yacine414
2011-02-12, 14:31
موقف المشرع الجزائري من مبدأ الدفاع الشرعي
مـــقـــــدمــــة
بما أن المجتمع هو الإطار الذي يجب أن يعيش فيه الإنسان فان من حقه ومن واجبه مواجهة الأفعال غير المشروعة التي تهدد كيانه وتمس حسن سير مؤسساته.
وقد كان سائدا في مختلف القوانين والتشريعات أن الجرائم يهدد امن واستقرار المجتمعات البشرية وتمس مصالح الناس اينما ارتكبت وكيفما وقعت لذا وجب مقاومتها ضد أي مصلحة كانت وهذه الجرائم وإما أن تكون جرائم اعتداء على النفس أو العرض وإما أن تكون جرائم اعتداء على المال فتعد بذلك أفعال مجرمة لأنها تحمل في طياتها معنى الاعتداء على حق يحميه القانون.
أما إذا تجردت هذه الأفعال من معنى العدوان كانت أفعال مباحة ومشروعة كحق الدفاع الشرعي الذي يعتبره المشرع العقابي الجزائري من أهم تطبيقات نظرية الإباحة في المادتين 39/ف 1 و 40 من قانون العقوبات الجزائري.
وأسباب الإباحة هي في الحقيقة قيود ترد على نص التجريم فتجمد وتبطل مفعوله إذ تخرج الواقعة من دائرة التجريم إلى دائرة الإباحة.
ولموضوع الدفاع الشرعي أهمية بالغة وهو من أهم تطبيقات نظرية الإباحة التي عرفتها القوانين الجنائية عبر العصور ومن بينها القانون الجنائي الجزائري حيث انه سبب يستند إلى غريزة طبيعية في النفس البشرية تجعل المعتدي عليه يتصدى لكل اعتداء يواجهه من الغير هذا من جهة ومن جهة.
ومن جهة أخرى فهو مجال المفاضلة بين مصلحتين متعارضتين مصلحة المعتدي ومصلحة المعتدي عليه حيث تكون مصلحة المعتدي عليه أولى بالاعتبار ان المعتدي بفعله يشكل خطر على المصلحة الفردية والجماعية.
ومن ثم اعتبرت الأفعال المرتكبة في حالة دفاع شرعي أفعال غير معاقب عليها نتيجة لذلك فالدفاع الشرعي حق يعترف به القانون لأنه يحقق أهداف النظام القانوني كله ويتفق مع غايات المجتمع والدفاع الشرعي في قانون العقوبات الجزائري تفرضه متطلبات نظرية وأخرى عملية.
فمن الناحية النظرية تبرز قيمة هذا الموضوع من خلال الأهمية التي يتمتع بها وهذا ناتج عن قدم وتشعب الدراسات بشأنه لدى الفقهاء الوضعيين وكذلك عن فقهاء المسلمين الذين عرفوا الدفاع الشرعي بمصطلح "دفع الصائل" أما من الناحية العملية فتبرز أهمية دراسة هذا الموضوع فيما يلي:
- توعية وتحسيس الأشخاص بالشروط والأحكام القانونية لقيام حالة الدفاع الشرعي، سواء كان دفاعا عن النفس أو المال أو العرض أو نفس الغير أو ماله.
التوضيح أو الإشارة إلى الحالات الممتازة التي تقوم فيها حالة الدفاع الشرعي( الحالات الخاصة كما يسميها البعض).
التعريف بحدود و شروط قيام حالات الدفاع الشرعي وأثارها وتحديد موقف المشرع الجزائي الجزائري من هذه المسائل.
وإذا كان الدفاع الشرعي من المواضيع التي عولجت من قبل فإننا سوف نحاول من خلال هذه الدراسة بيان كيفية معالجة المشرع الجزائري لمبدأ الدفاع الشرعي من خلال تحديد مفهومه وأساسه وبيان شروطه الجوهرية الواجب توفرها في فعل العدوان من جهة وفي فعل الدفاع من جهة أخرى ومن حيث تجاوز حدوده وإثباته وإبراز الآثار القانونية المترتبة عنه.
ولمعالجة هذه الإشكالية سوف نتطرق للإجابة عليها من خلال فصل تمهيدي وأربعة فصول.
نتناول في الفصل التمهيدي مفهوم الدفاع الشرعي ومراحل نشأته وتطوره خلال مبحثين، خصصنا المبحث الأول لتحديد مفهوم الدفاع الشرعي، وصولا الى ذلك قسمنا هذا المبحث الى مطلبين تناولنا في المطلب الأول تعريف الدفاع الشرعي، وفي المطلب الثاني تعرضنا إلى الطبيعة القانونية لمبدأ الدفاع الشرعي محددين في نفس الوقت موقف المشرع الجزائري من هذه المواضيع.
وأما المبحث الثاني فقد خصصناه لعرض أهم المراحل التاريخية التي مرت عليها فكرة الدفاع الشرعي خلال تطورها قبل أن تستقر على ما هي عليه في الوقت الحاضر من خلال مطلبين خصصنا المطلب الأول لتحديد مفهوم الدفاع الشرعي عند الحضارة الرومانية وعند الحضارة الأوروبية في وقت سيطرت الكنيسة أما المطلب الثاني فقد خصصناه من ناحية لتوضيح رأي الشريعة الإسلامية في مبدأ الدفاع الشرعي ومن ناحية أخرى لتوضيح محتوى القانون الفرنسي فيما يتعلق بحالة الدفاع الشرعي على اعتبار ان القانون الفرنسي من القوانين التي أولت عناية خاصة بهذا الموضوع.
أما الفصل الأول فسنتناول في أساس الدفاع الشرعي وأحكامه في قانون العقوبات الجزائري وذلك في صورة مبحثين.نتعرض في البحث الأول إلى أساس الدفاع الشرعي وذلك في مطلبين، المطلب الأول حددنا من خلاله كيف تم تحديد أساس الدفاع الشرعي بناء على نظريتي العقد الاجتماعي و المنفعة الاجتماعية، وننتقل بعدها في المطلب الثاني إلى تحديد أساس الدفاع الشرعي بناء على نظريتي الإكراه وتنازع الحقوق.
وفي المبحث الثاني نتناول أي أحكام الدفاع الشرعي في قانون العقوبات الجزائري ونميز بين الحالات العادية للدفاع الشرعي التي تشكل المطلب الأول والحالات الممتازة للدفاع الشرعي والتي تمثل المطلب الثاني.
أما الفصل الثاني فقد كان من الضروري بناء على ما تقدم أن نتعرض فيه إلى الشروط الجوهرية العامة للدفاع الشرعي حسب تنظيم المشرع الجنائي الجزائري من خلال مبحثين خصصنا المبحث الأول لبيان الشروط المتعلقة بفعل العدوان وذلك في مطلبين الأول أن يكون الخطر حالا وغير مشروع والثاني ان يهدد الخطر النفس آو المال.
أما المبحث الثاني فقد خصصناه لبيان الشروط المتعلقة بفعل الدفاع في مطلبين تناولنا في المطلب الأول شرط التناسب وفي المطلب الثاني شرط اللزوم.
أما الفصل الثالث فيتضمن تجاوز حدود الدفاع الشرعي وإثباته في مبحثين تعرضنا في المبحث الأول إلى تجاوز حدود الدفاع الشرعي وذلك في مطلبين تناولنا في المطلب الأول معنى تجاوز حدود الدفاع الشرعي.
وفي المطلب الثاني الحكم القانوني لعذر التجاوز وفقا لقانون العقوبات الجزائري أما المبحث الثاني فيتضمن إثبات حالة الدفاع الشرعي وصولا إلى معرفة ذلك قسمنا المبحث إلى مطلبين حددنا في المطلب الأول إثبات الدفاع الشرعي في الحالات العادية وفي المطلب الثاني إثبات الدفاع الشرعي في الحالات الممتازة.
وأخيرا نتطرق في الفصل الرابع إلى أثار الدفاع الشرعي في صورة مبحثين وضمنا في المبحث الأول الآثار المترتبة على فعل الدفاع في شكل مطلبين تضمن المطلب الأول حالة إصابة حق الغير دون عمد.
وفي المطلب الثاني حالة إصابة حق الغير عمدا.
إما المبحث الثاني خصصناه لبيان الأثر الثاني المتمثل في انتفاء المسؤولية بوجهيها المدني والجزائي وذلك في مطلبين الأول يتضمن معنى انتفاء المسؤولية المدنية والثاني يتضمن معنى انتفاء المسؤولية الجزائية.
الفصل التمهيدي: مفهوم الدفاع الشرعي ومراحل تطوره و نشأته:
الإنسان مفطور على حب البقاء ولذلك فانه عند حلول خطر يهدد النفس البشرية سواء كان ذلك الخطر موجها للاعتداء على النفس أو المال يتحرك السلوك المادي للفرد لوقف ذلك الخطر المتوقع أو دفعه من اجل المحافظة على الحياة أو حماية المال من الهلاك، وقد يبدي الفرد في سبيل تحقيق ذلك كل ما بوسعه من جهد بذاته أو باستعمال أجهزة آلية لدفاع عن نفسه أو ماله.
وإذا كان الأصل في السلوك الإنساني هو الإباحة فان التجريم يعتبر استثناء من هذا الأصل وتأتي أسباب الإباحة كاستثناء على هذا الاستثناء، لترد الفعل إلى أصله من المشروعية بعد أن كان محرما ذلك أن الفرد قد يرتكب عملا ينطبق عليه نص التجريم الوارد في قانون العقوبات ومع ذلك لا يعده القانون جريمة(1).
والدفاع الشرعي يعتبر من أقدم أسباب الإباحة التي عرفتها القوانين الجنائية عبر العصور لأنه سبب يستند إلى غريزة طبيعية في النفس البشرية( غريزة حب البقاء) وهذا من جهة أخرى فان الدفاع الشرعي يا خد بعين الاعتبار ومجال المفاضلة بين مصلحة المعتدي ( الجاني) ومصلحة المعتدى عليه ( المجني عليه).
وهذا وقد طرأت على الدفاع الشرعي عدة تطورات حيث وانه مر بعدة مراحل تاريخية واخذ من كل واحدة منها نصيبه من التطور إلى أن أصبح على ماهو عليه في الوقت الحاضر.
لذلك فقد رئينا نه من الضروري أن نتطرق في هذا الفصل التمهيدي إلى مفهوم الدفاع الشرعي من ناحية مراحل نشأته وتطوره من ناحية أخرى وذلك من خلال مبحثين، حيث نتناول في المبحث الأول مفهوم الدفاع الشرعي والوصول إلى تحديد هذا المفهوم قسمنا هذا المبحث إلى مطلبين، تطرقنا في المطلب الأول إلى تعريف الدفاع الشرعي أما المطلب الثاني فقد خصصناه إلى بيان الطبيعة القانونية لمبدأ الدفاع الشرعي محددين في نفس الوقت موقف المشرع الجزائري من هذه المسالة.
أما المبحث الثاني فقد تناولنا فيه مراحل نشأة وتطور الدفاع الشرعي وذلك من خلال مطلبين، خصصنا المطلب الأول لدراسة كيف ظهر الدفاع الشرعي عند القدماء ثم تحديد مفهوم الدفاع الشرعي عند القدماء واخدنا كنموذج الحضارة الرومانية والحضارة الاروبية وقت هيمنة أفكار الكنيسة أما المطلب الثاني فقد خصصناه لكيفية التي يتم تحديد بها هذا المفهوم من جهة في ظل القانون الفرنسي باعتباره يعد مرجع المشرع الجزائري في اغلب الأحيان ومن جهة أخرى إلى رأي الشريعة الإسلامية في هذه المسالة سواء من الآيات القرآنية الكريمة أو من خلال السنة النبوية الشريفة.
المبحث الأول: مفهوم الدفاع الشرعي:
لقد عددت القوانين الوضعية أسباب الإباحة من بينها الدفاع الشرعي واعتبرتها خروجا عن الاستثناء كما سبقت الإشارة إليه، وذلك أن هذا الخروج تبرزه المصلحة أقوى من مصلحة توقيع العقاب.
كما لم تقتصر القوانين الوضعية الجنائية في تحديد ما هي الدفاع الشرعي وطبيعته القانونية مدافعة عن هذه الفكرة وفقا لمبادئها المختلفة ونفس الشيء فيما يخص المشرع الجزائي الجزائري.
ولذلك وصولا إلى تحديد مفهوم الدفاع الشرعي الذي قسمناه هذا المبحث الأول إلى مطلبين حيث نتناول في المطلب الأول تعريف الدفاع الشرعي وفي المطلب الثاني تحديد الطبيعة القانونية للدفاع الشرعي.
المطلب الأول: تعريف الدفاع الشرعي:
المبدأ العام في القانون انه لا يجوز لشخص أن ينتصف لنفسه بنفسه، فإذا ما وقع عليه اعتداء وجب عليه رفع الأمر إلى السلطات المختصة لإنصافه، ولكن هل يستقيم هذا المبدأ لو أن الشخص تعرض لخطر مصدره فعل على وشك الوقوع في ظروف لا تسمح له بمراجعة السلطات المختصة في الوقت المناسب، فهل يترك الأمر حتى تتحقق الجريمة أم يرد الاعتداء على نفسه وماله؟
الإجابة على هذا السؤال تقول انه من المنطقي له في مثل هذه الظروف أن يرد الاعتداء قبل أن تتحقق الجريمة(1).
وعليه فالمقصود بالدفاع الشرعي هو تمتع المدافع بحق ينطوي على طبيعة خاصة يؤهله في لحظة حصول خطر حال يهدد مصلحة يحميها القانون أي بدرء هذا الخطر عن نفسه أو ماله أو نفس أو مال الغير ذلك لان كل شخص معرض في أي لحظة أو وقت لخطر اعتداء غير مشروع مما يضطره إلى الدفاع عن نفس أو مال هذا الغير، ففي كل الحالات اعترف المشرع بحق الدفاع الشرعي لصالح الشخص المعتدي عليه، أو الواقع في خطر حال وغير مشروع، ويترتب على ممارسة هذا الحق نزع الصفة الجرمية عن الأفعال التي تتم خلال هذه الممارسة والتي تشكل عادة جرائم غير معاقب عليها قانونا، ونزع الصفة الجرمية عن هذه الأفعال بحكم القانون يجعل فاعلها غير مسؤول عن ارتكابها لأنه في الواقع ممارس حقا منحه إياه القانون(2).
أما الدفاع الشرعي في القانون الجنائي الجزائري هو استعمال القوة اللازمة لصد خطر اعتداء غير مشروع, و قد إعتبره المشرع سببا من أسباب الإباحة وذلك في الماديتين 39 و 40 من قانون العقوبات الجزائري.
اللتان اقتبسهما من المادتين 328 و 329 قانون عقوبات فرنسي بمعنى أن القانون يقرر الحق في صد العدوان متى كان غير مشروع بصرف النظر عن الحق المعتدى عليهن غير أن هذه الإباحة لا تتقرر إلا بتوافر شروط معينة وذلك حتى لا تباح الجريمة كوسيلة لمواجهة الجريمة إلا إذا كانت لازمة.
