hakimfree1
2011-03-11, 21:04
روى أحمد ومسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم: " ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلاّ عزّا، وما تواضع أحد لله إلاّ رفعه الله "
وروى أحمد وأبو داود والتّرمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم : " الصّلح جائز بين المسلمين إلاّ صلحا أحلّ حراما، أو حرّم حلالا ".
طبائع النّاس في هذه الدّنيا مختلفة، وأهواؤهم متقلّبة، ومصالحهم متباينة، ولله في ذلك حكمة، وهو القائل سبحانه: " ولو شاء ربّك لجعل النّاس أمّة واحدة ولا يزالون مختلفين. إلاّ من رحم ربّك و لذلك خلقهم ".
وصراع الحياة على حطام الأرض لا ينتهي، وقد تحدث بين الناس خصومة ومنازعة ، ومن هنا أوجب الإسلام الإصلاح بين المتخاصمين، حتّى ترجع النّفوس إلى الحق ، وتصفو القلوب من دنس الدّنيا و حطامها، وتتعلّق بخزائن الله الواسعة .
* روى عبادة بن الصّامت قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه و سلّم إلى بدر فلقوا العدوّ فلمّا هزمهم الله اتّبعتهم طائفة من المسلمين يقتلونهم، وأحدقت طائفة برسول الله صلّى الله عليه و سلّم، واستولت طائفة على العسكر والنّهب فلمّا نفى الله العدو ورجع الّذين طلبوهم قالوا: لنا النّفل، نحن الّذين طلبنا العدوّ وبنا نفاهم الله وهزمهم .
وقال الذين أحدقوا برسول الله صلّى الله عليه و سلّم: ما أنتم أحقّ به منّا، بل هو لنا، نحن أحدقنا برسول الله لئلاّ ينال العدوّ منه غرّة .
و قال الّذين استولوا على العسكر والنّهب: ما أنتم بأحقّ منّا، هو لنا، نحن حويناه واستولينا عليه، فأنزل الله عزّ وجلّ: " يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرّسول فاتّقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين " . فقسمه رسول الله عن فواق بينهم. ذكره القرطبي في تفسيره .
* قوّة هذه الأمّة في عصمتها بدينها وتآلفها و اتّحاد كلمتها، وكلّما نزغ الشّيطان بين المؤمنين بنار الفتنة قيَّض الله من عباده الأتقياء البررة من يخمد نارها ويصلح بين المتخاصمين ، " إنّما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتّقوا الله لعلّكم ترحمون ". فإصلاح ذات البين لا يأتي إلاّ بالخير، وبه تآلف القلوب وطهارة النّفوس وزوال الخلاف والفرقة وجمع الكلمة واتّحاد الأمّة .
جلس جمع من الأوس والخزرج في المدينة وهم يتحدّثون وبينهم ألفة وحبّ ومودّة، فمرّ أحد اليهود فساءه ما هم عليه من اجتماع وألفة ومحبّة، فأرسل رجلا معه ليجلس بينهم ويذكّرهم بأيّام بعاث، وهذه كانت حرب دارت بينهما مائة وعشرين عاما، رغم أنّهما قبيلتان لأب واحد وأمّ واحدة .
فحميت نفوسهم وغضب بعضهم علي بعض ونادوا بشعارهم يا للأوس يا للخزرج وأخذوا سلاحهم وتواعدوا الحرّة للإقتتال فلمّا سمع بذلك النّبي جاء مسرعا وجعل يسكتهم ويقول: أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ وتلا عليهم قوله تعالي:
" واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرّقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النّار فأنقذكم منها كذلك يبيّن الله لكم آياته لعلّكم تهتدون". فندموا على ما كان منهم وبكوا وتعانقوا وألقوا سلاحهم رضي الله عنهم .
* إصلاح النّفوس فيه مشقّة وعناء، فليس تسليّة ولا أمرا هيّنا، لأنّ التّعامل مع الحجارة والحديد قد يكون أيسر من التّعامل مع بعض النّفوس البشريّة الّتي قد لا تلين كما يلين الحديد، ولا تخشع كما تتفجّر بعض الحجارة بالأنهار .
ومن هنا رغّبنا ربّنا جلَّ وعلا في مهمّة الإصلاح بين النّاس ووعد عليه أجرا سمّاه أجرا عظيما:
" لا خير في كثير من نجواهم إلاّ من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين النّاس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما ".
روي التّرمذي وابن ماجه والبيهقي عن أمّ حبيبة قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم : " كلام ابن آدم كلّه عليه لا له إلاّ أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر، أو ذكر الله عزّ و جلّ ". كم يخوض النّاس في مجالس لا ثمرة لها ؟ وكم تضيّع الأوقات والأعمار في غفلات ومعاصي ؟ فهنيئا لمن استعمله الله بطاعته ؟
* قد يضطرّ الإنسان للكلمة الطّيّبة الحانية يصلح بها بين اثنين، فنفى الإسلام تهمة الكذب عن المصلح بين النّاس، روي البخاري ومسلم عن أم كلثوم بنت عقبة قالت : قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم : " ليس الكذّاب بالّذي يصلح بين النّاس فيَنْمِي خيرا، أو يقول خيرا ".
الإسلام ما حصر ثواب الطّاعات في العبادات من صلاة و تهجّد وصيام و تلاوة للقرآن ، بل جعل هناك درجة أفضل وأعلى عند الله من درجة صيام التطوّع وصلاة النّافلة وصدقة النّافلة، ما هو هذا العمل الذي يبلّغنا هذه الدرجة ؟
روى أحمد والتّرمذي وأبو داود عن أبي الدّرداء قال: قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم: " ألا أخبركم بأفضل من درجة الصّيام والصّلاة والصّدقة ؟ قالوا: بلى. قال صلّى الله عليه و سلّم: إصلاح ذات البين ". ومن أبى إلاّ المشاحنة وسواد القلب وكبر النّفس فقد حرّم نفسه من المغفرة و بات محروما من عفو الله عنه.
روى مسلم وأبو داود والتّرمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم : " تُفتـح أبواب الجنّة يوم الإثنين ويوم الخميس، فيغفر فيهما لكلّ عبد لا يشرك بالله شيئا إلاّ رجل كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيُقال: أنظروا هذين حتّى يصطلحا ".
* إنّ الشّيطان لا يهدأ إذا وجد مودّة وحبّا بين المؤمنين، ويتميّز غيظا إذا رآهم مجتمعين علي الطّاعة متآلفين، فينفث سمّه ويوقد نار الفتنة والعداوة بينهم، لأنّه بفساد ذات البين تحلّ الهزائم وتتفرّق الكلمة ويكون الفشل. " ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا ".
وروى أحمد والتّرمذي عن الزّبير بن العوّام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم: " دبّ إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء. هي الحالقة ، حالقة الدّين لا حالقة الشّعر. والّذي نفس محمّد بيده لا تدخلوا الجنّة حتّى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتّى تحابّوا. أفلا أنبّئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السّلام بينكم " .
إن الأعلى مقاما وقدرا وقيمة، والأقرب إلى الله والأتقى، هو الّذي يبادر بالسّلام فالصّلح خير، وقد بيَّن النّبي صلّى الله عليه و سلّم أنّ أفضل المتخاصمين هو الّذي لا تأخذه العزّة بالإثم و يبادر إلى أخيه بالسّلام، روى البخاري عن أبي أيّوب الأنصاري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم : " لا يحلّ لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيُعرض هذا ويُعرض هذا، وخيرهما الّذي يبدأ بالسّلام ".
* وهذه صفة من صفات أهل الجنّة نسأل الله أن يجعلنا من سكّانها، تُرى ما هي؟ أن يبيت المسلم و ليس في صدره غلاّ ولا حقدا لمسلم، حينما أخبر النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم أصحابه قائلا: يطلع عليكم رجل من أهل الجنّة ثلاثة أيام متواليّة، فصحبه عبد الله بن عمرو ليعرف العمل الّذي بلغ به هذه المنزلة، فلم يجد عنده مزيد عمل حتّى كاد أن يستقلّ عمله الّذي بلغ به هذه المنزلة، فلمّا سأله عن عمله قال: هو ما رأيت غير أنّني أبيت وليس في قلبي غلاّ لمسلم .
فقال عبد الله بن عمرو: هذه هي الّتي بلغتْ بك وهي الّتي لا نطيق. أيّ صفة غالية تحتاج إلي مجاهدة للنّفس لا إدّعاء باللسان.
* للصلح آداب ولا سيما إذا كان بين الزّوجين ومنها أن يكون :
- مخلصا لوجه الله: كبقيّة الأعمال و الطّاعات لقوله سبحانه :" ومن يفعل ذلك ابتغاء وجه الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما "، فلا سمعة ولا تفاخر ولا رياء، ولا سعيّا في الإصلاح ابتغاء منفعة أو مصلحة من الطّرفين.
- حكيما: متأنّيا في التّعامل مع الخصوم.
- أمينا : على الأعراض والحرمات وأسرار البيوت، فلا يفشي لهم سرّا، ولا يشيع ما اطّلع عليه من أسباب الخصومة وخاصّة بين الأقارب و الأزواج، فالمجالس بالأمانة.
- عادلا: في إجراء الصّلح لا جائرا ولا ظالما، قال سبحانه:" فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إنّ الله يحب المقسطين ".
* وهذا درس للأصهار يتعلّمونه من حياة نبيّهم صلّى الله عليه و سلّم وكيف كان حنانه وحرصه علي ابنته واستقرار بيتها وهي الّتي بقيت له بعد موت أمّها وأخواتها، ما كان لعلي كرّم الله وجهه إسم كنيّة أحبّ إليه من أبي تراب، و إن كان ليفرح به إذا دُعي بها ، روى البخاري عن سهل بن سعد قال: جاء رسول الله صلّى الله عليه و سلّم بيت فاطمة ، فلم يجد علياً في البيت، فقال صلّى الله عليه و سلّم : " أين ابن عمّك ؟ ".
فقالت رضي الله عنها: كان بيني وبينه شيء ، فغاضبني فخرج فلم يقلّ عندي، فقال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم لإنسان : " انظر أين هو ". فجاء فقال: يا رسول الله هو في المسجد راقد، فجاء رسول الله صلّى الله عليه و سلّم وهو مضطجع، قد سقط رداؤه عن شقّه فأصابه تراب، فجعل رسول الله يمسحه عنه وهو يقول :" قم أبا تراب قم أبا تراب ".
وتهلّل وجه النّبي عندما أصلح بينهما، فالخلاف وارد في البيوت الزوجيّة وليس ذلك مدعاة ليحرّض أهل الزّوجين كلّ منهما طرفه على الآخر ويقف في صفّه خصما للآخر، و إنّما يقتدي بنبيّه حينما جعل نفسه كالأب الحنون الشّفيق علي الطرفين فأصلح ما بينهما.
كم من بيت كاد أن ينهدم بسبب خلاف تافه بين الزّوج والزّوجة وكاد الطّلاق يعصف بالبيت ومن فيه ؟ وإذا بهذا المصلح الصّالح بكلمة طيّبة و نصيحة حانيّة وربّما مال مبذول يصلح به بين زوجين و يمسك بيتا مسلما متماسكا خشية الإنهيار؟
كم من قطيعة كادت أن تكون بين أخوين أو صديقين أو قريبين بسبب زلّة أو هفوة، وإذا بهذا المصلح الصّالح يطفئ نار الفتنة والقطيعة ويصلح ما بينهما؟
كم عصم الله بالمصلحين من دماء وأموال؟ كم أطفأ بهم نار فتن ومكائد شيطان كادت أن تشتعل لولا فضل الله ثمّ المصلحين ؟
- وهذا موقف آخر داخل بيت النّبوة كيف كان فيه الإصلاح برفق ولين ورحمة، روى أبو داود عن النّعمان بن بشير قال: استأذن أبو بكر على النّبي صلّى الله عليه و سلّم فسمع صوت عائشة عالياً، فلمّا دخل تناولها ليلطمها وقال: ألا أراك ترفعين صوتك على رسول الله! فجعل النّبيُّ صلّى الله عليه و سلّم يحجزه، وخرج أبو بكر مغضباً.
فقال النّبيّ حين خرج أبو بكر: "كيف رأيتني أنقذتك من الرجل ؟ " .
قال: فمكث أبو بكر أيّاماً، ثم استأذن على رسول الله فوجدهما قد اصطلحا، فقال لهما : أدخلاني في سلمكما كما أدخلتماني في حربكما.
فقال النبي صلّى الله عليه و سلّم: " قد فعلنا ، قد فعلنا " .
حقّا هذه هي أخلاق الأصهار، فلا خصومة ولا عراك، ولا وحشة ولا قطيعة، فالكلمة الطّيّبة بلسم يشفي الجروح الغائرة ويداوي علل النّفوس المستعصيّة، ويؤلّف بين القلوب من أقصر طريق و أوضح سبيل.
الكلمة الطّيّبة صدقة، والمؤمن هيّن ليّن سهل، والله يبغض الرّجل الألدّ الخصم، العنيد
فليتنا نسعى لإصلاح نفوسنا أوّلا ثمّ نسعى لإصلاح ذات بيننا و مجتمعنا و وطننا الحبيب
أتمنّى أن تكون رسالتي وصلت إليكم
دمتم سالمين
وروى أحمد وأبو داود والتّرمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم : " الصّلح جائز بين المسلمين إلاّ صلحا أحلّ حراما، أو حرّم حلالا ".
