تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الحبس المؤقت 2


yacine414
2011-02-25, 16:46
مقـــــدمـــــــــة


ينظم قانون الإجراءات الجزائية سير الدعوى ابتداء من وقوع الجريمة إلى غاية الحكم فيها, إذ تسهر الضبطية القضائية على البحث و التحري للوصول إلى جمع الأدلة و تحديد هوية الفاعل, ثم إحالته للمحاكمة لاقتضاء حق المجتمع في العقاب من هذا الشخص الذي أخل بنظامه و استقراره و أصبح في نظر القانون مذنبا أو مجرما.
و قد ترتكب الجريمة و ليس تحت أيدي السلطات المختصة أدلة دامغة و فاصلة في نسبة الجريمة إلى شخص معين بذاته, بل كل ما لديها مجرد قرائن توحي بنسبتها لأحد الأفراد.
و هنا يستدعي الأمر بحثا معمقا و دقيقا خاصة في المسائل الجنائية نظرا لخطورة الأفعال المرتكبة فيها, حيث أسند القانون هذه المهمة الصعبة إلى قاضي التحقيق ليبذل جهده في الوصول إلى الحقيقة كما جرت في الواقع, إذ يقع عليه عبء دراسة الملف دراسة وافية و مركزة مستعملا في ذلك الصلاحيات و الاختصاصات التي خولها له قانون الإجراءات الجزائية, فمن هذه الاختصاصات تلك الأوامر الاحتياطية التي يتخذها قصد حبس المتهم الماثل أمامه حبسا مؤقتا خوفا من العبث بأدلة الجريمة و التأثير على الشهود, و تهدئة الوضع داخل المجتمع, بسبب الاضطراب الذي خلفته الجريمة المرتكبة, فضلا عن حماية المتهم نفسه من احتمال الانتقام من طرف الضحية أو أهلها.
و لأن المشرع اعتبر الحبس المؤقت جزاءا استثنائيا, فقد وضع شروط و حالات لابد من توافرها لإصداره, كما تبنى نظام التعويض عن أضرار الحبس المؤقت غير المبرر إثر تعديل قانون الإجراءات الجزائية بموجب القانون رقم 01-08 المؤرخ في 26-06-2001 باستحداثه قسم سابع مكرر ضمن الفصل الأول من الباب الثالث من الكتاب الأول, و هذا يعد خطوة إيجابية سلكها المشرع لتحقيق العدالة في دولة القانون.
و لأن الحبس المؤقت يصطدم بمبادئ مقدسة لدى الإنسان, و منها على الخصوص حريته الشخصية و مبدأ قرينة البراءة التي يتمتع بها أمام القانون, ما لم يصدر في حقه حكم قضائيا نهائيا يقضي بإدانته.
إن هذا الاصطدام الذي يفرضه الحبس المؤقت على هذه المبادئ التي تعتبر أهم حقوق الإنسان, المنصوص عليها في الإعلانات العالمية لحقوق الإنسان و في مختلف الدساتير منها الدستور الجزائري في مواده 29 و ما يليها, جعلت التشريعات الجزائية الحديثة تجتهد في إيجاد إجراءات بديلة تكون أكثر ليونة من الحبس المؤقت, فتحافظ بذلك على حرية المتهم الشخصية التي كفلها الدستور, و لا تمس ببراءته التي يتمتع بها من جهة, و من جهة أخرى تحافظ على المصالح الاجتماعية التي يسعى إليها التحقيق القضائي.
و انطلاقا من هذه الروح المتشبعة بثقافة الحريات و توسيع دائرتها, نشأت فكرة الإجراءات البديلة للحبس المؤقت أثناء التحقيق القضائي, فتبنتها التشريعات الجزائية المعاصرة منها التشريع الفرنسي الذي استحدث نظاما جديدا أطلق عليه اسم " الرقابة القضائية" و ذلك بمقتضى التعديل الذي أطلقه على قانون الإجراءات الجزائية سنة 1970.
و تماشيا مع هذه الأفكار و التطور الجاري في ميدان الإجراءات الجزائية الجزائري و بالخصوص في مجال الحريات الشخصية و مبادئ حقوق الإنسان, فقد كانت رغبة مشرعنا واضحة في التقليص من دائرة الحبس المؤقت هذا الإجراء الاستثنائي المبالغ فيه, فاستحدث نظام الرقابة القضائيـة بمقتـضى القانون رقم 86-05 المؤرخ في 04-03-1986, و قد استبشر الجميع خيرا بهذا الإجراء الذي يعد دعامة إضافية في سبيل بناء قانون إجراءات جزائية أكثر إنسانية, غير أن هذا البناء لم يكن مكتملا نظرا لبعض النقائص و العيوب التي إشتمل عليها هذا القانون, مما جعله يبقى حبرا على ورق و لم يجد طريقه إلى التطبيق القضائي, و ذلك بسبب عدم نصه على الالتزامات التي يخضع لها المتهم أثناء وضعه تحت الرقابة القضائية و بهذا بقي هذا النظام على مستوى النصوص و النوايا فقط.
إلا أن المشـرع تفطن لهذه المسألـة إذ أصـدر القانون رقم 90-24 المؤرخ في 18-08-1990 معدلا به القانون السابق, إذ نص على ثمانية التزامات يمكن لقاضي التحقيق أن يلجأ لإحداها إذا أراد أن يضع المتهم تحت الرقابة القضائية بذلا من إيداعه الحبس المؤقت.
و لأن الالتزامات التي تفرض على المتهم الموضوع تحت الرقابة القضائية تعيق السير العادي لحياته فقد تقيد من حرية تنقله أو تعرقله في ممارسة مهنته, لذا يجب ألا يعتبر اللجوء إليها هو القاعدة بل الأصل هو بقاء المتهم في حالة الإفراج إلى غاية ثبوت إدانته, فإذا تبين لقاضي التحقيق عدم ضرورة بقاء المتهم في الحبس المؤقت أو إخضاعه لنظام الرقابة القضائية يتوجب عليه إطلاق سراحه بالإفراج عنه.
و من هنا تبرز أهمية دراستنا لهذا الموضوع سواء من الناحية النظريـة أو العمليـة, و لهذا فقد سعينا إلى إبراز أهم الإشكالات التي تطرحها نصوص قانون الإجراءات الجزائية في مجال الحبس المؤقت و الرقابة القضائية و الإفراج, موضحين بعض النقائص و الثغرات القانونية التي اكتنفتها, متبعين منهجا تحليليا و نقديا للأحكام التي جاء بها المشرع في هذا المجال.
و للبحث عن هذه المسائل التي تتعلق بدراستنا, ارتأينا تقسيمها إلى ثلاث مباحث نتناول الحبس المؤقت في مبحث أول و الرقابة القضائية في مبحث ثاني و الإفراج في مبحث ثالث.
و قد أنهينا دراستنا بخاتمة تضم أهم النتائج و الاقتراحات المتوصل إليها.








الخــــطـــة
مقــــدمــة.
المبحـــث الأول: الحبس المؤقت.
المطلب الأول: ماهية الحبس المؤقت.
الفرع الأول: مفهوم الحبس المؤقت و تمييزه عن غيره من الأنظمة الشبيهة به.
الفرع الثاني: مضمون الحبس المؤقت.
المطلب الثاني: إجراءات الحبس المؤقت.
الفرع الأول: الجهات المختصة بإصدار أمر الحبس المؤقت.
الفرع الثاني: مدة الحبس المؤقت.
الفرع الثالث: الرقابة على شرعية الحبس المؤقت.
المطلب الثالث: مبدأ التعويض عن الحبس المؤقت.
الفرع الأول: المبدأ الشرعي للتعويض عن الحبس المؤقت.
الفرع الثاني: شروط منح التعويض عن الحبس المؤقت.
الفرع الثالث: الإجراءات المتبعة أمام اللجنة للإستفادة من التعويض.
المبحــث الثاني: الرقابة القضائية.
المطلب الأول : ماهية الرقابة القضائية.
الفرع الأول مفهومها و تمييزها عن غيرها من الأنظمة الشبيهة بها.
الفرع الثاني: مضمون الرقابة القضائية.
المطلب الثاني: إجراءات الرقابة القضائية.
الفرع الأول: الجهات المختصة بإصدار أمر الوضع تحت الرقابة القضائية.
الفرع الثاني: مدة الرقابة القضائية و نهايتها.
الفرع الثالث: الرقابة على أمر الوضع تحت الرقابة القضائية.
المبحــــث الثالث: الإفراج.
المطلب الأول: ماهية الإفراج.
الفرع الأول: مفهوم الإفراج و تمييزه عن غيره من الأنظمة الشبيهة به.
الفرع الثاني: مضمون الإفراج.
المطلب الثاني: إجراءات طلب الإفراج.
الفرع الأول: الأشخاص المخول لهم طلب الإفراج.
الفرع الثاني: الجهات التي لها سلطة الفصل في طلبات الإفراج.
الفرع الثالث: الطعن في الأوامر الصادرة بشأن الإفراج و شروط إعادة الأمر بالحبس المؤقت.
خاتمـــــة









الفــــهـــرس



العنـــــــوان الصفحـــة

مقــــدمــة.
الخطـــــــة

المبحـــث الأول: الحبس المؤقت…………………………………….…...01

المطلب الأول: ماهية الحبس المؤقت……………………………………….…01
الفرع الأول: مفهوم الحبس المؤقت و تمييزه عن غيره من الأنظمة الشبيهة به…..02
أولا: مفهوم الحبس المؤقت…………………………………………………..02
1-تعريف الحبس المؤقت………………………..………………………….02
أ-لغـــــة……………………………………………………………..02
ب-شرعـــا……………………………………………………………..02
ج- فقهـــا........................................... .........................03
د- قانونــا.......................................... ...........................04
2- الطبيعة القانونية للحبس المؤقت............................................ ...05
أ- الحبس المؤقت و قرينة البراءة........................................... .....05
ب- الحبس المؤقت و العقوبة........................................... ..........08
ج- الحبس المؤقت و إجراءات التحقيق........................................... 08
ثانيا: تمييز الحبس المؤقت عن غيره من الأنظمة الشبيهة به.......................09
1-الحبس المؤقت و نظام الحجز تحت النظر......................................09
2-الحبس المؤقت و نظام الإعتقال الإداري.......................................10
3-الحبس المؤقت و السلطة المخولة للولاة في حجز الأشخاص....................11
الفرع الثاني: مضمون الحبس المؤقت............................................ .12
أولا: مبررات الحبس المؤقت............................................ .........12
ثانيا: شروط الوضع رهن الحبس المؤقت.........................................15
1-الشروط الموضوعية للحبس المؤقت...........................................1 5
أ-استجواب المتهم............................................ ....................15
ب-أن تكون الجريمة المنسوبة للمتهم جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس.........17
ج-أن تكون التزامات الرقابة القضائية غير كافية..................................18
2-الشروط الشكلية لأمر الوضع رهن الحبس المؤقت.............................19
أ-تسبيب أمر الوضع رهن الحبس المؤقت.........................................20
ب-تبليغ أمر الوضع رهن الحبس المؤقت.........................................21
ج-تنفيذ أمر الوضع رهن الحبس المؤقت..........................................22

المطلب الثاني: إجراءات الحبس المؤقت...........................................2 6
الفرع الأول: الجهات المختصة بإصدار أمر الحبس المؤقت.......................26
أولا: جهات التحقيق........................................... ...................26
1-قاضي التحقيق........................................... ......................26
2-غرفة الاتهام........................................... ........................27
3-قاضي الأحداث........................................... .....................30
4-القضاء العسكري........................................... ...................32
ثانيا: جهة النيابة العامة............................................ ...............33
ثالثا: جهة الحكم............................................. .....................35
الفرع الثاني: مدة الحبس المؤقت............................................ ......38
أولا: مدة الحبس المؤقت في مواد الجنح و الجنايات...............................38
1-مدة الحبس المؤقت في مواد الجنح............................................. 38
أ-الجنح التي تكون فيها مدة الحبس المؤقت عشرين (20) يوما....................39
ب-الجنح التي تكون فيها مدة الحبس المؤقت أربعة (4) أشهر.....................39
2-مدة الحبس المؤقت في مواد الجنايات.......................................... 40
ثانيا: تمديد الحبس المؤقت............................................ ............40
1-التمديد في الجنح............................................. ..................40
2-التمديد في الجنايات.......................................... ..................41
أ-في جرائم القانون العام............................................. .............41
ب-في بعض الجرائم الخاصة............................................ .........43
ثالثا: كيفية حساب مدة الحبس المؤقت............................................ .45
رابعا: بدأ سريان مدة الحبس المؤقت............................................ ..46
خامسا: انتهاء مدة الحبس المؤقت............................................ .....47
سادسا: خصم مدة الحبس المؤقت من العقوبة المقضي بها.........................51
الفرع الثالث: الرقابة على شرعية الحبس المؤقت..................................52
أولا: الرقابة غير قضائية............................................ .............52
1-رقابة النيابة العامة............................................ .................52
2-رقابة رئيس غرفة الاتهام........................................... ...........53
ثانيا: الرقابة القضائية.......................................... ...................54
1-رقابة غرفة الاتهام........................................... ..................55
2-رقابة المحكمة العليا............................................ ...............57

المطلب الثالث: مبدأ التعويض عن الحبس المؤقت.................................58
الفرع الأول: المبدأ الشرعي للتعويض عن الحبس المؤقت.........................59
الفرع الثاني: شروط منح التعويض عن الحبس المؤقت............................60
أولا: ضرورة أن يكون طالب التعويض قد كان محل حبس مؤقت خلال متابعة جزائية انتهت في حقه بصدور قرار نهائي بألا وجه للمتابعة أو بالبراءة..................60
ثانيا: ضرورة أن يكون الحبس المؤقت غير مبرر................................61
ثالثا: ضرورة أن يكون الضرر الذي أصاب طالب التعويض ثابتا و متميزا.......62
الفرع الثالث: الإجراءات المتبعة أمام اللجنة للإستفادة من التعويض................64
أولا: الجهة المختصة بمنح التعويض........................................... ...64
1-تشكيلة اللجنة............................................ ......................65
2-أعمال اللجنة............................................ ......................66
أ-منح التعويض........................................... .......................66
ب-تحديد مبلغ التعويض المستحق دفعه لطالبه....................................66
ثانيا: إجراءات منح التعويض........................................... .........66

المبحــث الثاني: الرقابة القضائية.......................................... ...72

المطلب الأول : ماهية الرقابة القضائية.......................................... 72
الفرع الأول مفهومها و تمييزها عن غيرها من الأنظمة الشبيهة بها..............72
أولا: مفهوم الرقابة القضائية.......................................... ...........72
1-تعريف الرقابة القضائية.......................................... ............72
أ-لغـــــة.......................................... ........................73
ب- فقهـــا........................................... ........................73
ج- قانونــا.......................................... ..........................74
2- الطبيعة القانونية للرقابة القضائية.......................................... ....75
ثانيا: تمييز الرقابة القضائية عن غيرها من الأنظمة الشبيهة بها....................75
1-الرقابة القضائية و نظام الوضع رهن الإرجاء..................................75
2-الرقابة القضائية و نظام الوضع تحت رقابة البوليس............................76
الفرع الثاني: مضمون الرقابة القضائية.......................................... ..77
أولا: شروط تطبيق الرقابة القضائية.......................................... .....77
1-الشروط الموضوعية......................................... ..................77
أ-كفاية التزامات الرقابة القضائية لحسن سير التحقيق.............................78
ب-إذا كانت الأفعال المنسوبة للمتهم قد تعرضت لعقوبة الحبس أو عقوبة أشد......78
2-الشروط الشكلية........................................... ....................80
أ-أن يصدر أمر الوضع على صفة أمر...........................................80
ب-تسبيب أمر الوضع تحت الرقابة القضائية......................................80
ج-استشارة وكيل الجمهورية عند طلب المتهم وضعه تحت الرقابة القضائية.......82
ثانيا: التزامات الرقابة القضائية.......................................... .........83
1-الالتزامات الإيجابية......................................... ...................85
أ-مثول المتهم دوريا أمام المصالح أو السلطات المعنية من طرف قاضي التحقيق..85
ب-تسليم كافة الوثائق التي تسمح بمغادرة التراب الوطني أو ممارسة مهنة أو نشاط يخضع إلى ترخيص............................................. .................86
ج-الخضوع إلى فحص طبي لاسيما بغرض إزالة التسمم..........................87
2-الالتزامات السلبية........................................... ..................87
أ-عدم مغادرة حدود إقليمية معينة............................................. ....88
ب-عدم الذهاب إلى أماكن محددة............................................. ....88
ج-الامتناع عن ممارسة بعض الأنشطة المهنية...................................88
د-عدم الاتصال بالغير............................................ ................89
هـ-الامتناع عن إصدار شيكات............................................. .....89

المطلب الثاني: إجراءات الرقابة القضائية.........................................9 7
الفرع الأول: الجهات المختصة بإصدار أمر الوضع تحت الرقابة القضائية.........97
أولا: قاضي التحقيق........................................... ...................97
ثانيا: غرفة الاتهام........................................... .....................98
ثالثا: قضاء الحكم............................................. ....................99
الفرع الثاني: مدة الرقابة القضائية و نهايتها......................................100
أولا: مدة الرقابة القضائية.......................................... .............101
ثانيا: انتهاء الرقابة القضائية.......................................... ...........102
1-في ظل القانون رقم 86-05................................................ .102
أ-رفع اليد عن الرقابة القضائية.......................................... .......103
ب-استبدال الرقابة القضائية بالحبس المؤقت.....................................103
2-في ظل القانون رقم 90-24................................................ .104
أ-صدور أمر بألا وجه للمتابعة.......................................... .......104
ب-رفع اليد من قبل جهة الحكم............................................. ....105
ج-استبدال الرقابة القضائية بالحبس المؤقت.....................................107
الفرع الثالث: الرقابة على أمر الوضع تحت الرقابة القضائية.....................107
أولا: طلب رفع الرقابة القضائية.......................................... .......108
ثانيا: استئناف الأوامر المتعلقة بالرقابة القضائية.................................109
1-أمر قاضي التحقيق المتعلق برفع الرقابة القضائية.............................110
2-أمر قاضي التحقيق المتعلق بوضع المتهم تحت الرقابة القضائية...............111
3-الأمر المتعلق بتعديل لاتزامات الرقابة القضائية...............................112
ثالثا: عدم قابلية الطعن بالنقض في الأوامر المتعلقة بالرقابة القضائية.............112

المبحــــث الثالث: الإفراج........................................... .......114

المطلب الأول: ماهية الإفراج........................................... .........114
الفرع الأول: مفهوم الإفراج و تمييزه عن غيره من الأنظمة الشبيهة به..........114
أولا: مفهوم الإفراج........................................... .................114
1-تعريف الإفراج........................................... ...................115
أ-لغـــــة.......................................... .......................115
ب- فقهـــا........................................... .......................115
ج- قانونــا.......................................... .........................116
2- الغاية من الإفراج........................................... ................116
ثانيا: تمييز الإفراج عن غيره من الأنظمة الشبيهة به............................117
1-الإفراج و نظام الإفراج المشروط........................................... .117
2-الإفراج و وقف التنفيذ........................................... ............118
الفرع الثاني: مضمون الإفراج........................................... .......118
أولا: الإفراج بقوة القانون........................................... ............118
1-حالة الحكم ببراءة المتهم............................................ .........119
2-حالة الإعفاء من العقوبة........................................... ...........119
3-حالة الحكم بالحبس مع وقف التنفيذ........................................... 120
4-حالة الحكم بالغرامة دون الحبس............................................. 120
5-حالة الحكم بعقوبة أقل من مدة الحبس أو مساوية لها.........................120
6-حالة انتهاء مدة الحبس المؤقت............................................ ..120
7-حالة إصدار أمر بألا وجه للمتابعة.......................................... 121
8-حالة عدم بت قاضي التحقيق في طلب وكيل الجمهورية......................121
9-حالة عدم بت غرفة الاتهام في طلب المتهم...................................122
10-حالة عدم بت غرفة الاتهام في الطعن بالإستئناف...........................122
11-حالة عدم بت المحكمة العليا في طلب الإفراج...............................122
12-حالة عدم استجواب المتهم في الآجال القانونية...............................123
13-حالة كون الوقائع تشكل مخالفة أو تخضع لعقوبة الغرامة فقط...............123
14-حالة معارضة الحكم............................................. ...........123
ثانيا: الإفراج الجوازي........................................... ...............124
1-صور الإفراج الجوازي........................................... ...........124
أ-الإفراج التلقائي.......................................... .....................124
ب-الإفراج بناء على طلب النيابة العامة.........................................125
ج-الإفراج بناء على طلب المتهم أو محاميه.....................................125
2-التزامات طالب الإفراج........................................... ...........125
أ-الامتثال أمام الجهة القضائية الآمرة بالإفراج..................................125
ب-أن يخطر المتهم القاضي بجميع تنقلاته.......................................126
ج-وجوب اختيار موطن للمتهم............................................ ......126
د-تقديم كفالة............................................. .......................126
هـ-تحديد محل الإقامة........................................... ..............128
المطلب الثاني: إجراءات طلب الإفراج.........................................12 9
الفرع الأول: الأشخاص المخول لهم طلب الإفراج..............................129
1-وكيل الجمهورية......................................... ...................130
2-المتهم المحبوس........................................... ...................130
3-محامي المتهم المحبوس........................................... ...........130
الفرع الثاني: الجهات التي لها سلطة الفصل في طلبات الإفراج..................131
أولا: جهة التحقيق........................................... ...................131
1-قاضي التحقيق........................................... ...................131
2-قاضي الأحداث........................................... ..................133
3-غرفة الاتهام........................................... .....................133
ثانيا: جهات الحكم............................................. .................134
1-المحكمة أو المجلس............................................ ..............134
2-المحكمة العليا............................................ ....................136
الفرع الثالث: الطعن في الأوامر الصادرة بشأن الإفراج و شروط إعادة الأمر بالحبس المؤقت............................................ ..............................136
أولا: الطعن في الأوامر الصادرة بشأن الإفراج..................................137
1-استئناف الأوامر الصادرة عن قاضي التحقيق.................................137
أ-وكيل الجمهورية......................................... .....................137
ب-النائب العام............................................. .....................137
ج-استئناف المتهم أو محاميه للأمر برفض الإفراج الصادر عن قاضي التحقيق..138
2-استئناف الأحكام الصادرة عن قاضي الحكم...................................138
3-آثار الطعن بالاستئناف........................................ ...............139
ثانيا: شروط إعادة الأمر بالحبس بعد الإفراج....................................140
1-شرط عدم وفاء المتهم بالتزاماته........................................ ......141
2-شرط ظهور ظروف جديدة أو خطيرة........................................141
3-شرط الحكم بعدم الاختصاص.......................................... ......142
4-شرط سلب المتهم حق الاستفادة من قرار الإفراج.............................142
خاتمـــــة























قائمــــــة المراجـــــع


-المراجع باللغة العربية:

1-الدكتور: ابن القيم الجوزية, الطرق الحكمية في السياسة الشرعية, مطبعة الإتحاد, دمشق, 1372هـ.
2-الدكتور: ابن منظور, لسان العرب, الجزء الأول دار الكتب العلمية, الطبعة الأولى, بيروت- لبنان, 1993.
3-أحمد لعور و نبيل صقر: قانون الإجراءات الجزائية المكملة في القوانين الخاصة, دار الهلال للخدمة الإعلامية, طبعة 2004.
4-الدكتور: أحمد فتحي سرور, شرعية الإجراءات الجنائية, طبعة 1977.
5- الدكتور: أحمد فتحي سرور, الوسيط في قانون الإجراءات الجزائية, الطبعة السادسة, دار النهضة العربية, بيروت – لبنان, 1993.
6- أحمد فتحي بهنسي, العقوبة في الفقه الإسلامي, الطبعة الخامسة, دار الشروق, 1983.
7- أحمد شوقي الشلقاني, مبادئ الإجراءات الجزائية في التشريع الجزائري, الجزء الثاني, ديوان المطبوعات الجزائرية.
8- إبراهيم حامد الطنطاوي, الحبس الاحتياطي دراسة النصوص في التشريع المصري و الفرنسي و في بعض التشريعات العربية.
9-الدكتور: أحسن بوسقيعة, التحقيق القضائي, الطبعة الثانية ملقحة و متممة في ضل قانون 26-06-2001.
10-الدكتور: أحسن بوسقيعة, الوجيز في القانون الجزائي العام, الطبعة الأولى, الديوان الوطني للأشغال التربوية, 2002.
11-الدكتور: بوكحيل الأخضر, الحبس الاحتياطي و المراقبة القضائية في التشريع الجزائري و المقارن, ديوان المطبوعات الجامعية – الجزائر, 1992.
12- جيلالي بغدادي, التحقيق دراسة مقارنة نظرية و تطبيقية, الطبعة الأولى, الديوان الوطني للأشغال التربوية, 1999.
13- جيلالي بغدادي, الإجتهاد في المواد الجزائية, الجزء الأول.
14- حسن صادق المرصفاوي, المرصفاوي في التحقيق الجنائي, الطبعة الثانية, منشأة المعارف- الأسكندرية, مصر, 1990.
15- رؤوف عبيد, مبادئ الإجراءات الجزائية في القانون المصري, الطبعة السابعة عشر, دار الجيل للطباعة – مصر, 1989.
16- مأمون محمد سلامة, حدود سلطة القاضي الجنائي في تطبيق القانون, دار الفكر.
17- محمد زكي أبو عامر, الإثبات في المواد الجنائية, الفنية للطباعة و النشر.
18- محمد محدة, ضمانات المتهم أثناء التحقيق, الجزء الثالث, الطبعة الأولى, دار الهدى – الجزائر, 1991.
19- مولاي بغدادي ملياني, شرح قانون الإجراءات الجزائية في التشريع الجزائري, المؤسسة الوطنية للكتاب, 1992.
20- سليمان بارش, شرح قانون الإجراءات الجزائية الجزائري, دار الشهاب – باتنة, الجزائر, 1986.
21- عبد الله أوهايبية, شرح قانون الإجراءات الجزائية, الطبعة 2003, دار هومة – الجزائر.
22- عبد الفاتح مراد, التحقيق الجنائي التطبيقي, المكتبات الكبرى- القاهرة, 1995.
23- عبد العزيز سعد, إجراءات الحبس الاحتياطي و الإفراج المؤقت, المؤسسة الوطنية للكتاب- الجزائر, 1989.
24- علي بولحية بن بوخميس, بدائل الحبس المؤقت, دار الهدى – الجزائر, 2004.


-المراجع باللغة الفرنسية:

1- RAYMOND CHARLES, LIBERTE ET DETENTION, COMMENTAIRE DE LOI DU 17-07-1970.
2- ROGER MERLE, TRAITE DE DROIT CRIMINEL, DALLOZ- PARIS, 3eme EDITION 1979.
3- STEFANIE ET LEVASSEUR, DROIT PENAL GENERAL ET PROCEDURES, 9eme EDITION, TOME 2, DALLOZ- PARIS 1979


القوانــين:

1-الدساتير الجزائرية:
-دستور 1976.
-دستور 1989.
-دستور 1996.
2-قانون الإجراءات الجزائية الصادر بموجب الأمر رقم 66-155 المؤرخ في 08-07-1966 بالإضافة إلى النصوص المكملة و المعدلة له:
-القانون رقم 85-02 المؤرخ في 26-01-1985.
- القانون رقم 86-05 المؤرخ في 04-03-1986.
- القانون رقم 90-24 المؤرخ في 18-08-1990.
- القانون رقم 01-08 المؤرخ في 26-06-2001.
- القانون رقم 04-11 المؤرخ في 10-11-2004.
3- قانون الغقوبات الصادر بالأمر رقم 66-156 المؤرخ في 08-07-1966.
4- الأمر رقم 72-02 المؤرخ في 10-02-1972 المتضمن قانون تنظيم السجون و إعادة تربية المساجين.
5- الأمر رقم 99-08 المؤرخ في 13-07-1999 المتضمن قانون الوئام المدني.

-المجلات القضائية:

-المجلة القضائية , المحكمة العليا, العدد الثاني-2001.
-المجلة القضائية, عدد خاص- 2002.





















خــــــاتمـــــة

يتضح من خلال تناولنا لموضوع الحبس المؤقت مدى الأهمية التي يحظى بها هذا الإجراء باعتباره أخطر إجراءات التحقيق التي تمس بحرية الفرد، فهو نقطـة الالتقاء الوحيدة بين الإجراءات الجزائية و الحرية الفردية على حد تعبير العمـيـد "carbonnier"، وهذه الصلة الوثيقة بالحرية هي التي تفسر في نظرنا عدم التغلب على المشاكـل التي آثارها و لا يزال يثيـرها نظـام الحبس المؤقت من الناحيتين التشريعية و التطبيقية.
و من خلال دراستـنـا، حاولنـا إبراز المكـانة التي يحظى بها هذا الإجراء، فتوصلنا إلى عدة ملاحظات أهمها، أنه رغم كون المشرع في تعديل 2001 جعـل أمر الوضـع في الحبس المؤقت مسبب و حـاول حصـر الحـالات التي يجوز فيها اللجوء إليه مضيفا البند الأول في المـادة 123 من قانون الإجراءات الجزائية الذي ينص:" إذا لم يكن للمتهم موطن مستقر أو كان لا يقدم ضمانات كافية للمثول أمام العـدالة أو كانت الأفعـال جـد خطيرة "، فإن المشرع لن يحدد ما المقصود بالموطن المستقر، فهل يشترط أن يكون مقيما في دائرة اختصاص الجهة القضائية أو حتى خارجها، كما أن عبارة "ضمانات كافية للمثول "هي عبارة عامة و واسعة، فهل يقصـد بها المركز الاجتماعي للمتهم أو الوضعية الجزائية له أو شيء آخر، و فيما يخص عبارة "أفعال جد خطيرة " فما هو المعيار الذي يجب الاعتماد عليـه في تحديد خطورة الأفعال من عدمها، لذا فإن المشرع بإضافته لهذا البند قد وسـع من سلطة قاضي التحقيق في اللجوء للحبس المؤقت، خاصة أن خطورة الوقائـع أو عدم كفاية الضمانات تصلح كسبب في اللجـوء لهـذا الإجـراء، لذا يجب على المشرع إعادة النظر في هذا البند بصياغته في شكـل أكثـر دقة يجعل اللجوء إلى إجراء الحبس المؤقت محدد في حالات واضحة.
كذلك أورد المشرع في المـادة 487 من قانـون الإجراءات الجزائية حكما غريبا لكونه يجيز وضع الحدث الذي يتجاوز 13 سنة في الحبس المؤقت إذا طرأت حالة عارضة أو دعوى متعلقة بنظام الوضع و الحضانة، و هو خرق صارخ لأحـكام المنظمة للحبس المؤقت، و على المشرع تدارك ذلك في المستقبل.
عندما تأمر غرفة الاتهام بإجراء تحقيق تكميلي و كان المتهم محبوسا مؤقتا، فـإن مدة حبسه تبقى مفتوحة لغاية انتهاء قاضي التحقيق من المهمة المنوطة به، فكـان على المشرع تحديد مدة لقيامه بمهمته ليرتب عن انتهائها الإفراج بقوة القانون عن المتهم.
التزم المشرع الصمت بخصوص كيفية حساب مدة الحبس المؤقت، مما يـؤدي بنا إلى تطبيـق المبدأ العـام الوارد بالمادة 726 من قانون الإجراءات الجزائية التي تنص على قاعدة المواعيد الكاملة دون حساب اليـوم الأول و الأخير، إلا أن هذه القاعدة يصعب تطبيقها من الناحية العملية كونها تمس بالحريات الفردية، لذا على المشرع وضع نص خاص يحدد فيه بدقة كيفية حساب هذه المدة.
و قد استحدث المشـرع كذلك نظـام التعويض عن الحبـس المؤقت غير المبرر، محددا الشروط التي يجب توافرها لقبول طلب التعويض، إلا أن شرط وجود ضرر ثابت و متميـز – نظرا لصعـوبة إثباته- يعـد عائقا أمام حصول المتضرر على التعويض، لذا على المشـرع التقليـل من حدته، و في نفس السياق فإن المشرع لم ينظم أحكـام دعوى الرجـوع عندما منح الدولة حق الرجـوع على المبلغ سيء النية أو شاهد الزور الذي أدى إلى متابعة المتهم.
و للحد من اللجوء إلى الحبس المؤقت كونه يمس بالحريات الأسـاسية للأفراد أوجد المشرع نظاما جديدا هو إجراء الرقابة القضائية، و مع ذلك فإن أحكـام هذه الأخيرة تشوبها نقائص و ثغرات قانونية لابد من تداركها، و أهمها أن المشـرع لم ينص صـراحة – على خلاف الحبـس المـؤقت - على استبعـاد المخالفات من إجراء الرقابة القضائية، فعليه تدارك ذلك.
حدد المشرع الالتزامات التي يمكن أن تفرض على المتهم الخاضع للرقابة القضائية متداركا بذلك النقص الذي كان يشوب أحكام القانون رقم86-05 رغم كون البعض منها لا تحقـق الغـاية المرجـوة، و في المقـابل فإنه لم يذكر بعض الالتزامات الضرورية التي كان يتعين النص عليها.
لم يتطـرق المشـرع إلى مصير الشخص الخاضع للرقابة القضائية إذا حكم عليه بالبراءة أو الحبس مع وقف التنفيذ أو الغرامة فقط و سهى قاضي الحكم عن رفعها، لذا نقترح أن ينص على رفع الرقـابة القضـائية بقوة القانـون إذا توافرت إحدى الحالات المذكورة سابقا كما هو الحال في الحبـس المؤقت طبـقا للمــادة 365 من قانون الإجراءات الجزائية.
ألزم المشرع غرفة الاتهـام الفصـل في طلب رفع الرقابة القضائية في أجل 20 يوما، لكن لم يرتب على عدم احترامها هذا الأجل أي جزاء، إذ نقترح إضافة حكم يقضي برفع الرقابة القضائية تلقائيا كما هو عليه الحال في الحبس المؤقت.
وحسنا ما فعل المشرع عندما تدارك في تعديل 2001 النقـص الذي كان عليــه قبل ذلك فيما يخص حق المتهم في استئناف أمر الوضع تحت الرقـابة القضـائية.
و إن كان استحداث الرقـابة القضائية في التشريع الجزائري يعـد نقلة نوعية في تكريس الحريات الفردية، فإن الأصل هو بقاء المتهم حرا طليقا إلى غاية إدانته بحكم قضـائي نهائـي، و ما نلاحظـه فيمـا يخص الإفراج أن المشرع أورد في نصوص المواد 127، 179، 358 من قانون الإجراءات الجزائية مصطلح " تلقائيا" رغم أن هذه المواد متعلقة بالإفـراج بقوة القانون، لذا عليه تدارك ذلك و إعـادة صياغة هذه المواد لتفادي أي لبس.
كذلك لم ينص المشرع على ضرورة تسبيب الأمر الصادر بإعادة حبس المتهم بعد الإفراج عنه، على الرغم من أنه يشكـل ضمـانا لحقوقه كونه حدد الحالات التي يجوز فيها اتخاذ هذا الإجراء.
و أخيرا، ندعو المشرع إلى سد الثغرات التي تضمنها قانون الإجراءات الجـزائية فيما يتعلق بالحبس المؤقت و الرقابة القضائية و الإفراج و عدم التسرع في إصدار القوانين إلا بعد دراسة مستفيضة لها، مما يعود بالنفع العام على الفرد و المجتمـع من أجل تبسيط تطبيق أحكامه لتسهيل استعماله على القضاة ، و إحاطته بجملة من الضمانات القانونية لإعطاء مصداقية لهذه النصوص ضمن منظومتنا التشـريعية.



المبحث الأول: الحبس المؤقت:

قديما عندما لم تكن قواعد إجراءات المحاكمة قد تبلورت و استقرت على ما هي عليه اليوم, كان المتهمون يودعون الحبس مدة طويلة دون محاكمتهم, فكان الصراع قائما بين السلطات الحاكمة و بين المواطنين بشأن جواز و عدم جواز حبس المواطن أو القبض عليه لمجرد الاشتباه فيه أو اتهامه بجرم معين.
و في خضم هذا الصراع نشأت مذاهب وسطية توازن بين احترام الحرية الفردية و احترام المجتمع, و إن الحرية الفردية يمكن تقييدها من أجل المصلحة العامة و من أجل حماية المجتمع و سلامة الدولة, لذلك يمكن القول بأن الحبس المؤقت موضوع حديثنا لم يكن إلا نتيجة لهذه الموازنة و بذلك أصبحت الإعلانات الخاصة بحقوق الإنسان و أغلب الدساتير و القوانين تتضمن مبادئ تمنع حبس المتهم قبل محاكمته إلا في حالات معينة, و من بينها المشرع الجزائري الذي وضع ضوابط و أحكام تحكم وضع المتهم رهن الحبس المؤقت باعتباره أهم و أخطر إجراء يمكن أن يمارسه قاضي التحقيق و ذلك في إطار السلطة التي منحها له القانون, و تتجلى خطورة هذا الإجراء في كونه يقيد حرية الفرد, ضف إلى ذلك أنه كثيرا ما يصيب الأبرياء و يشوه سمعة الأفراد, لذلك فإننا سوف ندرس في هذا المبحث التعريف ماهية الحبس المؤقت من خلال ما يلي:
- ماهية الحبس المؤقت.
- إجراءات الحبس المؤقت.
- التعويض على الحبس المؤقت غير المبرر.

المطلب الأول: ماهية الحبس المؤقت:
نتطرق في هذا المطلب إلى كل من مفهوم الحبس المؤقت و تمييزه عن الأنظمة الشبيهة به من جهة, و من جهة أخرى إلى مضمونه.

الفرع الأول: مفهوم الحبس المؤقت و تمييزه عن غيره من الأنظمة الشبيهة به:

أولا: مفهوم الحبـس المؤقـت:
1- تعريف الحبس المؤقت:
أ – لغــة:
يشتق الحبس من فعل حبس, و يقال: إحتبسه وحبسه أي أمسكه عن وجهه , كما ورد بأن الحبس ضد التخلية. والحبس كل ما يشد به مجرى الوادي في أي موضع حبيس وقيل الحبس حجارة أو خشب يبنى في مجرى الماء ليحبسه ليشرب القوم. والحبس في الكلام التوقف.
ومما سبق يتضح أن الحبس في اللغة بمعنى المنع , ثم أطلقت كلمة حبس على الموضع الذي يحبس فيه الشخـص .

ب - شرعــا:
لقد عرف فقهاء الشريعة الإسلامية الحبس بأنه تعويق الشخص ومنعه من التصرف بنفسه حيث شاء , سواء كان في بيت أو مسجد أو كان من توكيل نفس الغريم أو وكيل عليه , أو ملازمته ولهذا سماه النبي ( ص ) أسـرا .
ويشمل هذا التعريف الحبس سواءا كان عقوبة أو إجراء تحقيـق .
كما أنهـم إختلفـوا فـي تسميـة الحبـس الاحتياطـي , منهم من أطلق عليه إسم حبـس إحتياط أو حبس إختبار , وبعضهم سماه حبـس كشـف وإستبـراء .
كمـا أنهم اختلفوا في مدته , فبعضهم قرر أنها شهر , والآخر ترك تحديدها لسلطة القاضي أو الوالـي حسـب الحالـة .

ج- فقهــــا:
يختلـف الفقه الجنائي في تعريفه للحبس المؤقت خاصة من حيث مداه ونطاقه وذلك إنطلاقا من السلطة التي يخولها القانون للقاضي المحقق في الأمر به, حيث يعرفه الدكتور محمود نجيب حسني بأنه: "هو سلب حرية المتهم مدة من الزمن تحددها مقتضيات التحقيق ومصلحته وفق ضوابط قررها القانون " .
ويعرفه د. أحمد فتحي سرور بأنه: " هو إيداع المتهم السجن خلال فترة التحقيق كلها أو بعضها أو إلى أن تنتهي محاكمته " .
أما صادق المرصفاوي يقول: " هو إجراء من إجراءات التحقيق الجنائي يصدر عمن منحه المشرع هذا الحق ويتضمن أمرا لمدير السجن بقبول المتهم وحبسه به , ويبقى محبوسا مدة قد تطول أو تقصر حسب ظروف كل دعوى حتى ينتهي إما بالإفراج عن المتهم أثناء التحقيق الابتدائي أو أثناء المحاكمة , وإما بصدور حكم في الدعوى ببراءة المتهم أو بالعقوبة وبدء تنفيذها " .
و عرفه عاطف النقيب بأنه:" هو تدبير مانع للحرية يقضي بوضع المدعى عليه في السجن لمدة غير محددة قد تمتد إلى بعد التحقيق: أي حتى مثوله أمام المحكمة أو صدور الحكم فيها قد ينتهي أثناء التحقيق أو بعده بإتخاد قرار بإخلاء السبيل."
وعرفه عبد العزيز سعد بأنه:" هو إجراء يسمح لقضاة النيابة والتحقيق والحكم كل فيما يخصه بأن يأمر بأن يودع السجن لمدة محدودة كل متهم بجناية أو جنحة من جنح القانون العام لم يقدم ضمانات كافية لمثوله من جديد أمام القضاء "
ويعرفه الدكتور أحسن بوسقيعة بأنه: " سلب حرية المتهم بإيداعه في السجن خلال مرحلة التحقيق التحضيري " .
أما الفقه الأوربي فقد عرف الحبس الاحتياطي عدة تعريفات منها:
الأستاذان مارل وفيتو بأنه:"حبس المتهم في دار التوقيف خلال فترة التحقيق الابتدائي كلها أو بعضها أو إلى أن تنتهي بصدور حكم نهائي في موضوع الدعوى " .
و عرفه الأستاد كلارك بقوله: " إن الحبس الاحتياطي هو وسيلة إكراه تتضمن إيداع الشخص في السجن لحين الفصل في موضوع الدعوى الموجهة ضده " .
كما يعرفه الأستاذ مارك بأنه: " هو حبس المتهم خلال فترة التحقيق الابتدائي كلها أو بعضها أو إلى أن تنتهي بصدور حكم نهائي في الموضوع " .