وقد نصت الفقرة 2 من المادة 39 من قانون العقوبات الجزائري على الحالات الممتازة للدفاع الشرعي بقولها " يدخل ضمن حالات الضرورة حالة للدفاع الشرعي قتل أو الجرح أو الضرب الذي يرتكب لدفع اعتداء على حياة الشخص أو سلامة جسمه أو لمنع تسلق الحواجز أو الحيطان أو مداخل المنازل أو الأماكن المسكونة أو توابعها أو كسر شيء منها أثناء الليل.
الفعل الذي يرتكب للدفاع عن النفس آو الغير ضمن مرتكبي السرقات أو النهب بالقوة".
والجدير بالذكر أن المشرع الجزائي الجزائري لم ينقل هاتين المادتين نقلا حرفيا عن ماهو موجود في التشريع العقابي الفرنسي بل إنه أخد فقط ما يتناسب مع مجتمعه, و الدليل على ذلك أن المشرع الجزائري جعل المادة 1 من القانون المدني الشريعة الإسلامية مصدرا ثانيا من مصادر القانون و التي جاء فيها :" و إذا لم يوجد نص تشريعي حكم القاضي بمقتضى مبادىء الشريعة الإسلامية " و هذا يعد دليلا قاطعا على عدم إعتماد المشرع الجزائري كنية على القانون الفرنسي . و سوف نتعرض إلى مضمون المادتين 39/ف2 و40 من قانون العقوبات الجزائري بالتفصيل لاحقا.
المطلب الثاني : الطبيعة القانونية للدفاع الشرعي :
إختلف الفقهاء في تحديد طبيعة الدفاع الشرعي فمنهم من يرى بأنه حق و منهم من يرى بأنه واجب بينما يرى جانب أخر أنه مجرد رخصة و سوف نتناول تحليل هذه الآراء وفق الشكل التالي:
الرأي الأول: الدفاع الشرعي حق:
مضمون هذا الرأي أن الدفاع الشرعي حق مقرر للكافة بحيث لا يجوز لأي فرد الحيلولة دون استعماله وهو ليس حقا ماليا شخصيا,إذ لا يفترض وجود مدين يقتضي منه صاحب الحق حقه, وإنما هو حق عام يقرره المشرع في مواجهة الكافة يقابله التزام الناس باحترام وعدم وضع العوائق في طريق استعماله.(1)
لذلك يعد غير مشروع كل فعل يعوق ذلك الاستعمال بل أن المعتدي لو قاوم أفعال الدفاع طالما كانت في حدود الحق فمقاومته غير مشروعة لأنه اعتداء على الحق الذي يقرره القانون(2).
الرأي الثاني: الدفاع الشرعي واجب:
مضمون هذا الرأي أن الدفاع الشرعي ليس حق فقط بل هو واجب في نفس الوقت، وهذا الواجب ليس واجبا قانونيا يترتب عن الإخلال به جزاء وإنما يعتبر واجبا اجتماعيا فرضته الحرص على حماية الحقوق، ذات الأهمية الاجتماعية، لذلك أن من يدفع بالقوة اعتداء غير مشروع لا يعتبر فعله غير مؤاخذ عليه فحسب وإنما يعتبر هذا الفعل من قبل الخدمات التي يؤديها المواطن للمجتمع، بمعنى أن المعتدي عليه عند رده الاعتداء لا يدافع فقط على الحق المعتدي عليه ولكنه يساهم أيضا في الدفاع عن المجتمع.(1)
الرأي الثالث: الدفاع الشرعي:
حسب هذا الرأي لا يمكن اعتبار الدفاع الشرعي حقا لأنه لا يقابله التزام في ذمة شخص معين ولا يمكن كذلك اعتباره واجبا لأنه لا يترتب على الإخلال به أي جزاء بل هو مجرد رخصة يمنحها القانون للمدافع لرد الاعتداء(2).
هذا ونقول أن الرأي الراجح هو أن الطبيعة القانونية للدفاع الشرعي تختلف من حالة إلى أخرى وانه يتمحور بين الحق والواجب والرخصة معنى ذلك أن الدفاع الشرعي في اغلب الأحوال حقا عندما يكون الاعتداء على النفس أو المال المملوك للمدافع في حالة دفاع عن نفس أو مال غيره فمثلا رجل الأمن مكلف قانونا بالسهر على حياة الناس وأملاكهم وسلامة أجسامهم، فإذا ما شاهد بان جريمة توشك على الوقوع على أي حق فمن واجبه الدفاع عن هذا الحق وعندها يكون الدفاع واجبا، ويكون رخصة عندما يتولى المدافع متطوعا الدفاع عن نفس أو مال الغير بمعنى أن المدافع ليس هو المعتدي عليه اي أن الاعتداء لم يقع عليه أو على حق خاص به(3).
المبحث الثاني: مراحل نشأة وتطور الدفاع الشرعي:
أن الدفاع الشرعي يعد من أقدم أسباب الإباحة التي عرفتها البشرية، لان هذا السبب نابع من شعور الفرد بأنه بقدرته الطبيعية حماية نفسه أو ماله عند وقوع اعتداء مفاجئ عليه في لحظة لا يستطيع فيها الالتجاء للسلطات العامة لحمايته لا تقصيرا منها وإنما لاستحالة تحقيق ذلك عمليا هذا وقد عرف الدفاع الشرعي عدة تطورات قبل أن يستقر على صورته الحالية.
وقد اعتبر القانون الروماني الدفاع الشرعي حق للمعتدي عليه يستمد من القانون الطبيعي الذي لا تتغير قواعده بتغير الزمان والمكان.(1)
ثم تغير هذا التكيف في ظل القانون الكنيسي ليصبح الدفاع الشرعي مجرد عذر مقبول لا يرفع عن الفعل صفة التجريم سواء كان عن النفس أو المال أو نفس أو مال الغير.(2)
أما القانون الفرنسي الصادر إبان الثورة الفرنسية فقد عاد إلى اعتبار الدفاع الشرعي حق للمدافع يبيح له درء الاعتداء الواقع عليه.(3)
هذا ولم تخلوا الشريعة الإسلامية باعتبارها أحسن وأحق الديانات السماوية من فكرة الدفاع الشرعي سواء كان ذلك في القران الكريم أو السنة النبوية الشريفة.
وسوف نتطرق إلى أهم المراحل التاريخية التي مر بها تحديد مفهوم الدفاع الشرعي بالتفصيل من خلال مطلبين، نتعرض في المطلب الأول إلى دراسة مبدأ الدفاع الشرعي عند الحضارة الرومانية ثم عند الاروبيين في وقت هيمنة الكنيسة وفي المطلب الثاني نبين كيف تم تحديد مفهوم الدفاع الشرعي أولا في ظل القانون الفرنسي القديم ثم بعد الثورة الفرنسية، وثانيا إلى رأي الشريعة الإسلامية في هذه المسالة مبرزين في نفس الوقت بعض الأدلة الواردة في القران الكريم والسنة النبوية الشريفة والخاصة بالدفاع الشرعي.
المطلب الأول: الدفاع الشرعي عند الرومان و في الفكر الكنيسي:
نتناول في هذا المطلب أولا الدفاع الشرعي عند الرومان و ثانيا الدفاع الشرعي في الفكر الكنيسي.
أولا: الدفاع الشرعي عند الرومان:
اعتبر الدفاع الشرعي منذ أيام الرومان سببا من أسباب الإباحة تنعدم فيه المسؤوليتان المدنية والجنائية، وهذا ينضح من أقوال الفقيه الروماني " جيوس" ومفكر روما الشهير " شيشرون" الذي اعتبره مبدأ من مبادئ القانون الطبيعي وهو أول من نادى به متأثرا بالفلسفة اليونانية التي انتشرت في روما في ذلك العصر.(1)
أن القانون الطبيعي في روما هو القانون الثابت الذي لا يتغير والقائم على مبادئ لا تؤخذ من تقاليد متعارف عليها ولا من قواعد مكتوبة بل كان مصدره الطبيعة وما يكتشفه العقل من روح المساواة والعدل الكامنة في النفس كما جاء في قانون العقوبات الروماني حيث اعتبر القتل مشروعا إذا كان ناجما عن حالة ضرورة للدفاع الشرعي.
وقد حدد الفقيه الروماني شيشرون الدفاع الشرعي بأنه "رد القوة بالقوة" متفقا في الرأي مع المشرعين الرومان الآخرين ومتأثرا في نفس الوقت بالفلسفة اليونانية التي انتشرت في روما آنذاك(2).
ثانيا: الدفاع الشرعي في الفكر الكنيسي:
فقد الدفاع الشرعي في هذه المرحلة الصفة القديمة كحق طبيعي ومشروع وأصبح بحكم موسوعات القوانين الكنيسية مجرد حال اضطرارية ملحة، ولم يعد من شانه أن ينقل الواقعة من الفعل الإجرامي إلى العمل المباح بل أصبح يشكل عذرا يستفيد منه الفاعل ولا تسقط جريمته ولا تزول خطيئته إلا بالمغفرة والصفح عنه من المرجع الروحي المختص بعد قيامه بالندم والتكفير والتوبة ودفع القرابين والاعتزال مدة محددة في مكان مظلم، وقد سيطرة هذه النظرة طوال أجيال في بلدان أوروبا عبر القرون الوسطى لدرجة أن الارادات الملكية القديمة اعتمدت على نظام العفو الخاص الشهير الذي يقضي على من اقترف جريمة قتل إنسان في حالة الدفاع عن النفس بتقديم طلب استرحام خطي إلى الملك جاثما على قدميه حليقا لشعر الرأس وبالدخول تلقائيا إلى زنزانة احد السجون حتى البث في طلب إعفاءه من العقوبة المستحقة بدون محاكمة وقد جرت العادة في الغالب على منح العفو الخاص للفاعل اذا كان الواقع يشكل دفاعا مشروعا(1).
المطلب الثاني: الدفاع الشرعي في الشريعة الإسلامية و الفكر الفرنسي:
نتناول في هذا المطلب أولا الدفاع الشرعي في الشريعة الإسلامية التي أباحت الدفاع الشرعي وأطلقت عليه ما يسمى بـ" دفع الصائل" وثانيا الدفاع الشرعي في الفكر الفرنسي وذلك على اعتبار أن القانون الفرنسي يعد من القوانين التي عرفت تطورات هامة في المجال التشريعي لاسيما من خلال قانون العقوبات الصادر بعد الثورة الفرنسية إضافة إلى كونه يعد من القوانين التي تأثر بها المشرع الجزائري على وجه خاص.
أولا: الدفاع الشرعي في الشريعة الإسلامية:
أباحت الآيات القرآنية والسنة النبوية الشريفة لمن يعتدي عليه أن يرد الاعتداء سواء تعلق الأمر بنفس المعني أو ماله أو بنفس الغير أو ماله ولذلك سوف نتناول أولا الدفاع الشرعي في القران الكريم، وثانيا الدفاع الشرعي في السنة النبوية الشريفة.
ا: في القران الكريم:
اقر القران الكريم للمعتدي عليه أن يرد الاعتداء واصطلح على ذلك تسمية " دفع الصائل" كما جاءت الآيات كتاب الله العزيز الحكيم بالنص على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو ما يطلق عليه الدفاع الشرعي العام أما الدفاع الشرعي الخاص فهو ما يطلق عليه دفع الصائل وهو ما يقابل الدفاع الشرعي في القانون الوضعي(1).
ونورد فيما يلي الآيات القرآنية التي عالجت هذا الموضوع موضحين في نفس الوقت الأحكام الدالة عليها هاته الآيات.
قوله تعالى في الآية 134 سورة البقرة:" فمن اعتدى عليكم فاعتدو عليه بمثل ما اعتدي عيكم واتقوا الله أن الله مع المتقين" وقد اعتبر الفقهاء هذه الآية الكريمة هي الأصل في دفع الصائل واختلفت الروايات في الحكم الذي نولت فيه الآية الكريمة، فعن ابن عباس قال أن الآية نزلت في مكة والمسلمين يومئذ قليلون وليس لهم سلطات تقهر المشركين وكان هؤلاء المشركين يتعرضون لهم بالسب والشتم والأذى فأمر الله المسلمين أن يجازي كل واحد منهم المشركين بمثل ما أوتي إليه(1).
وهذا ويستنتج من قوله تعالى في نفس الآية: " اتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين" أن الله سبحانه وتعالى أباح القصاص بالمثل دون مبالغة في الانتقام من العدو وبمعنى أخر أن الله ينهي المؤمنين عن تجاوز الحد الذي بينه لهم فلا يجوز تجاوز حد الدفاع(3).
وقوله تعالى:" ولتكن منكم امة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر أولئك هم المفلحون" سورة ال عمران الآية 104.
وقوله تعالى:" وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلوكم ولا تعتدون إن الله لا يحب المعتدين" سورة البقرة الآية 190.
ومن هذا المدلول لآيات كتاب الله العزيز يتبن لنا أنها أقرت مشروعية الدفاع الشرعي بأقسامه المختلفة سواء كان على حق تحميه الشريعة لفرد معين وهو دفع الصائل أو الدفاع الشرعي الخاص ام كان هذا الدفاع عن مبادئ المجتمع الإسلامي وقيمه وهو ما يعرف بالأمر عن المعروف ونهي عن المنكر أو الدفاع الشرعي العام
ب: في السنة النبوية الشريفة:
لم تخلو السنة النبوية الشريفة من الأحاديث التي أكدت مشروعية رد الاعتداء على الأنفس والأعراض والأموال، وسوف نورد فيما يلي طائفة من الأحاديث التي تعتبر مصدر للدفاع الشرعي في السنة النبوية الشريفة:
ما رواه أبو داود الترمذي عن سعيد بن يزيد قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:" من قتل دون دينه فهو شهيد"'1).
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لو أن رجلا اطلع عليك بغير إذن فحرفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك جناح" من خلال هذه الأحاديث يتبن كيف استوعبت السنة النبوية الشريفة حق المعتدي عليه في الدفاع عن نفسه و ماله ولكنها لم تقصر في نفس الوقت في تقرير مشروعية رد الاعتداء بالنسبة للغير أيضا وذلك من خلال الأحاديث التالية:
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال:" المسلم اخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن أخيه كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة".
وحاصل القول أن السنة النبوية الشريفة قد جاءت مبينة ومؤكدة لما جاء في القران الكريم فشملت الدفاع عن النفس والعرض والمال والشرف ولم تقتصر السنة النبوية الشريفة على تقرير مشروعية رد الاعتداء لصاحب الحق المعتدى عليه وإنما أقرت هذه المشروعية بالنسبة للغير أيضا.
ثانيا: الدفاع الشرعي في الفكر الفرنسي:
كانت أفكار الكنيسة تهيمن على الفكر الاروبي في القرون الوسطى وتأثرت بها مختلف القوانين الموجودة في ذلك العصر بما في ذلك القانون الفرنسي القديم الذي كان يعتبر الدفاع الشرعي مجرد ضرورة دفعت بالمعتدي عليه إلى استعمال العنف ضد المعتدي مما يبيح التغاضي عن عقابها ويجيز التسامح فيها، فكان مرتكب الفعل في حالة دفاع شرعي يطاله من الملك العفو تماما كمذنب يحتاج إلى العفو وكان الملك ملزما بمنح العفو في جميع الحالات التي يرتكب فيها فعل الدفاع عن النفس(1).
