محب السلف الصالح
2011-03-14, 06:35
من مشكلات الشباب
فضيلة الشيخ: محمد بن صالح العثيمين
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم باحسان وسلم تسليما.
وبعد:
فإنه ليسرني أن أقدم إلى إخواني مشكلة من أهم المشكلات، لا في المجتمع الإسلامي فحسب، بل في كل مجتمع، وهي: مشكلة الشباب في هذا العصر.
فإن الشباب يرد على قلوبهم من المشكلات الفكرية والنفسية ما يجعلهم أحيانا في قلق من الحياة، محاولين جهدهم التخلص من ذلك القلق، وكشف تلك الغمة، ولن يتحقق ذلك لهم إلا بالدين والأخلاق، اللذين بهما قوام المجتمع، وصلاح الدنيا والآخرة، وبهما تحل الخيرات والبركات، وتزول الشرور والآفات.
إن البلاد لا تعمر إلا بساكنيها، والدين لا يقوم إلا بأهله، ومتى قاموا به نصرهم الله مهما كان أعداؤهم، قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ }.
وإذا كان الدين لا يقوم إلا بأهله، فإن علينا أهل الإسلام وحملة لوائه أن نُقَوِّم أنفسنا أولاً؛ لنكون أهلاً للقيادة والهداية، ومحلاً للتوفيق والسداد. علينا أن نتعلم من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما يؤهلنا للقول والعمل والتوجيه والدعوة؛ لنحمل السلاح الماضي والنور المبين لكل من يريد الحق، وعلى كل من يريد الباطل.
ص -4- ثم علينا أن نطبق ما علمناه من ذلك تطبيقا عمليا، صادرًا عن إيمان ويقين، وإخلاص ومتابعة.
وأن لا يكون شأننا الكلام فقط؛ فإن الكلام إذا لم يصدقه العمل فلن يتجاوز الأثير الذي يحمله، ولن يكون فيه إلا النتيجة العكسية: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ }.
وإن الأجدر بنا أن ننطلق من البداية فنتأمل في شبابنا وما هم عليه من أفكار وأعمال، كي ننمي منها ما كان صالحا، ونصلح منها ما كان فاسدًا، لأن الشباب اليوم هم رجال الغد، وهم الأصل الذي ينبني عليه مستقبل الأمة، ولذلك جاءت النصوص الشرعية بالحث على حسن رعايتهم وتوجيههم إلى ما فيه الخير والصلاح، فإذا صلح الشباب وهم أصل الأمة الذي ينبنى عليه مستقبلها، وكان صلاحه مبنيا على دعائم قوية من الدين والأخلاق فسيكون للأمة مستقبل زاهر، ولشيوخنا خلفاء صالحون إن شاء الله
نظرة في الشباب
إذا نظرنا نظرة فاحصة في الشباب أمكننا أن نحكم من حيث العموم بأن الشباب ثلاثة أقسام:
شباب مستقيم. وشباب منحرف. وشباب متحَيِّر بَيْنَ بَيْنَ.
أما الشباب المستقيم فهو:
شباب مؤمن بكل ما تحمله هذه الكلمة من معني، فهو مؤمن بدينه إيمان محب له، ومقتنع به، ومغتبط به، يرى الظفر به غنيمة والحرمان منه خسرانا مبينا.
ص -5- شباب يعبد الله مخلصا له الدين وحده لا شريك له.
شباب يتبع رسوله محمدًاصلى الله عليه وسلم في قوله وعمله، فعلاً وتركا، لأنه يؤمن بأنه رسول الله، وأنه الإمام المتبوع.
شباب يقيم الصلاة على الوجه الأكمل بقدر ما يستطيع، لأنه يؤمن بما في الصلاة من الفوائد والمصالح الدينية والدنيوية الفردية والاجتماعية، وما يترتب على إضاعتها من عواقب وخيمة للأفراد والشعوب.
شباب يؤتي الزكاة إلى مستحقيها كاملة من غير نقص، لأنه يؤمن بما فيها من سد جاجة الإسلام والمسلمين، مما اقتضى أن تكون به أحد أركان الإسلام الخمسة.
شباب يصوم شهر رمضان، فيمتنع عن شهواته ولذاته، إن صيفا وإن شتاءً، لأنه يؤمن بأن ذلك في مرضاة الله، فيقدم ما يرضاه ربه على ما تهواه نفسه.
