عمي صالح
2008-08-17, 20:34
بـــســـم الله الـــرحـــمـــن الـــرحـــيـــم ـ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المخالفات الشرعية في المجالس النسائية
لا تزال الاجتماعات الإنسانية مرتعاً خصباً وبيئة حية لتبادل كثير من الثقافات والعادات، وقد تختلف وسيلة نقل إفرازات تلك الاجتماعات من زمن إلى آخر.
واليوم نرى وسائل الإعلام تساندها القنوات الفضائية ناقلاً نشطاً لأنواع العادات والأفكار، بغثها وسمينها. وآثارها المدمرة ما تلبث أن تظهر جلية على أحوال المتلقي.
ومع أن ديننا الحنيف قد وضع لنا قواعد شرعية راسية ملائمة لكل زمان ومكان (تضمن ـ بإذن الله تعالى ـ صلاح أحوال الناس وعلاقاتهم، وينتهي بسالكيه إلى الجنة غاية المطالب)، فإننا لم نسلم من انعكاسات كثير من التغيرات على أحوالنا وأفعالنا، نتيجة الانفتاح على ثقافات العالم الغربي المبنية على أنظمة وديانات وضعية.
ومن باب التسديد والمقاربة نسلط الضوء على جانب من تلك الجوانب لندرس الأسباب ونصل إلى نتائج.
إن المتأمل في واقع مجتمعاتنا اليوم على وجه العموم، والمجتمعات النسائية على وجه الخصوص، يجد قناعاً براقاً إلا أنه لم يخف سوء ما تحته، وهذا أمر طبيعي، فأي ستار لا يبنى على تقوى من الله تعالى فإنه سرعان ما يتكشف ويبدي سوأته.
وإيماناً منَّا بقناعة القارئ بما يطرح فقد عرضنا استبانة أبدت فيها 88% ممن عرض عليهن السؤال أن المخالفات الشرعية أصبحت ظاهرة ملموسة، وأكدت 96% منهن بأن المخالفات الشرعية موضوع يستحق الطـرح. وفي سؤال عن الفترة العمرية التي يلاحظ فيها انتشار هذه الظاهرة: أكــدت 91% أن سن المراهقة مرتع خصب لها، بينما قالت 73% إن طالبات المرحلة الثانوية أكثر قابلية لها. وتقبلها طالبات الجامعة بنسبة 77%، وأكدت ما نسبته 35% إمكانية ظهورها في المراحل بعد الجامعة.
ونسلط الضوء على محورين رئيسيين نعتقد أنهما الأساس وتأتي المحاور الأخرى تبعاً:
المحور الأول: كون المعروف في هذه الأزمان صار منكراً، والمنكر صار في عرف الناس معروفــاً:
إن من أولى الأولويات في مخططات أعداء الإسلام، وأسوأ المؤامرات على الأمة التي تبناها النظام العالمي الجديد (في إطار نظرية الخلط بين الحق والباطل، والمعروف والمنكر، والسنة والبدعة): تذويب الدين في نفوس المؤمنين، وتحويل جماعة المسلمين إلى قطيع يساق خلف شهواته، مستغرق في ملذاته، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً. كذلك فإن هذا النظام حريص على أن يصب فيهم العقائد المهزومة والأفكار المتردية، فقد أرّقهم أن يكون المسلمون قوة واحدة مترابطة بأخلاق وآداب وقيم ثابتة، وساءهم قوة الإسلام وصلابة الجسد الإسلامي، فسعوا جهدهم لهدمه وحاربوه بالسلاح والذخيرة.
وقد توصل هؤلاء إلى أن المرأة أساس صلاح الأسر ومرتكز فلاح الأمم؛ لذا سددوا نحوها السهام، وجمّلوا قبيح دعواهم بقولهم: "تعالي إلى الرقي والتطور". ورددوا: "لا تكوني رجعية". ولا عجب في ذلك، فهم متلهفون للسير في جنازة ديننـا!