وعند صدور القانون الفرنسي لسنة 1971 أصبح للدفاع الشرعي صفة الحق واعتبر من أسباب الإباحة في المادتين328 و 329 من قانون العقوبات الفرنسي، التي جعلت السبب الوحيد للتبرير غير أن نصوصها ضيقت من تطبيق الدفاع الشرعي، حيث حصر المشرع الفرنسي الأفعال التي يمكن تبريرها في فعل الدفاع عن القتل والجرح والضرب دون سواها في حين أن الأفعال التي يمكن القيام بها دفاعا على النفس أو المال يمكن أن تتعدى نطاق القتل والجرح والضرب(2).
فالشخص الذي يوجد في حالة دفاع شرعي عن النفس أو المال يستطيع بدلا من قتل المعتدي أو جرحه أو ضربه الاستيلاء على السلاح الذي يهدده به دن أن يعد بذلك مرتكبا لجريمة السرقة كما يستطيع حبس المعتدي لمنعه من الاعتداء عليه وحتى يسلمه إلى السلطات العمة بدون أن يعد مرتكب لجريمة حبس الأفراد التي يعاقب عليها القانون وبالرغم من أن القانون العقوبات الفرنسي لم يحدد الشروط الواجب توفرها والقيود اللازمة لمنع تجاوز ممارسة الحق فقد أفسح المجال بذلك للفقه والقضاء لصياغة نظرية متكاملة للدفاع الشرعي ولكن تضارب الآراء للفقهاء والمحاكم في فرنسا بسبب قصور النص لم يمكن الفقه الفرنسي من صياغة نظرية كاملة تغطي جميع التطبيقات وشروط الدفاع الشرعي.(3)
الفصل الأول: أساس الدفاع الشرعي وأحكامه في قانون العقوبات الجزائري:
بعد أن تعرضنا في الفصل التمهيدي إلى مفهوم الدفاع الشرعي والى التطور التاريخي الذي مرت به هذه الفكرة قبل أن تستقر على ما هي عليه في الوقت الحالي.
سوف نخصص هذا الفصل الأول لتوضيح الأساس التي يستند عليه الدفاع الشرعي لتبرير مشروعية فعل المعتدي عليه واعتباره فعلا مباحا غير معاقب عليه قانونا.
كما سنبين أحكام الدفاع الشرعي في قانون العقوبات في قانون العقوبات الجزائري حيث أن المشرع الجزائري قد عدد حالات الدفاع الشرعي في المادتين 39/ف 1 و40 من قانون العقوبات الجزائري، واعتبر كل فعل من شانه درء الخطر المحدق بالمدافع نفسه أو ماله أو مال الغير فعلا مباحا ولكن بشرط توافر شروط معينة في الخطر وأخرى في فعل الدفاع على النحو الذي سوف نبينه لاحقا في الفصل الثاني وأطلق عليها اسم الحالات العادية للدفاع الشرعي وهذا في المادة39/02 ق ع ج غير انه أجاز في بعض الحالات التي تعد من قبيل الضرورة الحالة التخلي عن بعض الشروط من بينها لزوم فعل الدفاع أو تناسب مع درجة الاعتداء وأطلق عليها اسم الحالات الممتازة لدفاع الشرعي، وقد نظمت أحكام هذه الحالات وشروطها في المادة 40 ق ع ج سواء تعلق الأمر بتحديد أساس أو أحكام الدفاع الشرعي ووصولا إلى تحليل كل هذه المواضيع.
وسنتناول بالدراسة في المبحث الأول تحديد أساس الدفاع الشرعي على ضوء النظريات المنظرة لمبدأ الدفاع الشرعي خلال مطلبين.
المطلب الأول نخصصه لبيان تعريف أصحاب نظرية العقد الاجتماعي وأصحاب المنفعة الاجتماعية أما المطلب الثاني فنخصصه لتوضيح الكيفية التي عرف بها الدفاع الشرعي في نظر أصحاب نظرية الإكراه من ناحية وأصحاب نظرية تنازع الحقوق من ناحية أخرى.
المبحث الأول: أساس الدفاع الشرعي:
إذا كان الاعتراف بحق الدفاع الشرعي لا يثير جدلا في التشريعات الحديثة فان أساس هذا الحق يعتبر محل خلاف بين الفقهاء.
فمنهم من يرده إلى فكرة العقد الاجتماعي ومنهم من يرده إلى فكرة المنفعة الاجتماعية وجانب أخر يرده إلى فكرة الإكراه بينما يعتبر البعض الأخر فكرة تنازع الحقوق أساس الدفاع الشرعي وفيما يلي سوف نوضح ذلك من خلال مطلبين نتناول في المطلب الأول نظريتا العقد الاجتماعي والمنفعة العامة وفي المطلب الثاني نظرية الإكراه وتنازع الحقوق.
المطلب الأول: نظريتا العقد الاجتماعي والمنفعة الاجتماعية:
سوف نتناول في هذا المطلب أولا دراسة نظرية العقد الاجتماعي وتبين النقد الموجه لهذه النظرية ثم نتناول ثانيا نظرية المنفعة الاجتماعية وموقفها بالنسبة للدفاع الشرعي والنقد الموجه إليها في هذا الشأن.
أولا: نظرية العقد الاجتماعي:
يرى أصحاب هذه النظرية ومن بينهم "توماس هوبس"(1) و " جون جاك روسو"(2) و " جون لوك"(3) أن الاعتداء الحاصل من شخص على آخر ويبرر حق هذا الأخير في الرد عليه، دفاعا عن النفس، لإنهاء الارتباط بين المعتدي عليه دفاعا عن النفس لإنهاء الارتباط بين المعتدي عليه وبين المجتمع الذي يعيش فيه حيث أن من شروط هذا الارتباط تخلي الفرد للجماعة الممثلة بالسلطة القائمة عن حق وحماية نفسه وسلامته وحقوقه وأمواله على أن تتولى هذه السلطة الحلول محله في تامين الحماية اللازمة والمناسبة لرد الاعتداء عليه(4).
ومنه فان من يتهدده خطر جسيم في ظرف يستحيل معه على السلطة أن تتحرك فيه لسبب من الأسباب لغيابها أو عجزها أو عدم تمكنها من الإسراع في حمايته يكون قد استعاد حقه في حماية نفسه، كما لا يفترض فيه تحمل الاعتداء من قتل أو جرح أو ضرب أو سرقة...الخ.
دون رد فعل منه بحجة الخضوع للقانون الذي يمنعه من رد العدوان عن نفسه بنفس(5).
ما يمكن توجيهه لهذه النظرية أن هذه الفكرة وان كانت تصلح للدفاع عن الحقوق الشخصية فأنها لا تصلح للدفاع عن حقوق الغير(1).
يضاف إلى ذلك أن تبرير الدفاع الشرعي اعتمادا على نظرية العقد الاجتماعي يجعل الدفاع الشرعي أجراء ثانويا مكملا لأعمال الدولة مما يبعده عن طبيعته القانونية كحق شخصي ذي طبيعة خاصة يمكن الفرد اللجوء إليه لرد العدوان الذي يتعرض له، كما أنها تعجز عن تبرير مشروعية فعل التصدي للعدوان الذي يتناول نفس أو مال الغير أو الأموال العامة(2).
ثانيا: نظرية المنفعة الاجتماعية:
يرى أصحاب هذه النظرية من بينهم " إرمابنتم(3) و "جون ستيورات ميل"(4) أن من يد اعتداء يؤدي خدمة إنسانية عليا وعامة مثل حراسة الأمن وجندي الحقوق وحامي الحريات، واذ انه من جهة أخرى يقوم بتخليص المجتمع من مجرم أثم وعدو غادر ويشكل وجوده في الحياة خطر على الكيانات البشرية، ومن جهة أخرى يؤمن انقاد مواطن صالح وعضو نافع في المجتمع يتعرض للهلاك والفناء معنى ذلك انه لا يجوز لمن كان في خطر أن يمتنع عن ممارسة حق الدفاع فلا يمكن له التنازل عن حياته أو سلامته لان هذه المقدسات الأساسية ليست ملكا له يتخلى عنها وانما تعود للمجتمع ولا يجوز المساس بها ولو من قبل صاحبها لان زوالها مرتبط بزوال الجماعات البشرية نفسها (3)
أن هذه النظرية لم تسلم من النقد، اذ في غالب الأحيان ما يدل على أن شخصية المعتدي عليه فاعل الجريمة دفاعا قد لا يقل خطورة إجرامية عن شخص المعتدي الأول وان المصلحة الاجتماعية قد تتعدى القضاء على الاثنين معا، فمن الثابث عمليا أن حالات الدفاع عن النفس لا تقتصر كلها على معتدي مجرم ومعتدى عليه شريف بل أن هذه الحالات تقع بين اشقياء معروفين بين الفريقين تصفية حسابات أو إبراز عضلات أو الانتقام وقد تكتب الغلبة لمن هو أكثر بطشا أو الأمهر في إطلاق النار(1).
المطلب الثاني: نظريتا الإكراه وتنازع الحقوق:
سوف نتناول في هذا المطلب أولا نظرية الإكراه ثم نتناول ثانيا نظرية تنازع الحقوق ونبين في كل مرة النقد الذي وجه إلى كل نظرية فيما يتعلق بالدفاع الشرعي ونحاول أخيرا إبراز موقف المشرع العقابي الجزائري من هذه النظريات محددين النظرية التي اعتمد عليها في تحديد أساس الدفاع الشرعي.
أولا: نظرية الإكراه:
مضمون هذه النظرية هو أن الدفاع الشرعي كسبب من أسباب عدم المسؤولية الشخصية مبني على فكرة الإكراه المعنوي والاضطرابات و الانفعالات التي تستولي على نفس المعتدي عليه والميل الغريزي للإنسان الذي يدفعه إلى المحافظة على نفسه(1) .
بمعنى أن المعتدي عليه حينما يشعر بالخطر تنعدم لديه حرية الاختيار فتتحرك فيه غريزة المحافظة على النفس ويندفع لدرء الخطر الذي يداهمه دون التفكير في طريقة أخرى التي تخرجه من هذه الوضعية التي يكون فيها مهما كانت طبيعتها والمعتدي عليه في هذه الحالة يجد نفسه مكرها نحو الجريمة ودفاعا عن نفسه بحكم غريزة البقاء(2).
وما يمكن توجيهه لهذه النظرية هو انه ليس صحيحا أن فعل الاعتداء يصل تأثيره إلى د إعدام الإرادة تماما بل انه هذا الفعل قد لا يؤدي لا يؤثر على الإرادة مطلقان اذا كان يسيرا، كما يلاحظ أن الإكراه المعنوي يترتب عليه عدم المسؤولية غير انه تبقى صفة الفعل غير مشروعة بينما في حالة الدفاع الشرعي تزول الصفة الإجرامية عند فعل الدفاع الشرعي تماما(3).
ثانيا: نظرية تنازع الحقوق:
مضمون هذه النظرية هو انه في حالة الدفاع الشرعي يقع اصطدام بين حقين ومن مصلحة المجتمع الإبقاء على الحق الأفضل، هذا من جهة ومن جهة أخرى فان الدفاع الشرعي حق خول للفرد استثناء من التجريم وذلك باتفاقه مع أهداف النظام القانوني، وغايات المجتمع وتحقيقه لها فالنظام القانوني يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة ويوازن بين المصالح المتعارضة ويغلب إحداها على الأخرى(1) .
أن نظرية تنازع الحقوق يعاب عليها فقط انه في حالة ما إذا كان الفعلين المتصارعين كلاهما غير مشروع فكيف يؤدي الصراع بينهما إلى انعدام حق المعتدي وانقلاب فعل المدافع غير المشروع إلى فعل مشروع(2).
غير أن هذا الرأي هو الراجح لدى الفقه تأسيسا على انه في حالة الدفاع الشرعي يقع التعارض بين حقين متكافئين من الناحية المجردة وهما حق المعتدي وحق المعتدى عليه، فالأصل أن كل من المعتدي والمعتدى عليه حقهما متساويان غير أن المعتدي باعتدائه قد يجعل حقه غير محترم كما أن بخروجه عن القانون عرض نفسه لخطر الاعتداء المعاكس وعليه أن يتحمل عواقب أفعاله وتتم حماية المجتمع للحقوق لنظر إلى القيمة الاجتماعية للحق وعليه ففي حالة الدفاع الشرعي يكون احد الحقين جديرا بالحماية والأخر لابد من التضحية به ومن ثم فلا مناص من التضحية بحق المعتدى لان عدوانه يهبط بالقيمة الاجتماعية للحق من ناحية ولأنه يصيب حق أخر هو حق المجتمع من ناحية أخرى وعليه فان الدفاع الشرعي يباح لأنه وان أصاب بالاعتداء حقا فانه يصب حقين ادهما للمعتدي والأخر للمجتمع وهذا الأخير صيانته واجبة وفيه تكمن علة الإباحة إلى حد كبير(3).
والجدير بالذكر بناء على ما سبق ذكره أن المشرع الجزائري اعتمد في تحديد أساس الدفاع الشرعي على الأساس المعتمد عليه في نظرية تنازع الحقوق مسايرا بذلك راي غالبية الفقه حيث يرى أن المصلحة العامة تتحقق بتفضيل مصلحة المدافع ( المعتدي عليه) على مصلحة الطرف الأخر( المعتدي) بناء على قاعدة الضرورات تبيح المحضورات.
المبحث الثاني: أحكام الدفاع الشرعي في قانون العقوبات الجزائري:
أن توافر الاعتداء أو خطر الاعتداء وحده لا يعطي للمعتدي عليه الحق في الدفاع الشرعي، ذلك أن المشرع الجزائري لم يبح الدفاع الشرعي الا لرد خطر جرائم معينة وردت على سبيل الحصر كما أن المشرع وبالنظر لجسامة القتل منع الالتجاء إليه إلا في أحوال معينة وهذا ما اتفق على تسميته بالحالات العادية للدفاع الشرعي وهو ما يمثل المطلب الأول من هذه الدراسة كما أضاف المشرع حالات اخرى للدفاع الشرعي اتفق على تسميتها الحالات الممتازة للدفاع الشرعي وهذا ما يمثل المطلب الثاني.
المطلب الأول: الحالات العادية للدفاع الشرعي الواردة في المادة39/2 من قانون العقوبات الجزائري:
اعتبر المشرع الجزائري أن الخطر الذي يقوم به الدفاع الشرعي قد يكون على النفس وقد يكون على المال، حيث نصت المادة 39/2 ق ع ج على ما يلي:" لا جريمة اذا كان الفعل قد دفعت اليه الضرورة الحالة للدفاع المشروع عن النفس أو عن الغير أو عن مال مملوك للشخص أو للغير"(1) .
يتضح من نص هذه المادة أن رد الفعل يجب أن يكون لصد هجوم جعل حياة المدافع في خطر.
أولا: حالة الدفاع الشرعي عن النفس:
والمقصود بالنفس ليس فقط حياة الإنسان بل أيضا مقومات الشخصية الإنسانية من مواهب وصفات وشرف وكرامة ومكانة اجتماعية وعائلية،ى كما يشمل مفهوم النفس جسد الإنسان وأعضاءه وطالما أن النفس الإنسانية لا تقتصر على الروح أو الحياة فقط فان كل ما يمس مقوماته يستوجب الدفاع عنه.
ويعاقب الفاعل عليه ولكن هل يمكن اعتبار الخطر المقصود هو ذلك الذي تنتج عنه الموت؟
الاجابة بالنفي تفرض نفسها اذ أن القول بصيرورة الحياة في خطر لا يعني بالضرورة الموت والمقصود بالخطر هو اختلال التوازن العادي بالنسبة للشخص محل موضوع المجرم وكل ما من شانه أن يخل بذلك التوازن يعتبر خطرا على حياته(2).
ويقصد بجرائم النفس التي تبيح الدفاع الشرعي تلك الجرائم اعتداء على مصلحة تتعلق بشخصية المجني عليه كانسان سواء تعلقت بمكوناتها المادية والمعنوية ومثال ذلك جرائم الاعتداء على الحياة وسلامة الجسم كالقتل والضرب والجرح المشار اليه في المواد من 254 إلى 274 من ق ع ج والتي يتطابق معها نص المواد من 201 إلى 216 من ق ع ج، ونص المادة 274 ق ع ج والتي يتطابق معها نص المواد من 392 إلى 404 من ق ع ج ويستوي أن يكون ذلك بسيطا أو مقترنا بظرف مشدد كسبق الإصرار والترصد ويلحق هذه الطائفة جرائم الاعتداء أو الحرية كالقبض أو الحبس دون وجه حق وارتكاب أمر مخل بالحياء مع امرأة في غير علانية أما جرائم الاعتداء على الحرية الجنسية كهتك العرض سواء بالقوة أو بغير القوة فقد أقرتها التشريعات العقابية ومن بينها المشرع الجزائري في نص المادة 336 ق ع ج التي تبيح القتل ضد فعل الاغتصاب.
اما بخصوص الاعتداءات الحاصلة بالقول والتي يعب عنها بالجرائم الماسة بشرف الإنسان كالسب والقدف، فانه يذهب رأي اغلب الفقه على اعتبار أن مثل هذا الصنف من الجرائم لا يبيح الدفاع الشرعي عن النفس ذلك لأنه لابد من الاعتداء الذي عنه هذا الحق من أن يستخدم في ارتكاب القوة المادية، وان القوة التي تستخدم لدفع مثل هذا الصنف من الجرائم لا تأتي عادة الا بعد وقوع الجريمة فعلا ومن ثم فإنها تاخد صورة الانتقام لا صورة الدفاع الشرعي ومثال ذلك: حالة اذا ما اعتلى شخص مكانا في الطريق العام وبدا في التفوه بشتائم مما يعتبر قذفا أو شيئا موجه ضد شخص أخر معين فيسارع هذا الأخير إلى إمساكه محاولا إسكاته أو حجزه في مكان مغلق بالقوة مما ينجر عنه بعض الجروح.
ثانيا: حالة الدفاع الشرعي عن نفس الغير:
لقد نص المشرع الجزائري في المادة 39/02 ق ع ج على ما يلي:" لا جريمة اذا كان الفعل قد دفعت إليه الضرورة الحالة للدفاع المشروع عن النفس أو الغير".(1)
ومن نص هذه المادة يتبين أن المشرع الجزائري أجاز الدفاع الشرعي عن نفس الغير واعتبره في نفس مرتبة الدفاع الشرعي عن نفس المدافع وبالتالي فكل ما يتعرض اليه بخصوص الجرائم التي تبيح الدفاع الشرعي عن نفس المدافع تنطبق أيضا على نفس الغير، أي أن الجرائم التي تقع اعتداء على مصلحة تتعلق بشخص المجني عليه كانسان وتتعلق بحياته وسلامة جسمه كالقتل والجرح والضرب وتلك التي تعتبر من مقومات الشخصية الإنسانية من مواهب و شرف ومكانة اجتماعية وكذلك جرائم الاعتداء على حرية الغير كالقبض والحبس دون وجه حق وارتكاب فعل مخل بالحياء مع امراة في غير علانية وجرائم السب والقدف وجميع الجرائم التي حمى المشرع العقابي بمقتضاها الفرد(1).
ثانيا: حالة الدفاع الشرعي عن المال:
اعتمادا على نص المادة 39/02 ق ع ج نستنتج أن أن المشرع الجزائري انزل المال منزلة النفس فأباح الدفاع الشرعي ضد أي اعتداء يتهدده وتبعا لذلك يعتبر التشريع الجزائري في هذا المجال من التشريعات الحديثة التي كرست بصورة صريحة الدفاع الشرعي عن المال.
والمقصود بجرائم المال تلك الجرائم التي تتناول بالاعتداء حقا يحميه القانون وذا قيمة اقتصادية، وأما الجرائم التي تتناول الأموال فهي متعددة فمنها من يصيب الأموال وحدها ومنها ما يصيب النفس والمال معا، فمن الجرائم التي تصيب الأموال جرائم السرقة والاغتصاب وجرائم التخريب اما الجرائم التي تصيب المال والنفس معا فمنها الجرائم التي يكون سببها حريق أو استعمال المفرقعات مثلا والتي من شانها تعريض الأنفس والأموال للخطر.
كما يتبين من نص المادة 39/02 ق ع ج أن المشرع الجزائري قد أورد الدفاع الشرعي عن المال سواء أكان مملوك للشخص أو الغير على إطلاقه اما التشريعات الأخرى من بينها التشريع التونسي فقد لزمت الصمت بخصوص هذه المسالة(1) .
المطلب الثاني: الحالات الممتازة للدفاع الشرعي الواردة في المادة 40 قانون العقوبات الجزائري:
تنص الفقرة الأولى من المادة 40 من ق ع ج على مايلي:" يدخل ضمن حالات الضرورة الحالة للدفاع الشرعي:
القتل أو الجرح أو الضرب الذي يرتكب لدفع اعتداء على حياة شخص أو سلامة جسمه أو لمنع تسلق الحواجز أو مداخل المنازل أو الأماكن المسكونة أو توابعها أو كسر شيء منها اثناء الليل".
أن هذه الفقرة الاولى من نص المادة يتيح استعمال جميع الطرق لمقاومة المعتدي كالضرب والجرح أو حتى القتل أن اقتضى الأمر ذلك ويكون حق الدفاع وارد في هذه الحالة سواء تعلق الأمر بالجرائم المرتكبة على النفس أو المال لكن هذه الاباحة ليست مطلقة بل مقرونة بشروط.
فما هي هذه الشروط؟
الشروط الواجب توفرها لتكون أمام حالة من الحالات الممتازة وهي:
1- لابد أن يكون أولا أن يكون الخطر مهددا بالاعتداء على حياة المدافع نفسه كاعطاءه مواد ضارة أو على سلامة جسمه كالضرب الجسيم(1). بمجرد أن يقع خطر من شانه المساس بسلامة الجسم كان يعتدي على المدافع بالضرب المبرح الذي يؤدي إلى إحداث جراح بليغة يترتب عليها عاهات وتشوهات أو مرض يفضي إلى عجز من مزاولة الحياة العملية والعادية مدة طويلة فيقوم الحق في الدفاع الشرعي بالطرق المشروعة(2)
كما أن الاعتداء على حياة الإنسان كإجباره على تناول السم مثلا أو كمية من المخدرات وغيرها من المواد الضارة التي تؤثر على حياته فتهلكه بمنح الحق الحق في الدفاع الشرعي.
2- ويضاف إلى هذه الجرائم الوقعة على النفس، هتك العرض، الاعتداء على امرأة أو إتيانها كرها وتدنيس شرفها بالقوة أو التهديد هي كلها جرائم أباح فيها القانون استعمال كل الوسائل للدفاع بل وحتى القتل(1).
3- أن يكون الاعتداء متمثلا في تسلق الحواجز أو الحيطان أو مداخل المنازل أو الأماكن المسكونة أو كسر شيء منها أثناء الليل، ويستوي في ذلك دخول المنزل أو ملحقاته أن يكون قد تم فعلا أو مازال في مرحلة الشروع ولا اهمبة بعد ذلك أن يكون الدخول من الباب المخصص لذلك أو بتسلق جدار المنازل ليقوم الحق في الدفاع الشرعي(2).
ويوصف بالتسلق الدخول إلى المنازل أو المباني أو الاحواش أو حضائر الدواجن أو اية ابنية أو حدائق وذلك بطرق تسلق الحيطان أو الابواب أو السقوف، ولا يكفي أن يتم الدخول إلى الاماكن بالطرق المذكورة في م 40 ق ع ج لاباحة فعل الدفاع اذ لابد من توفر شرطين أساسين:
1- أن يكون المكان مسكونا فعلا وليس معدا لسكن.
2- أن يكون الدخول تم فعلا في الليل.
أولا: أن يكون المكان مسكون فعلا وليس معدا للسكن فلا يكفي أن يكون معدا للسكن فقط، ولكن لم يسكنه احد بعد ولكن القانون لا يتطلب وجود سكان وقت دخول المعتدي فقد يقع الاعتداء عند مغادرته ويصدر الدفاع من احد الجيران أو الحارس وهنا يكون الفعل مباحا لان الدفاع من الغير يعد مشروعا(3).
ويعد سكن كل مبنى أو دار أو غرفة أو خيمة متى كان الشخص يسكنه على سبيل الدوام والاستقرار، فلا يدخل في هذا الإطار الفنادق و غيرها من أماكن السكن الخاصة.(1)
اما الواقع هي أماكن غير مسكونة ولا مأهولة بالسكان لكنها متصلة به كالحديقة والمخازن الاحواش وجراج السيارة أو اصطبل المواشي(2).
حتى وان كانت محاطة بسياج خاص أو سور عام.
والمشرع استعمل عبارة "أو كسر شيء منها اثناء الليل" نية المعتدي كسر شيء بعد التسلق جازت تسمية الموقف بحالة دفاع شرعي ويكون مثلا بفتح أي أجهزة من أجهزة الإقفال أو بكسره بأية طريقة.
أن الدخول إلى منزل مسكون أو إحدى ملحقاته بتلك الطريقة المذكورة في م 40ق ع ج لا يبيح وحده الدفاع الشرعي اذ لابد ن يتم ذلك ليلا.
ثانيا: يشترط لقيام حالة الدفاع الشرعي أن يقع الاعتداء ليلا، وفي حالة وقوعه نهارا يفقد الامتياز الممنوح له بالمادة40 ق ع ج وبهذا جعل المشرع الجزائري من ميزة الدخول ليلا قرينة على سوء القصد والتهديد بخطر جسيم يبرر نعه بالقوة التي تصل إلى حد القتل، فمن يدخل سكن الغير ليلا دون رضاه ودون أن يكون في وسع حائز المنزل العلم بغرضه، اذ من المتصور أن يكون يريد شرا قد يكون بالغ الخطورة كالقتل أو السرقة أو اغتصاب امرأة أو هتك عرض بالقوة يكون لصاحب المنزل الحق في مقاومته بكل الطرق المشروعة المذكورة في المادة 40ق ع ج .
ويقصد بالليل الفترة الزمنية بعد شروق الشمس وقبل غروبها والمغزى من اشتراط الدخول ليلا لنكون أمام حالة من حالات الممتازة لدفاع الشرعي ما يحدثه الدخول المفاجيء في حلكة الليل من هلع في نفس المدافع والسبب في ذلك كون الليل ظرفا موحشا يتسم الكون فيه بالهدوء بالإضافة إلى صعوبة الاستعانة بالآخرين ليلا. وهو يعطي للجاني فرصة اكبر لإتمام فعلته(1).
والسؤال المطروح هو مجرد الدخول ليلا حسب نص المادة 40 ق ع ج يحمل بذاته فعلا قرينة الإجرام بحيث يصح لصاحب الدار أن يعتبره اعتداء على ماله أو نفسه.
فالمنطق يدعونا لتطبيق الأحكام العامة لنظرية الدفاع الشرعي هذه الحالة يكون المدافع في هذه الحالة مسؤولا عن جريمته على أساس العمد.
الحالة الثانية المنصوص عليها في م 40 ق ع ج .
تنص م /0240 ق ع ج على مايلي: " يدخل ضمن حالات الضرورة الحالة للدفاع الشرعي:
الفعل الذي يرتكب لدفاع عن النفس أو الغير ضد مرتكب السرقات أو النهب بالقوة".
وشرط قيام هذه الحالة:
على أن يهدد الخطر النفس أو المال ويستوي فيها أن يكون الخطر موجها إلى المدافع أو الغير وهذا خلافا للحالة الاولى التي لابد أن يهدد الخطر المدافع نفسه.
ثانيا ان يقع التهديد من أشخاص يرتكبون السرقات أو النهب بالقوة سواء أكان التهديد أو الخطر ليلا، أو نهارا وهذا خلاف الحالة الاولى(2).
أن المشرع اباح حق الدفاع ضد مرتكبي السرقات والنهب بالقوة واعتبره أمرا خطيرا جعل المجتمع تحت رحمة سلطة الأشرار أو قطاع الطرق وشعارهم البقاء للأقوى، لذلك فقد أباح المشرع الدفاع الشرعي في هذه الأفعال حاثا الناس على الدفاع عن حقوقهم ضد السرقات التي ترتكب بالقوة والإكراه ودون التقييد بالشروط التي جاءت بها النظرية العامة للدفاع الشرعي.
وتعالج هذه الحالة جميع أنواع السرقات بالإكراه التي ترتكب في الطرق العمومية(1).
وبهذا فقد أجاز المشرع للفرد أن يدافع عن ملكه أو ملك الغير وعن نفسه وعن نفس الغير ضد مرتكبي جرائم السرقة والنهب سواء حدث ذلك ليلا أو نهارا.
نلاحظ أن المشرع الجزائي قد اباح حق استعمال القتل اذا تعلق الامر بحالة من حالات الممتازة وهو اشد أفعال الدفاع جسامة، وهذا ما لم يسمح به في المادة 39/02 ق ع ج الا بعد توافر كل الشروط منها ضرورة أن يكون الفعل متناسبا مع جسامة الخطر فاذا وجدت وسيلة أخرى لتفادي الخطر الذي يهدده كانت اقل جسامة من القتل بتحطيم السلاح الذي يستعمله أو تمزيق ملابسه أو حبسه الوقت اللازم للاستعانة بالسلطات، أو ضربه حتى يغمى عليه لكنه مع هذا لجا إلى القتل اعتبر هذا تجاوز لحق الدفاع ويكون مرتكبه مسؤولا جنائيا.
أما اذا كان المدافع أمام حالة من الحالات الممتازة فله أن الجرح أو يضرب أو يقتل اذا اقتضت الضرورة ذلك لتفادي الخطر الذي يهدد حياته أو سلامة جسمه، أو للدفاع عن نفسه أو غيره ضد مرتكبي السرقات والنهب بالقوة(2)
مـــقـــــدمــــة
بما أن المجتمع هو الإطار الذي يجب أن يعيش فيه الإنسان فان من حقه ومن واجبه مواجهة الأفعال غير المشروعة التي تهدد كيانه وتمس حسن سير مؤسساته.
وقد كان سائدا في مختلف القوانين والتشريعات أن الجرائم يهدد امن واستقرار المجتمعات البشرية وتمس مصالح الناس اينما ارتكبت وكيفما وقعت لذا وجب مقاومتها ضد أي مصلحة كانت وهذه الجرائم وإما أن تكون جرائم اعتداء على النفس أو العرض وإما أن تكون جرائم اعتداء على المال فتعد بذلك أفعال مجرمة لأنها تحمل في طياتها معنى الاعتداء على حق يحميه القانون.
أما إذا تجردت هذه الأفعال من معنى العدوان كانت أفعال مباحة ومشروعة كحق الدفاع الشرعي الذي يعتبره المشرع العقابي الجزائري من أهم تطبيقات نظرية الإباحة في المادتين 39/ف 1 و 40 من قانون العقوبات الجزائري.
وأسباب الإباحة هي في الحقيقة قيود ترد على نص التجريم فتجمد وتبطل مفعوله إذ تخرج الواقعة من دائرة التجريم إلى دائرة الإباحة.
ولموضوع الدفاع الشرعي أهمية بالغة وهو من أهم تطبيقات نظرية الإباحة التي عرفتها القوانين الجنائية عبر العصور ومن بينها القانون الجنائي الجزائري حيث انه سبب يستند إلى غريزة طبيعية في النفس البشرية تجعل المعتدي عليه يتصدى لكل اعتداء يواجهه من الغير هذا من جهة ومن جهة.
ومن جهة أخرى فهو مجال المفاضلة بين مصلحتين متعارضتين مصلحة المعتدي ومصلحة المعتدي عليه حيث تكون مصلحة المعتدي عليه أولى بالاعتبار ان المعتدي بفعله يشكل خطر على المصلحة الفردية والجماعية.
ومن ثم اعتبرت الأفعال المرتكبة في حالة دفاع شرعي أفعال غير معاقب عليها نتيجة لذلك فالدفاع الشرعي حق يعترف به القانون لأنه يحقق أهداف النظام القانوني كله ويتفق مع غايات المجتمع والدفاع الشرعي في قانون العقوبات الجزائري تفرضه متطلبات نظرية وأخرى عملية.
فمن الناحية النظرية تبرز قيمة هذا الموضوع من خلال الأهمية التي يتمتع بها وهذا ناتج عن قدم وتشعب الدراسات بشأنه لدى الفقهاء الوضعيين وكذلك عن فقهاء المسلمين الذين عرفوا الدفاع الشرعي بمصطلح "دفع الصائل" أما من الناحية العملية فتبرز أهمية دراسة هذا الموضوع فيما يلي:
- توعية وتحسيس الأشخاص بالشروط والأحكام القانونية لقيام حالة الدفاع الشرعي، سواء كان دفاعا عن النفس أو المال أو العرض أو نفس الغير أو ماله.
التوضيح أو الإشارة إلى الحالات الممتازة التي تقوم فيها حالة الدفاع الشرعي( الحالات الخاصة كما يسميها البعض).
التعريف بحدود و شروط قيام حالات الدفاع الشرعي وأثارها وتحديد موقف المشرع الجزائي الجزائري من هذه المسائل.
وإذا كان الدفاع الشرعي من المواضيع التي عولجت من قبل فإننا سوف نحاول من خلال هذه الدراسة بيان كيفية معالجة المشرع الجزائري لمبدأ الدفاع الشرعي من خلال تحديد مفهومه وأساسه وبيان شروطه الجوهرية الواجب توفرها في فعل العدوان من جهة وفي فعل الدفاع من جهة أخرى ومن حيث تجاوز حدوده وإثباته وإبراز الآثار القانونية المترتبة عنه.
ولمعالجة هذه الإشكالية سوف نتطرق للإجابة عليها من خلال فصل تمهيدي وأربعة فصول.
نتناول في الفصل التمهيدي مفهوم الدفاع الشرعي ومراحل نشأته وتطوره خلال مبحثين، خصصنا المبحث الأول لتحديد مفهوم الدفاع الشرعي، وصولا الى ذلك قسمنا هذا المبحث الى مطلبين تناولنا في المطلب الأول تعريف الدفاع الشرعي، وفي المطلب الثاني تعرضنا إلى الطبيعة القانونية لمبدأ الدفاع الشرعي محددين في نفس الوقت موقف المشرع الجزائري من هذه المواضيع.
وأما المبحث الثاني فقد خصصناه لعرض أهم المراحل التاريخية التي مرت عليها فكرة الدفاع الشرعي خلال تطورها قبل أن تستقر على ما هي عليه في الوقت الحاضر من خلال مطلبين خصصنا المطلب الأول لتحديد مفهوم الدفاع الشرعي عند الحضارة الرومانية وعند الحضارة الأوروبية في وقت سيطرت الكنيسة أما المطلب الثاني فقد خصصناه من ناحية لتوضيح رأي الشريعة الإسلامية في مبدأ الدفاع الشرعي ومن ناحية أخرى لتوضيح محتوى القانون الفرنسي فيما يتعلق بحالة الدفاع الشرعي على اعتبار ان القانون الفرنسي من القوانين التي أولت عناية خاصة بهذا الموضوع.
أما الفصل الأول فسنتناول في أساس الدفاع الشرعي وأحكامه في قانون العقوبات الجزائري وذلك في صورة مبحثين.نتعرض في البحث الأول إلى أساس الدفاع الشرعي وذلك في مطلبين، المطلب الأول حددنا من خلاله كيف تم تحديد أساس الدفاع الشرعي بناء على نظريتي العقد الاجتماعي و المنفعة الاجتماعية، وننتقل بعدها في المطلب الثاني إلى تحديد أساس الدفاع الشرعي بناء على نظريتي الإكراه وتنازع الحقوق.
وفي المبحث الثاني نتناول أي أحكام الدفاع الشرعي في قانون العقوبات الجزائري ونميز بين الحالات العادية للدفاع الشرعي التي تشكل المطلب الأول والحالات الممتازة للدفاع الشرعي والتي تمثل المطلب الثاني.
أما الفصل الثاني فقد كان من الضروري بناء على ما تقدم أن نتعرض فيه إلى الشروط الجوهرية العامة للدفاع الشرعي حسب تنظيم المشرع الجنائي الجزائري من خلال مبحثين خصصنا المبحث الأول لبيان الشروط المتعلقة بفعل العدوان وذلك في مطلبين الأول أن يكون الخطر حالا وغير مشروع والثاني ان يهدد الخطر النفس آو المال.
أما المبحث الثاني فقد خصصناه لبيان الشروط المتعلقة بفعل الدفاع في مطلبين تناولنا في المطلب الأول شرط التناسب وفي المطلب الثاني شرط اللزوم.
أما الفصل الثالث فيتضمن تجاوز حدود الدفاع الشرعي وإثباته في مبحثين تعرضنا في المبحث الأول إلى تجاوز حدود الدفاع الشرعي وذلك في مطلبين تناولنا في المطلب الأول معنى تجاوز حدود الدفاع الشرعي.
وفي المطلب الثاني الحكم القانوني لعذر التجاوز وفقا لقانون العقوبات الجزائري أما المبحث الثاني فيتضمن إثبات حالة الدفاع الشرعي وصولا إلى معرفة ذلك قسمنا المبحث إلى مطلبين حددنا في المطلب الأول إثبات الدفاع الشرعي في الحالات العادية وفي المطلب الثاني إثبات الدفاع الشرعي في الحالات الممتازة.
وأخيرا نتطرق في الفصل الرابع إلى أثار الدفاع الشرعي في صورة مبحثين وضمنا في المبحث الأول الآثار المترتبة على فعل الدفاع في شكل مطلبين تضمن المطلب الأول حالة إصابة حق الغير دون عمد.
وفي المطلب الثاني حالة إصابة حق الغير عمدا.
إما المبحث الثاني خصصناه لبيان الأثر الثاني المتمثل في انتفاء المسؤولية بوجهيها المدني والجزائي وذلك في مطلبين الأول يتضمن معنى انتفاء المسؤولية المدنية والثاني يتضمن معنى انتفاء المسؤولية الجزائية.
الفصل التمهيدي: مفهوم الدفاع الشرعي ومراحل تطوره و نشأته:
الإنسان مفطور على حب البقاء ولذلك فانه عند حلول خطر يهدد النفس البشرية سواء كان ذلك الخطر موجها للاعتداء على النفس أو المال يتحرك السلوك المادي للفرد لوقف ذلك الخطر المتوقع أو دفعه من اجل المحافظة على الحياة أو حماية المال من الهلاك، وقد يبدي الفرد في سبيل تحقيق ذلك كل ما بوسعه من جهد بذاته أو باستعمال أجهزة آلية لدفاع عن نفسه أو ماله.
وإذا كان الأصل في السلوك الإنساني هو الإباحة فان التجريم يعتبر استثناء من هذا الأصل وتأتي أسباب الإباحة كاستثناء على هذا الاستثناء، لترد الفعل إلى أصله من المشروعية بعد أن كان محرما ذلك أن الفرد قد يرتكب عملا ينطبق عليه نص التجريم الوارد في قانون العقوبات ومع ذلك لا يعده القانون جريمة(1).
والدفاع الشرعي يعتبر من أقدم أسباب الإباحة التي عرفتها القوانين الجنائية عبر العصور لأنه سبب يستند إلى غريزة طبيعية في النفس البشرية( غريزة حب البقاء) وهذا من جهة أخرى فان الدفاع الشرعي يا خد بعين الاعتبار ومجال المفاضلة بين مصلحة المعتدي ( الجاني) ومصلحة المعتدى عليه ( المجني عليه).
وهذا وقد طرأت على الدفاع الشرعي عدة تطورات حيث وانه مر بعدة مراحل تاريخية واخذ من كل واحدة منها نصيبه من التطور إلى أن أصبح على ماهو عليه في الوقت الحاضر.
لذلك فقد رئينا نه من الضروري أن نتطرق في هذا الفصل التمهيدي إلى مفهوم الدفاع الشرعي من ناحية مراحل نشأته وتطوره من ناحية أخرى وذلك من خلال مبحثين، حيث نتناول في المبحث الأول مفهوم الدفاع الشرعي والوصول إلى تحديد هذا المفهوم قسمنا هذا المبحث إلى مطلبين، تطرقنا في المطلب الأول إلى تعريف الدفاع الشرعي أما المطلب الثاني فقد خصصناه إلى بيان الطبيعة القانونية لمبدأ الدفاع الشرعي محددين في نفس الوقت موقف المشرع الجزائري من هذه المسالة.
أما المبحث الثاني فقد تناولنا فيه مراحل نشأة وتطور الدفاع الشرعي وذلك من خلال مطلبين، خصصنا المطلب الأول لدراسة كيف ظهر الدفاع الشرعي عند القدماء ثم تحديد مفهوم الدفاع الشرعي عند القدماء واخدنا كنموذج الحضارة الرومانية والحضارة الاروبية وقت هيمنة أفكار الكنيسة أما المطلب الثاني فقد خصصناه لكيفية التي يتم تحديد بها هذا المفهوم من جهة في ظل القانون الفرنسي باعتباره يعد مرجع المشرع الجزائري في اغلب الأحيان ومن جهة أخرى إلى رأي الشريعة الإسلامية في هذه المسالة سواء من الآيات القرآنية الكريمة أو من خلال السنة النبوية الشريفة.
المبحث الأول: مفهوم الدفاع الشرعي:
لقد عددت القوانين الوضعية أسباب الإباحة من بينها الدفاع الشرعي واعتبرتها خروجا عن الاستثناء كما سبقت الإشارة إليه، وذلك أن هذا الخروج تبرزه المصلحة أقوى من مصلحة توقيع العقاب.
كما لم تقتصر القوانين الوضعية الجنائية في تحديد ما هي الدفاع الشرعي وطبيعته القانونية مدافعة عن هذه الفكرة وفقا لمبادئها المختلفة ونفس الشيء فيما يخص المشرع الجزائي الجزائري.
ولذلك وصولا إلى تحديد مفهوم الدفاع الشرعي الذي قسمناه هذا المبحث الأول إلى مطلبين حيث نتناول في المطلب الأول تعريف الدفاع الشرعي وفي المطلب الثاني تحديد الطبيعة القانونية للدفاع الشرعي.
المطلب الأول: تعريف الدفاع الشرعي:
المبدأ العام في القانون انه لا يجوز لشخص أن ينتصف لنفسه بنفسه، فإذا ما وقع عليه اعتداء وجب عليه رفع الأمر إلى السلطات المختصة لإنصافه، ولكن هل يستقيم هذا المبدأ لو أن الشخص تعرض لخطر مصدره فعل على وشك الوقوع في ظروف لا تسمح له بمراجعة السلطات المختصة في الوقت المناسب، فهل يترك الأمر حتى تتحقق الجريمة أم يرد الاعتداء على نفسه وماله؟
الإجابة على هذا السؤال تقول انه من المنطقي له في مثل هذه الظروف أن يرد الاعتداء قبل أن تتحقق الجريمة(1).
وعليه فالمقصود بالدفاع الشرعي هو تمتع المدافع بحق ينطوي على طبيعة خاصة يؤهله في لحظة حصول خطر حال يهدد مصلحة يحميها القانون أي بدرء هذا الخطر عن نفسه أو ماله أو نفس أو مال الغير ذلك لان كل شخص معرض في أي لحظة أو وقت لخطر اعتداء غير مشروع مما يضطره إلى الدفاع عن نفس أو مال هذا الغير، ففي كل الحالات اعترف المشرع بحق الدفاع الشرعي لصالح الشخص المعتدي عليه، أو الواقع في خطر حال وغير مشروع، ويترتب على ممارسة هذا الحق نزع الصفة الجرمية عن الأفعال التي تتم خلال هذه الممارسة والتي تشكل عادة جرائم غير معاقب عليها قانونا، ونزع الصفة الجرمية عن هذه الأفعال بحكم القانون يجعل فاعلها غير مسؤول عن ارتكابها لأنه في الواقع ممارس حقا منحه إياه القانون(2).
أما الدفاع الشرعي في القانون الجنائي الجزائري هو استعمال القوة اللازمة لصد خطر اعتداء غير مشروع, و قد إعتبره المشرع سببا من أسباب الإباحة وذلك في الماديتين 39 و 40 من قانون العقوبات الجزائري.
اللتان اقتبسهما من المادتين 328 و 329 قانون عقوبات فرنسي بمعنى أن القانون يقرر الحق في صد العدوان متى كان غير مشروع بصرف النظر عن الحق المعتدى عليهن غير أن هذه الإباحة لا تتقرر إلا بتوافر شروط معينة وذلك حتى لا تباح الجريمة كوسيلة لمواجهة الجريمة إلا إذا كانت لازمة.
