أبو عمار
2011-03-04, 18:02
معاملة الحكام
من كتاب الله والصحيحين وإجماع أئمة الإسلام
قال الله تعالى: {أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء:59]، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: نَزَلَتْ فِي عَبْدِاللهِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ إِذْ بَعَثَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِي سَرِيَّةٍ. متفق عليه [بخاري4584 مسلم1834]
قال الإمام النووي: (المراد بأولي الأمر من أوجب الله طاعته من الولاة والأمراء هذا قول جماهير السلف والخلف من المفسرين والفقهاء وغيرهم) [شرح مسلم (12/223)].
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: <مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمَنْ يُطِعِ الْأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ يَعْصِ الْأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي، وَإِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ، وَيُتَّقَى بِهِ، فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللهِ وَعَدَلَ؛ فَإِنَّ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرًا، وَإِنْ قَالَ بِغَيْرِهِ فَإِنَّ عَلَيْهِ مِنْهُ> متفق عليه [البخاري 2957 مسلم 1835]
وعن عبدالله بن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أنه قال: <عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ، فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ؛ إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ> متفق عليه [البخاري (7114)، مسلم(1839)]
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: <عَلَيْكَ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ> رواه مسلم [1836].
قال النووي في شرح الحديث ناقلاً عن العلماء: (معناه تجب طاعة ولاة الأمور فيما يشق وتكرهه النفوس وغيره مما ليس بمعصية، فإن كانت معصية فلا سمع ولا طاعة... والأثرة: الاستئثار والاختصاص بأمور الدنيا عليكم. أي: اسمعوا وأطيعوا وأن اختص الأمراء بالدنيا، ولم يوصلوكم حقكم مما عندهم). عن علقمة بن وائل الحضرمي عن أبيه قال:
قَالَ سَأَلَ سَلَمَةُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ، وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ، أَوْ فِي الثَّالِثَةِ فَجَذَبَهُ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ وَقَالَ: <اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ> رواه مسلم في باب في طاعة الأمراء وأن منعوا الحقوق [1846]. عن عوف بن مالك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: <خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ>، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ؟ فَقَالَ: <لَا مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلَاتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ، وَلَا تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ> وفي رواية: <لَا مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ، لَا مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ، أَلَا مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ وَلَا يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ> رواه مسلم [1855].
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: <اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَإِنِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ>. البخاري [7142]. عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: إِنَّ خَلِيلِي -صلى الله عليه وسلم- أَوْصَانِي أَنْ أَسْمَعَ وَأُطِيعَ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا مُجَدَّعَ الْأَطْرَافِ. مسلم [648] عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-، قال : دَعَانَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَبَايَعْنَاهُ، فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا: أَنْ بَايَعَنَا <عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةً عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا، عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ>. متفق عليه [البخاري 7056 مسلم 1840] عن عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: <...وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ، فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ> رواه مسلم [1844]
عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: <مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً>، متفق عليه [بخاري 7053 مسلم 1849]
وتأمل في قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- <شبرًا>.
عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: <إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا> قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَّا ذَلِكَ؟ قَالَ: <تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ وَتَسْأَلُونَ اللهَ الَّذِي لَكُمْ>. متفق عليه [البخاري3603 مسلم1843]
والأثرة: هي استئثار الأمراء بالأموال والمناصب.
وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: <سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ> متفق عليه عن عبدالله زيد [البخاري4330 مسلم1061] وأنس بن مالك [البخاري 3147، مسلم1059[ في قسمة غنائم هوازن (غزوة حنين)، وعن أنس بن مالك في إقطاع الأنصار من أموال البحرين [البخاري2377]، وعن أسيد بن حضير في سؤال رجل من الأنصار لرسول الله أن يستعمله(أي: يوظفه في الدولة) [البخاري 3792، مسلم 1845]، فدل جميع ذلك على الصبر على استئثار الحكام بالأموال والوظائف.
عن حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ أنه سأل رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: <نَعَمْ> قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: <نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ> قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: <قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ> قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: <نَعَمْ دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا> قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، صِفْهُمْ لَنَا. فَقَالَ: <هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا> قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: <تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ> قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟ قَالَ: <فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ>. متفق عليه [البخاري (3606)، مسلم(1847)]
إجماع الأمة على عدم نزع الطاعة من الحاكم المسلم
قال الإمام الطحاوي في عقيدته التي تلقتها الأمة بالقبول: (ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم، ولا ننزع يدًا من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضةً ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة).
قال الإمام النووي: (وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين). [شرح مسلم (12/229)]
وقال الإمام أحمد بن حنبل في «أصول السنة»: (ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق).
قال الصابوني في «عقيدة السلف أصحاب الحديث»: (ويرى أصحاب الحديث الجمعة والعيدين وغيرهما من الصلوات خلف كل إمام مسلم برًّا كان أو فاجرًا، ويرون الدعاء لهم بالتوفيق والصلاح، ولا يرون الخروج عليهم وإن رأوا منهم العدول إلى الجور والحيف).
قال أبوبكر الإسماعيلي في «اعتقاد أئمة الحديث»: (ويرون الصلاة -الجمعة وغيرها- خلف كل إمام مسلم برا كان أو فاجرا... ويرون جهاد الكفار معهم، وإن كانوا جورة، ويرون الدعاء لهم بالصلاح والعطف إلى العدل، ولا يرون الخروج بالسيف عليهم، ولا قتال الفتنة، ويرون قتال الفئة الباغية مع الإمام العادل، إذا كان ووجد على شرطهم في ذلك). قال البربهاري في «شرح السنة»: (ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه وإن جار وذلك لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي ذر الغفاري <اصبر وإن كان عبدا حبشيا> وقوله للأنصار <اصبروا حتى تلقوني على الحوض> وليس من السنة قتال السلطان فإن فيه فساد الدنيا والدين).
وقال حرب الكرماني صاحب الإمام أحمد حيث قال في «العقيدة» التي نقلها عن جميع السلف: (والانقياد لمن ولاه الله عز وجل أمركم، لا تنزع يداً من طاعته، ولا تخرج عليه، حتى يجعل الله لك فرجاً ومخرجا، ولا تخرج على السلطان، وتسمع وتطيع، ولا تنكث بيعته، فمن فعل ذلك، فهو مبتدع مخالف للجماعة) [حادي الأرواح ص 399 – 406]
-----------------
من كتاب الله والصحيحين وإجماع أئمة الإسلام
قال الله تعالى: {أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء:59]، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: نَزَلَتْ فِي عَبْدِاللهِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ إِذْ بَعَثَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِي سَرِيَّةٍ. متفق عليه [بخاري4584 مسلم1834]
قال الإمام النووي: (المراد بأولي الأمر من أوجب الله طاعته من الولاة والأمراء هذا قول جماهير السلف والخلف من المفسرين والفقهاء وغيرهم) [شرح مسلم (12/223)].
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: <مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمَنْ يُطِعِ الْأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ يَعْصِ الْأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي، وَإِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ، وَيُتَّقَى بِهِ، فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللهِ وَعَدَلَ؛ فَإِنَّ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرًا، وَإِنْ قَالَ بِغَيْرِهِ فَإِنَّ عَلَيْهِ مِنْهُ> متفق عليه [البخاري 2957 مسلم 1835]
وعن عبدالله بن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أنه قال: <عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ، فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ؛ إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ> متفق عليه [البخاري (7114)، مسلم(1839)]
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: <عَلَيْكَ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ> رواه مسلم [1836].
قال النووي في شرح الحديث ناقلاً عن العلماء: (معناه تجب طاعة ولاة الأمور فيما يشق وتكرهه النفوس وغيره مما ليس بمعصية، فإن كانت معصية فلا سمع ولا طاعة... والأثرة: الاستئثار والاختصاص بأمور الدنيا عليكم. أي: اسمعوا وأطيعوا وأن اختص الأمراء بالدنيا، ولم يوصلوكم حقكم مما عندهم). عن علقمة بن وائل الحضرمي عن أبيه قال:
قَالَ سَأَلَ سَلَمَةُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ، وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ، أَوْ فِي الثَّالِثَةِ فَجَذَبَهُ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ وَقَالَ: <اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ> رواه مسلم في باب في طاعة الأمراء وأن منعوا الحقوق [1846]. عن عوف بن مالك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: <خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ>، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ؟ فَقَالَ: <لَا مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلَاتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ، وَلَا تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ> وفي رواية: <لَا مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ، لَا مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ، أَلَا مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ وَلَا يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ> رواه مسلم [1855].
