KHAOULA SEBTI
2008-08-09, 23:10
:mad:عايشت آلام العديد من المطلقات، ولمست أن الطلاق في منتصف العمر يعد محنة قاسية، يصعب على المرأة تقبله، كما تقل في هذا العمر رغبتها في بذل المجهود اللازم لاجتياز هذه المحنة وعبورها بأقل قدر ممكن من المعاناة، وتحويل هذه المعاناة إلى مكاسب مستقبلية؛ وهو ما يقلل لديها الإحساس بالخسارة إلى درجة هائلة، وهو ما نوصي به دائما ليختفي الشعور بالمرارة داخل قلب المطلقة لتنجو بذلك من أمراض نفسية وجسدية أيضا هي في غنى عنها بكل تأكيد.
والثابت نفسيا أنه لا بد من توافر الرغبة في اجتياز المحنة كي يمكن الإنسان من مساعدة نفسه على عبورها، وأن الرغبة هي المحرك الرئيسي الذي يدفع الإنسان لاستجماع طاقاته النفسية والذهنية لاتباع خطوات عملية وواقعية وهو أمر لا مفر منه للخروج من الأزمة.
واللافت للنظر أن نسبة لا بأس بها من المطلقات عامة، وفي منتصف العمر خاصة، يبددن أوقاتا ثمينة من العمر في الرثاء للنفس والبكاء على الحظ السيئ الذي قادهن إلى الطلاق.
ندم وغيظ
ولنتوقف عند سيدة في أوائل الخمسينيات من عمرها، حيث أكدت ندمها البالغ على عمرها الذي ضاع سدى "على زوجي الذي لا يستحق ما بذلته من مجهود لإسعاده فضلا عما منحته له من أبناء (رائعين) بكل المقاييس، فهم يتمتعون بالنجاح الديني والدنيوي، ويعجب بهم كل من يلقاهم".
وتتحسر وهي تضيف: أشعر بالغيظ وبالحقد؛ لأنهم ينتمون إلى اسم هذا الرجل، وأنه يعتز بهم في كل مكان ويتناسى أنني التي صنعت هذا النجاح، وقد حاولت جاهدة ولكن بدون جدوى استمالتهم إليّ، وإجبارهم على مقاطعة والدهم الذي قام بتطليقي رغما عني، بحجة أنني لا أهتم بنفسي ولم أحافظ على شبابي ولم أعد أرضيه كزوجة، ولذا تزوج بأخرى ولم تكتف هي بذلك بل (أمرته) بتطليقي وفعل ذلك بدون أي تردد، وتناسى أن اهتمامي بتربية أولاده كان السبب وراء إهمالي لنفسي، وأنه لم يكن ممكنا أن أنجح في الدورين معا أي دور الزوجة والأم لذا اخترت ما رأيت أنه الأفضل.
وتلتقط أنفاسها ثم تواصل الحديث بسرعة وكأنما تخشى نسيان باقي قصتها فقالت: وعبثا حاولت إفهام أولادي بهذه الحقائق وأنني ضحيت بزواجي لأجلهم، وأن عليهم (رد الجميل) ومقاطعة والدهم وزوجته وعدم الذهاب إليه، ورفض استقباله في منازلهم، ولكنهم رفضوا جميعا، حتى ابني الأصغر، وهو الوحيد الذي لم يتزوج بعد، أصر على الذهاب إلى والده وتحداني.
وبكت السيدة وهي تنعى حظها العاثر، وتقول: كيف سأواجه الناس وأنا في حفل زفاف ابني، هل سأجلس وحيدة على مائدة وأجد زوجي السابق و(غريمتي) على مائدة أخرى يتضاحكان ويستقبلان الضيوف، أم أصر على عدم حضوره مما يتسبب في إحداث مشكلة بين ابني ووالده، وقد يدفعه ذلك إلى التخلي عن مسئولياته المادية تجاه ابنه، وبالطبع لا أستطيع تحملها نيابة عنه.
وواصلت حديثها قائلة: لذا أعيش حياتي كسيرة النفس، حسيرة القلب، ألتهم الطعام بكثرة حتى زاد وزني عشرة كيلوجرامات في ثلاثة أشهر، وبالطبع ينتقدني أولادي ويرون أنني قد أصبحت صعبة العشرة وسيئة المزاج وأبكي كلما رأيتهم، ولاحظت تباعد زياراتهم لي واكتفاءهم بمكالمات هاتفية سريعة مع التحجج بالانشغال بأمور تافهة.. وهو ما يجعلني أشعر أنني انتهيت وأن حياتي قد ضاعت بسبب هذا الرجل الجاحد وأولاده الذين يناصرونه بدون أي وجه حق، وبالطبع لا يمكنني أن أفكر في الزواج، فمن أين لي بزوج يرضى بحطام امرأة قد أنهكتها الحياة وكلفتها بما لا يطيقه أي بشر.