د- قانــونا:
إن القانون الوضعي لم يتضمن تعريفا للحبس المؤقت, كما أن مختلف التشريعات جاءت بعدة مصطلحات عديدة من بينها "الحبس الاحتياطي", "الحبس المؤقت".
أما المشرع الجزائري فقد تبنى المصطلح الأول مقتديا بالتشريع الفرنسي و بموجب تعديل قانون الإجراءات الجزائية بالقانون رقم 01-08 المؤرخ في 26-06-2001 أصبح يطلق عليه مصطلح الحبس المؤقت, كما إعتبره إجراءا استثنائيا متأثـرا في ذلك بنص المادة 137 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي والتي أوردت نفس العبارة أول مرة سنة 1957.
و مما سبق يتضح أن مجمل التشريعات تتجنب تعريف الحبس المؤقت تاركة بذلك المجال للفقه للاجتهاد في هذه المسألة بوضع التعريفات المناسبة.
ويمكن تعريفه بأنه أمر من أوامـر التحقيق تصدره سلطة مختصة قانونا مفاده وضع المتهم في مؤسسة عقابية لبعض مدة التحقيق أو كلها أو حتى المحاكمة الهدف منه تأمين سير التحقيق وسلامتـه .


2- الطبيعـة القانونيـة للحبـس المؤقـت:
نظـرا لمـا للحبس المؤقت من مساس بكرامة الإنسان, ولما له من خطورة على ضمان احترام حريات الأفراد, فهو محل جدل كبير بين مؤيد ومعارض له , لما يحمل في طياته من تضارب بين المصلحة الفردية والجماعية , إذ يلحق بالمتهم ضررا بالغا في سمعته وشرفه و شخصه بسلبه حريته, وعلى الرغم من ذلك فإن مصلحة التحقيق تقتضيه من نواحي متعددة, وهذا يدفعنا للتساؤل عما إذا كان الحبس المؤقـت عقوبـة أم أنـه إجـراء من إجـراءات التحقيـق وكـذا لا بـد من معرفة مـدى توافقـه مـع قرينـة البـراءة, فمـا هـي الطبيعـة القانونيـة للحبـس المؤقـت؟.
إن الإجابـة علـى هـذا السـؤال تقودنـا إلى الحديـث عما يلـي:

أ- الحـبس المؤقـت وقرينـة البــراءة :
إن مضمون قرينة البراءة أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم بات وهو عنوان الحقيقة , فهذه القرينة تفرض أن يعامل كل فرد متهم بجريمة معينة باعتباره بريئـا - مهما كانت جسامة الفعل المرتكب أو التهمة المنسوبة إليه - إلى حين صدور حكم قضائي من الجهـات القضائيـة المختصـة بالإدانـة .
وقد نادى الفقه بهذه القرينة نظرا لتلك التعسفـات التي كانت تمارس ضد الأشخاص الأبرياء, حيث كان الأصل في الإنسان الإدانة بدل البراءة وكان الأصل في التحقيـق القبـض والحبـس بـدل الحريـة .
وقد تعززت القيمة القانونية لهذه القرينة من خلال النص عليها صراحة في المادة 45 من الدستور الجزائري إذ جاء فيهـا:" كل شخص يعتبر بريئا حتى تثبت جهة قضائية نظامية إدانته مع كل الضمانات التي يتطلبها القانون ".
و من ثمة أصبحت هذه القرينة مبدأ دستوريا يقتضي أن يخضع له كافة القوانين الإجرائية والموضوعية الأخرى, كما يفرض احترامه وعدم التعرض له بأي شكل من الأشكال. ويعاب على المشرع أنه لم يتعرض لقرينة البراءة في قانون الإجراءات الجزائية مكتفيـا بمـا ورد في الدستـور.
يعتبر مبدأ قرينة البراءة مبدأ عالمي تبنته مختلف الإعلانات العالمية لحقوق الإنسان مؤكـدة علـى وجـوب إحترامـه .
كمـا أولـت الشريعـة الإسلاميـة إهتماما خاصـا بقرينـة البـراءة فقـررت أن الأصل في الإنسان براءة ذمته براءة كلية من القصاص والحدود والتعزيرات, ومن الأقوال كلها ومن الأفعال بأسرها, إذ وردت في القرآن الكريم العديد من الآيات الدالة على هذا المبدأ قوله تعالى: " من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل يضل عليها ولا تزر وازرة وزرى أخرى وما كنـا معذبيـن حتـى نبعـث رسـولا" .
وعليـه ينبغـي في الفقـه الإسلامـي أن يعامـل الفـرد المتهـم معاملـة الأبرياء ريثمـا يصـدر القـرار عليـه بالإدانـة, ويتضح ذلـك جليـا في جرائـم الحـدود لقولـه- صلى الله عليه و سلم - : " ادرؤوا الحدود بالشبهات ", كما يمتد إلى جرائم القصاص إذ قال الرسـول – صلى الله عليه و سلم- : " إن دماءكـم وأموالكـم وأعراضكـم وأشباركـم حرام عليكم " .
فقد إتفـق كل من القانون الوضعي والشريعة الإسلامية على أهمية هذه القرينة واعتبارها قاعدة أساسية وجب إحترامها حفاظا على سيـادة حقوق الإنسان من جهة , ومن جهة أخرى حفاظا على أمن المجتمع وطمأنينته في ألا يمس بريء في براءته إلا بمقتضى إجراءات محاكمة عادلة يحترم فيها مبدأ الأصل في الإنسان البراءة وحقوق الدفاع الأساسية الأخرى التي نص عليها القانون, وهذا ما جعل الفقه يصف هذه القرينة بأنهـا : " الإرث المشتـرك لكـل الأمـم المتحضـرة " .
ويترتب عن هذا المبدأ نتائج هامة:
أولها القاعدة التي تقضي بأن الشك يفسر لصالح المتهم, فهذا الشك يعني أنه على محكمة الموضوع إذا شكت في أدلة إدانة المتهم أن تسقطها من تلقـاء نفسهـا وتقضـي ببراءتـه على أساس أن البراءة هي الأصل العام, فالاتهـام وحده لا يخلو من الشك بطبيعته والشك لا يمحو اليقين والبراءة أصلية حقيقية متيقنة , فالإدانـة يجـب أن تبنـى علـى الجـزم واليقيـن لا علـى الإحتمـال والشك.
ثانيهــا أن المتهـم غيـر مكلـف بإثبـات براءته بل ينتقل عبئ الإثبات إلى سلطة الإتهام التـي يجـب أن تقـدم الدليـل علـى ارتكابـه الجريمـة المنسوبـة إليه.
من الناحية الفقهية والقانونية يعتبر الحبس المؤقت متعارضا مع قرينة البراءة, إذ أساسه هو افتراض قرينة الجرم في الفرد بمجرد إشتباهه في إرتكابه جناية أو جنحة وتوقيع عقوبة عليه قبل أن تثبت إدانته بحكم قضائي, في حين أن نطاق قرينة البراءة هو أن الفرد بريء حتى تثبت إدانته بحكم قضائي بات, إلا أن البعض يرى عدم وجود تعارض بينهما معتبرين قرينة البراءة مجرد وسيلة إثبات وبذلـك أغفلـوا أنهـا تحكـم مسألة الحرية الفردية في نفس الوقت , فلا يجب إعفاء المتهم من عبء إثبات براءته فحسـب ولكـن يجـب حمايتـه مادام لم يثبـت إرتكابه لجريمة معاقبا عليهـا , بعقوبـة سالبـة للحريـة .

وخلاصـة القـول, هناك تعارض بيـن كل من الحبـس المؤقـت وقرينـة البراءة على مستوى المبادئ القانونية القاعدية وهـذا ما أدى بالبعـض إلى إعتباره نظاما بعيدا عن فكرة العدالة لكـن يتطلب النظـام الاجتماعـي أحيانـا الحد من حرية الفرد لمصلحة آمنه مما يجعل من الحبس المؤقت أذى ضروري يتبيـن ذلك مـن خـلال وظائفـه .

ب - الحبـس المؤقـت والعقوبـة:
تعرف العقوبة بأنها الجزاء الذي يوقعه المجتمع بواسطة هيئاته القضائية على مرتكبي الجرائم لردعهم وردع غيرهم بما تباشره العقوبة أيضا من تهديـد وإرهاب فـي نفـوس الكافـة.
ولقـد تطـورت وظيفـة العقوبـة فلم يعـد الغرض منها مجرد الانتقام من الجاني أو دفعـه نحـو التكفيـر عن خطئـه, بل أصبحـت العقوبـة تهدف إلى تحقيق الردع الخـاص والـردع العـام .
علـى الرغـم من إتحـاد الحبـس المؤقـت مع العقوبـة في طبيعتـه من حيـث سلب حرية المتهم مدة من الزمن إلا أن الحبس المؤقت ليس بعقوبة فهو لم يرد في نطاق العقوبات الأصلية أو التبعية أو التكميلية و إنما هو إجراء من إجراءات التحقيق, بينـه وبين العقوبـة صلة تتمثـل في وجـوب خصم مدة الحبس المؤقـت من مـدة العقوبـة المحكـوم بهـا .

ج - الحبـس المؤقـت وإجـراءات التحقيـق:
لم يرد في قانون الإجراءات الجزائية تعريف لإجراءات التحقيق وإنما اقتصر المشرع على الإشـارة إليهـا في أكثـر من موضـع حيـث نجـدها:
- إجراءات تهدف إلى كشف الحقيقة عن طريق جمع الأدلـة بالانتقـال والمعاينة وسمـاع الشهـود والتفتيـش.
- إجراءات تنصب على قيام سلطة التحقيق فيما يعرض عليها من طلبات أو دفوع من طرف الخصوم من جهة وعلى التصرفات القانونية في التحقيق من جهة أخرى.
- إجراءات تتعلق بالحرية الشخصية للمتهم مثل حبسه مؤقتـا وعليه فإن الحبس المؤقت يعد إجراء كغيره من إجراءات التحقيق التي تمس الحرية الشخصية للمتهم تصدره الجهة المختصة متى رأت ضرورة لذلك , وقد إعتبره الفقه يندرج ضمن الإجـراءات الاحتياطيـة التي تتخـذ ضـد الشخـص المتهـم .

خلاصة القول أن الطبيعة القانونية للحبس المؤقت هي طبيعة إجرائية شرعت لمصلحة التحقيق ولا يتخذ إلا بصفة استثنائية طبقـا لما ورد في النصوص التشريعية وهذا لعدم المسـاس بالحريـات الفرديـة للأشخـاص.

ثانيا: تمييـز الحبـس المؤقـت عن الأنظمـة الشبيهـة بـه:
إن الحبـس المؤقـت بإعتبـاره إجـراء سالـب للحريـة يتشابه مع أنظمة أخرى كالحجز تحت المراقبة, الإعتقـال الإداري, السلطـة المخولة للولاة وسنتناول دراسـة كـل نظـام علـى حـدا.

1-الحبس المؤقت و نظام الحجز تحـت النظر:
لقد عرف الفقـه الحجز تحت النظر بأنه إجراء بوليسي بمقتضاه تخول الشرطة سلطة الإبقاء تحت تصرفها لمدة قصيرة تقتضيها - دواعي التحقيق التمهيدية - كل شخص دون أن يكون متهما في أماكن رسمية غالبا ما تكون مراكز الشرطة أو الدرك .
ولقد نضمه المشرع ضمن المواد 50 و 51 من قانون الإجراءات الجزائية, حيث منح سلطة وضع المتهم في الحجز إلى ضباط الشرطة القضائية دون الأعوان والهدف من الحجز هو تجنب عرض الوقائع على سلطات التحقيق دون أدلة كافية وكذا إخراج الأشخـاص المشتبـه فيهـم خطـأ مـن الدعـوى.
كمـا بيـن القانـون الأشخـاص الذيـن يجـوز حجزهـم وهـم:
- الأشخـاص الذيـن يتقـرر عـدم مبارحتهـم مكـان الجريمـة.
- الأشخـاص الذين يبدو من الضروري التعرف على هويتهم أو التحقق من شخصيتهم.
- الأشخـاص الذين تتوافر لديهم معلومات عن الوقائع المرتكبة أو قامت ضدهم دلائل قويـة ومتماسكـة مـن شأنهـا التدليـل علـى إتهامهـم.
وقد حدد المشرع مدة الحجز تحت النظر بثمان وأربعين (48) ساعة قابلة للتجديد بأمـر من وكيل الجمهورية, وتضاعف جميع المواعيـد المبينـة في المـادة 51 مـن قانون الإجراءات الجزائية إذا ما تعلق الأمـر بالإعتـداء علـى أمـن الدولـة.
مما سبق نخلص أن الحجز تحت النظر هو صورة مصغرة للحبس المؤقت ولكنه في الحقيقة يختلف عنه من حيث الجهة الآمرة به و مدته وكذا الهـدف منـه.

2 – الحبس المؤقت و نظام الاعتقـــال الإداري:
يقصد بالإعتقال الإداري قيام سلطة قضائية بموجب نص تشريعي أو تنظيمي خاص بسلب حرية الشخص لمدة تحددها دون نسبة أي جريمة من الناحية القانونية للشخص محل الإعتقال فهو عبارة عن قرار إداري يتم بموجبه حجز شخص ما في مكان معين ومنعه من الإنتقال أو الإتصال بغيره .
الاعتقال يصدر في الظروف الإستثنائية التي يستحيل فيها على الدولة التصدي للأخطار الناجمة عنها بإجراءات سريعة وفعالة إذا أبقت على تطبيق القانون العادي , وتخول النصوص القانونية السلطة التنفيذية حجز الأشخاص دون تدخل من السلطة القضائية عندما تتطلب ضرورة الأحداث ذلك , وقد طبق هذا النظام إبان الثورة الجزائرية بموجب المرسوم المؤرخ في 17-03-1956 الذي ينص على:" إعتقال كل شخص يظهر من نشاطه خطورة على الأمن أو النظام العام " .
وكان وقتها يصدر قرارات الإعتقال المندوب الفرنسي العام في الجزائر خالية من أي تسبيب ويجوز تفويض الولاة ورؤساء الدوائر والقطاع العسكري إصدار مثل هذه القرارات التعسفية في بعض المناطق دون رقابة.
ويتميز الإعتقال عن الإجراءات الأخرى السالبة للحرية كالحبس المؤقت الذي يتعين في هذا الأخير تقديم المحجوز إلى القضاء, كما يكتسي الإعتقـال طابعـا عقابيـا وعليـه ينـزع منـه الطابـع الإحتياطـي.

3 – الحبس المؤقت و السلطــة المخولــة للولاة في حجز الأشخاص:
إن الـولاة لـم يخولهـم القانـون صفة مأموري الضبط القضائـي حتى لا يخضعهم إلى غرفة الإتهام إلا أنه يمكن لهم في حالات إستثنائية وبشروط معينة حددتها المادة 28 من قانون الإجراءات الجزائية مباشرة بعض أعمال الضبطية القضائية , من بينها توقيف الأشخـاص وحجـزهم ولهـذا يجـب:
- أن تقـع جنايـة أو جنحـة ضـد أمـن الدولـة.
- ألا يكـون قد وصـل إلى علـم الوالـي أن السلطـة القضائيـة قد أخطـرت بوقـوع الجنايـة أو الجنحـة.
- أن يتطلب الأمر تدخل الوالـي بسرعة وبصفة مستعجلة خشية تفاقم الوضع أو ضياع الأدلة أو هروب الجناة فإذا توفرت هذه الشروط جاز للوالي أن يتخذ بنفسه الإجراءات الضرورية لإثبات الجناية أو الجنحة المرتكبة ضد أمن الدولة أو أن يكلف أحد مأموري الضبط القضائي المختصين كتابيا, وعلى الوالي أن يخبر فورا وكيل الجمهورية بأنه استعمل الحق المخول له قانونا وأنه سيتحلى لصالح السلطة القضائية خلال ثمان وأربعين (48) ساعة التالية لبدء العمليات, ويرسل له أوراق القضية مع تقديم جميع الأشخاص الموقوفين من هنا يظهر الفرق بين الحبس المؤقت والسلطة المخولـة للوالـي لضبـط وحجـز الأشخـاص .

الفرع الثاني: مضمون الحبس المؤقت:
نتطرق في هذا الفرع إلى كل من مبررات الحبس المؤقت و شروطه.

أولا- مبـررات الحبـس المؤقـت :
يقصد بمبررات الحبس المؤقت تلك الأسس التي تستند إليها الجهة المختصة بإصدار هذا الأمر, وهذا بوصفه إجراء شاد وخطير باعتباره يمس بقرينة البراءة التي يتمتع بها كل إنسان ما لم يصدر حكم نهائي يقضي بإدانته فإن الفقه والتشريع المتعدد حاولوا وضع تبريرات وأهداف للحبس المؤقت حتى لا تبقى سلطة القضاء واسعة في هذا المجال وبذلك يصبح هذا الإجراء القاعدة العامة في التعامل القضائي عوض أن يكون الاستثناء كما وصفتـه التشريعـات الجنائيـة.
وقـد قـدم الفقـه ثـلاث مبـررات للحـبس المؤقـت هـي:

- الحبس المؤقت إجراء لتحقيق الأمن:
فهو يهدف أساسا إلى إعادة استتباب الأمن و تهدئة الرأي العام من جراء الاضطراب الذي أحدثتـه الجريمـة المرتكبـة كما أنه يحمـي المتهـم نفسـه من أي إنتقـام محتمـل وقوعه و بذلك يتفـادى سقـوط ضحايـا آخريـن, بالإضافة إلى أنه يمنع بعض المتهمين من العودة إلى إرتكاب الجريمة خاصة المجرمين الخطيرين أو الذين لا ينتظر منهم الإصلاح.
و لقد تعرضت هذه الفكرة لعدة إنتقادات منها:
- لا يمكن لقاضي التحقيق إصدار أمر بالحبس المؤقت نظرا لخطورة المتهم أو عدم قابليته للإصلاح أو خوفا من ارتكابه جريمة جديدة, إذ يجب عليه أن يؤسس أمره على أسباب معقولة وفقا لما نصت عليه المادة 5 من الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان و حريته التي تجيز سلب حرية الشخص إذا توافرت أسباب معقولة بضرورة منعه من ارتكاب الجريمة
- لا يمكن القيام بحبس الأبرياء إرضاء للرأي العام.

- الحبس المؤقت وسيلة للسير الحسن للتحقيق:
يعتبر الحبس المؤقت وسيلة للكشف عن الحقيقة و تحقيق العدالة إذ يمنع التواطؤ بين المتهم و شركائه , كما يقف حائلا دون تدمير الأدلة و الآثار الخاصة بالجريمة و منع التأثير على الشهود.

- الحبـس المؤقـت إجراء يضمن تنفيذ العقوبة:
الحبس المؤقت يمنع المتهم من الهروب خوفا من تنفيذ العقوبة التي ستوقع عليه خاصة في الجرائم التي رصد لها القانون عقوبات مشددة, و هذا المبرر ما هو إلا إحياء لمفهوم قديم:" من لا يبدأ بالقبض سيفقد الجاني ".
و يرى معارضوا الحبس المؤقت أنه لا يمكن تبريره في كل الأحوال كضمان لتنفيذ العقوبة كون تفكير المتهم في الهرب بدل تنفيذ العقوبة لا يعتبر قاعدة عامة خاصة بالنسبة للذي له محل إقامة ثابت و معروف, لأن الهرب يعني له هجر أسرته و أعماله و علاقاته و هذا يسبب له ضررا أكثر من تنفيذ العقوبة.
وقد عيب على المشرع عدم نصه على أهداف ومبررات الحبس المؤقت, رغم أنه إستقى معظم أحكام هذا الإجراء من القانون الفرنسي الذي تبنى هذه المبررات, وبتزايد الانتقادات في هذا الشأن تم تدارك هذا النقص بموجب القانون رقم 90 - 24 المؤرخ في 18 أوت 1990 المعـدل والمتمـم لقانـون الإجراءات الجزائية, إذ ينـص في المـادة 123:
"... فإنـه لا يمكـن أن يؤمـر بالحبـس الاحتياطـي أو أن يبقـى عليـه:
1- عندما يكون الحبس الاحتياطي الوسيلة الوحيدة للحفاظ على الحجج أو الأدلة المادية أو وسيلة لمنع الضغوط على الشهود أو الضحايا أو لتفادي توطأ بين المتهمين والشركاء والـذي قـد يـؤدي إلـى عرقلـة الكشـف عن الحقيقـة.
2- عندمـا يكـون هذا الحبـس ضروريـا لحمايـة المتهـم أو وضع حد للجريمة أو الوقايـة مـن حدوثهـا من جديـد.
3- عندمـا يخالـف المتهـم من تلقـاء نفسـه الواجبـات المترتبـة عن الإجراءات الرقابيـة القضائيـة المحـددة لهـا.
كمـا أن المشرع أضاف مبرر آخر على إثر تعديل نفس المادة بموجب القانون رقـــم 01 - 08 المـؤرخ فـي 26 يونيـو 2001 و هو:
" إذا لم يكـن للمتهـم موطـن مستقـر أو كـان لا يقدم ضمانات كافية للمثـول أمام العدالـة أو كانـت الأفعـال جـد خطيـرة."
إن مبررات الحبس المؤقت يجب أن لا ينظر إليها إلا في حدود ما تحققه للكشف عن الحقيقة , و في رأينا ما جاء به المشرع بموجب التعديل السالف الذكر غير كافي لحبس المتهم, لأنه يمكن اتخاذ إجراءات الرقابة القضائية عليه دون اللجوء إلى حبسه, الشيء الذي يمس بسمعته وكذا بحريته الفردية , حيث يمكن أن يكون للشخص أكثر من موطن كما هو الحال بالنسبة للتاجر , أما فيما يخص عدم تقديم المتهم لضمانات كافية للمثول أمام العدالة فالمشرع لم يحددها ولم يبين المقصود من الأفعال جد خطيرة وبهذا نجد أن هناك ثغرة تركها المشرع رغم توسعه في وضعه لمبررات الحبس المؤقت وهذا سوف يؤدي إلى المبالغة في حبس كل المتهمين ويعتبر ذلك خرق لمبدأ قرينة البراءة والكشـف عن الحقيقـة وهـذه نتائـج عكسيـة لمـا يهـدف إليـه المشـرع ولن يحقـق الإصـلاح المنشـود و هذا ما يجعلنا نصل إلى نتيجة لا يكاد يختلف فيها اثنان و هي أنه إذا كانت هذه الحالات جاءت لتعطي للحبس المؤقت الصفة الاستثنائية إلا أنها تحمل في طياتها بذور فنائها.

ثانيا: شروط الوضع رهن الحبس المؤقت:
يصدر الأمر بالوضع رهن الحبس المؤقت وفق شروط موضوعية و أخرى شكلية:

1-الشروط الموضوعية للحبس المؤقت:
تعتبر الشروط الموضوعية من أهم الضمانات القانونية التي أقرها القانون لحماية المتهم المحبوس مؤقتا, و هذا في نطاق قرينة البراءة التي يتمتع بها طوال إجراءات التحقيق إلى غاية صدور حكم نهائي في موضوع الدعوى.
و لهذا فقد عمدت جل التشريعات إلى وضع ضوابط و قيود موضوعية من شأنها أن تحد من اللجوء إلى الحبس المؤقت, و القانون الجزائري كغيره من القوانين وضع ضوابط تتمثل في الشروط المنصوص عليها في المواد 118 و 123 من قانون الإجراءات الجزائية, و لهذا ستتركز دراستنا على هذه الشروط المتمثلة في:

أ- استجواب المتهم:
يعد استجواب المتهم إجراء من إجراءات التحقيق يهدف إلى الوقوف على حقيقة التهمة و الوصول إما إلى اعتراف منه يؤيدها أو دفاع ينفيها .
و يخضع استجواب المتهم بحسب المرحلة التي يتم فيها إلى إجراءات خاصة سوف نوضحها على النحو الآتي:
- الاستجواب عند الحضور الأول الذي يجرى للمتهم عند مثوله لأول مرة, و يعتبر هذا الإجراء سماعا له و ليس استجوابا, لأن قاضي التحقيق عند مثول المتهم يتحقق من هويته و يحيطه علما بكافة الوقائع المنسوبة إليه دون مناقشتها و هذا ما نصت عليه المادة 100 من قانون الإجراءات الجزائية .
و عليه فإن سماع المتهم لأول مرة يخضع لإجراءات شكلية يتعين على قاضي التحقيق إتباعها و إلا وقع تحت طائلة البطلان طبقا لنص المادة 157 من قانون الإجراءات الجزائية, و تتمثل هذه الإجراءات فيما يلي:
1- إحاطة المتهم بالوقائع المنسوبة إليه, فيتحقق من هويته و يعلمه صراحة بكل واقعة من الوقائع المنسوبة إليه.
أما إعلام المتهم بالوصف القانوني للوقائع فهو غير ملزم قانونا, إلا أن الدكتور أحسن بوسقيعة يرى أنه لا بأس من إعلام المتهم به و ذلك حسب ورودها في الطلب الافتتاحي لإجراء التحقيق.
2- تنبيه المتهم في حقه بعدم الإدلاء بأي تصريح, و يشار إلى هذا في المحضر.
- تنبيه المتهم بحقه في الاستعانة بمحامي للدفاع عنه أو يعين له محامي إذا ما طلب منه ذلك, و يشار إلى هذا في المحضر , و هنا نكون أما حالتين:
1-تنازل المتهم عن الاستعانة بمحامي, ففي هذه الحالة يجوز لقاضي التحقيق إثبات هذا التنازل بالمحضر, غير أنه يجوز للمتهم التراجع عنه.
2-طلب المتهم الاستعانة بمحامي سواء اختاره بنفسه أو طلب من قاضي التحقيق تعيينه, فهنا لا يجوز استجوابه في الموضوع إلا بحضور محاميه بعد استدعاءه قانونا .
-تنبيه المتهم بوجوب إخبار قاضي التحقيق بكل تغيير يطرأ على عنوانه كما ألزمه القانون بأن يختار موطنا له بدائرة اختصاص المحكمة.
و ما يمكن ملاحظته, أن دور قاضي التحقيق في مرحلة سماع المتهم عند الحضور الأول يكون سلبيا بحيث تقتصر مهمته على إحالة الكلمة للمتهم فقط و تدوين تصريحاته لا غير, إلا أنه عمليا لاحظنا أن كثيرا من قضاة التحقيق يستجوبونا المتهم عند الحضور الأول بدل سماعه, و تعتبر هذه الممارسات غير قانونية كونها تمس بحقوق الدفاع.
بالإضافة إلى أن المحضر الذي يسمع فيه المتهم عند الحضور الأول موضوع تحت اسم " محضر استجواب عند الحضور الأول " و هذه التسمية غير صحيحة فكان من الأحرى استعمال عبارة "سماع" بدل "استجواب" فيكون "محضر سماع المتهم عند الحضور الأول ".
و المشرع بإلزامه استجواب المتهم قبل إيداعه المؤسسة العقابية طبقا لنص المادة 118 من قانون الإجراءات الجزائية يريد بذلك أن يضمن حقوق المتهم و يحافظ على حريته من خلال تمكينه من الدفاع على نفسه و تقييد الأدلة القائمة ضده و استقصاء الحقيقة من المتهم قبل تقييد حريته.
إلا أن أي استجواب المتهم قبل إيداعه لا يجد صداه و لا مبتغاه, إذ أن قاضي التحقيق في بعض الأحيان يجد نفسه مجبرا على وضع المتهم رهن الحبس المؤقت كون هذا الأخير يفضل الصمت على الكلام, و المشرع بدوره كان ذكيا هنا إذ فرض على قاضي التحقيق إجراء آخر ألا و هو تسبيب أمره تسبيبا كافيا طبقا لنص المادة 123 من قانون الإجراءات الجزائية و هذا الشرط سوف ندرسه حينما نتطرق إلى الشروط الشكلية.
إذن فاستجواب المتهم قبل إيداعه المؤسسة العقابية يعد ضمانة من الضمانات التي نص عليها في المادة 118 من قانون الإجراءات الجزائية, و بالتالي فإن اتخاذ إجراء الحبس المؤقت قبل استجواب المتهم يعتبر خرقا لأحكام القانون , و المشرع لم يكتف فقط بهذا بل أنه وضع للاستجواب ضمانات نص عليها في المادة 100 من قانون الإجراءات الجزائية, و هذا بهدف حماية المتهم من أي تعسف باعتبار أن وضعه رهن الحبس المؤقت هو من أخطر الأوامر المقيدة للحرية الفردية.

ب- أن تكون الجريمة المنسوبة للمتهم جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس:
لكي يكون الحبس المؤقت صحيحا لا بد أن تكون الجريمة المتابع من أجلها المتهم جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس أو عقوبة أشد و هذا ما يستشف من نص المادتين 117 و 118 من قانون الإجراءات الجزائية و من ثم فإن الحبس المؤقت غير جائز في الجنح المعاقب عليها بالغرامة فقط.
إذن يمكن القول أن المشرع أجاز الحبس المؤقت في جميع الجنح مهما كانت خطورتها ضئيلة كجريمة التسول و جرائم الضرب و الجرح الخطأ و جرائم الإهمال العائلي.
أما المخالفات فإنه لا يجوز إطلاقا وضع المتهم رهن الحبس المؤقت و هذا ما يستفاد من نص المادة 124 من قانون الإجراءات الجزائية.
و إذا كان الشخص قد وقع حبسه مؤقتا بأمر صادر من قاضي التحقيق اعتقادا منه أن الوقائع تشكل جنحة , ثم تبين له فيما بعد أنها مخالفة تعين عليه أن يصدر أمر برفع اليد عن المتهم المحبوس و الإفراج عنه, إلا أن هذه الحالة نادرا ما تقع كون أن التحقيق في مواد المخالفات استثناء طبقا لنص المادة 66 من قانون الإجراءات الجزائية.

ج- أن تكون التزامات الرقابة القضائية غير كافية:
تنص المادة 123 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه "... لا يمكن أن يؤمر بالحبس المؤقت أو أن يبقى عليه إلا إذا كانت التزامات الرقابة القضائية غير كافية في الحالات الآتية:
1-إدا لم يكن للمتهم موطن مستقر أو كان لا يقدم ضمانات كافية للمثول أمام العدالة أو كانت الأفعال جد خطيرة.
2-عندما يكون الحبس المؤقت الوسيلة الوحيدة للحفاظ على الحجج أو الأدلة المادية أو وسيلة لمنع الضغوط على الشهود أو الضحايا أو لتفادي تواطؤ بين المتهمين و الشركاء الذي قد يؤدي إلى عرقلة الكشف عن الحقيقة.
3-عندما يكون هذا الحبس ضروريا لحماية المتهم أو وضع حد للجريمة أو الوقاية من حدوثها من جديد.
4-عندما يخالف المتهم من تلقاء نفسه الواجبات المترتبة على إجراءات الرقابة القضائية المحددة لها. "
و هذه الحالات تشكل الأسباب التي يجب أن يؤسس عليها وجوبا أمر الوضع رهن الحبس المؤقت أو أمر تجديده.
و ما يمكن الإشارة إليه في هذا الصدد أن المشرع عندما عدل المادة 123 من قانون الإجراءات الجزائية بموجب القانون رقم 01-08 قد أضاف حالات جديدة , كما أنه جعل الأمر بالوضع مسببا خلافا لما كان عليه في التشريع السابق.
و الحالات التي جاء بها التعديل هي:
- حالة ما إذا لم يكن للمتهم موطن مستقر, فالمشرع لم يبين المقصود بالموطن المستقر إذا كان يشمل الإقليم الجزائري أو يقتصر فقط على دائرة الاختصاص القضائي.
- حالة ما إذا لم يقدم المتهم ضمانات كافية للمثول أمام العدالة, فيثور التساؤل هنا حول مضمون هذه الضمانات و ما هي؟
- حالة خطورة الأفعال المنسوبة للمتهم, فالمشرع لم يوضح ما يعتبر من الأفعال الخطيرة فهل قاضي التحقيق هنا يعتمد على أساس التصنيف القانوني بالنظر إلى وصف الجريمة مثلا جنحة, جناية, أو التصنيف الموضوعي كون الأفعال تمس الأشخاص أو الأمن العام .
و ما يمكن ملاحظته على هذه الحالات أنها جاءت غير دقيقة كما أن صياغتها تتسم بالعمومية و عباراتها فضفاضة و مرنة هذا إن لم نقل غامضة في بعض الأحيان.

2-الشروط الشكلية لأمر الوضع رهن الحبس المؤقت:
نظرا للخطورة التي يكتسيها إجراء الوضع في الحبس المؤقت كونه يمس بالحرية الفردية للأشخاص فإنه يتعين إحاطته بجملة من الشروط الشكلية التي نص عليها القانون حتى لا تهدر قرينة البراءة.
و المتصفح لقانون الإجراءات الجزائية قبل تعديله يلاحظ أن قاضي التحقيق لم يكن ملزما بتسبيب أمر الوضع, إلا أن هذه الوضعية لم تدم طويلا كون المشرع تفطن و استدرك الأمر في التعديل الذي جاء في 2001 و جعل الوضع في الحبس المؤقت مرهون بصدور أمر مسبب و هنا تظهر جليا الصفة الاستثنائية للحبس المؤقت.
إذن فالمشرع ربط صدور أمر الوضع في الحبس المؤقت بالشروط التالية:
أ‌- تسبيب أمر الوضع رهن الحبس المؤقت:
إن تسبيب أمر الوضع رهن الحبس المؤقت يعد خطوة إيجابية نحوى تكريس أحكام المادة 123 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية التي تنص: " يجب أن يؤسس أمر الوضع في الحبس المؤقت على الأسباب المنصوص عليها في المادة 123 من هذا القانون....", إذ أنه قبل التعديل كان أمر الوضع في الحبس المؤقت مجردا من أي طابع قضائي بالرغم من أنه يمس بحقوق الأفراد و يمثل اعتداء على حريتهم, ففي ظل هذا النظام كان بإمكان وضع المتهم بالحبس المؤقت بسهولة فائقة ذلك أن أمر الوضع كان غير مسبب, و الغريب أنه إذا ترك قاضي التحقيق المتهم في الإفراج خلافا لطلبات النيابة العامة كان عليه تسبيب ذلك فهذا فتح المجال لكثير من قضاة التحقيق إلى سلك درب الحبس المؤقت فقلبت الآية و أصبحت القاعدة استثناء و الاستثناء قاعدة.
بالإضافة إلى التسبيب فإن المشرع أضاف مجموعة من البيانات التي يجب أن يتضمنها أمر الوضع في الحبس المؤقت, و تتمثل فيما يلي:
-ذكر الهوية الكاملة للمتهم: الاسم, اللقب, و اسم و لقب والده و أمه, و تاريخ و مكان ولادته, العنوان الكامل لمسكنه أو محل إقامته بالإضافة إلى مهنته و حالته العائلية إذا أمكن.
-تحديد نوع الجريمة المنسوبة إلى المتهم و تعيين طبيعتها و وصفها القانوني وقت المتابعة أو الإحالة, و إذا كان المتهم متابع من أجل جرائم متعددة ذات أوصاف مختلفة ينبغي ذكرها جميعا بشكل يميز كل واحدة عن الأخرى.
-الإشارة بدقة إلى المواد القانونية المتعلقة بالجريمة المنسوبة إلى المتهم الموجودة في قانون العقوبات و قانون الإجراءات الجزائية.
-ذكر للجهة التي أصدرت الأمر بالوضع في الحبس المؤقت و توقيع القاضي الذي أصدره و الخاتم الرسمي لهذه الجهة.
-التأشير على الأوامر من قبل وكيل الجمهورية الذي يتولى إرسالها إلى القوة العمومية لتنفيذها.
و ما يمكن الإشارة إليه في هذا الصدد أن هذه البيانات أو الشروط الشكلية التي يتعين أن يتضمنها الأمر بالوضع في الحبس المؤقت قد نصت عليها المادة 109 فقرة 2 و 4 من قانون الإجراءات الجزائية, غير أن السؤال الذي يمكن أن نطرحه ما هو أثر تخلف بيان أو أكثر من هذه البيانات إذا أغفلها قاضي التحقيق؟.
إن الفقرتين 2 و 4 من المادة 109 و المادة 123 من قانون الإجراءات الجزائية أوردت هذه البيانات و لكنها لم تشر إطلاقا على أنها بيانات جوهرية يجب مراعاتها تحت طائلة البطلان, و لكن بالرجوع لنص المادة 111 فقرة 2 من قانون الإجراءات الجزائية نجدها تنص على ما يلي: "....و يجب في هذه الحالة إيضاح جميع البيانات الجوهرية المبينة في أصل الأمر و بالأخص هوية المتهم و نوع التهمة و اسم و صفة رجل القضاء الذي أصدر الأمر......".
فحسب الدكتور عبد العزيز سعد فإنه في حالة تخلف أحد البيانات أو أكثر لا يستلزم ذلك بالضرورة بطلان أمر الوضع بطلانا مطلقا, و إنما ينجر عنه توقيف تنفيذه إلى غاية تدارك النقائص الواردة عليه و تكميله إذا كان ذلك ممكنا قبل الشروع في التنفيذ.
و عمليا وجدنا أن هذا الرأي هو السائد إذ أنه في حالة تخلف بيان أو أكثر فإن الأمر لا ينفذ و يرجع إلى قاضي التحقيق لتداركه.

ب- تبليغ أمر الوضع رهن الحبس المؤقت:
نصت المادة 123 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية على ما يلي: ".......يبلغ قاضي التحقيق الأمر المذكور شفاهة إلى المتهم و ينبهه بأن له ثلاثة (3) أيام من تاريخ هذا التبليغ لاستئنافه.
يشار إلى هذا التبليغ في المحضر."
يستفاد من هذا النص أن قاضي التحقيق بعد قيامه باستجواب المتهم إذا توصل إلى ضرورة وضعه رهن الحبس المؤقت بناء على الأسباب الواردة بنص المادة 123 من قانون الإجراءات الجزائية, فإنه يقوم بعد إصداره لهذا الأمر بتبليغه شفاهة إلى المتهم و يشار إلى ذلك في محضر الاستجواب, كما ينبهه بأن له مهلة ثلاثة أيام لاستئنافه في حالة رفض بقائه رهن الحبس المؤقت وفقا لنص المادة 172 من قانون الإجراءات الجزائية.

ج-تنفيذ أمر الوضع رهن الحبس المؤقت:
لقد خطى المشرع خطوة إيجابية في تنفيذ الأمر بالحبس المؤقت و ذلك لتدعيم الحقوق و الضمانات, فربط تنفيذ أمر الوضع بإصدار قاضي التحقيق مذكرة إيداع المتهم في المؤسسة العقابية طبقا لنص المادة 118 فقرة 4 و المادة 123 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية.
إن إصدار مذكرة الإيداع يعتبر الإجراء القانوني الذي يتم بموجبه تنفيذ أمر الوضع رهن الحبس المؤقت، فبعد التعديل أصبحت هذه المذكرة لا تكفي لإيداع المتهم بالمؤسسة العقابية كما كان الشأن من قبل بل أصبح يتم وفق إجراءين متميزين:
- يكمن الأول في إصدار أمر الوضع في الحبس المؤقت.
- أما الثاني فيتمثل في إصدار قاضي التحقيق لمذكرة إيداع المتهم بمؤسسة عقابية تنفيذا للأمر الأول.
و ما تجدر الإشارة إليه أنه إثر تعديل 2001 فإن قانون الإجراءات الجزائية استعمل مصطلح مذكرة إيداع بدل أمر إيداع في نص المادة 118 فقرة4 من قانون الإجراءات الجزائية في حين أبقى عليه في باقي مواده الأخرى, و هي عبارة عن عمل إداري غير قابل للاستئناف.
و من أهم البيانات التي تحتوي عليها:
- ذكر الهوية الكاملة للمتهم.
- تحديد نوع الجريمة و المواد القانونية.
- ذكر تاريخ صدور المذكرة.
- اسم و لقب القاضي و توقيعه و الجهة المصدرة و خاتمها الرسمي.



آثار الأمر بالوضع رهن الحبس المؤقت:
إن آثار الأمر بالوضع رهن الحبس المؤقت لمدة تطول أو تقصر هي في الحقيقة آثار مذكرة الإيداع , لأن هذه الأخيرة تعتبر أداة لتنفيذ الأمر بالوضع , و يمكن تلخيصها فيما يلي:
- إن مذكرة الإيداع تسمح لضباط الشرطة القضائية و مساعديهم بالبحث عن المتهم, و تسليمه نسخة منها إذا لم تكن قد سلمت له من قبل ثم اقتياده إلى المؤسسة العقابية المذكورة به و تسليمه إلى مديرها مقابل شهادة استلام.
- إن مذكرة الإيداع تسمح بالاحتفاظ بالمتهم و إبقائه رهن الحبس المؤقت طوال المدة المحددة حسب نوع كل جريمة.
و كما سبق الإشارة إليه أن أمر الإيداع يعتبر من ضمن الأوامر القسرية التي يصدرها قاضي التحقيق و هذه الأوامر هي:
- الأمر بالضبط و الإحضار.
- الأمر بالقبض.
- أمر الإيداع الذي أصبح مذكرة الإيداع.
و السؤال المطروح هنا: هل أن أمري الضبط و الإحضار, و القبض اللذان قد يرتبان تقييد حرية المتهم يعتبران إحدى صور الحبس المؤقت أم لا؟
للاجابة عن هذا السؤال علينا أن نتطرق إلى كليهما:

1-الأمر بالضبط و الإحضار:
تنص المادة 110 فقرة 1 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه: " الأمر بالإحضار هو ذلك الأمر الذي يصدره قاضي التحقيق إلى القوة العمومية لاقتياد المتهم و مثوله أمامه على الفور.....", و هنا يجب التمييز بين ثلاثة حالات:

- حالة ما إذا ضبط المتهم في دائرة اختصاص قاضي التحقيق مصدر الأمر:
نصت المادة 112 فقرة 1 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه : " يجب أن يستجوب في الحال كل من سيق أمام قاضي التحقيق تنفيذا لأمر إحضار بمساعدة محاميه, فإذا تعذر استجوابه على الفور, قدم أمام وكيل الجمهورية الذي يطلب من القاضي المكلف بالتحقيق و في حالة غيابه فمن أي قاض آخر من قضاة هيئة القضاء أن يقوم باستجواب المتهم في الحال و إلا أخلي سبيله".
نلاحظ هنا أن أمر الإحضار ينتهي بمجرد اقتياد المتهم إلى المحكمة و بالتالي فلا يعد سند لاقتياده إلى المؤسسة العقابية, إلا أن ما ورد في نص المادة 113 من قانون الإجراءات الجزائية أنه:" كل متهم ضبط بمقتضى أمر إحضار و بقي بمؤسسة إعادة التربية أكثر من ثماني و أربعين ساعة دون أن يستجوب اعتبر محبوسا حبسا تعسفيا......" و هذا ما يجعلنا نقول بأن الأمر بالضبط و الإحضار يصلح بأن يكون سندا لبقاء المتهم محبوسا.

