، ومهمة الإنذار "وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ" [التوبة: 122].
والعلماء هم : هداة الناس الذين لا يخلو زمان منهم حتى يأتي أمر الله، فهم رأس الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة, يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم، أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس) .

كيف يعرف العلماء؟
إن العلماء يعرفون بعلمهم، فالعلم هو الميزة التي تميزهم عن غيرهم، فهم إن جهل الناس نطقوا بالعلم الموروث عن إمام المرسلين صلى الله عليه وسلم (ويعرفون برسوخ أقدامهم في مواطن الشبهة، حيث تزيغ الأفهام فلا يسلم إلا من آتاه الله العلم، أو من اتبع أهل العلم).

فالعلماء أطواد ثابتة، لأنهم أهل اليقين الراسخ الذي اكتسبوه بالعلم، يقول الإمام ابن قيم الجوزية - رحمه الله -: (إن الراسخ في العلم لو وردت عليه من الشبهة بعدد أمواج البحر ما أزالت يقينه، ولا قدحت فيه شكا، لأنه قد رسخ في العلم فلا تستفزه الشبهات، بل إذا وردت عليه ردها حرسُ العلم وجيشه مغلولة مغلوبة).

إن العلماء يعرفون -أيضا- بجهادهم، ودعوتهم إلى الله عز وجل, وبذلهم الأوقات، والجهود في سبيل الله.

ويعرفون بنسكهم وخشيتهم لله، لأنهم أعرف الناس بالله, يقول الله عز وجل: صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ" [فاطر: 28].

وقال الإمام ابن تيمية رحمه الله: «ومن له في الأمة لسان صدق عام بحيث يثني عليه ويحمد في جماهير أجناس الأمة، فهؤلاء أئمة الهدى ومصابيح الدجى». وهذا حق، فالمسلمون شهداء الله في أرضه.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «وجبت». ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا، فقال: «وجبت». فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما وجبت؟ قال: «هذا أثنيتم عليه خيرا، فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرا، فوجبت له النار, أنتم شهداء الله في الأرض».

ومما يعرف به العالم شهادة مشايخه له بالعلم، فقد دأب علماء المسلمين من سلف هذه الأمة ومن تبعهم بإحسان على توريث علومهم، الذين يتبوؤون من بعدهم منازلهم وتصبح لهم الريادة، والإمامة في الأمة، ولا يتصدر هؤلاء التلاميذ حتى يروا إقرار مشايخهم لهم بالعلم، وإذنهم لهم بالتصدر، والإفتاء والتدريس.
قال الإمام مالك - رحمه الله -: (لا ينبغي لرجل يرى نفسه أهلا لشيء حتى يسأل من كان أعلم منه، وما أفتيت حتى سألت ربيعة ويحيى بن سعيد فأمراني بذلك، ولو نهياني لانتهيت) .
وقال: (... ليس كل من أحب أن يجلس في المسجد للتحديث والفتيا جلس، حتى يشاور فيه أهل الصلاح والفضل، وأهل الجهة من المسجد، فإن رأوه أهلا لذلك جلس, وما جلست حتى شهد لي سبعون شيخًا من أهل العلم أني موضع ذلك) .

هذه بعض الدلائل الدالة على علم العالم، أما المناصب ونحوها ليست الدليل على العلم.

إن العلماء لا يحددون ويختارون عن طريق الانتخابات، ولا عن طريق التعيين الوظيفي، أو الشهادات الجامعية والدرجات والألقاب العلمية، فكأين من عالم في تاريخ الأمة تصدر وعلا ذكره، وأصبح إماما للأمة كلها، وهو لم يعرف المناصب، وما الإمام أحمد بن حنبل، وابن تيمية إلا مثل من هذا التاريخ الطويل.

وهذا لا يعني أن كل من عين في منصب علمي ليس بعالم، بل المراد أن المنصب ليس دليلا على العلم، وإلا فإن الشأن عندما يكون الحاكم خيرا، أن يكون الولاة، والقضاة، والمفتون كذلك، بل قد يوجد في عهد ظالم قضاة عادلون ومفتون ثقات.
وهناك ملاحظة مهمة جدا ألا وهي التفريق بين العلماء وبين ما قد يشتبه بهم.

التفريق بين العلماء والقراء
إن هناك بونًا شاسعًا بين القارئ للعلوم الشرعية والفقيه فيها.
إن القارئ لديه نتف وجزئيات أمسك بها من خلال قراءته لبعض الكتب، وإطلاعه على أقوال أهل العلم فهو لم يعان العلم، ولم يشافه العلماء، ولم يزاحمهم بالركب في الحِلَق، ولذلك فإنه وإن رأيته متضلعا في موضوع من موضوعات الفقه والشريعة إلا أنه يغلق عليه عندما يسأله في مسألة من مسائل العلم.

أما العالم الفقيه فليس كأولئك، بل هو ذو فهم شامل عام للإسلام، وإطلاع على مجمل الأحكام الشرعية، فهو لم يقرأ نتفا، بل درس العلوم الشرعية دراسة شمولية عامة، فمر على مسائل العلم واستطاع تخريجها على أصولها وأصبحت لديه ملكة فهم النصوص، وعرف مقاصد الشريعة وأهدافها.

إن علمه لم يأته من قراءة ليلة، بل من سهر الليالي ومعاناة الأيام، فشأن العلماء أنهم لا يقفون عند حد في التعلم، بل هم دائمو الطلب، دائبو التعلم.

ولابد - أيضا - من التفريق بين العلماء والمفكرين والمثقفين، إن مفكري الأمة لهم مكانتهم، وبعضهم قد نفع الله عز وجل بهم نفعا كبيرا، ولكنهم مع ذلك لن يغنوا عن العلماء شيئاً إلا في حدود علمهم وقدرتهم. كما أن المثقفين وهم فئة من الأخيار الصالحين ذوي تخصصات علمية برزوا فيها سواء في العلوم التجريبية مثل: الطب والهندسة والكيمياء أو في العلوم المسماة بـ: «العلوم الإنسانية» مثل علم النفس، وعلم التربية، وعلم الاجتماع, فهؤلاء وإن حُمد لهم تخصصهم في مثل هذه العلوم فصاروا مرجعًا فيها فإنهم غير مختصين في العلوم الشرعية، وهم في الاصطلاح العلمي الشرعي جمهور المسلمين، وعوامهم الذين يجب أن يكونوا وراء العلماء.

ويجب أن يرجعوا للعلماء في أمور الشريعة، ويكونوا عونًا لهم في شرح واقع تخصصاتهم، فالطبيب يشرح الأمور الطبية، والاقتصادي يشرح الجوانب الاقتصادية العصرية وهكذا، وإن كلام هؤلاء (المفكرين) والمثقفين يجب أن يكون محكومًا بالشرع، وأما إذا بنى هؤلاء المثقفون و(المفكرون) كلامهم في أمور الشريعة، وأحوال الأمة العامة على أساس من العقول والأهواء، وإطلاق القول بالمصالح دون نظر في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال العلماء الراسخين، فإنهم بذلك يكونون أشبه بأهل الكلام وقد (أجمع أهل الفقه والآثار من جميع الأمصار أن أهل الكلام أهل بدع وزيغ ولا يعدون عند الجميع في جميع الأمصار في طبقات العلماء، وإنما العلماء أهل الأثر والفقه ويتفاضلون فيه بالإتقان والفهم) .

التفريق بين العلماء والخطباء والوعاظ

قال ابن مسعود رضي الله عنه: «إنكم في زمان كثير علماؤه قليل خطباؤه، وإن بعدكم زمانا كثير خطباؤه والعلماء فيه قليل».

إن العالم قد يكون عيياً لا يحسن الكلام، أو هو - بطبعه - قليل الكلام غير قادر على الخطابة، وقد يكون من العوام من هو بليغ اللسان يقلب الألفاظ كيف يشاء.

هذا التفريق مهم جدا فيما بين العلماء الراسخين وممن يشتبه بهم، ولذلك لابد أن يقود العمل الإسلامي القادة الربانيون وعلى رأسهم العلماء الراسخون.

نسأل الله الكريم أن يمن ويرزق الأمة قائدا ربانيا حتى تصلح وتعز وتمكن إنه ولي ذلك والقادر عليه

للدكتور علي محمد الصلابي

جواهر الجزائرية
2011-03-23, 06:10
بارك الله فيك يا أخية وسدد خطاك وأنار دربك وعظم أجرك وأحسن خاتمتك وسرت في درب العزة والكرامة مهما كانت الابتلاآت أخيتي المميزة والمتألقة سلمى سلمت لنا وللكل المسلمين

محب السلف الصالح
2011-03-23, 06:26
أحسن الله إليك

أم دجانة
2011-03-23, 07:49
بارك الله فيك اختي سلمى

@سلمى@
2011-03-23, 15:13
بارك الله فيك يا أخية وسدد خطاك وأنار دربك وعظم أجرك وأحسن خاتمتك وسرت في درب العزة والكرامة مهما كانت الابتلاآت أخيتي المميزة والمتألقة سلمى سلمت لنا وللكل المسلمين
الله يسلمك أخيتي جواهر نقية وفيكِ بارك المولى وجازاكِ الرحمان بمثل ما دعيتِ وأكثر وأسعدكِ في الدارين وبورك فيكِ على دعائك وردك الطيب

@سلمى@
2011-03-23, 15:14
أحسن الله إليك
وإليكم وجزيتم خيرا على ردكم الطيب

@سلمى@
2011-03-23, 15:15
بارك الله فيك اختي سلمى
وفيكِ بارك المولى أخية وجزيتِ خيرا على ردك الطيب