yacine414
2011-02-12, 19:13
الجرائم التي يرتكبها الشخص المعنوي و المسؤولة الجزائية المرتكبة عنها
تعد المسؤولية الجزائية المحور الأساسي الذي تدور حوله الفلسفة و السياسة الجنائية، و من ثم كانت النهضة العلمية و الفكرية التي لحقت بالقانون الجنائي وليدة الإتجاهات الفلسفية المختلفة حول نظرية المسؤولية الجزائية.
و إذا كانت المسؤولية الجزائية للإنسان الحي المدرك عن الجرائم التي يرتكبها لا يثار حولها أي جدال فقهي أو قضائي، فإن التقدم الهائل الذي تعرفه المجتمعات اليوم في شتى المجالات سيما المجال الإقتصادي و التكنولوجي, أين ازداد حجم نشاط الأشخاص و ظهرت المشاريع الكبرى التي فاقت بكثير إمكانيات الفرد، أصبح من الضروري لتحقيق هذه الأهداف الضخمة ضم نشاطه إلى نشاط غيره و هذا عن طريق قيام تجمعات فردية أو مالية يطلق عليها اسم الأشخاص المعنوية أو الإعتبارية.
واذا كان الشخص الإعتباري قد أضحى اليوم ذا أهمية كبرى نظرا لما ينهض به من أعباء جسيمة يعجز غيره من الأشخاص الطبيعية عن القيام بها، فإنه في الوقت نفسه يمكن أن يكون مصدرا للجريمة أو الإنحراف مما يشكل خطرا و تهديدا على أمن المجتمع و سلامته و ذلك بسبب طبيعة الشخص المعنوي و طبيعة النشاط المنوط به.
فطبيعة الشخص المعنوي جعلت من نشاطه حكرا على أعضائه من الأشخاص الطبيعية، التي تعمل باسمه و لحسابه، و من الممكن أن تتخذ من طبيعته أداة لارتكاب الجرائم، و هذا يعني أن الجرائم التي تقع من الشخص المعنوي إنما تقع في الحقيقة من أعضائه.
و لا جدال في أن الأشخاص الطبيعية التي ارتكبت الجرائم باسم الشخص المعنوي و لحسابه تكون مسؤوليتها طبقا للقواعد العامة المنصوص عليها في قانون العقوبات، و إنما يثور التساؤل حول مدى إمكانية مساءلة الشخص المعنوي عن هذه الجرائم و توقيع العقوبات عليه. و لا شك في أن الإجابة عن هذا التساؤل ليست بالأمر الهين، فإذا كانت المسؤولية المدنية للشخص المعنوي مبدءا ثابتا و مكرسا فالحال على خلافه بالنسبة لمسؤوليته الجزائية التي لا تزال من المسائل التي تثير الكثير من الجدل في الفقه و القضاء المقارن، و لم يستقر وضعها بشكل حاسم في العديد من الشرائع العقابية المعاصرة باستثناء التشريعات الأنجلوأمريكية التي أقرت بهذا النمط من المسؤولية على نطاق واسع، في حين قصرتها تشريعات أخرى على جرائم معينة كالتشريع الفرنسي قبل 10 مارس 2004. أما التشريع الجزائري فقد أقر بمبدأ مساءلة الأشخاص المعنوية جزائيا بموجب القانون 04/15 المؤرخ في 10/11/2004 ، المعدل و المتمم لقانون العقوبات، و بعد تعديل قانون العقوبات بموجب القانون 06/23 المؤرخ في 20/12/2006 وسع المشرع من نطاق المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي الى عدد مهم من الجنايات و الجنح،لذلك أصبح من الضروري علينا كقضاة الالمام بمختلف جوانب هذا الموضوع,وهو ما دفعنا الى اختياره و البحث عما إذا كان المشرع الجزائري قد حدد معالم هذه المسؤولية بشكل واضح و دقيق من شروط و إجراءات متابعة و عقوبات، أم كان مجرد طرح لمبدأ مسايرة التطورات القانونية و استجابة لضغوطات منظمة التجارة العالمية التي فرضت على الجزائر تغيير منظومتها القانونية .
و لعل الإشكال الرئيسي المطروح في ظل هذا التعديل يتمثل في :
ما هي صور السلوك الإجرامي المتصور إرتكابه من الشخص المعنوي في القانون الجزائري ؟
و بصدد إجابتنا على هذا الإشكال، نجد أنفسنا أمام تساؤل أولي يتعلق بمدى إمكانية تحميل الشخص المعنوي المسؤولية الجزائية عن هذه الجرائم, و هو ما ارتأينا معالجته في فصل تمهيدي بالتطرق إلى الأحكام العامة للمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي, حيث خصصنا المبحث الأول منه للبحث في الإتجاهات المقارنة سواء كانت فقهية أو تشريعية حول موقفها إزاء إمكانية تحميل الأشخاص المعنوية المسؤولية الجزائية، أما المبحث الثاني تناولنا فيه البحث عن شروط تطبيق هذه المسؤولية. و في الفصل الأول تطرقنا إلى الجرائم المتصور ارتكابها من الشخص المعنوي في مبحثين, حيث خصصنا المبحث الأول للجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات، في حين جعلنا المبحث الثاني للجرائم المنصوص عليها في القوانين الخاصة، أما في الفصل الثاني تعرضنا إلى القواعد التي يخضع لها الشخص المعنوي المسؤول جزائيا من حيث المتابعة و الجزاء، بتطرقنا في المبحث الأول إلى إجراءات متابعة الشخص المعنوي، أما في المبحث الثاني فعالجنا العقوبات الخاصة به و التي تتلائم مع طبيعته المتميزة.
و لقد اتبعنا لمعالجة هذا الموضوع منهجا وصفيا تحليليا معتمدين على المنهج المقارن بين التشريع الجزائري والتشريعات المقارنة خاصة منها التشريع الفرنسي، ونرجو أن نكـون قد وفقنا في تقديم هذا العمل.
الفصل التمهيدي : الأحكام العامة للمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
إن التقدم الحضاري للمجتمعات الإنسانية في العصر الحديث استلزم تكاتل الجهود وتجمع الأموال لإقامة المنشآت الضخمة في شكل مؤسسات اقتصادية كبرى، تدخل الحياة القانونية للمجتمع تارة كأطراف إيجابية لها حقوق و تارة كأطراف سلبية عليها التزامات، و التي لا يتسنى لها ممارستها إلا إذا كانت لكل منها شخصية قانونية مستقلة عن الشخصية القانونية للأفـراد المكونين لـها، و هذا ما يطلق عليه اسم : الأشخـاص الاعتبارية أو المعنوية les personnes morales » « و يقصد بهذا المصطلح أن هذه الأخيرة تكتسب الشخصية القانونية حكما أي بنص القانون، فالقانون هو مصدر وجودها و قيامها .
و لقد تحاشى القانون تعريف الشخص المعنوي و ترك ذلك للفقه الذي أعطى له عدة تعريفات نذكر منها ما قدمه الأستاذ عمار عوابدي بأنها :
" كل مجموعة من الأشخاص تستهدف غرضا مشتركا، أو مجموعة من الأموال ترصد لفترة زمنية محددة لتحقيق غرض معين، بحيث تكون هده المجموعة من الأشخاص أو الأموال كائنا قانونيا " شخص قانوني " مستقلا عن ذوي الأشخاص والأموال المكونة له، وله أهلية قانونية مستقلة و قائمة لاكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات باسمه و لحسابه، كما أن هذه المجموعات لها مصلحة جماعية مشتركة و مستقلة عن المصالح الذاتية و الفردية لأفراد المجموعة " .
كما عرفها الأستاذ رمضان أبو السعود على أنها : " ما هي إلا مجموعات من الأشخاص الطبيعية أو الأموال يجمعها غرض واحد و يكون لهذه المجموعة شخصية قانونية لازمة لتحقيق هذا الغرض منفصلة عن شخصية المكونين و المنتفعين بها " .
من خلال هذين التعريفين نرى أن الشخص المعنوي يقوم على ثلاثة عناصر و هي :
• وجود مجموعة من الأشخاص أو مجموعة من الأموال أو الاثنتين معا، لها إرادة مستقلة عن إرادة المكونين لها تقوم بتمثيل و العمل باسم و لحساب الشخص المعنوي.
• يتمتع بشخصية قانونية بناء على نص في القانون.
• يقوم بتحقيق غرض معين على أن يكون ممكنا و مشروعا و يتحدد في قانون إنشاءه .
و تقتضي المادة 50 من ق.م .ج أن يتمتع الشخص الإعتباري بجميع الحقوق إلا ما كان منها ملازما لصفة الإنسان و ذلك في الحدود التي يقررها القانون، فيكون لها بصفة خاصة ذمة مالية و أهلية في الحدود التي يعينها عقد إنشائها أو التي يقررها القانون،و موطن و هو المكان الذي يوجد فيه مركز إدارتها، و إن الشركات التي يكون مركزها الرئيسي في الخارج ولها نشاط في الجزائر يعتبر مركزها في نظر القانون الداخلي في الجزائر. وتقتضي المادة المذكورة أيضا بأن يكون للشخص الاعتباري نائب يعبر عن إرادته و أن يكون له حق التقاضي .
و أمام التزايد المستمر للأشخاص المعنوية و تأثيرها الكبير في الحياة الاجتماعية و الاقتصادية، أصبح من الضروري التساؤل عن مدى إمكانية مساءلتها جزائيا و عن شروط هذه المساءلة الجزائية، و هذا ما سنتناوله بالتطرق إلى تطور فكرة المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في الفقه و التشريعات في ( المبحث الأول ) ثم إلى شروط قيام المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في (المبحث الثاني ).
المبحث الأول : موقف الفقه و التشريعات من المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
لقد اختلف الفقه بشأن المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي، و سنبين بإيجاز آراء المعارضين و المؤيدين لهذه المسؤولية في ( المطلب الأول )، ثم نتعرض بعد ذلك إلى موقف التشريعات المقارنة في ( المطلب الثاني ) و أخيرا إلى موقف المشرع الجزائري في ( المطلب الثالث ).
المطلب الأول : الجدال الفقهي حول المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
بعد خروج الشخص المعنوي من دائرة المجاز إلى دائرة الحقيقة و اعتراف القانون له بالشخصية القانونية، خلق جدلا في الفقه حول مدى إمكانية مساءلته جزائيا بين معارض ( الفرع الأول ) و مؤيد ( الفرع الثاني ).
الفرع الأول : الإتجاه المنكرللمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
أورد جانب كبير من الفقهاء بعض التحفظات عن مبدأ المساءلة الجزائية للأشخاص المعنوية، و قد استندوا في ذلك إلى جملة من الحجج نلخصها في النقاط الآتية :
• إن الشخص المعنوي ما هو إلا وهم، مجرد من كل إرادة و شخصية و من كل استقلال، فهو محض إفتراض قانوني لا يمكنه ارتكاب الجريمة و لا يمكن نسبة الخطأ إليه.
• إن المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي تناقض مبدأ التخصص، فإذا كان القانون يعترف للشخص المعنوي بالأهلية القانونية، فإن هذه الأهلية تتحدد بالأغراض التي أنشيء الشخص المعنوي من أجلها و التي تتوضح في وثيقة إنشاءه و لا يعقل أن يتسع نطاق هذه الأغراض لارتكاب الجرائم، فارتكاب الجرائم خارج عن نطاقه و وجوده .
• إن القول بمسؤولية الشخص المعنوي يتعارض مع مبدأ شخصية العقوبة ،ذلك أن قبول إنشاء مسؤولية شركة ينطوي على قبول معاقبة أبرياء بطريق غير مباشر، إذ يترتب على القول بمسؤولية الشخص المعنوي ان تطال العقوبة كل المساهمين في إنشاءه على الرغم من بعدهم عن الجريمة .
• إن العقوبات التي نص عليها القانون وجدت لتطبق على الشخص الطبيعي و لا يمكن تطبيقها على الشخص المعنوي كما أن للعقوبات الجنائية أهدافا في الإصلاح و الردع، و العقوبة في جوهرها ألم يصيب من توقع عليه و هو ما لا يمكن توافره للشخص المعنوي .
ينتهي أنصار هذا الاتجاه و استنادا إلى الحجج السابقة إلى القول بعدم مسؤولية الشخص المعنوي الجزائية عن الجرائم التي تقع من ممثليه أو تابعيه, إلا أن هذه التحفظات لم تصمد طويلا أمام حجج المؤيدين لمبدأ مساءلة الشخص المعنوي جزائيا فما هي هذه الحجج ؟
الفرع الثاني : الإتجاه المؤيد للمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
رد المؤيدون لمسؤولية الشخص المعنوي الجزائية بحجج نلخصها كما يأتي :
• إن الشخص المعنوي ليس مجرد خيال، و لكنه حقيقة، وكائن له وجوده الحقيقي و ليس إفتراضيا و ذلك بسب المصالح التى يسعى إلى تحقيقها و التى من شأنها أن تجعل له شخصية قانونية مستقلة عن أصحابها، صحيح أنه ليس كائنا في عالم الآدميين و لكنه كائن في عالم القانون له وجوده و ذمته المالية، كما أن له إرادة مستقلة عن إرادة كل فرد فيه، فإرادته هي خلاصة مجموع آراء أعضاءه و المساهمين فيه، و مظهرها الأوامر و التعليمات التي ينفذها القانمون بإدارة أعماله .
• كما انه لا مجال للحجة القائلة أن الجريمة تخرج عن الغاية التي خصص لها الشخص المعنوي، فتخصيص الشخص المعنوي لأداء هدف معين لا يرسم حدود الوجود القانوني له، ومن ثم لا ينفي عنه إمكانية إسناد الجريمة إليه، فكما أن الإنسان العادي لا يوجد من أجل إقتراف الجرائم إذ ليست الغاية من حياته ارتكابها، فالجريمة خروج عما يجب أن تكون عليه حياته، كذلك فإن الشخص المعنوي ليست غاية وجوده ارتكاب الجرائم، إلا أنه من الممكن أن يرتكبها و من المعروف أن الشخص المعنوي يكافأ على أعماله الجيدة فمن العدالة إذا أن يحاسب على أعماله السيئة التي يقترفها.
• لا يستقيم القول : ان العقوبات لا تطبق على الشخص المعنوي ، فالجزاءات يمكن أن تطبق عليه و لكن بما يتلاءم مع طبيعته ،كحل الشخص المعنوي و مراقبته أو إغلاقه أو تضييق نطاق عمله، بالإضافة إلى الغرامة و المصادرة، كما أن أغراض العقوبة في الردع و الإصلاح ليست مستبعدة تماما، لأن توقيعها على الشخص المعنوي يؤثر في نشاطه. مما يدفع القائمين على إدارته إلى عدم مخالفة القانون مرة أخرى.
• أما القول إن العقوبات تصيب جميع المساهمين، و في هذا خروج على مبدأ شخصية العقوبة فمع انه قول صحيح نوعا ما إلا أن ذلك له ما يماثله في نطاق الأشخاص الطبيعيين، أليس في تطبيق العقوبة على الأب ما يجعلها تأتي بآثار سيئة على جميع أفراد العائلة ؟ ثم إن تطبيق الجزاء على الشخص المعنوي هو من الأمور الضرورية لحمله على الحيطة و الحذر في تصرفاته .
لكل هذه الأسباب و غيرها ذهب جانب كبير من التشريعات الحديثة إلى الإعتراف بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي هذا إلى جانب مسؤولية الشخص الطبيعي ممثل الشخص المعنوي أو أحد العاملين فيه إذا توافرت أركان الجريمة بالنسبة له شخصيا.
المطلب الثاني : موقف التشريعات المقارنة من المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
سوف نتعرض أولا إلى موقف بعض التشريعات الغربية في ( الفرع الأول ) ثم إلى موقف التشريعات العربية في ( الفرع الثاني ).
الفرع الأول : موقف التشريعات الغربية
عرفت الحقوق الجنائية الفرنسية القديمة في العهود السابقة على الثورة الفرنسية عددا من العقوبات الجماعية التي كان يوقعها برلمان باريس بوصفه هيئة قضائية على بعض المدن الفرنسية بسبب ما كان ينسب لهامن تمرد أو عصيان.
و بصدور الأمر الجنائي الفرنسي الصادر في 1670 أقر المشرع الفرنسي بالمسؤولية الجنائية الجماعية التي تفرض على الهيئات، و حدد لها من العقوبات ما يتلاءم مع طبيعتها مثل الغرامة و المصادرة. و لم تتوقف المسؤولية الجنائية إلا بحلول الثورة الفرنسية و إعلان مبادئ حقوق الإنسان لسنة 1789. إلا أن هذا لم يمنع من وجود بعض النصوص التي تقر هذه المسؤولية على سبيل الاستثناء، و ذلك في مجالات عديدة منها القانون الخاص بالمناجم لسنة 1810 و القانون الخاص بشركات السكك الحديدية لسنة 1845 و القانون الخاص بتنظيم العمل النقابي لسنة 1884 .
و بعد الحرب العالمية الثانية و ازدياد تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية و تنظيم قطاعات كبيرة من الحياة الاجتماعية و السياسية، كثرت النصوص الزجرية المقررة لقمع بعض التصرفات التي تقوم بها الهيئات المعنوية مثل أمر05 ماي 1945 المتعلق بمؤسسات الصحافة و النشر، و أمر 30 ماي 1945 المتعلق بالرقابة على الصرف ،و أمر 30 جوان 1945 المتعلق بقمع بعض الجرائم الإقتصادية .
و أمام الإرتفاع الهائل لعدد الجرائم في المجالات الإقتصادية و التجارية و المالية من طرف الشركات أو الجمعيات أو من أشخاص طبيعية تحت غطاء الاشخاص المعنوية، ظهرت عدة محاولات بغرض تقرير هذه المسؤولية في قانون العقوبات آخرها كان مشروع قانون العقوبات لسنة 1986 و الذي انتهى في الأخير إلى تكريس هذه المسؤولية بنص صريح من خلال المادة 121-02 من القانون الصادر سنة 1992 و المعمول به منذ أول مارس 1994 .
تأثر الفقهاء البلجيكيون بالتشريع الفرنسي بحكم اتصالهم المباشر به، و الذي طبق في بعض المقاطعات البلجيكية قبل الإستقلال، و بالرغم من الغموض الذي اعتمده المشرع البلجيكي فيما يخص البيانات الإبتدائية في النظرية القانونية للإثم قد نص مع ذلك على حكم في المادة 39 من قانون العقوبات لسنة 1867 استفاد منه الفقهاء للتمسك بمبدأ شخصية العقوبة و قصر المسؤولية الجنائية على الأشخاص الطبيعية إذ قرر المشرع : " ينطق بعقوبة الغرامة بصورة فردية على كل واحد من المحكوم عليهم بذات الجريمة " .
و إذا كانت القاعدة في القانون البلجيكي هي عدم مساءلة الشخص المعنوي جزائيا ،فقد ثار التساؤل في الفقه حول مدى خروج المشرع البلجيكي على هذه القاعدة، و لقد انقسم الفقه بشأن ذلك إلى مؤيد و معارض لكل منه حججه و دلائله لينتهي في الأخير المشرع البلجيكي إلى الإقرار بمبدأ المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية و هذا بموجب قانون 5 ماي 1999.
أما القانون الانجليزي فقد عرف المسؤولية الجزائية للهيئات المعنوية في وقت مبكر، و لعل أول التطبيقات القضائية للمبدأ ظهرت في منتصف القرن التاسع عشر في مادة المخالفات الخاصة بإزعاج الراحة العمومية، و أقر القانون الانجليزي بالمسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية كمبدأ عام في قانون التفسير الصادر في سنة 1889 الذي سمح بإسناد الوقائع الإجرامية إلى الهيئات المعنوية .
الفرع الثاني: موقف التشريعات العربية
يمكن القول بأن معظم قوانين العقوبات العربية لا تقربالمسؤولية الجزائية للهيئات المعنوية كقاعدة عامة، و إن سمحت بعض النصوص الخاصة على مجابهة بعض الحالات الاستثنائية في الجرائم الخاصة بضبط الأسعار و مخالفة الأنظمة السارية على محلات بيع المشروبات الكحولية و غيرها.
• و شد عن هذا المنهج قانون العقوبات اللبناني لسنة 1943 في المادة 210 الفقرة الثانية التي نصت على ما يلي : " إن الهيئات المعنوية مسؤولة جزائيا عن أعمال مديريها و أعضاء إدارتها و ممثليها و عمالها عندما يأتون هذه الأعمال باسم الهيئات المذكورة أو بإحدى وسائلها...."
• و قد أخذ قانون العقوبات السوري بهذه المسؤولية في صلب الفقرتين الثانية و الثالثة من المادة 209 التي جاءت بنفس الحكم الذي جاءت به المادة 210 من القانون اللبناني.
• و قد نص المشرع العراقي على هذه المسؤولية كذلك في المادة 80 من قانون العقوبات لسنة 1969، و احتاط في صلب هذه المادة بالذات لاستثناء الهيئات الاعتبارية التي تمثل مصالح الحكومة من الخضوع لهذه المسؤولية .
و قد عرف المشرع الأردني المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي متأثرا بالنظام الأنجلوساكسوني، حيث نص على هذه المسؤولية في المادة74/2 من قانون العقوبات، و التي تقابل كلا من المادة 209 من قانون العقوبات السوري، و المادة 210 من قانون العقوبات اللبناني، و تطبيقا لذلك فقد قضت محكمة التمييز الأردنية في أحد أحكامها : " بأن المادة 74/01 من قانون العقوبات قد أرست قاعدة بينت فيها أساس المسؤولية و هو أن من يقدم على الفعل عن وعي و إرادة يعاقب على فعله بالعقوبة المقررة في القانون، و فى البند الثاني منها عدت الهيئات المعنوية مسؤولة جزائيا عن أعمال مديريها و أعضاء إدارتها و ممثليها عندما يأتون هذه الأعمال المعاقبة جزائيا باسمها أو بإحدى وسائلها بصفتها شخصا معنويا. و قد قصد المشرع من ذلك وضع حد للجدل الفقهي الذي كان يدور حول ما اذا كانت للاشخاص المعنوية إرادة كالإنسان أم لا ؟ و هل يسأل جزائيا غير الإنسان ؟ فأورد نصا خاصا على معاقبتها عند توافر عنصر المسؤولية على أساس أنها تتمتع بوجود قانوني و تمارس نشاطها بهذه الصفة، و عليها أن تتحمل جميع الآثار القانونية التي تترتب على فعلها بما في ذلك إنزال العقوبة عليها وفق القواعد المقررة بالقانون، فضلا عن مسؤولية الشخص الذي اقترف الجرم......." .
المطلب الثالث : موقف المشرع الجزائري من المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
رأينا في المطلب الأول أن هناك اتجاهين في الفقه حول مبدأ المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية ، أولهما الاتجاه الذي يرفض الاعتراف بهذه المسؤولية، و ثانيهما يدعو الى تقريرها و بين هذا و ذاك اختلفت المواقف التشريعية المقارنة على النحو الذي رأيناه في المطلب الثاني.
و السؤال المطروح هو : ما موقف القانون الجزائري بصدد مسؤولية الأشخاص المعنوية جزائيا؟
مر التشريع الجزائري و قبل تبنيه لهذه المسؤولية كمبدأ عام في قانون العقوبات بعدة مراحل نوجزها على النحو الآتي :
الفرع الأول : مرحلة عدم الإقرار بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
إلى غاية تعديله بموجب القانون رقم 04/15 لم يكن قانون العقوبات الجزائري يأخذ بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي إلا أنه لم يستبعدها صراحة.
فقد نص المشرع الجزائري على بعض الأحكام التي لا يمكن فهمها إلا في إطار قبول ضمني لهذه المسؤولية، فقد نص على عقوبة حل الشخص المعنوي ضمن العقوبات التكميلية المنصوص عليها في الفقرة 05 من المادة 09 من ق.ع ، كما نص على عقوبة منع الشخص المعنوي من الإستمرار في ممارسة النشاط ضمن نفس السياق الذي حدد به العقوبات التكميلية في المادة 17من ق.ع و أضاف في المادة 26 منه النص على عقوبة غلق المؤسسة بصفة مؤقتة أو نهائية. و لعل النص الذي يجزم بأن المشرع قد مهد للمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي هو نص المادة 647 من ق.إ.ج الذي فرض إنشاء صحيفة السوابق القضائية لقيد العقوبات التي تصدر على الشركات في الأحوال الإستثنائية .
أما القضاء الجزائري فقد استبعد صراحة و في عدة مناسبات المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية، حيث رفض بناء على مبدأ شخصية العقوبة و تفرديها الحكم على الشخص المعنوي بالجزاءات الجنائية المقررة في قانون الجمارك .
الفرع الثاني : مرحلة الإقرار الجزئي بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
على الرغم من عدم إقرار المشرع الجزائري صراحة بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في قانون العقوبات قبل تعديله في 2004 كانت هناك قوانين خاصة كرست هذه المسؤولية ( أولا ) في حين لم تستبعدها نصوص أخرى( ثانيا ).
أولا : النصوص التي أقرت صراحة بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي و هي :
• الأمر رقم 75 – 37 المؤرخ في 29 أفريل 1975 المتعلق بالأسعار و قمع المخالفات الخاصة بتنظيم الأسعار حيث أقرت المادة 61 منه صراحة المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي بنصها : " عندما تكون المخالفات المتعلقة بأحكام هذا الأمر مرتكبة من القائمين بإدارة الشخص المعنوي أو مسيريه ..... باسم و لحساب الشخص المعنوي، يلاحق هذا الأخير بذاته ......."