فأنى لأمة أن ترتقي درجات المجد وترفع راية الإسلام والدفاع عنه.. وربة الأسرة وراعية البيت سائرة في ركب عدوه؟ فكانت المرأة أبسط وسيلة استخدمها الغرب لبلوغ غاياته فانتشرت المخالفات الشرعية في أواسط النساء انتشاراً واسعاً, وقد كان من أبرز أسباب انتشارها (كما جاء في استبانة وزعت على مجموعة من النساء) ما يلي:
القنوات الفضائية 93%
الفراغ 85%
قلة الوازع الديني 77%
التقليد والإحساس بالنقص 63%
فالإعلام بصوره وأشكاله كافة أسهم كثيراً في انتشار كثير من المفاهيم الضارة والنافعة, فمن خلال نتائج استبانة وزعت على عدد من النساء تبين أن مصدر ثقافتهن:
31% الإعلام
67% العلم والثقافة
89% التربية الصالحة
33% التربية الذاتية
وأما عن أثر الإعلام على العقل والفكر والحياة، فقد أثبت ذلك61%، ونفاه 23%، وأكد أثره في حياة الآخرين 81%.
إن الجهود الغامضة لا تزال تبذل في غير ما سبيل؛ لتحصل على أجيال مهيئة لقبول مثل هذه الصور المشوهة للإسلام، حتى نرتضي ما قام في أوساط السذج البسطاء من أهله من الجرأة على تحريم الحلال وإحلال الحرام، أو قطع ما أمر الله به أن يوصل، والوصول به إلى واقع يدفع بكثير من العادات البعيدة من هداية الله عز وجل، فيألف بعض الناس التفلت من كثير من المسلمات، مع مصادمة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ودعوة متهافتة إلى تحرير الناس من أواصر القيود الشرعية كما يزعمون. ولعل أكثر ما صوب عليه سهام التغريب هي سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، مع وجود الثورة المعلوماتية والثقافات العولمية التي تهدف إلى جعل العالم كتلة واحدة دون تميز، الأمر الذي سبب الهجوم الكاسح والحرب التي لا هوادة فيها على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وهنا موضع حديثنا حول هذه القضية:
فمتى تكون السُنة تخلفاً؟ ومتى كانت ثوابت الدين وقيمه رجعية؟ بل هي مواكبة لكل عصر لا تقدح في تطوره ولا تقدمه. لقد أحدثت مظاهر ترف العيش غطاء سميكاً يحول دون معرفته، فتقلبت الموازين، فمن مظاهر هجر السنن والآداب الشرعية في المجتمعات النسائية ـ مثلاً ـ: ترك السلام واستبداله بتحايا محدثة ما أنزل الله بها من سلطان، حتى لا تكاد تعرف مدى التزام المرأة إلا من تحيتها حين تبتدئ بالسلام.
أما حب التجمل فهو غريزة في المرأة لا يستطيع أحد أن ينكرها، ولا تلام كذلك عليها، فقد أمرت بالتجمل، وهذا ليس بخاف على أحد، ولكن المحذور في الأمر هو التوسع الملحوظ في الزينة، فأصبح لبس الضيق والقصير والشفاف وشبه العاري والكعب العالي هو غاية الأناقة والجمال، ومن لم تلبس مثل ذلك فليست من الأناقة في شيء. ومن أكثر أنواع المخالفات انتشاراً في المجتمعات النسائية: إمرار البخور على النساء، وهنا المحذور الشرعي الخطير ـ كما جاء عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ـ، فمتى خرجت المرأة من بيتها وهي متعطرة فمرت على رجال فوجدوا ريحها فهي زانية.
وفي سياق الحديث عن المخالفات الشرعية، قالت "د. شيخة المفرج" ـ عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام، في حديثها عن تلك المخالفات ـ: إن انتشار مثل تلك الممارسات، والابتعاد عن السنة والعدول عن تطبيقها؛ لإضفاء بعض لمسات المدنية والحضارة على الشخصية، راجــع إلى دونيـة وانهـزامية، قال تعالى: {ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}. وكذلك الواجب على المسلمة السعي لنيل رضا الله تعالى، وإن كان في تحصيله غضب الناس؛ لتضمن بذلك السعادة في الدارين.
ويحق للسائل بعد ذلك أن يسأل عن الأسباب التي أدت لظهور مثل هذه المخالفات وعن أسباب انتشارها، وعن الحلول الممكنة لها.
وقد تبين لنا من خلال الاستبانة المطروحة أن الإعلام بجميع صوره وأشكاله يتحمل تبعات كثير من المخالفات، كذلك التربية غير الصالحة والتقليد الأعمى، وضعف الوازع الديني لدى بعض نسائنا، وغفلتها عن أهميتها كبنت وزوجة وأم مربية، والشعور بالنقص وضعف الثقة بالنفس، والخوف من الانتقاد وانعدام القدوة وجلساء السوء. والحرص على مواكبة الحضارة والأخذ من حضارة الغرب المزيفة وعدم عرضها على ميزان الشرع والانفتاح الكبير الذي يشهده العالم اليوم بجميع قنواته وطرقه، وكذلك السفر إلى الخارج.