- حالة ضبط المتهم خارج دائرة اختصاص قاضي التحقيق مصدر الأمر:
في هذه الحالة يقتاد المتهم فورا إلى وكيل الجمهورية الواقع في دائرة اختصاص مكان القبض, و على هذا الأخير استجوابه عن هويته و تلقي أقواله ثم إحالته إلى القاضي مصدر الأمر طبقا لنص المادة 114 من قانون الإجراءات الجزائية.
و للمتهم هنا حق المعارضة في إحالته و ذلك بإبداء حجج جدية تدحض التهمة , و في هذه الحالة يقتاد إلى المؤسسة العقابية و يبلغ بذلك في الحال و بأسرع الوسائل قاضي التحقيق المختص, و يرسل إليه محضر الإحضار و له أن يقرر ما إذا كان هناك محل للأمر بنقل المتهم.
و يرى الدكتور أحسن بوسقيعة أن المشرع الجزائري التزم الصمت حيال مهلة نقل المتهم إلى قاضي التحقيق المختص , في حين المشرع الفرنسي حددها بأربعة أيام من تاريخ التبليغ , و هذا يعتبر فراغ قانوني يتعين عليه استدراكه.



- حالة عدم العثور على المتهم:
يرسل أمر الضبط و الإحضار إلى محافظ الشرطة أو قائد فرقة الدرك و في حالة غيابهما إلى ضابط الشرطة , و رئيس قسم الأمن في البلدية التي يقيم بها المتهم طبقا لنص المادة115 من قانون الإجراءات الجزائية, و السؤال المطروح: هل يمكن اعتبار المدة التي يبقى فيها المتهم في المؤسسة العقابية تنفيذا لأمر الضبط و الإحضار حبسا مؤقتا أم لا؟
2-الأمر بالقبض:
تنص المادة 119 فقرة 1 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه : " الأمر بالقبض هو ذلك الأمر الذي يصدر إلى القوة العمومية للبحث عن المتهم و سوقه إلى المؤسسة العقابية المنوه عنها في الأمر حيث يجرى تسليمه و حبسه....".
و يستشف من نص المادة أن هذا الأمر يحمل في طياته أمر قبض و أمر إيداع, لأنه بمجرد إلقاء القبض على المتهم يقتاد مباشرة لإيداعه بالمؤسسة العقابية, و يتعين على قاضي التحقيق استجوابه خلال ثمانية و أربعين (48) ساعة من حبسه.
و يتخذ قاضي التحقيق هذا الأمر في حالتين:
- إذا كان المتهم هاربا.
- إذا كان المتهم مقيما خارج إقليم الجمهورية.
كما يشترط القانون لإصدار الأمر بالقبض أن يكون الفعل الإجرامي المنسوب للمتهم جناية أو من الجنح المعاقب عليها بالحبس طبقا لنص المادة 119 فقرة2 من قانون الإجراءات الجزائية.
و يثار التساؤل أيضا إذا ما كان الأمر بالقبض يعتبر صورة من صور الحبس المؤقت؟
و هل تدخل مدة ثمانية و أربعين (48) ساعة ضمن مدة الحبس المؤقت إذا ما قرر قاضي التحقيق حبسه؟.



المطلب الثاني: إجراءات الحبس المؤقت:
سوف نتعرض في هذا المطلب إلى كل من الجهات المختصة بإصدار الحبس المؤقت و مدنه و الرقابة على شرعيته.

الفرع الأول: الجهات المختصة بإصدار أمر الحبس المؤقت:
باعتبار أن الحبس المؤقت من أخطر إجراءات التحقيق و أكثرها مساسا بالحرية الشخصية وجب إحاطته بضمانات تحمي المتهم من العبث بحريته و تجعل استعماله في نطاق الحكمة التي شرع من أجلها, لذا فقد عهد سلطة إصدار هذا الأمر لجهة لها من كفاءتها و استقلالها و حسن تقديرها ما يؤهلها لاتخاذ هذا الإجراء و عدم إساءة استعماله, و إذا كان الأصل أن الجهة القائمة بالتحقيق هي التي تختص بإصدار الأمر بالحبس المؤقت إلا أن بعض الاتجاهات المختلفة قد أضافت جهات أخرى بقيت محل خلاف فيما بينها حول طبيعة الأمر بالحبس المؤقت التي تصدره, و هذا ما سنتطرق له فيما يلي:

أولا- جهات التحقيق:
الأصل أن السلطة القائمة بالتحقيق هي التي تملك سلطة إصدار أمر حبس المتهم مؤقتا و تتمثل في الآتي بيانه:

1-قاضي التحقيق:
يقوم بمهمة التحقيق قضاة تحقيق يعينون بموجب مرسوم رئاسي و تنتهي مهامهم بنفس الشكل حسب المادة 39 من قانون الإجراءات الجزائية .
و يصدر قاضي التحقيق أوامر قضائية تهدف كلها لحسن سير التحقيق من أجل الكشف عن الحقيقة, و من بينها أمر الحبس المؤقت الذي يعد أخطرها إذ يلجأ إليه بشكل استثنائي و فق ضوابط و شروط محددة قانونا نظمها المشرع في نص المواد 123 و ما يليها من قانون الإجراءات الجزائية.
و قد نصت المادة 109 من قانون الإجراءات الجزائية على أن قاضي التحقيق يجوز له إصدار أمر بإحضار المتهم أو بإيداعه السجن – الأصح الحبس- أو بإلقاء القبض عليه, فيكون كل من أمري الإحضار و القبض سابقين على صدور أمر الوضع رهن الحبس المؤقت كونهما يمكنان قاضي التحقيق من استجواب المتهم و اتخاذ ما يراه مناسبا في مواجهته أما مذكرة الإيداع فتكون إجراء لاحق له.

2-غرفة الاتهام:
توجد غرفة الاتهام على مستوى المجلس القضائي تقوم بمراقبة أعمال قاضي التحقيق, و قد تقوم بإصدار أوامر بإيداع المتهمين الحبس المؤقت أو القبض عليهم, غير أن ما يهمنا في دراساتنا هو التطرق لاختصاصات غرفة الاتهام المتعلقة بالحبس المؤقت باعتبارها واحدة من الجهات التي منحها القانون هذه الصلاحية في حالات معينة و هي:

-حالة رفض قاضي التحقيق لطلبات النيابة العامة الرامية إلى الإيداع:
من سلطات غرفة الاتهام إصدار أمر بإيداع المتهم الحبس المؤقت طبقا لنص المادة 192 فقرة 1 من قانون الإجراءات الجزائية:" إذا كانت غرفة الاتهام قد فصلت في استئناف مرفوع عن أمر صادر عن قاضي التحقيق في موضوع حبس المتهم مؤقتا فسواء أيدت القرار أم ألغته و أمرت بالإفراج عن المتهم أو باستمرار حبسه أو أصدرت أمرا بإيداعه السجن أو بالقبض عليه, فعلى النائب العام إعادة الملف بغير تمهل إلى قاضي التحقيق بعد العمل على تنفيذ الحكم".
و يثير نص هذه المادة صعوبات في التطبيق تتمثل في التعارض بين أوامر قاضي التحقيق و غرفة الاتهام , كأن يرفض قاضي التحقيق إيداع المتهم في حين تصدر غرفة الاتهام قرار بحبسه مع إعادة الملف إليه فيقوم بالإفراج عنه من جديد, الشيء الذي قد يكون مرة أخرى محل استئناف و موضوع إلغاء من طرف غرفة الاتهام مع إصدار مذكرة إيداع و هكذا دواليك , و في هذا الصدد قضت محكمة النقض الفرنسية بأنه إذا ألغت غرفة الاتهام قرار قاضي التحقيق فلها أن تتولى نظر النزاع اللاحق عن الحبس المؤقت متى أصدرت في هذا الموضوع قرارا مخالفا لأمر قاضي التحقيق, لكن يؤخذ على هذا الموقف أنه يتعارض مع نص المادة 207 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي و التي تقابلها المادة 192 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري التي تلزم النائب العام بإعادة الملف بغير تمهل إلى قاضي التحقيق بعد إصدار غرفة الاتهام لقرارها, كما أن المتهم يحرم من حقه في الاستئناف .
و ما دام قاضي التحقيق عالما لإمكانية رفض الإفراج مع قناعته بعدم جدوى الحبس المؤقت, عليه أن يبذل قصارى جهده في التحقيق مع الإسراع في إحالته للمحاكمة.

- حالة ظهور أدلة جديدة:
لقد أشارت المادة 181 من قانون الإجراءات الجزائية أنه إدا سبق لغرفة الاتهام أن أصدرت أمر بألا وجه للمتابعة ثم ظهرت أدلة جديدة بالمعنى الموضح بالمادة 175 من نفس القانون, فإنه يجوز للنائب العام أن يطلب من رئيس غرفة الاتهام إصدار أمر بالقبض على المتهم أو الأمر بإيداعه السجن – الأصح الحبس- ريثما تتمكن غرفة الاتهام من عقد جلسة لذلك و هذا بشروط هي:
-أن يصدر قرار غرفة الاتهام بألا وجه للمتابعة ثم تظهر أدلة جديدة ضد نفس المتهم المستفيد من القرار السابق على نفس الوقائع.
-أن يقدم طلب الأمر بالقبض أو الإيداع من النائب العام شخصيا أو أحد مساعديه إلى رئيس غرفة الاتهام.
-أن يستند النائب العام في طلبه على وثائق تشتمل على أدلة هامة و جديدة.
فإذا توافرت هذه الشروط كان بالإمكان إصدار قرار باسم رئيس غرفة الاتهام بحبس المتهم أو القبض عليه, و ينفذ هذا القرار بذاته و منطوقه و ليس بواسطة أمر صادر عن قاضي التحقيق .
و السؤال المطروح هل عند إصدار رئيس غرفة الاتهام لأمر الحبس يخضع المتهم للقواعد المنصوص عليها في المواد 123 و ما يليها من قانون الإجراءات الجزائية خاصة المتعلقة بمدة الحبس المؤقت أم يبقى محبوسا إلى غاية تاريخ المحاكمة؟.
إن الأمر الصادر عن رئيس غرفة الاتهام في هذا الصدد لا يعتبر حبسا مؤقتا إذ أنه محدد بتاريخ انعقاد جلسة غرفة الاتهام و لا تطبق عليه أحكام المادة 123 و ما يليها من قانون الإجراءات الجزائية و إنما نظمه المشرع و نص على شروطه في المادة 181 من هذا القانون.

- حالة الحكم بعدم الاختصاص:
نصت المادة 131 فقرة 2 و 3 من قانون الإجراءات الجزائية أنه إذا استدعي المتهم للحضور بعد الإفراج عنه و لم يمثل أو إذا طرأت ظروف جديدة أو خطيرة تجعل من الضروري إعادة حبسه, فلقاضي التحقيق أو لجهة الحكم المرفوعة إليها الدعوى أن تصدر أمرا جديدا بإيداعه السجن – الأصح الحبس -.
و لغرفة الاتهام ذلك الحق نفسه في حالة عدم الاختصاص و ذلك ريثما ترفع الدعوى للجهة القضائية المختصة .
إن غرفة الاتهام باعتبارها تشكل جزءا من جهة التحقيق و تتمتع باختصاصات متعددة و متنوعة, يجوز لها أن تصدر أمرا بإيداع المتهم كلما كان قد سبق أن أفرج عنه و صدر عن جهة الحكم قرار بعدم الاختصاص, ثم طرأت بعد ذلك ظروف جديدة أو خطيرة تجعل من الضروري إعادة حبسه ريثما تتقرر إحالة الدعوى إلى الجهة القضائية المختصة .
و هنا كذلك نتساءل عما إذا كان أمر الحبس الصادر في هذا الصدد خاضع للشروط و الأحكام المنصوص عليها في المواد 123 و ما يليها من قانون الإجراءات الجزائية .

- حالة إجراء تحقيق تكميلي:
يجوز لغرفة الاتهام أن تأمر بإجراء تحقيقات تكميلية طبقا للمادة 187 من قانون الإجراءات الجزائية, و تكلف بتنفيذه أحد أعضائها أو أحد قضاة التحقيق و السؤال المطروح هو معرفة ما إذا كانت غرفة الاتهام تحتفظ لنفسها بسلطة إصدار أمر الحبس أم أنها تفوضها في ذات الوقت الذي تفوض فيه سلطة إجراء التحقيق التكميلي؟
و يذهب البعض للقول بأنه لا يمكن الفصل بين السلطتين أي أن التفويض يشمل إجراء التحقيق و الأمر بالحبس كون هذا الأخير هو في حد ذاته إجراءا تحقيقيا .
لكن السائد عمليا أن غرفة الاتهام عندما تأمر بإجراء تحقيق تكميلي تحدد مهام معينة يجب على قاضي التحقيق القيام بها , و يظل المتهم محبوسا مؤقتا لغاية قيام قاضي التحقيق بالمهمة المنوطة به دون أن يحدد القانون مدة معينة تحكم بقاء المتهم رهن الحبس المؤقت.
و ما يمكننا استخلاصه في هذا الصدد أن الحالة الوحيدة التي تصدر فيها غرفة الاتهام أمرا بالحبس المؤقت وفق الشروط و الإجراءات المحددة في المادة 123 و ما يليها من قانون الإجراءات الجزائية هي عندما تفصل في استئناف أمر رفض إيداع المتهم الحبس المؤقت.
أما باقي الحالات و إن كانت النتيجة المترتبة عن إصدار تلك الأوامر هي إيداع المتهم الحبس لمدة محددة إلا أنه يختلف تماما في أحكامه و شروطه, و خاصة مدته عن أحكام الحبس المؤقت موضوع دراستنا.

3- قاضي الأحداث:
يعين في كل محكمة تقع بمقر المجلس القضائي بقرار من وزير العدل لمدة ثلاث سنوات قاض أو قضاة يختارون لكفاءتهم و للعناية التي يولونها للأحداث, أما في المحاكم الأخرى فإن قضاة الأحداث يعينون بموجب أمر صادر عن رئيس المجلس القضائي بناءا على طلب النائب العام.
و قد نص قانون الإجراءات الجزائية على جملة من التدابير لحماية الأحداث الجانحين أثناء إجراءات التحقيق و بعدها, إذ بشأن وضع المتهم الحدث في مؤسسة عقابية, و حبسه مؤقتا تمهيدا لتقديمه للمحاكمة , نصت المادة 453 من قانون الإجراءات الجزائية على أن يقوم قاضي الأحداث بإجراء كل التحريات اللازمة للوصول إلى الحقيقة, و للتعرف على شخصية الحدث و تقرير الوسائل الكافية لتهديبه, و له أن يصدر أي أمر لازم لذلك مع مراعاة قواعد القانون العام.
و قد نصت المادة 456 من نفس القانون على أنه:" لا يجوز وضع المجرم الذي لم ثلاث عشرة سنة كاملة في مؤسسة عقابية و لو بصفة مؤقتة.
و لا يجوز وضع المجرم من سن الثالثة عشر إلى الثامنة عشر مؤقتا بمؤسسة عقابية إلا إذا كان هذا التدبير ضروريا أو استحال أي إجراء آخر و في هذه الحالة يحجز الحدث بجناح خاص فإن لم يوجد ففي مكان خاص و يخضع بقدر الإمكان لنظام العزلة في الليل."
و ما يمكن استخلاصه من هاتين المادتين وجود مبادئ ثلاث و هي:
-منح القانون لقاضي الأحداث اتخاذ ما يراه مناسبا من الإجراءات و التدابير إذ يجوز له إصدار أمر بإحضار المتهم الحدث أو القبض عليه أو إيداعه الحبس المؤقت.
- الحدث الجانح الذي لم يبلغ سن الثالثة عشر (13) لا يمكن إطلاقا وضعه في مؤسسة عقابية مهما كان وصف الجريمة و لو كانت جريمة متلبس بها.
- إذا كان المتهم الحدث بلغ سن الثالثة عشر (13) و لم يبلغ سن الثامنة عشر (18) من عمره لا يمكن وضعه في الحبس المؤقت إلا عند الضرورة الملحة .
لكن بالمقابل نص قانون الإجراءات الجزائية في المادة 487 على جواز أن يأمر قاضي الأحداث إذا ما طرأت مسألة عارضة أو دعوى متعلقة بتغيير نظام الوضع و الحضانة باتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان وجود شخص الحدث تحت سلطته و له أن يأمر بقرار مسبب بنقل الحدث الذي يتجاوز عمره الثالثة عشرة (13) سنة إلى أحد السجون و حبسه فيه مؤقتا طبقا للأوضاع المقررة في المادة 456 من قانون الإجراءات الجزائية.
إن هذا النص يعد خرقا صارخا للقواعد المتعلقة بشروط و حالات وضع المتهم في الحبس المؤقت, و خروجا بينا عن اتجاه المشرع الرامي لحماية الأحداث كون هذه المادة تجيز وضع الحدث الذي بلغ الثالثة عشرة (13) سنة في الحبس المؤقت رغم عدم ارتكابه لأية جريمة بل فقط بسبب حدوث تغيير في نظام الوضع أو الحضانة و هي ظروف خارجة عن إرادة الحدث, كما أن هذه المادة لا تقيد سلطة قاضي الأحداث في إصدار أمر الحبس المؤقت بتوافر إحدى الحالات المنصوص عليها في المادة 123 من قانون الإجراءات الجزائية.
لذا فإن ما جاء في نص المادة 487 من نفس القانون هو مخالف تماما لجميع الضمانات التي أقرها القانون للمتهم في مجال الحبس المؤقت, فإننا نستغرب وجود مثل هذا النص و عدم إلغائه في تعديل 2001 لذا نقترح حذفه.

4- القضاء العسكري:
نص القانون 71-28 المؤرخ في 22 /04/1971 المتضمن قانون القضاء العسكري على نظام الحبس المؤقت المتعلق بفئة العسكريين, والتي تتشابه في حالات كثيرة مع تلك المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية , وقد نصت المادة 84 من قانون القضاء العسكري في فقرتها الأولى على أن أوامر ومذكرات القبض على المتهم وإحضاره تبلغ إليه بواسطة أعوان القوة العمومية الذين يجب عليهم مراعاة أحكام قانون الإجراءات الجزائية .
ونصت الفقرة الثالثة على أن أوامر ومذكرات الإحضار والقبض على المتهم وإيداعه في الحبس المؤقت يتعين أن تنفذ ضمن الشروط المحددة في قانون الإجراءات الجزائية باستثناء ما يخالف ذلك مما جاء في هذا القانون.
ويفهم مما تقدم أن شروط الحبس المؤقت في قانون الإجراءات الجزائية هي نفسها التي تطبق في قانون القضاء العسكري مع مراعاة ما ورد في هذا الأخير خلافا لذلك.
و من الأحكام المخالفة ما ورد في المادة 74 منه التي منحت لقاضي التحقيق العسكري سلطة حبس المتهم مؤقتا وإصدار أمر بإيداعه الحبس بعد التأكد من شخصيته وتبليغه بما نسب إليه تمهيدا لمحاكمته كلما إستوجبت الوقائع عقوبة جنحة أو مخالفة .

ثانيا: جهة النيابة العامـة:
يخول القانون لوكيل الجمهورية سلطة حبس المتهم في الجنح المتلبس بها إذ نصت المادة 59 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه: "إذا لم يقدم مرتكب الجريمة المتلبس بها ضمانات كافية للحضور وكان الفعل معاقب عليه بعقوبة الحبس , ولم يكن قاضي التحقيق قد أخطر بالحادث , يصـدر وكيـل الجمهوريـة أمـر بحبس المتهم بعد استجوابه عن هويته و عن الأفعال المنسوبة إليه.
و يحيل وكل الجمهورية المتهم فورا على المحكمة طبقا لإجراءات الجنح المتلبس بها, وتحـدد جلسـة للنظـر فـي القضيـة في ميعـاد أقصـاه ثمانية أيـام إبتـداء من يوم صـدور أمـر الحبـس".
ونصت الفقرة الأخيرة من المادة 117 من نفس القانون أنه:" يجوز لوكيل الجمهورية إصدار أمـر بإيداع المتهم بمؤسسة إعادة التربية ضمن الشروط المنصوص عليهـا في المـادة 59 إذا ما رأى أن مرتكـب الجنحـة لم يقـدم ضمانات كافية بحضوره مرة أخرى".
ومن هاتين المادتين يتبين لنا الحالات التي يمكن فيها لوكيل الجمهورية إصدار أمر بحبس المتهم وهما :
- حالة إلقاء القبض على المتهم بجريمة متلبس بها ولم يقدم ضمانات كافية للحضور.
- حالة أن الجنحة غير متلبس بها لكن المتهم لم يقدم ضمانات كافية للحضور أمام القضاء عندما يطلب منه المثول من جديد حسب المادة 117 من قانون الإجراءات الجزائية.
كمـا أن الأمر بحبس المتهم حسب المادتين 59 و 117 من هذا القانون هو إختياري يصدره وكيل الجمهورية إذا توافرت الشروط التالية :
- القاء القبض على المتهم وهو متلبس بجريمة ولم يقدم ضمانات كافية للحضور.
- الجريمة محل المتابعة ذات وصف جنحي معاقب عليها بالحبس.
- عدم إخطار قاضي التحقيق بالجريمة وطلب منه إجراء تحقيق.
- إستجواب وكيل الجمهورية للمتهم.
- تحديد جلسة لمحاكمة المتهم في مهلة لا تتجاوز 08 أيام.
- ألا تكون الجريمة المراد حبس المتهم بسببها من جنح الصحافة أو ذات صبغة سياسية طبقا للمادة 59 فقرة أخيرة من قانون الإجراءات الجزائية.
وفي حالة إنقضاء مهلة 08 أيام دون محاكمة المتهم يفقد أمر الحبس الصادر عن وكيل الجمهورية سنده القانوني ويتعين عليه هو ومدير المؤسسة العقابية الإفراج على المتهم في الحال وإلا إعتبر محبوسا حبسا تعسفيا.
أما مسألة تمديد مدة الحبس الذي يأمر به وكيل الجمهورية أو الطعن فيه, فإن قانون الإجراءات الجزائية لم يشر إليهما, مما يحملنا إلى القول أن مدة 08 أيام لا تقبل الطعن أو التجديد بحكم المادة 117 من قانون الإجراءات الجزائية وذلك لقصرها وعدم جدوى الطعن فيها لأن إجراءاته وآجاله قد تفوق مدة الحبس.
وعلى عكس ما تقدم, هناك من يرى أنه لا يمكن للنيابة العامة إصدار أمر بالحبس المؤقت إذ يرى الدكتور محمد محدة أنه يجب التفرقة بين أمري الإيداع والحبس المؤقت, فالأول يمكن للنيابة العامة إتخاده تطبيقا للمادة 59 قانون الإجراءات الجزائية, ولكن ليس معنى ذلك أنها تستطيع أن تأمر بالحبس المؤقت المنصوص عليه في المادة 123 وما يليها من نفس القانون وإن إتحدا و تشابها في كونهما إجرائين من إجراءات التحقيق وأنهما سالبان للحرية, إلا أن أمر الحبس المؤقت يختلف عن أمر الإيداع في كون هذا الأخير خوله المشرع بصريح النص لوكيل الجمهورية بينما الحبس المؤقت لم يتكلم عنه مطلقا مما يجعله أخص من أمر الإيداع.
كما أن المشرع يشترط إحالة الدعوى للمحاكمة في مدة لا تتجاوز 08 أيام ولا توجد إمكانية لطلب الإفراج عكس الحال بالنسبة للحبس المؤقت . .
وعلى كل فإن وكيل الجمهورية عندما يودع المتهم الحبس في الجنح المتلبس بها أو إذا لم يقدم ضمانات للحضور, فهو يسلب حرية شخص مدة زمنية معينة لا يمكن أن تتجاوز 08 أيام, ويمكن مبدئيا أن نطلق عليها مصطلح "حبس مؤقت" لكن إذا قصدنا بها المعنى القانوني للحبس المؤقت المنصوص عليه في المواد 123 وما يليها من قانون الإجراءات الجزائية فإن هذا الأخير يختلف عنه تماما سواء من حيث الشروط أو من حيث المدة أو الجهة المصدرة.

ثالثا: قضاء الحكم:
نعني بها المحكمة الابتدائية ممثلة في القسم الجزائي حال نظرها في المخالفات و الجنح و كذا الغرفة الجزائية.
و تنتقل إلى جهة الحكم صلاحية إصدار أمر الحبس بعد انتهاء التحقيق و إحالة المتهم إليها قبل فصلها في القضية.
و هنا يطرح التساؤل حول الحالات التي تملك فيها جهات الحكم سواء في المحكمة أو المجلس القضائي صلاحية إصدار أمر الحبس؟ فهل أمر الحبس الذي تصدره هذه الجهة يعتبر حبسا مؤقتا أم لا؟

- حالة عدم حضور المتهم بعد الإفراج عنه:
إذا استدعي المتهم للحضور بعد الإفراج عنه و لم يمتثل أو إذا طرأت ظروف جديدة أو خطيرة تجعل من الضروري حبسه فلقاضي التحقيق أو جهة الحكم المرفوعة إليها الدعوى أن تصدر أمرا جديدا بإيداعه الحبس و هذا ما نصت عليه المادة 131 فقرة 2 من قانون الإجراءات الجزائية.
و المستفاد من هذه المادة أن سلطة إصدار أمر الحبس مخولة لجميع المحاكم سواء كانت محكمة ابتدائية أو مجلس قضائي أو محكمة جنائية و هذه السلطة مقيدة بشروط :
- أن يكون المتهم قد سبق حبسه ثم أفرج عنه مؤقتا.
- إذا استدعي المتهم للحضور و لم يمثل رغم تبليغه قانونا دون توافر عذر مقبول,.أو استدعي و حضر لكن اكتشف خلال المرافعات ظهور أدلة جديدة أو خطيرة سواء تعلقت بوصف الجريمة أو بوقائع كانت مخفية و غيرها.

- حالة الحكم بعام حبس في مواد الجنح:
يجوز للمحكمة في الحالة المشار إليها في المادة 358 فقرة 1 من قانون الإجراءات الجزائية إذا كان الأمر متعلقا بجنحة من جنح القانون العام و كانت العقوبة المقضي بها لا تقل عن سنة أن تأمر بقرار خاص مسبب بإيداع المتهم في الحبس أو القبض عليه.
و يظل أمر الإيداع منتجا لآثاره حتى و لو قضى المجلس بتخفيض العقوبة إلى أقل من سنة حبس ما لم تلغيه المحكمة في المعارضة أو المجلس في الاستئناف.
و نصت الفقرة 2 منها أنه في حالة المعارضة في الحكم تنظر القضية في 08 أيام على الأكثر من يوم المعارضة و إلا أفرج عن المتهم تلقائيا و إذا اقتضى الأمر تأجيل الدعوى فعلى المحكمة سماع النيابة العامة دون الإخلال بحق المتهم بطلب الإفراج طبقا للمواد 128 و 129 و 130 من قانون الإجراءات الجزائية.

- حالة الحكم بعدم الاختصاص:
لقد نص المشرع في المادتين 362 و 437 من قانون الإجراءات الجزائية أنه إذا كانت الواقعة المطروحة على المحكمة أو المجلس القضائي في حالة الاستئناف توصف بأنها جنحة و تبين أنها من طبيعة تستأهل توقيع عقوبة جنائية قضت المحكمة أو المجلس بعدم الاختصاص و تحال الدعوى على النيابة العامة للتصرف فيها حسب ما تراه.
و يجوز أن يصدر في الحكم أو القرار نفسه أمر بإيداع المتهم الحبس أو القبض عليه و ذلك بعد سماع أقوال النيابة العامة

- حالة الإخلال بنظام الجلسة:
تنص المادة 295 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه:" إذا حدث بالجلسة أن أخل أحد الحاضرين بالنظام بأية طريقة كانت فللرئيس أن يأمر بإبعاده من قاعة الجلسة.
و إذا حدث في خلال تنفيذ هذا الأمر أن لم يمتثل له أو أحدث شغبا أصدر في الحال أمر بإيداعه السجن و حوكم....."و من النص السابق نرى أن المشرع خول لرئيس الجلسة إصدار أمر إيداع بالجلسة إذا توافرت الشروط المطلوبة و هي:
- وجود إخلال بالجلسة سواء بالصراخ أو غيرها من وسائل الإخلال.
- أن يكون هناك أمر بالإبعاد و الإخراج من قاعة الجلسة إذا لم يكن الشخص متهما.
-عدم الامتثال لأمر الإبعاد أو إحداث مشاغبة عند طلب التنفيذ .

و ما يمكن استخلاصه أن جهات الحكم عندما تصدر أمر بإيداع المتهم الحبس أو القبض عليه لا تتقيد بضرورة توافر شروط المادة 123 و ما يليها من قانون الإجراءات الجزائية, بل تتأكد من توافر شروط خاصة بكل حالة تحكمها مواد معينة ليس لها علاقة مع موضوع الحبس المؤقت, مما يجعلنا نخلص إلى أن جهات الحكم لا تعتبر ضمن الجهات التي تصدر أمر الحبس المؤقت.
و بالتالي فإن من تملك صلاحية إصدار أمر الوضع في الحبس المؤقت محل دراستنا تقتصر في جهة واحدة هي جهة التحقيق ممثلة في قاضي التحقيق أصلا و غرفة الاتهام استثناءا في الحالة التي يرفع لها استئناف ضد الأمر الصادر عن هذا الأخير القاضي برفض أمر الوضع في الحبس المؤقت إلى غاية تاريخ محاكمته بموجب أمر خاص مسبب لضمان حضور المتهم في الجلسة و تنفيذه العقوبة, و هذا ما نصت عليه المواد 144 فقرة 2 و 179 من قانون الإجراءات الجزائية.
الفرع الثاني: مدة الحبس المؤقت:
إن معضلة الحبس المؤقت ليست فقط الإفراط في اللجوء إليه, فهي أيضا مشكلة مدته أي تحديد فترة سريانه مند تقريره من طرف قاضي التحقيق إلى غاية انتهائه بمثول المتهم أمام المحكمة المختصة أو بإصدار أمر بألا وجه للمتابعة, و ذلك بأشكال من شأنها ضمان الحريات الفردية و تكريس الطابع الاستثنائي للحبس المؤقت من خلال إقامة مدة قصوى معقولة للفصل في موضوع الاتهام.
و هو ما سنتعرض له بدراسة مدة الحبس المؤقت في مواد الجنح و الجنايات ثم كيفية حسابها و بدأ سريانها و انتهائها.

أولا: مدة الحبس المؤقت في مواد الجنح و الجنايات:
تتحكم في مدة الحبس المؤقت طبيعة الجريمة جناية أو جنحة و العقوبة المقررة لها, و مدى توافر الشروط المقررة في المادة 124 من قانون الإجراءات الجزائية.
و قد عرفت المواد القانونية التي تحكم هذا الموضوع عدة تعديلات سببها سعي الدول التي تعمل بهذا النظام بما فيها الجزائر إلى تفادي طول مدة الحبس المؤقت, أخرها تعديل 2001 .
فالأصل أن مدة الحبس المؤقت لا تتجاوز أربعة (4) أشهر حسب المادة 125 فقرة 1 من قانون الإجراءات الجزائية, و بصفة استثنائية يمكن أن تكون هذه المدة أقل أو أكثر من أربعة (4) أشهر, و في هذا الصدد يميز القانون بحسب طبيعة الجريمة و نوعها, و عليه نتساءل حول مدة الحبس المؤقت في مواد الجنح و في مواد الجنايات؟

1-مدة الحبس المؤقت في مواد الجنح:
إن مدة الحبس المؤقت في مواد الجنح أربعة (4) أشهر, غير أن هذه المدة غير ثابتة في كل الجرائم بل تختلف بحسب جسامة الجريمة.
و بالتالي قد تقل عن هذه المدة فتكون عشرين (20) يوما في بعض الجرائم و تكون أربعة (4) أشهر غير قابلة للتمديد في جرائم أخرى.
و عليه نتناول في نقطتين:
- الجنح التي تكون فيها مدة الحبس المؤقت عشرين (20) يوما.
- الجنح التي تكون فيها مدة الحبس المؤقت أربعة (4) أشهر.

أ-الجنح التي تكون فيها مدة الحبس المؤقت عشرين (20) يوما:
هذه الحالة نصت عليها المادة 124 من قانون الإجراءات الجزائية التي تنص: " لا يجوز في مواد الجنح إذا كان الحد الأقصى للعقوبة المقررة في القانون هو الحبس أقل من سنتين أو يساويهما أن يحبس المتهم المستوطن بالجزائر حبسا مؤقتا أكثر من عشرين (20) يوما منذ مثوله أول مرة أمام قاضي التحقيق , إذا لم يكن قد حكم عليه من أجل جناية أو بعقوبة الحبس مدة أكثر من ثلاثة (3) أشهر بغير إيقاف التنفيذ لارتكابه جنحة من جنح القانون العام.".
و يستشف من نص المادة حتى تكون مدة الحبس المؤقت عشرين (20) يوما غير 'قابلة للتجديد يخلى سبيل المحبوس فيها تلقائيا بعد انقضائها، لا بد من توافر ثلاثة شروط مجتمعة و هي:
- أن يكون الحد الأقصى للعقوبة المقررة قانونا هو الحبس لمدة لا تفوق سنتين كما هو الحال بالنسبة لجنح الجرح الخطأ و القذف و السب العلني و الإهمال العائلي.
- أن يكون المتهم مقيما بالجزائر.
- أن لا يكون المتهم قد سبق الحكم عليه من أجل جناية أو جنحة من جنح القانون العام بعقوبة الحبس النافذ لمدة تفوق ثلاثة (3) أشهر.

ب-الجنح التي تكون فيها مدة الحبس المؤقت أربعة (4 ) أشهر:
تنص المادة 125 فقرة 1 من قانون الإجراءات الجزائية : " في غير الأحوال المنصوص عليها بالمادة 124, لا يجوز أن تتجاوز مدة الحبس المؤقت أربعة (4) أشهر في مواد الجنح".
فتكون مدة الحبس المؤقت أربعة (4) أشهر غير قابلة للتمديد في الحالات الآتية:
-إذا كان الحد الأقصى للعقوبة المقررة قانونا هو الحبس لمدة تفوق سنتين و لا تزيد عن ثلاث (3) سنوات, المادة 125 فقرة 1 من قانون الإجراءات الجزائية كما هو الحال بالنسبة لجنح القتل الخطأ و عدم تسديد النفقة و خيانة الأمانة و التزوير في الوثائق الإدارية....
-إذا كان الحد الأقصى للعقوبة المقررة قانونا هو الحبس أقل من سنتين أو يساويهما و لم يتوافر شرط من الشروط المنصوص عليها في المادة 124 من قانون الإجراءات الجزائية.

2-مدة الحبس المؤقت في مواد الجنايات:
تنص المادة 125-1 فقرة 1-2-3 من قانون الإجراءات الجزائية على أن :" مدة الحبس المؤقت في مواد الجنايات أربعة أشهر .."
و يستخلص من نص المادة أن لا يجوز حبس المتهم على ذمة التحقيق أكثر من أربعة أشهر, إلا أن هذه المدة يجوز تمديدها كما سيأتي.

ثانيا: تمديد الحبس المؤقت:
إن سلطة قاضي التحقيق في تمديد الحبس المؤقت ترتبط بحبس المتهم مدة أربعة (4) أشهر, لأن الحبس لمدة (20) يوما لا يجوز فيه التمديد بصفة مطلقة, و يجوز التمديد في الجنح و الجنايات وفق ما يقرره القانون.
و الملاحظ أن صلاحية تمديد الحبس المؤقت محكومة بطبيعة الجريمة موضوع التحقيق , فيما إذا كانت الجريمة تكون جنحة أو جناية و العقوبة المقررة لها على النحو الآتي بيانه:

1-التمديد في الجنح:
تنص المادة 125 فقرة 2 من قانون الإجراءات الجزائية : " عندما يكون الحد الأقصى للعقوبة المنصوص عليها في القانون يزيد عن ثلاث (3) سنوات حبسا و يتبين أنه من الضروري إبقاء المتهم محبوسا, يجوز لقاضي التحقيق بعد استطلاع رأي وكيل الجمهورية المسبب, أن يصدر أمرا مسببا بتمديد الحبس المؤقت للمتهم مرة واحدة فقط لأربعة (4) أشهر أخرى."
يجوز تمديد مدة الحبس المؤقت 4 أشهر أخرى مرة واحدة, بحيث تصل مدته إلى 8 أشهر إذا كان الحد الأقصى للعقوبة المقررة قانونا يزيد على 3 سنوات حبس كما هو الحال بالنسبة لجنح السرقة و الشيكات و النصب و الضرب و الجروح العمدية......إلخ.
في كل الأحوال يكون تمديد مدته بأمر مسبب تبعا لعناصر التحقيق و ذلك بعد استطلاع رأي وكيل الجمهورية المسبب و عليه فإن الحبس المؤقت في الجنح المعاقب عليها بثلاث سنوات أو أقل لا يجوز فيها التمديد, إذ ينحصر في الجنح التي يعاقب عليها القانون بأكثر من ثلاث سنوات حبس.

2-التمديد في الجنايات:
يجوز تمديد مدة الحبس المؤقت في جرائم القانون العام, و في بعض الجرائم الخاصة كالآتي:

أ-في جرائم القانون العام:
الأصل: أن مدة الحبس المؤقت في الجنايات أربعة (4) أشهر و هو ما نصت عليه المادة 125-1 من قانون الإجراءات الجزائية.
استثناء: إذا اقتضت الضرورة يجوز لقاضي التحقيق و كذا لغرفة الاتهام بطلب من هذا الأخير تمديد الحبس المؤقت كما يلي:

- قاضي التحقيق:
لقاضي التحقيق استنادا لعناصر الملف و بعد استطلاع رأي وكيل الجمهورية المسبب تمديد الحبس المؤقت بأمر مسبب و ذلك كالآتي:

1- الجنايات المعاقب عليها بالسجن المؤقت من خمس (5) إلى عشر (10) سنوات :
يجوز لقاضي التحقيق تمديد الحبس المؤقت مرتين , أربعة (4) أشهر في كل مرة و هذا ما نصت عليه المادة 125-1 فقرة 1 من قانون الإجراءات الجزائية, حيث تبلغ مدة الحبس المؤقت اثني عشر (12) شهرا.

2- الجنايات المعاقب عليها بالسجن المؤقت من عشر (10) إلى عشرين (20) سنة أو بالسجن المؤبد أو بالإعدام :
يجوز لقاضي التحقيق تمديد الحبس المؤقت ثلاث مرات أربعة (4) أشهر في كل مرة حسب نص المادة 125-1 فقرة 2 من قانون الإجراءات الجزائية, بحيث تبلغ مدة الحبس المؤقت ستة عشر (16) شهرا .

yacine414
2011-02-25, 16:50
- غرفة الاتهام:
يجوز لقاضي التحقيق عند انتهاء الآجال القصوى المخولة له قانونا لتمديد الحبس المؤقت أن يقدم طلب بذلك إلى غرفة الاتهام.
إذن نستنتج أن لغرفة الاتهام تمديد الحبس المؤقت بأربعة (4) أشهر أخرى غير قابلة للتجديد, وفق الشروط المنصوص عليها في المادة 125 مكرر فقرة 2 و ما يليها من قانون الإجراءات الجزائية و هي:
- أن يكون التمديد بناء على طلب مسبب من قاضي التحقيق في أجل شهر قبل انتهاء مدة الحبس المؤقت.
- أن يرسل الطلب مرفوقا بأوراق الملف إلى النيابة العامة.
- يتولى التائب العام تهيئة القضية خلال 5 أيام على الأكثر من إستيلام أوراقها, و يقدمها مع طلباته لغرفة الاتهام.
- أن تبث غرفة الاتهام في الطلب قبل انتهاء مدة الحبس الجاري.


ب-في بعض الجرائم الخاصة:
الأصل: أن مدة الحبس المؤقت في الجنايات أربعة (4) أشهر حسب نص المادة 125-1 من قانون الإجراءات الجزائية.
استثناء: إذا اقتضت الضرورة يجوز لقاضي التحقيق و كذا لغرفة الاتهام بطلب من هذا الأخير تمديد الحبس المؤقت وفق الشروط الآتية:

- قاضي التحقيق:
لقاضي التحقيق استنادا لعناصر الملف و بعد استطلاع رأي وكيل الجمهورية المسبب تمديد الحبس المؤقت بأمر مسبب و ذلك على النحو التالي:

1-الجنايات الموصوفة بأفعال إرهابية و تخريبية:
تنص المادة 125 مكرر فقرة1 من قانون الإجراءات الجزائية : " عندما يتعلق الأمر بجنايات موصوفة بأفعال إرهابية أو تخريبية, يجوز لقاضي التحقيق وفق الأشكال المبينة في المادة 125-1 أعلاه أن يمدد الحبس المؤقت خمس مرات"
و هذا النوع من الجنايات منصوص عليه في المواد من 87 مكرر إلى 87 مكرر 10 من قانون العقوبات بحيث يجوز لقاضي التحقيق تمديد الحبس المؤقت خمس مرات أربعة (4) أشهر في كل مرة بحيث أن تصل مدة الحبس المؤقت إلى أربعة و عشرين (24) شهرا كحد أقصى.
و يلاحظ هنا أن المشرع لم يأخذ بمعيار العقوبة المقررة قانونا للجريمة لتحديد نسبة التمديد و إنما أخذ بطبيعة الجريمة فحسب , و هكذا يستوي أن تكون العقوبة المقررة قانونا للفعل الإعدام أو السجن المؤقت من 5 إلى 10 سنوات , و هي العقوبة المقررة لجنايات الإشادة بالأفعال الإرهابية و بيع أسلحة بيضاء و اشترائها و توزيعها و استيرادها و صنعها لأغراض مخالفة للقانون المنصوص و المعاقب عليها في المواد 87 مكرر 4 و مكرر5 و مكرر 7 من قانون العقوبات.

2- الجنايات العابرة للحدود:
ما هي الجريمة العابرة للحدود؟ عرفت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للأوطان المعتمدة من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة في 15-11-2001 التي صادقت عليها الجزائر بتحفظ في مجلس الوزراء المنعقد في 23-11-2001 الجنايات العابرة للحدود و تتمثل على وجه الخصوص فيما يلي:
- جنايات الاتجار و تهريب المخدرات.
- تبيض الأموال.
- تهريب الأسلحة الحربية و المواد النووية و المتفجرات و السيارات و الاتجار بها بصفة غير شرعية.
- الأعمال الإرهابية.
- إرشاء الموظفين.
- تنظيم الهجرة السرية .
و تنص المادة 125 مكرر فقرة 2 على أنه: " عندما يتعلق الأمر بجناية عابرة للحدود الوطنية, يجوز لقاضي التحقيق وفق الأشكال المبينة في المادة 125-1 أن يمدد الحبس المؤقت بإحدى عشرة (11) مرة".
إذن لقاضي التحقيق تمديد الحبس المؤقت إحدى عشر (11) مرة أربعة (4) أشهر في كل مرة , بحيث تبلغ مدة الحبس المؤقت كحد أقصى ثمانية و أربعين (48) شهرا أي أربعة سنوات

- غرفة الاتهام:
تنص المادة 125-1 فقرة 4 قانون الإجراءات الجزائية على : " كما يجوز لقاضي التحقيق في مادة الجنايات أن يطلب من غرفة الاتهام تمديد الحبس المؤقت في اجل شهر قبل انتهاء المدة القصوى للحبس ".
وتنص المادة 125 مكرر فقرة 4 على :" كما يجوز لقاضي التحقيق وفق نفس الأشكال المبينة في المادة 125-1 أن يطلب من غرفة الاتهام تمديد الحبس المؤقت في اجل شهر قبل انتهاء مدة هذا الحبس ، كما يمكن تجديد هذا الطلب مرتين (2) ".
يستشف من هذين النصين أن لغرفة الاتهام تمديد الحبس المؤقت مدة أربعة (4)اشهر أخرى قابلة للتجديد مرتين ليصل التمديد إلى اثنىعشر (12) شهرا وفق الشروط المنصوص عليها في المادتين السابقتين.
وهكذا فإذا ما استجابت غرفة الاتهام إلى طلب قاضي التحقيق وقررت تمديد الحبس المؤقت فقد تصل مدته القصوى إلى ستة وثلاثين (36) شهرا، أي ثلاث سنوات في الجنايات الموصوفة أعمالا إرهابية أو تخريبية، وإلى ستين (60) شهرا أي 5 سنوات في الجنايات العابرة للحدود .
وفي كل الأحوال سواء تعلق الأمر بجنايات القانون العام أو الجنايات الخاصة ســـالفة الذكر، تفصل غرفة الإتهام طبقا لأحكام المواد 183 إلى 185 من قانون الإجراءات الجزائية .
ويتفق الفقه والقضاء في الحالات التي يجوز فيها تمديد الحبس المؤقت ، على أن يتم التمديد قبل انتهاء أجل أربعة (4) أشهر وإلا أفرج عن المتهم بقوة القانون .

ثالــثا: كيفية حساب مدة الحبس المؤقت:
يثور التساؤل حول كيفية حساب مدة الحبس المؤقت خاصة وأن المشرع إلتزم الصمت بخصوص هذه المسألة.
فهل نطبق أحكام المادة 726 من قانون الإجراءات الجزائية في مجال الحبس المؤقت, وهي المادة التي وضعت قاعدة عامة لحساب المواعيد المنصوص عليها في هذا القانون بنصها على أن :" جميع المواعيد المنصوص عليها في هذا القانون مواعيد كاملة ولا يحسب فيها يوم بدايتها ولا يوم انقضائها وتحسب أيام الأعياد ضمن الميعاد.
وإذا كان اليوم الأخير من الميعاد ليس من أيام العمل كله أو بعضه فيمتد الميعاد إلى أول يوم عمل تال" .
فإذا بدأ الحبس المؤقت يوم 24 جانفي 1998 فإنه ينتهي يوم 26 ماي من نفس السنة وإذا كان هذا اليوم خميس فيمتد الميعاد إلى 28 ماي .
أم أنه يجب فصل حالة الحبس المؤقت عن باقي الحالات المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية لاتصالها بالحريات الفردية, ومن ثمة إخضاع حساب مدة الحبس المؤقت لقاعدة خاصة أكثر تقييدا من القاعدة العامة المنصوص عليها في المادة 726 سالفة الذكر.
فتحسب المدة من اليوم إلى مثله من الشهر, لذلك إذا بدأ الحبس المؤقت يوم 24 جانفي 1998، فانه ينتهي على الساعة الصفر من يوم 23 ماي من نفس السنة .
وذهب الدكتور أحسن بوسقيعة في مؤلفه "التحقيق القضائي" إلى أنه إذا كانت المسألة لم تطرح حسب علمه على المحكمة العليا خصيصا بشأن الحبس المؤقت، فقد كان لها أن قضت بوجه عام أن :" جميع الأجال المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية هي مواعيد كاملة لا يحسب فيها يوم بدايتها ولا يوم نهايتها..." مضيفة بأن القواعد المتعلقة بالآجال تعتبر من النظام العام ويترتب على مخالفتها البطلان .
وتجدر الإشارة إلى أن القضاء الفرنسي قد ذهب مذهبا مغايرا حيث استقر على أن أحكام المادة 801 من قانون الإجراءت الجزائية الفرنسي والتي تقابلها المادة 726 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري لا تطبق في مجال الحبس المؤقت الذي تحسب فيه المدة من يوم إلى مثله من الشهر .

رابعا: بدء سريان مدة الحبس المؤقت:
الإشكال الذي يطرح بمناسبة التعرض لمدة الحبس المؤقت يتعلق ببداية سريان مدته، فما هو تاريخ بدء حساب مدة الحبس المؤقت ؟ هل من يوم القبض على المتهم أو من يوم إيداعه الحبس ؟ أو من يوم مثوله أمام قاضي التحقيق ؟ .
تختلف الإجابة عن هذا التساؤل بحسب طريقة القبض على المتهم ، فإذا ما ضبط المتهم تطبيقا لأمر بالقبض يبدأ حساب مدة الحبس المؤقت من تاريخ تنفيذ هذا الأمر أي من تاريخ حبسه في مؤسسة عقابية .
أما إذا ضبط المتهم تنفيذا لأمر إحضار فيبدأ حساب مدة الحبس المؤقت من تاريخ تنفيذ هذا الأمر, وإنما من تاريخ مثول المتهم أمام قاضي التحقيق وإصدار أمر إيداعه بالمؤسسة العقابية.
وفي كل الحالات التي يصدر فيها قاضي التحقيق أمر الإيداع يبدأ حساب مدة الحبس المؤقت من تاريخ صدوره .

خامسا : انتهاء مدة الحبس المؤقت:
إذا كانت القاعدة العامة تقضي بأن مدة الحبس المؤقت تدوم فترة التحقيق وهذا ضمانا لحسن سيره كما سبق وأن أشرنا, فهل هذا يعني أن مدة الحبس المؤقت تنتهي بالضرورة بانتهاء التحقيق أم أن هناك حالات خارج هذه القاعدة يمكن فيها انتهاءها؟.
المبدأ: أن مدة الحبس المؤقت تنتهي بانتهاء التحقيق .
استثناء: نص المشرع على استثناءين لهذا المبدأ ويتمثلان في:
-حالة الإفراج على المتهم قبل انتهاء التحقيق المنصوص عليها بالمادتين 126و 127 من قانون الإجراءات الجزائية.
-حالة استمرار الحبس المؤقت إلى ما بعد الانتهاء من التحقيق المنصوص عليها بالمواد 164، 165 و 166 من قانون الإجراءات الجزائية .
و نتعرض للحالتين بشيء من التفصيل:

1- حالة الإفراج عن المتهم قبل انتهاء التحقيق:
أقرت المادة 126 من قانون الإجراءات الجزائية لقاضي التحقيق الأمر بالإفراج عن المتهم إما من تلقاء نفسه بعد استطلاع رأي وكيل الجمهورية أو بطلب من هذا الأخير.
كما أجازت المادة 127 من نفس القانون الإفراج عن المتهم بطلب منه أو من محاميه وذلك في أية مرحلة من مراحل التحقيق ، و هذا ما سنتعرض له بالتفصيل في المبحث الثالث الخاص بالإفراج .

2-حالة استمرار الحبس المؤقت إلى ما بعد الانتهاء من التحقيق :
نتعرض إلى استمرار الحبس المؤقت في مواد الجنح ثم في مواد الجنايات .

أ-استمرار الحبس المؤقت في مواد الجنح:
تنص المادة 165 فقرة 2 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه:" و إذا كان المتهم في حبس مؤقت ، يجب أن تنعقد الجلسة في أجل لا يتجاوز شهرا ."
إذن يمكن بعد انتهاء مدة الأربعة (4) أشهر أو الثمانية (8) أشهر القانونية أن يستمر الحبس المؤقت في مواد الجنح شهرا إضافيا.
والسؤال الذي يطرح بهذا الصدد ما هو جزاء عدم احترام هذا الأجل ؟
الجواب تعرض له الدكتور أحسن بوسقيعة في مؤلفه السابق ذكره, حيث أشار إلى أن المشرع لم يرتب على عدم احترام هذا الأجل أية نتيجة ملموسة, مما يفقد هذا الحكم المشرع فاعليته.
و لضمان نجاعة أكبر لحكمه, كان على المشرع أن ينص صراحة في فقرة إضافية على انتهاء مفعول الحبس المؤقت بانقضاء مدة شهر من تاريخ صدور أمر الإحالة إلى المحكمة
ب-في مواد الجنايات:
تنص المادة 166 فقرة 2 من قانون الإجراءات الجزائية : " ويحتفظ أمر الضبط أو القبض الصادر ضد المتهم بقوته التنفيذية لحين صدور قرار من غرفة الاتهام"
وهنا يثور التساؤل حول ما إذا كان سيفرج عن المتهم عند بلوغ اجل الحد الأقصى لمدة الحبس المؤقت أم أنه يبقى فيه إلى غاية ما تقرره غرفة الاتهام إما بإحالة الدعوى إلى محكمة الجنايات وإما إجراء تحقيق تكميلي؟
مع العلم أن أجل الحد الأقصى لمدة الحبس المؤقت في الجنايات هو كما يلي :
- في جنايات القانون العام المعاقب عليها بالسجن المؤقت من 5 الى 10 سنوات: ستة عشر (16) شهرا .
- في جنايات القانون العام المعاقب عليها بعقوبة أشد : عشرون (20) شهرا .
- في الجنايات الموصوفة أعمالا إرهابية أو تخريبية : ستة وثلاثون (36) شهرا .
- في الجنايات العابرة للحدود : ستون (60) شهرا .
نجد الإجابة عن هذا الإشكال في نص المادة 197 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية التي تنص على أنه : " عندما تخطر غرفة الاتهام وفقا للإجراءات المنصوص عليها في المادة 166 ويكون المتهم محبوسا ، تصدر غرفة الاتهام قرارها في الموضوع في اجل :
- شهرين (2) كحد أقصى عندما يتعلق الأمر بجنايات معاقب عليها بالسجن المؤقت.
- أربعة (4) أشهر كحد أقصى عندما يتعلق الأمر بجنايات معاقب عليها بالسجن المؤقت لمدة عشرين (20) سنة أو بالسجن المؤبد أو بالإعدام.
-ثمانية (8) أشهر كحد أقصى عندما يتعلق الأمر بجنايات موصوفة بأفعال إرهابية أو تخريبية أو بجناية عابرة للحدود الوطنية.
وإذا لم يتم الفصل في الآجال المحددة أعلاه، وجب الإفراج عن المتهم تلقائيا ."
وقد ذهب الدكتور أحسن بوسقيعة في مؤلفه السابق ذكره إلى القول أنه, عملا بأحكام المادة 197 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية، لا يجوز بأي حال من الأحوال وتحت أية ذريعة كانت أن يبقى المتهم في الحبس المؤقت أكثر من :
-ثمانية عشر (18) شهرا (16+2 ) في جنايات القانون العام المعاقب عليها بالسجن المؤقت من 5 إلى 10 سنوات .
- أربعة و عشرون (24) شهرا (20+4 ) في جنايات القانون العام المعاقب عليها بعقوبة أشد .
- أربعة وأربعون (44) شهرا (36+8 )في الجنايات الموصوفة أعمالا إرهابية أو تخريبية.
- ثمانية وستون (68) شهرا (60+8) في الجنايات العابرة للحدود .
ويضيف قائلا أنه: مهما كان موقفنا إزاء المدد التي اعتمدها المشرع والتي أقل ما يقال عنها أنها طويلة فإننا نثني عليه الوضوح في معالجة معضلة الحبس المؤقت أثناء الفترة الممتدة مابين صدور الأمر بإرسال مستندات القضية إلى النائب العام ومثول المتهم أمام المحكمة، وهي المسالة التي كان يكتنفها بعض الغموض ويطبعها شيئا من التناقض في ظل أحكام المادتين 125مكرر و 166 من قانون الإجراءات الجزائية قبل صدور القانون رقـــم 01-08وما جاء به من حلول في نص المادة 197 مكرر منه.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل يخلى سبيل المتهم الموجود رهن الحبس المؤقت فور صدور حكم من المحكمة يقضي ببراءته أو بإعفائه من العقوبة أو الحكم عليه بالحبس مع وقف التنفيذ أو بالغرامة رغم الاستئناف و الطعن بالنقض من قبل النيابة العامة؟
أجابت المادة 365 من نفس القانون بنصها على أنه:" يخلى سبيل المتهم المحبوس مؤقتا فور صدور الحكم ببراءته أو بإعفائه من العقوبة أو الحكم عليه بالحبس مع ايقاف التنفيذ أو بالغرامة، وذلك رغم الاستئناف ما لم يكن محبوسا لسبب آخر".

سادسا:خصم مدة الحبس المؤقت من العقوبة المقضي بها:
لم يرد قيد خصم مدة الحبس من العقوبة المقضي بها في الأحكام المنظمة للحبس المؤقت، إلا أن المادة 365 فقرة 2 من قانون الإجراءات الجزائية تنص على أنه:"....وكذلك الشأن بالنسبة للمتهم المحبوس مؤقتا إذا حكم عليه بعقوبة الحبس بمجرد أن تستنفد مدة حبسه المؤقت مدة العقوبة المقضي بها عليه."
كما نصت المادة 12فقرة 2 من القانون رقم 72-02 المؤرخ في 10 أفريل 1972 المتعلق بتنظيم السجون وإعادة تربية المساجين على أنه: " في حالة وجود حبس إحتباطي فيخفض بتمامه من مدة العقوبة وتحسب هذه المدة من يوم حبس المتهم المحكوم عليه ".
إذن يتضح مما يبق أنه يجب خصم المدة التي قضاها المتهم في الحبس المؤقت من العقوبة المحكوم بها عليه.
التساؤال الذي يثار هنا ما حكم المدة التي يقضيها المتهم في المؤسسة العقابية بناء على أمر قاضي التحقيق بإحضاره أو القبض عليه أو الأمر بإيداعه فيها، فهل تخصم من المدة المحكوم بها أم لا؟
نلاحظ في هذه الحالة بالنسبة لتقييد حرية المشتبه فيه بالقبض عليه وتوقيفه تحت النظر بواسطة ضباط الشرطة القضائية طبقا للمادة 51 فقرة 1 و 4 و المادتين 65 و 141 من قانون الإجراءات الجزائية , فلا يمكن اعتباره حبس مؤقت تخصم مدته من العقوبة المحكوم بها ، لأنها إجراءات بوليسية ليست صادرة عن جهاز القضاء ، وإنما صادرة عن جهة شبه قضائية على عكس الأمر بالحبس المؤقت الذي يعد أمرا قضائيا وهو بذلك يستوجب خصم مدته من مدة العقوبة المحكوم بها .

الفــرع الثالــث:الرقابة على شرعية الحبس المؤقت:
نظرا لكون الحبس المؤقت إجراء استثنائي يتسم بالخطورة لأنه يمس الحرية الفردية, فإن المشرع حدد الجهات الآمرة به وكذا مدته كما تم بيانه سابقا, وهذا من أجل فرض نوع من القيود على الجهة المختصة بإصداره ضمانا لحقوق الأفراد وحمايتهم من أي تعسف غير أنه في حالة إهدار هذه القيود إن صح التعبير, فيتعين إيجاد رقابة مخولة إلى جهة قضائية ينظمها القانون للوصول إلى أكثر فعالية في هذا الشأن.
وتتخذ الرقابة على شرعية الحبس المؤقت في التشريع الجزائري صورتين, فإما أن تكون رقابة غير قضائية أو تكون رقابة قضائية.

أولا:الرقابـة غيـر القضائيـة:
من البديهي أن الرقابة على شرعية الحبس المؤقت تبدأ برقابة قاضي التحقيق من تلقاء نفسه, فهو أول من يتأكد من مدى إستيفاء الشروط القانونية الموضوعية والشكلية لإصدار الأمر بالحبس المؤقت والآجال القانونية المحددة له, فإما أن يمدد مدة الحبس المؤقت أو يفرج عن المتهم المحبوس مؤقتـا, ولكنه يؤخذ على هذه الرقابة التلقائية أنها تقع في دوامة الروتين لأن قاضي التحقيق يميل غالبا إلى تجديد أمر الحبس المؤقت للمدة المنصوص عليها قانونا, وذلك بغاية تفادي التراجع عن قراره الأول .
بالإضافة إلى الرقابة التلقائية لقاضي التحقيق فهناك رقابة تمارس من قبل جهتين وثيقتي الصلة بمهامه وأعماله, ومع ذلك نجدهما مصنفتين ضمن الرقابة غير القضائية, وهاتان الجهتان هما : النيابة العامة ورئيس غرفة الاتهام.

1 - رقابـة النيابـة العامـة:
يعـد عمـل النيابـة العامة وثيـق الصلة بمهام قضاة التحقيق نظرا للترابط الكائن بينهم من حيث تحريك الدعوى العمومية ومباشرة التحقيق وفقا للإجراءات المنصوص عليهـا في المـادة 67 بالفقـرة الأولـى من قانـون الإجراءات الجزائيـة.
فالنيابـة العامـة تباشـر الدعوى العموميـة, إذ يسهـر النائـب العـام على تطبيـق القانـون أمام المجلس القضائـي ومجمـوع المحاكـم الكائنة في دائرة اختصاصـه , كمـا يسـوغ لوزيـر العـدل إخطـار النائـب العـام بالجرائم المتعلقـة بقانـون العقوبـات .
وما يؤخذ على رقابة النيابة العامة بصفة عامة أنها تتجه نحو استمرار حبس المتهم مؤقتـا, وقد يرجع ذلك في بعض الأحيان إلى سعي القضاء الواقف لعدم مخالفة الأمر الذي يتخذه قاضي التحقيق.
كذلك بالرجوع إلى المادتين 170 و 172 الفقرة الأخيرة من قانون الإجراءات الجزائية فنلاحظ أن إستئناف وكيل الجمهورية يوقف تنفيذ أمر قاضي التحقيق بالإفراج عن المتهم, بحيث يبقى هذا الأخير في الحبس المؤقت إلى غاية الفصل فيه من طرف غرفة الاتهام, بينما استئناف المتهم لأمر الوضع في الحبس المؤقت ليس له أثر موقف, وهذا لا يخدم الطابع الإستثنائـي المكرس للحبس المؤقت في المادة 123 من قانون الإجراءات الجزائية .

2- رقابـة رئيـس غرفـة الاتهام:
لرئيس غرفة الاتهام سلطات واسعة تتمثل أهمها في الإشراف على سير التحقيق ومراقبة الحبس المؤقت , فطبقـا للمادة 203 من قانون الإجراءات الجزائية لرئيس غرفة الاتهام الإشراف على سير إجراءات التحقيق المتبعة في جميع مكاتب التحقيق لدائرة المجلس القضائي وعلى عدم تأخرها.
ومن أجل تحقيق هذا الغرض يسلم كل مكتب تحقيق لرئيس غرفة الإتهام في ظرف ثلاثة أشهر قائمتين:
- قائمة تتضمن جميع القضايا المتداولة مع بيان تاريخ آخر إجراء تحقيق تم تنفيذه.
- قائمة تخص القضايا المتعلقة بالمتهمين المحبوسين مؤقتـا.
وبناءا على هاتين القائمتين, فإنه يجوز لرئيس غرفة الإتهام أن يطلب من قاضي التحقيق جميع التوضيحات اللازمة, كما يحق له زيارة كل مؤسسة عقابية في دائرة المجلس للتحقق من وضعية المحبوس مؤقتـا, فإذا ظهر له أن الحبس المؤقت غير قانوني وجه لقاضي التحقيق المعني الملاحظات اللازمة طبقا للمادة 204 من قانون الإجراءات الجزائية, لكن ليس لرئيس غرفة الإتهام في هذا الشأن إعطاء تعليمات لتوجيه التحقيق والدليل على ذلك الأسلوب الذي اعتمده المشرع في تحرير المادة 203 من قانون الإجراءات الجزائية مستعملا مصطلحات مثل: المراقبة, الإشراف و بذل جهد .
و طبقا للمادة 205 من قانون الإجراءات الجزائية فإنه يجوز لرئيس غرفة الاتهام أن يعقد غرفة الاتهام للفصل في أمر استمرار حبس المتهم مؤقتا.
و نظرا للسلطات الواسعة المخولة لرئيس غرفة الاتهام, فإن الرقابة التي يقوم بها يمكن أن تكون فعالة إذا استطاع التوفيق بين مهامه المتعددة, إلا أنه في حالة تراكم هذه الأعباء عليه و عدم تفرغه لفحص ملفات قضاة التحقيق و زيارة المؤسسات العقابية الكائنة في دائرة اختصاصه, فإنه يجوز له أن يفوض سلطته إلى قاض من قضاة الحكم التابعين لغرفة الاتهام أو إلى قاض آخر بالمجلس القضائي طبقا للفقرة الثانية من المادة 204 من قانون الإجراءات الجزائية.
لكن يبقى أن مراجعة الملفات و القائمتين المذكورتين سابقا ليست الوسيلة المثلى لضمان رقابة فعلية و فعالة, فقد تلحق بهاتين القائمتين أخطاء مادية أو قد تحرر من قبل أمين الضبط دون مراقبة من قاضي التحقيق, لذلك فإنه توجد بالإضافة إلى هذه الرقابة, رقابة قضائية سنتطرق إليها فيما يلي:

ثانيا:الرقابة القضائية:
إن الرقابة القضائية من الوسائل المستعملة للتخفيف من شدة إجراء الحبس المؤقت و التقليص من مساوئه حيث يقصد بها إسناد إلى جهة قضائية معينة ممارسة دور الرقابة على الإجراءات القضائية, و هذه الجهة تكون ممثلة إما بغرفة الاتهام أو المحكمة العليا.

1-رقابة غرفة الاتهام:
بالرجوع إلى نص المادة 179 من قانون الإجراءات الجزائية, يتبين لنا أن غرفة الاتهام باعتبارها قضاء تحقيق درجة ثانية, تقوم بالرقابة على شرعية الحبس المؤقت و ذلك باتخاذ قراراتها في أجل عشرين (20) يوما من تاريخ استئناف المتهم أو محاميه للأوامر المنصوص عليها في المادة 172 من نفس القانون و إلا أفرج عن المتهم تلقائيا ما لم يتقرر إجراء تحقيق تكميلي.
إن القانون منح لغرفة الاتهام سلطات مختلفة للبت في موضوع الحبس المؤقت, فقبل تعديل المادة 172 من قانون الإجراءات الجزائية بموجب القانون قم 01-08, كان المشرع يسمح للمتهم المحبوس مؤقتا أو محاميه باستئناف أمر تمديد الحبس المؤقت دون الأمر بالوضع رهن الحبس المؤقت ذاته, على خلاف النيابة العامة التي يحق لها استئناف جميع أوامر قاضي التحقيق أمام غرفة الاتهام طبقا للمادة 170 من قانون الإجراءات الجزائية, و هذا يعد إخلالا بمبدأ المساواة أمام القضاء و بالخصوص أمام قاضي التحقيق الذي يستعين بإجراءات تمس بالحرية الفردية, أما بعد تعديل المادة 172 من نفس القانون فإن المشرع منح للمتهم المحبوس مؤقتا أو محاميه حق استئناف أمر الوضع بالحبس المؤقت بالإضافة إلى أمر تمديده, و هذا تدعيما للضمانات الممنوحة لحماية المتهم, و بالتالي فإن غرفة الاتهام في موضوع الحبس المؤقت لها أن تراقب صحة الإجراءات المرفوعة إليها و ذلك بإبطال الأوامر الصادرة عن قاضي التحقيق و المخالفة للشروط القانونية للحبس المؤقت, لكن في حالة استئناف أمام هذه الغرفة أمر صحيح مسبب – و بعبارة أخرى أمر غير مخالف للشروط القانونية للحبس المؤقت – فإن غرفة الاتهام تقوم بدور قاضي التحقيق و تعيد فحص الملف بنفس العناصر و الوقائع المتوافرة دون التصدي للموضوع أو توجيه أمر لقاضي التحقيق بإصدار أمر بالحبس المؤقت أو إلغائه, حيث يبقى لهذا الأخير السيادة الكاملة في البحث عن الوقائع و أدلة الإثبات و إنما تقتصر مهام غرفة الاتهام في هذا الشأن على تأييد أو إلغاء أمر قاضي التحقيق .
و في هذا الصدد و بالرجوع إلى المادة 192 من قانون الإجراءات الجزائية التي تنص على أنه: " إذا كانت غرفة الاتهام قد فصلت في استئناف مرفوع عن أمر صادر من قاضي التحقيق في موضوع حبس المتهم مؤقتا فسواء أيدت القرار أم ألغته و أمرت بالإفراج عن المتهم أو باستمرار حبسه أو أصدرت أمرا بإيداعه السجن أو بالقبض عليه, فعلى النائب العام إعادة الملف بغير تمهل إلى قاضي التحقيق بعد العمل على تنفيذ الحكم.
و إذا حدث في أي موضوع آخر أن ألغت غرفة الاتهام أمر قاضي التحقيق فإن لها أن تتصدى للموضوع أو تحيل الملف إلى قاضي التحقيق نفسه أو إلى قاض غيره لمواصلة التحقيق ما لم يكن حكم الإلغاء قد أنهى التحقيق.
و إذا أيدت غرفة الاتهام أمر قاضي التحقيق المستأنف ترتب عليه أثره كاملا."
فإنه يتبين لنا أن غرفة الاتهام لا تتصدى للموضوع في حالة الفصل في استئناف الأمر المتعلق بالحبس المؤقت بينما, تتصدى له في حالة إلغائها لأمر قاضي التحقيق إذا لم يتعلق الاستئناف بالحبس المؤقت, و بالتالي نستخلص أن غرفة الاتهام هي الجهة الوحيدة المختصة بتعديل أوامر قاضي التحقيق في المسائل المتعلقة بالحبس المؤقت.
و تدعيما لرقابة غرفة الاتهام على شرعية الحبس المؤقت و لكي تكون لها أكثر فعالية يتعين عليها أن تراقب بصفة دقيقة التسبيب المستند إليه لتبرير الوضع في الحبس المؤقت أو تجديده من طرف قاضي التحقيق من أجل استبعاد التعليل السطحي الذي يكتفي بترديد العبارات المنصوص عليها في المادة 123 من قانون الإجراءات الجزائية .

2-رقابة المحكمة العليا:
طبقا للمادة 495 من قانون الإجراءات الجزائية فإنه لا يجوز الطعن بالنقض أمام المحكمة العليا في قرارات غرفة الاتهام المتعلقة بالحبس المؤقت, و بالتالي فإن الرقابة على شرعية الحبس المؤقت تفلت من رقابة المحكمة العليا كون المشرع نص على إجراء الحبس المؤقت دون أن يتيح لها وسيلة قانونية للقيام بالرقابة على شرعيته, فقبل صدور القانون رقم 01-08 كان قاضي التحقيق غير ملزم بتسبيب أمر الحبس المؤقت على خلاف الأمر بتمديده, و نظرا لعدم ورود نص قانوني يلزمه بذلك فهذا أخرجه من رقابة المحكمة العليا, و إن كان المشرع نص على ضرورة تسبيب الأمر بتمديد الحبس المؤقت من خلال المادة 125 من قانون الإجراءات الجزائية المعدلة بالقانون رقم 86-05, فإن هذه المادة غير كافية لمنح صلاحية الرقابة على الحبس المؤقت للمحكمة العليا لأنها لم تنص صراحة على ذلك, مما يجعلها غير ممكنة.
و عند صدور القانون رقم 01-08 فإن المادة 123 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية نصت صراحة على وجوب تأسيس أمر الوضع بالحبس المؤقت على أحد الأسباب المنصوص عليها بالمادة 123 من نفس القانون.
لكن المشرع لم يغير من موقفه بجعل قرارات غرفة الاتهام المتعلقة بالحبس المؤقت قابلة للطعن بالنقض, و بالتالي كرس عدم إمكانية قيام المحكمة العليا بالرقابة على شرعية الحبس المؤقت, و هذا ما ذهب إليه الاجتهاد القضائي في القرار الصادر بتاريخ 30-01 -1968 من الغرفة الجنائية الثانية في طعن (ك) ضد النيابة العامة إذ جاء بهذا القرار: " إن الفقرة الأولى من المادة 495 من قانون الإجراءات الجزائية لا تجيز الطعن بالنقض في قرارات غرفة الاتهام المتعلقة بالحبس المؤقت لذلك يجب القضاء بعدم قبول الطعن المرفوع من طرف المتهم ضد قرار رفض طلبه الإفراج" .
و من خلال ما سبق يتبين لنا أن غرفة الاتهام هي الجهة المختصة بالقيام بالرقابة القضائية على شرعية الحبس المؤقت رغم مناداة بعض القضاة بإعطاء المحكمة العليا حق الرقابة على شرعية هذا الإجراء لمزيد من الضمانات من أجل الحد من اللجوء إليه دون مبرر جدي, و يكمن ذلك بتمكين كل من المتهم و النيابة العامة من الطعن بالنقض في قرارات غرفة الاتهام المتعلقة بالحبس المؤقت.
و رغم محاولة قضاة التحقيق من أجل عدم اللجوء إلى الحبس المؤقت بصفة آلية, فإنه لا يمكن تفادي نشوء حالات صدور أمر بألا وجه للمتابعة أو حكم بالبراءة بعد ما كان المتهم رهن الحبس المؤقت, و هنا تثور مسألة التعويض عن الحبس المؤقت التي سنتعرض إليها في المطلب الموالي.

المطلب الثالث: مبدأ التعويض عن الحبس المؤقت:
الحبس المؤقت هو مرحلة سابقة عن النطق بالحكم تستدعيها ضرورة التحقيق ضمانا لحسن سيره, فهو يعد من أخطر إجراءاته التحقيق كونه يسلب حرية الفرد مثل العقوبة, لذلك نص المشرع في المادة 123 من قانون الإجراءات الجزائية على أن:" الحبس المؤقت إجراء استثنائي", فعادة ما يلجأ قاضي التحقيق إلى وضع المتهم رهن الحبس المؤقت لمدة معينة قد تدوم أيام أو شهور أو سنوات, و ذلك بسبب ارتكابه جريمة من الجرائم التي يتضمنها قانون العقوبات و القوانين الملحقة به, فيكتشف فيما بعد أنه أخطأ في التقدير فيصدر أمر بألا وجه للمتابعة و يكون بذلك الحبس قد سلب المتهم حريته و مسه في كرامته و شرفه و شرف عائلته و ألحق به ضررا غير عادي و ذي خطورة متميزة.
إذن فما هو ذنب المتهم في ذلك؟ و ما مدى مسؤولية القضاء أو ما مدى مسؤولية الدولة عن الضرر الذي يصيب المتهم الذي يحبس مؤقتا؟
على الرغم من أننا لا نحاول أن نخوض في الحديث عن نظرية مسؤولية الدولة من عدمها عن الأضرار التي تلحق بالغير بسبب قيامها بوظيفتها القضائية من وجهة النظر الفقهية أو الفلسفية, إلا أننا مع ذلك سنحاول أن نتحدث فقط عن المبدأ الشرعي للتعويض عن الأضرار التي تلحق بالمتهم بسبب حبسه حبسا مؤقتا غير مبرر , و الشروط الموضوعية الواجب مراعاتها لصحة المطالبة القضائية و الإجراءات المتبعة أمام اللجنة المختصة لمنح التعويض, و ما مدى تطبيق التعويض عن أضرار الحبس المؤقت في الميدان العملي و هذا ما سنتعرض إليه بالتفصيل فيما يلي:

الفرع الأول: المبدأ الشرعي للتعويض عن الحبس المؤقت:
هذا المبدأ أقرته المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية الصادر سنة 1966 بنصها: " لكل شخص كان ضحية توقيف أو اعتقال غير قانوني له الحق في الحصول على تعويض", و لإظهار الحرص على الحرية لجأت بعض الدول في نصوصها الدستورية و التشريعية لتقرير هذا المبدأ بما فيها الدستور و التشريع الجزائري الذي نص على ضرورة تعويض المتهم المحبوس مؤقتا و الصادر في حقه حكم بالبراءة أو أمر بألا وجه للمتابعة, لكن ما يمكن ملاحظته أن مبدأ التعويض عن الحبس المؤقت كان موضوعا للمناقشة لاختلاف الرأي حولها, على الرغم من أن المؤسس الدستوري الجزائري نص على مبدأ التعويض عن الخطأ القضائي في مختلف الدساتير الجزائرية منها المادة التي تنص: " يترتب عن الخطأ القضائي تعويض من الدولة, و يحدد القانون شروط التعويض و كيفياته " و ذلك لعدم صدور النصوص التطبيقية و هو الأمر الذي استدركه المشرع بتعديل قانون الإجراءات الجزائية بالقانون رقم 86-05 حيث نص على حق المتضرر عن الخطأ القضائي في التعويض بتعديل نص المادة 531 و إضافة مادتين هما 531 مكرر و 531 مكرر1, حيث نصت الفقرة الأولى من المادة الأخيرة: " تتحمل الدولة التعويضات الممنوحة لضحية الخطأ القضائي أو لذوي حقوقه..." و ما دام لا يمكن تعميم هذا النص على حالات الحبس المؤقت غير المبرر, استدرك المشرع النقص بإصدار قانون رقم 01-08 بإضافة قسم سابع مكرر للفصل الأول من الباب الثالث من الكتاب الثالث يتضمن المواد 137 مكرر إلى 137 مكرر14 التي تنص على أحكام التعويض عن الحبس المؤقت غير المبرر إذا ألحق بالمتهم ضررا ثابتا و متميزا مع ضرورة توافر جملة من الشروط الموضوعية لصحة المطالبة القضائية, ففيما تتجسد هذه الشروط؟

الفرع الثاني:شروط منح التعويض عن الحبس المؤقت:
يتعين على طالب التعويض التي انتهت إجراءات التحقيق بالنسبة له بصدور قرار نهائي بألا وجه للمتابعة, أصابه من جرائه عدة أضرار أن يستوفي جملة من الشروط الموضوعية, من أجل الاستفادة من مبلغ التعويض و الذي حددتها نص المادة 137 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية.

أولا:ضرورة أن يكون طالب التعويض قد كان محل حبس مؤقت خلال متابعة جزائية انتهت في حقه بصدور قرار نهائي بألا وجه للمتابعة أو بالبراءة:
حتى يحفظ حق طالب التعويض المضرور من جراء الحبس المؤقت ينبغي أن يكون قد أودع فعلا في المؤسسة العقابية, أي أن حريته قد سلبت منه فعلا لمدة زمنية معينة.
و المقصود بألا وجه للمتابعة هو أن يصدر قاضي التحقيق هذا الأمر باعتباره أمر من أوامر التصرف عند توافر ثلاث حالات استنادا لنص المادة 163 من قانون الإجراءات الجزائية و هي:
- إذا رأى قاضي التحقيق أن الوقائع لا يغلب عليها الطابع الجزائي سواء جناية أو جنحة أو مخالفة أي عند غياب الوصف القانوني.
- حالة غياب الدلائل القوية و الكافية لنسبة الجرم للمتهم المحبوس مؤقتا.
- حالة بقاء مقترف الجريمة مجهولا.
فعادة ما يؤسس الأمر بألا وجه للمتابعة على أسباب قانونية كالتقادم أو العفو, فهنا يحق للمتضرر من الحبس المؤقت المطالبة بالتعويض, لأنه أصلا كان من الواجب عدم متابعته أو معاقبته.
و تشترط المادة أن يكون قرار أو أمر بألا وجه للمتابعة نهائي أي استنفذ جميع طرق الطعن.
يفهم من هذا الشرط أن من كان محل رقابة قضائية لا يستفيد من التعويض, و أن القانون لا يشترط أن يصدر حكم يقضي بالبراءة لمنح التعويض. كما يفهم منه أيضا أن طلب التعويض مقصور على المعني بالأمر؟
و هنا يثور التساؤل حول قبول دعوى الورثة في حالة وفاة المعني بالأمر:
يميل الفقه إلى القول بقبول مثل هذه الدعوى باعتبار أن القانون لا يستبعدها صراحة, و في هذه الحالة تكون دعوى التعويض مؤسسة ليس على الحبس المؤقت المفرط فيه و إنما على قواعد المسؤولية المدنية .

ثانيا: ضرورة أن يكون الحبس المؤقت غير مبرر:
لقد نصت المادة 137 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية: " يمكن أن يمنح تعويض للشخص الذي كان محل حبس مؤقت غير مبرر..." فما المقصود بعبارة حبس غير مبرر؟ فهل المقصود به الحبس اللاقانوني أو الحبس التحكمي, أم أنها جميعا مصطلحات مترادفة ؟
يرى جانب من الفقه أن المقصود بالحبس غير المبرر أو اللاقانوني هو: " الحبس الذي يقع إخلالا بالضمانات الشكلية أو الإجرائية, كأن يؤمر به في جريمة غير التي يجيز فيها القانون هذا الإجراء أو يؤمر به دون استجواب المتهم ".
أما المقصود بالحبس التعسفي أو التحكمي هو: " الحبس الذي يؤمر به دون أسباب قانونية , أو مخالفة للقانون , أو تطبيق لقانون غير عادل في حد ذاته.".
و يرى الدكتور الأخضر بوكحيل في مؤلفه بأنه بغض النظر عن النقاش, فإن المقصود به هو الحبس غير الضروري لسير إجراءات التحقيق و يكون كذلك إذا أمر به بناءا على أسباب أو وفقا لإجراءات غير منصوص عليها في القانون أو تجاوزت مدته المدة المعقولة .
و هناك من يرى أن مفهوم الحبس المؤقت غير المبرر مفهوم غامض و غير دقيق, في حين أن البعض الآخر يرى أن عبارة "غير المبرر" يعنى بها أنه يوجد تطبيق سليم للقانون من الناحيتين الشكلية و الموضوعية و تخلف الخطأ, فقد أمر بالحبس المؤقت و نفذه بطريقة شرعية و لكن بسبب بعض الظروف الخارجة عن إرادة الآمر به تبين أنه غير ضروري و لذا يلحق ضرر بالشخص الذي خضع له .
في رأينا إن هذا التعريف الأخير هو الأرجح, لأنه من غير المعقول أن يضع قاضي التحقيق المتهم رهن الحبس المؤقت دون أن تتطلب ذلك مقتضيات السير الحسن للتحقيق.
فعبارة غير مبرر تثير عدة تساؤلات, فكيف يصدر قاضي التحقيق حبس غير مبرر رغم أنه يؤسسه على أسباب و مبررات قانونية لا تدع مجالا للشك في نزاهته و كفاءته, كما أنه يصعب على المتهم إثباته.
أما المقصود بهذا الشرط في القانون الفرنسي هو تقديم البينة على أن القاضي أساء التقدير عندما وضع المتهم في الحبس المؤقت أو الإبقاء عليه, مما يستدعي النظر فيما إذا كان بإمكان قاضي التحقيق تفادي اللجوء للحبس المؤقت, أو استبداله مثلا بالرقابة القضائية, أو التقليص من مدته...إلخ.
فكل هذه المسائل يصعب البث فيها نظرا للإشكالات العملية التي تثيرها.
فكيف يمكن للمتهم إثبات أن الحبس المؤقت كان غير مبرر ؟

ثالثا:ضرورة أن يكون الضرر الذي أصاب طالب التعويض ثابتا و متميزا:
حتى يتمكن طالب التعويض من رفع دعوى تعويض عن الضرر الذي أصابه من جراء الحبس المؤقت غير المبرر, يجب أن يكون هذا الضرر بشقيه المادي و المعنوي ثابتا و خطورته متميزة.
و إن كان إثبات الضرر في حد ذاته ليس بالأمر الهين, فإن شرط الخطورة المتميزة يكاد يكون شرطا تعجيزيا, و هو الأمر الذي جعل المشرع الفرنسي يتخلى عنه بموجب القانون رقم 96-1235 المؤرخ في 30-12-1996 حيث لم تعد تشترط المادة 149 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي إلا إثبات الضرر للحصول على التعويض .
و يرى الدكتور أحسن بوسقيعة في مؤلفه التحقيق القضائي أن تمسك المشرع الجزائري بهذا الشرط مقيد بسببين أساسيين:
السبب الأول: تجنب منح تعويض بصفة مطلقة لكل مستفيد من أمر ألا وجه للمتابعة, حتى و إن كان مؤسسا على أسباب قانونية محضة.
السبب الثاني: تفادي ممارسة قضائية تكون بمثابة الكارثة تتمثل في الإدانة تلقائيا كلما أحاط الشك بقضية.
نجد أن المشرع الجزائري في نص المادة 137 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية تطرق فقط في نصه إلى الضرر دون تحديد هل يشمل الضرر المادي أو المعنوي, أو يشملهما معا كما فعل نظيره الفرنسي, و من الأمثلة عن الضرر بشقيه حسب الاجتهاد الفرنسي ما يلي:

1-الضرر المادي:
هو كل ما يلحق الشخص من إساءة إلى مركزه المالي , كأن يكون الحبس المؤقت المتخذ ضده سببا في انقطاعه عن وظيفته التي تعد مصدر رزقه , أو ما يلحق مشاريعه الاقتصادية و التجارية بسبب تخلفه عن إدارتها نتيجة المدة التي قضاها في الحبس و هذا ما يؤدي إلى زعزعت مركزه المالي.

2-الضرر المعنوي:
المقصود به هو الإساءة إلى شرف و سمعة المتهم المحبوس بسلب حريته التي لا ثمن لها و إبعاده عن حياته الاجتماعية و الأسرية بسبب نظرات الاحتقار من طرف العامة بأنه مجرم, لذلك شرع التعويض حتى تتغير نظرة المجتمع إليه.
كما أقر الاجتهاد الفرنسي في هذا الصدد أن الضرر الذي لحق المحبوس بسبب إصابته بمرض أثناء تواجده في الحبس على أساس العلاقة السببية بين الحبس و المرض, أو أن هذا الأخير انتقل إليه بسبب العدوى .
كذلك فيما يخص منح التعويض لطالبه عن الضرر المعنوي الذي سببه له حبسه مؤقتا بناءا على حجج معينة آخذا بعين الاعتبار العناصر المتعلقة بشخصيته و طبيعة حياته و مركزه أثناء إجراءات التحقيق.
في هذا السياق نرى أن شرط ضرورة إثبات الضرر و الخطورة المتميزة التي يجب أن تحيط به يبين نية المشرع في إثقال كاهل طالب التعويض من خلال هذا الشرط, حتى يصعب عليه الأمر, فمادام المتهم المحبوس مؤقتا قد سلبت حريته و أثر ذلك على سمعته و كرامته و شرفه و مس بمصدر رزقه من خلال تعطيل أعماله نرى أن هذا كاف دون حاجة لضرورة إثباته للضرر.
فمن الأفضل أن يحذف المشرع هذا الشرط لأنه تعجيزا و ليس تسهيلا لطالب التعويض.

الفرع الثالث: الإجراءات المتبعة أمام اللجنة للاستفادة من التعويض:
لقد حددت المواد من 137 مكرر1 إلى 137 مكرر 14 من قانون الإجراءات الجزائية الجهة المختصة بمنح التعويض, من خلال تشكيلة اللجنة و أعمالها و الإجراءات الشكلية التي يتعين إتباعها لحصول طالب التعويض على المبلغ الذي تحدده له اللجنة كتعويض عن الضرر الثابت و المتميز الذي أصابه, من جراء الحبس المؤقت غير المبرر, بعد أن يصدر في حقه أمر بألا وجه للمتابعة نهائي, و يقع على عاتق خزينة الدولة منح مبلغ التعويض التي لها حق الرجوع على شاهد الزور و المبلغ سيئ النية, و هذا سوف نتطرق له فيما يلي:

أولا: الجهة المختصة بمنح التعويض:
يمنح التعويض عن أضرار الحبس المؤقت غير المبرر من طرف لجنة التعويض الموجودة على مستوى المحكمة العليا, و يطلق عليها اسم " اللجنة " طبقا لنص المادة 137 مكرر1 من قانون الإجراءات الجزائية, و تجدر الإشارة في هذا الصدد أن هذه الأخيرة تكتسي طابع جهة قضائية مدنية طبقا لنص المادة 137 مكرر3 من نفس القانون.
و لا شك أن هذه اللجنة مادامت تقع في أعلى الهرم القضائي, فإن قراراتها تكون محل اطمئنان رغم عدم قابليتها للطعن, و عليه يتعين التطرق إلى تشكيلة اللجنة و أعمالها.

1- تشكيلة اللجنة:
تنص المادة 137 مكرر2 و مكرر3 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه تتشكل اللجنة المذكورة في نص المادة 137 مكرر1 أعلاه من :
- الرئيس الأول للمحكمة العليا أو ممثله رئيسا.
- قاضيا (2) حكم لدى نفس المحكمة بدرجة رئيس غرفة أو رئيس قسم أو مستشار, أعضاء.
- النائب العام لدى المحكمة العليا أو أحد نوابه.
- أمين اللجنة هو أحد أمناء ضباط المحكمة, يلحق بها من طرف الرئيس الأول للمحكمة العليا.
و يعين أعضاء اللجنة سنويا من طرف مكتب المحكمة العليا, كما يعين هذا الأخير ثلاثة أعضاء احتياطيين لاستخلاف الأعضاء الأصليين عند حدوث مانع .
يمكن للمكتب أن يقرر حسب نفس الشروط أن تضم اللجنة عدة تشكيلات.
و ما استخلصناه مما سبق أن المشرع أعطى أهمية كبيرة لهذه اللجنة, كونها تنظر في قضايا المحبوسين مؤقتا الذين سلبت حريتهم إما نتيجة لإفراط قضاة التحقيق في اللجوء للحبس المؤقت , أو أنه كان ضروريا لحسن سير التحقيق و على إثرها خلص إلى إصدار أمر بألا وجه للمتابعة في حقه, فجعلها المشرع أعلى هيئة في الهرم القضائي.
إضافة إلى أنه من حيث تشكيلها يترأسها الرئيس الأول للمحكمة العليا, و ما أثار انتباهنا أن المشرع في الفقرة الثانية من المادة 137 مكرر2 من نفس القانون نص على أنه:"...كما يعين هذا الأخير ثلاثة أعضاء احتياطيين لاستخلاف الأعضاء الأصليين عند حدوث مانع " و لم يبين لنا نوع هذا المانع و متى يحدث مما جعلنا نخلص للقول بأن المشرع ترك ثغرة قانونية يتعين تداركها.
و ما تجدر الإشارة إليه أن هذه التشكيلة تمثل ضمانة أساسية لحماية المتضررين من الحبس المؤقت غير المبرر, إلى جانب أنها ذات طابع قضائي مدني.
2- أعمال اللجنة:
بعد أن تعرفنا على تشكيلة اللجنة المختصة قانونا بمنح التعويض, سوف نتطرق إلى عملها المتمثل في منح التعويض و تقدير قيمته.

أ-منح التعويض:
تقرر اللجنة إمكانية منح التعويض للمحبوس مؤقتا إذا توفرت الشروط المنصوص عليها قانونا و المتمثلة فيما يلي:
-ضرورة الحبس المؤقت و صدور أمر أو قرار بألا وجه للمتابعة نهائي.
-ضرورة توافر ضرر ثابت و خطورة متميزة.
-ضرورة أن يكون الحبس غير مبرر.

ب-تحديد مبلغ التعويض المستحق دفعه لطالبه:
يرجع تحديد مقدار مبلغ التعويض المستحق دفعه لطالبه إلى السلطة التقديرية للجنة, و لها مطلق الحرية في ذلك, فيتعين عليها الحرص على إعادة التوازن المالي.
و كما تجدر الإشارة أن اللجنة لا تتقيد بأي جدول حسابي و لا بحدود معينة لتقدير مبلغ التعويض, فإذا قبلت طلب تعويض المحبوس مؤقتا فلها سلطة منحه دفعة واحدة, أو على شكل أقساط أو مرتب.

ثانيا: إجراءات منح التعويض:
طبقا لنص المادة 137 مكرر 4 من قانون الإجراءات الجزائية و ما يليها يتعين على طالب التعويض مراعاة جملة من الإجراءات عند المطالبة بالتعويض للاستفادة منه و تتمثل فيما يلي:
-إخطار طالب التعويض بنفسه أو بواسطة محاميه اللجنة بعريضة في أجل لا يتعدى ستة (6) أشهر ابتداء من التاريخ الذي يصبح فيه القرار القاضي بألا وجه للمتابعة أو بالبراءة نهائيا.
-تودع العريضة الموقعة من طرف المدعي أو محامي معتمد لدى المحكمة العليا لدى أمين اللجنة الذي يسلم إيصالا بذلك.
-تتضمن العريضة وقائع القضية و جميع البيانات الضرورية، لاسيما:
1- تاريخ و طبيعة القرار الذي أمر بالحبس المؤقت و كذا المؤسسة العقابية التي نفذ فيها.
2- الجهة القضائية التي أصدرت قرار بألا وجه للمتابعة أو البراءة وكذا تاريخ هذا القرار
3- طبيعة و قيمة الضرر المطالب بها.
4- عنوان المدعي الذي يتلقى فيه التبليغات.
و الإشكال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هل هذه البيانات التي نص عليها المشرع يترتب على تخلفها عدم قبول الدعوى شكلا؟ وهل عدم وجود صيغة الإلزام تجعلها جوازية أم لا؟
فبعد إيداع العريضة فما هي بقية الإجراءات المتبعة؟
-بعد أن يتلقى أمين اللجنة العريضة المودعة لديه, يقوم بإرسال نسخة منها إلى العون القضائي للخزينة بموجب رسالة موصى عليها مع إشعار بالاستلام في أجل لا يتعدى عشرون (20) يوما ابتداء من تاريخ استلام العريضة.
-يقوم أمين اللجنة بعدها بطلب الملف الجزائي من أمانة ضبط الجهة القضائية التي أصدرت قرار بألا وجه للمتابعة أو بالبراءة طبقا لنص المادة 137 مكرر5 من قانون الإجراءات الجزائية.
-يجوز بعدها للمدعي أو العون القضائي للخزينة أو محاميهما الإطلاع على ملف القضية بأمانة اللجنة.
-ثم يقوم العون القضائي بإيداع مذكراته لدى أمانة اللجنة في ّأجل لا يتعدى شهرين ابتداء من تاريخ استيلام الرسالة الموصى عليها و هذا استنادا لنص المادة 137 مكرر6 من قانون الإجراءات الجزائية.
-و يقوم أمين اللجنة بإخطار المدعي بمذكرات العون القضائي للخزينة بموجب رسالة موصى عليها مع إشعار بالاستيلام في أجل أقصاه عشرون (20) يوما ابتداء من تاريخ إيداعها, و يسلم المدعي أو يوجه لأمانة اللجنة ردوده في أجل أقصاه ثلاثون (30) يوما ابتداء من تاريخ التبليغ.
و عند انقضاء الأجل المنصوص عليه يقوم أمين اللجنة بإرسال الملف إلى النائب العام بالمحكمة العليا الذي يودع مذكراته في الشهر الموالي طبقا لنص المادة 137 مكرر7 من قانون الإجراءات الجزائية.
- بعد إيداع مذكرات النائب العام يعين رئيس اللجنة من بين أعضائها مقررا, و تقوم اللجنة أو تأمر بجميع إجراءات التحقيق اللازمة و خاصة سماع المدعي إذا اقتضى الأمر ذلك طبقا لنص المادة 137 مكرر8 و مكرر9 من قانون الإجراءات الجزائية.
-يقوم رئيس اللجنة بتحديد تاريخ الجلسة للنظر في طلبات التعويض و ذلك بعد استشارة النائب العام, و يبلغ أمين اللجنة التاريخ للمدعي برسالة موصى عليها مع إشعار بالإستيلام و كذلك للعون القضائي للخزينة في ظرف شهر على الأقل قبل تاريخ الجلسة طبقا لنص المادة 137 مكرر 10 من نفس القانون.
- و بعد تلاوة التقرير, يمكن للجنة أن تستمع للمدعي و العون القضائي للخزينة و محاميهما, و يقدم النائب العام ملاحظاته طبقا لنص المادة 137 مكرر 11 من قانون الإجراءات الجزائية.
- تجتمع اللجنة في غرفة المشورة و تصدر قراراتها في جلسة علنية.
- و إذا قررت اللجنة منح تعويض يتم دفعه وفقا للتشريع المعمول به من طرف أمين خزينة ولاية الجزائر, -و في هذا الصدد لم يبين لنا المشرع الفصل من ميزانية الخزينة الخاص بدفع هذا التعويض.
أما إذا رفضت منح التعويض, يتحمل المدعي المصاريف إلا إذا قررت اللجنة إعفاءه كليا أو جزئيا منه طبقا لنص المادة 137 مكرر 12 من قانون الإجراءات الجزائية.
-بعدها يوقع كل من الرئيس و العضو المقرر و أمين اللجنة على أصل القرار و يبلغ قرارها في أقرب الآجال إلى المدعي و العون القضائي للخزينة برسالة موصى عليها مع إشعار بالاستلام , و يعاد الملف الجزائي مرفقا بنسخة من قرار اللجنة إلى الجهة القضائية المعنية طبقا لنص المادة 137 مكرر 13 و 14 من قانون الإجراءات الجزائية.
فمادامت اللجنة هي المختصة بمنح التعويض فعلى عاتق من يقع دفعه؟
لقد نصت المادة 137 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية في فقرتها الثانية بأن التعويض المشار إليه في الفقرة الأولى من نفس المادة يقع على عاتق خزينة الدولة مع احتفاظ هذه الأخيرة بحق الرجوع على الشخص المبلغ سيئ النية أو شاهد الزور الذي تسبب في الحبس المؤقت.
لكن تثار عدة تساؤلات فيما يتعلق بالاختصاص, فمادامت الدولة مختصة بمنح التعويض عن طريق خزينتها العمومية فهل يعني هذا أن طالب التعويض لما يرفع دعواه يكون قد قاضى الدولة؟ و إن كان الأمر كذلك ألا يعتبر القضاء الإداري هو المختص؟
في حقيقة الأمر إن الدولة ليست طرفا في النزاع بأتم معنى الكلمة, فطالب التعويض لما يرفع دعوى التعويض لا يكون بذلك قد قاضى الدولة بل يكون قد طالب بتعويضه عنما أصابه من أضرار الحبس المؤقت.
كما أنه بالرجوع لنص المادة 7 من قانون الإجراءات المدنية يكون القضاء الإداري هو المختص عندما يكون أحد أطراف النزاع: الدولة أو الولاية أو البلدية......إلخ كطرف يمارس مظهر من مظاهر السيادة.
و من هنا طالما أن الدولة لم تكن كطرف في النزاع و فإن القضاء الإداري ليس مختص بالنظر في دعوى التعويض, كما أن رفع الدعوى أمام هذه اللجنة ليس فيه أي انتقاص من سيادة الدولة, بل بالعكس من ذلك فإن رفع الدعوى أمام هذه اللجنة الواقعة على مستوى المحكمة العليا (أي مستوى أعلى هرم قضائي) يمنحها أكثر مصداقية و شفافية, إضافة إلى أن القرارات الصادرة عنها غير قابلة للطعن فيها بأية صورة كانت كونها أعلى جهة, و أن القانون لا يلزم اللجنة بتسبيب قراراتها تفاديا للمساس بقوة الشيء المقضي فيه فالقرارات الصادرة عنها تتمتع بالقوة التنفيذية طبقا لنص المادة 137 مكرر 3 من قانون الإجراءات الجزائية.
و ما دامت خزينة الدولة هي التي يقع على عاتقها دفع التعويض, فهل يمكن للدولة ممارسة دعوى الرجوع إذا ثبت لها بأن من استفاد من مبلغ التعويض لا يستحقه؟

دعوى الرجوع:
بعد أن تقرر قانونا حق الشخص في الحصول على تعويض من جراء أضرار الحبس المؤقت, يتم دفعه له وفقا للتشريع المعمول به من طرف أمين خزينة ولاية الجزائر, منح للدولة حق الرجوع عن طريق " دعوى الرجوع" على الشخص المبلغ سيء النية أو شاهد الزور الذي تسبب في الحبس المؤقت طبقا لنص المادة 137 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية, كون أن الدولة هي التي منحت التعويض فلحق ضرر بخزينتها العمومية و من ثمة يكون لها الحق في الرجوع.
و السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد هل للمتهم المحبوس مؤقتا الذي صدر في حقه أمر بألا وجه للمتابعة نهائي, رفع دعوى وشاية كاذبة على المبلغ سيئ النية أو شاهد الزور من أجل الحصول على تعويض موازاة مع رفع دعوى تعويض عن الضرر الذي أصابه من جراء الحبس المؤقت غير المبرر أمام اللجنة المشكلة على مستوى المحكمة العليا؟
في رأينا استنادا للمبدأ أنه لا يمكن للشخص أن يستفيد من أكثر من تعويض, فلا يجوز له رفع دعوى وشاية كاذبة موازاة مع دعوى التعويض أمام اللجنة فعليه اختيار أحد الطريقين.
غير أنه ما يعاب على المشرع في هذا السياق أنه مكن الدولة من ممارستها لدعوى الرجوع دون أن يحدد أحكامها.

مدى تطبيق التعويض عن أضرار الحبس المؤقت في الميدان العملي:
بعد أن تم إقرار مبدأ التعويض عن أضرار الحبس المؤقت وفقا لتعديل قانون الإجراءات الجزائية بموجب القانون رقم 01-08, و الذي لا يعد في نظرنا شيئا جديدا كون هذا المبدأ كان منصوص عليه في جميع الدساتير الجزائرية بأن الدولة مسؤولة عن التعويض عن الخطأ القضائي و لم يرى هذا المبدأ الدستوري النور إلا في سنة 2001, و حسب رأينا فالتعديل كان كاشفا للمبدأ و ليس منشأ له و بهذا يكون المشرع قد خطى خطوة ناجحة في هذا الإطار رغبة منه في حماية و ضمان الحريات الفردية المكرسة دستوريا في إطار دولة القانون, إلا أنه مع الأسف لم تلق هذه الخطوة الصدى في الواقع العملي, أي لا توجد أية سابقة قضائية في هذا المجال و هذا ما يدعونا إلى طرح العديد من التساؤلات حول عدم إمكانية تحقق هذه المطالب على أرض الواقع.
و من ثم فهل عدم المطالبة بالتعويض يرجع إلى نقص الوعي القانوني في الأوساط الشعبية أو بين المواطنين أم إلى عدم علمهم أساسا بما يسمى بحق التعويض عن أضرار الحبس المؤقت أم إلى خوف المواطنين من مقاضاة الدولة أم أنه يسود لديهم اعتقاد بتخلصهم من جحيم الحبس و حصولهم على حريتهم كفيلا بجبر الضرر دون اللجوء إلى المطالبة بالتعويض غير المضمون في كل الأحوال؟


المبحث الثاني:الرقابة القضائية:

عرف القانون الجزائري تطورات عديدة في مختلف المجالات محاولا بذلك مواكبة التطورات التي تحدث في العالم، و متأثرا بالأفكار المطروحة حول التوسيع من دائرة الحريات و تعزيز حقوق الإنسان.
و قانون الإجراءات الجزائية باعتباره دستور الحريات كما يطلق عليه البعض لم يكن بمنأى عن هذا التطور الذي حصل في القوانين، فأدخلت إصلاحات متعددة في أحكامه تصب كلها في الاتجاه الذي يحاول الحفاظ على مصالح المجتمع من جهة، و مصالح الفرد من جهة أخرى.
و نظرا لهذه الأفكار الجديدة و التي تضغط بقوة على القوانين ظهرت فكرة استحداث بدائل للحبس المؤقت-الذي يعد إجراء يمس بحرية الفرد- شريطة أن تكون أقل حدة و أكثر ليونة، و نتيجة لذلك تبنى المشرع نظام أطلق عليه "الرقابة القضائية"، و الذي سوف نتعرض له من خلال دراستنا لما يلي:
- ماهية الرقابة القضائية.
- إجراءات الرقابة القضائية.

المطلب الأول:ماهية الرقابة القضائية:
نتطرق في هذا المطلب إلى كل من مفهوم الرقابة القضائية و تمييزها على الأنظمة الشبيهة به و مضمونها.

الفرع الأول:مفهومها و تمييزها عن غيرها من الأنظمة الشبيهة بها:
أولا:مفهومها:
1– تعريف الرقابة القضائية:
لمعرفة مصطلح الرقابة القضائية معرفة دقيقة يجب أن نتناول تعريفها لغة و فقها و قانونا.
أ– لغــة:
يشتق مصطلح الرقابة من فعل راقب، يراقب، مراقبة.
راقب الشيء أي حرسه, و يقال راقب الله في أمره أي خافه.

ب– فقهـا:
لقد نشط الفقه الجنائي في تعريف الرقابة القضائية فوردت عدة تعاريف مختلفة منها:
عرفها الفقه الفرنسي بأنها:" نظام يفرض بموجبه بعض الالتزامات على المتهم يجب مراعاتها".
ونلاحظ أن هذا التعريف جاء ناقص و نعتقد أنه سيكون أشمل لو جاء بالصيغة التالية:" الرقابة القضائية نظام إجرائي بديل عن الحبس المؤقت يفرض بموجبه قاضي التحقيق التزاما أو أكثر على المتهم ضمانا له أو لمصلحة التحقيق."
كما عرفها البعض الآخر بأنها:" إجراء وسط بين الحبس المؤقت و إطلاق السراح خلال إجراءات التحقيق و هدف هذا النظام إعطاء المتهم أقصى حد من الحرية تتوافق مع ضرورة الوصول للكشف عن الحقيقة و للحفاظ على النظام العام و يظل المتهم الموضوع تحت الرقابة القضائية على أن تفرض عليه بعض القيود في تنقلاته و حياته الخاصة "
و قد وجه لهذا التعريف عدة انتقادات من بينها أنه جاء طويل جدا و بعبارات غير دقيقة كما أنه لم يكتف بتعريف الرقابة القضائية بل تطرق إلى أهدافها.
و عرفها البعض الآخر كما يلي:" تعد الرقابة القضائية إجراء وسطا بين إطلاق الحرية و الحبس الاحتياطي حيث يطلق سراح المتهم لكي يخضع لبعض الواجبات التي تكفل و ضعه تحت تصرف القضاء فهي نوع من التدابير الاحترازية."
غير أنه ما يؤخذ على هذا التعريف أنه جعل إجراء الرقابة القضائية طريق من طرق الحصول على الإفراج، إذ أننا نتصور الخاضع للرقابة القضائية في هذه الحالة هو المحبوس حبسا مؤقتا، لكن في حقيقة الأمر أن المتهم الذي يسلط عليه نظام الوضع تحت الرقابة القضائية ليس بالضرورة أن يكون موجودا في الحبس المؤقت ثم يطلق سراحه بل قد يكون مطلق السراح منذ بداية مثوله أمام قاضي التحقيق تم يقرر هذا الأخير إخضاعه لهذا النظام هذا من جهة.
و من جهة أخرى أن هذا التعريف اعتبر الوضع تحت الرقابة القضائية نوع من التدابير الاحترازية و هذا غير صحيح لأن هذه الأخيرة نوع من الإجراءات التي يصدر بها حكم نهائي.
و نلاحظ أن المشرع استعمل مصطلح تدبير أمن وليس تدبير احتراز و تدبير الأمن يعد الصورة الثانية للجزاء ، يهدف إلى تجنيب المجتمع خطورة إجرامية في شخص مرتكب الجريمة، و بذلك يكون لكليهما نفس الهدف و هو إصلاح الفرد الخاضع لهما.
كما أن إجراء الوضع تحت الرقابة القضائية هو إجراء يوجه ضد شخص لم يثبت في حقه ارتكاب الجريمة، بل هو مجرد متهم ينتظر صدور حكم القضاء الذي قد يكن بالإدانة أو البراءة.
و من خلال ما سبق طرحه يمكن استخلاص التعريف التالي للرقابة القضائية المتمثل فيما يلي: "الوضع تحت الرقابة القضائية إجراء بديل للحبس المؤقت بموجبه تفرض على المتهم مجموعة من الالتزامات تحد من حريته ".

و خلاصة القول، أن الوضع تحت الرقابة القضائية نظام أصلي مستقل أنشأه القانون بهدف حماية الحقوق الفردية للأشخاص و تعزيز الضمانات القانونية للأفراد المتهمين أثناء التحقيق و ذلك بتجنيبهم نظام الحبس المؤقت و مساوئه.

ج– قانونـــا:
لم يتضمن قانون الإجراءات الجزائية في ثنايا نصوصه أي تعريف لإجراء الرقابة القضائية و هذا ما يمكن استخلاصه من المواد 125 مكرر1 و125 مكرر2 و 125 مكرر3 من هذا القانون، و هذا ليس جديدا على المشرع فقد درج على تفادي حشو نصوصه بالتعريفات فاتحا بذلك المجال للفقه كي ينشط في هذا الشأن كعادته، هذا من جهة. و من جهة أخرى فقد اقتفى أثار المشرع الفرنسي حيث لم يعرف هذا الأخير إجراء الرقابة القضائية.

2- الطبيعة القانونية للرقابة القضائية:
من أجل التخفيف من مساوئ الحبس المؤقت، كان على المشرع إيجاد أنظمة أخرى تحل محله تتماشى مع ما تنادي به الإعلانات العالمية لحقوق الإنسان، من احترام الحريات الفردية و صيانة حقوق و كرامة الأشخاص، كما أن من أهداف القضاء المحافظة على الأمن العام و ذلك في إطار المشروعية، و أن على كل مواطن احترام حرية الآخرين و لا يتابع أحد أو يحبس إلا في الحالات المحددة في القانون.
و تبعا لكل هذا فقد أوجد المشرع نظام الرقابة القضائية التي تشتمل على مجموعة من الالتزامات يفرضها قاضي التحقيق بدلا من حبسه، و في نفس الوقت يضمن السير الحسن للتحقيق.
فالرقابة القضائية هي ذات طبيعة إجرائية و تعتبر نظاما وسطا بين كل من الحبس المؤقت و الإفراج، و الهدف منها تجسيد قرينة البراءة التي يتمتع بها المتهم طوال إجراءات التحقيق هذا من جهة، و من جهة أخرى السعي للكشف عن الحقيقة.

ثانيا:تمييز الرقابة القضائية عن غيرها من الأنظمة الشبيهة بها:
تقتضي منا دراسة الرقابة القضائية التطرق إلى تمييزها عن غيرها من الأنظمة المشابهة لها نظرا لكونها قد تلتقي معها في العديد من النقاط، مما يؤدي إلى الخلط بينهم، و هذا ما يجعلنا نتناول هذه الأنظمة مع توضيح نقاط التشابه و الاختلاف.
و الأنظمة التي يمكن أن تتداخل مع نظام الرقابة القضائية لا تخرج عن اثنان هما نظام الوضع رهن الإرجاء و نظام الوضع تحت رقابة البوليس.

1-الرقابة القضائية و نظام الوضع رهن الإرجاء :
يعتبر نظام الوضع رهن الإرجاء من الأنظمة حديثة النشأة التي جاء بها المشرع نتيجة الأوضاع الأمنية الخطيرة التي مرت بها الجزائر، إذ أراد إحداث نقلة نوعية فأوجد القانون رقــم 99-08 المؤرخ في 13-07- 1999 المتعلق بالوئام المدني, و قد عرفه في المادة 6 منه كما يلي:
"يتمثل الوضع رهن الإرجاء في التأجيل المؤقت للمتابعات خلال فقرة معنية بغرض التأكد من الاستقامة الكاملة للشخص الخاضع لها ".
و قد حددت المادة 7 منه القانون الأشخاص الذين يخضعون لهذا النوع من الإجراء.
و برجوعنا لنص المادة 11 من نفس القانون التي تنص:".....يجوز للجنة الإرجاء المذكورة في المادة 14 من القانون إرفاق قرارها بتدبير أو أكثر من التدابير المنصوص عليها في المادتين 8 و98 و المادة 125 مكرر1 من قانون الإجراءات الجزائية ".
من خلال نص المادة نلاحظ أن الشخص الموضوع رهن الإرجاء يخضع إلى التزامات الرقابة القضائية المنصوص عليها في المادة 125 مكرر1 من قانون الإجراءات الجزائية.
و بالتالي نقول أن نظام الوضع رهن الإرجاء قد إحتوى نظام الرقابة القضائية.
و بالرغم من ذلك فإن كلا النظامين يختلفان عن بعضهما كون أن نظام الوضع رهن الإرجاء حدد تطبيقه لفترة زمنية محددة و هي 6 أشهر ابتداء من تاريخ صدور هذا القانون، كما أنه يطبق على جرائم معينة و هي الجرائم التي نصت عليها المادة 87 مكرر من قانون العقوبات،و يخص أشخاص معينين من طرف لجنة تسمى لجنة الإرجاء التي يترأسها و كيل الجمهورية على مستوى المحكمة .
في حين أن نظام الرقابة القضائية يطبق على جميع المتهمين دون تحديد لتاريخ وقف العمل به كما أنه إجراء تستعمله جهات التحقيق و الحكم.

2– الرقابة القضائية و نظام الوضع تحت رقابة البوليس:
الوضع تحت رقابة البوليس هو نظام يهدف إلى إلزام المتهم الخضوع لبعض القيود على حريته منها: عدم مغادرته لأماكن معينة أو منعه من التردد على بعض الأماكن المحددة.
ويعد هذا النظام بديلا لحجز المتهم عن تقديم الكفالة المالية للحصول على الإفراج و ليس بديلا لإجراء الحبس المؤقت.
و هنا يظهر الفرق جليا، فإذا عجز الفرد المحبوس مؤقتا عن تقديم الكفالة المالية مقابل الإفراج عليه فإن هذا العجز المادي يمكن لجهات التحقيق أن تقرر وضعه تحت مراقبة البوليس.
كما أن نظام الوضع تحت مراقبة الشرطة يعد أحد التزامات الرقابة القضائية.
و نلاحظ أن نظام الوضع تحت مراقبة البوليس غير معمول به في التشريع الجزائري كنظام قائم بذاته، بل أن المشرع الجزائري نص في المادة 125 مكرر1 فقرة 3على ما يلي: " ... المثول دوريا أمام المصالح و السلطات المعينة من طرف قاضي التحقيق ".
وبهذا يتضح أن المشرع الجزائري اعتبر الوضع تحت رقابة البوليس إحدى الالتزامات المقررة للوضع تحت الرقابة القضائية.

الفرع الثاني: مضمون الرقابة القضائية:
نتطرق في هذا الفرع إلى كل من شروط الرقابة القضائية و التزاماتها.

أولا:شروط تطبيق الرقابة القضائية:
تصدر الرقابة القضائية وفق شروط موضوعية و أخرى شكلية:
1- الشروط الموضوعية
بالرجوع إلى نص المادتين 123 و 125 مكرر 1 من قانون الإجراءات الجزائية نستخلص أن للرقابة القضائية شرطين هما:
– كفاية التزامات الرقابة القضائية لحسن سير التحقيق.
– إذا كانت الأفعال المنسوبة للمتهم قد تعرضت لعقوبة الحبس أو عقوبة أشد.
و سنتعرض لهذين الشرطين بشيء من التفصيل:
أ‌- كفاية التزامات الرقابة القضائية لحسن سير التحقيق:
نصت المادة 123 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه: "...لا يمكن أن يؤمر بالحبس المؤقت أو أن يبقى عليه إلا إذا كانت التزامات الرقابة القضائية غير كافية ....."
يفهم من نص المادة بمفهوم المخالفة أنه حينما تكون التزامات الرقابة القضائية كافية فلا مجال لإعمال سلطة قاضي التحقيق في الحبس المؤقت, باعتبار هذا الأخير غالبا ما يحقق مصلحة المتهم خلافا للرقابة القضائية التي تحقق مصلحتي التحقيق و المتهم في آن واحد, و من ثمة فهي أولى بالتطبيق من الحبس المؤقت الذي يبقى استثناء من القاعدة, و إن كان القضاء قد توسع فيه إلى أن انقلب أصله الاستثنائي إلى قاعدة عامة لعدة مبررات, منها مثلا: مصلحة التحقيق, عدم هروب المتهم من العقوبة, الخوف من التأثير على الشهود أو العبث بالأدلة....
و هي مبررات مرنة مما جعل القضاء يتوسع في استعمالها, الأمر الذي أدى بالمشرع إلى إيجاد نظام الرقابة القضائية كوسيلة للحد من اللجوء إلى الحبس المؤقت أو المبالغة فيه, إذ يمكن لهذا النظام تحقيق نفس الأهداف التي سيحققها حبس المتهم مؤقتا تماشيا مع قرينة البراءة التي يتمتع بها المتهم قبل الحكم النهائي ضده, و عليه يستلزم على قاضي التحقيق حين يمثل أمامه أحد المتهمين أن لا يسارع في إيداعه الحبس المؤقت قبل التأكد من إمكانية كفاية التزامات الرقابة القضائية لحسن سير التحقيق الجزائي.

ب‌- إذا كانت الأفعال المنسوبة للمتهم قد تعرضت لعقوبة الحبس أو عقوبة أشد:
نصت المادة 125 مكرر1 فقرة 1 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه: "يمكن قاضي التحقيق أن يأمر بالرقابة القضائية إذا كانت الأفعال المنسوبة للمتهم قد تعرضت إلى عقوبة الحبس أو عقوبة أشد".
يستفاد من نص المادة أنه لكي يستطيع قاضي التحقيق أو جهات الحكم المحال إليها الملف اللجوء إلى استعمال الرقابة القضائية, يجب أن تكون التهمة الموجهة للشخص المراد إخضاعه لهذا الإجراء عقوبتها الحبس أو عقوبة أشد.
و في هذا الصدد يثور التساؤل فيما إذا كانت الغرامة هي العقوبة المقررة للجريمة, فهل يمكن في هذه الحالة أن يوضع المتهم المرتكب لمخالفة أو جنحة معاقب عليها بالغرامة فقط تحت نظام الرقابة القضائية ؟
الإجابة تكمن في أنه إذا تبين أن الواقعة المتابع بها المتهم تشكل جنحة أو مخالفة معاقب عليها بالغرامة, فلا يكون المتهم خاضعا لنظام الرقابة القضائية و هو ما تؤكده المادة 125 مكرر1 من قانون الإجراءات الجزائية التي حصرت العقوبة في الحبس أو عقوبة أشد مستبعدة بذلك الغرامة. الإشكال يظهر أيضا في استعمال المشرع لعبارة "الحبس" و ذلك دون تطرق منه إلى تحديد مدته, و هو ما يقودنا إلى القول بإمكانية تطبيق الرقابة القضائية في مواد المخالفات على اعتبار أن الحبس من العقوبات المقررة فيها, و ذلك اعتمادا على نص المادة 5 فقرة 3 من قانون العقوبات التي تنص على أن: " العقوبات الأصلية في مادة المخالفات هي:
– الحبس من يوم واحد على الأقل إلى شهرين على الأكثر......."
فهل يمكن تطبيق الرقابة القضائية في مواد المخالفات ؟
ذهب الفقه إلى استبعاد تطبيق الرقابة القضائية في مواد المخالفات نظرا لبساطتها و تطبيقها على الجنح والجنايات.
و قد كان على المشرع أن يستبعد صراحة تطبيق الرقابة القضائية على مرتكبي المخالفات إزالة للغموض الذي جاء في نص المادة 125 مكرر1 من قانون الإجراءات الجزائية, إذ كان عليه حسب رأينا إضافة عبارة جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس أو الغرامة.
كما يطرح التساؤل حول إمكانية اللجوء إلى الرقابة القضائية في حالة الجنحة أو الجناية المتلبس بها؟
في رأينا, الرقابة القضائية هي إجراء يتسم بالمرونة و الليونة و يتلاءم مع كل الأوضاع إلى غاية تنفيذ الحكم, وعليه فإنه يمكن استعمالها في حالة الجريمة المتلبس بها باعتبار أن مجال تطبيقها واسع جدا يمتد إلى كل الحالات التي يتعرض فيها المتهم لتهمة عقوبتها الحبس أو عقوبة أشد, و هذا لحسن سير التحقيق.
2- الشروط الشكلية:
تنص المادة 125 مكرر1 من قانون الإجراءات الجزائية على ما يلي:"...يمكن قاضي التحقيق أن يأمر بالرقابة القضائية....تلزم الرقابة القضائية المتهم أن يخضع بقرار من قاضي التحقيق إلى التزام أو عدة التزامات...".
يستشف من نص هذه المادة بأن المشرع لم يحدد أي شكل خاص لأمر الوضع تحت الرقابة القضائية، و بالتالي فشأنه شأن كل الأوامر القضائية, التي يجب أن تشتمل على اسم المتهم و لقبه و مهنته و محل إقامته و التهمة المنسوبة إليه و تاريخ إصداره و إمضاء المحقق و خاتمه, كما ينبغي أن يؤشر على الأمر و كيل الجمهورية و أن يرسل بمعرفته.
و يمكن استخلاص الشروط الشكلية التالية:
– أن يصدر أمر الوضع على صفة أمر.
– تسبيب أمر الوضع تحت الرقابة القضائية.
– استشارة وكيل الجمهورية عند طلب المتهم وضعه تحت الرقابة القضائية.

أ- أن بصدر أمر الوضع على صفة أمر:
لقد نص المشرع في المادة السالفة الذكر أن الوضع تحت الرقابة القضائية يتم بموجب قرار "décision" في حين أن قاضي التحقيق يصدر أوامر و ليس قرارات, و في رأينا يرجع ذلك إلى سوء ترجمة نص المادة 125 مكرر1 من قانون الإجراءات الجزائية, إذ أن النص الفرنسي قصد كلمة قرار بالمعنى الأدبي و ليس المعنى القانوني وهذا ناتج عن عدم التدقيق في استعمال المصطلحات.
ب- تسبيب أمر الوضع تحت الرقابة القضائية:
هل يشترط التسبيب في أمر الوضع تحت الرقابة القضائية؟
و للإجابة عن هذا التساؤل نتعرض لما يلي:
- في ظل القانون 86-05:
بالرجوع إلى أحكام هذا القانون الذي أنشأ إجراء الرقابة القضائية, نجد أنها اشترطت التسبيب في الأمر بالوضع تحت الرقابة القضائية, و هو ما ورد في المادة 125 مكرر1 من قانون الإجراءات الجزائية التي نصت على أنه:" يجوز لقاضي التحقيق بأمر مسبب وضع المتهم تحت الرقابة القضائية..".
طبقا لهذا النص, يكون قاضي التحقيق ملزما ببيان الأسباب و الدوافع التي جعلته يلجأ إلى هذا الإجراء, باعتبار أن التسبيب أحد الضمانات الشكلية التي أوجبها القانون, فيجب حينئذ أن تكون هذه الأسباب منسجمة مع ضرورات التحقيق.
– في ظل القانون 90-24:
إن أحكام المادة 125 مكرر 1 من هذا القانون لم تلزم قاضي التحقيق بتسبيب أمره بالوضع تحت الرقابة القضائية، رغم أنه أجاز المشرع للمتهم أو لوكيله الطعن بالاستئناف في نص المادة 172 من قانون الإجراءات الجزائية التي جاء فيها ما يلي:" للمتهم أو وكيله الحق في رفع الاستئناف أمام غرفة الاتهام بالمجلس القضائي عن الأوامر المنصوص عليها في المواد..... 125 مكرر1 و 125 مكرر2.....".
فما غاية المشرع من عدم ذكر هذا شرط التسبيب؟.
في رأينا هذا يرجع لسببين هما:
- رغبة المشرع في إعطاء أكبر قسط من الحرية لقاضي التحقيق في اللجوء لاستعمال سلطته في إصدار الأمر بالوضع تحت الرقابة القضائية, و عدم تقييده بهذا الإجراء الشكلي ألا و هو التسبيب, الذي قد يؤثر عليه سلبا حيث يجعله يتردد في اتخاذه.
- التقليل من حدة الحبس المؤقت باعتبار الرقابة القضائية بديل له، و ذلك من أجل الحفاظ على حريات الأشخاص و تكريس مبدأ قرينة البراءة.
غير أن المشرع قد اشترط التسبيب في الأمر المتضمن تعديل التزامات الرقابة القضائية بالزيادة أو النقصان ،و هذا ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة 125 مكرر 1 من قانون الإجراءات الجزائية .

ج- استشارة وكيل الجمهورية عند طلب المتهم وضعه تحت الرقابة القضائية:
حتى يتسنى دراسة هذا الشرط، يجب التفرقة بين القانون رقم 90-24 و القانون رقم 01-08 المعدل و المتمم لقانون الإجراءات الجزائية.
- في ظل القانون رقم 90-24:
تنص المادة 125 مكرر2 من قانون الإجراءات الجزائية على ما يلي: " يأمر قاضي التحقيق بوضع تحت الرقابة القضائية سواء تلقائيا أو بطلب من وكيل الجمهورية أو بطلب من المتهم بعد استشارة وكيل الجمهورية".
تشترط المادة المذكورة أعلاه ضرورة استشارة وكيل الجمهورية أثناء إقدام قاضي التحقيق على إصدار أمر الوضع تحت الرقابة القضائية في حالة طلب المتهم من هذا الأخير إخضاعه لهذا الإجراء.
و من غير المنطقي أن يسعى المتهم إلى إخضاعه لإجراء الرقابة القضائية إذا كان في حالة إفراج، و بالتالي لا يمكن تصور توافر هذا الشرط إلا إذا كان المتهم محبوسا مؤقتا و قدم طلبا لقاضي التحقيق للإفراج عنه فيرفض ذلك وعندها يقدم طلب وضعه تحت الرقابة القضائية.
تعد استشارة وكيل الجمهورية ضرورية غير أن قاضي التحقيق غير ملزم بإتباع رأيه، فهذا الشرط شكلي الهدف منه إطلاع وكيل الجمهورية طبقا للقواعد العامة عن كل التصرفات التي لها أثر على سير التحقيق.
في رأينا, أن عدم إلزامية هذا الرأي يوضح رغبة المشرع في منح استقلالية لقاضي التحقيق لتوسيع العمل بالرقابة القضائية.
- في ظل القانون رقم 01-08:
لقد نصت المادة 125 مكرر 2 من قانون الإجراءات الجزائية على ما يلي: " يأمر قاضي التحقيق برفع la main levé" " الرقابة القضائية سواء تلقائيا أو بطلب من وكيل الجمهورية أو بطلب من المتهم بعد استشارة وكيل الجمهورية " .
يستشف من نص المادة أعلاه أن المشرع الجزائري إثر تعديله الأخير لقانون الإجراءات الجزائية أورد عبارة "رفع" بدلا من عبارة "وضع" والتي جاءت في قانون رقم 90-24، مما يجعل هذا الشرط الشكلي الذي مفاده ضرورة استشارة وكيل الجمهورية عند طلب المتهم بوضعه تحت الرقابة مستبعد. لاحظنا أن في النص العربي أورد المشرع في القانون رقم 90-24 عبارة " بوضع" أما في النص الفرنسي جاء بعبارة la main levé" " التي تعني " رفع اليد"، فهاتين العبارتين لا تؤديان نفس المعنى، و بما أن الدستور رجح النص العربي على النص الفرنسي لكون اللغة العربية هي اللغة الرسمية، فإن النص العربي هو الذي جرى العمل به إلى غاية تعديله بموجب القانون رقم 01-08.
و في الأخير نرى بأن المشرع لم يبق إلا على شرط شكلي واحد للوضع تحت الرقابة القضائية وهو صدور هذا الأمر من أهل الاختصاص، أما شرطي استشارة وكيل الجمهورية و التسبيب فلم يبق لهما أثر في تعديل 2001.