• قانون الضرائب المباشرة و الرسوم المماثلة ( المواد من 04 إلى 57 ) :
أقر هذا القانون بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي حيث نصت المادة 303 منه في البند 09 على ما يلي : " عندما ترتكب المخالفة من قبل شركة أو شخص معنوي آخر تابع للقانون الخاص، يصدر الحكم بعقوبات الحبس و بالعقوبات التكميلية ضد المتصرفين و الممثلين الشرعيين أو القانونيين للمجموعة ".
و تضيف في الفقرة الثانية : " و يصدر الحكم بالغرامات ........ و ضد الشخص المعنوي دون الإخلال فيما يخص هذا الأخير بالغرامات الجبائية ......"
• الأمر رقم 96-22 المؤرخ في 09/07/1996 المتعلق بقمع مخالفة التشريع و التنظيم الخاصين بالصرف و حركة رؤوس الأموال من و إلى الخارج ، حيث نصت المادة 05 منه على معاقبة الشخص المعنوي في حالة ارتكابه المخالفات المنصوص عليها في هذا الأمر.
و ما يلاحظ على هذا النص أنه فضلا عن كونه سابقا لأوانه فقد ذهب إلى أبعد ما ذهب إليه التشريع المقارن خاصة التشريع الفرنسي من حيث نطاق المسؤولية الجزائية، فقد وسعت المادة 05 منها و لم تستبعد حتى الدولة و الجماعات المحلية. و قد تدارك المشرع ذلك أثر تعديل الأمر96-22 بموجب الأمر 03-01 المؤرخ في 19-02-2003 حيث حصرت المادة 05 نطاق المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في الأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون الخاص .
ثانيا : النصوص التي أخذت ضمنيا بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
تنحصر هذه النصوص فى الأمر رقم 95-06 المؤرخ في 25-01-1995 المتضمن قانون المنافسة، حيث حددت المادتان 02 و 03 منه نطاق تطبيقه الذي يشمل نشاطات الإنتاج و التوزيع و الخدمات التي يقوم بها كل شخص طبيعي أو معنوي، و قد ألغي هذا الأمر بموجب الأمر رقم 03-03 المؤرخ في 19-07-2003 المتعلق بالمنافسة .
الفرع الثالث: مرحلة تكريس المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
أقر القانون رقم 04/15 بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي و كرسها في المادة 51 منه.
و لقد جاء هذا التكريس نتيجة لما وصلت إليه مختلف اللجان التي سبق أن عهد إليها بإعداد مشروع تعديل قانون العقوبات منذ سنة 1997 و لما أوصت، به لجنة إصلاح العدالة في تقريرها سنة 2000 .
المبحث الثاني : شروط قيام المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
لقد أصبح الشخص المعنوي اليوم يمثل حقيقة قانونية، و له إرادة مستقلة و يمكن أن يرتكب جريمة، و من ثم أصبح يشكل حقيقة إجرامية كذلك. و كما ذكرنا سابقا فإن الإتجاهات الحديثة في التشريعات المقارنة تعترف بمبدأ المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية، حيث أقرها المشرع صراحة في كثير من الدول إلا أن شروط قيام هذه المسؤولية تختلف من تشريع لآخر و يمكن رد هذه الشروط بصفة عامة إلى تلك المتعلقة بالشخص المعنوي المسؤول جزائيا (المطلب الأول ) و السلوك محل المساءلة الجزائية ) المطلب الثانى ) بالإضافة إلى المراحل التي تقوم فيها مسؤولية الشخص المعنوي ) المطلب الثالث(.
المطلب الأول : الأشخاص المعنوية المسؤولة جزائيا
إن تحديد الطبيعة القانونية للشخص المعنوي و بيان خصائصه الذاتية يمثل الركيزة الأساسية في نظرية المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي.
و يثور التساؤل حول ما إذا كان الإختلاف بين الأشخاص الإعتبارية و تنوعها يشكل عائقا أمام مسؤوليتها الجزائية ؟
من المقرر قانونا أن الأشخاص الإعتبارية تنقسم إلى نوعين : الأشخاص الإعتبارية العامة و الأشخاص الإعتبارية الخاصة، و إذا كانت التشريعات المقارنة التي أقرت بمبدأ المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية قد نصت على تطبيقها أصلا على الأشخاص الإعتبارية الخاصة، إلا أنها اختلفت فيما يتعلق بإخضاع الأشخاص الإعتبارية العامة للمسؤولية الجزائية، و لذلك فإن تحديد الشخص المعنوي الذي يسأل جزائيا يقتضي التعرض أولا إلى الأشخاص الإعتبارية الخاصة باعتبارها المعنية أصلا بجانب الأشخاص الطبيعية بتلك المسؤولية في ( الفرع الأول ) ثم نبين ثانيا الأشخاص الإعتبارية المستبعدة من هذه المسؤولية في ( الفرع الثاني ).
الفرع الأول : الأشخاص المعنوية الخاصة
نصت المادة 51 مكرر من ق.ع على ما يلي : " باستثناء الدولة و الجماعات المحلية و الأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون العام، يكون الشخص المعنوي مسؤولا جزائيا ......".
من خلال هذه المادة يتضح لنا أن المشرع الجزائري قرر إخضاع جميع الأشخاص المعنوية الخاصة إلى مبدأ المسؤولية الجزائية و هذا مهما كان الشكل الذي تتخذه و بغض النظر عما إذا كانت تسعى إلى تحقيق ربح مادي أو تحقيق غرض آخر غير الربح.
فبالنسبة للأشخاص المعنوية الخاصة ذات الأهداف غير الربحية نذكر على سبيل المثال الجمعيات المعترف أو غير المعترف بفائدتها العامة، المؤسسات الخيرية، الأحزاب السياسية، النقابات و الجمعيات و الهيئات الممثلة لبعض الأفراد، مع الإشارة الى أن هذه القائمة ليست على سبيل الحصر.
أما بالنسبة للأشخاص المعنوية الخاصة ذات الأهداف الربحية فالقائمة أيضا مفتوحة إذ نجد مختلف الشركات المدنية أو التجارية، التجمعات ذات المصلحة الإقتصادية، شركات الإقتصاد المختلط .
الفرع الثاني : الأشخاص المعنوية العامة
لقد استبعد المشرع الجزائري بموجب المادة 51 مكرر المذكورة سابقا صراحة الأشخاص المعنوية العامة من نطاق المساءلة الجزائية، و قد جاء هذا الإستثناء بصفة مطلقة بقوله : " الأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون العام " و هذا خلافا. لما هو مقرر في القانون الفرنسي حيث حدد المشرع مجال تطبيق هذه المسؤولية بالنسبة للأشخاص المعنوية العامة مستثنيا بذلك الدولة، ومع ذلك فإن الجماعات الإقليمية و تجمعاتها لا تسأل جزائيا إلا عن الجرائم التي ترتكب أثناء مزاولة الأنشطة التي يمكن أن تكون محلا للتفويض في إدارة مرفق عام عن طريق الإتفاق .
فأما الدولة فيقصد بها الإدارة المركزية ( رئاسة الجمهورية، رئاسة الحكومة، الوزارات) و مصالحها الخارجية ( المديريات الولائية و مصالحها )، و لقد استثناها المشرع الجزائري من المساءلة الجزائية على أساس أنها تضمن حماية المصالح العامة الجماعية منها و الفردية و تتكفل بمتابعة المجرمين و معاقبتهم.
و أما الجماعات المحلية فيقصد بها الولاية و البلدية.
و أما الأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون العام فيقصد بها أساسا المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري كالمدرسة العليا للقضاء و الديوان الوطني للخدمات الإجتماعية و المستشفيات و كذلك المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي و التجاري، و هي أشخاص عمومية تابعة للقانون الخاص يكون موضوع نشاطها تجاريا و صناعيا مماثلا للنشاط الذي تتولاه الأشخاص الخاصة، تتخذها الدولة و الجماعات المحلية كوسيلة لإدارة مرافقها ذات الطابع الصناعي و التجاري، و هي تخضع في هذا لأحكام القانون العام و القانون الخاص معا كل في نطاق معين و من هذا القبيل : دواوين الترقية و التسيير العقاري، الجزائرية للمياه، بريد الجزائر.
المطلب التاني: السلوك محل المساءلة الجزائية
في قانون العقوبات لا يسأل أي شخص إلا عن عمله الشخصي، و انطلاقا من ذلك يمكن القول أن الشخص المعنوي لا يسأل إلا عن فعله الذي يختلف حسب طبيعة الجريمة المرتكبة التي قد تكون جريمة عمديه ( الفرع الأول ) أو جريمة غير عمديه ( الفرع الثاني ).
الفرع الأول : السلوك محل المساءلة الجزائية في الجريمة العمدية
لا تقوم مسؤولية الشخص المعنوي عن الجرائم العمدية إلا إذا كان الشخص الذي تصرف لحسابه واعيا و لديه إرادة ارتكاب الجريمة ، بصرف النظر عما إذا لم يكن الشخص الطبيعي محل متابعة فلا يمكن تفسير مسؤولية الشخص المعنوي عن الجرائم العمدية إلا باستعارة جرائم الشخص الطبيعي و يشترط قانون العقوبات أمرين لتطبيق آلية الإستعارة على الشخص المعنوي حيث نص المشرع الجزائري في المادة 51 مكرر من ق.ع على أن الأشخاص المعنوية لا تكون مسؤولة جزائيا إلا عن الجرائم المرتكبة لحسابها ( أولا ) من طرف أجهزتها أو ممثليها ( ثانيا ).
أولا: ارتكاب الجريمة لحساب الشخص المعنوي
يشترط لقيام المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي أن تكون الجريمة قد وقعت لحسابه و يقصد بعبارة " لحساب الشخص المعنوي " أن تكون الجريمة قد ارتكبت بهدف تحقيق مصلحة له كتحقيق ربح أو تجنب إلحاق ضرر به، ويستوي في هذا أن تكون هذه المصلحة مادية أو معنوية، مباشرة أو غير مباشرة، محققة أو احتمالية، إذ يكفي أن تكون الأعمال الإجرامية قد ارتكبت بهدف تحقيق أغراض الشخص المعنوي حتى و لو لم يحصل هذا الشخص في النهاية على أية فائدة .
و من الناحية التطبيقية تثور المشكلة عند الإثبات، ففي غالبية الجرائم تتشابك المصلحة الخاصة مع مصلحة الشخص المعنوي و نتيجة لذلك يمكن القول باستبعاد مسؤولية الشخص المعنوي إذا ارتكب الفاعل الجريمة لمصلحته الخاصة.
ثانيا : ارتكاب الجريمة من طرف جهاز أو ممثل الشخص المعنوي
يقصد بجهاز الشخص المعنوي الأشخاص المؤهلون قانونا للتحدث و التصرف باسمه كمجلس الإدارة، الجمعية العامة للشركاء، المسير، الرئيس،المدير العام.
أما ممثلي الشخص المعنوي فهم الأشخاص الطبيعيون الذين يتمتعون بسلطة التصرف باسمه سواء كانت هذه السلطة قانونية أو بحكم قانون المؤسسة، فقد يكون الرئيس المدير العام، المسير، المدير العام، المصفي في حالة حل الشركة . و تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أنه أخذا بمفهوم المخالفة لما تقدم، فإن تصرفات التابعين و الأجراء لا تؤدي إلى مسؤولية الشخص المعنوي الجزائية عن أفعالهم حتى لو استفاد منها الشخص المعنوي.كما لا يعد الشخص المعنوي مسؤولا جزائيا عن الجريمة التي يرتكبها أحد مسيريه إذا تصرف بمحض إرادته و لحسابه الشخصي.
و يرى جانب من الفقه أنه لا يمكن مساءلة الشخص المعنوي جزائيا عن الأفعال التي ترتكب من قبل المسير الفعلي وذلك لعدم النص عليها صراحة.
و يثور التساؤل حول ما إذا كان الأشخاص الذين يتمتعون بسلطات خاصة أو تفويض كمدير مصنع ممثلين للشخص المعنوي، و نتيجة لذلك إذا قام شخص معنوي بتفويض اختصاصه أو سلطاته إلى شخص طبيعي آخر و لكن هذا الأخير و في إطار ممارسته لهذه الإختصاصات ارتكب جريمة لحساب الشخص المعنوي فهل يمكن قيام مسؤولية الشخص المعنوي في هذه الحالة ؟
أجاب جانب من الفقه بالنفي على أساس أن مدير المصنع هو مجرد أجير أو تابع للشخص المعنوي، غير أن محكمة النقض الفرنسية ترى خلاف ذلك، حيث قضت بأن الشخص الطبيعي الذي تلقى تفويض سلطات من هيئات الشخص المعنوي يكون ممثلا له . و هو ما نؤيده برأينا المتواضع، ذلك أن التفويض متى كان صحيحا و قانونيا فليس هناك ما يمنع قيام مسؤولية الشخص المعنوي جزائيا إذا ما توافرت شروط قيام هذه المسؤولية طبقا لنص المادة 51 مكرر من ق.ع.
و تجدر الإشارة إلى أنه و عندما تقوم مسؤولية الشخص المعنوي الجزائية فهذا لا يعني إعفاء الأشخاص الطبيعية مرتكبي الجريمة، إذ تنص المادة 51 مكرر من ق.ع في فقرتها الثانية على أن المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي لا تمنع مساءلة الشخص الطبيعي كفاعل أصلي أو كشريك في نفس الأفعال.
و يعني ذلك أن المشرع لم ينشىء مسؤولية بديلة و إنما أنشأ مسؤولية مزدوجة، و إذا كانت قاعدة إمكانية مساءلة الشخص الطبيعي إلى جانب مساءلة الشخص المعنوي تحمل كل المعنى عندما تكون الجريمة المرتكبة عمدية، فإنها تفقد كثيرا من قوتها كما سنرى عندما يتعلق الأمر بجريمة غير عمدية لأن آلية نسبة الجريمة إلى الشخص المعنوي مختلفة تماما .
الفرع الثاني : السلوك محل المساءلة الجزائية في الجريمة غير العمدية
يمكن أن تقوم المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في الجرائم غير العمدية دون التوقف عند دور كل عضو من أعضائه في ارتكاب الجريمة و إسناد المسؤولية الشخصية عن الجريمة لفرد معين.
و تظهر أهمية ذلك خاصة في مجال الإثبات، فمهمة النيابة العامة تكون أسهل بكثير مما هي عليه في حالة الجرائم العمدية أين تكون ملزمة بتحديد الشخص الطبيعي الذي ارتكب الجريمة، أما في هذه الحالة يكفي لإدانة الشخص المعنوي إثبات عدم القيام بالإلتزام القانوني .
بالإضافة إلى مسؤولية الشخص المعنوي ، من الممكن بسبب خصوصية بعض الجرائم أن تقوم مسؤولية الشخص الطبيعي كذلك، و لكن مسؤولية الشخص الطبيعي هنا لا تعد شرطا ضروريا لمساءلة الشخص المعنوي لاسيما أن الأعمال التحضيرية لقانون العقوبات الفرنسي الجديد قد أظهرت بأن المطالبة بإقرار المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي كانت خصيصا لإنهاء حالات افتراض مسؤولية مدير المؤسسة أو الشركة عن الجرائم التي تقع في مؤسسته، و التي قد يجهل في بعض الأحيان وجودها ، و عليه إن مسؤولية مدير المؤسسة كشخص عادي لا تقوم إلا في حالة وجود خطأ شخصي منه أمكن إثباته، لذلك فقد نصت الفقرة 04 من المادة 121-3 من ق.ع . ف المعدلة بالقانون الصادر في سنة 2000 على أنه يشترط لمساءلة الشخص الطبيعي إذا ما تسبب في إحداث الضرر على نحو غير مباشر توافر جسامة معينة من الخطأ، في حين يكفي لمساءلة الشخص المعنوي عن الجريمة توافر الخطأ العادي، لذلك لا يشترط لانعقاد مسؤولية الشخص المعنوي تحديد شخصية ممثلة أو الجهاز الذي وقعت منه الجريمة .
المطلب الثالث : مدى مسؤولية الاشخاص المعنوية في مرحلتى الانشاء والتصفية
إن تطبيق المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية يثير تساؤل حول مدى إمكانية مساءلتها في مرحلتى التأسيس و التصفية، إلا أن هذا التساؤل لا يثار بالنسبة لجميع الأشخاص المعنوية و إنما فقط بالنسبة للشركات التجارية و التجمعات ذات الأهداف الإقتصادية لخضوعها لبعض الأحكام الخاصة خلال فترتي الإنشاء و التصفية و تبعا لذلك سنبحث في مدى مسؤولية هذه الأشخاص المعنوية خلال مرحلة الإنشاء ( الفرع الأول ) و خلال مرحلة التصفية ( الفرع الثاني )
الفرع الأول : مدى مسؤولية الأشخاص المعنوية الخاصة في مرحلة الإنشاء
تكتسب الشركة الشخصية القانونية ( الإعتبارية ) من تاريخ قيدها في السجل التجاري ، و الأصل أن يبدأ خضوعها لأحكام المسؤولية الجزائية من هذا التاريخ، فإذا ارتكبت الشركة جريمة يعاقب عليها القانون خلال فترة تأسيسها فهل يمكن مساءلتها جزائيا ؟ سبق أن أوضحنا أن المشرع الجزائري قد نص على المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية و الإستناد إلى عبارات النص يقود إلى نفي المسؤولية الجزائية عن الشركة في مرحلة تأسيسها، ما دامت لم تكتسب الشخصية المعنوية بعد، و ما يؤيد هذا الرأي أن المسؤولية الجزائية تستلزم ارتكاب واقعة تنسب إلى الشخص المعنوي، فكيف يمكن القول بنسبة هذه الواقعة إلى شخص لم يوجد بعد.
الفرع الثاني : مدى مسؤولية الأشخاص المعنوية الخاصة في مرحلة التصفية
إذا اكتسبت الشركة الشخصية المعنوية فإنها تظل محتفظة بها، و الأصل أن هذه الشخصية المعنوية تنقضي بانقضاء الشركة ذاتها و ذلك بتحقق أحد أسباب انقضاءها، غير أن المشرع الجزائري يبقي على شخصيتها المعنوية بالقدر اللازم لتصفيتها و ذلك محافظة على حقوق دائني الشركة من الضياع أو استيلاء الشركاء عليها.
و لقد تساءل البعض حول حكم الجرائم التي ترتكب باسم الشخص المعنوي و لحسابه في هذه المرحلة، فهل يجوز مساءلته جزائيا عنها ؟
ذهبت بعض الاتجاهات الفقهية إلى القول بإمكانية تطبيق هذه المسؤولية عن الجرائم التي ترتكب خلال مرحلة التصفية، ذلك أن الهدف الذي من أجله تم الإبقاء على الشخصية المعنوية للشركة هو التصفية، فلماذا القول بعدم مسؤوليتها طالما أن هذه الشخصية لا تزال قائمة . لكن هذا الرأي يصطدم بالتزام القاضي بتفسير نصوص القانون الجزائي تفسيرا ضيقا هذا من جهة،و من جهة ثانية فإن الاعتبارات التي تستوجب امتداد الشخصية المعنوية في نطاق القانون التجارى قد يصعب الاخذ بها فى نطاق القانون الجزائى .
و حسب اعتقادنا أن الرأي الأول هو الراجح، فما دام الشخص المعنوي الخاص يحتفظ بشخصيته المعنوية خلال مرحلة التصفية، فلا نرى مانعا من مساءلته جزائيا عن الجرائم المرتكبة خلال هذه المرحلة.
الفصل الأول : مجال تكريس المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
خلافا للشخص الطبيعي الذي يمكن متابعته جزائيا من أجل أية جريمة منصوص و معاقب عليها في قانون العقوبات و باقي القوانين الخاصة متى توافرت أركان الجريمة و شروط المتابعة، فإنه لا يجوز متابعة الشخص المعنوي و مساءلته جزائيا إلا إذا وجد نص يفيد بذلك صراحة، ذلك أن مسؤولية الشخص المعنوي خاصة و متميزة.
غير أن المطلع على التشريعات التي أقرت بهذا النوع من المسؤولية يكتشف أنها لم تحصرها في جرائم معينة بل عملت على توسيع نطاقها و الحفاظ على خصوصيتها، فالمشرع الفرنسي و بعد ما كان يعمد إلى تقييد المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي بمبدأ التخصيص أو ما يعرف بالمسؤولية المحددة و الخاصة و التي تقتضي الرجوع أولا إلى نصوص قانون العقوبات و اللوائح ذات الصلة للوقوف على الجرائم التي يمكن أن يسأل عنها الشخص المعنوي تخلى عنه بموجب القانون رقم 204/2004 حيث أصبح الشخص المعنوي يسأل عن جميع الجرائم، و هذا بعدما تم حذف عبارة: " في الحالات التي ينص عليها القانون أو التنظيم "من المادة 121-02 من ق.ع.ف. أما المشرع الجزائري و منذ تبنيه لفكرة المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي بموجب قانون 04-15 حصر نطاق تطبيقها في الجرائم التي ينص عليها القانون، إذ تنص المادة 51 مكرر من ق.ع على ما يلي : " يكون الشخص المعنوي مسؤولا جزائيا عن الجرائم التي ترتكب لحسابه من طرف أجهزته أو ممثليه الشرعيين عندما ينص القانون على ذلك ".
و بذلك أخذ المشرع الجزائري بمبدأ التخصيص، و إن كان بعد تعديل قانون العقوبات في 2006 قد وسع من نطاق هذه المسؤولية إلا أنه لم يقربها كمبدأ عام في جميع الجرائم، وانطلاقا من ذلك سنتناول الجرائم التي يرتكبها الشخص المعنوي في التشريع الجزائري و ذلك ببيان الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات في ( المبحث الأول ) و الجرائم المنصوص عليها في القوانين الخاصة في (المبحث الثاني ).
المبحث الأول : الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات
على خلاف المشرع الفرنسي الذي وسع من مجال المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي لتشمل كل الجرائم دون استثناء، فإن المشرع الجزائري و عند إقراره بهذه المسؤولية بموجب قانون 04-15 حصر نطاق تطبيقها في ثلاثة جرائم هي : جريمة تكوين جمعية أشرار (المادة177 مكرر1 ق.ع),جريمة تبييض الأموال ( المادة389 مكرر7 ق.ع ) جريمة المساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات ( المادة 394 مكرر 04 ق.ع ).
إلا أنه بعد تعديل قانون العقوبات في 2006 وسع المشرع كما ذكرنا سابقا من مجال المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي حيث أصبح يسأل عن عدد مهم من الجنايات و الجنح المنصوص عليها في قانون العقوبات .
و عليه سنتناول الجرائم التي يسأل عنها الشخص المعنوي في ظل قانون 04-15 في ( المطلب الأول) ثم الجرائم التي أصبح يسأل عنها الشخص المعنوي بموجب قانون 06/23 في ( المطلب الثاني).
المطلب الأول : تضييق نطاق التجريم في ظل قانون 04/15
نص قانون 04/15 المعدل و المتمم لقانون العقوبات على مسؤولية الشخص المعنوي في ثلاث جرائم ذكرت على سبيل الحصر و هي :
• جريمة تكوين جمعية أشرار ( الفرع الأول )
• جريمة تبييض الأموال ( الفرع الثاني )
• جريمة المساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات ( الفرع الثالث ).
الفرع الأول : جريمة تكوين جمعية أشرار
نصت المادة 177مكرر 01 ق.ع على مسؤولية الشخص المعنوي جزائيا عن جريمة تكوين جمعية أشرار بقولها : " يكون الشخص المعنوي مسؤولا جزائيا وفقا للشروط المنصوص عليها في المادة 51 مكرر من ق.ع عن الجرائم المنصوص عليها في المادة 176 من هذا القانون " و بالرجوع إلى المادة176 من ق.ع نجد أنها حددت عناصر هذه الجريمة و المتمثلة في القيام بأفعال تحضيرية لارتكاب جناية أو جنحة ضد الأشخاص أو الأملاك.
و الأصل أن مثل هذه الأفعال غير معاقب عليها لانتفاء البدء في التنفيذ، غير أن الخطورة الإجرامية التي يشكلها الأشرار عند تجمعهم أدت بالمشرع إلى استحداث هذه الجريمة المستقلة و تضمين الشخص المعنوي كمحل للمساءلة بجانب الشخص الطبيعي و حسب مركزه في الجريمة كفاعل أصلي أو شريك. تقوم جريمة تكوين جمعية أشرار على ثلاثة أركان أساسية هي : الجمعية أو الإتفاق ( أولا)، غرض الجمعية أو الإتفاق ( ثانيا )، القصد الجنائي ( ثالثا )
أولا : الجمعية أو الإتفاق
لم يعرف قانون العقوبات المقصود بالجمعية و لا بالإتفاق، غير أن المسلم به أن الجمعية أو الإتفاق يقتضي شخصين أو أكثر، و لا يهم بعد ذلك مدة تشكيل الجمعية أو الإتفاق، و إضافة إلى ذلك يجب توافر الشرطين المنصوص عليهما في المادة 51 مكرر من ق ع أي أن تتكون هذه الجمعية أو الإتفاق تحت شكل أحد الأشخاص المعنوية محل المساءلة الجزائية للإعداد لجناية أو جنحة باسمها و لحسابها بواسطة أحد أعضاءها أو ممثليها.
ثانيا: غرض الجمعية أو الإتفاق
يتمثل في الإعداد لجناية أو جنحة معاقب عليها بخمس سنوات حبس على الأقل ضد الأشخاص أو الأملاك .
و نتساءل هنا عن أسباب عدم مساءلة المشرع للشخص المعنوي جزائيا عن الجنايات و الجنح التي تمس بأمن الدولة و النظام العمومي و المرتكبة في شكل جمعية أشرار.
و يطرح نفس التساؤل بالنسبة للمخالفات و الجنح التي تقل عقوبتها عن 5 سنوات ؟
أمام محاولتنا للإجابة عن ذلك نقف دون مبرر لمعرفة الدوافع الحقيقية التي أدت بالمشرع إلى استبعاد مسؤولية الشخص المعنوي جزائيا عن الجنايات و الجنح التي تمس بأمن الدولة و النظام العمومي و المرتكبة في إطار جمعية أشرار خاصة أن المشرع و بعد تعديل قانون العقوبات في 2006 أقر صراحة بمسؤولية الشخص المعنوي عن هذه الجرائم و هذا ما سنراه في المطلب الموالي.
ثالثا : القصد الجنائي
جريمة تكوين جمعية أشرار جريمة عمدية تقتضي توافر قصد جنائي عام و قصد خاص يتمثل في الإعداد لارتكاب جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس لمدة 05 سنوات على الأقل ضد الأشخاص أو الأملاك.
الفرع الثاني : جريمة تبييض الأموال
نص المشرع الجزائري على جريمة تبييض الأموال في المادة 389 مكرر من ق.ع كما جاء القانون رقم 05-01 المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال و تمويل الإرهاب و مكافحتهما والقانون رقم 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته بأحكام مميزة بشأن تبييض الأموال.
و يقصد بتبييض الأموال إخفاء المصدر الإجرامي للممتلكات و الأموال، لاسيما المال القذر، لذا تمر عملية التبييض من الناحية التقنية بثلاث مراحل بداية بالتوظيف فالتمويه ثم الإدماج، فأما التوظيف فيقصد به تحويل النقود من ورق مصدرها جريمة إلى أدوات نقدية أخرى كالودائع المصرفية، و أما التمويه فيهدف إلى قطع الصلة بين الأموال غير المشروعة و مصدرها، و هذا عن طريق إنشاء صفقات أو فتح حسابات مصرفية باسم أشخاص بعيدين عن أية شبهة أو باسم شركات وهمية، و أما الإدماج يتم من خلاله استعمال المنتجات المبيضة التي كسبت مظهر المشروعية في شكل استثمارات في النشاط الإقتصادي أو في شكل نفقات .
تقوم جريمة تبييض الأموال على ثلاثة أركان و هي : وجود جريمة سابقة ( أولا ) و الركن المادي (ثانيا ) بالإضافة إلى القصد الجنائي ( ثالثا ).
أولا : الركن المفترض: ضرورة وجود جريمة أولية
تشترط المادة 389 مكرر أن تكون الأموال محل التبييض عائدات إجرامية أي أن يكون مصدرها جريمة ما أيا كان وصفها، في حين حصرت المادة 389 مكرر في نسختها الفرنسية الجريمة الأصلية في الجناية بنصها على : « produit d’un crime » .
أما المشرع الفرنسي فقد نص صراحة في المادة 324-01 ق. ع.ف و ما يليها على عائدات الجناية أو الجنحة، و يبدو أنه نفس ما قصده المشرع الجزائري على اعتبار أن المادة 389 مكرر 04 نصت على مصادرة عائدات الجناية أو الجنحة مستبعدة بذلك عائدات المخالفة كما أكدت ذلك كل من المادتين20 ،21 من القانون رقم01.05المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال و تمويل الإرهاب ومكافحتهما .
ثانيا : الركن المادي
تأخذ جريمة تبييض الأموال في القانون الجزائري أربعة صور سنتناولها قبل التطرق إلى محل الجريمة.
- السلوك المجرم نصت المادة 389 مكرر على أربعة صور و هي :
• تحويل الممتلكات أو نقلها ( الصورة الأولى )
• إخفاء أو تمويه الطبيعة الحقيقية للممتلكات أو مصدرها ( الصورة الثانية )
• اكتساب الممتلكات أو حيازتها أو استخدامها ( الصورة الثالثة )
• المساهمة في ارتكاب الأفعال السالفة الذكر( الصورة الرابعة )
الصورة الأولى
تحويل الممتلكات أو نقلها : يتحقق الركن المادي للجريمة في هذه الحالة بمجرد إتيان أي سلوك أو نشاط يتعلق بتحويل أو نقل الأموال المتحصلة من الجريمة الأصلية دون اشتراط استخدام الأموال المحولة أو المنقولة كلها أو بعضها في تمويل هذه الجرائم أو تسهيل ارتكابها.
تحويل الأموال يأخذ صورتين : التحويلات المصرفية و التحويلات غير المصرفية.
فأما التحويلات المصرفية تتمثل في قيام البنك أو المؤسسة المالية بنقل مبلغ نقدي معين من حساب أحد العملاء ( الآمر) و قيده في حساب أخر للعميل نفسه أو لعميل أخر( المستفيد)، و يكون ذلك التحويل بناء على أمر العميل ( الآمر) في شكل خطاب أو نموذج تحويل مصرفي يوقعه العميل، أو في شكل تلكس أو فاكس إلى جانب التحويلات الإلكترونية للأموال التي تتم داخل البلدان و غيرها.
و أما التحويلات الغير مصرفية فتتمثل في شراء أشياء و أصول ملموسة كالذهب و الأحجار الكريمة و اللوحات الفنية ثم القيام ببيع هذه الأشياء مقابل الحصول على شيكات مصرفية بالقيمة و بعدها يقوم المتهم بفتح حسابات له بقيمة هذه الشيكات لدى البنوك المسحوب عليها الشيكات، و أخيرا يقوم بإجراء العديد من التحويلات المصرفية بواسطة هذه البنوك و فروعها ، بحيث يصعب بعد ذلك التعرف على المصدر الحقيقي للأموال .
النقل المادي للأموال: يقصد به نقل الممتلكات من مكان إلى آخر كما يحمل معنى تهريب الممتلكات من بلد إلى أخر و قد إشترط المشرع الجزائري في هذه الصورة أن يكون الغرض من تحويل أو نقل الممتلكات العائدة من جريمة ، إما إخفاء المصدر غير المشروع لتلك الممتلكات، أو تمويه مصدرها غير المشروع أو مساعدة أي شخص متورط في ارتكاب الجريمة الأصلية على الإفلات.
الصورة الثانية : إخفاء أو تمويه الطبيعة الحقيقية للممتلكات أو مصدرها
يقصد بالإخفاء كل ما من شأنه منع كشف الطبيعة الحقيقية للممتلكات أو مصدرها أو حركتها أو ملكيتها، و قد يتم الإخفاء بطرق مشروعة كاكتساب الأموال المتحصلة من جريمة عن طريق الهبة. كما يعني الإخفاء حيازة ممتلكات و التستر على مصدرها أو مكانها أو حركتها.
و يقصد بالتمويه : اصطناع مظهر المشروعية لممتلكات غير مشروعة كإدخال أموال متأتية من جريمة في نتائج شركة قانونية ضمن أرباحها فتظهر و كأنها أرباح مشروعة و تستهدف هذه الصورة خاصة الموثقين و المصرفيين و وكلاء الأعمال .
الصورة الثالثة : اكتساب أموال متحصلة من جريمة أو حيازتها أو استخدامها
يقصد بالإكتساب تلقي أو الحصول على ممتلكات من المتهم سواء عن طريق الشراء أو الهبة أو مقابل عمل أو أداء خدمة، و سواء كانت نقود سائلة أم تحويلات مصرفية أم مقابلا عينيا. و يقصد بالحيازة السيطرة الفعلية على الممتلكات سواء كانت مملوكة للحائز أم مملوكة للغير على سبيل الأمانة أو مودعة في حساب وديعة أو حساب جاري.
و أما الاستخدام فيقصد به استعمال المال في أي غرض من الأغراض سواء كان غرض مشروع أو غير مشروع .
الصورة الرابعة : المساهمة في ارتكاب الأفعال السابقة الذكر
يأخذ هذا السلوك الأشكال التالية :
• المساهمة في ارتكاب أحد السلوكات الواردة في الفقرات أ.ب.ج و هي الصور الثلاثة المذكورة سابقا،و عبارة المساهمة تشمل الاشتراك و التحريض.
• المساهمة في جمعية أو اتفاق لارتكاب أحد السلوكات الواردة في الفقرات أ.ب.ج ( في الصور الثلاثة السابقة ) و يتعلق الأمر هنا بالمساهمة في صورة من صور جمعية الأشرار المنصوص عليها في المادتين 176، 177 مكرر ق. ع.
• المساهمة في أية محاولة لارتكاب أحد السلوكات الواردة في الفقرات أ.ب.ج و يتعلق الأمر بالشروع في ارتكاب السلوكات المذكورة و هو الفعل المعاقب عليه في المادة 389 مكرر 3 ق.ع.
• المساهمة في الإشتراك في ارتكاب السلوكات المذكورة في الفقرات أ.ب.ج بالمساعدة أو المعاونة أو بإسداء المشورة و هي صورة من صور الاشتراك كما هو معروف في المادة 42 ق ع، و على خلاف المشرع الجزائري فإن المشرع الفرنسي حصر جريمة تبييض الأموال في صورتين .
2- محل الجريمة : تنصب جريمة تبييض الأموال على الممتلكات العائدة من جريمة، و لم يعرف المشرع الجزائري المقصود بالممتلكات و لا عائدات الجريمة لا في قانون العقوبات و لا في قانون 05/06 المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال، و قد اكتفى هذا النص الأخير بتعريف الأموال على أنها أي نوع من الأموال مادية، غير مادية، منقولة، غير منقولة و الوثائق أو الصكوك الإلكترونية أيا كان شكلها،في حين تضمن القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته تعريفا للمصطلحين، و هكذا عرفت المادة 2 ز العائدات الإجرامية على أنها كل الممتلكات المتأتية أو المتحصل عليها بشكل مباشر أو غير مباشر من ارتكاب جريمة.
و عرفت الفقرة و من نفس المادة الممتلكات كالآتي: « الموجودات بكل أنواعها سواء كانت مادية أو غير مادية ، منقولة أو غير منقولة، ملموسة أو غير ملموسة و المستندات أو السندات القانونية التي تثبت ملكية تلك الموجودات أو وجود حق فيها ».
و في غياب أي تعريف للمصطلحين في قانون العقوبات و قانون 05\06 يمكن اعتماد التعريفين الذين جاء بهما قانون الفساد نظرا للروابط العديدة الموجودة بين جريمة تبييض الأموال و جرائم الفساد .
ثالثا : الركن المعنوي
جريمة تبييض الأموال هي جريمة عمدية تتطلب توافر القصد الجنائي العام و المتمثل في العلم و الإرادة، فيجب أن يعلم الشخص المعنوي بأن الممتلكات محل الجريمة هي عائدات إجرامية مع اتجاه إرادته إلى إضفاء الشرعية على هذه العائدات.
و إضافة إلى القصد العام تتطلب الجريمة في صورتها الأولى أي تحويل الممتلكات أو نقلها قصدا خاصا يتمثل في الغاية من التحويل أو النقل و هي إما إخفاء المصدر غير المشروع لتلك الممتلكات أو تمويه المصدر غير المشروع لها أو مساعدة أي شخص متورط في ارتكاب الجريمة الأصلية على الإفلات، وتجدر الإشارة إلى أنه لا يكفي لقيام مسؤولية الشخص المعنوي من أجل جريمة تبييض الأموال توافر الأركان السابقة ، وإنما لا بد أن ترتكب هذه الجريمة من قبل هيئاته و لمصلحته و حسابه طبقا للمادة 51 مكرر ق.ع، و بالتالي فهو لا يسأل سوى على الأفعال التي تتم تحقيقا لمصلحته سواء كان صاحب الأموال المبيضة أو أنه يتحصل على ربح أو فائدة مقابل اشتراكه في عملية تبييض الأموال أو مساعدته على ذلك.
و لعل أحسن صورة على ذلك ما تقوم به البنوك و المؤسسات المالية من عمليات التحويل و الإيداع للأموال غير المشروعة مقابل ما تحصل عليه كعمولة أو ما تقوم به الشركات ذات رؤوس الاموال غير المشروعة من عمليات وهمية لتطهير و تبييض رأس مالها تسهيلا لاستغلاله و استثماره.
الفرع الثالث : جريمة المساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات
نص المشرع الجزائري على جريمة المساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات في المواد من 394 مكرر إلى 394 مكرر 7 من ق.ع ، و قبل تطرقنا إلى أركان هذه الجريمة تجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد مصطلح موحد للدلالة عليها و ذلك خشية حصرها في مجال ضيق يمكن أن يضر بها، و هناك من يطلق عليها جرائم الحاسبات أو إساءة استخدام الحاسبات أو الجرائم المرتبطة أو المتعلقة بالحاسبات، و هناك من يطلق عليها جرائم المعالجة الآلية للبيانات أو جرائم التكنولوجيا الحديثة أو الجرائم المعلوماتية .
و بالرغم من إمكانية ارتكاب الجرائم المعلوماتية أثناء أي مرحلة من المراحل الأساسية لتشغيل نظام المعالجة الآلية للبيانات ( الإدخال، المعالجة، الإخراج ) فإن لكل مرحلة منها نوعية خاصة من البرامج لا يمكن بالنظر لطبيعتها ارتكاب الجريمة المعلوماتية إلا في وقت محدد يعتبر هو الأمثل بالنسبة لمراحل التشغيل .
تأخذ الجرائم المعلوماتية في التشريع الجزائري صورتين و هما :
• الدخول في منظومة معلوماتية ( أولا )
• المساس بمنظومة معلوماتية ( ثانيا )
أولا : الدخول في منظومة معلوماتية : و يشمل كذلك فعلين :
1- الدخول : يشمل كل فنيات الدخول الاحتيالي في منظومة محمية كانت أو غير محمية، كما يشمل استعمال من لاحق له في ذلك مفتاح الدخول في منظومة.
2- البقاء : يتسع ليشمل بعد الدخول الشرعي البقاء أكثر من الوقت المحدد و ذلك بغية عدم أداء إتاوة، و تقوم الجريمة سواء حصل الدخول مباشرة على حاسوب أو حصل عن بعد، كما يجرم البقاء حتى لو حصل الدخول بصفة عرضية.
ثانيا : المساس بمنظومة معلوماتية : و يأخذ هذا الفعل كذلك صورتين :
1. إدخال معطيات في نظام المعالجة الآلية غريبة عنه.
2. تخريب المعطيات التي يتضمنها نظام المعالجة الآلية.
و يهدف المشرع الجزائري من وراء هذه الجريمة في الصورتين إلى حماية المعطيات أو المعلومات ذاتها.
أما الركن المعنوي فيتمثل في القصد الجنائي العام بالإضافة إلى القصد الخاص و هو نية الغش.
و يلزم لتوافر الركن المعنوي في صورة الدخول أو البقاء في منظومة معلوماتية أن يعلم الجاني بأنه ليس له الحق في الدخول إلى النظام و البقاء فيه مع اتجاه إرادته إلى فعل الدخول أو إلى فعل البقاء.
و عليه لا يتوافر هذا الركن المعنوي إذا كان دخول الجاني أو بقاءه داخل النظام مسموح به أي مشروع، كما لا يتوافر هذا الركن إذا وقع الجاني في خطأ سواء كان يتعلق بمبدأ الحق في الدخول أو في البقاء كأن يجهل بوجود خطر للدخول أو البقاء. و إذا توافر القصد الجنائي بعنصريه العلم و الإرادة فانه لا يتأثر بالباعث، فيظل قائما حتى لو كان الباعث على الدخول او البقاء هو الفضول أو إثبات القدرة على المهارة .
و بالإضافة إلى القصد الجنائي العام، يشترط في صورة الدخول و البقاء في منظومة معلوماتية توافر قصد خاص و المتمثل في نية الغش و التي تظهر بالنسبة لفعل الدخول من خلال الدخول دون وجه حق إلى النظام و بالنسبة لفعل البقاء من خلال العمليات التي تمت داخل النظام .
و لتوافر الركن المعنوي في صورة المساس بمنظومة معلوماتية، لا بد أن تتجه إرادة الجاني إلى فعل المحو أو التعديل كما يجب أن يعلم الجاني بأن نشاطه يترتب عليه التلاعب في المعطيات و أن ليس له الحق في القيام بذلك.
و بالإضافة إلى توافر القصد الجنائي العام، يشترط لقيام الركن المعنوي نية الغش لكن هذا لا يعني ضرورة توافر قصد الإضرار بالغير .
و هكذا يسأل الشخص المعنوي في حالة ارتكابه إحدى هذه الجرائم سواء بصفته فاعلا أصليا أو شريكا بشرط أن تكون الجريمة قد ارتكبت لحسابه بواسطة أحد أعضاءه أو ممثليه.
المطلب الثاني : اتساع نطاق التجريم في ظل قانون 06-23
لقد وسع المشرع الجزائري بعد تعديل قانون العقوبات بموجب القانون رقم 06\23 من نطاق المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي، فبالإضافة إلى جرائم تكوين جمعية أشرار و تبييض الأموال و المساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات أصبح الشخص المعنوي يسأل عن عدد مهم من الجنايات و الجنح، و التي سنحاول حصرها على النحو الآتي :
الجنايات و الجنح ضد الشيء العمومي في ( الفرع الأول )
الجنايات و الجنح ضد الأفراد في ( الفرع الثاني )
جرائم الغش في بيع السلع و التدليس في المواد الغذائية و الطبية في ( الفرع الثالث )
الفرع الأول : الجنايات و الجنح ضد الشيء العمومي
نص المشرع الجزائري على مساءلة الشخص المعنوي على الجرائم المرتكبة ضد الشيء العمومي والتي تقتصر على الجرائم الماسة بأمن الدولة ( أولا ) والجرائم الماسة بالنظام العمومي ( ثانيا ) و جرائم التزوير ( ثالثا )
أولا : الجنايات و الجنح ضد أمن الدولة
نصت المادة 96 مكرر المستحدثة بموجب قانون 06\23 في فقرتها الأولى على قيام المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي عن الجنايات و الجنح ضد أمن الدولة و المنصوص عليها في المواد من 61 إلى 96 من الفصل الأول المقسم إلى ستة أقسام و هي :
• جرائم الخيانة و التجسس ( المواد من 61 إلى 64 )
• جرائم التعدي الأخرى على الدفاع الوطني أو الإقتصاد الوطني ( المواد من 65 إلى 76 )
• الاعتداءات و المؤامرات و الجرائم الأخرى ضد سلطة الدولة و سلامة أرض الوطن ( المواد 77 إلى 83 )
• جنايات التقتيل و التخريب المخلة بالدولة ( 84 إلى 87 )
• الجرائم الموصوفة بأعمال إرهابية أو تخريبية ( المواد 87 مكرر إلى 87 مكرر 10 )
• جنايات المساهمة في حركات التمرد ( المواد من 88 إلى90 )
• جرائم عدم التبليغ عن النشاطات التي يكون من طبيعتها الإضرار بالدفاع الوطني و تلقي أموال من مصدر خارجي للدعاية السياسية و الإضرار بالمصلحة الوطنية ( المواد من 91 إلى 96 )
ثانيا : الجنايات و الجنح ضد النظام العمومي
نصت المادة 175 مكرر ق.ع على قيام المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي عن الجنايات و الجنح التي يرتكبها الأفراد ضد النظام العمومي المنصوص عليها في المواد من 144إلى 175 مكرر من الفصل الخامس و المتضمن سبعة أقسام و هي :
• جرائم الإهانة و التعدي على الموظف ( المواد من144إلى 149 )
• الجرائم المتعلقة بالمدافن و حرمة الموتى ( المواد من 150 إلى 154 )
• جرائم كسر الأختام و سرقة الأوراق من المستودعات العمومية ( المواد من 155 إلى 159).
• جرائم التدنيس و التخريب ( المواد من 160 إلى 160 مكرر 08 )
• جنايات و جنح متعهدي تموين الجيش ( المواد من 161 إلى 164 )
• الجرائم المرتكبة ضد النظم المقررة لدور القمار و اليانصيب و بيوت التفليس على الرهون(المواد من 165 إلى169 )
• الجرائم المتعلقة بالصناعة و التجارة و المزايدات العمومية ( المواد من 170 إلى 175 مكرر)
ثالثا : جرائم التزوير
نصت المادة 253 مكرر المستحدثة بموجب القانون رقم 06\23 على إمكانية مساءلة الشخص المعنوي جزائيا من أجل جرائم التزوير المنصوص عليها في المواد من 197 إلى 253 مكرر من الفصل السابع و المقسم إلى سبعة أقسام و هي:
• تزوير النقود ( المواد من 197 إلى 204 )
• تقليد أختام الدولة و الدمغات و الطوابع و العلامات ( المواد 205 إلى 213 )
• تزوير المحررات العمومية أو الرسمية ( المواد 214 إلى 218 )
• التزوير في المحررات العرفية أو التجارية أو المصرفية ( المواد 219 إلى 221 )
• التزوير في بعض الوثائق الإدارية و الشهادات ( 222 إلى 229 )
• شهادة الزور و اليمين الكاذبة (المواد 232 إلى 241 )
• انتحال الوظائف و الألقاب أو الأسماء أو إساءة استعمالها (المواد 242 إلى 253 مكرر)
الفرع الثاني : الجنايات و الجنح ضد الأفراد
نص المشرع الجزائري في تعديل 2006 على مساءلة الشخص المعنوي على الجنايات و الجنح ضد الأفراد و يتعلق الأمر أساسا بكامل الجنايات و الجنح ضد الأموال، و بعض الجنايات و الجنح ضد الأشخاص ،و بفئة واحدة فقط من الجنايات و الجنح ضد الأسرة و الآداب العامة، و التي تقتصر على الجرائم التي من شأنها الحيلولة دون التحقق من شخصية الطفل.
أولا : الجنايات و الجنح ضد الأموال
إضافة إلى جريمتي تبييض الأموال و المساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات أصبح الشخص المعنوي و بعد تعديل قانون العقوبات بموجب القانون 06\23 يسأل عن كافة الجنايات و الجنح ضد الأموال و ذلك بنص المادتين 382 مكرر 1 و 417 مكرر 3 و الواردة في الفصل الثالث.
و بالرجوع إلى هذا الفصل فإن الجنايات و الجنح ضد الأموال التي يمكن أن يسأل عنها الشخص المعنوي تتمثل في :
• السرقات و ابتزاز الأموال ( المواد من 350 إلى 371 مكرر )
• النصب و إصدار شيك بدون رصيد ( المواد من 372 إلى 375 مكرر )
• خيانة الأمانة ( المواد من 376 إلى 382 مكرر 01 )
• الإفلاس ( المواد من 383 إلى 385 )
• التعدي على الأملاك العقارية المادة 386.
• إخفاء الأشياء المسروقة ( المواد من 387 إلى 389 )
• الهدم و التخريب و الأضرار التي تنتج عن تحويل اتجاه وسائل النقل ( المواد من 395 إلى 417 ).
ثانيا : الجنايات و الجنح ضد الأشخاص
نصت المادة 303 مكرر 3 من ق.ع على ما يلي : « يكون الشخص المعنوي مسؤولا جزائيا عن الجرائم المحددة في الأقسام 03،04،05 من هذا الفصل.......»
و يستفاد مما ذكر أعلاه أن المشرع الجزائري أخذ بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي عن طائفة معينة من جرائم الأشخاص و يتعلق الأمر بـ :
• القتل الخطأ و الجرح الخطأ ( المواد من 288 إلى 290 )
• الاعتداء على الحريات الفردية و حرمة المنازل و الخطف ( المواد من 291 إلى 295 )
• الاعتداءات على شرف و اعتبار الأشخاص و على حياتهم الخاصة و إفشاء الأسرار ( المواد من 296 إلى 303 مكرر01 ).
و تجدر الإشارة إلى أن المشرع الجزائري قد استحدث بموجب القانون 06-23 ضمن هذه الطائفة نوع جديد من الجرائم و المتعلقة بالمساس بحرمة الحياة الخاصة للأشخاص بأي تقنية كانت و هذا بموجب المادتين 303 مكرر و 303 مكرر 01 من ق.ع حيث تنص المادة 303 مكرر على معاقبة كل من يقوم :
• بالتقاط أو تسجيل أو نقل مكالمات أو أحاديث خاصة أو سرية بغير إذن صاحبها أو رضاه .
• بالتقاط أو تسجيل أو نقل صورة لشخص في مكان خاص بغير إذن صاحبها أو رضاه.
كما تنص المادة 303 مكرر 01 على معاقبة كل من احتفظ أو وضع أو سمح بأن توضع في متناول الجمهور أو الغير أو استخدم بأية وسيلة كانت التسجيلات أو الصور أو الوثائق المتحصل بواسطة أحد الأفعال المنصوص عليها في المادة السابقة، و عندما ترتكب هذه الجنحة عن طريق الصحافة تطبق الأحكام الخاصة المنصوص عليها في القوانين ذات العلاقة لتحديد الأشخاص المسؤولين.
ثالثا : الجنايات و الجنح ضد الأسرة و الآداب العامة
لقد حصر المشرع الجزائري مسؤولية الشخص المعنوي عن الجرائم ضد الأسرة و الآداب العامة في نوع واحد من الجنايات و الجنح و هي تلك التي من شأنها الحيلولة دون التحقق من شخصية الطفل و المنصوص عليها في القسم الثالث، وهذا بموجب المادة 321 الفقرة الخامسة من ق.ع و استنادا على هذه المادة نجد أن الشخص المعنوي أصبح يسأل عن الجرائم الآتية :
• جناية نقل طفل عمدا أو إخفاؤه أو استبداله بطفل آخر أو تقديمه على أنه ولد لامرأة لم تضع و ذلك في ظروف من شأنها أن يتعذر التحقق من شخصيته.