وقد نصت الفقرة 2 من المادة 39 من قانون العقوبات الجزائري على الحالات الممتازة للدفاع الشرعي بقولها " يدخل ضمن حالات الضرورة حالة للدفاع الشرعي قتل أو الجرح أو الضرب الذي يرتكب لدفع اعتداء على حياة الشخص أو سلامة جسمه أو لمنع تسلق الحواجز أو الحيطان أو مداخل المنازل أو الأماكن المسكونة أو توابعها أو كسر شيء منها أثناء الليل.
الفعل الذي يرتكب للدفاع عن النفس آو الغير ضمن مرتكبي السرقات أو النهب بالقوة".
والجدير بالذكر أن المشرع الجزائي الجزائري لم ينقل هاتين المادتين نقلا حرفيا عن ماهو موجود في التشريع العقابي الفرنسي بل إنه أخد فقط ما يتناسب مع مجتمعه, و الدليل على ذلك أن المشرع الجزائري جعل المادة 1 من القانون المدني الشريعة الإسلامية مصدرا ثانيا من مصادر القانون و التي جاء فيها :" و إذا لم يوجد نص تشريعي حكم القاضي بمقتضى مبادىء الشريعة الإسلامية " و هذا يعد دليلا قاطعا على عدم إعتماد المشرع الجزائري كنية على القانون الفرنسي . و سوف نتعرض إلى مضمون المادتين 39/ف2 و40 من قانون العقوبات الجزائري بالتفصيل لاحقا.
المطلب الثاني : الطبيعة القانونية للدفاع الشرعي :
إختلف الفقهاء في تحديد طبيعة الدفاع الشرعي فمنهم من يرى بأنه حق و منهم من يرى بأنه واجب بينما يرى جانب أخر أنه مجرد رخصة و سوف نتناول تحليل هذه الآراء وفق الشكل التالي:
الرأي الأول: الدفاع الشرعي حق:
مضمون هذا الرأي أن الدفاع الشرعي حق مقرر للكافة بحيث لا يجوز لأي فرد الحيلولة دون استعماله وهو ليس حقا ماليا شخصيا,إذ لا يفترض وجود مدين يقتضي منه صاحب الحق حقه, وإنما هو حق عام يقرره المشرع في مواجهة الكافة يقابله التزام الناس باحترام وعدم وضع العوائق في طريق استعماله.(1)
لذلك يعد غير مشروع كل فعل يعوق ذلك الاستعمال بل أن المعتدي لو قاوم أفعال الدفاع طالما كانت في حدود الحق فمقاومته غير مشروعة لأنه اعتداء على الحق الذي يقرره القانون(2).
الرأي الثاني: الدفاع الشرعي واجب:
مضمون هذا الرأي أن الدفاع الشرعي ليس حق فقط بل هو واجب في نفس الوقت، وهذا الواجب ليس واجبا قانونيا يترتب عن الإخلال به جزاء وإنما يعتبر واجبا اجتماعيا فرضته الحرص على حماية الحقوق، ذات الأهمية الاجتماعية، لذلك أن من يدفع بالقوة اعتداء غير مشروع لا يعتبر فعله غير مؤاخذ عليه فحسب وإنما يعتبر هذا الفعل من قبل الخدمات التي يؤديها المواطن للمجتمع، بمعنى أن المعتدي عليه عند رده الاعتداء لا يدافع فقط على الحق المعتدي عليه ولكنه يساهم أيضا في الدفاع عن المجتمع.(1)
الرأي الثالث: الدفاع الشرعي:
حسب هذا الرأي لا يمكن اعتبار الدفاع الشرعي حقا لأنه لا يقابله التزام في ذمة شخص معين ولا يمكن كذلك اعتباره واجبا لأنه لا يترتب على الإخلال به أي جزاء بل هو مجرد رخصة يمنحها القانون للمدافع لرد الاعتداء(2).
هذا ونقول أن الرأي الراجح هو أن الطبيعة القانونية للدفاع الشرعي تختلف من حالة إلى أخرى وانه يتمحور بين الحق والواجب والرخصة معنى ذلك أن الدفاع الشرعي في اغلب الأحوال حقا عندما يكون الاعتداء على النفس أو المال المملوك للمدافع في حالة دفاع عن نفس أو مال غيره فمثلا رجل الأمن مكلف قانونا بالسهر على حياة الناس وأملاكهم وسلامة أجسامهم، فإذا ما شاهد بان جريمة توشك على الوقوع على أي حق فمن واجبه الدفاع عن هذا الحق وعندها يكون الدفاع واجبا، ويكون رخصة عندما يتولى المدافع متطوعا الدفاع عن نفس أو مال الغير بمعنى أن المدافع ليس هو المعتدي عليه اي أن الاعتداء لم يقع عليه أو على حق خاص به(3).
المبحث الثاني: مراحل نشأة وتطور الدفاع الشرعي:
أن الدفاع الشرعي يعد من أقدم أسباب الإباحة التي عرفتها البشرية، لان هذا السبب نابع من شعور الفرد بأنه بقدرته الطبيعية حماية نفسه أو ماله عند وقوع اعتداء مفاجئ عليه في لحظة لا يستطيع فيها الالتجاء للسلطات العامة لحمايته لا تقصيرا منها وإنما لاستحالة تحقيق ذلك عمليا هذا وقد عرف الدفاع الشرعي عدة تطورات قبل أن يستقر على صورته الحالية.
وقد اعتبر القانون الروماني الدفاع الشرعي حق للمعتدي عليه يستمد من القانون الطبيعي الذي لا تتغير قواعده بتغير الزمان والمكان.(1)
ثم تغير هذا التكيف في ظل القانون الكنيسي ليصبح الدفاع الشرعي مجرد عذر مقبول لا يرفع عن الفعل صفة التجريم سواء كان عن النفس أو المال أو نفس أو مال الغير.(2)
أما القانون الفرنسي الصادر إبان الثورة الفرنسية فقد عاد إلى اعتبار الدفاع الشرعي حق للمدافع يبيح له درء الاعتداء الواقع عليه.(3)
هذا ولم تخلوا الشريعة الإسلامية باعتبارها أحسن وأحق الديانات السماوية من فكرة الدفاع الشرعي سواء كان ذلك في القران الكريم أو السنة النبوية الشريفة.
وسوف نتطرق إلى أهم المراحل التاريخية التي مر بها تحديد مفهوم الدفاع الشرعي بالتفصيل من خلال مطلبين، نتعرض في المطلب الأول إلى دراسة مبدأ الدفاع الشرعي عند الحضارة الرومانية ثم عند الاروبيين في وقت هيمنة الكنيسة وفي المطلب الثاني نبين كيف تم تحديد مفهوم الدفاع الشرعي أولا في ظل القانون الفرنسي القديم ثم بعد الثورة الفرنسية، وثانيا إلى رأي الشريعة الإسلامية في هذه المسالة مبرزين في نفس الوقت بعض الأدلة الواردة في القران الكريم والسنة النبوية الشريفة والخاصة بالدفاع الشرعي.
المطلب الأول: الدفاع الشرعي عند الرومان و في الفكر الكنيسي:
نتناول في هذا المطلب أولا الدفاع الشرعي عند الرومان و ثانيا الدفاع الشرعي في الفكر الكنيسي.
أولا: الدفاع الشرعي عند الرومان:
اعتبر الدفاع الشرعي منذ أيام الرومان سببا من أسباب الإباحة تنعدم فيه المسؤوليتان المدنية والجنائية، وهذا ينضح من أقوال الفقيه الروماني " جيوس" ومفكر روما الشهير " شيشرون" الذي اعتبره مبدأ من مبادئ القانون الطبيعي وهو أول من نادى به متأثرا بالفلسفة اليونانية التي انتشرت في روما في ذلك العصر.(1)
أن القانون الطبيعي في روما هو القانون الثابت الذي لا يتغير والقائم على مبادئ لا تؤخذ من تقاليد متعارف عليها ولا من قواعد مكتوبة بل كان مصدره الطبيعة وما يكتشفه العقل من روح المساواة والعدل الكامنة في النفس كما جاء في قانون العقوبات الروماني حيث اعتبر القتل مشروعا إذا كان ناجما عن حالة ضرورة للدفاع الشرعي.
وقد حدد الفقيه الروماني شيشرون الدفاع الشرعي بأنه "رد القوة بالقوة" متفقا في الرأي مع المشرعين الرومان الآخرين ومتأثرا في نفس الوقت بالفلسفة اليونانية التي انتشرت في روما آنذاك(2).
ثانيا: الدفاع الشرعي في الفكر الكنيسي:
فقد الدفاع الشرعي في هذه المرحلة الصفة القديمة كحق طبيعي ومشروع وأصبح بحكم موسوعات القوانين الكنيسية مجرد حال اضطرارية ملحة، ولم يعد من شانه أن ينقل الواقعة من الفعل الإجرامي إلى العمل المباح بل أصبح يشكل عذرا يستفيد منه الفاعل ولا تسقط جريمته ولا تزول خطيئته إلا بالمغفرة والصفح عنه من المرجع الروحي المختص بعد قيامه بالندم والتكفير والتوبة ودفع القرابين والاعتزال مدة محددة في مكان مظلم، وقد سيطرة هذه النظرة طوال أجيال في بلدان أوروبا عبر القرون الوسطى لدرجة أن الارادات الملكية القديمة اعتمدت على نظام العفو الخاص الشهير الذي يقضي على من اقترف جريمة قتل إنسان في حالة الدفاع عن النفس بتقديم طلب استرحام خطي إلى الملك جاثما على قدميه حليقا لشعر الرأس وبالدخول تلقائيا إلى زنزانة احد السجون حتى البث في طلب إعفاءه من العقوبة المستحقة بدون محاكمة وقد جرت العادة في الغالب على منح العفو الخاص للفاعل اذا كان الواقع يشكل دفاعا مشروعا(1).
المطلب الثاني: الدفاع الشرعي في الشريعة الإسلامية و الفكر الفرنسي:
نتناول في هذا المطلب أولا الدفاع الشرعي في الشريعة الإسلامية التي أباحت الدفاع الشرعي وأطلقت عليه ما يسمى بـ" دفع الصائل" وثانيا الدفاع الشرعي في الفكر الفرنسي وذلك على اعتبار أن القانون الفرنسي يعد من القوانين التي عرفت تطورات هامة في المجال التشريعي لاسيما من خلال قانون العقوبات الصادر بعد الثورة الفرنسية إضافة إلى كونه يعد من القوانين التي تأثر بها المشرع الجزائري على وجه خاص.
أولا: الدفاع الشرعي في الشريعة الإسلامية:
أباحت الآيات القرآنية والسنة النبوية الشريفة لمن يعتدي عليه أن يرد الاعتداء سواء تعلق الأمر بنفس المعني أو ماله أو بنفس الغير أو ماله ولذلك سوف نتناول أولا الدفاع الشرعي في القران الكريم، وثانيا الدفاع الشرعي في السنة النبوية الشريفة.
ا: في القران الكريم:
اقر القران الكريم للمعتدي عليه أن يرد الاعتداء واصطلح على ذلك تسمية " دفع الصائل" كما جاءت الآيات كتاب الله العزيز الحكيم بالنص على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو ما يطلق عليه الدفاع الشرعي العام أما الدفاع الشرعي الخاص فهو ما يطلق عليه دفع الصائل وهو ما يقابل الدفاع الشرعي في القانون الوضعي(1).
ونورد فيما يلي الآيات القرآنية التي عالجت هذا الموضوع موضحين في نفس الوقت الأحكام الدالة عليها هاته الآيات.
قوله تعالى في الآية 134 سورة البقرة:" فمن اعتدى عليكم فاعتدو عليه بمثل ما اعتدي عيكم واتقوا الله أن الله مع المتقين" وقد اعتبر الفقهاء هذه الآية الكريمة هي الأصل في دفع الصائل واختلفت الروايات في الحكم الذي نولت فيه الآية الكريمة، فعن ابن عباس قال أن الآية نزلت في مكة والمسلمين يومئذ قليلون وليس لهم سلطات تقهر المشركين وكان هؤلاء المشركين يتعرضون لهم بالسب والشتم والأذى فأمر الله المسلمين أن يجازي كل واحد منهم المشركين بمثل ما أوتي إليه(1).
وهذا ويستنتج من قوله تعالى في نفس الآية: " اتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين" أن الله سبحانه وتعالى أباح القصاص بالمثل دون مبالغة في الانتقام من العدو وبمعنى أخر أن الله ينهي المؤمنين عن تجاوز الحد الذي بينه لهم فلا يجوز تجاوز حد الدفاع(3).
وقوله تعالى:" ولتكن منكم امة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر أولئك هم المفلحون" سورة ال عمران الآية 104.
وقوله تعالى:" وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلوكم ولا تعتدون إن الله لا يحب المعتدين" سورة البقرة الآية 190.
ومن هذا المدلول لآيات كتاب الله العزيز يتبن لنا أنها أقرت مشروعية الدفاع الشرعي بأقسامه المختلفة سواء كان على حق تحميه الشريعة لفرد معين وهو دفع الصائل أو الدفاع الشرعي الخاص ام كان هذا الدفاع عن مبادئ المجتمع الإسلامي وقيمه وهو ما يعرف بالأمر عن المعروف ونهي عن المنكر أو الدفاع الشرعي العام
ب: في السنة النبوية الشريفة:
لم تخلو السنة النبوية الشريفة من الأحاديث التي أكدت مشروعية رد الاعتداء على الأنفس والأعراض والأموال، وسوف نورد فيما يلي طائفة من الأحاديث التي تعتبر مصدر للدفاع الشرعي في السنة النبوية الشريفة:
ما رواه أبو داود الترمذي عن سعيد بن يزيد قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:" من قتل دون دينه فهو شهيد"'1).
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لو أن رجلا اطلع عليك بغير إذن فحرفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك جناح" من خلال هذه الأحاديث يتبن كيف استوعبت السنة النبوية الشريفة حق المعتدي عليه في الدفاع عن نفسه و ماله ولكنها لم تقصر في نفس الوقت في تقرير مشروعية رد الاعتداء بالنسبة للغير أيضا وذلك من خلال الأحاديث التالية:
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال:" المسلم اخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن أخيه كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة".
وحاصل القول أن السنة النبوية الشريفة قد جاءت مبينة ومؤكدة لما جاء في القران الكريم فشملت الدفاع عن النفس والعرض والمال والشرف ولم تقتصر السنة النبوية الشريفة على تقرير مشروعية رد الاعتداء لصاحب الحق المعتدى عليه وإنما أقرت هذه المشروعية بالنسبة للغير أيضا.
ثانيا: الدفاع الشرعي في الفكر الفرنسي:
كانت أفكار الكنيسة تهيمن على الفكر الاروبي في القرون الوسطى وتأثرت بها مختلف القوانين الموجودة في ذلك العصر بما في ذلك القانون الفرنسي القديم الذي كان يعتبر الدفاع الشرعي مجرد ضرورة دفعت بالمعتدي عليه إلى استعمال العنف ضد المعتدي مما يبيح التغاضي عن عقابها ويجيز التسامح فيها، فكان مرتكب الفعل في حالة دفاع شرعي يطاله من الملك العفو تماما كمذنب يحتاج إلى العفو وكان الملك ملزما بمنح العفو في جميع الحالات التي يرتكب فيها فعل الدفاع عن النفس(1).