شباب يؤدي فريضة الحج إلى بيت الله الحرام، لأنه يحب الله فيحب بيته والوصول إلى أماكن رحمته ومغفرته، ومشاركة إخوانه المسلمين القادمين إلى تلك الأماكن.
شباب يؤمن بالله خالقه وخالق السموات والأرض، لأنه يرى من آيات الله سبحانه ما لا يدع مجالاً للشك والتردد في وجود الله، فيرى في هذا الكون الواسع البديع في شكله ونظامه ما يدل دلالة قاطعة على وجود مبدعه، وعلى كمال قدرته، وبالغ حكمته؛ لأن هذا الكون لا يمكن أن يوجد نفسه بنفسه، ولا يمكن أن يوجد مصادفة، لأنه قبل الوجود معدوم، والمعدوم لا يكون موجدًا لأنه هو غير موجود.
ص -6- ولا يمكن أن يوجد مصادفة لأنه ذو نظام بديع متناسق، لا يتغير ولا يختلف عن السُّنة التي قُدِّرَ له أن يسير عليها: { فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً }
{ مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ }.
وإذا كان هذا الكون على نظام بديع متناسق امتنع أن يكون وجوده مصادفة؛ لأن الموجود مصادفة سيكون انتظامه مصادفة أيضا ، فيكون قابلاً للتغيّر والاضطراب في أي لحظة.
شباب يؤمن بملائكة الله، لأن الله أخبر عنهم في كتابه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر عنهم في السنة، وفي الكتاب والسنة من أوصافهم وعباداتهم وأعمالهم التي يقومون بها لمصلحة الخلق ما يدل دلالة قاطعة على وجودهم حقيقة.
شباب يؤمن بكتب الله التي أنزلها على رسله، هداية إلى الصراط المستقيم؛ لأن العقل البشري لا يمكنه إدراك التفاصيل في مصالح العبادات والمعاملات.
شباب يؤمن بأنبياء الله ورسله الذين بعثهم الله إلى الخلق، يدعونهم إلى الخير، ويأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر؛ لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، وأول الرسل نوح، وآخرهم محمد، عليهم جميعا أفضل الصلاة والسلام.
شباب يؤمن باليوم الآخر الذي يبعث الناس فيه أحياء بعد الموت ليجازوا بأعمالهم، { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً
ص -7- يَرَهُ } لأن ذلك نتيجة الدنيا كلها، فما فائدة الحياة وما حكمتها إذا لم يكن للخلق يوم يُجازى فيه المحسن بإحسانه والمسىء بإساءته.
شباب يؤمن بالقدر خيره وشره، فيؤمن بأن كل شيء بقضاء الله وقدره، مع إيمانه بالأسباب وآثارها، وأن السعادة لها أسباب والشقاء له أسباب.
شباب يدين بالنصيحة لله ولكتابه ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولأئمة المسلمين وعامتهم، فيعامل المسلمين بالصراحة والبيان كما يحب أن يعاملوه بهما، فلا خداع ولا غش، ولا التواء ولا كتمان.
شباب يدعو إلى الله على بصيرة حسب الخطة التي بينها الله في كتابه: { أُدْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }.
شباب يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؛ لأنه يؤمن أن في ذلك سعادة الشعوب والأمة: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ }
شباب يسعى في تغيير المنكر على النحو الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطيع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه".
شباب يقول الصدق ويقبل الصدق؛ لأن الصدق يهدي إلي البر، والبر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرّى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا.
ص -8- شباب يحب الخير لعامة المسلمين؛ لأنه يؤمن بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
شباب يشعر بالمسؤولية أمام الله وأمام أمته ووطنه، فيسعى دائما لما فيه مصلحة الدين والأمة والوطن، بعيدًا عن الأنانية، ومراعاة مصلحته الخاصة على حساب مصلحة الآخرين.
شباب يجاهد لله وبالله وفي الله، يجاهد بالإخلاص له، لا رياء ولا سمعة، ويجاهد بالله مستعينا به، غير معجب بنفسه، ولا معتمد على حوله وقوته، ويجاهد في الله في إطار دينه، من غير غلو ولا تقصير، يجاهد بلسانه ويده وماله حسبما تتطلبه حاجة الإسلام والمسلمين.