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: <اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَإِنِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ>. البخاري [7142]. عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: إِنَّ خَلِيلِي -صلى الله عليه وسلم- أَوْصَانِي أَنْ أَسْمَعَ وَأُطِيعَ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا مُجَدَّعَ الْأَطْرَافِ. مسلم [648] عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-، قال : دَعَانَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَبَايَعْنَاهُ، فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا: أَنْ بَايَعَنَا <عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةً عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا، عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ>. متفق عليه [البخاري 7056 مسلم 1840] عن عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: <...وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ، فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ> رواه مسلم [1844]
عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: <مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً>، متفق عليه [بخاري 7053 مسلم 1849]
وتأمل في قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- <شبرًا>.
عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: <إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا> قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَّا ذَلِكَ؟ قَالَ: <تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ وَتَسْأَلُونَ اللهَ الَّذِي لَكُمْ>. متفق عليه [البخاري3603 مسلم1843]
والأثرة: هي استئثار الأمراء بالأموال والمناصب.
وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: <سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ> متفق عليه عن عبدالله زيد [البخاري4330 مسلم1061] وأنس بن مالك [البخاري 3147، مسلم1059[ في قسمة غنائم هوازن (غزوة حنين)، وعن أنس بن مالك في إقطاع الأنصار من أموال البحرين [البخاري2377]، وعن أسيد بن حضير في سؤال رجل من الأنصار لرسول الله أن يستعمله(أي: يوظفه في الدولة) [البخاري 3792، مسلم 1845]، فدل جميع ذلك على الصبر على استئثار الحكام بالأموال والوظائف.
عن حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ أنه سأل رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: <نَعَمْ> قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: <نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ> قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: <قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ> قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: <نَعَمْ دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا> قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، صِفْهُمْ لَنَا. فَقَالَ: <هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا> قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: <تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ> قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟ قَالَ: <فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ>. متفق عليه [البخاري (3606)، مسلم(1847)]
إجماع الأمة على عدم نزع الطاعة من الحاكم المسلم
قال الإمام الطحاوي في عقيدته التي تلقتها الأمة بالقبول: (ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم، ولا ننزع يدًا من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضةً ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة).
قال الإمام النووي: (وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين). [شرح مسلم (12/229)]
وقال الإمام أحمد بن حنبل في «أصول السنة»: (ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق).
قال الصابوني في «عقيدة السلف أصحاب الحديث»: (ويرى أصحاب الحديث الجمعة والعيدين وغيرهما من الصلوات خلف كل إمام مسلم برًّا كان أو فاجرًا، ويرون الدعاء لهم بالتوفيق والصلاح، ولا يرون الخروج عليهم وإن رأوا منهم العدول إلى الجور والحيف).
قال أبوبكر الإسماعيلي في «اعتقاد أئمة الحديث»: (ويرون الصلاة -الجمعة وغيرها- خلف كل إمام مسلم برا كان أو فاجرا... ويرون جهاد الكفار معهم، وإن كانوا جورة، ويرون الدعاء لهم بالصلاح والعطف إلى العدل، ولا يرون الخروج بالسيف عليهم، ولا قتال الفتنة، ويرون قتال الفئة الباغية مع الإمام العادل، إذا كان ووجد على شرطهم في ذلك). قال البربهاري في «شرح السنة»: (ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه وإن جار وذلك لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي ذر الغفاري <اصبر وإن كان عبدا حبشيا> وقوله للأنصار <اصبروا حتى تلقوني على الحوض> وليس من السنة قتال السلطان فإن فيه فساد الدنيا والدين).
وقال حرب الكرماني صاحب الإمام أحمد حيث قال في «العقيدة» التي نقلها عن جميع السلف: (والانقياد لمن ولاه الله عز وجل أمركم، لا تنزع يداً من طاعته، ولا تخرج عليه، حتى يجعل الله لك فرجاً ومخرجا، ولا تخرج على السلطان، وتسمع وتطيع، ولا تنكث بيعته، فمن فعل ذلك، فهو مبتدع مخالف للجماعة) [حادي الأرواح ص 399 – 406]
-----------------