وعند صدور القانون الفرنسي لسنة 1971 أصبح للدفاع الشرعي صفة الحق واعتبر من أسباب الإباحة في المادتين328 و 329 من قانون العقوبات الفرنسي، التي جعلت السبب الوحيد للتبرير غير أن نصوصها ضيقت من تطبيق الدفاع الشرعي، حيث حصر المشرع الفرنسي الأفعال التي يمكن تبريرها في فعل الدفاع عن القتل والجرح والضرب دون سواها في حين أن الأفعال التي يمكن القيام بها دفاعا على النفس أو المال يمكن أن تتعدى نطاق القتل والجرح والضرب(2).
فالشخص الذي يوجد في حالة دفاع شرعي عن النفس أو المال يستطيع بدلا من قتل المعتدي أو جرحه أو ضربه الاستيلاء على السلاح الذي يهدده به دن أن يعد بذلك مرتكبا لجريمة السرقة كما يستطيع حبس المعتدي لمنعه من الاعتداء عليه وحتى يسلمه إلى السلطات العمة بدون أن يعد مرتكب لجريمة حبس الأفراد التي يعاقب عليها القانون وبالرغم من أن القانون العقوبات الفرنسي لم يحدد الشروط الواجب توفرها والقيود اللازمة لمنع تجاوز ممارسة الحق فقد أفسح المجال بذلك للفقه والقضاء لصياغة نظرية متكاملة للدفاع الشرعي ولكن تضارب الآراء للفقهاء والمحاكم في فرنسا بسبب قصور النص لم يمكن الفقه الفرنسي من صياغة نظرية كاملة تغطي جميع التطبيقات وشروط الدفاع الشرعي.(3)
الفصل الأول: أساس الدفاع الشرعي وأحكامه في قانون العقوبات الجزائري:
بعد أن تعرضنا في الفصل التمهيدي إلى مفهوم الدفاع الشرعي والى التطور التاريخي الذي مرت به هذه الفكرة قبل أن تستقر على ما هي عليه في الوقت الحالي.
سوف نخصص هذا الفصل الأول لتوضيح الأساس التي يستند عليه الدفاع الشرعي لتبرير مشروعية فعل المعتدي عليه واعتباره فعلا مباحا غير معاقب عليه قانونا.
كما سنبين أحكام الدفاع الشرعي في قانون العقوبات في قانون العقوبات الجزائري حيث أن المشرع الجزائري قد عدد حالات الدفاع الشرعي في المادتين 39/ف 1 و40 من قانون العقوبات الجزائري، واعتبر كل فعل من شانه درء الخطر المحدق بالمدافع نفسه أو ماله أو مال الغير فعلا مباحا ولكن بشرط توافر شروط معينة في الخطر وأخرى في فعل الدفاع على النحو الذي سوف نبينه لاحقا في الفصل الثاني وأطلق عليها اسم الحالات العادية للدفاع الشرعي وهذا في المادة39/02 ق ع ج غير انه أجاز في بعض الحالات التي تعد من قبيل الضرورة الحالة التخلي عن بعض الشروط من بينها لزوم فعل الدفاع أو تناسب مع درجة الاعتداء وأطلق عليها اسم الحالات الممتازة لدفاع الشرعي، وقد نظمت أحكام هذه الحالات وشروطها في المادة 40 ق ع ج سواء تعلق الأمر بتحديد أساس أو أحكام الدفاع الشرعي ووصولا إلى تحليل كل هذه المواضيع.
وسنتناول بالدراسة في المبحث الأول تحديد أساس الدفاع الشرعي على ضوء النظريات المنظرة لمبدأ الدفاع الشرعي خلال مطلبين.
المطلب الأول نخصصه لبيان تعريف أصحاب نظرية العقد الاجتماعي وأصحاب المنفعة الاجتماعية أما المطلب الثاني فنخصصه لتوضيح الكيفية التي عرف بها الدفاع الشرعي في نظر أصحاب نظرية الإكراه من ناحية وأصحاب نظرية تنازع الحقوق من ناحية أخرى.
المبحث الأول: أساس الدفاع الشرعي:
إذا كان الاعتراف بحق الدفاع الشرعي لا يثير جدلا في التشريعات الحديثة فان أساس هذا الحق يعتبر محل خلاف بين الفقهاء.
فمنهم من يرده إلى فكرة العقد الاجتماعي ومنهم من يرده إلى فكرة المنفعة الاجتماعية وجانب أخر يرده إلى فكرة الإكراه بينما يعتبر البعض الأخر فكرة تنازع الحقوق أساس الدفاع الشرعي وفيما يلي سوف نوضح ذلك من خلال مطلبين نتناول في المطلب الأول نظريتا العقد الاجتماعي والمنفعة العامة وفي المطلب الثاني نظرية الإكراه وتنازع الحقوق.
المطلب الأول: نظريتا العقد الاجتماعي والمنفعة الاجتماعية:
سوف نتناول في هذا المطلب أولا دراسة نظرية العقد الاجتماعي وتبين النقد الموجه لهذه النظرية ثم نتناول ثانيا نظرية المنفعة الاجتماعية وموقفها بالنسبة للدفاع الشرعي والنقد الموجه إليها في هذا الشأن.
أولا: نظرية العقد الاجتماعي:
يرى أصحاب هذه النظرية ومن بينهم "توماس هوبس"(1) و " جون جاك روسو"(2) و " جون لوك"(3) أن الاعتداء الحاصل من شخص على آخر ويبرر حق هذا الأخير في الرد عليه، دفاعا عن النفس، لإنهاء الارتباط بين المعتدي عليه دفاعا عن النفس لإنهاء الارتباط بين المعتدي عليه وبين المجتمع الذي يعيش فيه حيث أن من شروط هذا الارتباط تخلي الفرد للجماعة الممثلة بالسلطة القائمة عن حق وحماية نفسه وسلامته وحقوقه وأمواله على أن تتولى هذه السلطة الحلول محله في تامين الحماية اللازمة والمناسبة لرد الاعتداء عليه(4).
ومنه فان من يتهدده خطر جسيم في ظرف يستحيل معه على السلطة أن تتحرك فيه لسبب من الأسباب لغيابها أو عجزها أو عدم تمكنها من الإسراع في حمايته يكون قد استعاد حقه في حماية نفسه، كما لا يفترض فيه تحمل الاعتداء من قتل أو جرح أو ضرب أو سرقة...الخ.
دون رد فعل منه بحجة الخضوع للقانون الذي يمنعه من رد العدوان عن نفسه بنفس(5).
ما يمكن توجيهه لهذه النظرية أن هذه الفكرة وان كانت تصلح للدفاع عن الحقوق الشخصية فأنها لا تصلح للدفاع عن حقوق الغير(1).
يضاف إلى ذلك أن تبرير الدفاع الشرعي اعتمادا على نظرية العقد الاجتماعي يجعل الدفاع الشرعي أجراء ثانويا مكملا لأعمال الدولة مما يبعده عن طبيعته القانونية كحق شخصي ذي طبيعة خاصة يمكن الفرد اللجوء إليه لرد العدوان الذي يتعرض له، كما أنها تعجز عن تبرير مشروعية فعل التصدي للعدوان الذي يتناول نفس أو مال الغير أو الأموال العامة(2).
ثانيا: نظرية المنفعة الاجتماعية:
يرى أصحاب هذه النظرية من بينهم " إرمابنتم(3) و "جون ستيورات ميل"(4) أن من يد اعتداء يؤدي خدمة إنسانية عليا وعامة مثل حراسة الأمن وجندي الحقوق وحامي الحريات، واذ انه من جهة أخرى يقوم بتخليص المجتمع من مجرم أثم وعدو غادر ويشكل وجوده في الحياة خطر على الكيانات البشرية، ومن جهة أخرى يؤمن انقاد مواطن صالح وعضو نافع في المجتمع يتعرض للهلاك والفناء معنى ذلك انه لا يجوز لمن كان في خطر أن يمتنع عن ممارسة حق الدفاع فلا يمكن له التنازل عن حياته أو سلامته لان هذه المقدسات الأساسية ليست ملكا له يتخلى عنها وانما تعود للمجتمع ولا يجوز المساس بها ولو من قبل صاحبها لان زوالها مرتبط بزوال الجماعات البشرية نفسها (3)
أن هذه النظرية لم تسلم من النقد، اذ في غالب الأحيان ما يدل على أن شخصية المعتدي عليه فاعل الجريمة دفاعا قد لا يقل خطورة إجرامية عن شخص المعتدي الأول وان المصلحة الاجتماعية قد تتعدى القضاء على الاثنين معا، فمن الثابث عمليا أن حالات الدفاع عن النفس لا تقتصر كلها على معتدي مجرم ومعتدى عليه شريف بل أن هذه الحالات تقع بين اشقياء معروفين بين الفريقين تصفية حسابات أو إبراز عضلات أو الانتقام وقد تكتب الغلبة لمن هو أكثر بطشا أو الأمهر في إطلاق النار(1).
المطلب الثاني: نظريتا الإكراه وتنازع الحقوق:
سوف نتناول في هذا المطلب أولا نظرية الإكراه ثم نتناول ثانيا نظرية تنازع الحقوق ونبين في كل مرة النقد الذي وجه إلى كل نظرية فيما يتعلق بالدفاع الشرعي ونحاول أخيرا إبراز موقف المشرع العقابي الجزائري من هذه النظريات محددين النظرية التي اعتمد عليها في تحديد أساس الدفاع الشرعي.
أولا: نظرية الإكراه:
مضمون هذه النظرية هو أن الدفاع الشرعي كسبب من أسباب عدم المسؤولية الشخصية مبني على فكرة الإكراه المعنوي والاضطرابات و الانفعالات التي تستولي على نفس المعتدي عليه والميل الغريزي للإنسان الذي يدفعه إلى المحافظة على نفسه(1) .
بمعنى أن المعتدي عليه حينما يشعر بالخطر تنعدم لديه حرية الاختيار فتتحرك فيه غريزة المحافظة على النفس ويندفع لدرء الخطر الذي يداهمه دون التفكير في طريقة أخرى التي تخرجه من هذه الوضعية التي يكون فيها مهما كانت طبيعتها والمعتدي عليه في هذه الحالة يجد نفسه مكرها نحو الجريمة ودفاعا عن نفسه بحكم غريزة البقاء(2).
وما يمكن توجيهه لهذه النظرية هو انه ليس صحيحا أن فعل الاعتداء يصل تأثيره إلى د إعدام الإرادة تماما بل انه هذا الفعل قد لا يؤدي لا يؤثر على الإرادة مطلقان اذا كان يسيرا، كما يلاحظ أن الإكراه المعنوي يترتب عليه عدم المسؤولية غير انه تبقى صفة الفعل غير مشروعة بينما في حالة الدفاع الشرعي تزول الصفة الإجرامية عند فعل الدفاع الشرعي تماما(3).
ثانيا: نظرية تنازع الحقوق:
مضمون هذه النظرية هو انه في حالة الدفاع الشرعي يقع اصطدام بين حقين ومن مصلحة المجتمع الإبقاء على الحق الأفضل، هذا من جهة ومن جهة أخرى فان الدفاع الشرعي حق خول للفرد استثناء من التجريم وذلك باتفاقه مع أهداف النظام القانوني، وغايات المجتمع وتحقيقه لها فالنظام القانوني يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة ويوازن بين المصالح المتعارضة ويغلب إحداها على الأخرى(1) .
أن نظرية تنازع الحقوق يعاب عليها فقط انه في حالة ما إذا كان الفعلين المتصارعين كلاهما غير مشروع فكيف يؤدي الصراع بينهما إلى انعدام حق المعتدي وانقلاب فعل المدافع غير المشروع إلى فعل مشروع(2).
غير أن هذا الرأي هو الراجح لدى الفقه تأسيسا على انه في حالة الدفاع الشرعي يقع التعارض بين حقين متكافئين من الناحية المجردة وهما حق المعتدي وحق المعتدى عليه، فالأصل أن كل من المعتدي والمعتدى عليه حقهما متساويان غير أن المعتدي باعتدائه قد يجعل حقه غير محترم كما أن بخروجه عن القانون عرض نفسه لخطر الاعتداء المعاكس وعليه أن يتحمل عواقب أفعاله وتتم حماية المجتمع للحقوق لنظر إلى القيمة الاجتماعية للحق وعليه ففي حالة الدفاع الشرعي يكون احد الحقين جديرا بالحماية والأخر لابد من التضحية به ومن ثم فلا مناص من التضحية بحق المعتدى لان عدوانه يهبط بالقيمة الاجتماعية للحق من ناحية ولأنه يصيب حق أخر هو حق المجتمع من ناحية أخرى وعليه فان الدفاع الشرعي يباح لأنه وان أصاب بالاعتداء حقا فانه يصب حقين ادهما للمعتدي والأخر للمجتمع وهذا الأخير صيانته واجبة وفيه تكمن علة الإباحة إلى حد كبير(3).
والجدير بالذكر بناء على ما سبق ذكره أن المشرع الجزائري اعتمد في تحديد أساس الدفاع الشرعي على الأساس المعتمد عليه في نظرية تنازع الحقوق مسايرا بذلك راي غالبية الفقه حيث يرى أن المصلحة العامة تتحقق بتفضيل مصلحة المدافع ( المعتدي عليه) على مصلحة الطرف الأخر( المعتدي) بناء على قاعدة الضرورات تبيح المحضورات.
المبحث الثاني: أحكام الدفاع الشرعي في قانون العقوبات الجزائري:
أن توافر الاعتداء أو خطر الاعتداء وحده لا يعطي للمعتدي عليه الحق في الدفاع الشرعي، ذلك أن المشرع الجزائري لم يبح الدفاع الشرعي الا لرد خطر جرائم معينة وردت على سبيل الحصر كما أن المشرع وبالنظر لجسامة القتل منع الالتجاء إليه إلا في أحوال معينة وهذا ما اتفق على تسميته بالحالات العادية للدفاع الشرعي وهو ما يمثل المطلب الأول من هذه الدراسة كما أضاف المشرع حالات اخرى للدفاع الشرعي اتفق على تسميتها الحالات الممتازة للدفاع الشرعي وهذا ما يمثل المطلب الثاني.
المطلب الأول: الحالات العادية للدفاع الشرعي الواردة في المادة39/2 من قانون العقوبات الجزائري:
اعتبر المشرع الجزائري أن الخطر الذي يقوم به الدفاع الشرعي قد يكون على النفس وقد يكون على المال، حيث نصت المادة 39/2 ق ع ج على ما يلي:" لا جريمة اذا كان الفعل قد دفعت اليه الضرورة الحالة للدفاع المشروع عن النفس أو عن الغير أو عن مال مملوك للشخص أو للغير"(1) .
يتضح من نص هذه المادة أن رد الفعل يجب أن يكون لصد هجوم جعل حياة المدافع في خطر.