• و تصبح هذه الأفعال السابقة جنحا في صورتين و هما :
إذا لم يثبت أن الطفل قد ولد حيا.
إذا قدم فعلا الولد على أنه ولد لامرأة لم تضع حملا و هذا بعد تسليم اختياري أو إهمال من والديه.
• و تصبح هذه الأفعال مخالفة في الحالة التي يثبت فيها أن الولد لم يولد حيا و هي الحالة المنصوص عليها في الفقرة الثالثة من المادة 321.
الفرع الثالث : جرائم الغش و الخدع و جريمة خرق الإلتزامات المترتبة عن العقوبات التكميلية المحكوم بها
أولا : جرائم الغش و الخدع
نصت المادة 435 مكرر على إمكانية قيام مسؤولية الشخص المعنوي بشأن جرائم الغش و الخدع و هذا طبقا للشروط المنصوص عليها في المادة 51 مكرر .
و تتمثل هذه الجرائم في :
• جريمة خداع المتعاقد أو محاولة خداعه سواء في الطبيعة أو في الصفات الجوهرية أو في التركيب أو في نسبة المقومات اللازمة لكل هذه السلع أو سواء في نوعها أو مصدرها أو في كمية الأشياء المسلمة أو في هويتها ( المادة 429 ).
• جريمة الغش في مواد صالحة لتغذية الإنسان أو الحيوانات أو مواد طبية أو مشروبات أو منتجات فلاحيه أو طبيعية مخصصة للاستهلاك. ( المادة 432 فقرة أولى ).
• جريمة عرض أو وضع للبيع أو بيع مواد صالحة لتغذية الإنسان أو الحيوانات أو مواد طبية أو مشروبات أو منتجات فلاحيه أو طبيعية يعلم أنها مغشوشة أو فاسدة أو مسمومة ( المادة 432 فقرة ثانية )
• جريمة عرض أو وضع للبيع أو بيع مواد خاصة تستعمل لغش مواد صالحة لتغدية الإنسان أو الحيوانات أو مشروبات أو منتجات فلاحيه أو طبيعية أو الحث على استعمالها بواسطة كتيبات أو منشورات أو نشرات أو معلقات أو إعلانات أو تعليمات مهما كانت. ( المادة 432 فقرة ثالثة ).
• جريمة الحيازة دون سبب شرعي لمواد صالحة لتغدية الإنسان أو الحيوانات أو مشروبات أو منتوجات فلاحية أو طبيعية أو حيازة مواد طبية مغشوشة أو مواد خاصة تستعمل في غش مواد صالحة لتغدية الإنسان أو الحيوانات أو مشروبات أو منتوجات فلاحية أو طبية أو حيازة موازين أو مكايل خاطئة أو آلات أخرى غير مطابقة تستعمل في وزن أو كيل السلع ( المادة 433 ).
• جريمة الغش أو العمل على الغش في مواد أو أشياء أو مواد غدائية أو سوائل عهدت إلى متصرف أو محاسب قصد حراستها أو موضوعة تحت مراقبته أو توزيع أو العمل على توزيع المواد المذكورة أو الأشياء أو المواد الغدائية أو السوائل المغشوشة. ( المادة 434 فقرة أولى).
• جريمة توزيع أو العمل على توزيع لحوم حيوانات مصابة بأمراض معدية أو أشياء أو مواد غدائية أو سوائل فاسدة أو متلفة من طرف متصرف أو محاسب. ( المادة 434 فقرة ثانية )
• جريمة عرقلة مهام الضباط و أعوان الشرطة القضائية و كذلك الموظفين الذين يسند إليهم القانون سلطة معاينة المخالفات المشار إليها في المواد 427 و 428 و 429 و 430 ( المادة 435 ).
ثانيا : جريمة خرق الإلتزامات المترتبة عن العقوبات التكميلية المحكوم بها
استحدثت هذه الجريمة بموجب المادة 18 مكرر 03 الفقرة 02 من القانون رقم 06\23، و تقوم في حالة خرق الإلتزامات المترتبة عن عقوبة تكميلية أو أكثر محكوم بها على الشخص المعنوي طبقا لأحكام المادة 18 مكرر .
المبحث الثاني : الجرائم المنصوص عليها في القوانين الخاصة
رغم أن التشريع الجزائري إلى غاية 10- 11-2004 و حتى القضاء لم يأخذا صراحة بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي إلا أنه كانت هناك قوانين خاصة كرست هذه المسؤولية في وقت مبكر، فمنها من اعترف بها بصفة صريحة و منها من أخذ بها بصفة ضمنية.
و بعد صدور القانون رقم 04 \15 و الذي بموجبه تبنى المشرع الجزائري مبدأ مساءلة الشخص المعنوي جزائيا كقاعدة عامة صدرت نصوص أخرى وسعت من هذه المسؤولية و أدرجت جرائم جديدة يمكن أن يسأل عنها الشخص المعنوي .
سنتناول في ما يلي الجرائم التي يرتكبها الشخص المعنوي المنصوص عليها في القوانين الخاصة، و هذا من خلال التعرض أولا إلى تلك الجرائم الواردة في القوانين التي أخذت بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي قبل صدور قانون العقوبات 04/ 15 في ( المطلب الأول ) ، ثم نتطرق إلى الجرائم الواردة في القوانين التي وسعت من هذه المسؤولية في ضوء قانون 04 / 15 في ( المطلب الثاني )
المطلب الأول : تضييق نطاق التجريم قبل صدور قانون 04\15
قبل صدور القانون رقم 04\15 كانت جرائم الشخص المعنوي المنصوص عليها في القوانين الخاصة تنحصر في ما يلي :
الفرع الأول : الجرائم الضريبية و جرائم الصرف
أولا: الجرائم الضريبية
في الجرائم الضريبية فضلا عن الشخص الطبيعي قد يكون الفاعل أو شريكه شخصا معنويا، و لهذا الغرض أقر المشرع في القوانين الضريبية بمبدأ مساءلة الشخص المعنوي جزائيا، و هكذا نصت المادة 303 – 09 من قانون الضرائب المباشرة و الرسوم المماثلة على ما يلي : « عندما ترتكب المخالفة من قبل شركة أو شخص معنوي آخر تابع للقانون الخاص يصدر الحكم بعقوبات الحبس.......ضد المتصرفين و الممثلين الشرعيين أو القانونيين للمجموعة »
و أضافت نفس المادة في فقرتها الثانية : « و يصدر الحكم بالغرامات الجزائية .......ضد الشخص المعنوي دون الإخلال بتطبيق الغرامات الجبائية عليه » و هو نفس الحكم الذي تكرر في نص المادة 554 من قانون الضرائب غير المباشرة ، و في المادة 138 من قانون الرسم على رقم الأعمال و في المادة 36\04 من قانون الطابع .و في المادة 121\04 من قانون التسجيل .
و من خلال هذه المواد يتبين لنا أن مسؤولية الشخص المعنوي ليست مطلقة بل حرص المشرع على حصرها في الشخص المعنوي من القانون الخاص مستبعدا بذلك الدولة و الجماعات المحلية و كذا الهيئات العمومية ذات الطابع الإداري، أما الهيئات العمومية الأخرى الخاضعة للقانون الخاص كالمؤسسات العمومية الإقتصادية فإنها تكون محل مساءلة جزائية في حالة ارتكابها جنحة الغش الضريبي .
ثانيا : جرائم الصرف
و هي الجريمة المنصوص عليها في الأمر رقم 96-22 المعدل و المتمم و المتعلق بقمع مخالفة التشريع و التنظيم الخاصين بالصرف و حركة رؤوس الأموال من و إلى الخارج حيث نصت المادة الخامسة منه على ما يلي : « تطبق على الشخص المعنوي الذي ارتكب المخالفات المنصوص عليها في هذا الأمر العقوبات الآتية ........» و الواقع أن جريمة الصرف ليست واحدة و إنما لها عدة صور و لقد حصر الأمر 96- 22 مختلف مظاهرها و كل مظهر يشكل جريمة في حد ذاته.
و تصنف جرائم الصرف حسب موضوعها إلى الجرائم التي يكون محلها النقود، و الجرائم التي يكون محلها الأحجار الكريمة و المعادن الثمينة
و لقد نصت المادة الأولى من الأمر رقم 96-22 على النوع الأول من جرائم الصرف كما يلي : " تعتبر حسب هذه المادة مخالفة أو محاولة مخالفة للتشريع و التنظيم الخاصين بالصرف و حركة رؤوس الأموال من و إلى الخارج بأي وسيلة كانت ما يأتي :
• التصريح الكاذب.
• عدم مراعاة التزامات التصريح .
• عدم استرداد الأموال إلى الوطن.
• عدم مراعاة الإجراءات المنصوص عليها أو الشكليات المطلوبة.
• عدم الحصول على التراخيص المشترطة أو عدم احترام الشروط المقترنة بها ".
كما نصت المادة الثانية من نفس الأمر على النوع الثاني من جرائم الصرف بقولها : " يعتبر أيضا مخالفة للتشريع و التنظيم الخاصين بالصرف و حركة رؤوس الأموال من و إلى الخارج كل شراء أو بيع أو استيراد أو تصدير أو حيازة السبائك الذهبية و القطع النقدية الذهبية أو الأحجار و المعادن النفيسة دون مراعاة التشريع و التنظيم المعمول بهما ".
الفرع الثاني : المخالفات المتعلقة بشروط ممارسة الأنشطة التجارية
يلزم القانون رقم 04\08 المتعلق بشروط ممارسة الأنشطة التجارية كل شخص معنوي يرغب في ممارسة نشاط تجاري بالقيد في السجل التجاري لدى المركز الوطني للسجل التجاري ( المادة 04).
و تبعا لذلك يتعرض الشخص المعنوي إلى الجزاءات المذكورة في هذا القانون، في حالة ارتكابه إحدى المخالفات الآتية :
• ممارسة نشاط تجاري قار دون التسجيل في السجل التجاري ( المادة 31 )
• ممارسة نشاط تجاري غير قار دون التسجيل في السجل التجاري ( المادة 32 )
• إمتناع الشخص المعنوي عن إشهار البيانات القانونية المنصوص عليها في أحكام المواد 11، 12، 14 من هذا القانون ( المادة 35 من نفس القانون )
• امتناع الشخص المعنوي عن تعديل بيانات مستخرج السجل التجاري في أجل 03 أشهر تبعا للتغييرات الطارئة على الوضع أو الحالة القانونية.
و تعتبر تغييرات طارئة على وضعية التاجر ( شخص معنوي ) أو حالته القانونية حسب المادة 37 :
- تغيير المقر الإجتماعي للشخص المعنوي.
- تغيير عنوان المؤسسة أو المؤسسات الفرعية.
- تعديل القانون الأساسي للشركة.
• ممارسة نشاط أو مهنة مقننة خاضعة للتسجيل في السجل التجاري دون الرخصة أو الإعتماد المطلوبين ( المادة 40 )
• ممارسة تجارة خارجية عن موضوع السجل التجاري ( المادة 41 )
الفرع الثالث : جرائم مخالفة أحكام اتفاقية حظر استحداث و إنتاج و تخزين و استعمال الأسلحة الكيماوية و تدمير تلك الأسلحة
نصت المادة 18 من القانون رقم 03\09 المتضمن قمع جرائم مخالفة أحاكم اتفاقية حظر و استحداث و إنتاج وتخزين و استعمال الأسلحة الكيماوية و تدمير تلك الأسلحة على ما يلي : « يعاقب الشخص المعنوي الذي يرتكب الجريمة المنصوص عليها في المادة 09 بـ ....... و يعاقب الشخص المعنوي الذي يرتكب جريمة أو أكثر من الجرائم المنصوص عليها في المواد 10، 11، 12، 13 ،14، 15، 16، 17 من هذا القانون بـ..........»
و هكذا تقوم مسؤولية الشخص المعنوي في حالة ارتكابه إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون و يتعلق الأمر أساسا بالجرائم الآتية :
• استعمال سلاح كيميائي، أو مادة كيميائية مدرجة في الجدول الأول من ملحق الإتفاقية، المتعلق بالمواد الكيميائية و ذلك لأغراض محظورة في الإتفاقية ( المادة 09 )
• استحداث أو إنتاج أو حيازة بأي طريقة، أو تخزين أو الإحتفاظ بالأسلحة الكيميائية ،أو نقلها بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى أي مكان .
• القيام بأي استعدادات من أي نوع كان لاستعمال الأسلحة الكيميائية.
• اكتساب أو الإحتفاظ بمادة كيميائية مسجلة في الجدولين 1 و 2 من ملحق الإتفاقية ،المتعلق بالمواد الكيمياوية ما لم يكن ذلك لأغراض غير محظورة بمقتضى الإتفاقية.
• إنشاء أو تعديل أو استخدام مرفقا أو عتادا من أي نوع كان، بغرض ممارسة نشاط محظور في الإتفاقية ( المادة 10 ).
• استيراد أو تصدير أو العبور أو الإاتجار أو السمسرة بمواد كيمياوية مدرجة في الجدولين 1 و 2 من ملحق الإتفاقية ، المتعلق بالمواد الكيمياوية من أو إلى دولة ليست طرفا في الإتفاقية (المادة 11)
• عرقلة بأي طريقة كانت سير نشاطات التحقيق للهيئة الوطنية المؤهلة أو منظمة حظر الأسلحة الكيماوية (المادة 12).
• استيراد أو تصدير أو العبور أو الإتجار أو السمسرة بمواد كيمياوية مدرجة في الجدول الأول من ملحق الاتفاقية ،المتعلق بالمواد الكيمياوية لأغراض غير محظورة مع دولة طرف في الاتفاقية دون ترخيص (المادة 13 ).
• ترك أو رمي مواد كيمياوية سامة ( المادة 14 ).
• الإخلال بالالتزام الخاص بالإعلان المنصوص عليه في المادة 7 .
• الإدلاء بتصريحات كاذبة إلى الهيئة الوطنية المؤهلة (المادة 15 ).
• تسريب مستند ناتج عن التحقيق المنصوص عليه في هذا القانون، أو إطلاع عليه شخصا غير مؤهل للاطلاع عليه بدون إذن الشخص المعني (المادة 16)
• استيراد أو تصدير أو العبور أو الإتجار أو السمسرة بمواد كيمياوية مدرجة في الجدول 03 من ملحق الاتفاقية المتعلق بالمواد الكيمياوية اتجاه دولة ليست طرفا في الإتفاقية وهذا دون ترخيص (المادة 17 ).
المطلب الثاني : اتساع نطاق التجريم بعد صدور قانون 04/ 15
بعد صدور القانون 04/15 والذي أقر صراحة بمبدأ مساءلة الأشخاص المعنوية جزائيا، وسع المشرع الجزائري من نطاق هذه المسؤولية في بعض القوانين الخاصة حيث أصبح الشخص المعنوي يسأل عن الجرائم الآتية :
الفرع الأول: جرائم المخدرات
لقد كرس المشرع الجزائري مسؤولية الشخص المعنوي في القانون رقم 04/18 المتعلق بالوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية وقمع الإستعمال و الإتجار غير المشروعين بهما، حيث نصت المادة 25 منه على ما يلي : " يعاقب الشخص المعنوي الذي يرتكب جريمة أو أكثر من الجرائم المنصوص عليها في المواد من 13 إلى 17 من هذا القانون بـ ..... وفي حالة ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في المواد من 15 إلى 21 من هذا القانون، يعاقب الشخص المعنوي بغرامة... "
تبعا لما ذكر أعلاه، يمكن تقسيم جرائم المخدرات التي يرتكبها الشخص المعنوي على أساس طبيعتها إلى جنح (أولا) وجنايات (ثانيا) .
أولا : الجنح : هي المنصوص عليها في المواد من 13 إلى 17 وتتمثل أساسا في :
• تسليم أو العرض غير المشروع للمخدرات أو المؤثرات العقلية للغير، بهدف الاستعمال الشخصي أو لقاصر أو معوق أو شخص يعالج بسبب إدمانه، أو في مراكز تعليمية أو تربوية أو تكوينية أو صحية أو اجتماعية أو داخل هيئات عمومية (المادة 13) .
• عرقلة مهام الأعوان المكلفين بمعاينة الجرائم (المادة14) .
• تسهيل الاستعمال غير المشروع للمواد المخدرة أو المؤثرات العقلية، بمقابل أو مجانا سواء بتوفير المحل لهذا الغرض أو بأية وسيلة أخرى، وكذلك الأمر بالنسبة لكل من الملاك والمسيرين والمديرين المشغلين بأي صفة كانت، لفندق أو منزل مفروش أو نزل أو حانة أو مطعم أو ناد أو مكان عرض أو أي مكان مخصص للجمهور أو مستعمل من الجمهور الذين يسمحون باستعمال المخدرات داخل هذه المؤسسات أو ملحقاتها أو في الأماكن المذكورة .
• وضع مخدرات أو مؤثرات عقلية في مواد غذائية أو في مشروبات دون علم المستهلكين (المادة 15) .
• تقديم وصفة طبية صورية أو على سبيل المحاباة، تحتوي على مؤثرات عقلية.
• تسليم مؤثرات عقلية بدون وصفة أو مع العلم بالطابع الصوري أو المحاباة للوصفات الطبية .
• محاولة الحصول على المؤثرات العقلية قصد البيع أو التحصل عليها بواسطة وصفات طبية صورية بناء على ما عرض عليه (المادة 16) .
• القيام بطريقة غير مشروعة بإنتاج أو صنع أو حيازة أو عرض أو بيع أو وضع للبيع أو حصول وشراء قصد البيع أو التخزين أو استخراج أو تحضير أو توزيع أو تسليم بأية صفة كانت أو سمسرة أو شحن أو نقل عن طريق العبور المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية .(المادة 17) .
ثانيا : الجنايات : نصت عليها المواد من 18 إلى 21 وتتمثل في :
• القيام بتسيير أو تنظيم أو تمويل النشاطات المذكورة في المادة 17 أعلاه (المادة 18) .
• القيام بطريقة غير مشروعة بتصدير أو استيراد مخدرات أو مؤثرات عقلية (المادة 19) .
• زرع بطريقة غير مشروعة خشخاش الأفيون أو شجيرة الكوكا أو نبات القنب (المادة 20) .
• القيام بصناعة أو نقل أو توزيع السلائف أو تجهيزات أو معدات، إما بهدف استعمالها في زراعة المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية أو في إنتاجها أو صناعتها بطريقة غير مشروعة و إما مع علمه بان هذه السلائف أو التجهيزات أو المعدات ستستعمل لهذا الغرض (المادة 21)
الفرع الثاني : جرائم التهريب
تنص المادة 24 من القانون رقم 05 – 06 المتعلق بمكافحة التهريب على ما يلي : " يعاقب الشخص المعنوي الذي قامت مسؤوليته الجزائية لارتكابه الأفعال المجرمة في هذا الأمر بـ..... "
وبالرجوع إلى مواد هذا القانون يمكن تقسيم جرائم التهريب إلى جنح (أولا) وجنايات (ثانيا) .
أولا : الجنح : تتمثل في :
• جنحة التهريب البسيط : وهي الجنحة المنصوص عليها في المادة 10 الفقرة الأولى من الأمر رقم 05 – 06 ويتعلق الأمر بالتهريب المجرد عندما لا يكون مقرونا بأي ظرف من ظروف التشديد.
• جنحة التهريب المشدد : ويكون التهريب مشددا في الظروف الآتي بيانها :
- حالة اقتران التهريب بظرف التعدد، ويقصد به التهريب المرتكب به من قبل ثلاثة أفراد فأكثر.
- حالة إخفاء البضاعة عن المراقبة، سواء داخل مخابئ أو تجويفات أو في أي أماكن أخرى مهيئة خصيصا لغرض التهريب باستثناء وسائل النقل.
- حالة استعمال إحدى وسائل النقل، سواء كانت حيوان أو آلة أو مركبة أو أية وسيلة نقل أخرى استعملت بأي صفة لنقل البضائع المهربة أو كانت تستعمل لهذا الغرض .
- حالة التهريب مع حمل سلاح ناري، و لا يشترط المشرع استعمال السلاح الناري بل يكفي حمله .
- حالة حيازة مخازن و وسائل نقل مخصصة للتهريب.
ثانيا : الجنايات : تتمثل في :
• جناية تهريب الأسلحة (المادة 14) .
• جناية التهريب الذي يشكل تهديدا خطير الأمن الوطني أو الاقتصاد الوطني أو الصحة العمومية (المادة 15) .
الفرع الثالث : جرائم الفساد وجرائم مخالفة تدابير مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب
أولا . جرائم الفساد :
نصت المادة 53 من القانون رقم 06/01 المتعلق بالوقاية من الفساد على مساءلة الشخص المعنوي جزائيا عن الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون وفقا للقواعد المقررة في ق .ع .
وبالرجوع إلى هذا القانون وبالتحديد إلى الباب الرابع منه تحت عنوان "التجريم والعقوبات وأساليب التحري " نجد أنّ جرائم الفساد في مجملها هي جنح وتتمثل فيما يلي :
• رشوة الموظفين العموميين (المادة 25) .
• الجرائم المتعلقة بالصفقات العمومية (المادتين 26-27) .
• رشوة الموظفين العموميين الأجانب وموظفي المنظمات الدولية العمومية (المادة 28) .
• اختلاس الممتلكات من قبل الموظف العمومي واستعمالها على نحو غير شرعي (المادة 29) .
• الغدر (المادة 30) .
• الإعفاء والتخفيض الغير قانوني في الضريبة والرسم (المادة 31) .
• استغلال النفوذ (المادة 32) .
• إساءة استغلال الوظيفة (المادة 33) .
• تعارض المصالح (المادة 34) .
• أخذ فوائد بصورة غير قانونية (المادة 35) .
• عدم التصريح أو التصريح الكاذب بالممتلكات (المادة 36) .
• الإثراء الغير مشروع (المادة 37) .
• تلقي الهدايا (المادة 38) .
• التمويل الخفي للأحزاب السياسية (المادة 39) .
• الرشوة في القطاع الخاص (المادة 40) .
• اختلاس الممتلكات في القطاع الخاص (المادة 41) .
• تبييض العائدات الإجرامية (المادة 42) .
• الإخفاء (المادة 43) .
• إعاقة السير الحسن للعدالة (المادة 44 ) .
• الانتقام أو التهريب أو التهديد ضد الشهود أو الخبراء أو الضحايا أو المبلغين أو أفراد عائلاتهم وسائر الأشخاص الوثيقي الصلة بهم (المادة 45) .
• البلاغ الكيدي (المادة 46).
• عدم الإبلاغ عن الجرائم (المادة 47) .
ثانيا: جرائم مخالفة تدابير مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب
وهي الجرائم المنصوص عليها في الفصل الخامس تحت عنوان " أحكام جزائية " من القانون رقم 05 -01 المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما في المواد 31 . 32. 34 منه، ويتعلق الأمر بمخالفة تدابير مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، ذلك أنّ هذا القانون فرض التزامات على بعض الفئات من الأشخاص ومنها الشخص المعنوي، والتي تهدف إلى ضمان مكافحة تبييض الأموال وتتمثل هذه الالتزامات أساسا في :
الرقابة : يتعين على البنوك والمؤسسات المالية والمصالح المالية لبريد الجزائر، فرض رقابة على زبائنها والعمليات التي يقومون بها وذلك من خلال :
فرض الدفع وذلك بواسطة وسائل الدفع عن طريق القنوات البنكية والمالية عندما تفوق مبلغا معينا حدّده المرسوم التنفيذي رقم 05/442 المؤرخ في 14/11/05 بمبلغ 50.000 دج .(المادة 06).
وهكذا إذا خالفت البنوك والمؤسسات المالية ذلك بأن قبلت دفعا خرقا لأحكام المادة 06 تقوم مسؤوليتها الجزائية بشأن هذه الجريمة ، وتعاقب بغرامة تحددها المادة31 من نفس القانون.
معرفة الزبائن والعمليات ، ويستلزم ذلك التأكد من هوية وعنوان الزبائن قبل فتح حساب أو دفتر أو حفظ سندات أو ربط أي علاقة أخرى (المادة 07)، كما تستلزم أيضا الاستعلام حول الحسابات والعمليات التي قد تمثل خطرا بالإضافة إلى المراقبة الصارمة للنشاطات والعمليات محل الشبهة، وتقوم المسؤولية الجزائية للمؤسسات المالية والبنوك في حالة مخالفتها لهذا الالتزام، وتعاقب بالعقوبات المقررة في المادة 34 ف 02 من نفس القانون.
حفظ الوثائق، إذ يتعين عليها الاحتفاظ خلال 05 سنوات بالوثائق المتعلقة بهوية الزبائن وعناوينهم، والوثائق المتعلقة بالعمليات التي أجراها الزبائن , وتسرى هذه المدة ابتداء من يوم غلق الحسابات أو وقف علاقة التعامل (المادة 14) وتعاقب المؤسسات المالية في حالة مخالفتها لأحكام هذه المادة بالعقوبات المقررة في المادة 34 ف02.
الإخطار بالشبهة : فرض قانون 05/06 المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال، وتمويل الإرهاب واجب الأخطار بالشبهة على بعض الفئات والهيئات، وقد حدّدت المادة 19 من نص القانون الأشخاص الخاضعة لهذا الواجب وهي :
• البنوك والمؤسسات المالية والمصالح المالية لبريد الجزائر والمؤسسات المالية المشابهة الاخرى وشركات التأمين و مكاتب الصرف و التعاضديات والرهانات و الألعاب و الكازينوهات.
• كل شخص طبيعي أو معنوي يقوم في إطار مهنته بالاستشارة و/أو بإجراء عمليات إيداع أو مبادلات أو توظيفات أو تحويلات أو أية حركة لرؤوس الأموال.
فإذا خالف الشخص المعنوي هذا الالتزام تقوم مسؤوليته ويعاقب حسب المادة 32 .
تعد المسؤولية الجزائية المحور الأساسي الذي تدور حوله الفلسفة و السياسة الجنائية، و من ثم كانت النهضة العلمية و الفكرية التي لحقت بالقانون الجنائي وليدة الإتجاهات الفلسفية المختلفة حول نظرية المسؤولية الجزائية.
و إذا كانت المسؤولية الجزائية للإنسان الحي المدرك عن الجرائم التي يرتكبها لا يثار حولها أي جدال فقهي أو قضائي، فإن التقدم الهائل الذي تعرفه المجتمعات اليوم في شتى المجالات سيما المجال الإقتصادي و التكنولوجي, أين ازداد حجم نشاط الأشخاص و ظهرت المشاريع الكبرى التي فاقت بكثير إمكانيات الفرد، أصبح من الضروري لتحقيق هذه الأهداف الضخمة ضم نشاطه إلى نشاط غيره و هذا عن طريق قيام تجمعات فردية أو مالية يطلق عليها اسم الأشخاص المعنوية أو الإعتبارية.
واذا كان الشخص الإعتباري قد أضحى اليوم ذا أهمية كبرى نظرا لما ينهض به من أعباء جسيمة يعجز غيره من الأشخاص الطبيعية عن القيام بها، فإنه في الوقت نفسه يمكن أن يكون مصدرا للجريمة أو الإنحراف مما يشكل خطرا و تهديدا على أمن المجتمع و سلامته و ذلك بسبب طبيعة الشخص المعنوي و طبيعة النشاط المنوط به.
فطبيعة الشخص المعنوي جعلت من نشاطه حكرا على أعضائه من الأشخاص الطبيعية، التي تعمل باسمه و لحسابه، و من الممكن أن تتخذ من طبيعته أداة لارتكاب الجرائم، و هذا يعني أن الجرائم التي تقع من الشخص المعنوي إنما تقع في الحقيقة من أعضائه.
و لا جدال في أن الأشخاص الطبيعية التي ارتكبت الجرائم باسم الشخص المعنوي و لحسابه تكون مسؤوليتها طبقا للقواعد العامة المنصوص عليها في قانون العقوبات، و إنما يثور التساؤل حول مدى إمكانية مساءلة الشخص المعنوي عن هذه الجرائم و توقيع العقوبات عليه. و لا شك في أن الإجابة عن هذا التساؤل ليست بالأمر الهين، فإذا كانت المسؤولية المدنية للشخص المعنوي مبدءا ثابتا و مكرسا فالحال على خلافه بالنسبة لمسؤوليته الجزائية التي لا تزال من المسائل التي تثير الكثير من الجدل في الفقه و القضاء المقارن، و لم يستقر وضعها بشكل حاسم في العديد من الشرائع العقابية المعاصرة باستثناء التشريعات الأنجلوأمريكية التي أقرت بهذا النمط من المسؤولية على نطاق واسع، في حين قصرتها تشريعات أخرى على جرائم معينة كالتشريع الفرنسي قبل 10 مارس 2004. أما التشريع الجزائري فقد أقر بمبدأ مساءلة الأشخاص المعنوية جزائيا بموجب القانون 04/15 المؤرخ في 10/11/2004 ، المعدل و المتمم لقانون العقوبات، و بعد تعديل قانون العقوبات بموجب القانون 06/23 المؤرخ في 20/12/2006 وسع المشرع من نطاق المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي الى عدد مهم من الجنايات و الجنح،لذلك أصبح من الضروري علينا كقضاة الالمام بمختلف جوانب هذا الموضوع,وهو ما دفعنا الى اختياره و البحث عما إذا كان المشرع الجزائري قد حدد معالم هذه المسؤولية بشكل واضح و دقيق من شروط و إجراءات متابعة و عقوبات، أم كان مجرد طرح لمبدأ مسايرة التطورات القانونية و استجابة لضغوطات منظمة التجارة العالمية التي فرضت على الجزائر تغيير منظومتها القانونية .
و لعل الإشكال الرئيسي المطروح في ظل هذا التعديل يتمثل في :
ما هي صور السلوك الإجرامي المتصور إرتكابه من الشخص المعنوي في القانون الجزائري ؟
و بصدد إجابتنا على هذا الإشكال، نجد أنفسنا أمام تساؤل أولي يتعلق بمدى إمكانية تحميل الشخص المعنوي المسؤولية الجزائية عن هذه الجرائم, و هو ما ارتأينا معالجته في فصل تمهيدي بالتطرق إلى الأحكام العامة للمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي, حيث خصصنا المبحث الأول منه للبحث في الإتجاهات المقارنة سواء كانت فقهية أو تشريعية حول موقفها إزاء إمكانية تحميل الأشخاص المعنوية المسؤولية الجزائية، أما المبحث الثاني تناولنا فيه البحث عن شروط تطبيق هذه المسؤولية. و في الفصل الأول تطرقنا إلى الجرائم المتصور ارتكابها من الشخص المعنوي في مبحثين, حيث خصصنا المبحث الأول للجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات، في حين جعلنا المبحث الثاني للجرائم المنصوص عليها في القوانين الخاصة، أما في الفصل الثاني تعرضنا إلى القواعد التي يخضع لها الشخص المعنوي المسؤول جزائيا من حيث المتابعة و الجزاء، بتطرقنا في المبحث الأول إلى إجراءات متابعة الشخص المعنوي، أما في المبحث الثاني فعالجنا العقوبات الخاصة به و التي تتلائم مع طبيعته المتميزة.
و لقد اتبعنا لمعالجة هذا الموضوع منهجا وصفيا تحليليا معتمدين على المنهج المقارن بين التشريع الجزائري والتشريعات المقارنة خاصة منها التشريع الفرنسي، ونرجو أن نكـون قد وفقنا في تقديم هذا العمل.
الفصل التمهيدي : الأحكام العامة للمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
إن التقدم الحضاري للمجتمعات الإنسانية في العصر الحديث استلزم تكاتل الجهود وتجمع الأموال لإقامة المنشآت الضخمة في شكل مؤسسات اقتصادية كبرى، تدخل الحياة القانونية للمجتمع تارة كأطراف إيجابية لها حقوق و تارة كأطراف سلبية عليها التزامات، و التي لا يتسنى لها ممارستها إلا إذا كانت لكل منها شخصية قانونية مستقلة عن الشخصية القانونية للأفـراد المكونين لـها، و هذا ما يطلق عليه اسم : الأشخـاص الاعتبارية أو المعنوية les personnes morales » « و يقصد بهذا المصطلح أن هذه الأخيرة تكتسب الشخصية القانونية حكما أي بنص القانون، فالقانون هو مصدر وجودها و قيامها .
و لقد تحاشى القانون تعريف الشخص المعنوي و ترك ذلك للفقه الذي أعطى له عدة تعريفات نذكر منها ما قدمه الأستاذ عمار عوابدي بأنها :
" كل مجموعة من الأشخاص تستهدف غرضا مشتركا، أو مجموعة من الأموال ترصد لفترة زمنية محددة لتحقيق غرض معين، بحيث تكون هده المجموعة من الأشخاص أو الأموال كائنا قانونيا " شخص قانوني " مستقلا عن ذوي الأشخاص والأموال المكونة له، وله أهلية قانونية مستقلة و قائمة لاكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات باسمه و لحسابه، كما أن هذه المجموعات لها مصلحة جماعية مشتركة و مستقلة عن المصالح الذاتية و الفردية لأفراد المجموعة " .
كما عرفها الأستاذ رمضان أبو السعود على أنها : " ما هي إلا مجموعات من الأشخاص الطبيعية أو الأموال يجمعها غرض واحد و يكون لهذه المجموعة شخصية قانونية لازمة لتحقيق هذا الغرض منفصلة عن شخصية المكونين و المنتفعين بها " .
من خلال هذين التعريفين نرى أن الشخص المعنوي يقوم على ثلاثة عناصر و هي :
• وجود مجموعة من الأشخاص أو مجموعة من الأموال أو الاثنتين معا، لها إرادة مستقلة عن إرادة المكونين لها تقوم بتمثيل و العمل باسم و لحساب الشخص المعنوي.
• يتمتع بشخصية قانونية بناء على نص في القانون.
• يقوم بتحقيق غرض معين على أن يكون ممكنا و مشروعا و يتحدد في قانون إنشاءه .
و تقتضي المادة 50 من ق.م .ج أن يتمتع الشخص الإعتباري بجميع الحقوق إلا ما كان منها ملازما لصفة الإنسان و ذلك في الحدود التي يقررها القانون، فيكون لها بصفة خاصة ذمة مالية و أهلية في الحدود التي يعينها عقد إنشائها أو التي يقررها القانون،و موطن و هو المكان الذي يوجد فيه مركز إدارتها، و إن الشركات التي يكون مركزها الرئيسي في الخارج ولها نشاط في الجزائر يعتبر مركزها في نظر القانون الداخلي في الجزائر. وتقتضي المادة المذكورة أيضا بأن يكون للشخص الاعتباري نائب يعبر عن إرادته و أن يكون له حق التقاضي .
و أمام التزايد المستمر للأشخاص المعنوية و تأثيرها الكبير في الحياة الاجتماعية و الاقتصادية، أصبح من الضروري التساؤل عن مدى إمكانية مساءلتها جزائيا و عن شروط هذه المساءلة الجزائية، و هذا ما سنتناوله بالتطرق إلى تطور فكرة المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في الفقه و التشريعات في ( المبحث الأول ) ثم إلى شروط قيام المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في (المبحث الثاني ).
المبحث الأول : موقف الفقه و التشريعات من المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
لقد اختلف الفقه بشأن المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي، و سنبين بإيجاز آراء المعارضين و المؤيدين لهذه المسؤولية في ( المطلب الأول )، ثم نتعرض بعد ذلك إلى موقف التشريعات المقارنة في ( المطلب الثاني ) و أخيرا إلى موقف المشرع الجزائري في ( المطلب الثالث ).
المطلب الأول : الجدال الفقهي حول المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
بعد خروج الشخص المعنوي من دائرة المجاز إلى دائرة الحقيقة و اعتراف القانون له بالشخصية القانونية، خلق جدلا في الفقه حول مدى إمكانية مساءلته جزائيا بين معارض ( الفرع الأول ) و مؤيد ( الفرع الثاني ).
الفرع الأول : الإتجاه المنكرللمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
أورد جانب كبير من الفقهاء بعض التحفظات عن مبدأ المساءلة الجزائية للأشخاص المعنوية، و قد استندوا في ذلك إلى جملة من الحجج نلخصها في النقاط الآتية :
• إن الشخص المعنوي ما هو إلا وهم، مجرد من كل إرادة و شخصية و من كل استقلال، فهو محض إفتراض قانوني لا يمكنه ارتكاب الجريمة و لا يمكن نسبة الخطأ إليه.
• إن المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي تناقض مبدأ التخصص، فإذا كان القانون يعترف للشخص المعنوي بالأهلية القانونية، فإن هذه الأهلية تتحدد بالأغراض التي أنشيء الشخص المعنوي من أجلها و التي تتوضح في وثيقة إنشاءه و لا يعقل أن يتسع نطاق هذه الأغراض لارتكاب الجرائم، فارتكاب الجرائم خارج عن نطاقه و وجوده .
• إن القول بمسؤولية الشخص المعنوي يتعارض مع مبدأ شخصية العقوبة ،ذلك أن قبول إنشاء مسؤولية شركة ينطوي على قبول معاقبة أبرياء بطريق غير مباشر، إذ يترتب على القول بمسؤولية الشخص المعنوي ان تطال العقوبة كل المساهمين في إنشاءه على الرغم من بعدهم عن الجريمة .
• إن العقوبات التي نص عليها القانون وجدت لتطبق على الشخص الطبيعي و لا يمكن تطبيقها على الشخص المعنوي كما أن للعقوبات الجنائية أهدافا في الإصلاح و الردع، و العقوبة في جوهرها ألم يصيب من توقع عليه و هو ما لا يمكن توافره للشخص المعنوي .
ينتهي أنصار هذا الاتجاه و استنادا إلى الحجج السابقة إلى القول بعدم مسؤولية الشخص المعنوي الجزائية عن الجرائم التي تقع من ممثليه أو تابعيه, إلا أن هذه التحفظات لم تصمد طويلا أمام حجج المؤيدين لمبدأ مساءلة الشخص المعنوي جزائيا فما هي هذه الحجج ؟
الفرع الثاني : الإتجاه المؤيد للمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
رد المؤيدون لمسؤولية الشخص المعنوي الجزائية بحجج نلخصها كما يأتي :
• إن الشخص المعنوي ليس مجرد خيال، و لكنه حقيقة، وكائن له وجوده الحقيقي و ليس إفتراضيا و ذلك بسب المصالح التى يسعى إلى تحقيقها و التى من شأنها أن تجعل له شخصية قانونية مستقلة عن أصحابها، صحيح أنه ليس كائنا في عالم الآدميين و لكنه كائن في عالم القانون له وجوده و ذمته المالية، كما أن له إرادة مستقلة عن إرادة كل فرد فيه، فإرادته هي خلاصة مجموع آراء أعضاءه و المساهمين فيه، و مظهرها الأوامر و التعليمات التي ينفذها القانمون بإدارة أعماله .
• كما انه لا مجال للحجة القائلة أن الجريمة تخرج عن الغاية التي خصص لها الشخص المعنوي، فتخصيص الشخص المعنوي لأداء هدف معين لا يرسم حدود الوجود القانوني له، ومن ثم لا ينفي عنه إمكانية إسناد الجريمة إليه، فكما أن الإنسان العادي لا يوجد من أجل إقتراف الجرائم إذ ليست الغاية من حياته ارتكابها، فالجريمة خروج عما يجب أن تكون عليه حياته، كذلك فإن الشخص المعنوي ليست غاية وجوده ارتكاب الجرائم، إلا أنه من الممكن أن يرتكبها و من المعروف أن الشخص المعنوي يكافأ على أعماله الجيدة فمن العدالة إذا أن يحاسب على أعماله السيئة التي يقترفها.
• لا يستقيم القول : ان العقوبات لا تطبق على الشخص المعنوي ، فالجزاءات يمكن أن تطبق عليه و لكن بما يتلاءم مع طبيعته ،كحل الشخص المعنوي و مراقبته أو إغلاقه أو تضييق نطاق عمله، بالإضافة إلى الغرامة و المصادرة، كما أن أغراض العقوبة في الردع و الإصلاح ليست مستبعدة تماما، لأن توقيعها على الشخص المعنوي يؤثر في نشاطه. مما يدفع القائمين على إدارته إلى عدم مخالفة القانون مرة أخرى.
• أما القول إن العقوبات تصيب جميع المساهمين، و في هذا خروج على مبدأ شخصية العقوبة فمع انه قول صحيح نوعا ما إلا أن ذلك له ما يماثله في نطاق الأشخاص الطبيعيين، أليس في تطبيق العقوبة على الأب ما يجعلها تأتي بآثار سيئة على جميع أفراد العائلة ؟ ثم إن تطبيق الجزاء على الشخص المعنوي هو من الأمور الضرورية لحمله على الحيطة و الحذر في تصرفاته .
لكل هذه الأسباب و غيرها ذهب جانب كبير من التشريعات الحديثة إلى الإعتراف بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي هذا إلى جانب مسؤولية الشخص الطبيعي ممثل الشخص المعنوي أو أحد العاملين فيه إذا توافرت أركان الجريمة بالنسبة له شخصيا.
المطلب الثاني : موقف التشريعات المقارنة من المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
سوف نتعرض أولا إلى موقف بعض التشريعات الغربية في ( الفرع الأول ) ثم إلى موقف التشريعات العربية في ( الفرع الثاني ).
الفرع الأول : موقف التشريعات الغربية
عرفت الحقوق الجنائية الفرنسية القديمة في العهود السابقة على الثورة الفرنسية عددا من العقوبات الجماعية التي كان يوقعها برلمان باريس بوصفه هيئة قضائية على بعض المدن الفرنسية بسبب ما كان ينسب لهامن تمرد أو عصيان.
و بصدور الأمر الجنائي الفرنسي الصادر في 1670 أقر المشرع الفرنسي بالمسؤولية الجنائية الجماعية التي تفرض على الهيئات، و حدد لها من العقوبات ما يتلاءم مع طبيعتها مثل الغرامة و المصادرة. و لم تتوقف المسؤولية الجنائية إلا بحلول الثورة الفرنسية و إعلان مبادئ حقوق الإنسان لسنة 1789. إلا أن هذا لم يمنع من وجود بعض النصوص التي تقر هذه المسؤولية على سبيل الاستثناء، و ذلك في مجالات عديدة منها القانون الخاص بالمناجم لسنة 1810 و القانون الخاص بشركات السكك الحديدية لسنة 1845 و القانون الخاص بتنظيم العمل النقابي لسنة 1884 .
و بعد الحرب العالمية الثانية و ازدياد تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية و تنظيم قطاعات كبيرة من الحياة الاجتماعية و السياسية، كثرت النصوص الزجرية المقررة لقمع بعض التصرفات التي تقوم بها الهيئات المعنوية مثل أمر05 ماي 1945 المتعلق بمؤسسات الصحافة و النشر، و أمر 30 ماي 1945 المتعلق بالرقابة على الصرف ،و أمر 30 جوان 1945 المتعلق بقمع بعض الجرائم الإقتصادية .
و أمام الإرتفاع الهائل لعدد الجرائم في المجالات الإقتصادية و التجارية و المالية من طرف الشركات أو الجمعيات أو من أشخاص طبيعية تحت غطاء الاشخاص المعنوية، ظهرت عدة محاولات بغرض تقرير هذه المسؤولية في قانون العقوبات آخرها كان مشروع قانون العقوبات لسنة 1986 و الذي انتهى في الأخير إلى تكريس هذه المسؤولية بنص صريح من خلال المادة 121-02 من القانون الصادر سنة 1992 و المعمول به منذ أول مارس 1994 .
تأثر الفقهاء البلجيكيون بالتشريع الفرنسي بحكم اتصالهم المباشر به، و الذي طبق في بعض المقاطعات البلجيكية قبل الإستقلال، و بالرغم من الغموض الذي اعتمده المشرع البلجيكي فيما يخص البيانات الإبتدائية في النظرية القانونية للإثم قد نص مع ذلك على حكم في المادة 39 من قانون العقوبات لسنة 1867 استفاد منه الفقهاء للتمسك بمبدأ شخصية العقوبة و قصر المسؤولية الجنائية على الأشخاص الطبيعية إذ قرر المشرع : " ينطق بعقوبة الغرامة بصورة فردية على كل واحد من المحكوم عليهم بذات الجريمة " .
و إذا كانت القاعدة في القانون البلجيكي هي عدم مساءلة الشخص المعنوي جزائيا ،فقد ثار التساؤل في الفقه حول مدى خروج المشرع البلجيكي على هذه القاعدة، و لقد انقسم الفقه بشأن ذلك إلى مؤيد و معارض لكل منه حججه و دلائله لينتهي في الأخير المشرع البلجيكي إلى الإقرار بمبدأ المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية و هذا بموجب قانون 5 ماي 1999.
أما القانون الانجليزي فقد عرف المسؤولية الجزائية للهيئات المعنوية في وقت مبكر، و لعل أول التطبيقات القضائية للمبدأ ظهرت في منتصف القرن التاسع عشر في مادة المخالفات الخاصة بإزعاج الراحة العمومية، و أقر القانون الانجليزي بالمسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية كمبدأ عام في قانون التفسير الصادر في سنة 1889 الذي سمح بإسناد الوقائع الإجرامية إلى الهيئات المعنوية .
الفرع الثاني: موقف التشريعات العربية
يمكن القول بأن معظم قوانين العقوبات العربية لا تقربالمسؤولية الجزائية للهيئات المعنوية كقاعدة عامة، و إن سمحت بعض النصوص الخاصة على مجابهة بعض الحالات الاستثنائية في الجرائم الخاصة بضبط الأسعار و مخالفة الأنظمة السارية على محلات بيع المشروبات الكحولية و غيرها.
• و شد عن هذا المنهج قانون العقوبات اللبناني لسنة 1943 في المادة 210 الفقرة الثانية التي نصت على ما يلي : " إن الهيئات المعنوية مسؤولة جزائيا عن أعمال مديريها و أعضاء إدارتها و ممثليها و عمالها عندما يأتون هذه الأعمال باسم الهيئات المذكورة أو بإحدى وسائلها...."
• و قد أخذ قانون العقوبات السوري بهذه المسؤولية في صلب الفقرتين الثانية و الثالثة من المادة 209 التي جاءت بنفس الحكم الذي جاءت به المادة 210 من القانون اللبناني.
• و قد نص المشرع العراقي على هذه المسؤولية كذلك في المادة 80 من قانون العقوبات لسنة 1969، و احتاط في صلب هذه المادة بالذات لاستثناء الهيئات الاعتبارية التي تمثل مصالح الحكومة من الخضوع لهذه المسؤولية .
و قد عرف المشرع الأردني المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي متأثرا بالنظام الأنجلوساكسوني، حيث نص على هذه المسؤولية في المادة74/2 من قانون العقوبات، و التي تقابل كلا من المادة 209 من قانون العقوبات السوري، و المادة 210 من قانون العقوبات اللبناني، و تطبيقا لذلك فقد قضت محكمة التمييز الأردنية في أحد أحكامها : " بأن المادة 74/01 من قانون العقوبات قد أرست قاعدة بينت فيها أساس المسؤولية و هو أن من يقدم على الفعل عن وعي و إرادة يعاقب على فعله بالعقوبة المقررة في القانون، و فى البند الثاني منها عدت الهيئات المعنوية مسؤولة جزائيا عن أعمال مديريها و أعضاء إدارتها و ممثليها عندما يأتون هذه الأعمال المعاقبة جزائيا باسمها أو بإحدى وسائلها بصفتها شخصا معنويا. و قد قصد المشرع من ذلك وضع حد للجدل الفقهي الذي كان يدور حول ما اذا كانت للاشخاص المعنوية إرادة كالإنسان أم لا ؟ و هل يسأل جزائيا غير الإنسان ؟ فأورد نصا خاصا على معاقبتها عند توافر عنصر المسؤولية على أساس أنها تتمتع بوجود قانوني و تمارس نشاطها بهذه الصفة، و عليها أن تتحمل جميع الآثار القانونية التي تترتب على فعلها بما في ذلك إنزال العقوبة عليها وفق القواعد المقررة بالقانون، فضلا عن مسؤولية الشخص الذي اقترف الجرم......." .
المطلب الثالث : موقف المشرع الجزائري من المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
رأينا في المطلب الأول أن هناك اتجاهين في الفقه حول مبدأ المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية ، أولهما الاتجاه الذي يرفض الاعتراف بهذه المسؤولية، و ثانيهما يدعو الى تقريرها و بين هذا و ذاك اختلفت المواقف التشريعية المقارنة على النحو الذي رأيناه في المطلب الثاني.
و السؤال المطروح هو : ما موقف القانون الجزائري بصدد مسؤولية الأشخاص المعنوية جزائيا؟
مر التشريع الجزائري و قبل تبنيه لهذه المسؤولية كمبدأ عام في قانون العقوبات بعدة مراحل نوجزها على النحو الآتي :
الفرع الأول : مرحلة عدم الإقرار بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
إلى غاية تعديله بموجب القانون رقم 04/15 لم يكن قانون العقوبات الجزائري يأخذ بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي إلا أنه لم يستبعدها صراحة.
فقد نص المشرع الجزائري على بعض الأحكام التي لا يمكن فهمها إلا في إطار قبول ضمني لهذه المسؤولية، فقد نص على عقوبة حل الشخص المعنوي ضمن العقوبات التكميلية المنصوص عليها في الفقرة 05 من المادة 09 من ق.ع ، كما نص على عقوبة منع الشخص المعنوي من الإستمرار في ممارسة النشاط ضمن نفس السياق الذي حدد به العقوبات التكميلية في المادة 17من ق.ع و أضاف في المادة 26 منه النص على عقوبة غلق المؤسسة بصفة مؤقتة أو نهائية. و لعل النص الذي يجزم بأن المشرع قد مهد للمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي هو نص المادة 647 من ق.إ.ج الذي فرض إنشاء صحيفة السوابق القضائية لقيد العقوبات التي تصدر على الشركات في الأحوال الإستثنائية .
أما القضاء الجزائري فقد استبعد صراحة و في عدة مناسبات المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية، حيث رفض بناء على مبدأ شخصية العقوبة و تفرديها الحكم على الشخص المعنوي بالجزاءات الجنائية المقررة في قانون الجمارك .
الفرع الثاني : مرحلة الإقرار الجزئي بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
على الرغم من عدم إقرار المشرع الجزائري صراحة بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في قانون العقوبات قبل تعديله في 2004 كانت هناك قوانين خاصة كرست هذه المسؤولية ( أولا ) في حين لم تستبعدها نصوص أخرى( ثانيا ).
أولا : النصوص التي أقرت صراحة بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي و هي :
• الأمر رقم 75 – 37 المؤرخ في 29 أفريل 1975 المتعلق بالأسعار و قمع المخالفات الخاصة بتنظيم الأسعار حيث أقرت المادة 61 منه صراحة المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي بنصها : " عندما تكون المخالفات المتعلقة بأحكام هذا الأمر مرتكبة من القائمين بإدارة الشخص المعنوي أو مسيريه ..... باسم و لحساب الشخص المعنوي، يلاحق هذا الأخير بذاته ......."
• قانون الضرائب المباشرة و الرسوم المماثلة ( المواد من 04 إلى 57 ) :
أقر هذا القانون بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي حيث نصت المادة 303 منه في البند 09 على ما يلي : " عندما ترتكب المخالفة من قبل شركة أو شخص معنوي آخر تابع للقانون الخاص، يصدر الحكم بعقوبات الحبس و بالعقوبات التكميلية ضد المتصرفين و الممثلين الشرعيين أو القانونيين للمجموعة ".
و تضيف في الفقرة الثانية : " و يصدر الحكم بالغرامات ........ و ضد الشخص المعنوي دون الإخلال فيما يخص هذا الأخير بالغرامات الجبائية ......"
• الأمر رقم 96-22 المؤرخ في 09/07/1996 المتعلق بقمع مخالفة التشريع و التنظيم الخاصين بالصرف و حركة رؤوس الأموال من و إلى الخارج ، حيث نصت المادة 05 منه على معاقبة الشخص المعنوي في حالة ارتكابه المخالفات المنصوص عليها في هذا الأمر.
و ما يلاحظ على هذا النص أنه فضلا عن كونه سابقا لأوانه فقد ذهب إلى أبعد ما ذهب إليه التشريع المقارن خاصة التشريع الفرنسي من حيث نطاق المسؤولية الجزائية، فقد وسعت المادة 05 منها و لم تستبعد حتى الدولة و الجماعات المحلية. و قد تدارك المشرع ذلك أثر تعديل الأمر96-22 بموجب الأمر 03-01 المؤرخ في 19-02-2003 حيث حصرت المادة 05 نطاق المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في الأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون الخاص .
ثانيا : النصوص التي أخذت ضمنيا بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
تنحصر هذه النصوص فى الأمر رقم 95-06 المؤرخ في 25-01-1995 المتضمن قانون المنافسة، حيث حددت المادتان 02 و 03 منه نطاق تطبيقه الذي يشمل نشاطات الإنتاج و التوزيع و الخدمات التي يقوم بها كل شخص طبيعي أو معنوي، و قد ألغي هذا الأمر بموجب الأمر رقم 03-03 المؤرخ في 19-07-2003 المتعلق بالمنافسة .
الفرع الثالث: مرحلة تكريس المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
أقر القانون رقم 04/15 بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي و كرسها في المادة 51 منه.
و لقد جاء هذا التكريس نتيجة لما وصلت إليه مختلف اللجان التي سبق أن عهد إليها بإعداد مشروع تعديل قانون العقوبات منذ سنة 1997 و لما أوصت، به لجنة إصلاح العدالة في تقريرها سنة 2000 .
المبحث الثاني : شروط قيام المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
لقد أصبح الشخص المعنوي اليوم يمثل حقيقة قانونية، و له إرادة مستقلة و يمكن أن يرتكب جريمة، و من ثم أصبح يشكل حقيقة إجرامية كذلك. و كما ذكرنا سابقا فإن الإتجاهات الحديثة في التشريعات المقارنة تعترف بمبدأ المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية، حيث أقرها المشرع صراحة في كثير من الدول إلا أن شروط قيام هذه المسؤولية تختلف من تشريع لآخر و يمكن رد هذه الشروط بصفة عامة إلى تلك المتعلقة بالشخص المعنوي المسؤول جزائيا (المطلب الأول ) و السلوك محل المساءلة الجزائية ) المطلب الثانى ) بالإضافة إلى المراحل التي تقوم فيها مسؤولية الشخص المعنوي ) المطلب الثالث(.
المطلب الأول : الأشخاص المعنوية المسؤولة جزائيا
إن تحديد الطبيعة القانونية للشخص المعنوي و بيان خصائصه الذاتية يمثل الركيزة الأساسية في نظرية المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي.
و يثور التساؤل حول ما إذا كان الإختلاف بين الأشخاص الإعتبارية و تنوعها يشكل عائقا أمام مسؤوليتها الجزائية ؟
من المقرر قانونا أن الأشخاص الإعتبارية تنقسم إلى نوعين : الأشخاص الإعتبارية العامة و الأشخاص الإعتبارية الخاصة، و إذا كانت التشريعات المقارنة التي أقرت بمبدأ المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية قد نصت على تطبيقها أصلا على الأشخاص الإعتبارية الخاصة، إلا أنها اختلفت فيما يتعلق بإخضاع الأشخاص الإعتبارية العامة للمسؤولية الجزائية، و لذلك فإن تحديد الشخص المعنوي الذي يسأل جزائيا يقتضي التعرض أولا إلى الأشخاص الإعتبارية الخاصة باعتبارها المعنية أصلا بجانب الأشخاص الطبيعية بتلك المسؤولية في ( الفرع الأول ) ثم نبين ثانيا الأشخاص الإعتبارية المستبعدة من هذه المسؤولية في ( الفرع الثاني ).
الفرع الأول : الأشخاص المعنوية الخاصة
نصت المادة 51 مكرر من ق.ع على ما يلي : " باستثناء الدولة و الجماعات المحلية و الأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون العام، يكون الشخص المعنوي مسؤولا جزائيا ......".
من خلال هذه المادة يتضح لنا أن المشرع الجزائري قرر إخضاع جميع الأشخاص المعنوية الخاصة إلى مبدأ المسؤولية الجزائية و هذا مهما كان الشكل الذي تتخذه و بغض النظر عما إذا كانت تسعى إلى تحقيق ربح مادي أو تحقيق غرض آخر غير الربح.
فبالنسبة للأشخاص المعنوية الخاصة ذات الأهداف غير الربحية نذكر على سبيل المثال الجمعيات المعترف أو غير المعترف بفائدتها العامة، المؤسسات الخيرية، الأحزاب السياسية، النقابات و الجمعيات و الهيئات الممثلة لبعض الأفراد، مع الإشارة الى أن هذه القائمة ليست على سبيل الحصر.
أما بالنسبة للأشخاص المعنوية الخاصة ذات الأهداف الربحية فالقائمة أيضا مفتوحة إذ نجد مختلف الشركات المدنية أو التجارية، التجمعات ذات المصلحة الإقتصادية، شركات الإقتصاد المختلط .
الفرع الثاني : الأشخاص المعنوية العامة
لقد استبعد المشرع الجزائري بموجب المادة 51 مكرر المذكورة سابقا صراحة الأشخاص المعنوية العامة من نطاق المساءلة الجزائية، و قد جاء هذا الإستثناء بصفة مطلقة بقوله : " الأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون العام " و هذا خلافا. لما هو مقرر في القانون الفرنسي حيث حدد المشرع مجال تطبيق هذه المسؤولية بالنسبة للأشخاص المعنوية العامة مستثنيا بذلك الدولة، ومع ذلك فإن الجماعات الإقليمية و تجمعاتها لا تسأل جزائيا إلا عن الجرائم التي ترتكب أثناء مزاولة الأنشطة التي يمكن أن تكون محلا للتفويض في إدارة مرفق عام عن طريق الإتفاق .
فأما الدولة فيقصد بها الإدارة المركزية ( رئاسة الجمهورية، رئاسة الحكومة، الوزارات) و مصالحها الخارجية ( المديريات الولائية و مصالحها )، و لقد استثناها المشرع الجزائري من المساءلة الجزائية على أساس أنها تضمن حماية المصالح العامة الجماعية منها و الفردية و تتكفل بمتابعة المجرمين و معاقبتهم.
و أما الجماعات المحلية فيقصد بها الولاية و البلدية.
و أما الأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون العام فيقصد بها أساسا المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري كالمدرسة العليا للقضاء و الديوان الوطني للخدمات الإجتماعية و المستشفيات و كذلك المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي و التجاري، و هي أشخاص عمومية تابعة للقانون الخاص يكون موضوع نشاطها تجاريا و صناعيا مماثلا للنشاط الذي تتولاه الأشخاص الخاصة، تتخذها الدولة و الجماعات المحلية كوسيلة لإدارة مرافقها ذات الطابع الصناعي و التجاري، و هي تخضع في هذا لأحكام القانون العام و القانون الخاص معا كل في نطاق معين و من هذا القبيل : دواوين الترقية و التسيير العقاري، الجزائرية للمياه، بريد الجزائر.
المطلب التاني: السلوك محل المساءلة الجزائية
في قانون العقوبات لا يسأل أي شخص إلا عن عمله الشخصي، و انطلاقا من ذلك يمكن القول أن الشخص المعنوي لا يسأل إلا عن فعله الذي يختلف حسب طبيعة الجريمة المرتكبة التي قد تكون جريمة عمديه ( الفرع الأول ) أو جريمة غير عمديه ( الفرع الثاني ).
الفرع الأول : السلوك محل المساءلة الجزائية في الجريمة العمدية
لا تقوم مسؤولية الشخص المعنوي عن الجرائم العمدية إلا إذا كان الشخص الذي تصرف لحسابه واعيا و لديه إرادة ارتكاب الجريمة ، بصرف النظر عما إذا لم يكن الشخص الطبيعي محل متابعة فلا يمكن تفسير مسؤولية الشخص المعنوي عن الجرائم العمدية إلا باستعارة جرائم الشخص الطبيعي و يشترط قانون العقوبات أمرين لتطبيق آلية الإستعارة على الشخص المعنوي حيث نص المشرع الجزائري في المادة 51 مكرر من ق.ع على أن الأشخاص المعنوية لا تكون مسؤولة جزائيا إلا عن الجرائم المرتكبة لحسابها ( أولا ) من طرف أجهزتها أو ممثليها ( ثانيا ).
أولا: ارتكاب الجريمة لحساب الشخص المعنوي
يشترط لقيام المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي أن تكون الجريمة قد وقعت لحسابه و يقصد بعبارة " لحساب الشخص المعنوي " أن تكون الجريمة قد ارتكبت بهدف تحقيق مصلحة له كتحقيق ربح أو تجنب إلحاق ضرر به، ويستوي في هذا أن تكون هذه المصلحة مادية أو معنوية، مباشرة أو غير مباشرة، محققة أو احتمالية، إذ يكفي أن تكون الأعمال الإجرامية قد ارتكبت بهدف تحقيق أغراض الشخص المعنوي حتى و لو لم يحصل هذا الشخص في النهاية على أية فائدة .
و من الناحية التطبيقية تثور المشكلة عند الإثبات، ففي غالبية الجرائم تتشابك المصلحة الخاصة مع مصلحة الشخص المعنوي و نتيجة لذلك يمكن القول باستبعاد مسؤولية الشخص المعنوي إذا ارتكب الفاعل الجريمة لمصلحته الخاصة.
ثانيا : ارتكاب الجريمة من طرف جهاز أو ممثل الشخص المعنوي
يقصد بجهاز الشخص المعنوي الأشخاص المؤهلون قانونا للتحدث و التصرف باسمه كمجلس الإدارة، الجمعية العامة للشركاء، المسير، الرئيس،المدير العام.
أما ممثلي الشخص المعنوي فهم الأشخاص الطبيعيون الذين يتمتعون بسلطة التصرف باسمه سواء كانت هذه السلطة قانونية أو بحكم قانون المؤسسة، فقد يكون الرئيس المدير العام، المسير، المدير العام، المصفي في حالة حل الشركة . و تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أنه أخذا بمفهوم المخالفة لما تقدم، فإن تصرفات التابعين و الأجراء لا تؤدي إلى مسؤولية الشخص المعنوي الجزائية عن أفعالهم حتى لو استفاد منها الشخص المعنوي.كما لا يعد الشخص المعنوي مسؤولا جزائيا عن الجريمة التي يرتكبها أحد مسيريه إذا تصرف بمحض إرادته و لحسابه الشخصي.
و يرى جانب من الفقه أنه لا يمكن مساءلة الشخص المعنوي جزائيا عن الأفعال التي ترتكب من قبل المسير الفعلي وذلك لعدم النص عليها صراحة.
و يثور التساؤل حول ما إذا كان الأشخاص الذين يتمتعون بسلطات خاصة أو تفويض كمدير مصنع ممثلين للشخص المعنوي، و نتيجة لذلك إذا قام شخص معنوي بتفويض اختصاصه أو سلطاته إلى شخص طبيعي آخر و لكن هذا الأخير و في إطار ممارسته لهذه الإختصاصات ارتكب جريمة لحساب الشخص المعنوي فهل يمكن قيام مسؤولية الشخص المعنوي في هذه الحالة ؟
أجاب جانب من الفقه بالنفي على أساس أن مدير المصنع هو مجرد أجير أو تابع للشخص المعنوي، غير أن محكمة النقض الفرنسية ترى خلاف ذلك، حيث قضت بأن الشخص الطبيعي الذي تلقى تفويض سلطات من هيئات الشخص المعنوي يكون ممثلا له . و هو ما نؤيده برأينا المتواضع، ذلك أن التفويض متى كان صحيحا و قانونيا فليس هناك ما يمنع قيام مسؤولية الشخص المعنوي جزائيا إذا ما توافرت شروط قيام هذه المسؤولية طبقا لنص المادة 51 مكرر من ق.ع.
و تجدر الإشارة إلى أنه و عندما تقوم مسؤولية الشخص المعنوي الجزائية فهذا لا يعني إعفاء الأشخاص الطبيعية مرتكبي الجريمة، إذ تنص المادة 51 مكرر من ق.ع في فقرتها الثانية على أن المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي لا تمنع مساءلة الشخص الطبيعي كفاعل أصلي أو كشريك في نفس الأفعال.
و يعني ذلك أن المشرع لم ينشىء مسؤولية بديلة و إنما أنشأ مسؤولية مزدوجة، و إذا كانت قاعدة إمكانية مساءلة الشخص الطبيعي إلى جانب مساءلة الشخص المعنوي تحمل كل المعنى عندما تكون الجريمة المرتكبة عمدية، فإنها تفقد كثيرا من قوتها كما سنرى عندما يتعلق الأمر بجريمة غير عمدية لأن آلية نسبة الجريمة إلى الشخص المعنوي مختلفة تماما .
الفرع الثاني : السلوك محل المساءلة الجزائية في الجريمة غير العمدية
يمكن أن تقوم المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في الجرائم غير العمدية دون التوقف عند دور كل عضو من أعضائه في ارتكاب الجريمة و إسناد المسؤولية الشخصية عن الجريمة لفرد معين.
و تظهر أهمية ذلك خاصة في مجال الإثبات، فمهمة النيابة العامة تكون أسهل بكثير مما هي عليه في حالة الجرائم العمدية أين تكون ملزمة بتحديد الشخص الطبيعي الذي ارتكب الجريمة، أما في هذه الحالة يكفي لإدانة الشخص المعنوي إثبات عدم القيام بالإلتزام القانوني .
بالإضافة إلى مسؤولية الشخص المعنوي ، من الممكن بسبب خصوصية بعض الجرائم أن تقوم مسؤولية الشخص الطبيعي كذلك، و لكن مسؤولية الشخص الطبيعي هنا لا تعد شرطا ضروريا لمساءلة الشخص المعنوي لاسيما أن الأعمال التحضيرية لقانون العقوبات الفرنسي الجديد قد أظهرت بأن المطالبة بإقرار المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي كانت خصيصا لإنهاء حالات افتراض مسؤولية مدير المؤسسة أو الشركة عن الجرائم التي تقع في مؤسسته، و التي قد يجهل في بعض الأحيان وجودها ، و عليه إن مسؤولية مدير المؤسسة كشخص عادي لا تقوم إلا في حالة وجود خطأ شخصي منه أمكن إثباته، لذلك فقد نصت الفقرة 04 من المادة 121-3 من ق.ع . ف المعدلة بالقانون الصادر في سنة 2000 على أنه يشترط لمساءلة الشخص الطبيعي إذا ما تسبب في إحداث الضرر على نحو غير مباشر توافر جسامة معينة من الخطأ، في حين يكفي لمساءلة الشخص المعنوي عن الجريمة توافر الخطأ العادي، لذلك لا يشترط لانعقاد مسؤولية الشخص المعنوي تحديد شخصية ممثلة أو الجهاز الذي وقعت منه الجريمة .
المطلب الثالث : مدى مسؤولية الاشخاص المعنوية في مرحلتى الانشاء والتصفية
إن تطبيق المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية يثير تساؤل حول مدى إمكانية مساءلتها في مرحلتى التأسيس و التصفية، إلا أن هذا التساؤل لا يثار بالنسبة لجميع الأشخاص المعنوية و إنما فقط بالنسبة للشركات التجارية و التجمعات ذات الأهداف الإقتصادية لخضوعها لبعض الأحكام الخاصة خلال فترتي الإنشاء و التصفية و تبعا لذلك سنبحث في مدى مسؤولية هذه الأشخاص المعنوية خلال مرحلة الإنشاء ( الفرع الأول ) و خلال مرحلة التصفية ( الفرع الثاني )
الفرع الأول : مدى مسؤولية الأشخاص المعنوية الخاصة في مرحلة الإنشاء
تكتسب الشركة الشخصية القانونية ( الإعتبارية ) من تاريخ قيدها في السجل التجاري ، و الأصل أن يبدأ خضوعها لأحكام المسؤولية الجزائية من هذا التاريخ، فإذا ارتكبت الشركة جريمة يعاقب عليها القانون خلال فترة تأسيسها فهل يمكن مساءلتها جزائيا ؟ سبق أن أوضحنا أن المشرع الجزائري قد نص على المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية و الإستناد إلى عبارات النص يقود إلى نفي المسؤولية الجزائية عن الشركة في مرحلة تأسيسها، ما دامت لم تكتسب الشخصية المعنوية بعد، و ما يؤيد هذا الرأي أن المسؤولية الجزائية تستلزم ارتكاب واقعة تنسب إلى الشخص المعنوي، فكيف يمكن القول بنسبة هذه الواقعة إلى شخص لم يوجد بعد.
الفرع الثاني : مدى مسؤولية الأشخاص المعنوية الخاصة في مرحلة التصفية
إذا اكتسبت الشركة الشخصية المعنوية فإنها تظل محتفظة بها، و الأصل أن هذه الشخصية المعنوية تنقضي بانقضاء الشركة ذاتها و ذلك بتحقق أحد أسباب انقضاءها، غير أن المشرع الجزائري يبقي على شخصيتها المعنوية بالقدر اللازم لتصفيتها و ذلك محافظة على حقوق دائني الشركة من الضياع أو استيلاء الشركاء عليها.
و لقد تساءل البعض حول حكم الجرائم التي ترتكب باسم الشخص المعنوي و لحسابه في هذه المرحلة، فهل يجوز مساءلته جزائيا عنها ؟
ذهبت بعض الاتجاهات الفقهية إلى القول بإمكانية تطبيق هذه المسؤولية عن الجرائم التي ترتكب خلال مرحلة التصفية، ذلك أن الهدف الذي من أجله تم الإبقاء على الشخصية المعنوية للشركة هو التصفية، فلماذا القول بعدم مسؤوليتها طالما أن هذه الشخصية لا تزال قائمة . لكن هذا الرأي يصطدم بالتزام القاضي بتفسير نصوص القانون الجزائي تفسيرا ضيقا هذا من جهة،و من جهة ثانية فإن الاعتبارات التي تستوجب امتداد الشخصية المعنوية في نطاق القانون التجارى قد يصعب الاخذ بها فى نطاق القانون الجزائى .
و حسب اعتقادنا أن الرأي الأول هو الراجح، فما دام الشخص المعنوي الخاص يحتفظ بشخصيته المعنوية خلال مرحلة التصفية، فلا نرى مانعا من مساءلته جزائيا عن الجرائم المرتكبة خلال هذه المرحلة.
الفصل الأول : مجال تكريس المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
خلافا للشخص الطبيعي الذي يمكن متابعته جزائيا من أجل أية جريمة منصوص و معاقب عليها في قانون العقوبات و باقي القوانين الخاصة متى توافرت أركان الجريمة و شروط المتابعة، فإنه لا يجوز متابعة الشخص المعنوي و مساءلته جزائيا إلا إذا وجد نص يفيد بذلك صراحة، ذلك أن مسؤولية الشخص المعنوي خاصة و متميزة.
غير أن المطلع على التشريعات التي أقرت بهذا النوع من المسؤولية يكتشف أنها لم تحصرها في جرائم معينة بل عملت على توسيع نطاقها و الحفاظ على خصوصيتها، فالمشرع الفرنسي و بعد ما كان يعمد إلى تقييد المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي بمبدأ التخصيص أو ما يعرف بالمسؤولية المحددة و الخاصة و التي تقتضي الرجوع أولا إلى نصوص قانون العقوبات و اللوائح ذات الصلة للوقوف على الجرائم التي يمكن أن يسأل عنها الشخص المعنوي تخلى عنه بموجب القانون رقم 204/2004 حيث أصبح الشخص المعنوي يسأل عن جميع الجرائم، و هذا بعدما تم حذف عبارة: " في الحالات التي ينص عليها القانون أو التنظيم "من المادة 121-02 من ق.ع.ف. أما المشرع الجزائري و منذ تبنيه لفكرة المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي بموجب قانون 04-15 حصر نطاق تطبيقها في الجرائم التي ينص عليها القانون، إذ تنص المادة 51 مكرر من ق.ع على ما يلي : " يكون الشخص المعنوي مسؤولا جزائيا عن الجرائم التي ترتكب لحسابه من طرف أجهزته أو ممثليه الشرعيين عندما ينص القانون على ذلك ".
و بذلك أخذ المشرع الجزائري بمبدأ التخصيص، و إن كان بعد تعديل قانون العقوبات في 2006 قد وسع من نطاق هذه المسؤولية إلا أنه لم يقربها كمبدأ عام في جميع الجرائم، وانطلاقا من ذلك سنتناول الجرائم التي يرتكبها الشخص المعنوي في التشريع الجزائري و ذلك ببيان الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات في ( المبحث الأول ) و الجرائم المنصوص عليها في القوانين الخاصة في (المبحث الثاني ).
المبحث الأول : الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات
على خلاف المشرع الفرنسي الذي وسع من مجال المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي لتشمل كل الجرائم دون استثناء، فإن المشرع الجزائري و عند إقراره بهذه المسؤولية بموجب قانون 04-15 حصر نطاق تطبيقها في ثلاثة جرائم هي : جريمة تكوين جمعية أشرار (المادة177 مكرر1 ق.ع),جريمة تبييض الأموال ( المادة389 مكرر7 ق.ع ) جريمة المساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات ( المادة 394 مكرر 04 ق.ع ).
إلا أنه بعد تعديل قانون العقوبات في 2006 وسع المشرع كما ذكرنا سابقا من مجال المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي حيث أصبح يسأل عن عدد مهم من الجنايات و الجنح المنصوص عليها في قانون العقوبات .
و عليه سنتناول الجرائم التي يسأل عنها الشخص المعنوي في ظل قانون 04-15 في ( المطلب الأول) ثم الجرائم التي أصبح يسأل عنها الشخص المعنوي بموجب قانون 06/23 في ( المطلب الثاني).
المطلب الأول : تضييق نطاق التجريم في ظل قانون 04/15
نص قانون 04/15 المعدل و المتمم لقانون العقوبات على مسؤولية الشخص المعنوي في ثلاث جرائم ذكرت على سبيل الحصر و هي :
• جريمة تكوين جمعية أشرار ( الفرع الأول )
• جريمة تبييض الأموال ( الفرع الثاني )
• جريمة المساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات ( الفرع الثالث ).
الفرع الأول : جريمة تكوين جمعية أشرار
نصت المادة 177مكرر 01 ق.ع على مسؤولية الشخص المعنوي جزائيا عن جريمة تكوين جمعية أشرار بقولها : " يكون الشخص المعنوي مسؤولا جزائيا وفقا للشروط المنصوص عليها في المادة 51 مكرر من ق.ع عن الجرائم المنصوص عليها في المادة 176 من هذا القانون " و بالرجوع إلى المادة176 من ق.ع نجد أنها حددت عناصر هذه الجريمة و المتمثلة في القيام بأفعال تحضيرية لارتكاب جناية أو جنحة ضد الأشخاص أو الأملاك.
و الأصل أن مثل هذه الأفعال غير معاقب عليها لانتفاء البدء في التنفيذ، غير أن الخطورة الإجرامية التي يشكلها الأشرار عند تجمعهم أدت بالمشرع إلى استحداث هذه الجريمة المستقلة و تضمين الشخص المعنوي كمحل للمساءلة بجانب الشخص الطبيعي و حسب مركزه في الجريمة كفاعل أصلي أو شريك. تقوم جريمة تكوين جمعية أشرار على ثلاثة أركان أساسية هي : الجمعية أو الإتفاق ( أولا)، غرض الجمعية أو الإتفاق ( ثانيا )، القصد الجنائي ( ثالثا )
أولا : الجمعية أو الإتفاق
لم يعرف قانون العقوبات المقصود بالجمعية و لا بالإتفاق، غير أن المسلم به أن الجمعية أو الإتفاق يقتضي شخصين أو أكثر، و لا يهم بعد ذلك مدة تشكيل الجمعية أو الإتفاق، و إضافة إلى ذلك يجب توافر الشرطين المنصوص عليهما في المادة 51 مكرر من ق ع أي أن تتكون هذه الجمعية أو الإتفاق تحت شكل أحد الأشخاص المعنوية محل المساءلة الجزائية للإعداد لجناية أو جنحة باسمها و لحسابها بواسطة أحد أعضاءها أو ممثليها.
ثانيا: غرض الجمعية أو الإتفاق
يتمثل في الإعداد لجناية أو جنحة معاقب عليها بخمس سنوات حبس على الأقل ضد الأشخاص أو الأملاك .
و نتساءل هنا عن أسباب عدم مساءلة المشرع للشخص المعنوي جزائيا عن الجنايات و الجنح التي تمس بأمن الدولة و النظام العمومي و المرتكبة في شكل جمعية أشرار.
و يطرح نفس التساؤل بالنسبة للمخالفات و الجنح التي تقل عقوبتها عن 5 سنوات ؟
أمام محاولتنا للإجابة عن ذلك نقف دون مبرر لمعرفة الدوافع الحقيقية التي أدت بالمشرع إلى استبعاد مسؤولية الشخص المعنوي جزائيا عن الجنايات و الجنح التي تمس بأمن الدولة و النظام العمومي و المرتكبة في إطار جمعية أشرار خاصة أن المشرع و بعد تعديل قانون العقوبات في 2006 أقر صراحة بمسؤولية الشخص المعنوي عن هذه الجرائم و هذا ما سنراه في المطلب الموالي.
ثالثا : القصد الجنائي
جريمة تكوين جمعية أشرار جريمة عمدية تقتضي توافر قصد جنائي عام و قصد خاص يتمثل في الإعداد لارتكاب جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس لمدة 05 سنوات على الأقل ضد الأشخاص أو الأملاك.
الفرع الثاني : جريمة تبييض الأموال
نص المشرع الجزائري على جريمة تبييض الأموال في المادة 389 مكرر من ق.ع كما جاء القانون رقم 05-01 المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال و تمويل الإرهاب و مكافحتهما والقانون رقم 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته بأحكام مميزة بشأن تبييض الأموال.
و يقصد بتبييض الأموال إخفاء المصدر الإجرامي للممتلكات و الأموال، لاسيما المال القذر، لذا تمر عملية التبييض من الناحية التقنية بثلاث مراحل بداية بالتوظيف فالتمويه ثم الإدماج، فأما التوظيف فيقصد به تحويل النقود من ورق مصدرها جريمة إلى أدوات نقدية أخرى كالودائع المصرفية، و أما التمويه فيهدف إلى قطع الصلة بين الأموال غير المشروعة و مصدرها، و هذا عن طريق إنشاء صفقات أو فتح حسابات مصرفية باسم أشخاص بعيدين عن أية شبهة أو باسم شركات وهمية، و أما الإدماج يتم من خلاله استعمال المنتجات المبيضة التي كسبت مظهر المشروعية في شكل استثمارات في النشاط الإقتصادي أو في شكل نفقات .
تقوم جريمة تبييض الأموال على ثلاثة أركان و هي : وجود جريمة سابقة ( أولا ) و الركن المادي (ثانيا ) بالإضافة إلى القصد الجنائي ( ثالثا ).
أولا : الركن المفترض: ضرورة وجود جريمة أولية
تشترط المادة 389 مكرر أن تكون الأموال محل التبييض عائدات إجرامية أي أن يكون مصدرها جريمة ما أيا كان وصفها، في حين حصرت المادة 389 مكرر في نسختها الفرنسية الجريمة الأصلية في الجناية بنصها على : « produit d’un crime » .
أما المشرع الفرنسي فقد نص صراحة في المادة 324-01 ق. ع.ف و ما يليها على عائدات الجناية أو الجنحة، و يبدو أنه نفس ما قصده المشرع الجزائري على اعتبار أن المادة 389 مكرر 04 نصت على مصادرة عائدات الجناية أو الجنحة مستبعدة بذلك عائدات المخالفة كما أكدت ذلك كل من المادتين20 ،21 من القانون رقم01.05المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال و تمويل الإرهاب ومكافحتهما .
ثانيا : الركن المادي
تأخذ جريمة تبييض الأموال في القانون الجزائري أربعة صور سنتناولها قبل التطرق إلى محل الجريمة.
- السلوك المجرم نصت المادة 389 مكرر على أربعة صور و هي :
• تحويل الممتلكات أو نقلها ( الصورة الأولى )
• إخفاء أو تمويه الطبيعة الحقيقية للممتلكات أو مصدرها ( الصورة الثانية )
• اكتساب الممتلكات أو حيازتها أو استخدامها ( الصورة الثالثة )
• المساهمة في ارتكاب الأفعال السالفة الذكر( الصورة الرابعة )
الصورة الأولى
تحويل الممتلكات أو نقلها : يتحقق الركن المادي للجريمة في هذه الحالة بمجرد إتيان أي سلوك أو نشاط يتعلق بتحويل أو نقل الأموال المتحصلة من الجريمة الأصلية دون اشتراط استخدام الأموال المحولة أو المنقولة كلها أو بعضها في تمويل هذه الجرائم أو تسهيل ارتكابها.
تحويل الأموال يأخذ صورتين : التحويلات المصرفية و التحويلات غير المصرفية.
فأما التحويلات المصرفية تتمثل في قيام البنك أو المؤسسة المالية بنقل مبلغ نقدي معين من حساب أحد العملاء ( الآمر) و قيده في حساب أخر للعميل نفسه أو لعميل أخر( المستفيد)، و يكون ذلك التحويل بناء على أمر العميل ( الآمر) في شكل خطاب أو نموذج تحويل مصرفي يوقعه العميل، أو في شكل تلكس أو فاكس إلى جانب التحويلات الإلكترونية للأموال التي تتم داخل البلدان و غيرها.
و أما التحويلات الغير مصرفية فتتمثل في شراء أشياء و أصول ملموسة كالذهب و الأحجار الكريمة و اللوحات الفنية ثم القيام ببيع هذه الأشياء مقابل الحصول على شيكات مصرفية بالقيمة و بعدها يقوم المتهم بفتح حسابات له بقيمة هذه الشيكات لدى البنوك المسحوب عليها الشيكات، و أخيرا يقوم بإجراء العديد من التحويلات المصرفية بواسطة هذه البنوك و فروعها ، بحيث يصعب بعد ذلك التعرف على المصدر الحقيقي للأموال .
النقل المادي للأموال: يقصد به نقل الممتلكات من مكان إلى آخر كما يحمل معنى تهريب الممتلكات من بلد إلى أخر و قد إشترط المشرع الجزائري في هذه الصورة أن يكون الغرض من تحويل أو نقل الممتلكات العائدة من جريمة ، إما إخفاء المصدر غير المشروع لتلك الممتلكات، أو تمويه مصدرها غير المشروع أو مساعدة أي شخص متورط في ارتكاب الجريمة الأصلية على الإفلات.
الصورة الثانية : إخفاء أو تمويه الطبيعة الحقيقية للممتلكات أو مصدرها
يقصد بالإخفاء كل ما من شأنه منع كشف الطبيعة الحقيقية للممتلكات أو مصدرها أو حركتها أو ملكيتها، و قد يتم الإخفاء بطرق مشروعة كاكتساب الأموال المتحصلة من جريمة عن طريق الهبة. كما يعني الإخفاء حيازة ممتلكات و التستر على مصدرها أو مكانها أو حركتها.
و يقصد بالتمويه : اصطناع مظهر المشروعية لممتلكات غير مشروعة كإدخال أموال متأتية من جريمة في نتائج شركة قانونية ضمن أرباحها فتظهر و كأنها أرباح مشروعة و تستهدف هذه الصورة خاصة الموثقين و المصرفيين و وكلاء الأعمال .
الصورة الثالثة : اكتساب أموال متحصلة من جريمة أو حيازتها أو استخدامها
يقصد بالإكتساب تلقي أو الحصول على ممتلكات من المتهم سواء عن طريق الشراء أو الهبة أو مقابل عمل أو أداء خدمة، و سواء كانت نقود سائلة أم تحويلات مصرفية أم مقابلا عينيا. و يقصد بالحيازة السيطرة الفعلية على الممتلكات سواء كانت مملوكة للحائز أم مملوكة للغير على سبيل الأمانة أو مودعة في حساب وديعة أو حساب جاري.
و أما الاستخدام فيقصد به استعمال المال في أي غرض من الأغراض سواء كان غرض مشروع أو غير مشروع .
الصورة الرابعة : المساهمة في ارتكاب الأفعال السابقة الذكر
يأخذ هذا السلوك الأشكال التالية :
• المساهمة في ارتكاب أحد السلوكات الواردة في الفقرات أ.ب.ج و هي الصور الثلاثة المذكورة سابقا،و عبارة المساهمة تشمل الاشتراك و التحريض.
• المساهمة في جمعية أو اتفاق لارتكاب أحد السلوكات الواردة في الفقرات أ.ب.ج ( في الصور الثلاثة السابقة ) و يتعلق الأمر هنا بالمساهمة في صورة من صور جمعية الأشرار المنصوص عليها في المادتين 176، 177 مكرر ق. ع.
• المساهمة في أية محاولة لارتكاب أحد السلوكات الواردة في الفقرات أ.ب.ج و يتعلق الأمر بالشروع في ارتكاب السلوكات المذكورة و هو الفعل المعاقب عليه في المادة 389 مكرر 3 ق.ع.
• المساهمة في الإشتراك في ارتكاب السلوكات المذكورة في الفقرات أ.ب.ج بالمساعدة أو المعاونة أو بإسداء المشورة و هي صورة من صور الاشتراك كما هو معروف في المادة 42 ق ع، و على خلاف المشرع الجزائري فإن المشرع الفرنسي حصر جريمة تبييض الأموال في صورتين .
2- محل الجريمة : تنصب جريمة تبييض الأموال على الممتلكات العائدة من جريمة، و لم يعرف المشرع الجزائري المقصود بالممتلكات و لا عائدات الجريمة لا في قانون العقوبات و لا في قانون 05/06 المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال، و قد اكتفى هذا النص الأخير بتعريف الأموال على أنها أي نوع من الأموال مادية، غير مادية، منقولة، غير منقولة و الوثائق أو الصكوك الإلكترونية أيا كان شكلها،في حين تضمن القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته تعريفا للمصطلحين، و هكذا عرفت المادة 2 ز العائدات الإجرامية على أنها كل الممتلكات المتأتية أو المتحصل عليها بشكل مباشر أو غير مباشر من ارتكاب جريمة.
و عرفت الفقرة و من نفس المادة الممتلكات كالآتي: « الموجودات بكل أنواعها سواء كانت مادية أو غير مادية ، منقولة أو غير منقولة، ملموسة أو غير ملموسة و المستندات أو السندات القانونية التي تثبت ملكية تلك الموجودات أو وجود حق فيها ».
و في غياب أي تعريف للمصطلحين في قانون العقوبات و قانون 05\06 يمكن اعتماد التعريفين الذين جاء بهما قانون الفساد نظرا للروابط العديدة الموجودة بين جريمة تبييض الأموال و جرائم الفساد .
ثالثا : الركن المعنوي
جريمة تبييض الأموال هي جريمة عمدية تتطلب توافر القصد الجنائي العام و المتمثل في العلم و الإرادة، فيجب أن يعلم الشخص المعنوي بأن الممتلكات محل الجريمة هي عائدات إجرامية مع اتجاه إرادته إلى إضفاء الشرعية على هذه العائدات.
و إضافة إلى القصد العام تتطلب الجريمة في صورتها الأولى أي تحويل الممتلكات أو نقلها قصدا خاصا يتمثل في الغاية من التحويل أو النقل و هي إما إخفاء المصدر غير المشروع لتلك الممتلكات أو تمويه المصدر غير المشروع لها أو مساعدة أي شخص متورط في ارتكاب الجريمة الأصلية على الإفلات، وتجدر الإشارة إلى أنه لا يكفي لقيام مسؤولية الشخص المعنوي من أجل جريمة تبييض الأموال توافر الأركان السابقة ، وإنما لا بد أن ترتكب هذه الجريمة من قبل هيئاته و لمصلحته و حسابه طبقا للمادة 51 مكرر ق.ع، و بالتالي فهو لا يسأل سوى على الأفعال التي تتم تحقيقا لمصلحته سواء كان صاحب الأموال المبيضة أو أنه يتحصل على ربح أو فائدة مقابل اشتراكه في عملية تبييض الأموال أو مساعدته على ذلك.
و لعل أحسن صورة على ذلك ما تقوم به البنوك و المؤسسات المالية من عمليات التحويل و الإيداع للأموال غير المشروعة مقابل ما تحصل عليه كعمولة أو ما تقوم به الشركات ذات رؤوس الاموال غير المشروعة من عمليات وهمية لتطهير و تبييض رأس مالها تسهيلا لاستغلاله و استثماره.
الفرع الثالث : جريمة المساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات
نص المشرع الجزائري على جريمة المساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات في المواد من 394 مكرر إلى 394 مكرر 7 من ق.ع ، و قبل تطرقنا إلى أركان هذه الجريمة تجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد مصطلح موحد للدلالة عليها و ذلك خشية حصرها في مجال ضيق يمكن أن يضر بها، و هناك من يطلق عليها جرائم الحاسبات أو إساءة استخدام الحاسبات أو الجرائم المرتبطة أو المتعلقة بالحاسبات، و هناك من يطلق عليها جرائم المعالجة الآلية للبيانات أو جرائم التكنولوجيا الحديثة أو الجرائم المعلوماتية .
و بالرغم من إمكانية ارتكاب الجرائم المعلوماتية أثناء أي مرحلة من المراحل الأساسية لتشغيل نظام المعالجة الآلية للبيانات ( الإدخال، المعالجة، الإخراج ) فإن لكل مرحلة منها نوعية خاصة من البرامج لا يمكن بالنظر لطبيعتها ارتكاب الجريمة المعلوماتية إلا في وقت محدد يعتبر هو الأمثل بالنسبة لمراحل التشغيل .
تأخذ الجرائم المعلوماتية في التشريع الجزائري صورتين و هما :
• الدخول في منظومة معلوماتية ( أولا )
• المساس بمنظومة معلوماتية ( ثانيا )
أولا : الدخول في منظومة معلوماتية : و يشمل كذلك فعلين :
1- الدخول : يشمل كل فنيات الدخول الاحتيالي في منظومة محمية كانت أو غير محمية، كما يشمل استعمال من لاحق له في ذلك مفتاح الدخول في منظومة.
2- البقاء : يتسع ليشمل بعد الدخول الشرعي البقاء أكثر من الوقت المحدد و ذلك بغية عدم أداء إتاوة، و تقوم الجريمة سواء حصل الدخول مباشرة على حاسوب أو حصل عن بعد، كما يجرم البقاء حتى لو حصل الدخول بصفة عرضية.
ثانيا : المساس بمنظومة معلوماتية : و يأخذ هذا الفعل كذلك صورتين :
1. إدخال معطيات في نظام المعالجة الآلية غريبة عنه.
2. تخريب المعطيات التي يتضمنها نظام المعالجة الآلية.
و يهدف المشرع الجزائري من وراء هذه الجريمة في الصورتين إلى حماية المعطيات أو المعلومات ذاتها.
أما الركن المعنوي فيتمثل في القصد الجنائي العام بالإضافة إلى القصد الخاص و هو نية الغش.
و يلزم لتوافر الركن المعنوي في صورة الدخول أو البقاء في منظومة معلوماتية أن يعلم الجاني بأنه ليس له الحق في الدخول إلى النظام و البقاء فيه مع اتجاه إرادته إلى فعل الدخول أو إلى فعل البقاء.
و عليه لا يتوافر هذا الركن المعنوي إذا كان دخول الجاني أو بقاءه داخل النظام مسموح به أي مشروع، كما لا يتوافر هذا الركن إذا وقع الجاني في خطأ سواء كان يتعلق بمبدأ الحق في الدخول أو في البقاء كأن يجهل بوجود خطر للدخول أو البقاء. و إذا توافر القصد الجنائي بعنصريه العلم و الإرادة فانه لا يتأثر بالباعث، فيظل قائما حتى لو كان الباعث على الدخول او البقاء هو الفضول أو إثبات القدرة على المهارة .
و بالإضافة إلى القصد الجنائي العام، يشترط في صورة الدخول و البقاء في منظومة معلوماتية توافر قصد خاص و المتمثل في نية الغش و التي تظهر بالنسبة لفعل الدخول من خلال الدخول دون وجه حق إلى النظام و بالنسبة لفعل البقاء من خلال العمليات التي تمت داخل النظام .
و لتوافر الركن المعنوي في صورة المساس بمنظومة معلوماتية، لا بد أن تتجه إرادة الجاني إلى فعل المحو أو التعديل كما يجب أن يعلم الجاني بأن نشاطه يترتب عليه التلاعب في المعطيات و أن ليس له الحق في القيام بذلك.
و بالإضافة إلى توافر القصد الجنائي العام، يشترط لقيام الركن المعنوي نية الغش لكن هذا لا يعني ضرورة توافر قصد الإضرار بالغير .
و هكذا يسأل الشخص المعنوي في حالة ارتكابه إحدى هذه الجرائم سواء بصفته فاعلا أصليا أو شريكا بشرط أن تكون الجريمة قد ارتكبت لحسابه بواسطة أحد أعضاءه أو ممثليه.
المطلب الثاني : اتساع نطاق التجريم في ظل قانون 06-23
لقد وسع المشرع الجزائري بعد تعديل قانون العقوبات بموجب القانون رقم 06\23 من نطاق المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي، فبالإضافة إلى جرائم تكوين جمعية أشرار و تبييض الأموال و المساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات أصبح الشخص المعنوي يسأل عن عدد مهم من الجنايات و الجنح، و التي سنحاول حصرها على النحو الآتي :
الجنايات و الجنح ضد الشيء العمومي في ( الفرع الأول )
الجنايات و الجنح ضد الأفراد في ( الفرع الثاني )
جرائم الغش في بيع السلع و التدليس في المواد الغذائية و الطبية في ( الفرع الثالث )
الفرع الأول : الجنايات و الجنح ضد الشيء العمومي
نص المشرع الجزائري على مساءلة الشخص المعنوي على الجرائم المرتكبة ضد الشيء العمومي والتي تقتصر على الجرائم الماسة بأمن الدولة ( أولا ) والجرائم الماسة بالنظام العمومي ( ثانيا ) و جرائم التزوير ( ثالثا )
أولا : الجنايات و الجنح ضد أمن الدولة
نصت المادة 96 مكرر المستحدثة بموجب قانون 06\23 في فقرتها الأولى على قيام المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي عن الجنايات و الجنح ضد أمن الدولة و المنصوص عليها في المواد من 61 إلى 96 من الفصل الأول المقسم إلى ستة أقسام و هي :
• جرائم الخيانة و التجسس ( المواد من 61 إلى 64 )
• جرائم التعدي الأخرى على الدفاع الوطني أو الإقتصاد الوطني ( المواد من 65 إلى 76 )
• الاعتداءات و المؤامرات و الجرائم الأخرى ضد سلطة الدولة و سلامة أرض الوطن ( المواد 77 إلى 83 )
• جنايات التقتيل و التخريب المخلة بالدولة ( 84 إلى 87 )
• الجرائم الموصوفة بأعمال إرهابية أو تخريبية ( المواد 87 مكرر إلى 87 مكرر 10 )
• جنايات المساهمة في حركات التمرد ( المواد من 88 إلى90 )
• جرائم عدم التبليغ عن النشاطات التي يكون من طبيعتها الإضرار بالدفاع الوطني و تلقي أموال من مصدر خارجي للدعاية السياسية و الإضرار بالمصلحة الوطنية ( المواد من 91 إلى 96 )
ثانيا : الجنايات و الجنح ضد النظام العمومي
نصت المادة 175 مكرر ق.ع على قيام المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي عن الجنايات و الجنح التي يرتكبها الأفراد ضد النظام العمومي المنصوص عليها في المواد من 144إلى 175 مكرر من الفصل الخامس و المتضمن سبعة أقسام و هي :
• جرائم الإهانة و التعدي على الموظف ( المواد من144إلى 149 )
• الجرائم المتعلقة بالمدافن و حرمة الموتى ( المواد من 150 إلى 154 )
• جرائم كسر الأختام و سرقة الأوراق من المستودعات العمومية ( المواد من 155 إلى 159).
• جرائم التدنيس و التخريب ( المواد من 160 إلى 160 مكرر 08 )
• جنايات و جنح متعهدي تموين الجيش ( المواد من 161 إلى 164 )
• الجرائم المرتكبة ضد النظم المقررة لدور القمار و اليانصيب و بيوت التفليس على الرهون(المواد من 165 إلى169 )
• الجرائم المتعلقة بالصناعة و التجارة و المزايدات العمومية ( المواد من 170 إلى 175 مكرر)
ثالثا : جرائم التزوير
نصت المادة 253 مكرر المستحدثة بموجب القانون رقم 06\23 على إمكانية مساءلة الشخص المعنوي جزائيا من أجل جرائم التزوير المنصوص عليها في المواد من 197 إلى 253 مكرر من الفصل السابع و المقسم إلى سبعة أقسام و هي:
• تزوير النقود ( المواد من 197 إلى 204 )
• تقليد أختام الدولة و الدمغات و الطوابع و العلامات ( المواد 205 إلى 213 )
• تزوير المحررات العمومية أو الرسمية ( المواد 214 إلى 218 )
• التزوير في المحررات العرفية أو التجارية أو المصرفية ( المواد 219 إلى 221 )
• التزوير في بعض الوثائق الإدارية و الشهادات ( 222 إلى 229 )
• شهادة الزور و اليمين الكاذبة (المواد 232 إلى 241 )
• انتحال الوظائف و الألقاب أو الأسماء أو إساءة استعمالها (المواد 242 إلى 253 مكرر)
الفرع الثاني : الجنايات و الجنح ضد الأفراد
نص المشرع الجزائري في تعديل 2006 على مساءلة الشخص المعنوي على الجنايات و الجنح ضد الأفراد و يتعلق الأمر أساسا بكامل الجنايات و الجنح ضد الأموال، و بعض الجنايات و الجنح ضد الأشخاص ،و بفئة واحدة فقط من الجنايات و الجنح ضد الأسرة و الآداب العامة، و التي تقتصر على الجرائم التي من شأنها الحيلولة دون التحقق من شخصية الطفل.
أولا : الجنايات و الجنح ضد الأموال
إضافة إلى جريمتي تبييض الأموال و المساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات أصبح الشخص المعنوي و بعد تعديل قانون العقوبات بموجب القانون 06\23 يسأل عن كافة الجنايات و الجنح ضد الأموال و ذلك بنص المادتين 382 مكرر 1 و 417 مكرر 3 و الواردة في الفصل الثالث.
و بالرجوع إلى هذا الفصل فإن الجنايات و الجنح ضد الأموال التي يمكن أن يسأل عنها الشخص المعنوي تتمثل في :
• السرقات و ابتزاز الأموال ( المواد من 350 إلى 371 مكرر )
• النصب و إصدار شيك بدون رصيد ( المواد من 372 إلى 375 مكرر )
• خيانة الأمانة ( المواد من 376 إلى 382 مكرر 01 )
• الإفلاس ( المواد من 383 إلى 385 )
• التعدي على الأملاك العقارية المادة 386.
• إخفاء الأشياء المسروقة ( المواد من 387 إلى 389 )
• الهدم و التخريب و الأضرار التي تنتج عن تحويل اتجاه وسائل النقل ( المواد من 395 إلى 417 ).
ثانيا : الجنايات و الجنح ضد الأشخاص
نصت المادة 303 مكرر 3 من ق.ع على ما يلي : « يكون الشخص المعنوي مسؤولا جزائيا عن الجرائم المحددة في الأقسام 03،04،05 من هذا الفصل.......»
و يستفاد مما ذكر أعلاه أن المشرع الجزائري أخذ بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي عن طائفة معينة من جرائم الأشخاص و يتعلق الأمر بـ :
• القتل الخطأ و الجرح الخطأ ( المواد من 288 إلى 290 )
• الاعتداء على الحريات الفردية و حرمة المنازل و الخطف ( المواد من 291 إلى 295 )
• الاعتداءات على شرف و اعتبار الأشخاص و على حياتهم الخاصة و إفشاء الأسرار ( المواد من 296 إلى 303 مكرر01 ).
و تجدر الإشارة إلى أن المشرع الجزائري قد استحدث بموجب القانون 06-23 ضمن هذه الطائفة نوع جديد من الجرائم و المتعلقة بالمساس بحرمة الحياة الخاصة للأشخاص بأي تقنية كانت و هذا بموجب المادتين 303 مكرر و 303 مكرر 01 من ق.ع حيث تنص المادة 303 مكرر على معاقبة كل من يقوم :
• بالتقاط أو تسجيل أو نقل مكالمات أو أحاديث خاصة أو سرية بغير إذن صاحبها أو رضاه .
• بالتقاط أو تسجيل أو نقل صورة لشخص في مكان خاص بغير إذن صاحبها أو رضاه.
كما تنص المادة 303 مكرر 01 على معاقبة كل من احتفظ أو وضع أو سمح بأن توضع في متناول الجمهور أو الغير أو استخدم بأية وسيلة كانت التسجيلات أو الصور أو الوثائق المتحصل بواسطة أحد الأفعال المنصوص عليها في المادة السابقة، و عندما ترتكب هذه الجنحة عن طريق الصحافة تطبق الأحكام الخاصة المنصوص عليها في القوانين ذات العلاقة لتحديد الأشخاص المسؤولين.
ثالثا : الجنايات و الجنح ضد الأسرة و الآداب العامة
لقد حصر المشرع الجزائري مسؤولية الشخص المعنوي عن الجرائم ضد الأسرة و الآداب العامة في نوع واحد من الجنايات و الجنح و هي تلك التي من شأنها الحيلولة دون التحقق من شخصية الطفل و المنصوص عليها في القسم الثالث، وهذا بموجب المادة 321 الفقرة الخامسة من ق.ع و استنادا على هذه المادة نجد أن الشخص المعنوي أصبح يسأل عن الجرائم الآتية :
• جناية نقل طفل عمدا أو إخفاؤه أو استبداله بطفل آخر أو تقديمه على أنه ولد لامرأة لم تضع و ذلك في ظروف من شأنها أن يتعذر التحقق من شخصيته.
• و تصبح هذه الأفعال السابقة جنحا في صورتين و هما :
إذا لم يثبت أن الطفل قد ولد حيا.