لا لتحريض الأبناء
أخطأت هذه السيدة أخطاء فادحة، لا بد من التوقف عندها، بالرغم من احترامنا -بالطبع- لألمها الإنساني، كما أننا لا نعفي الزوج من تجاهله لإهمال الزوجة في مظهرها وفي قيامها بدورها كزوجة، وكان يجب أن يحذرها قبل إقدامه على الزواج.
كما أنه ليس صحيحا أنه لا يمكن الجمع بين النجاح في دور الزوجة والأم، فهناك الملايين من الزوجات اللاتي اتسمن بالذكاء ونجحن بدرجة عالية في التوازن بين هذين الدورين بل ونسبة لا بأس بها منهن قد أضفن إليها دور المرأة العاملة، فالحقيقة أننا -جميعا- لدينا ثروة يومية متجددة يرزقنا بها الخالق عز وجل، ألا وهي الوقت اليومي، والمرأة الذكية وحدها هي التي تجيد الاستفادة منه بأقصى ما يمكن وتحقق التوازن بين أدوارها المختلفة، وأن تستمتع بهذا التعدد لأنه دليل على نضج ومفتاح النجاح في الوصول للحياة السعيدة لها ولكل من تحب.
أيضا لم تكن هذه السيدة موفقة -على الإطلاق- عندما تحدثت عن أولادها، فقد حرصت على نسبتهم إلى والدهم وكأنهم أولاده وحده، وكأنها قامت بتربيتهم لتحظى (بتصفيق) زوجها لها، وليس لأن الأمومة رسالة رائعة تستمتع بأدائها كل أم كما تنال جائزتها التي لا مثيل لرقيها من الخالق سبحانه وتعالى.
لذا نرفض محاولة هذه السيدة، والكثيرات أيضا، للضغط المعنوي على الأبناء للاختيار بينها وبين الأب، فالأب سيظل دوما والدا لهم، فهو لم يكن موظفا في خانة زوج الأم لديهم، وما إن انتهى هذا الدور كان واجبا عليهم -من وجهة نظر الأم بالطبع- طرده من حياتهم، فليس من العدل تحريض الأبناء على ارتكاب جريمة عقوق الوالدين وهي من الكبائر المنهي عنها شرعا، فضلا عن حرمانهم من والدهم وعطائه المعنوي والمادي أيضا وهو على قيد الحياة، وليس من الذكاء أيضا تركه خالصا للزوجة الجديدة، ولا شك أن هذا أمر يسعدها، ولا نعتقد أن أي مطلقة تقبل بإهدار المرأة الأخرى هذه الهدية الغالية، وأن يكون الثمن هو الخسائر المعنوية والمادية للأبناء، ولا صحة هنا للقول إن هذا سيطفئ نيران داخل نفس المطلقة.
فعلى كل مطلقة أن تطفئ نيران غضبها وحدها دون الاحتياج إلى مساندة خارجية من الأبناء، ويمكنها ذلك متى تذكرت أن الحياة رحلة قصيرة للغاية وليس من الحكمة -بأي شكل من الأشكال- إضاعة أي ثانية منها في التحسر على ما فات؛ لأنه يضيع منها أن تعيش يومها وأن تخطط لغد أفضل، بينما زوجها والأخرى يعيشان حياتهما بسعادة.
والأفضل هنا أن تردد الزوجة لنفسها بهدوء وحزم عدة مرات يوميا: من تركني لا يستحق اهتمامي، وسأبدأ حياة جديدة، وأفرح بتخلصي من بعض المسئوليات السابقة، وأهتم بنفسي شكلا وموضوعا وأهتم بأناقتي وجمالي لأن ذلك سيفيدني نفسيا وسيخلصني أيضا من شماتة الأخريات، وسيجعل أولادي يقبلون على صحبتي لأن الإنسان يحب صحبة السعداء والذين لا يضيقون الخناق على من يجالسونهم بكثرة الشكوى.