شباب ذو خلق ودين، فهو مهذب الأخلاق، مستقيم الدين، لين الجانب، رحب الصدر، كريم النفس، طيب القلب، صبور متحمل، لكنه حازم لا يضيع الفرصة، ولا يُغَلِّب العاطفة على جانب العقل والإصلاح.
شباب متّزن منظّم، يعمل بحكمة وصمت، مع إتقان في العمل وجودة، لا يضيع فرصة من عمره إلا شغلها بما هو نافع له ولأمته.
ومع أن هذا الشباب محافظ على دينه وأخلاقه وسلوكه، فهو كذلك بعيد كل البعد عما يناقض ذلك من الكفر والإلحاد، والفسوق والعصيان، والاخلاق السافلة، والمعاملة السيئة.
فهذا القسم من الشباب مفخرة الأمة، ورمز حياتها وسعادتها ودينها، وهو
ص -9- الشباب الذي نرجو الله من فضله أن يصلح به ما فسد من أحوال المسلمين، وينير به الطريق للسالكين، وهو الشباب الذي ينال سعادة الدنيا والآخرة.
أما القسم الثاني من الشباب:
فشباب منحرف في عقيدته، متهوِّر في سلوكه، مغرور بنفسه، منغمر في رذائله، لا يقبل الحق من غيره، ولا يمتنع عن باطل في نفسه، أناني في تصرفه، كأنما خلق للدنيا وخلقت الدنيا له وحده.
شباب عنيد، لا يلين للحق، ولا يقلع عن الباطل.
شباب لا يبالى بما أضاع من حقوق الله، ولا من حقوق الآدميين.
شباب فوضوي، فاقد الاتزان في تفكيره، وفاقد الاتزان في سلوكه في جميع تصرفاته.
شباب معجب برأيه، كأنما يجري الحق على لسانه، فهو عند نفسه معصوم من الزلل، أما غيره فمعرض للخطأ والزلل ما دام مخالفا لما يراه.
شباب ناكب عن الصراط المستقيم في دينه، وناكب عن التقاليد الاجتماعية في سلوكه، ولكنه قد زين له سوء عمله فرآه حسنا، فهو من الأخسرين أعمالاً، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
فهو شؤم على نفسه، ونكبة على مجتمعه، يجر أمته إلى أسفل السافلين، ويحول بينها وبين العزة والكرامة، جرثومة وبيئة قتالة صعبة العلاج، إلا أن يشاء الله، والله على كل شيء قدير.
والقسم الثالث من الشباب:
شباب حائر متردد، بين مفترق الطرق، عرف الحق واطمأن به وعاش في مجتمع محافظ، إلا أنه انفتحت عليه أبواب الشر
ص -10- من كل جانب: تشكيك في العقيدة، وانحراف في السلوك، وفساد في العمل، وخروج عن المعروف من التقاليد، وتيارات من الباطل متنوعة، فهو في دوامة فكرية ونفسية. وقف أمام هذه التيارات حيران، لا يدرى هل الحق فيما حدث وجدَّ من هذه الأفكار والمباديء والمسالك ؟. أو فيما كان عليه سلفه الماضي ومجتمعه المحافظ ؟، فصار مترددًا قلقا، يرجح هذا تارة، وذاك أخرى.
فهذا القسم من الشباب سلبي في حياته، يحتاج إلى جاذب قوي يقوده إلى حظيرة الحق وطريق الخير، وما أيسر ذلك إذا هيأ الله له داعية خير، ذا حكمة وعلم ونية حسنة.
وهذا القسم يكثر في شباب نالوا بعضا من الثقافة الإسلامية، لكنهم درسوا كثيرًا من العلوم الكونية الأخرى التي تعارض الدين في الواقع أو في ظنهم، فوقفوا حيارى أمام الثقافتين.
ويمكنهم التخلص من هذه الحيرة بالتركيز على الثقافة الإسلامية، وتلقيها من منبعها الأصلي الكتاب والسنة، على أيدي العلماء المخلصين، وما ذلك عليهم بعزيز.
انحراف الشباب ومشكلاته
إن أسباب انحراف ومشكلات الشباب كثيرة متنوعة، وذلك لأن الإنسان في مرحلة الشباب يكون على جانب كبير من التطور الجسمي والفكري والعقلي، لأنها مرحلة النمو، فيحصل له تطورات سريعة في التحوّل والتقلب، فمن ثَمَّ كان من الضروري في هذه المرحلة أن تهيأ له أسباب ضبط النفس وكبح جماحها، والقيادة الحكيمة التي توجهه إلى الصراط المستقيم.
فضيلة الشيخ: محمد بن صالح العثيمين
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم باحسان وسلم تسليما.
وبعد:
فإنه ليسرني أن أقدم إلى إخواني مشكلة من أهم المشكلات، لا في المجتمع الإسلامي فحسب، بل في كل مجتمع، وهي: مشكلة الشباب في هذا العصر.
فإن الشباب يرد على قلوبهم من المشكلات الفكرية والنفسية ما يجعلهم أحيانا في قلق من الحياة، محاولين جهدهم التخلص من ذلك القلق، وكشف تلك الغمة، ولن يتحقق ذلك لهم إلا بالدين والأخلاق، اللذين بهما قوام المجتمع، وصلاح الدنيا والآخرة، وبهما تحل الخيرات والبركات، وتزول الشرور والآفات.
إن البلاد لا تعمر إلا بساكنيها، والدين لا يقوم إلا بأهله، ومتى قاموا به نصرهم الله مهما كان أعداؤهم، قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ }.
وإذا كان الدين لا يقوم إلا بأهله، فإن علينا أهل الإسلام وحملة لوائه أن نُقَوِّم أنفسنا أولاً؛ لنكون أهلاً للقيادة والهداية، ومحلاً للتوفيق والسداد. علينا أن نتعلم من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما يؤهلنا للقول والعمل والتوجيه والدعوة؛ لنحمل السلاح الماضي والنور المبين لكل من يريد الحق، وعلى كل من يريد الباطل.
ص -4- ثم علينا أن نطبق ما علمناه من ذلك تطبيقا عمليا، صادرًا عن إيمان ويقين، وإخلاص ومتابعة.
وأن لا يكون شأننا الكلام فقط؛ فإن الكلام إذا لم يصدقه العمل فلن يتجاوز الأثير الذي يحمله، ولن يكون فيه إلا النتيجة العكسية: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ }.
وإن الأجدر بنا أن ننطلق من البداية فنتأمل في شبابنا وما هم عليه من أفكار وأعمال، كي ننمي منها ما كان صالحا، ونصلح منها ما كان فاسدًا، لأن الشباب اليوم هم رجال الغد، وهم الأصل الذي ينبني عليه مستقبل الأمة، ولذلك جاءت النصوص الشرعية بالحث على حسن رعايتهم وتوجيههم إلى ما فيه الخير والصلاح، فإذا صلح الشباب وهم أصل الأمة الذي ينبنى عليه مستقبلها، وكان صلاحه مبنيا على دعائم قوية من الدين والأخلاق فسيكون للأمة مستقبل زاهر، ولشيوخنا خلفاء صالحون إن شاء الله
نظرة في الشباب
إذا نظرنا نظرة فاحصة في الشباب أمكننا أن نحكم من حيث العموم بأن الشباب ثلاثة أقسام:
شباب مستقيم. وشباب منحرف. وشباب متحَيِّر بَيْنَ بَيْنَ.
أما الشباب المستقيم فهو:
شباب مؤمن بكل ما تحمله هذه الكلمة من معني، فهو مؤمن بدينه إيمان محب له، ومقتنع به، ومغتبط به، يرى الظفر به غنيمة والحرمان منه خسرانا مبينا.
ص -5- شباب يعبد الله مخلصا له الدين وحده لا شريك له.
شباب يتبع رسوله محمدًاصلى الله عليه وسلم في قوله وعمله، فعلاً وتركا، لأنه يؤمن بأنه رسول الله، وأنه الإمام المتبوع.
شباب يقيم الصلاة على الوجه الأكمل بقدر ما يستطيع، لأنه يؤمن بما في الصلاة من الفوائد والمصالح الدينية والدنيوية الفردية والاجتماعية، وما يترتب على إضاعتها من عواقب وخيمة للأفراد والشعوب.
شباب يؤتي الزكاة إلى مستحقيها كاملة من غير نقص، لأنه يؤمن بما فيها من سد جاجة الإسلام والمسلمين، مما اقتضى أن تكون به أحد أركان الإسلام الخمسة.
شباب يصوم شهر رمضان، فيمتنع عن شهواته ولذاته، إن صيفا وإن شتاءً، لأنه يؤمن بأن ذلك في مرضاة الله، فيقدم ما يرضاه ربه على ما تهواه نفسه.
شباب يؤدي فريضة الحج إلى بيت الله الحرام، لأنه يحب الله فيحب بيته والوصول إلى أماكن رحمته ومغفرته، ومشاركة إخوانه المسلمين القادمين إلى تلك الأماكن.
شباب يؤمن بالله خالقه وخالق السموات والأرض، لأنه يرى من آيات الله سبحانه ما لا يدع مجالاً للشك والتردد في وجود الله، فيرى في هذا الكون الواسع البديع في شكله ونظامه ما يدل دلالة قاطعة على وجود مبدعه، وعلى كمال قدرته، وبالغ حكمته؛ لأن هذا الكون لا يمكن أن يوجد نفسه بنفسه، ولا يمكن أن يوجد مصادفة، لأنه قبل الوجود معدوم، والمعدوم لا يكون موجدًا لأنه هو غير موجود.
ص -6- ولا يمكن أن يوجد مصادفة لأنه ذو نظام بديع متناسق، لا يتغير ولا يختلف عن السُّنة التي قُدِّرَ له أن يسير عليها: { فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً }
{ مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ }.
وإذا كان هذا الكون على نظام بديع متناسق امتنع أن يكون وجوده مصادفة؛ لأن الموجود مصادفة سيكون انتظامه مصادفة أيضا ، فيكون قابلاً للتغيّر والاضطراب في أي لحظة.
شباب يؤمن بملائكة الله، لأن الله أخبر عنهم في كتابه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر عنهم في السنة، وفي الكتاب والسنة من أوصافهم وعباداتهم وأعمالهم التي يقومون بها لمصلحة الخلق ما يدل دلالة قاطعة على وجودهم حقيقة.
شباب يؤمن بكتب الله التي أنزلها على رسله، هداية إلى الصراط المستقيم؛ لأن العقل البشري لا يمكنه إدراك التفاصيل في مصالح العبادات والمعاملات.
شباب يؤمن بأنبياء الله ورسله الذين بعثهم الله إلى الخلق، يدعونهم إلى الخير، ويأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر؛ لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، وأول الرسل نوح، وآخرهم محمد، عليهم جميعا أفضل الصلاة والسلام.
شباب يؤمن باليوم الآخر الذي يبعث الناس فيه أحياء بعد الموت ليجازوا بأعمالهم، { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً
ص -7- يَرَهُ } لأن ذلك نتيجة الدنيا كلها، فما فائدة الحياة وما حكمتها إذا لم يكن للخلق يوم يُجازى فيه المحسن بإحسانه والمسىء بإساءته.
شباب يؤمن بالقدر خيره وشره، فيؤمن بأن كل شيء بقضاء الله وقدره، مع إيمانه بالأسباب وآثارها، وأن السعادة لها أسباب والشقاء له أسباب.
شباب يدين بالنصيحة لله ولكتابه ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولأئمة المسلمين وعامتهم، فيعامل المسلمين بالصراحة والبيان كما يحب أن يعاملوه بهما، فلا خداع ولا غش، ولا التواء ولا كتمان.
شباب يدعو إلى الله على بصيرة حسب الخطة التي بينها الله في كتابه: { أُدْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }.
شباب يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؛ لأنه يؤمن أن في ذلك سعادة الشعوب والأمة: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ }
شباب يسعى في تغيير المنكر على النحو الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطيع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه".
شباب يقول الصدق ويقبل الصدق؛ لأن الصدق يهدي إلي البر، والبر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرّى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا.
ص -8- شباب يحب الخير لعامة المسلمين؛ لأنه يؤمن بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
شباب يشعر بالمسؤولية أمام الله وأمام أمته ووطنه، فيسعى دائما لما فيه مصلحة الدين والأمة والوطن، بعيدًا عن الأنانية، ومراعاة مصلحته الخاصة على حساب مصلحة الآخرين.
شباب يجاهد لله وبالله وفي الله، يجاهد بالإخلاص له، لا رياء ولا سمعة، ويجاهد بالله مستعينا به، غير معجب بنفسه، ولا معتمد على حوله وقوته، ويجاهد في الله في إطار دينه، من غير غلو ولا تقصير، يجاهد بلسانه ويده وماله حسبما تتطلبه حاجة الإسلام والمسلمين.
شباب ذو خلق ودين، فهو مهذب الأخلاق، مستقيم الدين، لين الجانب، رحب الصدر، كريم النفس، طيب القلب، صبور متحمل، لكنه حازم لا يضيع الفرصة، ولا يُغَلِّب العاطفة على جانب العقل والإصلاح.