إذا قدم فعلا الولد على أنه ولد لامرأة لم تضع حملا و هذا بعد تسليم اختياري أو إهمال من والديه.
• و تصبح هذه الأفعال مخالفة في الحالة التي يثبت فيها أن الولد لم يولد حيا و هي الحالة المنصوص عليها في الفقرة الثالثة من المادة 321.
الفرع الثالث : جرائم الغش و الخدع و جريمة خرق الإلتزامات المترتبة عن العقوبات التكميلية المحكوم بها
أولا : جرائم الغش و الخدع
نصت المادة 435 مكرر على إمكانية قيام مسؤولية الشخص المعنوي بشأن جرائم الغش و الخدع و هذا طبقا للشروط المنصوص عليها في المادة 51 مكرر .
و تتمثل هذه الجرائم في :
• جريمة خداع المتعاقد أو محاولة خداعه سواء في الطبيعة أو في الصفات الجوهرية أو في التركيب أو في نسبة المقومات اللازمة لكل هذه السلع أو سواء في نوعها أو مصدرها أو في كمية الأشياء المسلمة أو في هويتها ( المادة 429 ).
• جريمة الغش في مواد صالحة لتغذية الإنسان أو الحيوانات أو مواد طبية أو مشروبات أو منتجات فلاحيه أو طبيعية مخصصة للاستهلاك. ( المادة 432 فقرة أولى ).
• جريمة عرض أو وضع للبيع أو بيع مواد صالحة لتغذية الإنسان أو الحيوانات أو مواد طبية أو مشروبات أو منتجات فلاحيه أو طبيعية يعلم أنها مغشوشة أو فاسدة أو مسمومة ( المادة 432 فقرة ثانية )
• جريمة عرض أو وضع للبيع أو بيع مواد خاصة تستعمل لغش مواد صالحة لتغدية الإنسان أو الحيوانات أو مشروبات أو منتجات فلاحيه أو طبيعية أو الحث على استعمالها بواسطة كتيبات أو منشورات أو نشرات أو معلقات أو إعلانات أو تعليمات مهما كانت. ( المادة 432 فقرة ثالثة ).
• جريمة الحيازة دون سبب شرعي لمواد صالحة لتغدية الإنسان أو الحيوانات أو مشروبات أو منتوجات فلاحية أو طبيعية أو حيازة مواد طبية مغشوشة أو مواد خاصة تستعمل في غش مواد صالحة لتغدية الإنسان أو الحيوانات أو مشروبات أو منتوجات فلاحية أو طبية أو حيازة موازين أو مكايل خاطئة أو آلات أخرى غير مطابقة تستعمل في وزن أو كيل السلع ( المادة 433 ).
• جريمة الغش أو العمل على الغش في مواد أو أشياء أو مواد غدائية أو سوائل عهدت إلى متصرف أو محاسب قصد حراستها أو موضوعة تحت مراقبته أو توزيع أو العمل على توزيع المواد المذكورة أو الأشياء أو المواد الغدائية أو السوائل المغشوشة. ( المادة 434 فقرة أولى).
• جريمة توزيع أو العمل على توزيع لحوم حيوانات مصابة بأمراض معدية أو أشياء أو مواد غدائية أو سوائل فاسدة أو متلفة من طرف متصرف أو محاسب. ( المادة 434 فقرة ثانية )
• جريمة عرقلة مهام الضباط و أعوان الشرطة القضائية و كذلك الموظفين الذين يسند إليهم القانون سلطة معاينة المخالفات المشار إليها في المواد 427 و 428 و 429 و 430 ( المادة 435 ).
ثانيا : جريمة خرق الإلتزامات المترتبة عن العقوبات التكميلية المحكوم بها
استحدثت هذه الجريمة بموجب المادة 18 مكرر 03 الفقرة 02 من القانون رقم 06\23، و تقوم في حالة خرق الإلتزامات المترتبة عن عقوبة تكميلية أو أكثر محكوم بها على الشخص المعنوي طبقا لأحكام المادة 18 مكرر .
المبحث الثاني : الجرائم المنصوص عليها في القوانين الخاصة
رغم أن التشريع الجزائري إلى غاية 10- 11-2004 و حتى القضاء لم يأخذا صراحة بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي إلا أنه كانت هناك قوانين خاصة كرست هذه المسؤولية في وقت مبكر، فمنها من اعترف بها بصفة صريحة و منها من أخذ بها بصفة ضمنية.
و بعد صدور القانون رقم 04 \15 و الذي بموجبه تبنى المشرع الجزائري مبدأ مساءلة الشخص المعنوي جزائيا كقاعدة عامة صدرت نصوص أخرى وسعت من هذه المسؤولية و أدرجت جرائم جديدة يمكن أن يسأل عنها الشخص المعنوي .
سنتناول في ما يلي الجرائم التي يرتكبها الشخص المعنوي المنصوص عليها في القوانين الخاصة، و هذا من خلال التعرض أولا إلى تلك الجرائم الواردة في القوانين التي أخذت بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي قبل صدور قانون العقوبات 04/ 15 في ( المطلب الأول ) ، ثم نتطرق إلى الجرائم الواردة في القوانين التي وسعت من هذه المسؤولية في ضوء قانون 04 / 15 في ( المطلب الثاني )
المطلب الأول : تضييق نطاق التجريم قبل صدور قانون 04\15
قبل صدور القانون رقم 04\15 كانت جرائم الشخص المعنوي المنصوص عليها في القوانين الخاصة تنحصر في ما يلي :
الفرع الأول : الجرائم الضريبية و جرائم الصرف
أولا: الجرائم الضريبية
في الجرائم الضريبية فضلا عن الشخص الطبيعي قد يكون الفاعل أو شريكه شخصا معنويا، و لهذا الغرض أقر المشرع في القوانين الضريبية بمبدأ مساءلة الشخص المعنوي جزائيا، و هكذا نصت المادة 303 – 09 من قانون الضرائب المباشرة و الرسوم المماثلة على ما يلي : « عندما ترتكب المخالفة من قبل شركة أو شخص معنوي آخر تابع للقانون الخاص يصدر الحكم بعقوبات الحبس.......ضد المتصرفين و الممثلين الشرعيين أو القانونيين للمجموعة »
و أضافت نفس المادة في فقرتها الثانية : « و يصدر الحكم بالغرامات الجزائية .......ضد الشخص المعنوي دون الإخلال بتطبيق الغرامات الجبائية عليه » و هو نفس الحكم الذي تكرر في نص المادة 554 من قانون الضرائب غير المباشرة ، و في المادة 138 من قانون الرسم على رقم الأعمال و في المادة 36\04 من قانون الطابع .و في المادة 121\04 من قانون التسجيل .
و من خلال هذه المواد يتبين لنا أن مسؤولية الشخص المعنوي ليست مطلقة بل حرص المشرع على حصرها في الشخص المعنوي من القانون الخاص مستبعدا بذلك الدولة و الجماعات المحلية و كذا الهيئات العمومية ذات الطابع الإداري، أما الهيئات العمومية الأخرى الخاضعة للقانون الخاص كالمؤسسات العمومية الإقتصادية فإنها تكون محل مساءلة جزائية في حالة ارتكابها جنحة الغش الضريبي .
ثانيا : جرائم الصرف
و هي الجريمة المنصوص عليها في الأمر رقم 96-22 المعدل و المتمم و المتعلق بقمع مخالفة التشريع و التنظيم الخاصين بالصرف و حركة رؤوس الأموال من و إلى الخارج حيث نصت المادة الخامسة منه على ما يلي : « تطبق على الشخص المعنوي الذي ارتكب المخالفات المنصوص عليها في هذا الأمر العقوبات الآتية ........» و الواقع أن جريمة الصرف ليست واحدة و إنما لها عدة صور و لقد حصر الأمر 96- 22 مختلف مظاهرها و كل مظهر يشكل جريمة في حد ذاته.
و تصنف جرائم الصرف حسب موضوعها إلى الجرائم التي يكون محلها النقود، و الجرائم التي يكون محلها الأحجار الكريمة و المعادن الثمينة
و لقد نصت المادة الأولى من الأمر رقم 96-22 على النوع الأول من جرائم الصرف كما يلي : " تعتبر حسب هذه المادة مخالفة أو محاولة مخالفة للتشريع و التنظيم الخاصين بالصرف و حركة رؤوس الأموال من و إلى الخارج بأي وسيلة كانت ما يأتي :
• التصريح الكاذب.
• عدم مراعاة التزامات التصريح .
• عدم استرداد الأموال إلى الوطن.
• عدم مراعاة الإجراءات المنصوص عليها أو الشكليات المطلوبة.
• عدم الحصول على التراخيص المشترطة أو عدم احترام الشروط المقترنة بها ".
كما نصت المادة الثانية من نفس الأمر على النوع الثاني من جرائم الصرف بقولها : " يعتبر أيضا مخالفة للتشريع و التنظيم الخاصين بالصرف و حركة رؤوس الأموال من و إلى الخارج كل شراء أو بيع أو استيراد أو تصدير أو حيازة السبائك الذهبية و القطع النقدية الذهبية أو الأحجار و المعادن النفيسة دون مراعاة التشريع و التنظيم المعمول بهما ".
الفرع الثاني : المخالفات المتعلقة بشروط ممارسة الأنشطة التجارية
يلزم القانون رقم 04\08 المتعلق بشروط ممارسة الأنشطة التجارية كل شخص معنوي يرغب في ممارسة نشاط تجاري بالقيد في السجل التجاري لدى المركز الوطني للسجل التجاري ( المادة 04).
و تبعا لذلك يتعرض الشخص المعنوي إلى الجزاءات المذكورة في هذا القانون، في حالة ارتكابه إحدى المخالفات الآتية :
• ممارسة نشاط تجاري قار دون التسجيل في السجل التجاري ( المادة 31 )
• ممارسة نشاط تجاري غير قار دون التسجيل في السجل التجاري ( المادة 32 )
• إمتناع الشخص المعنوي عن إشهار البيانات القانونية المنصوص عليها في أحكام المواد 11، 12، 14 من هذا القانون ( المادة 35 من نفس القانون )
• امتناع الشخص المعنوي عن تعديل بيانات مستخرج السجل التجاري في أجل 03 أشهر تبعا للتغييرات الطارئة على الوضع أو الحالة القانونية.
و تعتبر تغييرات طارئة على وضعية التاجر ( شخص معنوي ) أو حالته القانونية حسب المادة 37 :
- تغيير المقر الإجتماعي للشخص المعنوي.
- تغيير عنوان المؤسسة أو المؤسسات الفرعية.
- تعديل القانون الأساسي للشركة.
• ممارسة نشاط أو مهنة مقننة خاضعة للتسجيل في السجل التجاري دون الرخصة أو الإعتماد المطلوبين ( المادة 40 )
• ممارسة تجارة خارجية عن موضوع السجل التجاري ( المادة 41 )
الفرع الثالث : جرائم مخالفة أحكام اتفاقية حظر استحداث و إنتاج و تخزين و استعمال الأسلحة الكيماوية و تدمير تلك الأسلحة
نصت المادة 18 من القانون رقم 03\09 المتضمن قمع جرائم مخالفة أحاكم اتفاقية حظر و استحداث و إنتاج وتخزين و استعمال الأسلحة الكيماوية و تدمير تلك الأسلحة على ما يلي : « يعاقب الشخص المعنوي الذي يرتكب الجريمة المنصوص عليها في المادة 09 بـ ....... و يعاقب الشخص المعنوي الذي يرتكب جريمة أو أكثر من الجرائم المنصوص عليها في المواد 10، 11، 12، 13 ،14، 15، 16، 17 من هذا القانون بـ..........»
و هكذا تقوم مسؤولية الشخص المعنوي في حالة ارتكابه إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون و يتعلق الأمر أساسا بالجرائم الآتية :
• استعمال سلاح كيميائي، أو مادة كيميائية مدرجة في الجدول الأول من ملحق الإتفاقية، المتعلق بالمواد الكيميائية و ذلك لأغراض محظورة في الإتفاقية ( المادة 09 )
• استحداث أو إنتاج أو حيازة بأي طريقة، أو تخزين أو الإحتفاظ بالأسلحة الكيميائية ،أو نقلها بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى أي مكان .
• القيام بأي استعدادات من أي نوع كان لاستعمال الأسلحة الكيميائية.
• اكتساب أو الإحتفاظ بمادة كيميائية مسجلة في الجدولين 1 و 2 من ملحق الإتفاقية ،المتعلق بالمواد الكيمياوية ما لم يكن ذلك لأغراض غير محظورة بمقتضى الإتفاقية.
• إنشاء أو تعديل أو استخدام مرفقا أو عتادا من أي نوع كان، بغرض ممارسة نشاط محظور في الإتفاقية ( المادة 10 ).
• استيراد أو تصدير أو العبور أو الإاتجار أو السمسرة بمواد كيمياوية مدرجة في الجدولين 1 و 2 من ملحق الإتفاقية ، المتعلق بالمواد الكيمياوية من أو إلى دولة ليست طرفا في الإتفاقية (المادة 11)
• عرقلة بأي طريقة كانت سير نشاطات التحقيق للهيئة الوطنية المؤهلة أو منظمة حظر الأسلحة الكيماوية (المادة 12).
• استيراد أو تصدير أو العبور أو الإتجار أو السمسرة بمواد كيمياوية مدرجة في الجدول الأول من ملحق الاتفاقية ،المتعلق بالمواد الكيمياوية لأغراض غير محظورة مع دولة طرف في الاتفاقية دون ترخيص (المادة 13 ).
• ترك أو رمي مواد كيمياوية سامة ( المادة 14 ).
• الإخلال بالالتزام الخاص بالإعلان المنصوص عليه في المادة 7 .
• الإدلاء بتصريحات كاذبة إلى الهيئة الوطنية المؤهلة (المادة 15 ).
• تسريب مستند ناتج عن التحقيق المنصوص عليه في هذا القانون، أو إطلاع عليه شخصا غير مؤهل للاطلاع عليه بدون إذن الشخص المعني (المادة 16)
• استيراد أو تصدير أو العبور أو الإتجار أو السمسرة بمواد كيمياوية مدرجة في الجدول 03 من ملحق الاتفاقية المتعلق بالمواد الكيمياوية اتجاه دولة ليست طرفا في الإتفاقية وهذا دون ترخيص (المادة 17 ).
المطلب الثاني : اتساع نطاق التجريم بعد صدور قانون 04/ 15
بعد صدور القانون 04/15 والذي أقر صراحة بمبدأ مساءلة الأشخاص المعنوية جزائيا، وسع المشرع الجزائري من نطاق هذه المسؤولية في بعض القوانين الخاصة حيث أصبح الشخص المعنوي يسأل عن الجرائم الآتية :
الفرع الأول: جرائم المخدرات
لقد كرس المشرع الجزائري مسؤولية الشخص المعنوي في القانون رقم 04/18 المتعلق بالوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية وقمع الإستعمال و الإتجار غير المشروعين بهما، حيث نصت المادة 25 منه على ما يلي : " يعاقب الشخص المعنوي الذي يرتكب جريمة أو أكثر من الجرائم المنصوص عليها في المواد من 13 إلى 17 من هذا القانون بـ ..... وفي حالة ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في المواد من 15 إلى 21 من هذا القانون، يعاقب الشخص المعنوي بغرامة... "
تبعا لما ذكر أعلاه، يمكن تقسيم جرائم المخدرات التي يرتكبها الشخص المعنوي على أساس طبيعتها إلى جنح (أولا) وجنايات (ثانيا) .
أولا : الجنح : هي المنصوص عليها في المواد من 13 إلى 17 وتتمثل أساسا في :
• تسليم أو العرض غير المشروع للمخدرات أو المؤثرات العقلية للغير، بهدف الاستعمال الشخصي أو لقاصر أو معوق أو شخص يعالج بسبب إدمانه، أو في مراكز تعليمية أو تربوية أو تكوينية أو صحية أو اجتماعية أو داخل هيئات عمومية (المادة 13) .
• عرقلة مهام الأعوان المكلفين بمعاينة الجرائم (المادة14) .
• تسهيل الاستعمال غير المشروع للمواد المخدرة أو المؤثرات العقلية، بمقابل أو مجانا سواء بتوفير المحل لهذا الغرض أو بأية وسيلة أخرى، وكذلك الأمر بالنسبة لكل من الملاك والمسيرين والمديرين المشغلين بأي صفة كانت، لفندق أو منزل مفروش أو نزل أو حانة أو مطعم أو ناد أو مكان عرض أو أي مكان مخصص للجمهور أو مستعمل من الجمهور الذين يسمحون باستعمال المخدرات داخل هذه المؤسسات أو ملحقاتها أو في الأماكن المذكورة .
• وضع مخدرات أو مؤثرات عقلية في مواد غذائية أو في مشروبات دون علم المستهلكين (المادة 15) .
• تقديم وصفة طبية صورية أو على سبيل المحاباة، تحتوي على مؤثرات عقلية.
• تسليم مؤثرات عقلية بدون وصفة أو مع العلم بالطابع الصوري أو المحاباة للوصفات الطبية .
• محاولة الحصول على المؤثرات العقلية قصد البيع أو التحصل عليها بواسطة وصفات طبية صورية بناء على ما عرض عليه (المادة 16) .
• القيام بطريقة غير مشروعة بإنتاج أو صنع أو حيازة أو عرض أو بيع أو وضع للبيع أو حصول وشراء قصد البيع أو التخزين أو استخراج أو تحضير أو توزيع أو تسليم بأية صفة كانت أو سمسرة أو شحن أو نقل عن طريق العبور المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية .(المادة 17) .
ثانيا : الجنايات : نصت عليها المواد من 18 إلى 21 وتتمثل في :
• القيام بتسيير أو تنظيم أو تمويل النشاطات المذكورة في المادة 17 أعلاه (المادة 18) .
• القيام بطريقة غير مشروعة بتصدير أو استيراد مخدرات أو مؤثرات عقلية (المادة 19) .
• زرع بطريقة غير مشروعة خشخاش الأفيون أو شجيرة الكوكا أو نبات القنب (المادة 20) .
• القيام بصناعة أو نقل أو توزيع السلائف أو تجهيزات أو معدات، إما بهدف استعمالها في زراعة المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية أو في إنتاجها أو صناعتها بطريقة غير مشروعة و إما مع علمه بان هذه السلائف أو التجهيزات أو المعدات ستستعمل لهذا الغرض (المادة 21)
الفرع الثاني : جرائم التهريب
تنص المادة 24 من القانون رقم 05 – 06 المتعلق بمكافحة التهريب على ما يلي : " يعاقب الشخص المعنوي الذي قامت مسؤوليته الجزائية لارتكابه الأفعال المجرمة في هذا الأمر بـ..... "
وبالرجوع إلى مواد هذا القانون يمكن تقسيم جرائم التهريب إلى جنح (أولا) وجنايات (ثانيا) .
أولا : الجنح : تتمثل في :
• جنحة التهريب البسيط : وهي الجنحة المنصوص عليها في المادة 10 الفقرة الأولى من الأمر رقم 05 – 06 ويتعلق الأمر بالتهريب المجرد عندما لا يكون مقرونا بأي ظرف من ظروف التشديد.
• جنحة التهريب المشدد : ويكون التهريب مشددا في الظروف الآتي بيانها :
- حالة اقتران التهريب بظرف التعدد، ويقصد به التهريب المرتكب به من قبل ثلاثة أفراد فأكثر.
- حالة إخفاء البضاعة عن المراقبة، سواء داخل مخابئ أو تجويفات أو في أي أماكن أخرى مهيئة خصيصا لغرض التهريب باستثناء وسائل النقل.
- حالة استعمال إحدى وسائل النقل، سواء كانت حيوان أو آلة أو مركبة أو أية وسيلة نقل أخرى استعملت بأي صفة لنقل البضائع المهربة أو كانت تستعمل لهذا الغرض .
- حالة التهريب مع حمل سلاح ناري، و لا يشترط المشرع استعمال السلاح الناري بل يكفي حمله .
- حالة حيازة مخازن و وسائل نقل مخصصة للتهريب.
ثانيا : الجنايات : تتمثل في :
• جناية تهريب الأسلحة (المادة 14) .
• جناية التهريب الذي يشكل تهديدا خطير الأمن الوطني أو الاقتصاد الوطني أو الصحة العمومية (المادة 15) .
الفرع الثالث : جرائم الفساد وجرائم مخالفة تدابير مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب
أولا . جرائم الفساد :
نصت المادة 53 من القانون رقم 06/01 المتعلق بالوقاية من الفساد على مساءلة الشخص المعنوي جزائيا عن الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون وفقا للقواعد المقررة في ق .ع .
وبالرجوع إلى هذا القانون وبالتحديد إلى الباب الرابع منه تحت عنوان "التجريم والعقوبات وأساليب التحري " نجد أنّ جرائم الفساد في مجملها هي جنح وتتمثل فيما يلي :
• رشوة الموظفين العموميين (المادة 25) .
• الجرائم المتعلقة بالصفقات العمومية (المادتين 26-27) .
• رشوة الموظفين العموميين الأجانب وموظفي المنظمات الدولية العمومية (المادة 28) .
• اختلاس الممتلكات من قبل الموظف العمومي واستعمالها على نحو غير شرعي (المادة 29) .
• الغدر (المادة 30) .
• الإعفاء والتخفيض الغير قانوني في الضريبة والرسم (المادة 31) .
• استغلال النفوذ (المادة 32) .
• إساءة استغلال الوظيفة (المادة 33) .
• تعارض المصالح (المادة 34) .
• أخذ فوائد بصورة غير قانونية (المادة 35) .
• عدم التصريح أو التصريح الكاذب بالممتلكات (المادة 36) .
• الإثراء الغير مشروع (المادة 37) .
• تلقي الهدايا (المادة 38) .
• التمويل الخفي للأحزاب السياسية (المادة 39) .
• الرشوة في القطاع الخاص (المادة 40) .
• اختلاس الممتلكات في القطاع الخاص (المادة 41) .
• تبييض العائدات الإجرامية (المادة 42) .
• الإخفاء (المادة 43) .
• إعاقة السير الحسن للعدالة (المادة 44 ) .
• الانتقام أو التهريب أو التهديد ضد الشهود أو الخبراء أو الضحايا أو المبلغين أو أفراد عائلاتهم وسائر الأشخاص الوثيقي الصلة بهم (المادة 45) .
• البلاغ الكيدي (المادة 46).
• عدم الإبلاغ عن الجرائم (المادة 47) .
ثانيا: جرائم مخالفة تدابير مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب
وهي الجرائم المنصوص عليها في الفصل الخامس تحت عنوان " أحكام جزائية " من القانون رقم 05 -01 المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما في المواد 31 . 32. 34 منه، ويتعلق الأمر بمخالفة تدابير مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، ذلك أنّ هذا القانون فرض التزامات على بعض الفئات من الأشخاص ومنها الشخص المعنوي، والتي تهدف إلى ضمان مكافحة تبييض الأموال وتتمثل هذه الالتزامات أساسا في :
الرقابة : يتعين على البنوك والمؤسسات المالية والمصالح المالية لبريد الجزائر، فرض رقابة على زبائنها والعمليات التي يقومون بها وذلك من خلال :
فرض الدفع وذلك بواسطة وسائل الدفع عن طريق القنوات البنكية والمالية عندما تفوق مبلغا معينا حدّده المرسوم التنفيذي رقم 05/442 المؤرخ في 14/11/05 بمبلغ 50.000 دج .(المادة 06).
وهكذا إذا خالفت البنوك والمؤسسات المالية ذلك بأن قبلت دفعا خرقا لأحكام المادة 06 تقوم مسؤوليتها الجزائية بشأن هذه الجريمة ، وتعاقب بغرامة تحددها المادة31 من نفس القانون.
معرفة الزبائن والعمليات ، ويستلزم ذلك التأكد من هوية وعنوان الزبائن قبل فتح حساب أو دفتر أو حفظ سندات أو ربط أي علاقة أخرى (المادة 07)، كما تستلزم أيضا الاستعلام حول الحسابات والعمليات التي قد تمثل خطرا بالإضافة إلى المراقبة الصارمة للنشاطات والعمليات محل الشبهة، وتقوم المسؤولية الجزائية للمؤسسات المالية والبنوك في حالة مخالفتها لهذا الالتزام، وتعاقب بالعقوبات المقررة في المادة 34 ف 02 من نفس القانون.
حفظ الوثائق، إذ يتعين عليها الاحتفاظ خلال 05 سنوات بالوثائق المتعلقة بهوية الزبائن وعناوينهم، والوثائق المتعلقة بالعمليات التي أجراها الزبائن , وتسرى هذه المدة ابتداء من يوم غلق الحسابات أو وقف علاقة التعامل (المادة 14) وتعاقب المؤسسات المالية في حالة مخالفتها لأحكام هذه المادة بالعقوبات المقررة في المادة 34 ف02.
الإخطار بالشبهة : فرض قانون 05/06 المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال، وتمويل الإرهاب واجب الأخطار بالشبهة على بعض الفئات والهيئات، وقد حدّدت المادة 19 من نص القانون الأشخاص الخاضعة لهذا الواجب وهي :
• البنوك والمؤسسات المالية والمصالح المالية لبريد الجزائر والمؤسسات المالية المشابهة الاخرى وشركات التأمين و مكاتب الصرف و التعاضديات والرهانات و الألعاب و الكازينوهات.
• كل شخص طبيعي أو معنوي يقوم في إطار مهنته بالاستشارة و/أو بإجراء عمليات إيداع أو مبادلات أو توظيفات أو تحويلات أو أية حركة لرؤوس الأموال.
فإذا خالف الشخص المعنوي هذا الالتزام تقوم مسؤوليته ويعاقب حسب المادة 32 .