كما أن اجترار الألم يؤدي إلى مضاعفة الإحساس به وكل ذلك يؤذيني أنا وحدي، ويجعلني الخاسرة الوحيدة ويدفع الجميع إلى الابتعاد عني، وهذا ما لا أرحب به بالتأكيد.. ويمكنني شغل أوقاتي بممارسة الهوايات التي كنت أمارسها في شبابي وامتنعت عنها لانشغالي أثناء الزواج والأمومة، وبقضاء أوقات طيبة مع أولادي وأحفادي، ويا حبذا لو استطعت الانضمام إلى أي عمل تطوعي لأشعر بأن لي دورا مهما في الحياة خارج حدود عائلتي التي بدأ أفرادها في الاستقلال عنها -وهذا حقهم- وقل احتياجهم إلي، فهذا أفضل من انتظارهم دون جدوى ثم إهدار الوقت الذي أقضيه معهم في لومهم على زياراتهم لوالدهم، فهذا أبعد ما يكون عن الذكاء.
والأفضل أن أوصيهم خيرا بوالدهم وأهله حتى أحقق عدة أهداف في وقت واحد، أولها أنني بذلك أخرج نفسي من دائرة الصراع معه وبذا أفوز براحة العقل وهدوء النفس أيضا، كما سأفوز بجائزة التشجيع على صلة الرحم، وأنال أيضا احترام أبنائي لي وأحررهم من أي شعور بالحرج أو بالتمزق بيننا، وبذا أساعد نفسي على إغلاق هذه الصفحة المريرة من حياتي وفتح صفحة جديدة في حياتي ملؤها الثقة بالنفس واحترام نعمة الحياة، واليقين بأن لكل سن جمالها الخاص وأسعى بكل قواي لاكتسابه بهدوء وبتدرج وبلا اندفاع وسأتخطى هذه المحنة وأجعلها وأفعالي لتحسين نفسي من كل الأوجه ورؤية عيوبي وعدم تجاهلها أو تبريرها حتى أفوز بتغيرها قدر الإمكان لأعيش أجمل حياة ممكنة.
ولن أتابع حياة زوجي السابق مع زوجته، ولن أسميها (غريمتي)؛ لأن هذا يعني وجود تنافس بيننا من أجل الفوز بزوجي وأنني قد هزمت في هذا المضمار، وهو ما يجعلني أعيش بمشاعر سلبية تؤذيني وحدي، و(سأتناساها) وأطردها من ذهني كلما فكرت فيها، وسأنشغل بما يهمني، ولن أسمح لأحد بذكر اسمها أمامي، حتى لو كان ذلك بهدف النيل منها فإن ذلك سيضرني دينيا ودنيويا أيضا، حيث سأدفع ثمن النميمة والغيبة، كما سأبدو في صورة امرأة حاقدة وغيورة تشعر بالنقص، وهذا آخر ما أتمناه لنفسي بكل تأكيد.
عذاب ولكن
ولا ننسى عذاب الزوجة التي عانت كثيرا من زوجها لأسباب تختلف من زوجة إلى أخرى و(اضطرت) في منتصف العمر إلى طلب الطلاق والإصرار عليه حتى حصلت عليه، فهذه الزوجة نجدها تشكو غالبا من سوء حظها الذي دفعها إلى (الخوف) من الطلاق في سن مبكرة، وكيف أنها (أضاعت) عمرها مع هذا الرجل وأهدرت فرصا أخرى للزواج كانت ستظفر بها -بكل تأكيد- لو حصلت على الطلاق في سن مبكرة.
وتناست هذه المطلقة أن كل لكل شيء قدرا وأن الندم لا يؤدي إلا إلى ضياع المزيد من العمر فيما يضر ولا يفيد بأي وجه من الأوجه، كما أن هناك الكثير من المطلقات اللاتي حصلن على الطلاق في سن مبكرة، ولم يستطعن الزواج ثانية كما أنها بتأخرها في طلب الطلاق قد نعمت بالفوائد الاجتماعية للزواج لفترة أطول مما كانت ستحظى به من قبل، فضلا عن أن زوجها قام بمساعدتها -ولو بصورة بسيطة- في تربية أولادها.