طبائع النّاس في هذه الدّنيا مختلفة، وأهواؤهم متقلّبة، ومصالحهم متباينة، ولله في ذلك حكمة، وهو القائل سبحانه: " ولو شاء ربّك لجعل النّاس أمّة واحدة ولا يزالون مختلفين. إلاّ من رحم ربّك و لذلك خلقهم ".
وصراع الحياة على حطام الأرض لا ينتهي، وقد تحدث بين الناس خصومة ومنازعة ، ومن هنا أوجب الإسلام الإصلاح بين المتخاصمين، حتّى ترجع النّفوس إلى الحق ، وتصفو القلوب من دنس الدّنيا و حطامها، وتتعلّق بخزائن الله الواسعة .
* روى عبادة بن الصّامت قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه و سلّم إلى بدر فلقوا العدوّ فلمّا هزمهم الله اتّبعتهم طائفة من المسلمين يقتلونهم، وأحدقت طائفة برسول الله صلّى الله عليه و سلّم، واستولت طائفة على العسكر والنّهب فلمّا نفى الله العدو ورجع الّذين طلبوهم قالوا: لنا النّفل، نحن الّذين طلبنا العدوّ وبنا نفاهم الله وهزمهم .
وقال الذين أحدقوا برسول الله صلّى الله عليه و سلّم: ما أنتم أحقّ به منّا، بل هو لنا، نحن أحدقنا برسول الله لئلاّ ينال العدوّ منه غرّة .
و قال الّذين استولوا على العسكر والنّهب: ما أنتم بأحقّ منّا، هو لنا، نحن حويناه واستولينا عليه، فأنزل الله عزّ وجلّ: " يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرّسول فاتّقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين " . فقسمه رسول الله عن فواق بينهم. ذكره القرطبي في تفسيره .
* قوّة هذه الأمّة في عصمتها بدينها وتآلفها و اتّحاد كلمتها، وكلّما نزغ الشّيطان بين المؤمنين بنار الفتنة قيَّض الله من عباده الأتقياء البررة من يخمد نارها ويصلح بين المتخاصمين ، " إنّما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتّقوا الله لعلّكم ترحمون ". فإصلاح ذات البين لا يأتي إلاّ بالخير، وبه تآلف القلوب وطهارة النّفوس وزوال الخلاف والفرقة وجمع الكلمة واتّحاد الأمّة .
جلس جمع من الأوس والخزرج في المدينة وهم يتحدّثون وبينهم ألفة وحبّ ومودّة، فمرّ أحد اليهود فساءه ما هم عليه من اجتماع وألفة ومحبّة، فأرسل رجلا معه ليجلس بينهم ويذكّرهم بأيّام بعاث، وهذه كانت حرب دارت بينهما مائة وعشرين عاما، رغم أنّهما قبيلتان لأب واحد وأمّ واحدة .
فحميت نفوسهم وغضب بعضهم علي بعض ونادوا بشعارهم يا للأوس يا للخزرج وأخذوا سلاحهم وتواعدوا الحرّة للإقتتال فلمّا سمع بذلك النّبي جاء مسرعا وجعل يسكتهم ويقول: أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ وتلا عليهم قوله تعالي:
" واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرّقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النّار فأنقذكم منها كذلك يبيّن الله لكم آياته لعلّكم تهتدون". فندموا على ما كان منهم وبكوا وتعانقوا وألقوا سلاحهم رضي الله عنهم .
* إصلاح النّفوس فيه مشقّة وعناء، فليس تسليّة ولا أمرا هيّنا، لأنّ التّعامل مع الحجارة والحديد قد يكون أيسر من التّعامل مع بعض النّفوس البشريّة الّتي قد لا تلين كما يلين الحديد، ولا تخشع كما تتفجّر بعض الحجارة بالأنهار .
ومن هنا رغّبنا ربّنا جلَّ وعلا في مهمّة الإصلاح بين النّاس ووعد عليه أجرا سمّاه أجرا عظيما:
" لا خير في كثير من نجواهم إلاّ من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين النّاس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما ".
روي التّرمذي وابن ماجه والبيهقي عن أمّ حبيبة قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم : " كلام ابن آدم كلّه عليه لا له إلاّ أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر، أو ذكر الله عزّ و جلّ ". كم يخوض النّاس في مجالس لا ثمرة لها ؟ وكم تضيّع الأوقات والأعمار في غفلات ومعاصي ؟ فهنيئا لمن استعمله الله بطاعته ؟
* قد يضطرّ الإنسان للكلمة الطّيّبة الحانية يصلح بها بين اثنين، فنفى الإسلام تهمة الكذب عن المصلح بين النّاس، روي البخاري ومسلم عن أم كلثوم بنت عقبة قالت : قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم : " ليس الكذّاب بالّذي يصلح بين النّاس فيَنْمِي خيرا، أو يقول خيرا ".
الإسلام ما حصر ثواب الطّاعات في العبادات من صلاة و تهجّد وصيام و تلاوة للقرآن ، بل جعل هناك درجة أفضل وأعلى عند الله من درجة صيام التطوّع وصلاة النّافلة وصدقة النّافلة، ما هو هذا العمل الذي يبلّغنا هذه الدرجة ؟
روى أحمد والتّرمذي وأبو داود عن أبي الدّرداء قال: قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم: " ألا أخبركم بأفضل من درجة الصّيام والصّلاة والصّدقة ؟ قالوا: بلى. قال صلّى الله عليه و سلّم: إصلاح ذات البين ". ومن أبى إلاّ المشاحنة وسواد القلب وكبر النّفس فقد حرّم نفسه من المغفرة و بات محروما من عفو الله عنه.
روى مسلم وأبو داود والتّرمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم : " تُفتـح أبواب الجنّة يوم الإثنين ويوم الخميس، فيغفر فيهما لكلّ عبد لا يشرك بالله شيئا إلاّ رجل كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيُقال: أنظروا هذين حتّى يصطلحا ".
* إنّ الشّيطان لا يهدأ إذا وجد مودّة وحبّا بين المؤمنين، ويتميّز غيظا إذا رآهم مجتمعين علي الطّاعة متآلفين، فينفث سمّه ويوقد نار الفتنة والعداوة بينهم، لأنّه بفساد ذات البين تحلّ الهزائم وتتفرّق الكلمة ويكون الفشل. " ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا ".
وروى أحمد والتّرمذي عن الزّبير بن العوّام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم: " دبّ إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء. هي الحالقة ، حالقة الدّين لا حالقة الشّعر. والّذي نفس محمّد بيده لا تدخلوا الجنّة حتّى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتّى تحابّوا. أفلا أنبّئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السّلام بينكم " .
إن الأعلى مقاما وقدرا وقيمة، والأقرب إلى الله والأتقى، هو الّذي يبادر بالسّلام فالصّلح خير، وقد بيَّن النّبي صلّى الله عليه و سلّم أنّ أفضل المتخاصمين هو الّذي لا تأخذه العزّة بالإثم و يبادر إلى أخيه بالسّلام، روى البخاري عن أبي أيّوب الأنصاري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم : " لا يحلّ لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيُعرض هذا ويُعرض هذا، وخيرهما الّذي يبدأ بالسّلام ".
* وهذه صفة من صفات أهل الجنّة نسأل الله أن يجعلنا من سكّانها، تُرى ما هي؟ أن يبيت المسلم و ليس في صدره غلاّ ولا حقدا لمسلم، حينما أخبر النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم أصحابه قائلا: يطلع عليكم رجل من أهل الجنّة ثلاثة أيام متواليّة، فصحبه عبد الله بن عمرو ليعرف العمل الّذي بلغ به هذه المنزلة، فلم يجد عنده مزيد عمل حتّى كاد أن يستقلّ عمله الّذي بلغ به هذه المنزلة، فلمّا سأله عن عمله قال: هو ما رأيت غير أنّني أبيت وليس في قلبي غلاّ لمسلم .
فقال عبد الله بن عمرو: هذه هي الّتي بلغتْ بك وهي الّتي لا نطيق. أيّ صفة غالية تحتاج إلي مجاهدة للنّفس لا إدّعاء باللسان.
* للصلح آداب ولا سيما إذا كان بين الزّوجين ومنها أن يكون :
- مخلصا لوجه الله: كبقيّة الأعمال و الطّاعات لقوله سبحانه :" ومن يفعل ذلك ابتغاء وجه الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما "، فلا سمعة ولا تفاخر ولا رياء، ولا سعيّا في الإصلاح ابتغاء منفعة أو مصلحة من الطّرفين.
- حكيما: متأنّيا في التّعامل مع الخصوم.
- أمينا : على الأعراض والحرمات وأسرار البيوت، فلا يفشي لهم سرّا، ولا يشيع ما اطّلع عليه من أسباب الخصومة وخاصّة بين الأقارب و الأزواج، فالمجالس بالأمانة.
- عادلا: في إجراء الصّلح لا جائرا ولا ظالما، قال سبحانه:" فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إنّ الله يحب المقسطين ".
* وهذا درس للأصهار يتعلّمونه من حياة نبيّهم صلّى الله عليه و سلّم وكيف كان حنانه وحرصه علي ابنته واستقرار بيتها وهي الّتي بقيت له بعد موت أمّها وأخواتها، ما كان لعلي كرّم الله وجهه إسم كنيّة أحبّ إليه من أبي تراب، و إن كان ليفرح به إذا دُعي بها ، روى البخاري عن سهل بن سعد قال: جاء رسول الله صلّى الله عليه و سلّم بيت فاطمة ، فلم يجد علياً في البيت، فقال صلّى الله عليه و سلّم : " أين ابن عمّك ؟ ".
فقالت رضي الله عنها: كان بيني وبينه شيء ، فغاضبني فخرج فلم يقلّ عندي، فقال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم لإنسان : " انظر أين هو ". فجاء فقال: يا رسول الله هو في المسجد راقد، فجاء رسول الله صلّى الله عليه و سلّم وهو مضطجع، قد سقط رداؤه عن شقّه فأصابه تراب، فجعل رسول الله يمسحه عنه وهو يقول :" قم أبا تراب قم أبا تراب ".
وتهلّل وجه النّبي عندما أصلح بينهما، فالخلاف وارد في البيوت الزوجيّة وليس ذلك مدعاة ليحرّض أهل الزّوجين كلّ منهما طرفه على الآخر ويقف في صفّه خصما للآخر، و إنّما يقتدي بنبيّه حينما جعل نفسه كالأب الحنون الشّفيق علي الطرفين فأصلح ما بينهما.
كم من بيت كاد أن ينهدم بسبب خلاف تافه بين الزّوج والزّوجة وكاد الطّلاق يعصف بالبيت ومن فيه ؟ وإذا بهذا المصلح الصّالح بكلمة طيّبة و نصيحة حانيّة وربّما مال مبذول يصلح به بين زوجين و يمسك بيتا مسلما متماسكا خشية الإنهيار؟
كم من قطيعة كادت أن تكون بين أخوين أو صديقين أو قريبين بسبب زلّة أو هفوة، وإذا بهذا المصلح الصّالح يطفئ نار الفتنة والقطيعة ويصلح ما بينهما؟
كم عصم الله بالمصلحين من دماء وأموال؟ كم أطفأ بهم نار فتن ومكائد شيطان كادت أن تشتعل لولا فضل الله ثمّ المصلحين ؟
- وهذا موقف آخر داخل بيت النّبوة كيف كان فيه الإصلاح برفق ولين ورحمة، روى أبو داود عن النّعمان بن بشير قال: استأذن أبو بكر على النّبي صلّى الله عليه و سلّم فسمع صوت عائشة عالياً، فلمّا دخل تناولها ليلطمها وقال: ألا أراك ترفعين صوتك على رسول الله! فجعل النّبيُّ صلّى الله عليه و سلّم يحجزه، وخرج أبو بكر مغضباً.
فقال النّبيّ حين خرج أبو بكر: "كيف رأيتني أنقذتك من الرجل ؟ " .
قال: فمكث أبو بكر أيّاماً، ثم استأذن على رسول الله فوجدهما قد اصطلحا، فقال لهما : أدخلاني في سلمكما كما أدخلتماني في حربكما.
فقال النبي صلّى الله عليه و سلّم: " قد فعلنا ، قد فعلنا " .
حقّا هذه هي أخلاق الأصهار، فلا خصومة ولا عراك، ولا وحشة ولا قطيعة، فالكلمة الطّيّبة بلسم يشفي الجروح الغائرة ويداوي علل النّفوس المستعصيّة، ويؤلّف بين القلوب من أقصر طريق و أوضح سبيل.
الكلمة الطّيّبة صدقة، والمؤمن هيّن ليّن سهل، والله يبغض الرّجل الألدّ الخصم، العنيد
فليتنا نسعى لإصلاح نفوسنا أوّلا ثمّ نسعى لإصلاح ذات بيننا و مجتمعنا و وطننا الحبيب
أتمنّى أن تكون رسالتي وصلت إليكم
دمتم سالمين