شباب متّزن منظّم، يعمل بحكمة وصمت، مع إتقان في العمل وجودة، لا يضيع فرصة من عمره إلا شغلها بما هو نافع له ولأمته.
ومع أن هذا الشباب محافظ على دينه وأخلاقه وسلوكه، فهو كذلك بعيد كل البعد عما يناقض ذلك من الكفر والإلحاد، والفسوق والعصيان، والاخلاق السافلة، والمعاملة السيئة.
فهذا القسم من الشباب مفخرة الأمة، ورمز حياتها وسعادتها ودينها، وهو
ص -9- الشباب الذي نرجو الله من فضله أن يصلح به ما فسد من أحوال المسلمين، وينير به الطريق للسالكين، وهو الشباب الذي ينال سعادة الدنيا والآخرة.
أما القسم الثاني من الشباب:
فشباب منحرف في عقيدته، متهوِّر في سلوكه، مغرور بنفسه، منغمر في رذائله، لا يقبل الحق من غيره، ولا يمتنع عن باطل في نفسه، أناني في تصرفه، كأنما خلق للدنيا وخلقت الدنيا له وحده.
شباب عنيد، لا يلين للحق، ولا يقلع عن الباطل.
شباب لا يبالى بما أضاع من حقوق الله، ولا من حقوق الآدميين.
شباب فوضوي، فاقد الاتزان في تفكيره، وفاقد الاتزان في سلوكه في جميع تصرفاته.
شباب معجب برأيه، كأنما يجري الحق على لسانه، فهو عند نفسه معصوم من الزلل، أما غيره فمعرض للخطأ والزلل ما دام مخالفا لما يراه.
شباب ناكب عن الصراط المستقيم في دينه، وناكب عن التقاليد الاجتماعية في سلوكه، ولكنه قد زين له سوء عمله فرآه حسنا، فهو من الأخسرين أعمالاً، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
فهو شؤم على نفسه، ونكبة على مجتمعه، يجر أمته إلى أسفل السافلين، ويحول بينها وبين العزة والكرامة، جرثومة وبيئة قتالة صعبة العلاج، إلا أن يشاء الله، والله على كل شيء قدير.
والقسم الثالث من الشباب:
شباب حائر متردد، بين مفترق الطرق، عرف الحق واطمأن به وعاش في مجتمع محافظ، إلا أنه انفتحت عليه أبواب الشر
ص -10- من كل جانب: تشكيك في العقيدة، وانحراف في السلوك، وفساد في العمل، وخروج عن المعروف من التقاليد، وتيارات من الباطل متنوعة، فهو في دوامة فكرية ونفسية. وقف أمام هذه التيارات حيران، لا يدرى هل الحق فيما حدث وجدَّ من هذه الأفكار والمباديء والمسالك ؟. أو فيما كان عليه سلفه الماضي ومجتمعه المحافظ ؟، فصار مترددًا قلقا، يرجح هذا تارة، وذاك أخرى.
فهذا القسم من الشباب سلبي في حياته، يحتاج إلى جاذب قوي يقوده إلى حظيرة الحق وطريق الخير، وما أيسر ذلك إذا هيأ الله له داعية خير، ذا حكمة وعلم ونية حسنة.
وهذا القسم يكثر في شباب نالوا بعضا من الثقافة الإسلامية، لكنهم درسوا كثيرًا من العلوم الكونية الأخرى التي تعارض الدين في الواقع أو في ظنهم، فوقفوا حيارى أمام الثقافتين.
ويمكنهم التخلص من هذه الحيرة بالتركيز على الثقافة الإسلامية، وتلقيها من منبعها الأصلي الكتاب والسنة، على أيدي العلماء المخلصين، وما ذلك عليهم بعزيز.
انحراف الشباب ومشكلاته
إن أسباب انحراف ومشكلات الشباب كثيرة متنوعة، وذلك لأن الإنسان في مرحلة الشباب يكون على جانب كبير من التطور الجسمي والفكري والعقلي، لأنها مرحلة النمو، فيحصل له تطورات سريعة في التحوّل والتقلب، فمن ثَمَّ كان من الضروري في هذه المرحلة أن تهيأ له أسباب ضبط النفس وكبح جماحها، والقيادة الحكيمة التي توجهه إلى الصراط المستقيم.