والأهم من ذلك كله أن كلا من الدين والذكاء يؤكدان على ضرورة الامتناع عن كلمة (لو) لأنها تفتح باب الشيطان وتحرم الإنسان من أفضل تعامل ممكن مع مشكلته. والأفضل والأذكى هو أن تفكر المطلقة بهدوء في كيفية تحقيق أفضل حياة ممكنة بعد الطلاق، وأن تبدأ مع الفور تنفيذ خطواتها العملية دون أي إبطاء، وأن تغلق أبواب التراجع بحسم وقوة، وأن ترفض أن تكون حكاية تتناقلها الألسن لامرأة وحيدة مهزومة.
تابع في نفس الملف:
والثابت نفسيا أنه لا بد من توافر الرغبة في اجتياز المحنة كي يمكن الإنسان من مساعدة نفسه على عبورها، وأن الرغبة هي المحرك الرئيسي الذي يدفع الإنسان لاستجماع طاقاته النفسية والذهنية لاتباع خطوات عملية وواقعية وهو أمر لا مفر منه للخروج من الأزمة.
واللافت للنظر أن نسبة لا بأس بها من المطلقات عامة، وفي منتصف العمر خاصة، يبددن أوقاتا ثمينة من العمر في الرثاء للنفس والبكاء على الحظ السيئ الذي قادهن إلى الطلاق.
ندم وغيظ
ولنتوقف عند سيدة في أوائل الخمسينيات من عمرها، حيث أكدت ندمها البالغ على عمرها الذي ضاع سدى "على زوجي الذي لا يستحق ما بذلته من مجهود لإسعاده فضلا عما منحته له من أبناء (رائعين) بكل المقاييس، فهم يتمتعون بالنجاح الديني والدنيوي، ويعجب بهم كل من يلقاهم".
وتتحسر وهي تضيف: أشعر بالغيظ وبالحقد؛ لأنهم ينتمون إلى اسم هذا الرجل، وأنه يعتز بهم في كل مكان ويتناسى أنني التي صنعت هذا النجاح، وقد حاولت جاهدة ولكن بدون جدوى استمالتهم إليّ، وإجبارهم على مقاطعة والدهم الذي قام بتطليقي رغما عني، بحجة أنني لا أهتم بنفسي ولم أحافظ على شبابي ولم أعد أرضيه كزوجة، ولذا تزوج بأخرى ولم تكتف هي بذلك بل (أمرته) بتطليقي وفعل ذلك بدون أي تردد، وتناسى أن اهتمامي بتربية أولاده كان السبب وراء إهمالي لنفسي، وأنه لم يكن ممكنا أن أنجح في الدورين معا أي دور الزوجة والأم لذا اخترت ما رأيت أنه الأفضل.
وتلتقط أنفاسها ثم تواصل الحديث بسرعة وكأنما تخشى نسيان باقي قصتها فقالت: وعبثا حاولت إفهام أولادي بهذه الحقائق وأنني ضحيت بزواجي لأجلهم، وأن عليهم (رد الجميل) ومقاطعة والدهم وزوجته وعدم الذهاب إليه، ورفض استقباله في منازلهم، ولكنهم رفضوا جميعا، حتى ابني الأصغر، وهو الوحيد الذي لم يتزوج بعد، أصر على الذهاب إلى والده وتحداني.
وبكت السيدة وهي تنعى حظها العاثر، وتقول: كيف سأواجه الناس وأنا في حفل زفاف ابني، هل سأجلس وحيدة على مائدة وأجد زوجي السابق و(غريمتي) على مائدة أخرى يتضاحكان ويستقبلان الضيوف، أم أصر على عدم حضوره مما يتسبب في إحداث مشكلة بين ابني ووالده، وقد يدفعه ذلك إلى التخلي عن مسئولياته المادية تجاه ابنه، وبالطبع لا أستطيع تحملها نيابة عنه.
وواصلت حديثها قائلة: لذا أعيش حياتي كسيرة النفس، حسيرة القلب، ألتهم الطعام بكثرة حتى زاد وزني عشرة كيلوجرامات في ثلاثة أشهر، وبالطبع ينتقدني أولادي ويرون أنني قد أصبحت صعبة العشرة وسيئة المزاج وأبكي كلما رأيتهم، ولاحظت تباعد زياراتهم لي واكتفاءهم بمكالمات هاتفية سريعة مع التحجج بالانشغال بأمور تافهة.. وهو ما يجعلني أشعر أنني انتهيت وأن حياتي قد ضاعت بسبب هذا الرجل الجاحد وأولاده الذين يناصرونه بدون أي وجه حق، وبالطبع لا يمكنني أن أفكر في الزواج، فمن أين لي بزوج يرضى بحطام امرأة قد أنهكتها الحياة وكلفتها بما لا يطيقه أي بشر.