أولا: حالة الدفاع الشرعي عن النفس:
والمقصود بالنفس ليس فقط حياة الإنسان بل أيضا مقومات الشخصية الإنسانية من مواهب وصفات وشرف وكرامة ومكانة اجتماعية وعائلية،ى كما يشمل مفهوم النفس جسد الإنسان وأعضاءه وطالما أن النفس الإنسانية لا تقتصر على الروح أو الحياة فقط فان كل ما يمس مقوماته يستوجب الدفاع عنه.
ويعاقب الفاعل عليه ولكن هل يمكن اعتبار الخطر المقصود هو ذلك الذي تنتج عنه الموت؟
الاجابة بالنفي تفرض نفسها اذ أن القول بصيرورة الحياة في خطر لا يعني بالضرورة الموت والمقصود بالخطر هو اختلال التوازن العادي بالنسبة للشخص محل موضوع المجرم وكل ما من شانه أن يخل بذلك التوازن يعتبر خطرا على حياته(2).
ويقصد بجرائم النفس التي تبيح الدفاع الشرعي تلك الجرائم اعتداء على مصلحة تتعلق بشخصية المجني عليه كانسان سواء تعلقت بمكوناتها المادية والمعنوية ومثال ذلك جرائم الاعتداء على الحياة وسلامة الجسم كالقتل والضرب والجرح المشار اليه في المواد من 254 إلى 274 من ق ع ج والتي يتطابق معها نص المواد من 201 إلى 216 من ق ع ج، ونص المادة 274 ق ع ج والتي يتطابق معها نص المواد من 392 إلى 404 من ق ع ج ويستوي أن يكون ذلك بسيطا أو مقترنا بظرف مشدد كسبق الإصرار والترصد ويلحق هذه الطائفة جرائم الاعتداء أو الحرية كالقبض أو الحبس دون وجه حق وارتكاب أمر مخل بالحياء مع امرأة في غير علانية أما جرائم الاعتداء على الحرية الجنسية كهتك العرض سواء بالقوة أو بغير القوة فقد أقرتها التشريعات العقابية ومن بينها المشرع الجزائري في نص المادة 336 ق ع ج التي تبيح القتل ضد فعل الاغتصاب.
اما بخصوص الاعتداءات الحاصلة بالقول والتي يعب عنها بالجرائم الماسة بشرف الإنسان كالسب والقدف، فانه يذهب رأي اغلب الفقه على اعتبار أن مثل هذا الصنف من الجرائم لا يبيح الدفاع الشرعي عن النفس ذلك لأنه لابد من الاعتداء الذي عنه هذا الحق من أن يستخدم في ارتكاب القوة المادية، وان القوة التي تستخدم لدفع مثل هذا الصنف من الجرائم لا تأتي عادة الا بعد وقوع الجريمة فعلا ومن ثم فإنها تاخد صورة الانتقام لا صورة الدفاع الشرعي ومثال ذلك: حالة اذا ما اعتلى شخص مكانا في الطريق العام وبدا في التفوه بشتائم مما يعتبر قذفا أو شيئا موجه ضد شخص أخر معين فيسارع هذا الأخير إلى إمساكه محاولا إسكاته أو حجزه في مكان مغلق بالقوة مما ينجر عنه بعض الجروح.
ثانيا: حالة الدفاع الشرعي عن نفس الغير:
لقد نص المشرع الجزائري في المادة 39/02 ق ع ج على ما يلي:" لا جريمة اذا كان الفعل قد دفعت إليه الضرورة الحالة للدفاع المشروع عن النفس أو الغير".(1)
ومن نص هذه المادة يتبين أن المشرع الجزائري أجاز الدفاع الشرعي عن نفس الغير واعتبره في نفس مرتبة الدفاع الشرعي عن نفس المدافع وبالتالي فكل ما يتعرض اليه بخصوص الجرائم التي تبيح الدفاع الشرعي عن نفس المدافع تنطبق أيضا على نفس الغير، أي أن الجرائم التي تقع اعتداء على مصلحة تتعلق بشخص المجني عليه كانسان وتتعلق بحياته وسلامة جسمه كالقتل والجرح والضرب وتلك التي تعتبر من مقومات الشخصية الإنسانية من مواهب و شرف ومكانة اجتماعية وكذلك جرائم الاعتداء على حرية الغير كالقبض والحبس دون وجه حق وارتكاب فعل مخل بالحياء مع امراة في غير علانية وجرائم السب والقدف وجميع الجرائم التي حمى المشرع العقابي بمقتضاها الفرد(1).
ثانيا: حالة الدفاع الشرعي عن المال:
اعتمادا على نص المادة 39/02 ق ع ج نستنتج أن أن المشرع الجزائري انزل المال منزلة النفس فأباح الدفاع الشرعي ضد أي اعتداء يتهدده وتبعا لذلك يعتبر التشريع الجزائري في هذا المجال من التشريعات الحديثة التي كرست بصورة صريحة الدفاع الشرعي عن المال.
والمقصود بجرائم المال تلك الجرائم التي تتناول بالاعتداء حقا يحميه القانون وذا قيمة اقتصادية، وأما الجرائم التي تتناول الأموال فهي متعددة فمنها من يصيب الأموال وحدها ومنها ما يصيب النفس والمال معا، فمن الجرائم التي تصيب الأموال جرائم السرقة والاغتصاب وجرائم التخريب اما الجرائم التي تصيب المال والنفس معا فمنها الجرائم التي يكون سببها حريق أو استعمال المفرقعات مثلا والتي من شانها تعريض الأنفس والأموال للخطر.
كما يتبين من نص المادة 39/02 ق ع ج أن المشرع الجزائري قد أورد الدفاع الشرعي عن المال سواء أكان مملوك للشخص أو الغير على إطلاقه اما التشريعات الأخرى من بينها التشريع التونسي فقد لزمت الصمت بخصوص هذه المسالة(1) .
المطلب الثاني: الحالات الممتازة للدفاع الشرعي الواردة في المادة 40 قانون العقوبات الجزائري:
تنص الفقرة الأولى من المادة 40 من ق ع ج على مايلي:" يدخل ضمن حالات الضرورة الحالة للدفاع الشرعي:
القتل أو الجرح أو الضرب الذي يرتكب لدفع اعتداء على حياة شخص أو سلامة جسمه أو لمنع تسلق الحواجز أو مداخل المنازل أو الأماكن المسكونة أو توابعها أو كسر شيء منها اثناء الليل".
أن هذه الفقرة الاولى من نص المادة يتيح استعمال جميع الطرق لمقاومة المعتدي كالضرب والجرح أو حتى القتل أن اقتضى الأمر ذلك ويكون حق الدفاع وارد في هذه الحالة سواء تعلق الأمر بالجرائم المرتكبة على النفس أو المال لكن هذه الاباحة ليست مطلقة بل مقرونة بشروط.
فما هي هذه الشروط؟
الشروط الواجب توفرها لتكون أمام حالة من الحالات الممتازة وهي:
1- لابد أن يكون أولا أن يكون الخطر مهددا بالاعتداء على حياة المدافع نفسه كاعطاءه مواد ضارة أو على سلامة جسمه كالضرب الجسيم(1). بمجرد أن يقع خطر من شانه المساس بسلامة الجسم كان يعتدي على المدافع بالضرب المبرح الذي يؤدي إلى إحداث جراح بليغة يترتب عليها عاهات وتشوهات أو مرض يفضي إلى عجز من مزاولة الحياة العملية والعادية مدة طويلة فيقوم الحق في الدفاع الشرعي بالطرق المشروعة(2)
كما أن الاعتداء على حياة الإنسان كإجباره على تناول السم مثلا أو كمية من المخدرات وغيرها من المواد الضارة التي تؤثر على حياته فتهلكه بمنح الحق الحق في الدفاع الشرعي.
2- ويضاف إلى هذه الجرائم الوقعة على النفس، هتك العرض، الاعتداء على امرأة أو إتيانها كرها وتدنيس شرفها بالقوة أو التهديد هي كلها جرائم أباح فيها القانون استعمال كل الوسائل للدفاع بل وحتى القتل(1).
3- أن يكون الاعتداء متمثلا في تسلق الحواجز أو الحيطان أو مداخل المنازل أو الأماكن المسكونة أو كسر شيء منها أثناء الليل، ويستوي في ذلك دخول المنزل أو ملحقاته أن يكون قد تم فعلا أو مازال في مرحلة الشروع ولا اهمبة بعد ذلك أن يكون الدخول من الباب المخصص لذلك أو بتسلق جدار المنازل ليقوم الحق في الدفاع الشرعي(2).
ويوصف بالتسلق الدخول إلى المنازل أو المباني أو الاحواش أو حضائر الدواجن أو اية ابنية أو حدائق وذلك بطرق تسلق الحيطان أو الابواب أو السقوف، ولا يكفي أن يتم الدخول إلى الاماكن بالطرق المذكورة في م 40 ق ع ج لاباحة فعل الدفاع اذ لابد من توفر شرطين أساسين:
1- أن يكون المكان مسكونا فعلا وليس معدا لسكن.
2- أن يكون الدخول تم فعلا في الليل.
أولا: أن يكون المكان مسكون فعلا وليس معدا للسكن فلا يكفي أن يكون معدا للسكن فقط، ولكن لم يسكنه احد بعد ولكن القانون لا يتطلب وجود سكان وقت دخول المعتدي فقد يقع الاعتداء عند مغادرته ويصدر الدفاع من احد الجيران أو الحارس وهنا يكون الفعل مباحا لان الدفاع من الغير يعد مشروعا(3).
ويعد سكن كل مبنى أو دار أو غرفة أو خيمة متى كان الشخص يسكنه على سبيل الدوام والاستقرار، فلا يدخل في هذا الإطار الفنادق و غيرها من أماكن السكن الخاصة.(1)
اما الواقع هي أماكن غير مسكونة ولا مأهولة بالسكان لكنها متصلة به كالحديقة والمخازن الاحواش وجراج السيارة أو اصطبل المواشي(2).
حتى وان كانت محاطة بسياج خاص أو سور عام.
والمشرع استعمل عبارة "أو كسر شيء منها اثناء الليل" نية المعتدي كسر شيء بعد التسلق جازت تسمية الموقف بحالة دفاع شرعي ويكون مثلا بفتح أي أجهزة من أجهزة الإقفال أو بكسره بأية طريقة.
أن الدخول إلى منزل مسكون أو إحدى ملحقاته بتلك الطريقة المذكورة في م 40ق ع ج لا يبيح وحده الدفاع الشرعي اذ لابد ن يتم ذلك ليلا.
ثانيا: يشترط لقيام حالة الدفاع الشرعي أن يقع الاعتداء ليلا، وفي حالة وقوعه نهارا يفقد الامتياز الممنوح له بالمادة40 ق ع ج وبهذا جعل المشرع الجزائري من ميزة الدخول ليلا قرينة على سوء القصد والتهديد بخطر جسيم يبرر نعه بالقوة التي تصل إلى حد القتل، فمن يدخل سكن الغير ليلا دون رضاه ودون أن يكون في وسع حائز المنزل العلم بغرضه، اذ من المتصور أن يكون يريد شرا قد يكون بالغ الخطورة كالقتل أو السرقة أو اغتصاب امرأة أو هتك عرض بالقوة يكون لصاحب المنزل الحق في مقاومته بكل الطرق المشروعة المذكورة في المادة 40ق ع ج .
ويقصد بالليل الفترة الزمنية بعد شروق الشمس وقبل غروبها والمغزى من اشتراط الدخول ليلا لنكون أمام حالة من حالات الممتازة لدفاع الشرعي ما يحدثه الدخول المفاجيء في حلكة الليل من هلع في نفس المدافع والسبب في ذلك كون الليل ظرفا موحشا يتسم الكون فيه بالهدوء بالإضافة إلى صعوبة الاستعانة بالآخرين ليلا. وهو يعطي للجاني فرصة اكبر لإتمام فعلته(1).
والسؤال المطروح هو مجرد الدخول ليلا حسب نص المادة 40 ق ع ج يحمل بذاته فعلا قرينة الإجرام بحيث يصح لصاحب الدار أن يعتبره اعتداء على ماله أو نفسه.
فالمنطق يدعونا لتطبيق الأحكام العامة لنظرية الدفاع الشرعي هذه الحالة يكون المدافع في هذه الحالة مسؤولا عن جريمته على أساس العمد.
الحالة الثانية المنصوص عليها في م 40 ق ع ج .
تنص م /0240 ق ع ج على مايلي: " يدخل ضمن حالات الضرورة الحالة للدفاع الشرعي:
الفعل الذي يرتكب لدفاع عن النفس أو الغير ضد مرتكب السرقات أو النهب بالقوة".
وشرط قيام هذه الحالة:
على أن يهدد الخطر النفس أو المال ويستوي فيها أن يكون الخطر موجها إلى المدافع أو الغير وهذا خلافا للحالة الاولى التي لابد أن يهدد الخطر المدافع نفسه.
ثانيا ان يقع التهديد من أشخاص يرتكبون السرقات أو النهب بالقوة سواء أكان التهديد أو الخطر ليلا، أو نهارا وهذا خلاف الحالة الاولى(2).
أن المشرع اباح حق الدفاع ضد مرتكبي السرقات والنهب بالقوة واعتبره أمرا خطيرا جعل المجتمع تحت رحمة سلطة الأشرار أو قطاع الطرق وشعارهم البقاء للأقوى، لذلك فقد أباح المشرع الدفاع الشرعي في هذه الأفعال حاثا الناس على الدفاع عن حقوقهم ضد السرقات التي ترتكب بالقوة والإكراه ودون التقييد بالشروط التي جاءت بها النظرية العامة للدفاع الشرعي.
وتعالج هذه الحالة جميع أنواع السرقات بالإكراه التي ترتكب في الطرق العمومية(1).
وبهذا فقد أجاز المشرع للفرد أن يدافع عن ملكه أو ملك الغير وعن نفسه وعن نفس الغير ضد مرتكبي جرائم السرقة والنهب سواء حدث ذلك ليلا أو نهارا.
نلاحظ أن المشرع الجزائي قد اباح حق استعمال القتل اذا تعلق الامر بحالة من حالات الممتازة وهو اشد أفعال الدفاع جسامة، وهذا ما لم يسمح به في المادة 39/02 ق ع ج الا بعد توافر كل الشروط منها ضرورة أن يكون الفعل متناسبا مع جسامة الخطر فاذا وجدت وسيلة أخرى لتفادي الخطر الذي يهدده كانت اقل جسامة من القتل بتحطيم السلاح الذي يستعمله أو تمزيق ملابسه أو حبسه الوقت اللازم للاستعانة بالسلطات، أو ضربه حتى يغمى عليه لكنه مع هذا لجا إلى القتل اعتبر هذا تجاوز لحق الدفاع ويكون مرتكبه مسؤولا جنائيا.
أما اذا كان المدافع أمام حالة من الحالات الممتازة فله أن الجرح أو يضرب أو يقتل اذا اقتضت الضرورة ذلك لتفادي الخطر الذي يهدد حياته أو سلامة جسمه، أو للدفاع عن نفسه أو غيره ضد مرتكبي السرقات والنهب بالقوة(2)