ثانيا:التزامات الرقابة القضائية:
بعد أن يتحقق القاضي المختص من توافر الشروط الموضوعية السابق ذكرها, يصدر أمرا بإخضاع المتهم لنظام الرقابة القضائية المتضمن عددا من الالتزامات القانونية الواجب احترامها, و التي حصرها المشرع في نص المادة 125مكرر1 من قانون الإجراءات الجزائية.
و بالرجوع إلى أحكام التشريع الجزائري في هذا الصدد, نجد أنه عند فرضه لهذه الالتزامات مر بمرحلتين أساسيتين هما:
-المرحلة الأولى:
تتمثل في إنشاء نظام الرقابة القضائية لأول مرة بمقتضى أحكام القانون رقم 86-05 المؤرخ في 04 مارس 1986, حيث جاءت أحكامه خالية من النص على التزامات الرقابة القضائية و اكتفت المادة 425 مكرر 2 بما يلي: " ..........تفرض هذه الرقابة على المتهم الخضوع إلى كل التدابير الأمنية أو الوقائية التي يراها قاضي التحقيق
ضرورية........ " و قد عد هذا النص بغموضه خطرا كبيرا يهدد الحريات الفردية و حقوق الدفاع, نظرا للسلطة الواسعة التي منحها للقضاة و التي تؤدي إلى تعسف ملحوظ يؤثر بشكل أو بآخر عليها, و يعد هذا فراغ قانوني في مجال الالتزامات أراد بعض الفقهاء استدراكه إذ اقترحوا أن يستعين قاضي التحقيق بالالتزامات التي يفرضها نظام الإفراج المشروط وخاصة منه المواد 185-186-187 من قانون إصلاح السجون و تطبيقها على الرقابة القضائية .
- المرحلة الثانية:
تميزت بصدور القانون رقم 90-24 المؤرخ في 18 أوت 1990 المعدل و المتمم لقانون الإجراءات الجزائية, بحيث حدد بموجب نص المادة 125 مكرر1 منه التزامات الرقابة القضائية التي يخضع لها المتهم و عددها ثمانية و هي كما يلي:
"......تلزم الرقابة القضائية المتهم أن يخضع بقرار من قاضي التحقيق إلى التزام أو عدة التزاما و هي كالتالي:
– عدم مغادرة الحدود الإقليمية التي حددها قاضي التحقيق إلا بإذن هذا الأخير.
– عدم الذهاب إلى بعض الأماكن المحددة من طرف قاضي التحقيق.
- المثول دوريا أمام المصالح أو السلطات المعينة من طرف قاضي التحقيق.
– تسليم كافة الوثائق التي تسمح بمغادرة التراب الوطني, أو ممارسة مهنة أو نشاط يخضع إلى ترخيص إما إلى أمانة الضبط أو مصلحة أمن يعينها قاضي التحقيق مقابل وصل.
– عدم القيام ببعض النشاطات المهنية عندما ترتكب الجريمة إثر ممارسة أو بمناسبة ممارسة هذه النشاطات و عندما يخشى من ارتكاب جريمة جديدة.
- الامتناع عن رؤية الأشخاص الذين يعينهم قاضي التحقيق أو الاجتماع ببعضهم.
- الخضوع إلى بعض إجراءات فحص علاجي حتى و إن كان بالمستشفى لاسيما بغرض إزالة التسمم.
- إيداع نماذج الصكوك لدى أمانة الضبط و عدم استعمالها إلا بترخيص من قاضي التحقيق.
يمكن قاضي التحقيق عن طريق قرار مسبب أن يضيف أو يعدل التزاما من الالتزامات المنصوص عليها في الفقرة السابقة ".
و بتحليل طبيعة هذه الالتزامات نجد أنها نوعين, نوع يتضمن فرض القيام ببعض الأعمال على المتهم و هو ما يسمى بالالتزامات الايجابية و نوع يفرض على المتهم عدم القيام ببعض الأعمال الأخرى و هو ما يعرف بالالتزامات السلبية والتي نتعرض لها فيما يلي:

yacine414
2011-02-25, 16:51
1- الالتزامات الايجابية:
نصت المادة 125 مكرر1 من قانون الإجراءات الجزائية على هذه الالتزامات في بنودها 3 و 4 و 7 كما يلي:
أ– مثول المتهم دوريا أمام المصالح أو السلطات المعينة من طرف قاضي التحقيق:
و هو ما نص عليه البند الثالث من المادة المذكورة أعلاه, و يقتضي هذا الالتزام أن يمثل المتهم الموضوع تحت الرقابة القضائية أمام الهيئات و الجهات التي يعينها قاضي التحقيق في أمر الوضع, و الهدف منه بقاء المتهم تحت تصرف العدالة و ضمان عدم هروبه أثناء إجراءات التحقيق, و ما يلاحظ أن المشرع لم يحدد صراحة هذه الجهات مثل نظيره الفرنسي إلا أنها عادة ما تكون أمين الضبط بالمحكمة أو أمانة النيابة العامة أو مصالح الشرطة أو الدرك .
عمليا يعتبر هذا الالتزام الأكثر شيوعا, و يتجسد هذا المثول بالإمضاء في سجل خاص موجود على مستوى أمانة التحقيق, حيث يثبت المتهم حضوره بموجب هذا الإجراء في الأوقات المعينة لذلك, ويبلغ قاضي التحقيق بكل تخلف عن الحضور أو الغياب الكلي.

ب– تسليم كافة الوثائق التي تسمح بمغادرة التراب الوطني أو ممارسة مهنة أو نشاط يخضع إلى ترخيص:
مفاد هذا الالتزام في شقه الأول هو سحب جواز السفر من المتهم لمنعه من الهروب خارج التراب الوطني, و هو من أخطر الالتزامات التي يخضع لها المتهم لما يشكله من قيد على حرية التنقل ,
وقد اعتبر بعض الشراح هذا الالتزام متعارضا مع حرية الشخص في الدخول إلى التراب الوطني والخروج منه , بما أنه ما يزال يتمتع بحقوقه المدنية و السياسية مادامت لم تثبت إدانته بعد, كما اعتبر القضاء الفرنسي هذا الالتزام غير كاف للحيلولة دون هروب المتهم .
أما الشق الثاني من البند الرابع يتضمن تسليم كافة الوثائق التي تسمح بممارسة مهنة أو نشاط يخضع إلى ترخيص, و الغرض من هذا الالتزام غامض و يحتمل قراءتين:
- فإما أن يكون هدف هذا الإجراء وقائيا و هو منع المتهم من استعمال البطاقات المذكورة فقط.
- و إما أن يكون الهدف منه منع ممارسة مهنة وفي هذه الحالة يكون هذا الالتزام متداخلا مع ما ورد في البند الخامس بعنوان الامتناع عن ممارسة بعض الأنشطة المهنية .
و في رأينا كان من الأجدر أن يقتصر هذا الالتزام على سحب جواز السفر فقط باعتبار أنه يمكن للمتهم من الهروب خارج الوطن, أما باقي الوثائق المتعلقة بالهوية فإن سحبها منه يشكل عائقا صعبا في حياته اليومية, فضلا على أنه يضعه في موضع الريبة و الشك أمام المجتمع وهو لازال شخصا بريئا.
و على خلاف الالتزام السالف الذكر, حدد المشرع هذه المرة الجهة التي تسلم إليها وثائق السفر و هي: كتابة الضبط أو مصالح الأمن التي يعينها قاضي التحقيق مقابل وصل, ويرى البعض أن هذا الأخير يجب أن يكون خاليا من أية إشارة خاصة باتهامه و أن يصرح فيه بأن له نفس قيمة وثائق الهوية .

ج– الخضوع إلى فحص طبي لاسيما بغرض إزالة التسمم:
وفقا للبند السابع من المادة السالفة الذكر, يجوز لقاضي التحقيق إخضاع المتهم لفحوصات طبية أو لعلاج معين, قصد تخليصه من الأمراض ولو اقتضى الأمر إدخاله إلى المستشفى, خاصة إذا كان الهدف من ذلك إزالة التسمم في حالة الإدمان على الكحول أو المخدرات.
إن هذا الالتزام يمكن من إزالة الخطورة الإجرامية الكامنة في المتهم عن طريق إخضاعه لبرنامج علاجي محدد الهدف منه إعادة إدماجه في المجتمع.
يتكفل قاضي التحقيق باختيار المؤسسة الإستشفائية, كما يجوز له أن يمنح حرية الخيار للمتهم بغرض التأثير إيجابا على نفسيته, لكن المشكل المطروح عمليا هو عدم توفر المراكز المتخصصة لإزالة التسمم في جميع ولايات الوطن, بل يقتصر ذلك على المدن الكبرى التي بدورها تواجهها مشكلة نقص الإمكانيات و الإطارات المتخصصة, و هذا ما يجعل هذا الالتزام يفرغ من محتواه ويعجز عن تحقيق الفائدة منه.

2- الالتزامات السلبية:
وردت هذه الالتزامات في البنود: 1 و2 و5 و6 و8 من المادة 125 مكرر1 من قانون الإجراءات الجزائية و تتمثل فيما يلي:
أ– عدم مغادرة حدود إقليمية معينة:
نصت الفقرة 1 من المادة 125 مكرر1 من قانون الإجراءات الجزائية على هذا الالتزام: " عدم مغادرة الحدود الإقليمية التي حددها قاضي التحقيق إلا بإذن هذا الأخير ", وقد شرع هذا الالتزام من أجل عدم هروب المتهم و بقاءه تحت تصرف العدالة, إذ عليه ألا يبارح الأماكن التي بينها له قاضي التحقيق في أمره المتعلق بالوضع تحت الرقابة القضائية, و إذا دعت الضرورة المستعجلة وجوب مغادرته فعليه أن يحصل على إذن بذلك من قاضي التحقيق.
يعد هذا الالتزام الأكثر شيوعا في الاستعمال التطبيقي للرقابة القضائية نظرا لما يحققه من أهداف يتطلبها سير التحقيق و الدعوى الجزائية بصفة عامة.

ب- عدم الذهاب إلى أماكن محددة:
يجوز لقاضي التحقيق منع المتهم من الذهاب إلى أماكن محددة طبقا لما نص عليه البند الثاني من المادة المذكورة أعلاه, هذا بهدف المحافظة على آثار وأدلة الجريمة و عدم طمس معالمها من جهة و من جهة أخرى الحيلولة دون ارتكاب جرائم جديدة من خلال التردد على أماكن مشبوهة مثل الحانات ومحلات لعب القمار وغيرها.

ج- الامتناع عن ممارسة بعض الأنشطة المهنية:
نص البند الخامس من المادة 125 مكرر1 من قانون الإجراءات الجزائية على هذا الالتزام بقوله:" عدم القيام ببعض النشاطات المهنية عندما ترتكب الجريمة اثر ممارسة أو بمناسبة ممارسة هذه النشاطات و عندما يخشى من ارتكاب جريمة جديدة ".
من خلال تحليل هذه المادة يتضح أن المشرع منح لقاضي التحقيق سلطة منع المتهم الموضوع تحت الرقابة القضائية من ممارسة نشاطه المهني, و ذلك إذا ما ارتكبت الجريمة بسبب الوظيفة أو أثناء ممارستها خوفا من ارتكاب جرائم جدد في هذا الوسط المهني.
إن هذا الالتزام يهدف إلى منع العودة للجريمة, إذا ما ترك المتهم في محيطه المهني بسبب تأثير بعض الأشخاص الذين وقعت الجريمة بسببهم أو باستعمال وسائل المهنة أثناء الممارسة, و هذا ما قضت به الغرفة الجنائية بمحكمة النقض الفرنسية في قرار لها بتاريخ 14-03-1978 إذ أيدت غرفة الاتهام عندما رفضت رفع اليد عن إجراء المنع بممارسة أي نشاط له صلة بصناعة المتفجرات أو منتجات تدخل في تركيبها, لأن الجريمة المتابع من أجلها المتهم تشكل جرائم قتل و جروح غير عمدية ناتجة عن حوادث خطيرة و متعاقبة من مصنع صناعة المتفجرات الذي يديره المتهم الذي يشغل منصب المدير الفني لمصنع الذخيرة.
و يجب على قاضي التحقيق إذا ما قضى بهذا الالتزام أن يثبت العلاقة بين النشاطات المهنية المحظورة و الجريمة المترتبة عنها المتابعات, و هذا ما قضت به محكمة النقض الفرنسية في قرار لها صادر بتاريخ 19 فيفري 1973.

د- عدم الاتصال بالغير:
لقد نص البند السادس من المادة 125 مكرر1 من قانون الإجراءات الجزائية: " الامتناع عن رؤية الأشخاص الذين يعينهم قاضي التحقيق أو الاجتماع ببعضهم", ويهدف هذا الإجراء أساسا إلى منع المتهم من الاتصال بشركائه في الجريمة وكدا بالشهود
و يثير هذا الالتزام صعوبة من الناحية العملية خاصة في المدن الكبرى أين يكثر الازدحام و معه يصعب التأكد من تنفيذه و عدم مخالفته, وقد أقر الاجتهاد القضائي أنه تطبيقا لهذا الالتزام يمكن لقاضي التحقيق منع المتهم من حضور الاجتماعات السياسية بما فيها تلك التي يعقدها الحزب الذي ينتمي إليه.

هـ– الامتناع عن إصدار شيكات:
وفقا للبند الثامن من المادة السالفة الذكر يمنع على المتهم استعمال الشيكات التي بحوزته و القيام بعملية السحب إلا بإشراف من قاضي التحقيق, و يتم ذلك بإيداع نماذج الصكوك لدى أمانة ضبط المحكمة, و يهدف هذا الالتزام إلى منع المتهم من التصرف في أمواله حفاظا على عدم إعساره و لتفادي إصدار شيك بدون رصيد.
وقد أضافت اللائحة الملحقة بقانون الإجراءات الجنائية الفرنسي المستوحى منه قانون الإجراءات الجزائية الجزائري أنه على قاضي التحقيق الذي يأمر بهذا الالتزام إخطار فرع البنك الذي يحتفظ فيه المتهم بحساباته, أو المؤسسة التي يقوم هذا الأخير بإدارتها, أو الشخص الذي يدير المتهم أعماله , و نرى في ذلك تعميم للفائدة و حسن تطبيق للرقابة القضائية.
و ما يلاحظ على الالتزامات المذكورة هو أنها لم تتضمن مجموعة من الالتزامات الأخرى التي وردت في التشريعات المقارنة لاسيما منها الفرنسي, نذكر منها على وجه الخصوص: حظر مغادرة محل الإقامة أو المسكن, الامتناع عن حمل السلاح و حيازته, الامتناع عن السياقة, رغم ما لهذه الالتزامات من أهمية عملية و ما تحققه من أغراض قانونية.

و من خلال دراستنا لمجمل الالتزامات التي وضعها المشرع في نص المادة 125 مكرر1 من قانون الإجراءات الجزائية, يتبين لنا أنه على قاضي التحقيق عند إصداره لأمر الوضع تحت نظام الرقابة القضائية مقيدا بذلك حرية المتهم بالتزام أو أكثر وخاصة السلبية منها أن يبحث عن الصلة بين كل من الجريمة و المنع, لكن لم تنص صراحة على وجوب تبيانه في فحوى أمره, و بذلك فأن المشرع الجزائري قد منح سلطة تقديرية واسعة لقاضي التحقيق فيما يخص اختيار الالتزام الذي يراه مناسبا للمتهم و يمكن تأويل نيته بالرغبة في تشجيع تطبيق الرقابة القضائية على الأشخاص المتهمين بدلا من إيداعهم الحبس المؤقت.
ضوابط اختيار الالتزامات:
يتمتع قاضي التحقيق بسلطة تقديرية واسعة في مجال اختيار الالتزام الذي يراه مناسبا للمتهم الذي اخضع لإجراء الرقابة القضائية, دون أن يملك إخضاعه لالتزامات لم ينص عليها القانون و هذا احتراما لمبدأ الشرعية الجنائية.
وقد استنبط الفقه بعض الضوابط أو المعايير التي يسترشد بها قاضي التحقيق أثناء اختياره للالتزام الذي سوف يطبقه على المتهم, و أغلبها مستوحاة من طبيعة وخطورة الجريمة المرتكبة و كذا شخصية المتهم و ظروفه كما يلي:

1– شخصية المتهم:
تعتبر شخصية المتهم العامل الأساسي الذي يرتكز عليه قاضي التحقيق أثناء اختياره للالتزامات التي يراها مناسبة للمتهم, و عليه وجب الإلمام بجميع جوانبها منها التكوين الثقافي و العلمي و النفسي و الإنتماء الأسري و الاجتماعي و الوسط المهني و الوضع المادي.
ويستعين قاضي التحقيق في ذلك بمحاضر الضبطية القضائية وإجراءات التحقيق و البحث الاجتماعي الذي قد يجرى حول المتهم.
ويرى بعض فقهاء القانون الجنائي, أنه من باب أولى الإطلاع على المتهم و أحواله المتعددة لإخضاعه للالتزام الملائم الذي قد يساهم في تقديم مساعدة أكيدة له تمكنه من إعادة إدماجه في المجتمع من جهة, و من جهة أخرى تسهل عملية الرقابة على سلوكه.
2–الجريمة المرتكبة:
تفيد طبيعة الجرم المرتكب في تعيين الالتزام المناسب الذي يكون من شأنه تفادي تكرار وقوع الفعل حسب ما تقتضيه مصلحة التحقيق, فإذا كانت الوقائع تشكل جريمة إصدار شيك بدون رصيد يمكن للقاضي أن يسحب من المتهم دفتر الشيكات و يطلب من البنك عدم تسليمه نسخة للوقوف دون قيامه بالفعل مرة أخرى في انتظار محاكمته.
3 – الوسط الاجتماعي:
يعتبر الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه المتهم من بين العوامل الأساسية التي يستعين بها قاضي التحقيق في اختيار الالتزام المناسب له, و هذا نظرا لما له من تأثير على سلوك الفرد سواء بالسلب أو الإيجاب, فالإنسان ابن بيئة.
4– دوافع ارتكاب الجريمة:
لقد أثبتت الدراسات الاجتماعية و النفسية أن للجرائم المرتكبة بواعث و أسباب متنوعة, فمنها الأسباب العاطفية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية و غيرها.
إن معرفة هذه البواعث و الدوافع يسهل كثيرا من عمل قاضي التحقيق في اختيار التزامات الرقابة القضائية, التي تحقق الأهداف المرجوة منها سواء كانت أهداف وقائية و علاجية أو رقابية.
و مما سبق, يتضح أن تقيد قاضي التحقيق بهذه الضوابط و المعايير يعد ضروريا في اختياره للالتزام المناسب للمتهم و خاصة في العصر الحالي لضمان نجاعة الالتزامات المفروضة و تقليص دائرة الإجرام, مع التذكير أن الحرية التي منحت للقاضي في اختيار الالتزامات يحكمها ضابطين أساسيين هما:
- ألا تمس هذه الالتزامات بالكرامة الإنسانية.
- ألا تمس بمبدأ الشرعية.
إن موضوع اختيار الالتزامات من طرف قاضي التحقيق يفرض إعادة النظر في تكوين القضاة الجنائيين, حتى تتوافق مع النظرة الحديثة التي ترى ضرورة للفحص العلمي لشخصية الجاني و المتهم, و لهذا يتوجب إيجاد قضاة متخصصين لديهم إلمام بمعطيات العلوم الإنسانية كعلم النفس و علم العقاب و علم الإجرام و علم الأمراض العقلية الجنائي و غيرها.
- تعديل التزامات الرقابة القضائية و جزاء مخالفتها:
يحدد القاضي الالتزام أو الالتزامات المفروضة في كل قضية على حدا مستندا في ذلك إلى عدة معايير, فإذا تبين له عدم كفاية الالتزام أو عدم ملاءمته أو لاحظ عدم تقيد المتهم به يمكنه تعديله أو إضافة التزامات أخرى, كما يمكنه حبس المتهم مؤقتا و هذا ما سوف نتعرض له بالتفصيل:
1 – تعديل التزامات الرقابة القضائية:
تنص المادة 125 مكرر1 فقرة 3 من قانون الإجراءات الجزائية: " يمكن قاضي التحقيق عن طريق قرار مسبب أن يضيف أو يعدل التزاما من الالتزامات المنصوص عليها في الفترة السابقة ".
لقد منح المشرع الجزائري لقاضي التحقيق سلطة وصلاحية تعديل الالتزامات المفروضة على المتهم بموجب أحكام الرقابة القضائية, و يكون ذلك إما بحذف التزامات أو إضافة البعض منها دون الإخلال بمبدأ الشرعية, و علة ذلك هي ظهور معطيات جديدة حول سلوك المتهم التي تستدعي تعديل الالتزامات الخاضع لها, سواء بعدم فعالية بعضها مما يؤدي إلى إلغائها أو بضرورة فرض أخرى إضافية لم يتضمنها أمر الوضع, و هذا كله بغرض جعل نظام الرقابة القضائية أكثر فعالية.
وقد أوجب قانون الإجراءات الجزائية على قاضي التحقيق إذا ما قرر تعديل الالتزامات المفروضة على المتهم أن يسبب قراره فيبين الأسباب التي دفعته لإجراء مثل هذا التعديل, و بهذا الشرط يجعل قضاه التحقيق يتحققون جيدا من جدوى الالتزام المقرر اللجوء إليه, و يمكن لهم في هذه المسالة الاستعانة بالهيئات و الأشخاص المؤهلة لمراقبة المتهم طيلة خضوعه لإجراء الرقابة القضائية, حيث يقدم هؤلاء تقارير دورية عن سلوك المتهم و مدى تجاوبه مع الالتزامات التي ألزمه بها قاضي التحقيق.
بموجب نص المادة 125 مكرر1 فقرة 3 من قانون الإجراءات الجزائية فإن قاضي التحقيق وحده يتمتع بسلطة تقديرية في تعديل الالتزام, عكس المشرع الفرنسي الذي يمنح إمكانية طلب التعديل من طرف المتهم أو محاميه أو من النيابة العامة, في حين أنه منح قاضي التحقيق مطلق السلطة في اتخاذ مثل هذا القرار إذ لم يلزمه بتسبيبه على خلاف المشرع الجزائري.
و في إعتقادنا أن الرأي الصائب هو ما دهب إليه المشرع الجزائري إذ بمنحه سلطة تقديرية واسعة لقاضي التحقيق دون تمكين الأطراف الأخرى من طلبه, راجع إلى وضع ثقة كبيرة في تقديره و نظرته الموضوعية للقضية و في نفس الوقت إلزامه بتسبيب قراره لتمكين مراقبته.
إن إجراء التعديل يهدف إلى البحث عن أفضل الوسائل التي تؤدي إلى علاج المتهم أو وقايته, و هنا تبرز التزامات الرقابة القضائية كإجراء يهدف للمساعدة التربوية و الاجتماعية و كذا إلى الحفاظ على الأمن العام و حماية مصالح المجتمع.
2 – مخالفة المتهم لالتزامات الرقابة القضائية:
يقتضي بقاء المتهم خاضعا لإجراء الرقابة القضائية أن يلتزم بالقيود المفروضة عليه من طرف قاضي التحقيق, فإن قام بمخالفتها فيمكن أن تكون عواقبها وخيمة, و في هذا الصدد نصت المادة 123 من قانون الإجراءات الجزائية المعدل بقانون رقم 01-08"...لا يمكن أن يؤمر بالحبس المؤقت أو أن يبقى عليه إلا إذا كانت التزامات الرقابة القضائية غير كافية في الحالات الآتية:.......
4–عندما يخالف المتهم من تلقاء نفسه الواجبات المترتبة على إجراءات الرقابة القضائية المحددة لها"
و ما يلاحظ على هذه المادة أن المشرع تفطن للخطأ اللغوي الذي كان موجودا في المادة 123 المعدلة بالقانون رقم 90-24 التي أوردت عبارة: ".... الواجبات المترتبة عن الإجراءات الرقابية القضائية المحددة لها."
كما أنه كان من الأجدر أن يكون هذا النص ضمن المواد المتعلقة بالرقابة القضائية كما كان ذلك في ظل القانون رقم 86-05 و ليس المادة 123 التي تتعلق بتنظيم إجراء الحبس المؤقت.
و ما يمكن استنتاجه من هذه المادة, أن المتهم إذا خالف طواعية التزامات الرقابة القضائية فإن قاضي التحقيق يستطيع إيداعه الحبس المؤقت كجزاء له إلا إذا أثبت المتهم أن هناك أسباب قاهرة اضطرته لذلك, في هذه الحالة فإن قاضي التحقيق يملك سلطة تقديرية في إعفاءه من الجزاء.
و مع ذلك يجب الإشارة أن قانون الإجراءات الجزائية قبل تعديله بموجب القانون رقم 90-24 كان أكثر تعبيرا و صراحة, إذ نص على عنصر العمد في مخالفة الالتزامات و بذلك حدد معيار يستند عليه القاضي في تقديره.
و السؤال الذي يطرح نفسه: من هي الجهات التي يعهد لها تطبيق الرقابة القضائية حتى تحقق فعاليتها, هذا ما سوف نتعرض له فيما يلي:

الجهات المشرفة على تنفيذ الرقابة القضائية:
إن قاضي التحقيق لا يستطيع بمفرده مراقبة سلوك المتهم, و تقييم مدى خضوعه للالتزامات التي فرضها عليه أو مخالفته لها خاصة تلك المتعلقة بفرض قيود على التنقل أو الاتصال ببعض الأفراد, خصوصا في المدن و الضواحي الكبرى التي تكثر فيها السكان و المارة و لهذا من المفروض أن يندب لذلك أشخاص أو هيئات تنحصر مهمتهم في متابعة تنفيذ المتهم لالتزامات الرقابة القضائية, مع منحهم الإمكانيات المادية و غيرها للقيام بهذه المهمة التي تساهم في استئصال مظاهر الإجرام من المجتمع و تساعد الأشخاص على الاندماج الاجتماعي, و يقومون بتقديم التقارير الدورية لقاضي التحقيق عن سيرة المتهم طيلة مدة الرقابة القضائية و على أساسها يقوم بتعديل الالتزامات المفروضة عليه.
و يقترح الفقه أن تقوم بمهمة الإشراف على الرقابة القضائية الهيئات الآتية:
- قلم كتاب المحكمة.
- رجال الشرطة و الدرك.
- سكرتارية النيابة العامة.
- الأشخاص و الهيئات التي تتخصص في رعاية الأشخاص المنحرفين.
فبالنسبة للشرطة و الدرك فقد نص عليهم قانون الإجراءات الجزائية, إذ يقع عليهم واجب المساهمة في الرقابة القضائية من خلال مراقبة مثول المتهم أمامهم دوريا.
و هنا يمكن الاستفادة من تجربة الرقابة القضائية الاجتماعية التربوية في فرنسا, و التي أوجدت العديد من الهيئات المتمثلة في الجمعيات التي تختص في العمل الاجتماعي, و منها أساسا رعاية المتهمين الموضوعين تحت الرقابة القضائية مكونة من أشخاص مؤهلين لهذا العمل من مختلف التخصصات, سواء الأطباء النفسانيين أو المتخصصين في علم الاجتماع و هو ما يطلق عليهم باسم: " المراقبين القضائيين ".
بإطلاعنا على أحكام قانون الإجراءات الجزائية الخاصة بالرقابة القضائية, تبين لنا أن المشرع لم يتعرض للجهات المكلفة بالإشراف على تنفيذ التزامات الرقابة القضائية, حيث جاء في البند الثالث من المادة 125 مكرر1:"المثول دوريا أمام المصالح أو السلطات المعينة من طرف قاضي التحقيق", فهذا البند جاء عام و بالتالي فإن تعيين هذه الجهات يخضع للسلطة التقديرية لقاضي التحقيق.
و في الأخير فإننا ندعو المشرع الجزائري للإقتداء بالتشريعات المقارنة و القيام بإنشاء الجمعيات مع التكفل بها ماديا, إذ أن الجزائر تتوفر على طاقة بشرية معتبرة في هذا المجال الاجتماعي من مختصين في علم النفس التربوي و أطباء نفسانيين و اجتماعيين و غيرهم, مع إخضاع عمل هذه الجمعيات لرقابة الجهاز القضائي بتوفير فرص التكوين و التدريب لأعضائها حتى يؤدوا عملهم بإتقان في مراقبة و مساعدة المتهمين الذين يخضعون لنظام الرقابة القضائية.
المطلب الثاني: إجراءات الرقابة القضائية:
نتطرق في هذا المطلب إلى كل من الجهات المختصة بإصدار أمر الوضع تحت الرقابة القضائية, و مدتها و كذا الرقابة عليها.
الفرع الأول: الجهات المختصة بإصدار أمر الوضع تحت الرقابة القضائية:
لقد نظم قانون الإجراءات الجزائية الاختصاص حسب تدرج سير الدعوى الجزائية في أحكام المواد 125 مكرر2 و 125 مكرر3, و بين الجهات المؤهلة و المختصة التي يمكن لها إصدار أمر الوضع تحت الرقابة القضائية و طبقا لهذه النصوص فإن الجهات المختصة بإصدار أمر الوضع تحت الرقابة القضائية تتمثل في كل من قاضي التحقيق, غرفة الاتهام, قضاء الحكم.
أولا: قاضي التحقيق:
يعتبر قاضي التحقيق الجهة المختصة بإصدار أمر الوضع تحت الرقابة القضائية, فهو الذي يتولى فرض الالتزامات المنصوص عليها قانونا على المتهم و هذا ما نصت عليه المادة 125 مكرر1 من قانون الإجراءات الجزائية: "يمكن قاضي التحقيق أن يأمر بالرقابة القضائية إذا كانت الأفعال المنسوبة للمتهم قد تعرضت لعقوبة الحبس أو عقوبة أشد ....".
يستشف من نص المادة بأن المشرع منح سلطة تقديرية واسعة لقاضي التحقيق في مجال إصدار أمر بوضع المتهم تحت الرقابة القضائية, إذا تبين له من ظروف الملف و ملابساته و شخصية الفاعل و نوع الجريمة المرتكبة أن الحبس المؤقت ليس ضروري لحسن سير إجراءات التحقيق, لأنه غالبا ما يكون أدرى بملف القضية و أقرب إلى شخص المتهم.
غير أن هذه السلطة التقديرية ليست على إطلاقها, فتخضع للشروط التي حددها قانون الإجراءات الجزائية, ومنها أن تكون الجريمة المرتكبة معاقب عليها بالحبس أو عقوبة أشد, فلا يمكن أن تطبق الرقابة القضائية إذا كانت العقوبة غرامة مالية فقط, أو كانت الجريمة المرتكبة مخالفة.
كما يختص قاضي التحقيق بالوضع تحت الرقابة القضائية إما من تلقاء نفسه, أو بطلب من وكيل الجمهورية, أو بناء على طلب من المتهم, غير أن الحالة الأخيرة لا يمكن تصورها إلا عندما يكون المتهم محبوسا مؤقتا و يقدم طلبا بنفسه أو بواسطة محاميه من أجل الإفراج عنه فلا يستجاب لطلبه, فهنا لم يبق أمامه إلا باب واحد هو طلب وضعه تحت الرقابة القضائية.
ثانيا :غرفة الاتهام :
باعتبار غرفة الاتهام جهة ثانية للتحقيق، لها سلطة مراقبة أعمال قاضي التحقيق, حيث يمكنها طلب إجراء تحقيق تكميلي, أو إعادة التحقيق في جوانب معينة من القضية، كما أنها تعتبر جهة استئناف بالنسبة للطعون التي ترد ضد أوامر قاضي التحقيق .
و تختص غرفة الاتهام بالنظر في الأوامر المتعلقة بالرقابة القضائية، وذلك في حالة طلب وكيل الجمهورية أو المتهم أو وكيله وضعه تحت الرقابة القضائية إذا رفض قاضي التحقيق ذلك أو لم يفصل فيه خلال أجل خمسة عشر (15 ) يوما من يوم تقديمه، في أجل عشرين (20) يوما من تاريخ رفع الطلب أمامها للفصل فيه وهذا وفقا لما نصت عليه المادة 125 مكرر 2 من قانون الإجراءات الجزائية.
و ما تجدر ملاحظته، أن المشرع لم يضع نص يحدد فيه جزاء مخالفة غرفة الاتهام لأجل عشرين (20) يوما كما هو عليه الحال في موضوع الحبس المؤقت أين يتعين عليها إصدار قرارها في أجل لا يتأخر عن عشرين (20) يوما من تاريخ استئناف الأوامر المنصوص عليها في المادة 172 من قانون الإجراءات الجزائية و إلا أفرج عن المتهم تلقائيا ما لم يتقرر إجراء تحقيق إضافي.
و هذا يعد هذا إغفالا من المشرع يتعين تداركه، و بما أنه لا يجوز القياس إطلاقا في المواد الجزائية فلا يمكن تطبيق نص المادة 172 من قانون الإجراءات الجزائية لتعلقها بالحبس المؤقت لا بالرقابة القضائية، و عليه نرى أنه في هذه الحالة لا يمكن رفع الرقابة القضائية تلقائيا.
وإذا فصلت غرفة الاتهام في الطلب المتعلق بالرقابة القضائية، فهل تكتفي بإصدار قرار الوضع دون تحديد الالتزامات التي تفرض على عاتق المتهم أو تترك ذلك لقاضي التحقيق، أو أنها تحدد الالتزامات التي يخضع لها المتهم ثم تحيل الملف لقاضي التحقيق للتنفيذ ؟
المشرع لم يجب عن هذا التساؤل و في غياب النصوص التي توضح ذلك, فإنه بالرجوع إلى القرارات الصادرة عن المجالس القضائية تجدها متدبدبة في الرأي إذ أنه في قرار لغرفة الاتهام لمجلس قضاء المسيلة المؤرخ في 22-10-1991 قضى بالإفراج عن المتهم و تكليف قاضي التحقيق بوضعه تحت الرقابة القضائية و تحديد له الالتزامات التي يتعين فرضها عليه, أما مجلس قضاء باتنة في قرار صادر عن غرفة الاتهام بتاريخ 11-09-2001 تحت رقم 637-2001 قضى بوضع المتهم تحت الرقابة القضائية مع تحديد الالتزامات المفروضة عليه.
كما يمكن لغرفة الاتهام تعديل الالتزامات التي وضعها قاضي التحقيق سواء بالزيادة أو بالنقصان
و تجدر الإشارة بأن القرارات الصادرة عن غرفة الاتهام و المتعلقة بالرقابة القضائية لا يمكن الطعن فيها بالنقض طبقا لنص المادة 495 من قانون الإجراءات الجزائية.
ثالثا:قضاء الحكم:
تنص المادة 125 مكرر3 من قانون الإجراءات الجزائية على ما يلي:"... و في حالة إحالة المتهم أمام جهة الحكم تبقى الرقابة القضائية قائمة إلى أن ترفعه الجهة القضائية المعنية.
وفي حالة ما إذا أجلت الحكم في القضية إلى جلسة أخرى أو أمرت بتكملة التحقيق، يمكن هذه الأخيرة إبقاء المتهم أو الأمر بوضعه تحت الرقابة القضائية ".
يجيز المشرع وفقا لنص هذه المادة في فقرتها الأولى لهيئة المحكمة أن يكون لها دور في مجال الرقابة القضائية، و يكون ذلك في حالة إحالة المتهم أمامها للحكم عليه فإن كان موضوعا تحت الرقابة القضائية من قبل لها أن تبقيه أو تغير ذلك بتعديل الالتزامات المفروضة عليه وذلك حسب التطورات التي تلاحظها على شخصية المتهم و الدعوى المرفوعة أمامه.
كما يؤول الاختصاص للمحكمة في ميدان الرقابة القضائية حسب الفقرة الثانية من نفس المادة إذا لم تفصل هذه الأخيرة في القضية و قررت تأجيلها إلى تاريخ آخر أو رأت أن تأمر بإجراء تحقيق تكميلي في جوانب معينة، فيمكنها أن تبقي المتهم تحت الرقابة القضائية إذا أحيل و هو خاضع لهذا الإجراء أو تأمر بوضعه تحت الرقابة القضائية، و هنا تتمتع المحكمة بنفس الصلاحيات والاختصاصات التي يمارسها قاضي التحقيق إذ عليها قبل فرض أي التزام على المتهم أن تراعي الضوابط الضرورية لذلك.
ولذلك يرى بعض الشراح أن إسناد سلطة إصدار أمر الوضع تحت الرقابة القضائية للمحكمة لا جدوى منه، لأن قاضي التحقيق قد اختبر المتهم فلو كانت هناك ضرورة لفرض عليه التزامات الرقابة القضائية لقام بذلك، و من ثمة يستحسن حسب هذا الرأي أن يستبعد الأمر بالرقابة القضائية من مجال اختصاصات المحكمة, هذا ما لاحظناه من الناحية العملية إذ نادرا ما تلجأ المحكمة إلى هذا الإجراء.
الفرع الثاني: مدة الرقابة القضائية و نهايتها:
بعد تطرقنا إلى الجهات المخولة لها إصدار أمر الوضع تحت الرقابة القضائية, سنتناول موضوع دخول هذا الأمر حيز التنفيذ و سريانه إلى غاية انتهائه, ففي هذا الصدد نصت المادة 125 مكرر3 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه:" تدخل الرقابة القضائية حيز التطبيق ابتداء من التاريخ المحدد في القرار الصادر عن جهة التحقيق, و تنتهي بإجراء قضائي بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى و في حالة إحالة المتهم أمام جهة الحكم, تبقى الرقابة القضائية قائمة إلى أن ترفعه الجهة القضائية المعنية.
و في حالة ما إذا أجلت الحكم في القضية إلى جلسة أخرى أو أمرت بتكملة التحقيق يمكن هذه الأخيرة إبقاء المتهم أو الأمر بوضعه تحت الرقابة القضائية."
فعلى ضوء هذا النص, سندرس أولا مدة الرقابة القضائية, و ثانيا انتهائها.

أولا: مدة الرقابة القضائية:
من خلال أحكام المادة 125 مكرر3 السالفة الذكر, و بالخصوص ما جاء في فقرتها الأولى التي نصت على أنه: " تدخل الرقابة القضائية حيز التطبيق ابتداء من التاريخ المحدد في القرار الصادر عن جهة التحقيق..".
فإنه يتبين لنا أن المشرع الجزائري لم يضع مدة محددة لإجراء الرقابة القضائية, و إنما اكتفى بالنص على كونها تسرى من التاريخ المحدد في الأمر الصادر عن قاضي التحقيق.
و عمليا فإن هذا الأمر يبلغ شفاهة للمتهم من طرف قاضي التحقيق حيث يفترض أن يكون المتهم ماثلا أمامه سواء بواسطة استدعاء أو بموجب أمر ضبط و إحضار.
ومبدئيا تدوم الرقابة القضائية مدة سير التحقيق, فيمكن لقاضي التحقيق رفعها تلقائيا أو بطلب من وكيل الجمهورية أو بطلب من المتهم بعد استشارة هذا الأخير وفقا لأحكام المادة 125 مكرر2 من قانون الإجراءات الجزائية, غير أنه يمكن أن تستمر في حالة إحالة المتهم أمام جهة الحكم إلى غاية رفعها من قبل هذه الأخيرة.
كذلك في حالة تأجيل الحكم في القضية أو إذا أمرت جهة الحكم بإجراء تحقيق تكميلي فإنه يمكن لهذه الأخيرة إما إبقاء المتهم أو وضعه تحت الرقابة القضائية طبقا للفقرة الثانية من المادة 125 مكرر3 من قانون الإجراءات الجزائية.
و بالتالي نستخلص أن الرقابة القضائية تسري ابتداء من التاريخ الوارد في الأمر بالوضع الصادر عن قاضي التحقيق إلى غاية مثول المتهم أمام جهة الحكم.
إذا لم يقم برفعها قاضي التحقيق يرجع ذلك إلى جهة الحكم التي لها إمكانية الأمر بوضع المتهم تحت الرقابة القضائية في حالة تأجيل الحكم في القضية إلى جلسة و الأمر بإجراء تحقيق تكميلي.
و تجدر الإشارة أن المشرع لم يغير من موقفه فيما يخص عدم تحديد مدة الرقابة القضائية عند تعديله لقانون الإجراءات الجزائية, إذ أجاز لقاضي التحقيق رفع الرقابة القضائية في أي وقت سواء من تلقاء نفسه أو بطلب من وكيل الجمهورية أو بطلب من المتهم, وهذا ما يدفع بنا إلى القول أن المشرع تعمد ذلك على خلاف ما هو عليه الحال في الحبس المؤقت , بغية عدم تقييد قاضي التحقيق بمهلة معينة قد تؤدي لو فرضت عليه في آخر المطاف إلى عرقلة حسن سير التحقيق.

ثانيا:انتهاء الرقابة القضائية:
من خلال الأحكام الواردة في المادتين 123 و 125 مكرر3 من قانون الإجراءات الجزائية, يتبين لنا أن الرقابة القضائية تنتهي إما بصدور أمر بانتفاء وجه الدعوى أو برفعها من قبل جهة الحكم, أو باستبدالها بالحبس المؤقت, إلا أن الحال لم يكن كذلك في ظل القانون رقم 86-05 الذي نص في المادتين 125 مكرر1 و 125 مكرر3 منه على انتهاء الرقابة القضائية برفع اليد عنها أو استبدالها بالحبس المؤقت.
و عليه فإننا سنتطرق إلى انتهاء الرقابة القضائية في ظل القانونين رقم 86-05 و القانون رقـم 90-24.

1– في ظل القانون رقم 86-05:
كما سبق الإشارة إليه, فإن القانون رقم 86-05 في أحكامه لم يحدد أية مدة للرقابة القضائية, حيث يمكن أن تستمر خلال إجراءات التحقيق إذا استدعت الضرورة ذلك وفقا لما ورد في المادة 125 مكرر2 من القانون السالف الذكر التي نصت على أنه:" لا يؤمر بالرقابة القضائية إلا لضرورة التحقيق...".
غير أنه بالرجوع لأحكام المادة 125 مكرر1 و المادة 125 مكرر3 من هذا القانون, يتبين لنا أن الرقابة القضائية تنتهي إما برفع اليد أو استبدالها بالحبس المؤقت.
أ– رفع اليد عن الرقابة القضائية:
طبقا لنص المادة 125 مكرر1 من القانون رقم 86-05, فإن الرقابة القضائية تنتهي بموجب أمر برفع اليد عنها الصادر من قاضي التحقيق, في أي وقت من إجراءات التحقيق إما من تلقاء نفسه أو بناء على طلب من وكيل الجمهورية أو طلب من المتهم.
وبالتالي لقاضي التحقيق سلطة رفع اليد عن الرقابة القضائية إذا رأى أنها أصبحت غير ضرورية لحسن سير التحقيق, خاصة في حالة ما إذا أظهر المتهم جديته في تنفيذ الالتزامات المفروضة عليه أو أن الاستمرار في تنفيذها أصبح لا مفاد منه ولا يؤدي الغرض.
و إلى جانب حالة رفع اليد عن الرقابة القضائية من قبل قاضي التحقيق تلقائيا, فإن المادة المذكورة أعلاه تسمح برفع اليد عن الرقابة القضائية بناء على طلب من وكيل الجمهورية أو المتهم, لكن ما نلاحظه أن هذه المادة لم تنص على أجل لتقديم طلب رفع اليد و لا على أجل محدد لفصل قاضي التحقيق في هذا الطلب .
كذلك نلاحظ أن المشرع اغفل عن وضع نص صريح في حالة رفض قاضي التحقيق الاستجابة لطلب وكيل الجمهورية أو المتهم الرامي إلى رفع اليد عن الرقابة القضائية.

ب– استبدال الرقابة القضائية بالحبس المؤقت :
نصت المادة 125 مكرر3 من القانون رقم 86-05 على أنه:" إذا تهرب المتهم عمدا من التزامات الرقابة القضائية, يجوز لقاضي التحقيق أن يصدر ضده أمرا قصد حبسه احتياطيا و ذلك طبقا لنص المادة 125."
فطبقا لهذا النص تنتهي الرقابة القضائية إذا ما خالف المتهم عمدا الالتزامات التي حددها له قاضي التحقيق في الأمر بالوضع تحت الرقابة القضائية, ففي هذه الحالة يجوز لهذا الأخير وضع المتهم رهن الحبس المؤقت كجزاء مخالفته للالتزامات المفروضة عليه.
ونظرا للنقائص الواردة في القانون رقم 86-05 فيما يخص أحكام الرقابة القضائية, فإن المشرع قام بتعديله بموجب القانون رقم 90-24 حيث جاء بالمادة 125 مكرر3 فيما يتعلق بانتهاء الرقابة القضائية, وهذا ما سنتناوله فيما يلي:

2– في ظل القانون رقم 90-24:
تنص المادة 125 مكرر3 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه: ".........و تنتهي بإجراء قضائي بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى و في حالة إحالة المتهم أمام جهة الحكم تبقى الرقابة القضائية قائمة إلى أن ترفعه الجهة القضائية المعينة.......".
فمن خلال هذه المادة يتضح أن الرقابة القضائية تنتهي إما بصدور أمر بانتقاء وجه الدعوى أو برفعها من قبل جهة الحكم المحال إليها المتهم.
كذلك بالرجوع إلى نص المادة 123 من قانون الإجراءات الجزائية فإن الرقابة القضائية قد تنتهي باستبدالها بالحبس المؤقت.

أ– صدور أمر بألا وجه للمتابعة:
تنتهي الرقابة القضائية وجوبا في حالة إصدار قاضي التحقيق أمر بانتفاء وجه الدعوى, حيث نصت المادة 125 مكرر 3 السالفة الذكر على أنه:"...و تنتهي بإجراء قضائي بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى.....", فإذا امتثل المتهم أمام قاضي التحقيق مؤديا لالتزامات الرقابة القضائية المفروضة عليه و تبين من خلال إجراءات التحقيق أن الوقائع لا تشكل جناية أو جنحة أو مخالفة يعاقب عليها القانون أو في حالة عدم توصل قاضي التحقيق إلى وجود دلائل كافية و متماسكة أو أن مرتكب الجريمة بقي مجهول أو أن ركن من أركان الجريمة لم يتوفر أو وجد سبب من أسباب الإباحة فإن قاضي التحقيق ليس له إلا إصدار أمر بانتفاء وجه الدعوى وهذا الإجراء يضع حدا لمفعول الرقابة القضائية نظرا لعدم وجود أي سبب للاستمرار فيها.
ب– رفع اليد من قبل جهة الحكم:
نصت المادة 125 مكرر3 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه: ".... تبقى الرقابة القضائية قائمة إلى أن ترفعه الجهة القضائية المعنية.......... "و عليه يمكن لجهة الحكم رفع الرقابة القضائية عن المتهم المحال أمامها لمحاكمته, و بعبارة أخرى يمكن لجهة الحكم أن تبقى المتهم تحت الرقابة القضائية و يستمر في تطبيقها إلى غاية رفعها في الوقت الذي تراه مناسبا.
غير أن التساؤل الذي يثور في هذه الحالة, يتمثل فيما إذا كان أمر الإحالة على محكمة الجنح أو إرسال مستندات القضية إلى النائب العام يضع حدا لأمر الوضع تحت الرقابة القضائية الصادر عن قاضي التحقيق؟
فطبقا لما ورد في الفقرة الأولى من المادة 125 مكرر3 السالفة الذكر, فإنها تبقى قائمة إلى غاية رفعها من قبل جهة الحكم, و يفهم من ذلك أنه في حالة وضع المتهم تحت الرقابة القضائية بموجب أمر من قاضي التحقيق و لم يقم هذا الأخير برفعها, فإنها تبقى قائمة إلى غاية مثول المتهم أمام جهة الحكم و رفعها من قبل هذه الأخيرة, و بالتالي تستنتج أن أمر الإحالة على محكمة الجنح أو إرسال مستندات القضية إلى النائب العام لا ينهي الرقابة القضائية.
كذلك في حالة صدور حكم يقضي ببراءة المتهم الموجود تحت الرقابة القضائية أو بإعفائه من العقوبة أو الحكم عليه بالحبس مع وقف التنفيذ أو بالغرامة دون أن ترفعها جهة الحكم, فهل يعد ذلك الحكم كافيا لوضع حدا لهذه الرقابة؟ و في حالة الطعن بالاستئناف أو بالنقض في هذا الحكم فهل تبقى قائمة بفعل الأثر الموقف للاستئناف إلى غاية الفصل في ذلك الطعن ؟
بتمعن نصوص قانون الإجراءات الجزائية نجد أنه لم يتضمن جوابا صريحا لهذا التساؤل و يعد ذلك إغفالا من المشرع لابد من تداركه في المستقبل, ورغم أنه أشار فيما يخص الحبس المؤقت في المادة 365 من نفس القانون على أنه:" يخلى سبيل المتهم المحبوس مؤقتا فور صدور الحكم ببراءته أو بإعفائه من العقوبة أو الحكم عليه بالحبس مع إيقاف التنفيذ أو بالغرامة و ذلك رغم الاستئناف ما لم يكن محبوسا لسبب آخر", إلا أنه لا يجوز القياس على أحكام هذه المادة للقول أن الرقابة القضائية تنتهي فور صدور الحكم الذي يقضي بالبراءة أو بإعفائه من العقوبة أو الحكم عليه بالحبس مع وقف التنفيذ أو بالغرامة, لأن القياس غير جائز في المواد الجزائية, بالإضافة إلى أن المادة 425 من نفس القانون التي تنص على أنه: " يوقف تنفيذ الحكم أثناء مهل الاستئناف و أثناء دعوى الاستئناف مع مراعاة أحكام المواد.........و 365 و....." استثنت من قاعدة الأثر الموقف للاستئناف ما ورد بالمادة 365 على سبيل الحصر.
وعدم ذكر الرقابة القضائية في المادتين 365 و 425 من قانون الإجراءات الجزائية حسب الدكتور أحسن بوسقيعة يعود إلى سهو نتيجة تسرعه في إعداد القوانين, حيث أن هذا الأخير أحدث نظام الرقابة القضائية اثر تعديل قانون الإجراءات الجزائية بموجب القانون رقـــم 86- 05 وذلك بإضافة المواد 125 مكرر و 125 مكرر1 و 125 مكرر2 و 125 مكر 3, دون تعديل المادتين 365 و425 من نفس القانون بالنص عليها إلى جانب الحبس المؤقت, و ما يلاحظ في هذا الصدد أن المشرع لم يتدارك هذا الإغفال في التعديل الوارد بموجب القانون رقم 01-08.
و ما تجدر الإشارة إليه, أنه نظرا لعدم وجود نص صريح يفصل في مسألة عدم رفع الرقابة القضائية من قبل جهة الحكم في حالة قضائها ببراءة المتهم أو بإعفائه من العقوبة أو الحكم عليه بالحبس مع وقف التنفيذ أو بالغرامة, فإن بعض القضاة أخذوا باجتهاد المحكمة العليا, حيث صدر قرار بتاريخ جاء فيه أنه يستفاد من المادة 125 مكرر 3 من قانون الإجراءات الجزائية أنه تبقى الرقابة القضائية قائمة إلى أن تفصل بغير ذلك الجهة القضائية المحالة عليها الدعوى, و لما تبين من القرار المطعون فيه بالنقض أن محكمة الجنايات لما فصلت في الدعوى بإدانة المتهم بعقوبة سنتين مع وقف التنفيذ, فإن هذا ينهي تلقائيا الرقابة و يعد الحكم سندا في تنفيذ رفع الرقابة القضائية, و بالتالي فإن القرار المطعون فيه كان صائبا فيما قضى.
ج– استبدال الرقابة القضائية بالحبس المؤقت:
تنتهي الرقابة القضائية بوضع المتهم رهن الحبس المؤقت في حالة ما خالف هذا الأخير عمدا التزامات المفروضة عليه, و هذا ما يمكن استخلاصه من المادة 123 من قانون الإجراءات الجزائية التي نصت على أنه: ".....لا يمكن أن يؤمر بالحبس المؤقت أو أن يبقي عليه إلا إذا كانت التزامات الرقابة القضائية غير كافية في الحالات الآتية:.....
4– عندما يخالف المتهم من تلقاء نفسه الواجبات المترتبة على إجراءات الرقابة القضائية المحددة لها"
و ما نلاحظه أن المشرع أبقى استبدال الرقابة القضائية بالحبس المؤقت رغم التعديلات التي عرفها قانون الإجراءات الجزائية, حيث حافظ على هذا الإجراء الذي أقرته المادة 125 مكرر 3 من القانون رقم 86-05, لكن أورد في المواد التي تنظم الرقابة القضائية بينما المادة 123 من قانون الإجراءات الجزائية جاءت ضمن المواد المنظمة للحبس المؤقت.
و من خلال ما سبق ذكره, يتبين لنا أن هناك نقص في الأحكام المتعلقة بانتهاء الرقابة القضائية خاصة في ظل القانون رقم 86-05, لذا جاء تعديله بموجب القانون رقم 90-24 , إلا أن هذا الأخير لم يتدارك كل النقائص التي تشوب هذه الأحكام لذا يتعين تعديلها بما يتماشى مع المنطق.
الفرع الثالث:الرقابة على أمر الوضع تحت الرقابة القضائية:
منح المشرع لقاضي التحقيق سلطان واسعة في مجال القرارات المتعلقة الحريات الفردية بصفة عامة و في ميدان الرقابة القضائية بصفة خاصة، و الدليل على ذلك تلك السلطة التقديرية التي يتمتع بها أثناء اتخاذ أمر الوضع تحت الرقابة القضائية، أو تعديل التزاماتها أو رفع اليد أو غيرها، و خوفا من تحول دلك إلى سلطة تحكمية تخضع للعواطف و النزوات و ضع المشرع بعض القيود تتمثل في إقرار الرقابة على أعمال قاضي التحقيق حتى يجعلها أكثر اتزانا و عدلا.
و يمكن حصر صور ممارسة هذه الرقابة في طلب رفعها و استئناف أوامر قاضي التحقيق المتعلقة بها, و سنتعرض لهاتين الصورتين بالتفصيل، ثم نتناول رقابة المحكمة العليا قبل و بعد تعديل 2001.
أولا: طلب رفع الرقابة القضائية:
تنص المادة 125 مكرر2 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه:" يأمر قاضي التحقيق برفع الرقابة القضائية سواء تلقائيا أو بطلب من وكيل الجمهورية أو بطلب من المتهم بعد استشارة وكيل الجمهورية".
وعليه فإن قاضي التحقيق إذا تبين له بعد إصداره لأمر الوضع تحت الرقابة القضائية أن ذلك لم يعد ضروريا لحسن سير التحقيق، أمر برفع هذا الإجراء تلقائيا.
و لوكيل الجمهورية حق تقديم طلب رفع الرقابة القضائية إذا كانت شروطها و مبرراتها قد زالت ، و حسب المادة 125 مكرر2 من قانون الإجراءات الجزائية يملك المتهم الحق في المطالبة برفع الرقابة القضائية أمام قاضي التحقيق مصدر الأمر.
و تجدر الإشارة إلى أن القانون لم يحدد شكل الطلب، و بالتالي يمكن تقديمه في أي شكل سوء كتابيا أمام أمانة ضبط التحقيق أو شفاهة أمام قاضي التحقيق .
و في هذه الحالة يجب على قاضي التحقيق حسب نفس المادة عدم الفصل في طلب المتهم إلا بعد استشارة وكيل الجمهورية لإبداء رأيه، و هذا الشرط يعد شرطا شكليا، الهدف منه إطلاع وكيل الجمهورية طبقا للقواعد العامة على كل التصرفات التي لها أثر على سير التحقيق.
و نصت المادة 125 مكرر2 في فقرتها الثانية و الثالثة من قانون الإجراءات الجزائية على ما يلي:"....يفصل قاضي التحقيق في طلب المتهم بأمر مسبب في أجل خمسة عشر (15) يوما ابتداء من يوم تقديم الطلب.
و إذا لم يفصل قاضي التحقيق في هذا الأجل، يمكن للمتهم أو وكيل الجمهورية أن يلتجئ مباشرة إلى غرفة الاتهام التي تصدر قرارها في أجل عشرين (20) يوما من تاريخ رفع القضية إليها...."
يستخلص من هذه الفقرة أن قاضي التحقيق يفصل في طلب رفع الرقابة القضائية بأمر مسبب في أجل 15 يوما من تقديم الطلب، و هذا حرصا من المشرع على حماية حرية المتهم التي تقيدها الالتزامات المفروضة عليه في أمر الوضع تحت الرقابة القضائية، كما أن إلزام قاضي التحقيق بتسبيب أمره الفاصل في موضوع الطلب يحد من التعسف في لجوئه لمثل هذا الإجراء إذا لم يكن ضروريا لحسن سير التحقيق.
و قد نصت نفس المادة على أنه إذا لم يفصل قاضي التحقيق في أجل 15 يوما من تقديم الطلب، يمكن للمتهم و وكيل الجمهورية اللجوء مباشرة إلى غرفة الاتهام التي تصدر قرارها في ميعاد 20 يوما بعد ما كانت تفصل في ميعاد 30 يوم قبل تعديل 2001، و هذا يبين حرص المشرع على حماية المتهم، و ما تقصير آجال الفصل إلا ضمانة أخرى له.
و الملاحظ أن المشرع لم يرتب أي جزاء على تجاوز غرفة الاتهام لهذا الأجل.
و تضيف المادة 125 مكرر2 الفقرة الأخيرة: "... في كل الأحوال، لا يجوز تجديد طلب رفع الرقابة القضائية المقدم من المتهم أو من محاميه إلا بانتهاء مهلة شهر من تاريخ رفض الطلب السابق."، و بمفهوم المخالفة أن وكيل الجمهورية لا يتقيد بهذه المهلة، فله تقديم طلبه المتعلق بالرقابة القضائية في أي وقت.

ثانيا: استئناف الأوامر المتعلقة بالرقابة القضائية:
يجيز القانون استئناف الأوامر الصادرة عن قاضي التحقيق المتعلقة برفع الرقابة القضائية و وضع المتهم فيها و كذا تعديل التزاماتها.
1- أمر قاضي التحقيق المتعلق برفع الرقابة القضائية:
نصت المادة 170 من قانون الإجراءات الجزائية أنه يجوز لكل من وكيل الجمهورية استئناف جميع أوامر قاضي التحقيق خلال ثلاثة (3) أيام من تاريخ صدورها.
يحق الاستئناف أيضا للنائب العام و يجب أن يبلغ استئنافه للخصوم خلال عشرين (20) يوما التالية لصدور أمر قاضي التحقيق طبقا لنص المادة 171 من نفس القانون.
و إن كانت صلاحية النيابة العامة في استئناف أمر قاضي التحقيق المتعلق برفض رفع الرقابة القضائية لا تطرح إشكالا كون أن القانون أجاز لها صراحة استئناف جميع أوامر قاضي التحقيق، على خلاف المتهم الذي لم بكن له قبل تعديل 2001 هذا الحق لعدم وروده في نص المادة 172 الفقرة الأولى من نفس القانون.
وقد ارجع الدكتور أحسن بوسقيعة عدم ورود الأمر المتعلق برفض رفع الرقابة القضائية ضمن الأوامر المحددة في المادة 172 من قانون الإجراءات الجزائية التي تجيز للمتهم استئنافها إلى سهو المشرع استنادا لسببين هما:
- أولهما أنه لا يعقل أن يعترف المشرع للنيابة العامة بحق استئناف لأمر القاضي برفض رفع الرقابة القضائية عن المتهم و ذلك عملا بأحكام المادة 170 من قانون الإجراءات الجزائية و ينكر ذلك على المتهم الأولى بحق استئنافه.
- ثانيهما مستمد من القانون المقارن إذ أجاز المشرع الفرنسي في المادة 186 من قانون الإجراءات الجزائية و تقابلها المادة 172 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري للمتهم استئناف أمر قاضي التحقيق برفض طلبه الرامي إلى رفع الرقابة القضائية عنه علما أن أحكام هذا الأخير متطابقة مع القانون الفرنسي بخصوص الرقابة القضائية.
و انتهى الأستاذ بوسقيعة إلى مناشدة المشرع الجزائري لتدارك هذا السهو بالتنصيص في المادة 172 من قانون الإجراءات الجزائية على الأمر المنصوص عليه في المادة 125 مكرر2 المتضمن رفض طلب المتهم برفع الرقابة القضائية عنه ضمن الأوامر التي يجوز للمتهم استئنافها و هذا ما استدركه المشرع بتعديله لقانون الإجراءات الجزائية بموجب القانون رقم 01-08.
و يرفع استئناف المتهم بعريضة تودع لدى قلم كتاب المحكمة في ظرف ثلاثة (3) أيام من تبليغ الأمر إليه طبقا للمادة 172 من قانون الإجراءات الجزائية.
أما المدعي المدني فلا يجوز له استئناف أوامر قاضي التحقيق المتعلقة بالرقابة القضائية حسب المادة 173 من قانون الإجراءات الجزائية و حسنا ما فعل المشرع كون أن المدعي المدني لا مصلحة له في استئناف هذه الأوامر.
وبذلك منح المشرع صراحة لكل من النيابة العامة و المتهم صلاحية استئناف الأمر برفض رفع الرقابة القضائية.

2- أمر قاضي التحقيق المتعلق بوضع المتهم تحت الرقابة القضائية:
إن أمر الوضع تحت الرقابة القضائية المنصوص عليه في المادة 125 مكرر 1 من قانون الإجراءات الجزائية، و على خلاف أمر الوضع في الحبس المؤقت الذي لم يخضعه لأي قيد عند تطبيقه، إذ أن المشرع لم يشترط أي شرط عدا ما تعلق بوصف الجريمة و هي أن تكون جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس، مستبعدا بذلك الجنح المعاقب عليها بغرامة فقط و المخالفات.
و السؤال المطروح ما مدى قابلية أمر الوضع تحت الرقابة القضائية أو الرافض له للاستئناف ؟ و هل يصدر بموجب أمر مسبب أم لا ؟
يرى البعض أن الأمر المتعلق بالوضع تحت الرقابة القضائية – أمر الوضع تحت الرقابة القضائية أو الأمر الرافض له - هو أمر قضائي يجوز استئنافه أمام غرفة الاتهام مستندين في ذلك لنص المادتين 170و171 من قانون الإجراءات الجزائية، اللتان تجيزان لوكيل الجمهورية والنائب العام استئناف جميع أوامر قاضي التحقيق، بل و أكثر من ذلك فهم يستدلون بالمادة 172 من قانون الإجراءات الجزائية التي تجير صراحة للمتهم استئناف الأمر المنصوص عليه في المادة 125 مكرر 1 من قانون الإجراءات الجزائية، و هذه الأخيرة تتناول أمر الوضع تحت الرقابة القضائية وكذا أمر المتعلق بتعديل التزاماتها و ما يفهم من هذه المادة أن الأمر المتعلق بالوضع تحت الرقابة القضائية قابل للاستئناف.
أما الرأي الآخر، فيرى أن قاضي التحقيق يقرر الرقابة القضائية بموجب أمر بسيط مجرد من أي طابع قضائي يكون غير قابل للاستئناف.
وإذا ما تعمقنا في هذا الرأي نجده يستند في موقفه إلى أنه يوجد في المادة ما يلزم قاضي التحقيق بتسبيب أمر الوضع تحت الرقابة القضائية، على خلاف ما كان سائدا في القانون رقم 86-05 و هذا راجع أساسا لهدف المشرع في تشجيع قضاة التحقيق على اتخاذ مثل هذا الإجراء و للحد من التعسف في للجوء للحبس المؤقت.
و الملاحظ عمليا أن قضاة التحقيق يسببون أمرهم المتعلق بالوضع تحت الرقابة القضائية، كما يتم استئناف هذا الأمر سواء من قبل المتهم و نادرا ما يحدث ذلك من قبل النيابة العامة.

3– الأمر المتعلق بتعديل التزامات الرقابة القضائية:
تجيز المادة 125 مكرر 1 في فقرتها الأخيرة من قانون الإجراءات الجزائية لقاضي التحقيق إضافة وتعديل التزام من الالتزامات المفروضة على المتهم بموجب أمر مسبب.
لكل من النيابة العامة و المتهم حق استئنافه، و تفصل فيه غرفة الاتهام في مهلة عشرين(20) يوما من تاريخ رفعه إليها طبقا لنص المادة 179 من قانون الإجراءات الجزائية.

ثالثا:عدم قابلية الطعن بالنقض في الأوامر المتعلقة بالرقابة القضائية:
لا يجوز للمتهم أو وكيل الجمهورية أن يطعن بالنقض أمام المحكمة العليا في قرار غرفة الاتهام المتعلق بالرقابة القضائية، و هذا طبقا لنص المادة 495 من قانون الإجراءات الجزائية التي تنص أنه:" يجوز الطعن بطريق النقض أمام المحكمة العليا:
في قرارات غرفة الاتهام ماعدا ما يتعلق منها بالحبس المؤقت و الرقابة القضائية...".
و إن كان هذا النص واضح ولا يطرح أي إشكال فإن الحال قبل تعديل 2001 كان على خلاف ذلك، حيث لم تكن المادة 495 السالفة الذكر تستثني أمر الرقابة القضائية من أوامر غرفة الاتهام القابلة للطعن بالنقض، بل اكتفت فقط بذكر الأمر المتعلق بالحبس المؤقت ، و لأنه من المستقر عليه أن القياس غير جائز في المواد الجزائية لتعارض ذلك مع مبدأ الشرعية ، فيمكن القول نظريا أن الطعن بالنقض كان جائزا في قرارات الرقابة القضائية مع ترجيح أن المشرع سهى عن منع ذلك على خلاف الأوامر المتعلقة بالحبس المؤقت ، و حسنا ما فعل في تعديل2001 عندما أضاف أمر الرقابة القضائية ضمن الأوامر غير القابلة للطعن بالنقض .

المبحث الثالث: الإفراج:
إن وجود المتهم في الحبس مقترن بإدانته بالوقائع المنسوبة إليه ووجوده قبل ذلك لا يعد أن يكون سوى إجراء استثنائي فرضته عوامل معينة ضرورية للوصول إلى الحقيقة,و لأن الاستثناء لا يمكن الإفراط في اللجوء إليه ,تبنى المشرع الجزائري نظام الرقابة القضائية كإجراء بديل عن الحبس المؤقت , وإن كانت الرقابة لا تؤدي إلى حبس المتهم فإنها رغم ذلك تحد من حريته وتفرض عليه التزامات تعرقل السير العادي لحياته , لذا فإن اللجوء للرقابة القضائية لا يعد هو الأصل ,وإنما وجود المتهم طليق هو الوضع الطبيعي الذي يجب أن يكون عليه قبل ثبوت أدانته في غياب مبررات اللجوء للحبس المؤقت و الرقابة القضائية ,لذا يتوجب على القاضي إصدار امرؤ بالإفراج عن المتهم إذا زالت هذه المبررات . و للإحاطة بموضوع الإفراج سنتطرق إلى:
المطلب الأول:ماهية الإفراج:
قد يمكث المتهم في الحبس مدة زمنية طويلة تتغير فيها ظروف وأحوال مجرى التحقيق ومعطياته, وقد يجز بالشخص في الحبس المؤقت تعسفا, أو لأبسط الأسباب فيصبح مسلوب الحرية ومعوق الحركة ولوضع حد لذلك نص المشرع على إمكانية استفادة المتهم من نظام الإفراج.
و لتوضيح ماهية هذا النظام سنتناول مفهوم الإفراج و تمييزه عن غيره من الأنظمة الشبيهة به من جهة ثم نتطرق لمضمونه من جهة أخرى.

الفرع الأول: مفهوم الإفراج وتمييزه عن غيره من الأنظمة الشبيهة به:
أولا:مفهوم الإفراج:
لإبراز مفهوم الإفراج نتطرق لتعريفه أولا ثم الغاية منه ثانيا.
1-تعريف الإفراج:
أ- لغــة:
يشتق الإفراج من فعل أفرج, يفرج, إفراجا.
فيقال أفرج الغبار بمعنى أجلى وانقشع, أفرج القوم عن المكان أي انكشفوا عنه وتركوه ويقال أفرج عن معتقل أو مسجون بمعنى أخلى سبيله وهو المعنى المقصود في دراستنا.

ب- فقهــا:
تعددت التعاريف التي أطلقها الفقه على الإفراج ومع ذلك اقترنت معظمها بموضوع الحبس المؤقت وطابعه الاستثنائي.
فعرفه الدكتور رؤوف عبيد بأنه:"إخلاء سبيل المتهم المحبوس مؤقتا على ذمة التحقيق بزوال مبررات الحبس المؤقت, وقد يكون الإفراج وجوبيا كما قد يكون جوازيا".
وعرفه الدكتور الأخضر بوكحيل بأنه:"وسيلة لإنهاء الحبس المؤقت كون هذا الأخير ذو طابعا استثنائي يجوز إنهاؤه في أية مرحلة من مراحل الإجراءات ومهما كانت مدته".
أما الدكتور جيلالي بغدادي فيرى:" أن المشرع أجاز في بعض الحالات إيداع المتهم الحبس المؤقت قبل أن تثبت إدانته إذا دعت الضرورة ذلك, بحيث إذا زالت هذه الضرورة تعين الإفراج عن المتهم".
كما عرفه الدكتور عبد العزيز سعد بأنه:" الطلب الذي يقدمه المتهم أو محاميه أو ممثل النيابة العامة خلال الفترة مابين بداية التحقيق وصدور حكم نهائي تام, إلى إحدى جهات التحقيق أو الحكم, بإطلاق سراح المتهم المحبوس حبسا مؤقتا بموجب أمر قضائي سابق".
وما يلاحظ على هذه التعريفات أنها جاءت كلها متقاربة تربط بين أمر الإفراج و زوال مبررات الحبس المؤقت, دون أن تأتي بتعريف لهذا الإجراء بصفة مجردة وبشكل مستقل عن باقي المفاهيم.
ويمكن تعريف الإفراج بأنه ذلك الأمر الذي يصدره قاضي التحقيق أو غرفة الاتهام أو جهة الحكم حسب الأحوال إما تلقائيا أو بناء على طلب المتهم أو محاميه أو النيابة العامة, الهدف منه وضع حد للحبس المؤقت وتمكين المتهم من التمتع بحريته حسب الشروط المحددة في القانون.

ج- قانونــا:
لم يعطي قانون الإجراءات الجزائية تعريفا للإفراج, واكتفى بتنظيم أحكامه في المادة 126 وما يليها منه.
و كان يصطلح عليه بعبارة "الإفراج المؤقت " ثم حذفت عبارة " مؤقت" على إثر تعديل قانون الإجراءات الجزائية بموجب القانون رقم 01-08 و مع هذا فلم يرد تعريف للإفراج.
2- الغاية من الإفراج:
لا يمكن أن تخرج غاية الإفراج عن كون أن الجريمة المحبوس من أجلها المتهم تعتبر من الجرائم العادية أو البسيطة التي لا يخشى منها التأثير على وسائل إثباتها أو حسن سير التحقيق بشأنها أو كون قاضي التحقيق نفسه لم يعد يقتنع بفائدة و لا ضرورة استمرار حبس المتهم أو كون الأمر الذي صدر بحبسه أو بتمديده لم تعد تتوفر فيه هو نفسه الشروط القانونية اللازمة لبقائه و استمراره بالإضافة إلى أن الحبس المؤقت في حد ذاته ليس إلا تدبيرا إجرائيا استثنائيا لا يجوز تحويله إلى قاعدة عامة و لا المغالاة في استعماله أو الإفراط في اللجوء إليه.
ثانيا: تمييز الإفراج عن غيره من الأنظمة الشبيهة به:
هناك بعض الأوضاع قد يجد فيها المتهم نفسه تشبه إلى حد ما إجراء الإفراج, و في هذا الصدد سوف نميز بينه و بين الإفراج المشروط ثم وقف التنفيذ
1-الإفراج و نظام الإفراج المشروط:
نظم أحكام الإفراج المشروط أمر 72-02 المؤرخ في 10 فيفري 1972 المتعلق بتنظيم السجون و إعادة تربية المساجين و هذا في المواد من 179 إلى 194.
و يمكن هذا النظام المحكوم عليهم الذين يقدمون أدلة جديدة عن حسن سيرتهم و ضمانات إصلاح حقيقية, الاستفادة من الإفراج المشروط شريطة أن يقضوا نصف العقوبة المحكوم بها عليهم على ألا تقل عن 3 أشهر, و إذا كانوا في حالة عود ترفع المدة إلى ثلثي العقوبة دون أن يقل الأجل عن 6 أشهر, أما المحكوم عليهم بالمؤبد لا يتمتعون بهذا النظام إلا إذا قضوا 15 عاما من عقوبتهم.
و يقدم الطلب من المحكوم عليهم مباشرة أو باقتراح من قاضي تطبيق العقوبات أو من رئيس المؤسسة بعد استشارة لجنة الترتيب و التأهيل, و تكون الاقتراحات مصحوبة بتقرير مسبب.
و يختص وزير العدل بإصدار المقرر الذي يمنح بموجبه الإفراج المشروط على أن يلتزم بشروط و التزامات معينة.
و يختلف هذا النظام عن الإفراج, في كون الأول يستفيد منه الشخص المحكوم عليه و الذي ثبتت إدانته بحكم أو قرار نهائي, كما أن وزير العدل هو الذي يختص في منحه, بينما الإفراج فهو يخص الشخص المتهم بارتكابه لجريمة معينة قبل محاكمته وصدور حكم بإدانته, وتختص بإصدار هذا الأمر السلطة القضائية ممثلة في جهتي التحقيق والحكم حسب الأحوال.
و يتشابه النظامان في كونهما يمكنان المتهم من التمتع بحريته, كما يجوز التراجع عنهما إذا لم يحترم الالتزامات المفروضة عليه.
2- الإفراج و وقف التنفيذ:
يجوز للمجالس والمحاكم حسب المادة 592 من قانون الإجراءات الجزائية إذا لم يكن المحكوم عليه قد سبق الحكم عليه بالحبس لجناية أو جنحة من جرائم القانون العام أن تأمر في حكمها نفسه بقرار مسبب بإيقاف تنفيذ العقوبة الأصلية كليا أو جزئيا , و هذا يعني أن المحكوم عليه سيطلق سراحه و يبقى في حالة إفراج, لكن في حالة صدور حكم جديد عليه بالإدانة فإن العقوبة الموقوفة تصبح نافدة .
و يختلف هذا النظام عن الإفراج في كون الأول يخص المحكوم عليه بينما الثاني يتعلق بالمتهم قبل محاكمته, كما أن الأول من اختصاص جهة الحكم فقط في حين تصدر أمر الإفراج جهتي التحقيق و الحكم حسب الحالة.
و يتشابه هاذين النظامين في كونهما يجنبان المتهم وضعه في الحبس وبقائه طليقا, كما أن كليهما يمكن التراجع عنهما إذ قد يتحول الحبس إلى نافذ و قد يعاد حبس المتهم المفرج عنه من جديد إذا طرأت ظروف محددة في القانون.
الفرع الثاني: مضمون الإفراج:
يكون الإفراج إما بقوة القانون أو جوازيا, و لقد نص القانون على شروط و أحكام تنظم كل حالة و هذا ما سنتعرض له فيما يلي:
أولا: الإفراج بقوة القانون:
الإفراج بقوة القانون هو ذلك الإفراج الذي يلتزم فيه قاضي التحقيق أو قاضي الحكم بإخلاء سبيل المتهم المحبوس مؤقتا إذا ما توافرت حالة من الحالات المحددة قانونا، دون أن يكون في ذلك مجال لأية سلطة تقديرية للأمر به.
وقد أطلق عليه بعض رجال القانون اسم الإفراج الوجوبي أو الإلزامي حيث أعتبر بمثابة حق للمتهم يخول له استرداد حريته في الحين إذا ما تحققت حالة من الحالات التالية:
1-حالة الحكم ببراءة المتهم:
نصت المادة 311 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه:" إذا أعفي المتهم من العقاب أو برئ أفرج عنه في الحال ما لم يكن محبوسا لسبب آخر..."، كما نصت المادة 365 من نفس القانون على أنه:" يخلى سبيل المتهم المحبوس مؤقتا فور صدور الحكم ببراءته...، وذلك رغم الاستئناف ما لم يكن محبوسا لسبب آخر..."، و عليه فإنه يفرج حالا عن المتهم المحبوس مؤقتا إذا حكم ببراءته، وهذا بغض النظر عما إذا كان ذلك الحكم قد طعن فيه بالاستئناف أم لا، خلافا للقاعدة العامة التي تقرر بأن الاستئناف يوقف تنفيذ الحكم.
2-حالة الإعفاء من العقوبة:
في حالة حبس المتهم مؤقتا بسبب ارتكابه جريمة ما ثم قضي بإعفائه من العقوبة لتوافر حالة من الحالات المنصوص عليها في المواد 47، 48، 49، 52 من قانون العقوبات والمتمثلة في الجنون، الإكراه، صغر السن والأعذار المعفية من العقاب، فإنه يتعين الإفراج عن ذلك المتهم حالا ولو وقع طعن بالاستئناف طبقا لنص المادة 365 الفقرة الأولى من قانون الإجراءات الجزائية.
3-حالة الحكم بالحبس مع وقف التنفيذ:
في حالة صدور حكم يقضي بالحبس مع وقف التنفيذ، فإنه ينهي الحبس المؤقت، ويستلزم ذلك الإفراج عن المتهم حالا وفقا لأحكام المادة 365 الفقرة الأولى من قانون الإجراءات الجزائية.
4-حالة الحكم بالغرامة دون الحبس:
طبقا لأحكام المادة 365 الفقرة الأولى من قانون الإجراءات الجزائية، فإنه يسقط مفعول الحبس المؤقت بمجرد صدور الحكم القاضي بالغرامة فقط على المتهم وبالتالي يفرج عنه فور صدور هذا الحكم رغم الاستئناف ما لم يكن محبوسا لسبب آخر.
5-حالة الحكم بعقوبة أقل من مدة الحبس أو مساوية لها:
استنادا إلى أحكام المادة 365 من قانون الإجراءات الجزائية وبالخصوص الفقرة الثانية منها، فإنه إذا سبق حبس المتهم مؤقتا ثم بعد محاكمته ثبتت في حقه التهمة المنسوبة إليه وصدر حكم يقضي بحبسه لمدة معينة، وكانت هذه المدة أقل من مدة الحبس المؤقت أو مساوية لها، وجب الإفراج عن المتهم بقوة القانون حال صدور الحكم, تطبيقا لمسألة خصم مدة الحبس المؤقت من المدة المحكوم بها.
6-حالة انتهاء مدة الحبس المؤقت:
يجب الإفراج عن المتهم المحبوس مؤقتا كلما انقضت مدة ذلك الحبس التي لا يجوز فيها التمديد أصلا، أو التي لم يقم قاضي التحقيق بتجديده في الآجال المحددة في المواد 124، 125-1 ،125 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية, كما تم بيانه في المبحث الأول، فعلى سبيل المثال: في حالة انتهاء مدة عشرين يوما للحبس المؤقت فإنه لا يجوز تمديد هذه المدة طبقا لنص المادة 124 من قانون الإجراءات الجزائية وبالتالي يجب الإفراج عن المتهم بقوة القانون، وعمليا يتم ذلك بإصدار قاضي التحقيق أمر برفع مذكرة الإيداع.
7-حالة إصدار أمر بألا وجه للمتابعة:
إذا ما توصل قاضي التحقيق إلى كون الوقائع لا تشكل جناية أو جنحة أو مخالفة يعاقب عليها أو في حالة عدم وجود دلائل كافية ومتماسكة أو أن مرتكب الجريمة مجهول أو في حالة عدم توافر ركن من أركان الجريمة أو وجود سبب من أسباب الإباحة أو مانع من موانع العقاب، فإن قاضي التحقيق يصدر أمرا بألا وجه للمتابعة.
وطبقا لنص المادة 163 من قانون الإجراءات الجزائية فإذا صدر أمر بألا وجه للمتابعة من قبل قاضي التحقيق، فإنه يفرج عن المتهم في الحال كأصل عام، غير أن القانون نص على وجوب بقائه محبوسا إذا طعنت النيابة العامة بالاستئناف فيه, فالمتهم يبقى محبوسا طوال المدة المقررة لها للطعن وهي ثلاثة أيام ، بالإضافة إلى ذلك فإنه لا يفرج عنه حتى بعد صدور أمر بألا وجه للمتابعة متى كان هذا الأخير محبوسا لسبب آخر إذ ينوه فيأمر بألا وجه للمتابعة بعبارة: "....مع الإفراج عن المتهم ما لم يكن محبوسا لسبب آخر....".
وطبقا لأحكام المادة 195 من قانون الإجراءات الجزائية فإنه يفرج عن المتهم في الحال إذا ما أصدرت غرفة الاتهام أمر بألا وجه للمتابعة.
8-حالة عدم بت قاضي التحقيق في طلب وكيل الجمهورية:
طبقا لنص المادة 126 الفقرة الثانية من قانون الإجراءات الجزائية التي تنص على أنه:" كما يجوز لوكيل الجمهورية طلب الإفراج في كل وقت وعلى قاضي التحقيق أن يبت في ذلك خلال ثمان وأربعين (48) ساعة من تاريخ طلب الإفراج وعند انتهاء هذه المهلة, وفي حالة ما إذا لم يبت قاضي التحقيق يفرج على المتهم في الحين..."، فإنه يفرج عن المتهم المحبوس مؤقتا في الحال إذا أغفل قاضي التحقيق البت في طلب الإفراج المقدم من قبل وكيل الجمهورية في الآجال القانونية المحددة بتمان وأربعين ساعة من تاريخ تقديم طلب الإفراج.
9-حالة عدم بت غرفة الاتهام في طلب المتهم:
طبقا لنص المادة 127 الفقرة الثانية من قانون الإجراءات الجزائية فإنه في حالة عدم بت غرفة الاتهام في أجل ثلاثين يوما في طلب الإفراج المقدم من قبل المتهم المحبوس مؤقتا، بعد عدم بت قاضي التحقيق في طلبه في الآجال المحددة قانونا, فإنه يفرج عن المتهم في الحال ما لم تقرر غرفة الاتهام إجراء تحقيقات متعلقة بطلبه.
10-حالة عدم بت غرفة الاتهام في الطعن بالاستئناف:
طبقا لنص المادة 179 من قانون الإجراءات الجزائية التي جاء فيها:"... ويتعين على غرفة الاتهام أن تصدر حكمها في موضوع الحبس المؤقت في أقرب أجل، بحيث لا يتأخر ذلك عن عشرين(20) يوما من تاريخ استئناف الأوامر المنصوص عليها في المادة 172 و إلا أفرج عن المتهم تلقائيا ما لم يتقرر إجراء تحقيق إضافي" ففي حالة عدم بت غرفة الاتهام في الآجال المحددة لها قانونا في الطعن بالاستئناف المرفوع أمامها في موضوع الحبس المؤقت، فإنه يفرج عن المتهم بقوة القانون ما لم يتقرر إجراء تحقيق إضافي.
11-حالة عدم بت المحكمة العليا في طلب الإفراج:
طبقا لأحكام المادة 128 الفقرة ما قبل الأخيرة من قانون الإجراءات الجزائية أنه في حالة طعن المتهم بالنقض في حكم محكمة الجنايات، فإن الغرفة الجنائية لدى محكمة العليا هي المختصة في النظر في طلب الإفراج المقدم إليها وذلك في أجل خمسة وأربعين يوما،وفي حالة عدم البت فيه في الأجل المحدد قانونا فإنه يفرج عن المتهم في الحال ما لم يؤمر بتحقيقات متعلقة بطلبه.
12-حالة عدم استجواب المتهم في الآجال القانونية:
طبقا لنص المادة 121 من قانون الإجراءات الجزائية فإن المتهم يستجوب خلال ثمان وأربعين ساعة من اعتقاله، وفي حالة عدم استجوابه خلال هذه المهلة تطبق أحكام المادتين 112 و 113 من نفس القانون ومفادها أن المتهم المودع في مؤسسة إعادة التربية بموجب أمر إحضار أوامر بالقبض إذا لم يستجوب خلال المهلة السالفة الذكر فإنه يتوجب إخلاء سبيله.
13-حالة كون الوقائع تشكل مخالفة أو تخضع لعقوبة الغرامة فقط:
يفرج عن المتهم المحبوس مؤقتا في الحال إذا كانت الوقائع المحبوس بشأنها المتهم تشكل مخالفة أو تخضع لعقوبة الغرامة فقط طبقا لنص الفقرة الثانية من المادة 196 من قانون الإجراءات الجزائية التي جاء فيها:"....فإذا كانت الوقائع القائمة في الدعوى لا تخضع لعقوبة الحبس أو لا تكون سوى مخالفة، فإن المتهم يخلى سبيله في الحال".
14-حالة معارضة الحكم:
نصت المادة 358 الفقرة الأخيرة من قانون الإجراءات الجزائية على أنه:"....يتعين في حالة المعارضة للحكم طبقا للشروط المنصوص عليها في المادتين 411 و412 أن تنظر القضية أمام المحكمة في أول جلسة أو في خلال ثمانية أيام على الأكثر من يوم المعارضة و إلا أفرج عن المتهم تلقائيا..."، و عليه فإنه إذا لم يتم الفصل في معارضة الحكم في الأجل القانوني، يتعين الإفراج عن المتهم المحبوس مؤقتا بقوة القانون.
وما نلاحظه أن ورود مصطلح " تلقائيا" في نصوص المواد 127، 179، 358 من قانون الإجراءات الجزائية كان في غير محله كون ذلك قد يؤدي إلى نوع من اللبس، حيث اعتبر البعض أن هذه المواد جاءت في إطار الإفراج التلقائي وليس الإفراج بقوة القانون بحجة أن المشرع الجزائري استعمل مصطلح " تلقائيا"، إلا أن استعماله لهذا المصطلح بدل " قوة القانون " كان نتيجة سوء صياغة، وهذا غير كاف لجعل المواد السالفة الذكر تدخل في إطار الإفراج التلقائي، فمن المستحسن أن يتدارك المشرع الجزائري هذا اللبس في المستقبل.
ثانيا:الإفراج الجوازي:
عندما لا يكون الإفراج عن المتهم المحبوس مؤقتا واجبا حتما بمقتضى القانون، فإن الإفراج عنه يكون متروكا لتقدير السلطات التي تفصل في موضوع الحبس المؤقت لأن القاعدة هي أنه من يملك سلطة الأمر بهذا الحبس يكون له أن يأمر بالإفراج عن المتهم متى كان التحقيق بين يديه.
الإفراج الجوازي مرهون بتقدير سلطة التحقيق حسب مقتضيات التحقيق ويكون سواء بمبادرة منه من تلقاء نفسه أو بناء على طلب المتهم أو محاميه أو بناء على طلب وكيل الجمهورية طبقا لما نصت عليه المادتين 126 و127 من قانون الإجراءات الجزائية ومنها نستخلص القواعد التي تحكم الإفراج الجوازي والتي يمكن مناقشتها من خلال نقطتين:
- صور الإفراج الجوازي.
- التزامات طالب الإفراج.
1-صور الإفراج الجوازي:
تتمثل فيما يلي:
أ- الإفراج التلقائي:
يصدر من جهات التحقيق سواء من قاضي التحقيق أو غرفة الاتهام تلقائيا دون الحاجة إلى تقديم طلب من جهة ما أو من المتهم بعد استطلاع رأي النيابة إعمالا لحكم الفقرة الأولى من المادة 126 والمادة 186 من قانون الإجراءات الجزائية كما يجوز ذلك لجهات الحكم طبقا لنص المادة 339 من نفس القانون.
ب- الإفراج بناء على طلب النيابة العامة:
يجوز لوكيل الجمهورية أن يطلب من قاضي التحقيق الإفراج عن المتهم والذي عليه أن يبت في الطلب خلال 48 ساعة من تقديمه و إلا أفرج عن المتهم بقوة القانون وفي حالة رفض الاستجابة لطلبه يحق لوكيل الجمهورية الطعن بالاستئناف أمام غرفة الاتهام.
ج- الإفراج بناء على طلب المتهم أو محاميه:
يجوز للمتهم طلب الإفراج من قاضي التحقيق كما يجوز ذلك لمحاميه، حيث يقدم الطلب في أية مرحلة من مراحل التحقيق، وله أن يبت فيه خلال مهلة 08 أيام بعد استطلاع رأي وكيل الجمهورية وتبليغ المدعي المدني لإبداء ملاحظاته.
2-التزامات طالب الإفراج:
لقد ورد النص على التزامات المحبوس مؤقتا الذي سيقرر القضاء الإفراج عنه وإطلاق سراحه بصفة مؤقتة في أماكن متفرقة من القانون تضمنتها خصوصا المواد 126-127-131 من قانون الإجراءات الجزائية, من خلال تحليل هذه النصوص يمكننا استخلاص ما يلي:
أ- الامتثال أمام الجهة القضائية الآمرة بالإفراج:
تنص المادة 126 من قانون الإجراءات الجزائية: "....شريطة أن يتعهد المتهم بالحضور في جميع إجراءات التحقيق بمجرد استدعائه..." أوجب القانون أن يلتزم المتهم طالب الإفراج ويتعهد أمام الجهة القضائية التي ستأمر بالإفراج عنه بأنه سيمتثل إلى كل استدعاء يرسل إليه من قاضي التحقيق أو قاضي الحكم، و أنه سيحضر كل إجراءات التحقيق أو المحاكمة في الزمان والمكان المذكورين في ورقة الاستدعاء وذلك كلما بلغ إليه بطريقة قانونية وفي الوقت المناسب.
و في نفس السياق يمكننا استخلاص التزام آخر يقع على عاتق المتهم المتابع بجناية والذي أفرج عنه أو لم يكن قد حبس أثناء سير التحقيق أن يلتزم بتقديم نفسه للسجن في موعد لا يتجاوز اليوم السابق للجلسة وفقا لنص المادة 137 من قانون الإجراءات الجزائية
ب- أن يخطر المتهم القاضي بجميع تنقلاته:
بما أن المتهم لا يزال محل تحقيق فإن مقتضيات هذا الأخير تستلزم وجوده، لذا أوجب عليه القانون أن يخبر القاضي المحقق بكل انتقال يمكن أن يحدث في المستقبل وينشأ عنه تغيير في موطنه أو محل إقامته خلافا للعنوان الذي كان قد صرح به أثناء التحقيق أو المحاكمة وقبل الأمر بالإفراج عنه، إذ قد يجد القاضي نفسه مضطرا إلى البحث عنه قصد إجراء مواجهة مثلا أو استجوابه عن بعض المسائل، فلو لم يكن للمتهم محلا أو تركت له حرية التنقل والاختيار دون إشعار لوجب البحث عليه من جديد ومعه تتعطل إجراءات التحقيق وتضيع سمة السرعة الموصوفة بها.
ج- وجوب اختيار موطن للمتهم:
لقد اشترط القانون على المتهم قبل الإفراج عنه اختيار موطن معين حتى يتمكن من التوصل بالإستدعاءات القضائية لحضور إجراءات التحقيق, ولقد أوضحت المادة 131 من قانون الإجراءات الجزائية كيفية تنفيذ هذا الالتزام إذ يجب أن يكون بمقتضى محضر يحرر في قلم كتاب مؤسسة إعادة التربية المتواجدة في دائرة اختصاص جهة التحقيق إذا ما أمر به قاضي التحقيق أو في دائرة اختصاص انعقاد جهة الحكم إذا صدر الأمر بالإفراج منها.
د- تقديم كفالة:
يجوز تعليق الإفراج في غير الأحوال التي يكون فيها واجبا حتما على تقديم كفالة تقدرها الجهة التي يوجد المتهم على مستواها سواء كان قاضي التحقيق أو جهة الحكم.
يخصص جزء من الكفالة ليكون جزاء كافيا لتخلف المتهم عن الحضور في أي إجراء من إجراءات التحقيق والدعوى والتقدم لتنفيذ الحكم والقيام بكافة الواجبات الأخرى التي تفرض عليه، ويخصص الجزء الآخر لدفع ما يأتي ترتيبه:
- المصاريف التي سبق أن قام بدفعها المدعي المدني.
- المصاريف التي أنفقها القائم بالدعوى العمومية.
- الغرامات.
- المبالغ المحكوم بردها.
- التعويضات المدنية.
و يدفع مبلغ الكفالة نقدا، هذا هو المعمول به، كما يجوز أن يكون أوراقا مصرفية أو شيكات مقبولة للصرف أو سندات صادرة أو مضمونة من الدولة تسلم كلها إلى يد كاتب المحكمة أو المجلس القضائي.
إذا تخلف المتهم بغير عذر مشروع عن أي إجراء من إجراءات الدعوى أو عن تنفيذ الحكم يصبح الجزء الأول من الكفالة ملك للدولة بغير حاجة إلى حكم بذلك، ويرد له إذا ما قام بكل الالتزامات المفروضة عليه وكذا في حالة صدور قرار بألا وجه للمتابعة أو حكم بالبراءة.
إذا ما صدر حكم بإدانة المتهم فيخصص الجزء الثاني لسداد المصاريف وأداء الغرامة ورد المحكوم برده ودفع التعويضات المدنية وما بقي فيرد للمتهم.
و قد أوكل المشرع عملية توزيع المبالغ المودعة أو المحصلة على مستحقيها للخزينة, بموجب نص المادة 136 من قانون الإجراءات الجزائية.
ويكون الإفراج بكفالة مسألة جوازية متروكة للسلطة التقديرية لجهة التحقيق والحكم, تقتصر إمكانية تقريرها على المتهم الأجنبي فقط وفقا لما نصت عليه المادة 132 والمادة 339 من قانون الإجراءات الجزائية، مع أن هذه الأخيرة جاءت عامة و لم تذكر " الأجنبي" حيث نصت:" إذا لم تكن الدعوة مهيأة للحكم أمرت المحكمة بتأجيلها إلى جلسة من أقرب الجلسات لإستفاء التحقيق، وتفرج عن المتهم بكفالة أو غيرها إن كان ثمة محل لذلك". ومع ذلك فإنه جرت العادة عمليا أن الإفراج بكفالة يخص الأجانب فقط.
هـ- تحديد محل الإقامة:
تكون جهة التحقيق أو الحكم التي تترك أو تخلي بصفة مؤقتة سبيل متهم ذي جنسية أجنبية هي وحدها المختصة بتحديد محل الإقامة الذي يحظر على المتهم الابتعاد عنه إلا بتصريح وذلك قبل صدور قرار في الدعوى بألا وجه للمتابعة أو حكم نهائي كما يجوز لها منعه من مغادرة التراب الوطني.
جزاء مخالفة الالتزامات:
للاستفادة من الإفراج يتعين على المتهم التقيد بالالتزامات القانونية المفروضة عليه وفقا لما نصت عليه المادة 126من قانون الإجراءات الجزائية.
و في حالة مخالفة المتهم طواعية لهذه الالتزامات يجوز للقاضي المحقق إيداعه الحبس المؤقت كجزاء له طبقا لنص المادة 131 من قانون الإجراءات الجزائية:" و إذا استدعى المتهم للحضور بعد الإفراج عنه و لم يمثل ......فلقاضي التحقيق أو لجهة الحكم المرفوعة إليها الدعوى أن يصدر أمرا جديدا بإيداعه السجن.", إلا إذا أثبت أن هناك أسباب مشروعة دعته إلى ذلك فيكون أثناءهـا خاضعـــا للسلطة التقديرية للقاضي في الإعفاء من الجزاء هذا عملا بنص المادة 137 فقرة 2 من قانون الإجراءات الجزائية:" إذا كان المتهم قد كلف بالحضور تكليفا صحيحا بالطريق الإداري بمعرفة قلم كتاب المحكمة الجنائية ولم يمثل في اليوم المحدد أمام رئيس المحكمة لاستجوابه بغير عذر مشروع، ينفذ ضده أمر القبض الجسدي".
كما أخضع المشرع الجزائري المتهم الأجنبي الذي خالف التزامات الإفراج لعقوبة الحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات والغرامة من 500 إلى 50.000دج أو بإحدى هاتين العقوبتين, وفضلا عن ذلك يحكم عليه وجوبا بسحب جواز السفر مؤقتا هذا وفقا لما نصت عليه المادة 129 من قانون الإجراءات الجزائية، وعليه فإن المشرع في هذه الحالة إعتبر مخالفة المتهم الأجنبي للالتزامات المفروضة عليه للاستفادة من الإفراج جنحة مستقلة تضاف لتلك الجريمة المرتكبة سبب إخضاعه للحبس المؤقت( ثم الإفراج كبديل عنه ).
و مما سبق يتضح أن استمرار المتهم في الاستفادة من الإفراج بدلا من الحبس المؤقت متوقف على مدى احترامه للالتزامات التي يقتضيها هذا النظام, فإذا ما خالفها يجوز لقاضي التحقيق إيداعه الحبس المؤقت كجزاء له وتحميله الآثار السلبية التي يتميز بها هذا الإجراء.

المطلب الثاني: إجراءات طلب الإفراج:
تتطلب منا دراسة هذا المطلب التطرق إلى كل من الأشخاص المخول لهم طلب الإفراج, و الجهات التي لها سلطة الفصل في هذه الطلبات و كذا الطعن في الأوامر الصادرة به و شروط إعادة الأمر بالحبس المؤقت.

الفرع الأول:الأشخاص المخول لهم طلب الإفراج:
نصت المادة 126 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه:"يجوز لقاضي التحقيق في جميع المواد أن يأمر من تلقاء نفسه بالإفراج إن لم يكن لازما بقوة القانون وذلك بعد استطلاع رأي وكيل الجمهورية...".
ويفهم من نص المادة أعلاه أن لقاضي التحقيق بعد استطلاع رأي وكيل الجمهورية التدخل للإفراج عن المتهم المحبوس مؤقتا, وذلك دون حاجة إلى تقديم طلب من أي جهة كانت, ويطلق على هذا الإفراج عادة اصطلاح "رفع اليد".
وبالإضافة إلى قاضي التحقيق الذي خول له القانون صراحة في المادة 126 من قانون الإجراءات الجزائية الإفراج عن المتهم, هناك أشخاص آخرين منحهم القانون حق تقديم طلب الإفراج إما إلى جهة التحقيق أو إلى جهة الحكم وهم:
- وكيل الجمهورية.
- المتهم المحبوس.
- محامي المتهم.
ونتعرض إلى كل واحد منهم فيما يلي:
1-وكيل الجمهورية:
خول القانون لوكيل الجمهورية حق طلب الإفراج عن المتهم, إذ تنص المادة 126 فقرة 2 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه:"يجوز لوكيل الجمهورية طلب الإفراج في كل وقت....".
إذن يحق لوكيل الجمهورية أن يقدم لقاضي التحقيق طلب الإفراج عن المتهم وذلك في حالة ما إذا تبين له من خلال الإجراءات وكذا الوقائع والظروف المحيطة بالجريمة أن المتهم المحبوس لا علاقة له بها, أو أن قاضي التحقيق لم يتوصل بشأنها إلى أية نتيجة أو غير ذلك من الأسباب.
2- المتهم المحبوس:
جاء في نص المادة 127 من قانون الإجراءات الجزائية أنه يجوز للمتهم طلب الإفراج من قاضي التحقيق في كل وقت مع مراعاة الالتزامات المنصوص عليها في المادة 126 من هذا القانون, و المتمثلة في تعهد المتهم بالحضور في جميع إجراءات التحقيق بمجرد استدعائه وأن يقوم بإخطار قاضي التحقيق بجميع تنقلاته.
إذن يحق للمتهم المحبوس أن يتقدم إلى الجهة القضائية المختصة سواء كانت جهة التحقيق أو جهة الحكم بطلب كتابي يلتمس فيه الإفراج, ويبين أسباب ذلك مع ذكر عنوانه والتعهد بالتزام الحضور و المثول أمام العدالة عندما يطلب منه ذلك.
3- محامي المتهم المحبوس:
أعطى المشرع لمحامي المتهم المحبوس حق تقديم طلب الإفراج عن موكله طبقا لنص المادة 127 من قانون الإجراءات الجزئية إلى قاضي التحقيق أو غرفة الاتهام أو جهة الحكم, كلما رأى ضرورة لذلك.
الفرع الثاني:الجهات التي لها سلطة الفصل في طلبات الإفراج:
بتصفحنا لقانون الإجراءات الجزائية نجد أن المشرع منح سلطة الإفراج عن المتهم المحبوس بصفة مؤقتة لجهات مختلفة وهذا حسب الأوضاع التي تكون عليه الدعوى العمومية وتنحصر هذه الجهات فيما يلي:
-جهة التحقيق.
-جهة الحكم.

أولا:جهة التحقيق:
تشمل جهة التحقيق كلا من قاضي التحقيق و قاضي الأحداث وغرفة الاتهام.
1-قاضي التحقيق:
هو الجهة الأولى المختصة بالإفراج عن المتهم المحبوس مؤقتا سواء كان ذلك بقوة القانون أو بطلب يقدم إليه ضمن الأوضاع و المواعيد المقررة قانونا, كما سيأتي تفصيله:
- إذا كان طلب الإفراج بقوة القانون, بمجرد توفر الحالات المنصوص عليها قانونا يتعين على قاضي التحقيق إخلاء سبيل المتهم في الحين, حيث نصت المادة126 فقرة 2 أنه:"يجوز لوكيل الجمهورية طلب الإفراج في كل وقت و على قاضي التحقيق أن يبت في ذلك خلال ثمان و أربعين ساعة من تاريخ طلب الإفراج و عند انتهاء هذه المهلة, و في حالة ما إذا لم يبت قاضي التحقيق يفرج على المتهم في الحين."
و الإشكال الذي يثور هل أن المتهم يخلى سبيله من طرف مدير المؤسسة العقابية دون الرجوع إلى القاضي مصدر أمر الحبس؟
إن المشرع الجزائري لم يوضح كيفية الإفراج عن المتهم بل اكتفى بذكر عبارة "في الحين" فما المقصود منها؟
فإذا التزمنا بحرفية النص فيكون على مدير المؤسسة العقابية المحبوس فيها المتهم إخلاء سبيله دون حاجة لصدور أمر بذلك, وهذا بمجرد إنقضاء مهلة ثمان و أربعين (48) ساعة لكن مدير المؤسسة لا يكون على علم بطلب الإفراج المقدم من وكيل الجمهورية وعليه فلا يمكنه الإفراج على المتهم بل لابد من صدور أمر الإفراج عنه من قاضي التحقيق.
- إذا كان الإفراج خاضعا للسلطة التقديرية لقاضي التحقيق فلا يخرج عن الحالات الآتية:
1- يجوز لقاضي التحقيق في جمع المواد أن يأمر من تلقاء نفسه بالإفراج وهذا بعد استطلاع رأي وكيل الجمهورية وإخضاع المتهم لبعض الالتزامات التي سبق الإشارة إليها وفقا لنص المادة 126 فقرة 1 من قانون الإجراءات الجزائية.
2-إذا كان طلب الإفراج مقدم من طرف وكيل الجمهورية يتعين على قاضي التحقيق الفصل فيه سواء بالرفض أو القبول في مدة 48 ساعة و إلا أفرج عن المتهم.
3-إذا كان طلب الإفراج مقدم من المتهم أو محاميه فعلى قاضي التحقيق أن يرسل الملف في الحال إلى وكيل الجمهورية الذي يقدم طلباته خلال 5 أيام التالية, و يتعين على قاضي التحقيق أن يفصل في الطلب بأمر خاص مسبب خلال 8 أيام من تاريخ إرسال الملف إلى وكيل الجمهورية وإذا لم يبت في هذه المهلة, فعلى طالب الإفراج أن يقدم طلبه مباشرة إلى غرفة الاتهام التي يجب أن تفصل فيه خلال مدة 30 يوم من تقديمه.
يتبين مما سبق أن المشرع لم يسوي بين كل من وكيل الجمهورية والمتهم أو محامية في طلب الإفراج من حيث المواعيد و الآثار المترتبة عن ذلك و السؤال المطروح هو: ما هي نية المشرع من وراء إضافة العبارة التالية للمادة 127 فقرة 2 من قانون الإجراءات الجزائية:"...لوكيل الجمهورية الحق في رفع طلب الإفراج إلى غرفة الاتهام ضمن نفس الشروط "؟
و تجدر الإشارة في هذا الصدد أن أمر الإفراج يصدر بموجب أمر مسبب من قاضي التحقيق رغم أن المادة جاءت بعبارة " بقرار خاص مسبب " في حين أن النص الفرنسي استخدم عبارة " ordonnance" هذا إن دل فإنما يدل على سوء الترجمة لمحتوى النصوص.
و بالرجوع إلى نص المادة السالفة الذكر, نجد أنها لم تبين محتوى و بيانات هذا الأمر, مما يجعلنا نرجع إلى القواعد العامة المطبقة على أوامر قاضي التحقيق التي أمر القانون صراحة أن تكون مسببة.
2- قاضي الأحداث:
بالرجوع إلى النصوص المطبقة على المتهم الأحداث فإننا لم نجد أي نص يتكلم على الإفراج عكس الحبس المؤقت و عليه فإن القواعد الخاصة بالإفراج المطبقة على البالغ تطبق على الحدث.
3- غرفة الاتهام:
تختص غرفة الاتهام بالفصل في طلبات الإفراج في الحالات الآتية:
- النظر في طلبات الإفراج المقدمة إليها عندما تأمر بتحقيق تكميلي طبقا لنص المادة 186 من قانون الإجراءات الجزائية:" يجوز لغرفة الاتهام بناء على طلب النائب العام أو أحد الخصوم أو حتى من تلقاء نفسها, أن تأمر باتخاذ جميع إجراءات التحقيق التكميلية التي تراها لازمة كما يجوز لها أيضا بعد استطلاع رأي النيابة العامة أن تأمر بالإفراج عن المتهم".
- في حالة الطعن لدى غرفة الاتهام في قرار قاضي التحقيق الرافض للطلب المقدم من المتهم أو النيابة العامة الخاص بالإفراج أو عدم بته أصلا في هذا الطلب في الأجل الذي حدده القانون طبقا للمواد 126 و 127 و 170 و 171 و 172 من قانون الإجراءات الجزائية.
- حالة الحكم في الدعوى بعدم الاختصاص إذ نصت على هذه الحالة المادة 128 فقرة 5 من قانون الإجراءات الجزائية:" و تنظر غرفة الاتهام في جميع طلبات الإفراج في حالة صدور الحكم بعدم الاختصاص...", و معنى ذلك أنه إذا أحيل ملف قضية ما متعلقة بمتهم محبوس على جهة قضائية سواء في أول أو ثاني درجة و
قضت بعدم الاختصاص, كأن تحال القضية بوصفها جنحة ثم يتبين فيما بعد أن الوقائع تشكل جناية فتصدر جهة الحكم حكما بعدم الاختصاص فإذا كان المتهم محبوس مؤقتا فإن طلب الإفراج يقدم إلى غرفة الاتهام.
- في حالة إحالة القضية على محكمة الجنايات وفي الفترة الواقعة بين دورات انعقاد المحكمة حيث نصت عليها المادة 128 فقرة 3 من قانون الإجراءات الجزائية إذا أصدر قاضي التحقيق أمر بإرسال الملف إلى النائب العام كون الوقائع تشكل جناية ورأى المتهم أن من مصلحته تقديم طلب الإفراج عنه خلال تلك الفترة و ريثما يتم تحديد جلسة لمحاكمته, فإنه يتعين في هذه الحالة أن يوجه طلبه إلى غرفة الاتهام باعتبارها الجهة المختصة بالفصل في طلبات الإفراج في حالة الإحالة على محكمة الجنايات أو بين دورات انعقادها.
- في جميع الأحوال التي ترفع القضية فيها إلى أية جهة قضائية إذ نصت المادة 128 فقرة 5 من قانون الإجراءات الجزائية:"...وفي جميع الأحوال التي لم ترفع فيها القضية إلى أية جهة قضائية".
عمليا هذه الحالة نادرة الوقوع.
ثانيا:جهات الحكـــم:
وتشمل:
– المحكمة والمجلس.
- المحكمة العليا.
1- المحكمة أو المجلس:
تنص المادة 128 فقرة1 من قانون الإجراءات الجزائية:" إذا رفعت الدعوى إلى جهة قضائية للفصل فيها أصبح لهذه الجهة حق الفصل في طلب الإفراج"
كما نصت نفس المادة في فقرتها 4:" وفي حالة الطعن بالنقض والى أن يصدر حكم المحكمة العليا تفصل في طلب الإفراج آخر جهة قضائية نظرت في موضوع القضية"
و من تحليلنا للفقرتين المذكورتين أعلاه نستنتج أن هناك حالتين يوجه فيهما طلب الإفراج إلى جهة الحكم وهما:
- حالة عرض القضية على المحكمة أو المجلس:
إذا كانت القضية قد أحيلت إلى جهة قضائية سواء المحكمة أو المجلس وكان المتهم محبوس, ورأت هذه الجهة أنه من الضروري تأجيل الفصل في موضوع الدعوى لمدة معينة من أجل إجراء تحقيق تكميلي أو لإعادة استدعاء باقي الأطراف ورأى المتهم أن من مصلحته تقديم طلب الإفراج فيتعين عليه أن يقدمه إلى الجهة المعروض عليها الملف, وعلى هذه الأخيرة البت في الطلب بالإيجاب أو السلب.
كما نصت المادة 339 من قانون الإجراءات الجزائية:" إذا لم تكن الدعوى مهيأة للحكم أمرت المحكمة بتأجيلها إلى جلسة من أقرب الجلسات لاستفاء التحقيق وتفرج عن المتهم بكفالة أو غيرها إن كان ثمة محل لذلك".
يفهم من هذه المادة أنه إذا كان المتهم محبوس بموجب أمر إيداع صادر عن وكيل الجمهورية قد قدم إلى محكمة الجنح وفقا لإجراءات التلبس بالجريمة ورأت هذه الأخيرة أن القضية غير جاهزة للفصل فيها وأنه ينبغي إجراء تحقيق تكميلي أو أراد المتهم أن يقدم طلب الإفراج فإنه يقدمه إلى المحكمة المطروح أمامها الملف دون سواها.
و نلاحظ أن المشرع هنا قيد القاضي الذي يترأس المحكمة عند الفصل في الجنحة المتلبس بها إذا قدم إليه طلب الإفراج بأربعة شروط وهي:
- أن تكون القضية المطروحة على المحكمة غير جاهزة للفصل فيها في نفس الجلسة المحددة.
- أن تقرر المحكمة تأجيل الفصل في موضوع الدعوى.
- أن يكون تأجيل القضية إلى أقرب جلسة بغرض القيام بتحقيقات.
- أن تكون هناك مبررات وأسباب جدية للإفراج عن المتهم.

- حالة تقديم طلب الإفراج بعد الطعن بالنقص في قرار الغرفة الجزائية:
إذا طعن بالنقص في قرار الغرفة الجزائية, فإن طلب الإفراج يقدم إلى آخر جهة قضائية فصلت في الدعوى, بمعنى أن المتهم الذي صدر في حقه حكم من الدرجة الأولى يقضي بإدانته بعقوبة سالبة للحرية وكان محل حبس مؤقت و تم تأيد هذا الحكم من الغرفة الجزائية بالمجلس القضائي, وقرر المتهم أو النائب العام الطعن بالنقض فإن طلب الإفراج يقدم في هذه الحالة إلى الغرفة الجزائية بالمجلس القضائي باعتبارها آخر جهة فصلت في موضوع الدعوى.

2- المحكمة العليا:
تنص المادة 128 فقرة 5من قانون الإجراءات الجزائية:"... إذا كان الطعن بالنقض مرفوعا ضد حكم محكمة الجنايات فإن الفصل في شأن الحبس المؤقت يكون لغرفة المحكمة العليا المدعوة للنظر في الطعن خلال خمسة و أربعين (45) يوما, وإن لم يكن ذلك وجب الإفراج عن المتهم ما لم يؤمر بتحقيقات تتعلق بطلبه".
من هنا يتبين لنا أنه إذا أحيلت القضية على محكمة الجنايات كون الوقائع تشكل جناية و أصدرت هذه الأخيرة حكمها ثم حصل و أن وقع الطعن فيه بالنقض سواء من أحد الأطراف أو النائب العام و أراد المتهم المحبوس أن يقدم طلب الإفراج فإنه يوجه طلبه إلى الغرفة الجنائية بالمحكمة العليا و على هذه الأخيرة أن تفصل فيه في أجل لا يتعدى 45 يوما وإذا انقضت المدة دون أن تفصل في ذلك فيتعين الإفراج عن المتهم ما لم تأمر بتحقيقات متعلقة بطلبه.
و نلاحظ أن المشرع خول للمحكمة العليا النظر في طلبات الإفراج إذا كان الطعن بالنقض ضد حكم جنائي فقط.
الفرع الثالث: الطعن في الأوامر الصادرة بشأن الإفراج و شروط إعادة الأمر بالحبس المؤقت:
سندرس في هذا الفرع كل من الطعن في الأوامر الصادرة بشأن الإفراج و شروط إعادة الأمر بالحبس المؤقت.
أولا: الطعن في الأوامر الصادرة بشأن الإفراج:
لقد خول المشرع لكل من وكيل الجمهورية و النائب العام و المتهم و محاميه حق الطعن بالاستئناف في أمر الإفراج الصادر عن قاضي التحقيق أو قاضي الحكم, و حدد آجالا لذلك, و طريقة رفعه, و الجهة التي خول لها القانون الفصل فيه.
- استئناف الأوامر الصادرة عن قاضي التحقيق:
هذا الحق خوله القانون لكل من وكيل الجمهورية و النائب العام و المتهم و محاميه.
أ- وكيل الجمهورية:
لقد خول القانون لوكيل الجمهورية حق استئناف جميع الأوامر الصادرة عن قاضي التحقيق, و يتم ذلك بتقرير لدى قلم كتاب المحكمة, و يجب أن يرفع خلال ثلاثة أيام من تاريخ صدور الأمر طبقا لنص المادة 170 من قانون الإجراءات الجزائية.
و من ثمة إذا لم يقدم الاستئناف كتابيا أو تجاوزت النيابة العامة المدة المحددة قانونا عد هذا الاستئناف كأن لم يكن.
ب- النائب العام:
للنائب العام الحق في استئناف جميع أوامر قاضي التحقيق مثله مثل وكيل الجمهورية لكن هذا الاستئناف يختلف من حيث شروطه كالآتي:
- أن يبلغ استئناف النائب العام إلى الخصوم خلال المدة المحددة قانونا لذلك الاستئناف و هي عشرين (20) يوما.
و عليه إذا لم يحصل هذا التبليغ و لو تم الاستئناف في موعده يكون مرفوض و هذا ما أكده القرار رقم 06-78 الصادر عن غرفة الاتهام بمجلس قضاء قسنطينة المؤرخ في 01-02-1978 و الذي جاء فيه أن سبب رفض استئناف النائب العام هو خرقه لنص المادة 171 من قانون الإجراءات الجزائية التي تستلزم إشعار الأطراف بذلك الاستئناف في أجل 20 يوما من تاريخ صدور الأمر.
و لم ينص المشرع على الشكل الذي يجب على النائب العام احترامه عند رفع استئنافه, على خلاف وكيل الجمهورية, فهل يرفع النائب العام استئنافه بنفس الأشكال التي حددها القانون لوكيل الجمهورية؟
و ما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أن الاستئناف لا يوقف مجرى التحقيق, و هذا ما نصت عليه المادة 174 من قانون الإجراءات الجزائية:" يواصل قاضي التحقيق إجراء التحقيق, إذا كان الأمر قد استأنف ما لم تصدر غرفة الاتهام قرار يخالف ذلك".

ج- استئناف المتهم أو محاميه للأمر برفض الإفراج الصادر عن قاضي التحقيق:
تنص المادة 172 من قانون الإجراءات الجزائية:" للمتهم أو لوكيله الحق في رفع استئناف أمام غرفة الاتهام بالمجلس القضائي عن الأوامر المنصوص عليها في المواد....127 من هذا القانون...".
يجوز للمتهم أو محاميه استئناف أمر رفض الإفراج الصادر عن قاضي التحقيق أمام غرفة الاتهام في ظرف ثلاثة أيام من تاريخ تبليغه بموجب عريضة يودعها لدى أمانة ضبط قاضي التحقيق.
2-استئناف الأحكام الصادرة عن قاضي الحكم:
تنص المادة 128 من قانون الإجراءات الجزائية:" إذا رفعت الدعوى إلى جهة قضائية للفصل فيها أصبح لهذه الأخيرة حق الفصل في طلب الإفراج.
و إذا فصلت المحكمة في طلب الإفراج, فإن الاستئناف يتعين رفعه في ظرف أربع و عشرون ساعة من النطق بالحكم."
بمعنى إذا كان الأمر المراد الطعن فيه صادرا عن المحكمة الناظرة في الدعوى, فإن أجل الطعن هو أربعة و عشرون ساعة من النطق بالحكم بقبول الإفراج أو برفضه و ذلك مهما كانت صفة الطاعن, سواء وكيل الجمهورية أو النائب العام أو المتهم لكن المشرع هنا لم يحدد كيفية رفع الطعن.
في رأينا نرجع للقواعد العامة و هي أن يقدم الطلب أو التصريح بالطعن إلى أمانة ضبط المحكمة في نفس يوم صدور الحكم.
آثار استئناف الأمر بالإفراج الصادر عن جهة الحكم:
نصت المادة 128 فقرة 3 من قانون الإجراءات الجزائية:" و يظل المتهم محبوسا حتى يقضى في استئناف النيابة العامة, و في جميع الحالات ريثما يستنفذ ميعاد الاستئناف ما لم يقرر النائب العام إخلاء سبيل المتهم في الحال."
يستشف من نص المادة أعلاه بأنه سواء استأنفت النيابة العامة أو لم تستأنف الأمر بالإفراج الصادر عن جهة الحكم, فإن المتهم يبقى محبوسا إلى أن تنتهي مهلة الأربعة و عشرون ساعة المقررة قانونا ما لم يقبل النائب العام الإفراج عنه قبل نهاية أجل الطعن.
3- آثار الطعن بالاستئناف:
تختلف آثار الطعن بالاستئناف باختلاف صفة رافعه سواء وكيل الجمهورية أو النائب العام و سنقسم ذلك إلى حالتين:
- الحالة الأولى: استئناف وكيل الجمهورية يوقف الأمر بالإفراج:
تنص المادة 170 فقرة 2 من قانون الإجراءات الجزائية:" و متى رفع الاستئناف من النيابة العامة بقي المتهم محبوسا في حبسه حتى يفصل في الاستئناف, و يبقى كذلك في جميع الأحوال إلى حين انقضاء ميعاد استئناف وكيل الجمهورية إلا إذا وافق وكيل الجمهورية على الإفراج عن المتهم في الحال".
يفهم من نص المادة أعلاه أن استئناف وكيل الجمهورية له أثر موقف, ففي حالة استعمال حقه يبقى المتهم محبوسا, و استثناء يمكن الإفراج عنه في الحال إذا ما وافق وكيل الجمهورية على إطلاق سراحه.
- الحالة الثانية: استئناف النيابة العامة لا يوقف تنفيذ الأمر بالإفراج:
تنص المادة 171 من قانون الإجراءات الجزائية:" يحق الاستئناف أيضا للنائب العام في جميع الأحوال....و لا يوقف هذا الميعاد و لا رفع الاستئناف و تنفيذ الأمر بالإفراج."
تتحقق هذه الحالة إذا أصدر قاضي التحقيق أمر بالإفراج عن المتهم المحبوس مؤقتا, وإن لم يتم استئنافه من طرف وكيل الجمهورية, و رأى النائب العام ضرورة لاستئنافه فإن ذلك لا يوقف تنفيذ هذا الأمر, فإذا ما بقي المتهم محبوسا فإن حبسه يعتبر حبسا تعسفيا, و يجوز لرئيس غرفة الاتهام أن يتدخل و يعقد جلسة من أجل دراسة وضعية المتهم و الأمر بالإفراج عنه تطبيقا لنص المادة 205 من قانون الإجراءات الجزائية.

ثانيا: شروط إعادة الأمر بالحبس بعد الإفراج:
إذا قرر وكيل الجمهورية أن يتقدم بطلب إصدار أمر بالإفراج على المتهم المحبوس مؤقتا تنفيذا لنص المادة 126 من قانون الإجراءات الجزائية و رفض قاضي التحقيق طلبه, فإن القانون لم يحدد أجلا يسمح من خلاله لوكيل الجمهورية بتقديم طلب آخر مرة ثانية بقصد الإفراج, بمعنى أنه يجوز له تقديم طلبه في كل وقت إذا لم يبت قاضي التحقيق فيه في أجل ثمان و أربعين (48) ساعة.
عمليا نادرا ما تطلب النيابة العامة الإفراج إن لم نقل إطلاقا, على الرغم من أن المشرع منحها حق طلبه من قاضي التحقيق لصالح المتهم في كل وقت, دون تعليقه على شرط أو تقييده بأجل أو بمدة معينة.
أما إذا تعلق الأمر بالمتهم أو محاميه, فإنه لا يمكن له تجديد طلبه إلا بعد مرور شهر من تاريخ رفض الطلب السابق طبقا للمادة 127 فقرة 3 من قانون الإجراءات الجزائية.
إذا كانت القاعدة العامة أنه لا يجوز إطلاقا, و لا بأي حال من الأحوال أن يصدر أي أمر بإعادة إيداع المتهم الذي أفرج عنه الحبس مرة ثانية, لنفس الأسباب و الظروف فإنه و استثناءا من القاعدة يجوز إصدار أمر جديد بإيداعه الحبس إذا توافرت شروط
معينة, حددها القانون و ذكرها على سبيل الحصر في المادة 131 من قانون الإجراءات الجزائية بحيث لا يجوز تجاوزها أو القياس عليها.., و هذه الشروط هي:

1- شرط عدم وفاء المتهم بالتزاماته:
إذا قرر قاضي التحقيق أو قاضي الحكم الإفراج عن المتهم أو إطلاق سراحه بصفة مؤقتة, على أساس أنه يتعهد بالمثول و الحضور أمامه كلما طلب منه ذلك, ثم أن هذا المتهم المفرج عنه قد خالف تعهده و لم يحضر لدى القاضي المذكور في الوقت المحدد بعد استدعائه بصفة قانونية و صحيحة و هذا ما نصت عليه المادة 126 من قانون الإجراءات الجزائية:"...أن يتعهد المتهم بالحضور في جميع إجراءات التحقيق بمجرد استدعائه, و أن يخطر القاضي بجميع تنقلاته" و كذلك المادة 130 من قانون الإجراءات الجزائية:" و إذا طرح الأمر على جهة الحكم في الأحوال المنصوص عليها في المادتين 128 و 129 استدعي الخصوم و محاميهم بكتاب موصى عليه..." ففي هذه الحالة يجيز المشرع لكل من قاضي التحقيق أو قاضي الحكم أن يأمر من جديد بإيداع المتهم الحبس المؤقت و لو لنفس الأسباب التي كان قد حبس من أجلها في المرة الأولى إذ نصت المادة 131 من قانون الإجراءات الجزائية:" إذا استدعي المتهم للحضور بعد الإفراج و لم يمتثل... فلقاضي التحقيق أو لجهة الحكم المرفوعة إليها الدعوى إصدار أمر جديد بإيداعه الحبس....".
2- شرط ظهور ظروف جديدة أو خطيرة:
لقد نصت على هذه الحالة المادة 131 فقرة 2 من قانون الإجراءات الجزائية:"...أو إذا طرأت ظروف جديدة أو خطيرة تجعل من الضروري حبسه, فلقاضي التحقيق أو لجهة الحكم المرفوع إليها الدعوى أن تصدر أمرا جديدا بإيداعه السجن".
يستشف من نص هذه المادة بأنه إذا قرر قاضي التحقيق الإفراج عن المتهم بصفة مؤقتة سواء من تلقاء نفسه أو بناء على طلب ثم طرأت أثناء التحقيق ظروف جديدة أو خطيرة, كاكتشاف أن الوقائع المتابع من أجلها المتهم هي ذات وصف جزائي, أو اكتشاف أن المتهم المفرج عنه مؤقتا كان متابعا بجريمة واحدة, بينما في الواقع كان قد ارتكب جرائم متعددة في نفس الوقت أو في أوقات متباعدة, مازال لم يتابع من أجلها و أنه لو ترك حرا سيفلت من العدالة, أو يؤثر على معالم الجريمة و يخفي أو يزيل أدلة إثباتها و إسنادها إليه, تجعل من الضروري الأمر بإعادة حبس المتهم المفرج عنه, فيجيز القانون لقاضي التحقيق الذي سبق و أن أمر بالإفراج عنه أو قاضي الحكم المطروحة أمامه الدعوى, و الذي سبق و أن أمر بإطلاق سراحه, أن يأمر بإيداعه الحبس من جديد.

3- شرط الحكم بعدم الاختصاص:
نصت على هذا الشرط المادة 131 فقرة 3 من قانون الإجراءات الجزائية:" و لغرفة الاتهام ذلك الحق نفسه في حالة عدم الاختصاص و ذلك ريثما ترفع الدعوى للجهة القضائية المختصة".
يمكن تصور هذه الحالة أنه إذا أحيلت القضية على جهة من جهات الحكم و رأت هذه الأخيرة أنها غير مختصة بالفصل, ثم أنه قبل أن تحال القضية إلى الجهة المختصة مثل محكمة الجنايات أو إلى محكمة أخرى ظهرت ظروف جديدة و خطيرة, فإنه يجوز لغرفة الاتهام أن تصدر أمرا بإعادة حبس المتهم مؤقتا لمدة غير محددة يمكن أن تطول أو تقصر إلى غاية تقديم الدعوى إلى الجهة المختصة, و يكون ذلك بناء على طلب مسبب من النائب العام لدى المجلس القضائي الذي توجد بدائرته الجهة التي قررت الحكم بعدم الاختصاص.

4- شرط سلب المتهم حق الاستفادة من قرار الإفراج:
تنص المادة 131 فقرة أخيرة من قانون الإجراءات الجزائية:"و إذا قررت غرفة الاتهام الإفراج معدلة بذلك قرار قاضي التحقيق فلا يجوز للأخير أن يصدر أمر حبس جديد بناء على أوجه الاتهام عينها, إلا إذا قامت غرفة الاتهام بناء على طلب كتابي من النيابة العامة بسحب حق المتهم في الانتفاع بقرارها."
و يتجسد هذا الشرط في حالة ما إذا أمر قاضي التحقيق بحبس المتهم مؤقتا, أو رفض طلب الإفراج عنه, و طعن وكيل الجمهورية أو المتهم أو محاميه و أفرجت غرفة الاتهام عن المتهم المحبوس مؤقتا مخالفة بذلك أمر قاضي التحقيق, فلا يجوز لهذا الأخير إصدار أمر بحبس المتهم مؤقتا من جديد استنادا إلى عناصر و أسباب الاتهام ذاتها, إلا إذا قدمت النيابة العامة طلبا كتابيا إلى غرفة الاتهام تطلب فيه سحب حق المتهم في الانتفاع بقرارها و قبول هذه الأخيرة هذا الطلب.
و السؤال الذي يطرح نفسه بعد تعرضنا لمختلف الشروط التي إذا توفر أحدها يمكن لقاضي التحقيق أن يعدل عن الأمر بالإفراج الذي أصدره لصالح المتهم, و يأمر بإعادة إيداعه الحبس فهل يقصد هنا المشرع الإفراج الوجوبي و الجوازي معا أم أن الأمر هنا يتعلق فقط بالإفراج الجوازي فقط؟
في رأينا أن الأمر يتعلق بالإفراج الجوازي لأن المشرع منحه لقاضي التحقيق في إطار سلطته التقديرية, يلجأ إليه متى شاء من أجل التخفيف من حدة الحبس المؤقت, فخوله سلطة الإفراج عن المتهم بصفة مؤقتة إذا لم يكن الحبس ضروري لحسن سير التحقيق, كما يمكنه كذلك من الحق في التراجع عنه و الأمر بإعادة حبسه مؤقتا من جديد إذا توافرت إحدى الشروط.
لكن هل يلزم القانون القضاة بتسبيب الأمر بإعادة حبس المتهم بصفة مؤقتة؟
لم ينص المشرع على ضرورة تسبيب الأمر الصادر بإعادة حبس المتهم بعد الإفراج عنه بصفة مؤقتة من الجهات التي خول لها القانون هذه الصلاحية, و حسب رأينا فإنه يجب تسبيب هذا الأمر ضمانا لحقوق المتهم, طالما أن المشرع حدد الحالات التي يجوز فيها اتخاذه.

dingo
2011-02-26, 21:38
HMD kainin li y3awno nass

zoubour
2011-03-05, 16:47
جزاك الله كل خير و عافية على هذه المواضيع القيمة وجعلها الله في ميزان حسناتك

لقاء الجنة
2011-03-20, 14:47
http://m002.maktoob.com/alfrasha/ups/u/25467/30871/397495.gif