لا لتحريض الأبناء
أخطأت هذه السيدة أخطاء فادحة، لا بد من التوقف عندها، بالرغم من احترامنا -بالطبع- لألمها الإنساني، كما أننا لا نعفي الزوج من تجاهله لإهمال الزوجة في مظهرها وفي قيامها بدورها كزوجة، وكان يجب أن يحذرها قبل إقدامه على الزواج.
كما أنه ليس صحيحا أنه لا يمكن الجمع بين النجاح في دور الزوجة والأم، فهناك الملايين من الزوجات اللاتي اتسمن بالذكاء ونجحن بدرجة عالية في التوازن بين هذين الدورين بل ونسبة لا بأس بها منهن قد أضفن إليها دور المرأة العاملة، فالحقيقة أننا -جميعا- لدينا ثروة يومية متجددة يرزقنا بها الخالق عز وجل، ألا وهي الوقت اليومي، والمرأة الذكية وحدها هي التي تجيد الاستفادة منه بأقصى ما يمكن وتحقق التوازن بين أدوارها المختلفة، وأن تستمتع بهذا التعدد لأنه دليل على نضج ومفتاح النجاح في الوصول للحياة السعيدة لها ولكل من تحب.
أيضا لم تكن هذه السيدة موفقة -على الإطلاق- عندما تحدثت عن أولادها، فقد حرصت على نسبتهم إلى والدهم وكأنهم أولاده وحده، وكأنها قامت بتربيتهم لتحظى (بتصفيق) زوجها لها، وليس لأن الأمومة رسالة رائعة تستمتع بأدائها كل أم كما تنال جائزتها التي لا مثيل لرقيها من الخالق سبحانه وتعالى.
لذا نرفض محاولة هذه السيدة، والكثيرات أيضا، للضغط المعنوي على الأبناء للاختيار بينها وبين الأب، فالأب سيظل دوما والدا لهم، فهو لم يكن موظفا في خانة زوج الأم لديهم، وما إن انتهى هذا الدور كان واجبا عليهم -من وجهة نظر الأم بالطبع- طرده من حياتهم، فليس من العدل تحريض الأبناء على ارتكاب جريمة عقوق الوالدين وهي من الكبائر المنهي عنها شرعا، فضلا عن حرمانهم من والدهم وعطائه المعنوي والمادي أيضا وهو على قيد الحياة، وليس من الذكاء أيضا تركه خالصا للزوجة الجديدة، ولا شك أن هذا أمر يسعدها، ولا نعتقد أن أي مطلقة تقبل بإهدار المرأة الأخرى هذه الهدية الغالية، وأن يكون الثمن هو الخسائر المعنوية والمادية للأبناء، ولا صحة هنا للقول إن هذا سيطفئ نيران داخل نفس المطلقة.
فعلى كل مطلقة أن تطفئ نيران غضبها وحدها دون الاحتياج إلى مساندة خارجية من الأبناء، ويمكنها ذلك متى تذكرت أن الحياة رحلة قصيرة للغاية وليس من الحكمة -بأي شكل من الأشكال- إضاعة أي ثانية منها في التحسر على ما فات؛ لأنه يضيع منها أن تعيش يومها وأن تخطط لغد أفضل، بينما زوجها والأخرى يعيشان حياتهما بسعادة.
والأفضل هنا أن تردد الزوجة لنفسها بهدوء وحزم عدة مرات يوميا: من تركني لا يستحق اهتمامي، وسأبدأ حياة جديدة، وأفرح بتخلصي من بعض المسئوليات السابقة، وأهتم بنفسي شكلا وموضوعا وأهتم بأناقتي وجمالي لأن ذلك سيفيدني نفسيا وسيخلصني أيضا من شماتة الأخريات، وسيجعل أولادي يقبلون على صحبتي لأن الإنسان يحب صحبة السعداء والذين لا يضيقون الخناق على من يجالسونهم بكثرة الشكوى.