أما عن أسباب انتشارها فهي كثيرة نجملها كما يلي:
* يحسن أن يكون في قمة هذه الأسباب: ترك إنكار المنكر، الذي أصبح أمراً عزيزاً هذه الأيام، مع أن 65% ممن عرضت عليهن الاستبانة أكدن رضاهن التام عن النفس فيما لو أنكرن منكراً وتعرضن لإهانة، مع إصرارهن على معاودة الكرة لو تيسر لهن ذلك!! فنقول: أين مثل أولئك النسوة مع هذا الزخم الهائل من المخالفات؟ مع ذلك لا نكاد نرى مُنكِراً حكيماً.
* السعي للوصول إلى كل جديد إشباعاً لرغبات المرأة من حب الظهور والتميز وضعفها أمام المغريات.
* ضعف مستوى التعلم والتربية الذي نالته الفتاة.
* الفراغ الذي تعيشه المرأة مع وجود الخادمات، الأمر الذي سهل خروجها المتكرر، وكثرة الاجتماعات النسائية وما تنطوي عليه من كثير من المنكرات مع غياب الناصح.
* عدم وجود بديل مناسب وقلة الأنشطة التي تهتم بتفعيل دور الفتاة في المجتمع.
* الإعراض عن تعلم العلم الشرعي، وغياب دور الولي وغفلته عن مقتضيات القوامة.
الحلول:
* التوعية الإسلامية عن طريق القنوات التربوية: (المدارس – المساجد – الجامعات) والقنوات الإعلامية المقروء منها والمرئي والمسموع.
* الشد بقوة على أيدي المخالفين لأحكام الإسلام كبيرها وصغيرها في جميع المحافل (المدارس – المؤسسات الحكومية الأخرى – دور الأفراح – الاستراحات – أماكن النزه – الأسواق العام).
* وضع رقابة صارمة وقوية على كل ما يرد عبر القنوات الفضائية ويتعارض مع مبادئ ديننا الحنيف، ووضع حد لورود المجلات والصحف التي ربما تحمل في طياتها ما يخالف الشريعة الإسلامية.
* وضع ضوابط للسفر للخارج، وتشجيع السياحة الداخلية وتسهيل أمورها.
* القراءة في سِير الصالحات وأمهات المؤمنين واتخاذهن قدوات.
* توعية أولياء الأمور بما يدور حولهم وقيام الرجل بولايته على نسائه.
* الاطلاع على ما يخططه الغرب من مخططات لهدم الإسلام، وبيان ذلك للناس وشرحه لهم.
خلف الجدران:
وندخل قليلاً إلى داخل تلك المجالس ونرى ماذا يدور فيها.. وبنظرة فاحصة نرى أن الحوارات الساخنة والنقاشات الحادة هي السمة الواضحة على المجتمع النسائي، فكثيرة هي الموضوعات المثيرة التي يتم الحديث حولها في مجالس مطولة، يتوزع الحديث بين المشاركين في آن واحد، فكل من في المجلس يتكلمن بصوت واحد وفي موضوعات مختلفة ومتباينة.
فهذه تحدِّث من بجانبها عن زوجها، وأخرى تحدِّث من هي مقابلة لها عن مناسبة حضرتها، وثالثة تتحدَّث وهي في أول المجلس مع أخرى في آخره، وهكذا... في ضجيج وصراخ وتقاذف بالألقاب والشتائم أحياناً! وهذا يختلف بالطبع وطبيعة المدعوات ومستوى تعليمهن.
ويدخل الكذب في أحداث قصة مثيرة تستهوي انتباه جميع الحاضرات! عجيب أمر من تكذب! ألم تعلم أن الكذب أساس الفجور كما قال صلى الله عليه وسلم: "وإن الكذب ليهدي إلى الفجور"؟ وأول ما يسري الكذب إلى اللسان فيفسده ثم يسري إلى الجوارح فيفسد عليها أعمالها كما أفسد على اللسان أقواله، فيستحكم عليها الفساد. فبئس الكذب طريقة للوصول إلى القلوب.
ولا نجد مظهراً مساوياً للكذب في الفحش والنكارة كالغيبة والنميمة، فمضارهما على المجتمع وخيمة جداً، فالغيبة تكسب البغضاء وتورث الشحناء وتفسد على الناس علاقاتهم، وكم من مرة تجد نفسك تبغض إنساناً بغضاً شديداً وأنت لم تجالسه ولم تعرفه، وما ذاك إلا بسبب كلام سيئ سمعته عنه وأنت غير متأكد من وجوده فيه.
وكذا الحال في النميمة، فهي قاطعة لأواصر الترابط والمحبة بين المسلمين، ناهيك بما يترتب على الغيبة والنميمة من الوعيد الشديد، فلا يدخل الجنة نمّام، وأما المغتاب فيأتي يوم القيامة بجبال من الحسنات ثم ما يلبث أن تنتقل لموازين غيره ويحل مكانها جبال من السيئات إذا مانفدت حسناته ولم تنته مظالمه. فعجيب أمر المغتاب! أي لذة يجدها في أكل لحم ميت؟! وأي لذة يجدها النمّام في شحن القلوب ضد أخيه؟!
وقد تنخفض الأصوات ويبدأ الهمس بين اثنتين أو ثلاثة من الجالسات، فتتفشى في هذه الجلسة المغلقة أسرار بيوت أحكمت الأبواب عليها، فتقص إحداهن لجليستها مشكلة بينها وبين زوجها، وتتلقى بعدها التوصيات اللازمة لهدم بيتها. وليس طلب النصيحة هو الأمر الذي نحذر منه، إنما نحذر من طلبها من أي أحد كان بدون حيطة ولا حذر، فيحدث ما لا تحمد عقباه، وأحياناً تفشي أموراً خاصة بينها وبين زوجها وهي تعلم الوعيد الذي توعد به النبي صلى الله عليه وسلم من تعمل مثل ذلـك، ونعجب كيف ترضى أن تكون محل تندّر بين الأخريات بما أفضت، فينتقص منها ومن زوجها وهي تسمع، ولا يورثها ذلك إلا زيادة في سرد كل ما عندها، وهذا فعل مشين ينقص من قدرها وهي لا تعلم.
فهذه هي بعض أحوال مجالس النساء اليوم.. حوار ونقاش وكشف أستار، وهي ـ إضافة إلى ذلك ـ ميدان خصب لكسب السيئات وحرق الحسنات.
فما هو السبب الذي جعل المجتمع النسائي يصطبغ بهذه الصبغة، وتصبح هي السمة الغالبة والمهيمنة عليه؟ أهو عائد لحب النساء للثرثرة ونقل الأخبار وتتبع العورات، أم هو عائد لعدم وجود المصلح والموجه لهذه المجتمعات، أم هو عائد إلى افتقار المرأة لمعرفة حجم المسؤولية الملقاة عليها، وميلها نحو الهزل والمزاح، وبعدها عن الجدية والعمل المنتج؟
وما هي الحلول الممكنة للحد من هذه الظاهرة؟ فلنطالع ما تفضلت به "د. هياء البدراني" ـ عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام حول هذا الموضوع ـ تقول: لو أردنا أن نجمل الأسباب التي تؤدي إلى المخالفات والأخطاء التي تقع فيها النساء لاستطعنا أن نلخص ما يلي:
* ضعف (بل سوء) التربية أحياناً، حينما تنشأ البنت غير مكترثة بأعراض الناس وحرماتهم، ولم تتعلم وهي في بيت أبيها أن أعراض الناس "حفرة من حفر جهنم".
* عدم الوعي بأهمية الوقت الذي هو من عمر المؤمن، "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ".
* الجهل بالواقع القريب والبعيد، في الماضي والحاضر، فإن المسلمة الواعية تعرف واقعها القريب المحيط بها وما له من حقوق وما عليه من واجبات، كما تعرف الواقع الحاضر البعيد من حيث المكان الذي يتمثل في العالم بشكل عام والعالم الإسلامي بشكل خاص، وقضاياه التي تعنيها.. ماذا يريد منها أعداء الإسلام؟ كما أن عليها أن تحيط بالواقع البعيد فيما يتعلق بالمرأة.. نظرة العالم لها.. نظرة الإسلام لها.. كيف كانت قديما قبل الإسلام وبعده؟
* قرينات السوء، فإن القرين يسعدك ويشقيك بحسب دينه وعقله وثقافته.
* الجهل بآداب الإسلام في الحديث، ما يقال منه وما يترك.
* عدم الشعور بالمسؤولية تجاه الأمة والدين.
. . . يتبع . . .
المخالفات الشرعية في المجالس النسائية
لا تزال الاجتماعات الإنسانية مرتعاً خصباً وبيئة حية لتبادل كثير من الثقافات والعادات، وقد تختلف وسيلة نقل إفرازات تلك الاجتماعات من زمن إلى آخر.
واليوم نرى وسائل الإعلام تساندها القنوات الفضائية ناقلاً نشطاً لأنواع العادات والأفكار، بغثها وسمينها. وآثارها المدمرة ما تلبث أن تظهر جلية على أحوال المتلقي.
ومع أن ديننا الحنيف قد وضع لنا قواعد شرعية راسية ملائمة لكل زمان ومكان (تضمن ـ بإذن الله تعالى ـ صلاح أحوال الناس وعلاقاتهم، وينتهي بسالكيه إلى الجنة غاية المطالب)، فإننا لم نسلم من انعكاسات كثير من التغيرات على أحوالنا وأفعالنا، نتيجة الانفتاح على ثقافات العالم الغربي المبنية على أنظمة وديانات وضعية.
ومن باب التسديد والمقاربة نسلط الضوء على جانب من تلك الجوانب لندرس الأسباب ونصل إلى نتائج.
إن المتأمل في واقع مجتمعاتنا اليوم على وجه العموم، والمجتمعات النسائية على وجه الخصوص، يجد قناعاً براقاً إلا أنه لم يخف سوء ما تحته، وهذا أمر طبيعي، فأي ستار لا يبنى على تقوى من الله تعالى فإنه سرعان ما يتكشف ويبدي سوأته.
وإيماناً منَّا بقناعة القارئ بما يطرح فقد عرضنا استبانة أبدت فيها 88% ممن عرض عليهن السؤال أن المخالفات الشرعية أصبحت ظاهرة ملموسة، وأكدت 96% منهن بأن المخالفات الشرعية موضوع يستحق الطـرح. وفي سؤال عن الفترة العمرية التي يلاحظ فيها انتشار هذه الظاهرة: أكــدت 91% أن سن المراهقة مرتع خصب لها، بينما قالت 73% إن طالبات المرحلة الثانوية أكثر قابلية لها. وتقبلها طالبات الجامعة بنسبة 77%، وأكدت ما نسبته 35% إمكانية ظهورها في المراحل بعد الجامعة.
ونسلط الضوء على محورين رئيسيين نعتقد أنهما الأساس وتأتي المحاور الأخرى تبعاً:
المحور الأول: كون المعروف في هذه الأزمان صار منكراً، والمنكر صار في عرف الناس معروفــاً:
إن من أولى الأولويات في مخططات أعداء الإسلام، وأسوأ المؤامرات على الأمة التي تبناها النظام العالمي الجديد (في إطار نظرية الخلط بين الحق والباطل، والمعروف والمنكر، والسنة والبدعة): تذويب الدين في نفوس المؤمنين، وتحويل جماعة المسلمين إلى قطيع يساق خلف شهواته، مستغرق في ملذاته، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً. كذلك فإن هذا النظام حريص على أن يصب فيهم العقائد المهزومة والأفكار المتردية، فقد أرّقهم أن يكون المسلمون قوة واحدة مترابطة بأخلاق وآداب وقيم ثابتة، وساءهم قوة الإسلام وصلابة الجسد الإسلامي، فسعوا جهدهم لهدمه وحاربوه بالسلاح والذخيرة.
وقد توصل هؤلاء إلى أن المرأة أساس صلاح الأسر ومرتكز فلاح الأمم؛ لذا سددوا نحوها السهام، وجمّلوا قبيح دعواهم بقولهم: "تعالي إلى الرقي والتطور". ورددوا: "لا تكوني رجعية". ولا عجب في ذلك، فهم متلهفون للسير في جنازة ديننـا!
فأنى لأمة أن ترتقي درجات المجد وترفع راية الإسلام والدفاع عنه.. وربة الأسرة وراعية البيت سائرة في ركب عدوه؟ فكانت المرأة أبسط وسيلة استخدمها الغرب لبلوغ غاياته فانتشرت المخالفات الشرعية في أواسط النساء انتشاراً واسعاً, وقد كان من أبرز أسباب انتشارها (كما جاء في استبانة وزعت على مجموعة من النساء) ما يلي:
القنوات الفضائية 93%
الفراغ 85%
قلة الوازع الديني 77%
التقليد والإحساس بالنقص 63%
فالإعلام بصوره وأشكاله كافة أسهم كثيراً في انتشار كثير من المفاهيم الضارة والنافعة, فمن خلال نتائج استبانة وزعت على عدد من النساء تبين أن مصدر ثقافتهن:
31% الإعلام
67% العلم والثقافة
89% التربية الصالحة
33% التربية الذاتية
وأما عن أثر الإعلام على العقل والفكر والحياة، فقد أثبت ذلك61%، ونفاه 23%، وأكد أثره في حياة الآخرين 81%.
إن الجهود الغامضة لا تزال تبذل في غير ما سبيل؛ لتحصل على أجيال مهيئة لقبول مثل هذه الصور المشوهة للإسلام، حتى نرتضي ما قام في أوساط السذج البسطاء من أهله من الجرأة على تحريم الحلال وإحلال الحرام، أو قطع ما أمر الله به أن يوصل، والوصول به إلى واقع يدفع بكثير من العادات البعيدة من هداية الله عز وجل، فيألف بعض الناس التفلت من كثير من المسلمات، مع مصادمة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ودعوة متهافتة إلى تحرير الناس من أواصر القيود الشرعية كما يزعمون. ولعل أكثر ما صوب عليه سهام التغريب هي سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، مع وجود الثورة المعلوماتية والثقافات العولمية التي تهدف إلى جعل العالم كتلة واحدة دون تميز، الأمر الذي سبب الهجوم الكاسح والحرب التي لا هوادة فيها على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وهنا موضع حديثنا حول هذه القضية:
فمتى تكون السُنة تخلفاً؟ ومتى كانت ثوابت الدين وقيمه رجعية؟ بل هي مواكبة لكل عصر لا تقدح في تطوره ولا تقدمه. لقد أحدثت مظاهر ترف العيش غطاء سميكاً يحول دون معرفته، فتقلبت الموازين، فمن مظاهر هجر السنن والآداب الشرعية في المجتمعات النسائية ـ مثلاً ـ: ترك السلام واستبداله بتحايا محدثة ما أنزل الله بها من سلطان، حتى لا تكاد تعرف مدى التزام المرأة إلا من تحيتها حين تبتدئ بالسلام.
أما حب التجمل فهو غريزة في المرأة لا يستطيع أحد أن ينكرها، ولا تلام كذلك عليها، فقد أمرت بالتجمل، وهذا ليس بخاف على أحد، ولكن المحذور في الأمر هو التوسع الملحوظ في الزينة، فأصبح لبس الضيق والقصير والشفاف وشبه العاري والكعب العالي هو غاية الأناقة والجمال، ومن لم تلبس مثل ذلك فليست من الأناقة في شيء. ومن أكثر أنواع المخالفات انتشاراً في المجتمعات النسائية: إمرار البخور على النساء، وهنا المحذور الشرعي الخطير ـ كما جاء عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ـ، فمتى خرجت المرأة من بيتها وهي متعطرة فمرت على رجال فوجدوا ريحها فهي زانية.
وفي سياق الحديث عن المخالفات الشرعية، قالت "د. شيخة المفرج" ـ عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام، في حديثها عن تلك المخالفات ـ: إن انتشار مثل تلك الممارسات، والابتعاد عن السنة والعدول عن تطبيقها؛ لإضفاء بعض لمسات المدنية والحضارة على الشخصية، راجــع إلى دونيـة وانهـزامية، قال تعالى: {ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}. وكذلك الواجب على المسلمة السعي لنيل رضا الله تعالى، وإن كان في تحصيله غضب الناس؛ لتضمن بذلك السعادة في الدارين.
ويحق للسائل بعد ذلك أن يسأل عن الأسباب التي أدت لظهور مثل هذه المخالفات وعن أسباب انتشارها، وعن الحلول الممكنة لها.
وقد تبين لنا من خلال الاستبانة المطروحة أن الإعلام بجميع صوره وأشكاله يتحمل تبعات كثير من المخالفات، كذلك التربية غير الصالحة والتقليد الأعمى، وضعف الوازع الديني لدى بعض نسائنا، وغفلتها عن أهميتها كبنت وزوجة وأم مربية، والشعور بالنقص وضعف الثقة بالنفس، والخوف من الانتقاد وانعدام القدوة وجلساء السوء. والحرص على مواكبة الحضارة والأخذ من حضارة الغرب المزيفة وعدم عرضها على ميزان الشرع والانفتاح الكبير الذي يشهده العالم اليوم بجميع قنواته وطرقه، وكذلك السفر إلى الخارج.
أما عن أسباب انتشارها فهي كثيرة نجملها كما يلي:
* يحسن أن يكون في قمة هذه الأسباب: ترك إنكار المنكر، الذي أصبح أمراً عزيزاً هذه الأيام، مع أن 65% ممن عرضت عليهن الاستبانة أكدن رضاهن التام عن النفس فيما لو أنكرن منكراً وتعرضن لإهانة، مع إصرارهن على معاودة الكرة لو تيسر لهن ذلك!! فنقول: أين مثل أولئك النسوة مع هذا الزخم الهائل من المخالفات؟ مع ذلك لا نكاد نرى مُنكِراً حكيماً.
* السعي للوصول إلى كل جديد إشباعاً لرغبات المرأة من حب الظهور والتميز وضعفها أمام المغريات.
* ضعف مستوى التعلم والتربية الذي نالته الفتاة.
* الفراغ الذي تعيشه المرأة مع وجود الخادمات، الأمر الذي سهل خروجها المتكرر، وكثرة الاجتماعات النسائية وما تنطوي عليه من كثير من المنكرات مع غياب الناصح.
* عدم وجود بديل مناسب وقلة الأنشطة التي تهتم بتفعيل دور الفتاة في المجتمع.
* الإعراض عن تعلم العلم الشرعي، وغياب دور الولي وغفلته عن مقتضيات القوامة.
الحلول:
* التوعية الإسلامية عن طريق القنوات التربوية: (المدارس – المساجد – الجامعات) والقنوات الإعلامية المقروء منها والمرئي والمسموع.
* الشد بقوة على أيدي المخالفين لأحكام الإسلام كبيرها وصغيرها في جميع المحافل (المدارس – المؤسسات الحكومية الأخرى – دور الأفراح – الاستراحات – أماكن النزه – الأسواق العام).
* وضع رقابة صارمة وقوية على كل ما يرد عبر القنوات الفضائية ويتعارض مع مبادئ ديننا الحنيف، ووضع حد لورود المجلات والصحف التي ربما تحمل في طياتها ما يخالف الشريعة الإسلامية.
* وضع ضوابط للسفر للخارج، وتشجيع السياحة الداخلية وتسهيل أمورها.
* القراءة في سِير الصالحات وأمهات المؤمنين واتخاذهن قدوات.
* توعية أولياء الأمور بما يدور حولهم وقيام الرجل بولايته على نسائه.
* الاطلاع على ما يخططه الغرب من مخططات لهدم الإسلام، وبيان ذلك للناس وشرحه لهم.
خلف الجدران:
وندخل قليلاً إلى داخل تلك المجالس ونرى ماذا يدور فيها.. وبنظرة فاحصة نرى أن الحوارات الساخنة والنقاشات الحادة هي السمة الواضحة على المجتمع النسائي، فكثيرة هي الموضوعات المثيرة التي يتم الحديث حولها في مجالس مطولة، يتوزع الحديث بين المشاركين في آن واحد، فكل من في المجلس يتكلمن بصوت واحد وفي موضوعات مختلفة ومتباينة.
فهذه تحدِّث من بجانبها عن زوجها، وأخرى تحدِّث من هي مقابلة لها عن مناسبة حضرتها، وثالثة تتحدَّث وهي في أول المجلس مع أخرى في آخره، وهكذا... في ضجيج وصراخ وتقاذف بالألقاب والشتائم أحياناً! وهذا يختلف بالطبع وطبيعة المدعوات ومستوى تعليمهن.
ويدخل الكذب في أحداث قصة مثيرة تستهوي انتباه جميع الحاضرات! عجيب أمر من تكذب! ألم تعلم أن الكذب أساس الفجور كما قال صلى الله عليه وسلم: "وإن الكذب ليهدي إلى الفجور"؟ وأول ما يسري الكذب إلى اللسان فيفسده ثم يسري إلى الجوارح فيفسد عليها أعمالها كما أفسد على اللسان أقواله، فيستحكم عليها الفساد. فبئس الكذب طريقة للوصول إلى القلوب.
ولا نجد مظهراً مساوياً للكذب في الفحش والنكارة كالغيبة والنميمة، فمضارهما على المجتمع وخيمة جداً، فالغيبة تكسب البغضاء وتورث الشحناء وتفسد على الناس علاقاتهم، وكم من مرة تجد نفسك تبغض إنساناً بغضاً شديداً وأنت لم تجالسه ولم تعرفه، وما ذاك إلا بسبب كلام سيئ سمعته عنه وأنت غير متأكد من وجوده فيه.
وكذا الحال في النميمة، فهي قاطعة لأواصر الترابط والمحبة بين المسلمين، ناهيك بما يترتب على الغيبة والنميمة من الوعيد الشديد، فلا يدخل الجنة نمّام، وأما المغتاب فيأتي يوم القيامة بجبال من الحسنات ثم ما يلبث أن تنتقل لموازين غيره ويحل مكانها جبال من السيئات إذا مانفدت حسناته ولم تنته مظالمه. فعجيب أمر المغتاب! أي لذة يجدها في أكل لحم ميت؟! وأي لذة يجدها النمّام في شحن القلوب ضد أخيه؟!
وقد تنخفض الأصوات ويبدأ الهمس بين اثنتين أو ثلاثة من الجالسات، فتتفشى في هذه الجلسة المغلقة أسرار بيوت أحكمت الأبواب عليها، فتقص إحداهن لجليستها مشكلة بينها وبين زوجها، وتتلقى بعدها التوصيات اللازمة لهدم بيتها. وليس طلب النصيحة هو الأمر الذي نحذر منه، إنما نحذر من طلبها من أي أحد كان بدون حيطة ولا حذر، فيحدث ما لا تحمد عقباه، وأحياناً تفشي أموراً خاصة بينها وبين زوجها وهي تعلم الوعيد الذي توعد به النبي صلى الله عليه وسلم من تعمل مثل ذلـك، ونعجب كيف ترضى أن تكون محل تندّر بين الأخريات بما أفضت، فينتقص منها ومن زوجها وهي تسمع، ولا يورثها ذلك إلا زيادة في سرد كل ما عندها، وهذا فعل مشين ينقص من قدرها وهي لا تعلم.
فهذه هي بعض أحوال مجالس النساء اليوم.. حوار ونقاش وكشف أستار، وهي ـ إضافة إلى ذلك ـ ميدان خصب لكسب السيئات وحرق الحسنات.
فما هو السبب الذي جعل المجتمع النسائي يصطبغ بهذه الصبغة، وتصبح هي السمة الغالبة والمهيمنة عليه؟ أهو عائد لحب النساء للثرثرة ونقل الأخبار وتتبع العورات، أم هو عائد لعدم وجود المصلح والموجه لهذه المجتمعات، أم هو عائد إلى افتقار المرأة لمعرفة حجم المسؤولية الملقاة عليها، وميلها نحو الهزل والمزاح، وبعدها عن الجدية والعمل المنتج؟
وما هي الحلول الممكنة للحد من هذه الظاهرة؟ فلنطالع ما تفضلت به "د. هياء البدراني" ـ عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام حول هذا الموضوع ـ تقول: لو أردنا أن نجمل الأسباب التي تؤدي إلى المخالفات والأخطاء التي تقع فيها النساء لاستطعنا أن نلخص ما يلي:
* ضعف (بل سوء) التربية أحياناً، حينما تنشأ البنت غير مكترثة بأعراض الناس وحرماتهم، ولم تتعلم وهي في بيت أبيها أن أعراض الناس "حفرة من حفر جهنم".
* عدم الوعي بأهمية الوقت الذي هو من عمر المؤمن، "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ".
* الجهل بالواقع القريب والبعيد، في الماضي والحاضر، فإن المسلمة الواعية تعرف واقعها القريب المحيط بها وما له من حقوق وما عليه من واجبات، كما تعرف الواقع الحاضر البعيد من حيث المكان الذي يتمثل في العالم بشكل عام والعالم الإسلامي بشكل خاص، وقضاياه التي تعنيها.. ماذا يريد منها أعداء الإسلام؟ كما أن عليها أن تحيط بالواقع البعيد فيما يتعلق بالمرأة.. نظرة العالم لها.. نظرة الإسلام لها.. كيف كانت قديما قبل الإسلام وبعده؟
* قرينات السوء، فإن القرين يسعدك ويشقيك بحسب دينه وعقله وثقافته.
* الجهل بآداب الإسلام في الحديث، ما يقال منه وما يترك.
* عدم الشعور بالمسؤولية تجاه الأمة والدين.
. . . يتبع . . .