كما أن اجترار الألم يؤدي إلى مضاعفة الإحساس به وكل ذلك يؤذيني أنا وحدي، ويجعلني الخاسرة الوحيدة ويدفع الجميع إلى الابتعاد عني، وهذا ما لا أرحب به بالتأكيد.. ويمكنني شغل أوقاتي بممارسة الهوايات التي كنت أمارسها في شبابي وامتنعت عنها لانشغالي أثناء الزواج والأمومة، وبقضاء أوقات طيبة مع أولادي وأحفادي، ويا حبذا لو استطعت الانضمام إلى أي عمل تطوعي لأشعر بأن لي دورا مهما في الحياة خارج حدود عائلتي التي بدأ أفرادها في الاستقلال عنها -وهذا حقهم- وقل احتياجهم إلي، فهذا أفضل من انتظارهم دون جدوى ثم إهدار الوقت الذي أقضيه معهم في لومهم على زياراتهم لوالدهم، فهذا أبعد ما يكون عن الذكاء.
والأفضل أن أوصيهم خيرا بوالدهم وأهله حتى أحقق عدة أهداف في وقت واحد، أولها أنني بذلك أخرج نفسي من دائرة الصراع معه وبذا أفوز براحة العقل وهدوء النفس أيضا، كما سأفوز بجائزة التشجيع على صلة الرحم، وأنال أيضا احترام أبنائي لي وأحررهم من أي شعور بالحرج أو بالتمزق بيننا، وبذا أساعد نفسي على إغلاق هذه الصفحة المريرة من حياتي وفتح صفحة جديدة في حياتي ملؤها الثقة بالنفس واحترام نعمة الحياة، واليقين بأن لكل سن جمالها الخاص وأسعى بكل قواي لاكتسابه بهدوء وبتدرج وبلا اندفاع وسأتخطى هذه المحنة وأجعلها وأفعالي لتحسين نفسي من كل الأوجه ورؤية عيوبي وعدم تجاهلها أو تبريرها حتى أفوز بتغيرها قدر الإمكان لأعيش أجمل حياة ممكنة.
ولن أتابع حياة زوجي السابق مع زوجته، ولن أسميها (غريمتي)؛ لأن هذا يعني وجود تنافس بيننا من أجل الفوز بزوجي وأنني قد هزمت في هذا المضمار، وهو ما يجعلني أعيش بمشاعر سلبية تؤذيني وحدي، و(سأتناساها) وأطردها من ذهني كلما فكرت فيها، وسأنشغل بما يهمني، ولن أسمح لأحد بذكر اسمها أمامي، حتى لو كان ذلك بهدف النيل منها فإن ذلك سيضرني دينيا ودنيويا أيضا، حيث سأدفع ثمن النميمة والغيبة، كما سأبدو في صورة امرأة حاقدة وغيورة تشعر بالنقص، وهذا آخر ما أتمناه لنفسي بكل تأكيد.
عذاب ولكن
ولا ننسى عذاب الزوجة التي عانت كثيرا من زوجها لأسباب تختلف من زوجة إلى أخرى و(اضطرت) في منتصف العمر إلى طلب الطلاق والإصرار عليه حتى حصلت عليه، فهذه الزوجة نجدها تشكو غالبا من سوء حظها الذي دفعها إلى (الخوف) من الطلاق في سن مبكرة، وكيف أنها (أضاعت) عمرها مع هذا الرجل وأهدرت فرصا أخرى للزواج كانت ستظفر بها -بكل تأكيد- لو حصلت على الطلاق في سن مبكرة.
وتناست هذه المطلقة أن كل لكل شيء قدرا وأن الندم لا يؤدي إلا إلى ضياع المزيد من العمر فيما يضر ولا يفيد بأي وجه من الأوجه، كما أن هناك الكثير من المطلقات اللاتي حصلن على الطلاق في سن مبكرة، ولم يستطعن الزواج ثانية كما أنها بتأخرها في طلب الطلاق قد نعمت بالفوائد الاجتماعية للزواج لفترة أطول مما كانت ستحظى به من قبل، فضلا عن أن زوجها قام بمساعدتها -ولو بصورة بسيطة- في تربية أولادها.
والأهم من ذلك كله أن كلا من الدين والذكاء يؤكدان على ضرورة الامتناع عن كلمة (لو) لأنها تفتح باب الشيطان وتحرم الإنسان من أفضل تعامل ممكن مع مشكلته. والأفضل والأذكى هو أن تفكر المطلقة بهدوء في كيفية تحقيق أفضل حياة ممكنة بعد الطلاق، وأن تبدأ مع الفور تنفيذ خطواتها العملية دون أي إبطاء، وأن تغلق أبواب التراجع بحسم وقوة، وأن ترفض أن تكون حكاية تتناقلها الألسن لامرأة وحيدة مهزومة.
تابع في نفس الملف: