yacine414
2011-02-11, 21:26
اساليب و آليات اعادة الادماج الاجتماعي للمحبوسين.doc
مقدمــــة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
مقدمـــة:
لقد ظلت مسألة البحث عن الهدف و الغاية من توقيع العقاب ضد المجرمين و الجانحين محل اهتمام الفكــر البشري طوال عقود من الزمن. فبعد أن كانت العقوبة في العصور القديمة و الوسطى في التشريعات الوضعية شر يقابل شرا ، و أن المجتمع حين يوقع العقوبة فغايته في ذلك ليست حفظ كيانه فحسب بل لتحقيق فائدة في المستقبل أيضا ، إلى جانب أنها وسيلة لإعادة التوازن للمجتمع بعد إخلال الجريمة بقواعد السلوك و النظام الواجبة الاحتـرام و ردع للجاني و تخويف لغيره ، و أنها حسب التعاليم المسيحية تحقيق للمنفعة الاجتماعية مهما بلغت قسوتها ، إذ الجريمــة خطيئة تنطوي على عصيان لتعاليم الكنيسة في التسامح و الصفــح و العيش في سلام و العقوبة إصلاح لما اجتاح المجتمع من اضطراب بسبب الخطيئة ، و في أحكام الشريعة الإسلامية يرمي تطبيق العقوبة الشرعية إلى حمايـة المجتمع من الجريمة من خلال السعي إلى تكوين مجتمع الفضيلة و تكوين جماعة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكـر و المؤمن القوي الأمين و إعادة المجرم إلى حظيرة الإيمان من جهة ، و من جهة أخرى تهدف إلى تحقيق العدالة و القصــاص و ردع المجرم و زجر غيره.
أخذت في العصر الحديث تبريرات مختلفة للغاية من توقيعها فظهرت عدة مدارس عقابية ، فمن فكــرة الردع العام و المنفعة الاجتماعية التي نادى بها الفلاسفة روسو و مونتسكيو و بيكاريا انطلاقا من إقرارهم و دفاعهــم عن مبدإ الشرعية في التجريم و العقاب الذي ينتقد النظم الجنائية السائدة آنذاك و التي تميزت بالقسوة ، إلى فكرة العدالة المطلقة و التدرج في حرية الاختيار بما يفيد الاهتمام بشخص الجاني في تحديد مسؤوليته و التي نادى بها هيجـل و كانت ، إلى فكرة الردع الخاص بإصلاح حال الجاني مستقبلا دون محاسبته عما مضى و التي نــادى بها لومبروزو و فيري و جاروفالو مادام أن الإنسان و نتيجة للعوامل العضوية و النفسية و للمؤثرات و العوامل الخارجية يكـون مجبرا على ارتكاب الجريمة ، و بالتبعية تستوجب إنزال تدبير احترازي لدرء الخطورة الكامنة في شخصه و هو تدبير يتجـرد من الإيلام الذي تتميز به العقوبة ، إلى فكرة الدفاع الاجتماعي التي نادى بها جراماتيكا و انسل و التي مفادها تأهيــل الشخص المنحرف بالشكل الذي يتكيف به مع الجماعة عن طريق انتزاع دوافـع الشر من نفسه و استعادته أخلاقيا و اجتماعيا ، و هذا استنادا إلى فكرة التضامن الاجتماعــي في تحمل المسؤولية عن الجريمة التي لم تعد مجرد واقعـة فردية يتحملها الجاني بمفرده ، بل ظاهرة اجتماعية يتحمل المجتمع قسطا من المسؤولية في وجودها لما فيه من ظـروف و متناقضات دفعت أحد أعضائه إلى السلوك المنحرف، لذا يقع واجب عليه بإعانة المحكوم عليه على إعـادة اندماجه في المجتمع (1).
ــــــــــــــ
(1) لمزيد من الايضاح انظر:
د/ اسحاق ابراهيم منصور: موجز علم الإجرام و علم العقاب ، الطبعة الثانية ، 1991،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر ،ص 125 إلى 144.
د/ محمد صبحي نجم : المدخل إلى علم الإجرام و علم العقاب ، الطبعة الثانية ، 1988 ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، ص 59 إلى 69.
د/ فتوح الشاذلي : علم العقاب ، طبعة 1993 ، الإسكندرية جمهورية مصر العربية ، ص 42 إلى 80.
أ/ احمد هبة : موجز أحكام الشريعة الإسلامية في التجريم و العقاب ، الطبعة الأولى ، 1985 ،عالم الكتب للنشر ، القاهرة ، ص 160 إلى 170.
مقدمــــة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
و قد أخذت معظم التشريعات الحديثة بمبادئ الدفاع الاجتماعي إلى درجة أن أنشأت علما قائما بذاته و هو علم العقاب ، يدرس بالجامعات و يهتم بدراسة الحكمة من فرض الجزاء الجنائي و تحديد افضل الطــرق و انسب
الوسائل و الآليات لتنفيذ هذا الجــزاء، حتى يكون التنفيذ في ذاته محققا للغرض الذي يستهدفه المجتمع بمنع وقوع الجرائم أولا ، و تهذيب المجرم و إصلاحه و تقييمه حتى يكون أهلا للاندماج في المجتمع بعد ارتكاب الجريمة ثانيا.
و التشريع الجزائري واحد من هذه التشريعات ، حيث تبنى بصفة صريحة نظام إصلاح المحكوم عليهم و إعادة تربيتهم و تكييفهم الاجتماعي بموجب الأمر 72/02 المؤرخ في 1972.02.10 المتضمن قانون تنظيم السجـون و إعادة تربية المساجين (1) ، إذ نصت المادة 01 /01 منه على "إن تنفيذ الأحكام الجزائية وسيلة للدفاع الاجتماعي و هو يصون النظام العام و مصالح الدولة و يحقق أمن الأشخاص و أموالهم و يساعـــد الأفراد الجانحين على إعادة تربيتهم و تكييفهم بقصد إعادة إدراجهم في بيئتهم العائلية و المهنية و الاجتماعية".
كما وضع اليات لتنفيذ هذه السياسة العقابية تحت عنوان مؤسسات الدفاع الاجتماعي في الفصل الثاني من البـاب الأول من الأمر المذكور تتمثل في لجنة التنسيق و قاضي تطبيق الاحكام الجزائية.
و نظرا لان امر 72/02 لم يعد قادرا على التجاوب مع المعاملة العقابية الحديثة و عدم توفره على الاليات المناسبـة لضمان تطبيق انظمة اعادة التربية ، تم إلغاؤه بموجب القانون 05/04 المتضمن قانون تنظيم السجـــون و إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين (2) و الذي أكد على النهج الذي انتهجه المشرع الجزائري في ظل الامر الملغــى فيما يخص الاخذ بمبادئ الدفاع الاجتماعي لتبرير توقيع العقاب و تضمن احكاما جديدة مستوحاة من الانعكاسات التي افرزتها البيئة الدولية في السنوات الاخيرة لاسيما من ضرورة التكفــل بحقوق الإنسان و الارتقاء بها الى مستويات مثلى و التي تضمنتها الاتفاقيات و المعاهـدات الدولية ذات الصلة بوضع نظام ناجع يضمن اعادة الادماج الاجتماعي للمحبوسين.
و على صعيد الهياكل و الموارد البشرية و تجسيدا لسياسة إعادة الإدماج الاجتماعي للمساجين ، تم إطلاق برنامج بناء مؤسسات جديدة مصممة بما يتفق و المعايير المطلوبة في مجال حقوق الإنسان بطاقة استيعاب تتســع إلى 36000 مكان احتباس إضافة إلى إعادة تكييف برنامج تكوين موظفي إدارة السجون بما يتماشى و متطلبات المعاملة العقابيـة
الحديثة في إطار عصرنة التسيير الإداري و المالي للمؤسسات العقابية و ترقية النشاطات التربوية و الصحية و النفسيـة للمحبوسين قصد تحضيرهم لإعادة إدماجهم اجتماعيا.
ــــــــــــــ
(1) أمر 72/02 المؤرخ في 1972.02.10 المتضمن قانون تنظيم السجون و إعادة تربية المساجين ، جريدة رسمية عدد 15 لسنة 1972.
(2) قانون 05/04 المؤرخ في 2005.02.06 يتضمن قانون تنظيم السجون و إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين ، جريدة رسمية عدد 12
لسنة 2005.
مقدمــــة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
و قد ارتأينا الخوض في موضوع بحثنا هذا المتمثل في السياسة العقابية الحديثة التي تبناها المشرع الجزائري في ظـل قانون 05/04 انطلاقا من:
- حداثة الإصلاحات المنتهجة و التي تم إثراؤها بمجموعة من التدابير و الصيغ و الآليات الجديدة.
- نقص الكتابات و المؤلفات في التعريف بالسياسة العقابية الجديدة التي من شانها الدفع بوتيرة تفتح قطاع السجون على مختلف فعاليات المجتمع.
و هذا من خلال التطرق إلى مختلف الأساليب و الآليات التي جاء بها المشرع بغرض إعادة إدماج المحبوسين في أحضان المجتمع في ظل القانون الجديد ، مع إضفاء نوع من المقارنة بينها و بين الأساليب و الآليات المنصوص عليها بالأمـر 72/02 الملغى ، و هذا من خلال الإجابة على الإشكاليات التالية:
- ماهي أساليب المعاملة العقابية المطبقة في الوسط المغلق و خارجه؟
- ماهي الأنظمة و الآليات المستحدثة للتجسيد الحقيقي لسياسة إعادة الإدماج؟
مع تدعيم بحثنا بالإجراءات المتخذة و الإحصائيات المسجلة في هذا الميدان من قبل وزارة العدل للإجابة عن إشكالية اكبر و هي مدى فعالية و كفاية الأساليب و الآليات المعتمدة في تحقيق الغرض المنشود.
و بناء على ما سبق سوف، نتناول في هذا البحث أساليب و آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمساجين في ظل القانون 05/04 وفقا لما يلي:
الفصل الأول: أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين.
الفصل الثاني: أنظمة وآليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوســين.
الفصل الأول : أساليب إعادة التربية و الادماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
الفصل الأول:
أساليب إعادة التربية و الادماج الاجتماعي للمحبوسين
لقد نظم المشرع الجزائـري أساليب و طرق اعادة التربية و الادماج الاجتماعي للمساجين في الباب الرابـع من قانون 05/04 و قسمها الى مرحلتين : اعادة التربية في البيئة المغلقة أي داخل المؤسسة العقابية ، و إعادة التربية خارج البيئة المغلقة باعتماد وسائل تختلف باختلاف مرحلة الاحتباس ، و جعلها تخضع لرقابة هيئات قضائية تسهـر على متابعتها و دعم اليات اعادة تربية المحبوسين لادماجهم اجتماعيا. لذا سنتطرق في هذا الفصـل إلى إبراز أساليب إعادة التربية و الادماج الاجتماعي في كل بيئة.
المبحث الأول:
أساليب إعادة التربية و الادماج الاجتماعي في البيئة المغلقة.
تتنوع أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين في الوسط المغلق الذي يشمل مجموعـــة مؤسسات نص عليها المشرع الجزائري في قانون تنظيم السجون الجديد، لذلك سنتطرق إلى تبيان مؤسسات البيئة المغلقة في مطلب أول ، ثم نعدد مختلف الأساليب المنتهجة في مطلب ثان.
المطلب الأول: مؤسسات البيئة المغلقة.
لم يعرف المشرع الجزائري مؤسسات البيئة المغلقة و إنما ذكر بعض مميزاتها من خلال نص المـادة 25/3 من القانون 05/04 بقوله " يتميز نظام البيئة المغلقة بفرض الانضباط و باخضاع المحبوسين للحضور و المراقبة الدائمة "، كما انه تطرق الى تصنيفها بموجب المادة 28 و ما يليها الى مؤسسات و مراكز متخصصة.
أما علماء العقاب فقد عرفوها بانها سجون مرتفعة الاسوار بشكل ملحوظ ، قاتمة الالوان ، تعتمد نظام الحراسـة المشددة و المكثفة في الداخل و الخارج ، تكون معاملة المساجين فيها قاسية و حريتهم مسلوبـة تماما مع إخضاعهم للجزاءات التأديبية في حالة اخلالهم بنظام الاحتباس (1) على اساس ان الراي العام لازال ينظر الى مرتكبي الجرائم على انهم أفرادا خطرون مما يلزم عزلهم عن المجتمع تفاديا لاضرارهم و ردعا لهم (2).أما في العصر الحديث فـان نظام البيئة المغلقة يعد اسلوبا من اساليب المعاملة العقابية يهدف اساسا الى تحقيق اعادة التاهيل الاجتماعي للمساجين باخضاعهم الى طرق علاجية داخلها.
على أن هذا النظام لا يعزل المحبوسين عزلا تاما عن العالم الخارجي بل قرر لهم حق الزيارات و المحادثة ، حق المراسلات ، حق الحصول على الجرائد و الطرود و النقود الضرورية لاستهلاكهم الشخصي (3).
ــــــــــــــ
(1) د/ اسحاق ابراهيم منصور : المرجع السابق ، ص 180.
أ/ طاشور عبد الحفيظ : دور قاضي تطبيق الأحكام القضائية الجزائية في سياسة إعادة التأهيل الاجتماعي في التشريع الجزائري، طبعة 2001،
ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر، ص 93.
(2) أ/ محمد صبحي نجم: المدخل إلى علم الإجرام و علم العقاب، المرجع السابق ، ص 76.
(3) المواد من 57 الى 79 من قانون 05/04.
الفصل الاول: اساليب اعادة التربية و الادماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
و قد صنف المشرع الجزائري مؤسسات البيئة المغلقة الى صنفين : (1)
- المؤسسات و تشمل مؤسسة الوقاية ، مؤسسة اعادة التربية ، و مؤسسة اعادة التاهيل.
- المراكز المتخصصة و تشمل مراكز متخصصة للنساء و مراكز متخصصة للأحداث.
و نظام البيئة المغلقة هو اكثر الانظمة العقابية استعمالا في النظام العقابي الجزائري ، و مرجع ذلك النسبة العالية للعقوبات القصيرة المدة التي تصدر عن المحاكم الجزائية سنويا و التي لا يمكن معها تسطير علاج عقابي يتماشى و المفهوم المتعارف عليه لهذه العملية (2).
و قد نظمت وزارة العدل ندوة وطنية لاصلاح العدالة يومي 28 و 29 مارس 2005 على شكل ورشات أهمها ورشة إصلاح المنظومة العقابية و الـتي أوصت في ختام اشغالها ببناء مؤسسات عقابيـة وفق المعايير الدولية الحديثة تضمن الظروف الانسانية للاحتباس و اعداد خريطة عقابية تراعي نشاط الجهات القضائية و الجانب الديمغرافي و تصنيف المساجين و اخراج السجون من الوسط العمراني (3).
المطلب الثاني: الرعاية النفسية و الاجتماعية و الصحية للمحبوسين.
الفرع الاول: الرعاية النفسية.
هناك مجموعة أمراض نفسية تصيب الفرد في قواه النفسية كالغرائز و العواطف و تؤدي الى انحراف نشاطها على نحو غير طبيعي يصل الى حد ارتكاب الجرائم.
و حسب علماء علم الاجرام ، فحالات الشذوذ النفسي التي لها صلة وثيقة بالاجرام تجعل من الفرد غير قادر على التحكم في غرائزه و يتميز بسلوك اجتماعي منحرف ، بحيث يرتكب اعمالا عدائية للمجتمع (4).
و في داخل السجن تنشأ علاقات إنسانية عميقة بين المساجين انفسهم ، او بينهم و بين الاعوان ، و بذلك يلعب السجن دورا هاما في اعادة بعث المهارات النفسية في نفوس المساجين و منها مهارة الاتصال التي تساعدهم على حل او تجنب المشكلات النفسية الناجمة عن الجو المغلق الذي تفرضه ظروف الاحتباس ، مما يساعــد على تنمية قدرات السجناء العقلية التي تساعدهم في اعادة الاندماج مستقبلا في المجتمع.
و لاجل تحقيق ذلك ، فقد تم تعيين مختصين في علم النفس في كل مؤسسة عقابية تطبيقا لنـص المادة 89 من قانون 05/04 و هذا لاجل الاتصال بالمساجين ، و قد حددت المادة 91 دور الأخصائي في علــم النفس و المتمثل في التعرف على شخصية المحبوس و رفع مستوى تكوينه العام و مساعدته على حل مشاكله الشخصية و العائلية و ذلك من خلال الاتصال بالمساجين داخـل القاعات أو الفناءات أو في أي مكان يتواجدون به حيث يلاحظهم عن قرب و يتحدث معهم او عن طريق اللقاءات الفردية بمكتب الفحص و العلاج.
ــــــــــــــ
(1) المواد من 28 الى 32 من نفس القانون.
(2)أ/ طاشور عبد الحفيظ : المرجع السابق ، ص 93.
(3) مجلة رسالة الادماج: المديرية العامة لادارة السجون و اعادة الادماج، العدد الثاني لسنة 2005، دار الهدى للطباعة و النشر، ص 17.
(4) د/ إسحاق إبراهيم منصور: المرجع السابق، ص 49.
الفصل الأول: أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
فالسجين يتخـــذ في السجن عدة مظاهر للتعبير عما يختلج في نفسه سواء باللفظ كالثرثرة و النميمة و التلفيـق ( عن طريق مخالطة المساجين الجدد الذين يزودونه باخر اخبار العـالم الخارجي ، أو عن طريق الاتصال بمن سبقه الى السجن و الذين يزودونه باخبار العالم الداخلي فيتخلـــى عن الصفات الشخصية و الطبائـع الذاتية و يذوب في
الشخصية الجماعية الجديدة بالتقليد ) ، و سواء بالكتابة اين يجد السجين مخرجا للتنفيس عن حياته الماضية او معاناته الحالية و عواطفه فيسلمها الى الاخصائي النفساني قصد الاطلاع عليها او يحتفظ بها لنفسه ، و قد يعبر السجــين بالكتابة شاكيا لمدير السجن او لاي موظف مختص و حتى للمنظمات الوطنية و الدولية الصعوبات التي يعاني منهـا داخل السجن ، و في حالات اخرى يقوم بالخربشة على الطاولات و الكراسي و المراحيض و الفناءات لتمرير رسائل معينة كالوشاية بمسجون او باحد الحراس أو لتحديد مواعيد مشفرة و اشارات غرامية.
كما قد يتخذ السجين وسائل اخرى للتعبير كالاضراب عن الطعام محاولا جلب انظار مسؤولي السجن و السلطات القضائية لمشاكله و التاثير عليهم للاسراع في اتخاذ اجراء معين لصالحه ، و قد يلجأ الى تشويه جسمه و محاولـــة الانتحار كرسالة انذار لحالة الياس التي يعيشها.
اضافة الى كل ما سبق ، هناك انماط اتصال اخرى تصدر عن السجين تساعد الاخصائي النفساني على مراقبة و معرفة مرجعية سلوكــه كالتعابير و الارتسامات الوجهية مثل الضحك و الحزن ، و حركات اليد كالرفـض و الوداع و استعمال الحيز المكاني كالمكوث في مكان واحد مدة طويلة و حتى انخفاض و ارتفاع الصوت و الاهتمام بالنظافة او التفريط فيها ، فهي كلها دلالات لحالات نفسية يريد السجين من وراءها الحصول على العلاج المناسب.
و الأخصائي النفساني لنجاح مهمته يعتمد على مجموعة مهارات من خلال اتصاله بالمساجين و هي تتمثل في:(1)
- مهارات الاتصال اللفظي: و يتم بمكتب الفحص و العلاج حيث تكون للمسجون كامــل الحرية في التعبير عن مشاعره و افكاره و تطلعاته ، أين يقوم الأخصائي النفساني بالاستماع إليه باهتمام و اعطائه الاعتبار اللازم من خلال التشجيع احيانا و التوجيه احيانا اخرى ، و تزويده بصورة عن التصرفات الواجب التقيد بها اتجاه المجتمع محاولا بذلك تغيير فكرة شخصية المجرم التي يحملها عن نفسه و التي نمت لديه داخل السجن ، مما يبعث ثقة لديه تؤهله للتاقلم بدون مشاكل و لا عقد نقص اتجاه الاخرين و تساهم في اعادة اندماجه في المجتمع.
- مهارات الاتصال الجسمي: و تقوم على وضع السجين في حالة استرخاء تام فوق اريكة و دعوته للتخلــي عن الأفكار المزعجة و المقلقة ، حتى يتم إدخال أفكار سارة في تفكير المسجون بالاستعانة بالصـور الجميلة و الموسيقى المريحة مع قيام الاخصائي بتمرير يده من حين لاخر على جبهته او يديه لتحسس الحرارة المتدفقة اليها.
- مهارة الاتصال الجماعي :حيث يقوم الاخصائي النفساني باصطحـاب سجين أو أكثر لحضور الخطب و الدروس الدينية التي يلقيها إمام منتدب من طرف مديرية الشؤون الدينية داخل السجن بما يساعدهــم على تحسين سلوكهم و الالتزام بتعاليم دينهم في السجن ، كما يقوم بزيارات إلى مختلف أجنحة السجن للوقوف على المشاكـل الشخصية ــــــــــــــ
(1) أ/ امزيان وناس : دور الأخصائي النفساني بالوسط العقابي ، مقال منشور بمجلة رسالة الإدماج ، العدد الثاني: المرجع السابق ، ص28.
الفصل الأول: أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ و الاجتماعية للمساجين من خلال محاورتهم و مشاركتهم بعض الألعاب و الجلوس معهم في الفناء و في اوقات تناول الوجبات الغذائية فيحاول خلق جو من التآخي و التفاهم بينهم. و بالنسبــة للمساجين الطلبة و الممتهنين ، يعمل الأخصائي على تزويدهم بنصائح تخص كيفية مراجعة الدروس و الاستفادة منها و التحضير للامتحانات دون خوف،
كما يقوم بالاتصال بأهالي المساجين خلال محادثتهم فيتعرف على طرق التعبير لدى المساجين من محيطهـم الأصلي و كذا سلوكهم امام اوليائهم فيقدم لهم بعض التوجيهات اللازمة التي تخدم المسجـون أثناء تأدية عقوبته.
- مهارات الاتصال عن بعد: حيث يتم إصدار مجلة تحت إشراف الأخصائي النفساني تسمح للمساجين المساهمة فيها بكتاباتهم ، كما يعمل الأخصائي على تنشيط حصص تبث عبر الإذاعة الداخلية للمؤسسة العقابية أين يقدم خطابات مباشرة أو مسجلة توجه للمساجين الذين يمكنهم متابعتها على شاشة التلفـاز أو الراديو مباشرة من السجن.
و من بين الاحكام الجديدة التي تضمنها قانون 05/04 النص على وجوب استفـــادة المحبوسين من الفحص النفساني عند الدخول و الخروج من المؤسسة ( المادة 58 ).
الفرع الثاني: الرعاية الاجتماعية.
تعتبر الرعاية الاجتماعية عنصرا من اهم عناصر البرامج التاهيلية للمساجين لذلك حرص المشرع الجزائري على تعيين مساعدات و مساعدون اجتماعيون في كل مؤسسة عقابية ( المادة 89 ) يشكلون مصلحة مستقلة تعمل على ضمان المساعدة الاجتماعية للمساجين و المساهمة في تهيئة و تسيير اعادة ادماجهم الاجتماعي ( المادة 90 ).
و يكمن دور المساعدون الاجتماعيون في دراسة مشاكل المساجين الاسرية و المادية و الاستعلام حولها منذ لحظة دخولهم السجن خاصة و ان المسجون قد يترك وراءه اسرة تقتات من جهده و تحيا لمجرد وجوده بينها فيحاولون إيجاد الحلول المناسبة لها و اخطاره بها فترتاح نفسيته و ينقاد للنظام و التاهيل بنفس مطمئنة (1).
و حسب الأستاذ بطاهر تواتي فان طرق تطبيق المساعدة الاجتماعية يكمن في ضمان الصلة بين المؤسسات العقابية و مختلف المؤسسات الاجتماعية الخارجية من جهة ، و من جهة اخرى بين المحبوسين و الادارة العقابيـــة "dans les modalités d’exécution l’assistance sociale assure la بقوله و عائلاتهم liaison et facilite la collaboration ,d’une part, entre les établissements dans lesquels elle est engagée et les différents services sociaux extérieurs d’autre part , entre les détenus et l’administration pénitentiaire ainsi que leurs famille et , enfin , sous sa réspensabilite , entre ces derniers et les services sociaux locaux (2).
على أن يوضع المساعدون الاجتماعيون تحت سلطة المدير و يباشرون مهامهم تحت رقابة قاضي تطبيق العقوبــات ( المادة 89 ).
ــــــــــــــ
(1) د/ فتوح الشاذلي: المرجع السابق ، ص 272.
(2) Bettahar Touati : organisation et système pénitentiaires en droit algerien , 1ere édition ,
office national des travaux educatifs , 2004 , p 46.
الفصل الأول: أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
كما يعمل الأخصائيون الاجتماعيون على تنظيم اوقات الفراغ للمحبوسين حتى لا يسقطون في فـخ الاستسلام لماضيهـم الأسود ،و بالتالي اليأس من التغيير في حالتهم و التفكير في إيذاء أنفسهم أو المحيطين بهم.
على أن الرعاية الاجتماعية تعتمد على وسيلة أخرى لها من الفعالية ما يساعد على تأهيل المسجونين تتمثل في كفالة الاتصال الخارجي بين المحبوس من جهة ، و أفراد أسرته و أصدقائه و بالمجتمع ككل من جهة اخرى نظرا لما له من تأثير ايجــابي على نفسية المحبوس و يتم ذلك بـ:
- السماح بالزيارات و المحادثة : حيث تمنح تراخيص للآخرين لزيارة المحبوسين المحكوم عليهم نهائيا أو مؤقتا داخل المؤسسة العقابية و قد جاء القانون 05/04 باحكام جديدة في هذا المجال دعما لحقوق المحبوسين و أنسنة المعاملــة و ذلك بـ :
* توسيع قائمة الأشخاص المستفيدين من الترخيص بالزيارة إلى غاية الدرجة الرابعـة للأصول و الفروع، و الدرجة الثالثـة للاصهار.
* الترخيص للجمعيـات الإنسانية و الخيرية و رجال الدين بزيارة المحبوسين متى تبين أن في زيارتهم فائــدة لإعادة إدماجهم ( المادة 66/2،3).
* إجراء المحادثة بين المحبوس و زائريه دون فاصل من اجل توطيد أواصر العلاقات العائلية للمحبوس من جهة ،و إعادة إدماجه اجتماعيا أو تربويا من جهة اخرى ( المواد 50 ، 69 ، 119).
* الترخيص للمحبوسين بالاتصال بعائلاتهم بمناسبة التحويل أو المرض أو البعد و ذلك باستعمال وسائل الاتصال عن بعد ( المادتين 72 ،119 ).
* تمكين المحبوس من الممارسة الكاملة لحقوقه الشخصية و العينية في حـدود أهليته القانونية و ذلك بتلقيه زيــارة الأشخاص المؤهلين و استيفاء الاجراءات الادارية التي يفرضها القانون ( المادة 67 ).
* كما تضمن القانون الجديـد أحكاما أكثر مرونة للتكفل بفئتي الأحداث و النساء في مجال الرعاية الاجتماعية، فإلى جانب اعتماد نظام الزيارات دون فاصل ( 50 ، 119 ) نص في المادة 125 منه على صلاحية مدير مركـز إعادة تربية و إدماج الأحداث أو مدير المؤسسة العقابية في منح الحدث المحبوس أثناء فصل الصيف إجازة لمدة ثلاثين ( 30) يوما، يقضيها عند عائلته أو بإحدى المخيمات الصيفية أو مراكز الترفيه و اشترط فقط اخطار لجنة اعادة التربية دون أخذ رأيها كما كان في ظل الامر الملغى ، كما رفع مجموع مدد العطل الاستثنائية إلى 10 أيام بدلا من 07 في كل ثلاثة أشهر التي كانت سابقا ، و في هذا الإطار نظمت عطلة صيفية لفائدة عدد من المحبوسين الأحداث لمدة 09 أيام خلال صيف 2005 بغابة مسيلة بوهران أشرفت عليه الكشافـة الإسلامية الجزائرية (1) ، في حين نصت المادة 50 على جعل المحبوسة الحامل تستفيد من ظروف احتباس ملائمة و حال وضعها لحملها تسهـر إدارة المؤسسة العقابية بالتنسيق مع المصالح المختصة بالشؤون الاجتماعية علـى إيجاد جهة تتكفل بالمولود و تربيته ( المادة 51).
ــــــــــــــ
(1) مجلة رسالة الإدماج: العدد الثاني، المرجع السابق ، ص 48.
الفصل الأول: أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
- اعتماد نظام المراسلات : بتبادل الرسائل بين المحبوسيـن و أقاربهم أو أي شخص اخر و العكس شريطة ألا يخل ذلك بأمن المؤسسة العقابية أو بإعادة تربية المساجـين و إدماجهم في المجتمع ( المادة 73 ) ، و الهدف من كل ذلك الحفاظ على روابط الاتصال بين المحبوس و محيطه الخارجي فلا يحس بالوحـدة و انقطاعه عن أخبار أقرب الناس إليه خاصـة و أن نظام الزيارات مقتصر على فئة معينة لا تشمل كل معارف المحبوس و أصدقائه ،و يدخل في هذا النظام الحق في تلقي الحوالات البريدية او المصرفية و الطـرود و الأشياء التي ينتفع بها المحبوس في حدود النظام الداخــلي للمؤسسة العقابية و تحت رقابـة إدارتها ( المادة 76 ).
على أن للمحبوس الحق في تقديم شكوى و تظلم عند المسـاس بأي حق من الحقوق السالفة الذكر إلى مدير المؤسسة العقابيـة لاتخاذ كل الإجراءات القانونية اللازمة في شأنها ، مع تقييـد حق المدير في الرد على هذا التظلـم خلال 10 أيام مـن اتصاله به تحت طائلة إخطار قاضي تطبيق العقوبات مباشرة من طرف المحبوس.
و في المقابل قد يتم الحد من حق مراسلة المحبوس لعائلته لمدة لا تتجاوز شهرين على الأكثر أو الحد من الاستفادة من المحادثة دون فاصل و من الاتصال عن بعد لمدة تتجاوز شهرا واحدا أو المنع من الزيارة لمدة لا تتجاوز شهر واحد فيما عدا زيارة المحامي ، متى أخل المحبوس بالقواعد المتعلقة بسير المؤسسة العقابية و نظامها الداخلــي و أمنها و سلامتها أو اخل بقواعد النظافـة و الانضباط داخلها ( المادة 83 ).
الفرع الثالث: الرعايـة الصحيـة.
لقد كفل المشرع الجزائري الرعاية الصحية لكل محبوس منذ دخوله للمؤسسة العقابية إلى غاية الإفراج عنه خاصة متى كان المرض هو العامل الذي كان له اثر في انحراف المجـرم ، إذ تنص المـادة 61 من قانون 05/04 على وضع المحبوس المحكوم عليه الذي ثبتت حالة مرضه العقلـي أو الذي ثبت إدمانه على المخدرات أو المدمن الذي يرغب في إزالة التسمم بهيكـل استشفائي متخصص لتلقيه العلاج.
و الرعاية الصحية تتناول جانبين: الوقاية و العلاج.
أولا- الوقاية: يقـال أن الوقاية خير من العلاج لذا حرص المشرع الجزائري من خلال قانون 05/04 على النص على مجموعة من الأحكام للحيلولة دون إصابة المحكوم عليهم بالأمراض سواء المتنقلة أو المعدية تشمل قواعد الصحة و النظافة داخـل أماكن الاحتباس سواء تعلـق الأمر بالهيكل المادي للمؤسسات العقابية أو بالمساجين.
أ- الهيكل المادي للمؤسسات العقابية:
يجب أن تقام مباني المؤسسة العقابية على حسب أصول الفن الهندسي بحيث تشمل أماكن مخصصة للعمـل و أخرى للتعليم و الترفيـه و أخرى للنوم بشكل يجعلها معرضة للشمس و الهواء الطلق و مزودة بالكهرباء ، مع تخصيص أماكن لدورات المياه يقضي فيها المساجين حاجاتهم.
و مع ذلك أضاف المشرع أحكاما أخرى تساهم في دعم الرعاية الصحية داخل هذه المؤسسات ، إذ وضع التزاما على عاتق طبيب المؤسسة العقابية أن يتفقد مجموع الأماكن بها و يخطر المدير بكل معاينة للنقائص أو كــل
الفصل الأول: أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
الوضعيات التي من شانها الإضرار بصحة المحبوسين (1) و هـذا لاتخاذ التدابير الضرورية للوقاية من ظهور و انتشـار الأوبئة أو الأمراض المعدية حتى و إن اقتضى الأمر التنسيـق مع السلطات العمومية المؤهلة (2) ،كما اخضــع كل المؤسسات العقابية و المراكز المتخصصة بالنساء و المراكز المتخصصة للأحداث إلى مراقبة دورية (3) يقوم بها القضـاة و حتى الوالي مع إعداد تقارير تقييمية لسير هذه المؤسسات توجـه إلى وزير العدل بما فيها مدى توفر شروط الرعاية الصحيـة داخلها.
على أن المحافظة على نظافة أماكن الاحتباس جعل منها المشرع الجزائري واجبا من واجبات المحبوسين لأنهـا شرعت لأجلهم بالدرجة الأولى ، لذلك نص علـى أن يعين في كل مؤسسة عقابية محبوسين للقيام بالخدمة العامة من أجل المحافظة على النظافة مع مراعاة الظروف الصحية لهم (4)، تحت طائلة تعرض المحبوس للعقوبات التأديبية المنصوص عليها في المادة 83 من قانون 05/04 في حالة الإخلال بقواعد النظافة بأعمال مختلفة تشمل الأماكن و صيانة المباني و نظافة المطابخ و الساحـات و الأماكن المشتركة.
ب- نظافة المحبوس و تغذيته:
تشمل نظافة المحبوس جسمه و ملابسه لذا يجب على كل مؤسسة عقابية توفير الإمكانيات اللازمة لمتابعة ذلك من ماء ساخن و صابون و استحمام و حلاقة شعر و قص للأظافر على أن يتاح للمسجون الانتفاع بها بشكل دوري ، كما يجب تزويد المساجين بملابس ملائمة للظـروف المناخية صيفا و شتاء و تختلف باختلاف نوع العمـل الذي يكلفون به ( العمل في الورشة ، المطبخ ، الرياضة ، التعليم ...) ، و ذلك بهدف عدم إشعار المحبوس بالاحتقار و رفع معنوياته باستمـرار إلى جانب الحفاظ على صحته.
و في مجال الوقاية من الأمراض نصت المادة 58 من قانون 05/04 على ضـرورة فحص المحبوس من طرف الطبيب عند دخوله الى المؤسسة العقابية و عند الافراج عنه و كلما دعت الضرورة لذلك ، و هذا لتشخيـص حالته و اتخـاذ الإجراءات اللازمة التي تحول دون تعرض المحبوس لمرض ما أو تقديم العلاج المناسب إذا ما تبين أن المحبوس يعـاني أعراضا صحية معينة.
و في نفس الإطار أعفى المشرع الجزائـري من خلال نص المادة 48 المحبوس مؤقتا من العمل باستثناء العمل الضروري للحفاظ على نظافة أماكن الاحتباس و من ارتداء البذلة الجزائية بعد اخذ راي طبيب المؤسسة العقابية، كما أوقف تنفيذ إجراء الوضع في العزلة كتدبير تأديبي ضد المحبوس على ضرورة استشارة الطبيب و الأخصائي النفسـاني للمؤسسة العقابية و في حالـة اتخاذ هذا الإجراء يظل المحبوس محل متابعة طبية مستمرة ( المادة 85 ).
ــــــــــــــ
(1) المادة 60 من قانون 05/04.
(2) المادة 62 من نفس القانون.
(3) المادة 33 و ما بعدها من نفس القانون.
(4) المادتين 80 و 81 من نفس القانون,
الفصل الأول: أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
و إذا كان المحبوس امرأة حامل فإن رعايتها الصحية تتطلب اهتماما من نوع خاص لاسيما من حيث التغذية المتوازنة و الرعاية الطبية المستمرة ، فلا تكلف بأعمال شاقة ترهقها أو تضعف مقومات تكوين الجنين تكوينا سليما، و في حالة الوضع تسهـر إدارة المؤسسة العقابية على إيجاد جهة تتكفل بالمولود و تربيته بالتنسيق مع المصالح المختصة بالشؤون الاجتماعية ، و في حالة تعذر ذلك يسمح للمرأة بالاحتفاظ بمولود ها معها إلى غاية بلوغه ثلاث سنوات مع إحاطتها بظـروف احتباس ملائمة ( المادتين 50 و 51 ).
و يدخل كذلك في مجال الرعاية الصحية للمسجون من الناحية الوقائية توفير الغذاء الملائم له حسب سنه (1) و حالته الصحية و نوع العمل الذي يؤديه حتى لا يصـاب بأمراض نقص التغذية تجعله يعجز عن القيـام بواجباته ، و يسهر طبيب المؤسسة العقابية على مراقبة نوعية الغذاء المقدم للمساجين في إطار مهام مراعاة قواعد الصحة داخـل أماكن الاحتباس.
ثانيـا- العـلاج: و يكون في مرحلة لاحقة على الوقاية ببيان الوسائل الواجب اتخاذها إذا ثبت المــرض أو وقعت الإصابة به فعلا ، و نظرا لأن العلاج الطبي حق من حقوق المساجين تلتزم به الدولة فقد نص المشرع الجـزائري في المادة 57 من قانون 05/04 على أن يستفيد المحبوس من الخدمات الطبية في مصحة المؤسسة العقابية و عند الضرورة في أي مؤسسة استشفائية اخرى.
و ذهب المشرع إلى أبعد من ذلك حينما نص على وجوب إخضاع المحبوس الرافض للعلاج للعلاجات الضرورية تحت مراقبة طبية مستمرة إذا أصبحت حياته معرضة للخطر ( المادة 64/3 ) ، لأن رفض العلاج في نظره مرده الحالة النفسية السيئة التي يعيشها المحبوس إلى درجة التفكير و العمل علـى الإضرار بنفسه ، و قد تم إبـرام اتفاقية بتاريخ 1997.05.13 بين وزارة العدل و وزارة الصحة و السكان بخصوص التغطية الصحية الشاملـة على مستوى المؤسسات العقابية ( 2) بما فيها تكوين و هيكلـة الأطباء و الممرضين العاملين بأماكن الاحتباس.
و من الناحية الإدارية يتولى الطبيب فتح ملف طبي لكل سجين مريض يسجل فيه كل المعلومات الطبية الخاصة به لاسيما تاريخ الفحص، تاريخ الشفـاء، تحويل المحبوس لتلقي العـلاج خارج المؤسسة العقابية و عزله عن باقـي المساجين.
و بالنسبة للنساء المحبوسات الحوامل نصت الاتفاقية على أن عملية الوضع تتـم إجباريا بالمصحات العامة.
في حين إذا ثبت وجود محبوس يعاني من مرض عقلي أو مدمن على المخدرات أو أن مدمنا يرغب في إزالة التسمم فإنه و حسب نص المادة 61 يتعين وضعه بهيكل استشفائي متخصص لتلقي العـــلاج.
ــــــــــــــ
(1) إذ تنص المادة 119 من قانون 05/04 على أن يستفيد الحدث المحبوس من وجبة غذائية متوازنة و كافية لنموه الجسدي و العقلي.
(2) Bettahar Touati : l’ouvrage précédent, p 33.
الفصل الأول: أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
و لأجل السهر على متابعة تطبيق بنود الاتفاقية ، تم النص على إنشاء لجان محلية تجتمع كل ثلاثة أشهــر و استثنائيا كلما دعت الضرورة لذلك تعد إثرها تقريرا تقييميا ترسله إلى وزارتي العدل و الصحـة أين يدرس من طرف لجنـة وزارية مشتركة لاتخاذ التدابير اللازمة.
و ذهب اهتمام المشرع الجزائري بصحة المساجين الى درجة مساءلة كل مستخدم تابع لإدارة السجون سبب تهاونـه أو عدم حيطته أو عدم مراعاته الأنظمة في تعريض صحة المحبوسين للخطر و معاقبته بالحبس من شهرين إلى سنتين و بغرامة من 000 10 إلى 000 50 دج (1).
المطلب الثالث: التعليم و التكوين المهني.
بما أن الجهل و نقص التعليم من اهم العوامل في انتشار الجريمة ، كان التعليم و التكوين المهني مـن أهم أساليب المعاملة العقابية التي تكفل تأهيل المساجين ، و قد ساير المشرع الجزائري ذلك من خلال تنويــع أساليب التعليم و التكـوين و أماكنه.
الفـرع الأول: التعليــم
إن التعليم في السجن يحقق أغراضا متعددة ، فإعادة التأهيل الاجتماعي للمسجون الذي يرمي النظام العقابي لتجسيده يتطلب توجيه المسجون و مساعدتــه على القيام بعمل في المجتمع يتعيش منه على الوجـه الذي يتفق مع القانون عن طريق إصلاح جوانب عديدة في شخصيته ، و لا يتأتى ذلك إلا بتلقين المسجون المعلومـات الضروريـة و الرفع من مستواه الذهني و الاجتماعي بغرس قيم و مبادئ أخلاقية تساعده على التكيف داخل المؤسسة و خارجها كما أن التعليم يقوي في الفـرد القدرة على ضبـط النفس مما يجعله أكثر استعدادا لاحترام النظام و تنفيـذ مختلف الالتزامات التي تفرض عليه ، و يساعد المحكوم عليه الذي لم يسبق له تلقي أي قدر من التعليـم أن يحصل على القدر الأدنى الذي يكفي لحل مشاكل اجتماعية عدة ترتبط كثيرا بحالات الجهل و الامية ،كما يمكنه من قضاء أوقات فراغه فـي أوجه من النشاط المفيد كالقراءة و الرسم و بالتالي صرفه عن التفكير في الإقدام على سلوك إجرامي (2).
و في هذا الإطار، نص قانون 05/04 في مادته 94 على تنظيم دروس في التعليم العام و التقني وفقا للبرامج المعتمدة رسميــا لفائدة المساجين و تم تجسيد ذلك بإبرام اتفاقية بين إدارة السجون و وزارة التربية الوطنية بتاريخ 2006.12.26 ( الملحق رقم 1_أ ).
و من أجل إنجاح العملية رسم المشرع إطارها المادي و البشري حيث يشمل التعليم مختلف المستويات من محو الأمية ، التعليم بالمراسلة و التعليم الجامعي ، إذ تنص المادة 89 من نفس القانون علـى تعيين أساتذة في كل مؤسسـة عقابية يوضعون تحت سلطة المدير و يباشرون مهامهم تحت رقابة قاضي تطبيق العقوبات.
ــــــــــــــ
(1) انظر المادة 167 من قانون 05/04.
(2) د/ علي عبد القادر القهوجي و فتوح عبد الله الشاذلي: علم الإجرام و علم العقاب، طبعة 2003، دار المطبوعات الجامعية بالإسكندرية مصر ، ص 263.
د/ فتوح الشاذلي: المرجع السابق، ص 257.
الفصل الأول: أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
و لم يتوقف الاهتمام بالتعليم عند هذا الحد فقط و إنما يسمح للمساجين الحاصلين علـى شهادة البكالوريا بمتابعة دراستهم الجامعية بعد ترخيص من وزير العدل (1).
أما عن وسائل التعليم فهي متعددة يمكن إيجازها في:
01- إلقاء الدروس و المحاضرات:
و يتم ذلك حسب المستوى التعليمي للمساجين و وفقا للبرامج المعتمدة رسميا من طرف وزارة التربيـة، إذ يتلقى الأميون مبادئ القراءة و الكتابة و الحساب في حين يتم تنظيم تدريس من يحسن القراءة و الكتابة تبعا لمستواهم و في حدود الإمكانيات المتاحة بالمؤسسة العقابية ، على أن تتضمن هذه الدروس و المحاضرات مناقشات هادئة تنمي في المحبوس روح التفاهم و الإقناع العلمي و ذلك بغرض استئصال العنف من نفسه.
02- توزيع الجرائد و المجلات و الكتب:
حرصا من المشرع الجزائري على بقاء الاتصال المستمر للمساجين بالعالم الخارجي، نص في المادة 92 من قانون 05/04 على حق المساجين في الاطلاع على الجرائد و المجلات باعتبارها من الوسائل التي تثير الواقع المعـاش وطنيا و دوليا من نواحي مختلفة اقتصادية ، اجتماعية ، ثقافية و رياضية. كما تساهم هذه الجرائد و المجلات في ترفيه و تسلية المساجين إذ كثيرا ما تتضمن قصص و حكايات و نكت مسليـة و العاب تنمي الذكاء.
كما أن إنشاء مكتبة داخل المؤسسات العقابية تساهم في تعليم المساجين و إعادة تربيتهم من خلال نوعية الكتب و المؤلفات و التي يجب أن تستجيب لأهداف عملية إعادة التأهيل الاجتماعي (2).
و يدخل في مجـال التعليم تهذيب المساجين عن طريق غرس و تنمية القيم المعنوية فيهم ، سواء كانت دينية أو خلقية ، إذ أن انعدام الوازع الديني يكون عاملا يدفع الفرد إلى ارتكاب الجرائم دون نـدم أو تقدير لعواقب فعله و أن من شأن التهذيب الديني جعل الفرد يعاود التفكير فيما ارتكب من جرم ، و يحثه على التوبة و الاستغفـــار و اعتزام الطريق المستقيم بعد ذلك. و نظرا لهـذه الأهمية فقد سمح المشـرع من خلال نص المادة 66/3 للمحبوس بممارسة واجباته الدينية و في أن يتلقى زيارة رجل دين من ديانته.
و التهذيب الديني يعتمد على مجموعة من الوسائل أهمها:
أ- تنظيم المحاضرات و الدروس الدينية من طرف رجال دين ذوي علم و خبرة للتوصل إلى نفوس المجرمين عن طريق مخاطبة عقولهم بأسلوب مناسب.
ب- إقامة الشعائر الدينية بتخصيص مكان لإقامة الصلاة حتى لا تنقطع صلة المسجون بربه ، مما يساعد على تأهيله بالتوبة و الاستغفار و الندم على ما اقترفه من جرائم فيصحو ضميره و يقرر عدم العودة الى ميدان الجريمة مطلقا، على أن يتم فتح أماكن العبادة في غير مواعيد العمل للمساجين حتى لا يتذرعوا بملازمتها للصلاة بقصد التهرب من العمل الموكول اليهم.
ــــــــــــــ
(1) أ/ طاشور عبد الحفيظ : المرجع السابق ، ص 103.
(2)Bettahar Touati : l’ouvrage précèdent, p 56
الفصل الأول: أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
أما بخصوص التهذيب الخلقي، فيتم غرس و تنمية القيم الخلقية في نفس المسجون فتتشبع بمكارم الأخـلاق، و يقوم بهذا الدور فريق من المتخصصين في علم التربية و علم النفس و علم العقاب عن طريـق الإنفراد بالمسجـون و تحليل شخصيته و نفسيته و محاولة معرفة الأسباب التي دفعته للإجرام ، و بالتالي إيجاد الحلول المناسبة عن طريـق استبدال النزعة الإجرامية بغرس القيم الأخلاقية في وجدانه و التي تشجع على نبذ الجريمة و احترام الغير و مؤاخـاته و الحرص على عدم الإضرار به.
03- إصدار نشريات داخلية و مجلات: بحيث تكون فضـاء للمساجين يعبرون من خلاله عن أفكارهـم بإنتاجاتهم الأدبية و الثقافية ( المادة 93 ). و قد تجسد ذلك من خلال إصدار المديرية العامة لإدارة السجون و إعادة الإدماج لمجلة دورية سميت رسالة الإدماج حيث خصص بها جناح للمساجين تحت عنوان نشريات السجـون ، أين تضمن العدد الثاني لشهر اوت 2005 ثلاث مقالات لمساجين ، أخذت هي الأخرى من مجلات صادرة بمؤسسات إعادة التأهيل و إعادة التربية تتمثل في مجلة التهذيب عن مؤسسة إعادة التأهيل بابار ، مجلة الإدماج عن مؤسسة إعادة التربية بتبسة و مجلة منارة النزلاء عن مؤسسـة إعادة التأهيل بسيدي بلعباس (1).
04- متابعة برامج الإذاعة و التلفزة : تعتبر هذه البرامج من أهم و أكثر الوسائل تأثيرا على الفـرد نظرا لاعتمادها علـى أسلوب الخطاب المباشر ، لذا نص المشرع في المادة 92 من قانون 05/04 علـى ضرورة تمكين المساجين من متابعة برامج الإذاعة و التلفزة ، مع إخضاعها لمراقبة إدارة المؤسسة العقابية خاصة بالنسبة للتلفزة إذ أن ظهور الهوائيات المقعرة أدى إلى تخصص بعض القنوات الأجنبية في التشجيع على الجريمة و العنف و فساد الأخـلاق لذا يتعين منع المساجين من مشاهدة مثل هذه البرامج حتى لا تأثر سلبا على عملية إعادة تأهيلهم و تربيتهم.
و حسب إحصائيات المديرية العامة لإدارة السجون و إعادة الإدماج ، فإن مجال التعليم عرف ارتفاعـا في عدد الدارسين بمختلف الأطوار سواء في محو الأمية أو التعليم عن طريق المراسلة أو الدراسة الجامعية ، حيث انتقل عدد الدارسين من 500 محبوس خلال سنة 1994 إلى 6594 سنة 2006 ، كما أن عدد الناجحين في شهـادتي البكالوريا و التعليم الاساسي بلغ 234 محبوسا ناجحا في شهادة البكالوريا سنة 2005 بعدما كان 13 ناجحا سنة 1999 و 259 محبوسا ناجحا في شهادة التعليم الأساسي سنة 2005 بعدما ما كان لا يتجـاوز 04 ناجحين في سنة 1999 (2) .
و هي نتائج تعكس المجهــود المبذول من طرف إدارة المؤسسات العقابية في تطبيق برنامج إعادة تأهيـل المساجين و تحضيرهم للعودة إلى أحضان المجتمع أفرادا صالحين و مسلحين بالعلم بعدما ارتموا في أحضان الجريمة.
و قد اسند المشرع مهمة إعداد برامج التعليم بالنسبة للمحبوسين الأحداث إلى لجنة إعادة التربية على أن يتم ذلك اعتمادا على البرامج الوطنية.
ــــــــــــــ
(1) مجلة رسالة الادماج: العدد الثاني، المرجع السابق ، ص 42 الى 44.
(2) مجلة رسالة الادماج: نفس المرجع ، ص 37 الى 39.
- أبواب مفتوحة على العدالة السياسة العقابية الجديدة في ظل الإصلاحات ، إدارة السجون 25 إلى 27 افريل 2006 ، ص 15.
الفصل الأول: أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
الفـرع الثـاني: التكوين المهـني.
يعد التكوين المهني من أنجع الطرق لتحقيـق التأهيل الاجتماعي في البيئة المغلقة لذلك خصه المشرع بعناية خاصة من حيث عدد أماكن التكوين ، فنص في المادة 95 من قانون 05/04 على أن يتم التكوين المهني داخـل المؤسسة العقابية أو في معامل المؤسسات العقابية أو في الورشات الخارجية أو في مراكز التكوين المهني ، و يشترط أن يتماشى هذا التكوين و إمكانيات تشغيل المحكوم عليه بعد إطلاق سراحه أو بالنظر للعمل الذي يمكن أن يسند إليه بعد إلحاقه بورشة خارجية أو بيئة مفتوحـة (1). و لتحقيق هذا الغرض تم فتح ورشـات داخل المؤسسة العقابية حسب نـوع التكوين ، كما تم إبرام اتفاقية بين وزارتي العدل و التكوين المهني بتاريـخ 1987.07.26 و المعدلة بتاريخ 1997.11.17 و التي حـددت ثلاث طرق لتنظيم التكوين المهني للمساجين (2):
- على مستوى الفرع الملحق الذي يمكن إنشاؤه داخل المؤسسات العقابية في حدود إمكانياتها.
- على مستوى احد الفروع بمراكز التكوين المهني.
- فتح ورشات للتمهين داخل المؤسسات العقابية تحت إشراف و متابعة مراكز التكوين المهني.
و قد نصت الاتفاقية أيضا على أن المحبوسين الأحداث و البالغين الذين لم يتجاوزوا سن 25 سنة و تم اطلاق سراحهم دون استكمال فترة التكوين ، بإمكانهم مواصلة ذلك على مستوى مراكز التكوين الأقرب لمقر إقامتهــم و استثناء بالنسبة لمن تتراوح سنه بين 25 و 30 سنة ، و يتم ذلك باقتراح من مدير التشغيل و التكوين المهني و مدير المؤسسة العقابية.
و يسهر على متابعة التكوين بالمؤسسات العقابية أساتذة مختصون يتم انتدابهم من طرف وزارة التكوين المهني.
كما نصت الاتفاقية على عدم خضوع المساجين لامتحانات القبول سواء على مستوى المؤسسات العقابيـة أو على مستوى مراكز التكوين المهني ، و إنما يتم توجيههم نحو مختلف أصناف مواد التكـوين حسب معايير خاصة و يتلقون تكوينا حسبما هو معتمد في مراكـز التكوين سواء من حيث البرنامج أو الفترة الزمنية. و علـى مستوى مراقبة سير التكوين المهني للمساجين فقد نصت الاتفاقية على أن يتكفل به مدير المؤسسة العقابيـة و ممثل عن مصالح التكوين المهني على مستوى الولاية تحت إشراف قاضي تطبيق العقوبات ، مع إعداد تقرير تقييمي لسير العملية يرسل إلى وزارة العدل و وزارة التكوين المهني ،كما يمكن لمدراء مؤسسات التكوين المهني فضلا عن المسؤولين البيداغوجيين القيام بزيارات تفقدية لورشات التكوين على مستوى المؤسسات العقابية الملحقة بهم و ملاحظة مدى وجود الشروط الملائمة لنجاح العملية ، و في المقابل لمدراء المؤسسات العقابية القيام بزيـارات تفتيشية لأقسام التكوين الخاصــة بالمساجين على مستوى مراكز التكوين المهني ، و الإطلاع على الظروف التي يخضـع لها المساجين و مدى التزامهم بالنظام الداخلي للمراكز.
ــــــــــــــ
(1) أ/ طاشور عبد الحفيظ: المرج السابق ، ص 102.
المادة 01 من الاتفاقية المتعلقة بتكوين المساجين مهنيا الملحق رقم 1-ب.(2)
الفصل الأول: أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
و حتى يتم تطبيق الاتفاقية بشكل ايجابي من حيث المحتوى و الأهداف ،تم إنشاء لجنة وزارية مشتركة تتشكل من:
- مدير إدارة السجون و إعادة التربية بوزارة العدل.
- نائب مدير اعادة التربية بوزارة العدل.
- نائب مدير حماية الأحداث بوزارة العدل.
- مدير التمهين و التكوين المتواصل بكتابة الدولة للتكوين المهني.
- نائب مدير مكلف بالعلاقات ما بين القطاعات بكتابة الدولة للتكوين المهني.
- نائب مدير مكلف بهندسة البرامج بكتابة الدولة للتكوين المهني.
تعمل على إعداد تقرير سنوي حول ظروف تنفيذ الاتفاقية و تقوم بإرساله لوزير العدل و كاتب الدولة للتكويــن المهــني ( الملحق 1-ب ).
و في ختام التكوين تمنح للمساجين الناجحين شهادات تثبت نجاحهم دون الإشارة فيها أنهم تحصلوا عليها خلال فترة حبسهم (1) و هذا حتى لا يكون لذلك تأثيرا على حصولهم على عمل بعد قضاء فترة عقوبتهم.
و حسب الإحصائيات المعتمدة من طرف إدارة السجون في مجال التكوين، فقد بلغ العدد الإجمالي للمحبوسين المسجلين لمزاولة تكوين مهني 4686 محبوسا ، و هو في ارتفاع بنسبة 61% مقارنة مع سنة 2005.
و تجدر الإشارة إلى أن نفقات التسجيلات لمختلف الامتحانات الرسمية و كذا اقتناء لوازم التعليم و معدات التكوين المهني تتكفل بها المديرية العامة لإدارة السجون.
المطلب الرابــع: العمـل
لقد نظم المشرع الجزائري عمل المساجين في البيئة المغلقة في المـواد من 96 الى 99 من قانون 05/04 باعتباره من وسائل إعادة التربية و إعادة الإدماج الاجتماعي للمساجين حسب السياسة العقابية الحديثة ، التي ألغت النظـرة السابقة للعمل باعتباره تكملة لعقوبة السجن أو الحبس ، فأصبح من واجب الدولة أن تجد العمل المناسب للمسجون كحق له في التأهيل على أن تراعى في ذلك حالته الصحية و استعداده البدني و النفسي و قواعد حفظ النظام و الامن داخل المؤسسة العقابية (2).
و في هذا الإطار أكد علماء العقاب أن البطالة داخل السجن كثيرا ما تؤدي إلى نتائج سيئة تحول دون تأهيــل المسجون ، إذ أن بقاءه دون عمل يجعله يفكر في إحداث الشغب و الإخلال بالنظام ، كما قد يسيطر عليه شعـور بالقلق و الكآبة و الملل فينقلب أحيانـا إلى شعور بالعداوة إزاء المجتمع ، كما و أن الفـراغ قد يعرض المسجـون لاضطرابات مختلفة تنعكس أحيانا على حالته الصحية (3). و كنتيجة لذلك اعتبر العمل من الالتزامات المفروضة على
ــــــــــــــ
(1) انظر المادة 163 من قانون 05/04.
(2) انظر المادة 96 من نفس القانون.
(3) أ/ محمد صبحي نجم: المدخل إلى علم الإجرام و علم العقاب ، المرجع السابق ، ص 111.
الفصل الأول: أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
السجين ، فلا يحق له أن يرفض العمل أو الامتناع عن أداءه و إلا تعرض لعقوبة تأديبية أساسها مخالفة القواعد المتعلقة بسير المؤسسات العقابية و نظامها الداخلي و قواعد الانظباط بها حسب المادة 83.
و قد نصت المادة 160 علـى أن يستفيد المحبوس المعين للقيام بعمل أو بخدمة من أحكـــام تشريع العمل و الحماية الاجتماعية كحقه في الأجر ( المادة 168 )، حقه في التامين حيث تتولى المديرية العامة لإدارة السجـون و إعادة الإدماج تامين المحبوسين العاملين في نظام البيئة المغلقة ( الملحق رقم 2-أ )، و حقه في التعويض عن حوادث العمل بالإضافة إلى الخبرة المهنية التي يكتسبها و غيرها من الأحكام ، على أن تتولى إدارة المؤسسة العقابية دون سواها تحصيل المقابل المالي لصالح المحبوس عن عمله المؤدى و تقوم بتوزيعه على ثلاث حصص متساوية:
- حصة ضمان لدفع الغرامات و المصاريف القضائية و الاشتراكات القانونية عند الاقتضاء.
- حصة قابلة للتصرف تخصص لاقتناء المحبوس حاجاته الشخصية و العائلية.
- حصة احتياط تسلم للمحبوس عند الإفراج عنه.
كما تسلم للمحبوس الذي اكتسب كفاءة مهنية من خلال عملـه أثناء قضائه لعقوبته شهادة عمل يوم الإفراج عنه خالية من الإشارة أنه تحصل عليها خلال فترة حبسه (1).
و يشترط في العمل الذي يكفـل إعادة تأهيل المحكوم عليهم :
أ- أن يكون منتجا لأن ذلك يحملهم على الاهتمام به و اتقانه ، أما العمل غير المنتج فإنه يدفعهم للكسل عن ادائه.
ب- أن يكون متنوعا بأن تتعدد أشكاله بحيث يشمل ميادين الزراعة و الصناعة و الحـرف مع تمكين المسجون من اختيار العمل الذي يتفق و قدراته.
ج- أن يكون مماثلا للعمل الحر من حيث الحجم و أساليب الأداء حتى يجد المسجون نفسه متأقلما مع حجــم و أساليب الأداء خارج المؤسسة عند الإفراج عليه.
د- أن يكون بمقابل أي أن يتلقى المسجون نظير العمل الذي يؤديه أجرا حتى و إن لم يكن مساويا لأجـور العمال خارج المؤسسات العقابية (2 ).
و بخصوص تنظيم طرق العمل يمكن لإدارة المؤسسة العقابية أن تقوم بكل مبادرة من شأنها أن تساعد على تحقيق هذا الهدف ، كإبرام اتفاقيات مع هيئات عمومية أو خاصة تتولى تشغيل المساجين و تأخذ نظام المقاولـــة و التوريد ، أو قيام المؤسسة العقابية باستغلال العمل العقابي بنفسها و تأخذ نظام الاستغلال المباشر (3).
ــــــــــــــ
(1) انظر المواد 97 الى 99 و 163 من قانون 05/04.
(2) د/ اسحاق ابراهيم منصور : المرجع السابق ، ص 192.
د/ علي عبد القادر القهوجي و فتوح عبد الله الشاذلي: المرجع السابق، ص 250.
د/ فتوح الشاذلي: المرجع السابق، ص 243.
(3) لمزيد من المعلومات انظر د/ اسحاق ابراهيم منصور: نفس المرجع ، ص 194.
Bettahar Touati : l’ouvrage précédent, p 68-71.
الفصل الأول: أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ و في هذا الاطار ، تم وضع الديوان الديوان الوطني للأشغال التربوية تحت وصاية وزير العدل حافظ الأختام مـن أجل تنفيذ كل الأشغال و تقديم كل خدمة بواسطة اليد العاملة العقابية ، كما صدر قرار وزاري مشترك بين وزيـر
العدل و وزير العمل و الشؤون الاجتماعية بتاريخ 1983.06.26 بشأن كيفيات استعمال اليد العاملة العقابية من طرف الديوان ، حيث نص على حماية المساجين و إعطائهم حقوقهم في إطار القانون و تم فتح ورشات تابعة للديوان
داخل المؤسسات العقابية بتازولت ، البوني ، الشلف ، حمادي كرومة و مستغانم في مجال النجـارة و الحدادة تشغل حوالي 44 سجينا (1).
و بالنسبة للمساجين الأحداث ، فقد نصت المادة 120 من القانون 05/04 على أنه يمكن أن يسند إلى الحدث المحبوس عمل ملائم بغرض رفع مستواه الدراسي أو المهني ما لم يتعارض ذلك مع مصلحته ،و أحكام المادة 160 التي تنص على استفادة المحبوس المعين للقيام بعمل من أحكام تشريع العمل و الحماية الاجتماعية.
المبحث الثـاني:
أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي خـارج البيئة المغلقة
تناول المشرع الجزائري أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمساجين خارج البيئة المغلقة في المـواد من 100 إلى 111 من قانون 05/04 تكملة لنظام البيئة المغلقة و قسمها الى نظام الورشات الخارجية ، نظام الحريـة النصفية و مؤسسات البيئة المفتوحة. و هي أساليب تقرب المحبوس من نظام الحياة الحرة ، و تقوم على أسـاس قبوله مبدأ الطاعة دون لجوء إدارة المؤسسة العقابية إلى استعمال أساليب الرقابة المعتادة ، و على شعوره بالمسؤولية اتجـاه المجتمع الذي يعيش فيه ، و تنبئ عن تحسن سلوك المحبوس و تجاوبه مع برامج إعادة التأهيل ما يجعل إدارة المؤسسـة العقابية تعامله بثقة.
لذا سنحاول في هذا المبحث التعرض لكل نظام في المطالب التالية:
المطلب الاول: نظـام الورشات الخارجية.
يعتبر نظام الورشات الخارجية حقلا واسعا لتطبيق سياسة إعادة تأهيل المساجين ، إذ أن المحكوم عليه يعمل بها في ظروف نفسية و بدنية مختلفة عن الوسط المغلق ، لذا ذهب البعض الى القول أن حل المشاكل العقابية يكمن في ارساء هذا النظام و تعميمه (2).
La maison de fontevrault و قد طبق هذا النظام لأول مرة في فرنسا عام 1842 إذ قام نزلاء سجـن
ببناء مركز سانت هيلير و لكنه طبق على نطاق واسع ابتداء من عام 1808 (3).
و قد عرفه المشرع الجزائري من خلال المادة 100 من قانون 05/04 التي تنص " يقصد بنظـام الورشــات
ــــــــــــــ
(1) مجلة رسالة الإدماج: العدد الثاني، المرجع السابق، ص 40.
(2) أ/ طاشور عبد الحفيظ: المرجع السابق ، ص 108.
(3) د/ فتوح الشاذلي: المرجع السابق، ص 228.
الفصل الأول: أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
الخارجية قيام المحبوس المحكوم عليه نهائيا بعمل ضمن فرق خارج المؤسسة العقابية تحت مراقبة إدارة السجون لحساب الهيئات و المؤسسات العمومية".على أن يغادر المحبوس الذي وضع في هذا النظام المؤسسة العقابية خلال أوقات المدة المحددة للعمل و يرجع إليهـا بعد انتهاء العمل ، و بذلك يعتبر نظام الورشات الخارجية امتدادا لأسلوب البيئة المغلقة لايستفيد منه إلا من توفـرت فيه شروط معينة حددها القانون.
الفرع الأول:شروط الاستفادة منه.
بالرجوع إلى أحكام المواد من 100 إلى 103 من قانون 05/04 نجد أن المشرع الجزائري حدد شروطـا معينة لاستفادة المساجين من هذا النظام يمكن تلخيصها في:
01- أن يكون المحبوس محكوم عليه نهائيا بأن يكون قد صدر في حقه حكما أو قرارا أصبح نهائيا ، قضى عليه بعقوبة سالبة للحرية و تم ايداعه بمؤسسة عقابية تنفيذا لذلك. و بالتالي يستثنى المحبوسين مؤقتا و المحبوسين تنفيذا لإكراه بدني من الاستفادة من هذا النظام.
02- قضاء فترة معينة من العقوبة: في هذا المجال ميز قانون تنظيم السجون و إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين بين المحبوس المبتدئ الذي يتعين أن يكون قد قضى ثلث 1/3 العقوبة المحكوم بها عليه ، و بين المحبوس الذي سبــق الحكم عليه بعقوبة سالبة للحرية و الذي يتعين عليه أن يكون قد قضى نصف العقوبة المحكوم بها عليـه و ذلك طبقا لنص المادة 101 ، و بذلك فان الاستفادة من نظام الورشات الخارجية ليس حقا مقررا لكل محكوم عليه.
03- تخصيص اليد العاملة من المحبوسين لفائدة الهيئات العمومية و المؤسسات الخاصة: كان أمر 72/02 الملغـى يقتصر على تخصيص اليـد العاملة من المحبوسين لفائدة الإدارات و الجماعات و المؤسسات من القطـاع العام دون القطاع الخاص حماية لها من الاستغلال (1)، في حين أن القانون الجديد 05/04 نص في مادته 100 على إمكانيـة تخصيص اليد العاملة من المحبوسين للعمل في المؤسسات الخاصة التي تساهم في إنجاز مشاريع ذات منفعة عامة.
و يتم ذلك بإبرام اتفاقية بين مدير المؤسسة العقابية و ممثل المؤسسة التي تم قبول طلبها من طــرف قاضي تطبيق العقوبات ، و حسب الإحصائيات المعتمدة من طرف إدارة السجون فان عدد المساجين العاملين في نظام الورشات الخارجية بلغ 469 سنة 2006 ( الملحق رقم 3-د ).
و في هذا الإطار استفادت كل من بلدية سكيكدة ، بلدية البوني ، المديرية العامة لإدارة السجون و إعادة الإدمـاج و مستشفى الأمراض العقلية أبو بكر الرازي من خدمات 76 مسجون في مجال الصيانة العامة لمقراتها بموجب الاتفاقيات المبرمة (2).
ــــــــــــــ
(1) أ/ طاشور عبد الحفيظ: المرجع السابق ، ص 108.
(2) مجلة رسالة الإدماج : العدد الثاني، المرجع السابق ، ص 41
الفصل الأول: أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
الفرع الثاني:
كيفية إنشاء الورشات الخارجية و التزامات الاطراف المتعاقدة.
تنص المادة 103 من قانون 05/04 على أن توجـه طلبات تخصيص اليـد العاملة العقابية إلى قاضي تطبيـق العقوبات الذي يحيلها بدوره على لجنة تطبيق العقوبـات لإبداء رأيه و بذلك يكــون هو المختص بقبول او رفض الطلبات ، عكس ما كان سائدا في الأمر الملغى إذ كان ينص على أن توجه الطلبات إلى وزير العـدل الذي يؤشـر عليها ثم يحيلها إلى قاضي تطبيق الأحكام الجزائية ، هذا الأخير يعيدها بعد الدراسة مرفقة باقتراحاته إلى وزير العـدل
لاتخاذ القرار المناسب بالقبول او الرفض (1). و بذلك يكون القانون الجديد قد خفف من مركزية اتخاذ القرار في هذا المجال ، و ما ينجر عنه من تعطيل و إطالة في دراسة ملفات المساجين الذين يمكنهم الاستفادة من الوضع في نظــام الورشات الخارجية.
أما فيما يخص التزامات الأطراف المتعاقدة فيجب أن تتضمن الاتفاقية بنودا تتعلق بأجرة اليد العاملة العقابيـة التي تدفعها الهيئة المستخدمة ، حراسـة المساجين و ايوائهم و إطعامهم و نقلهم ، ضمـان تعويض الضرر المترتب على حوادث العمل و الأمراض المهنية ، أماكن العمل و مدته.
و قد أشار قانون 05/04 إلى بعض الالتزامات في المادة 102 منه تتمثل في :
أ- رجوع المحبوس الى المؤسسة العقابية عند انتهاء المدة المحددة في الاتفاقية او فسخها بامر من قاضي تطبيق العقوبات.
ب- إمكانية إرجاع المحبوس إلى المؤسسة العقابية مساء كل يوم بعد انتهاء مدة دوام العمل.
ج- التزام موظفو المؤسسة العقابية بحراسة المحبوسين العاملين أثناء النقل في ورشات العمل و خلال أوقات الاستراحة و استثناء إمكانية مساهمة الجهة المستخدمة في الحراسة جزئيا.
وحتى يضمن المشرع عدم إخلال المحبوس بالتزاماته ، اعتبره بموجب نص المادة 169 في حالة هروب إذا لم يرجع إلى المؤسسة العقابية بعد انتهاء المدة المحددة له و يتعرض تبعا لذلك للعقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات.
ــــــــــــــ
(1) المادة 154 من أمر 72/02 الملغى.
الفصل الأول: أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
المطلب الثـاني: نظام الحرية النصفيــة.
يعتبر نظام الحرية النصفية مرحلة من مراحل النظام التدريجي لتأهيل المساجين عن طريق وضع المحكوم عليـه نهائيا خارج المؤسسة العقابية خلال النهار منفردا و دون حراسة أو رقابة الإدارة ليعود إليها مساء كل يوم ، كما عرفـه المشرع الجزائري بنص المادة 104 من قانون 05/04 خلافا لنظام الورشات الخارجية الذي يهتم بالمساجين بصفـة جماعية ، لتمكينه من تأدية عمل أو مزاولة دروس في التعليم العام أو التقني أو متابعة دراسات عليا أو تكوين مهني.
و يعتمد مثل هذا النظام إلى حد كبير على الثقة التي يكتسبهـا المحكوم عليه و التي غالبا ما تكشـف عن مدى استقامته ، لذا يتطلب منح هذا النظام انتباها خاصا من قبل المكلف بتطبيقه خاصة فيما يخص الرقابة و المساعــدة المستمرة (1).
و لقد طبقت فرنسا هذا النظام بناء على اتفاق خاص أثناء الحرب العالمية الثانية ، ثم نص عليه بعد ذلك في قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي الصادر عام 1958 ، كما انتشر في دول أخرى كثيرة أهمها الولايات المتحدة الأمريكية و سويسرا و ايطاليا (2).
الفرع الأول : شروط الاستفادة منه.
بالرجوع إلى أحكام المادة 104 و ما بعدها من قانون 05/04 نجد أن المشرع الجزائري وضع بعض الشـروط لاستفادة المحبوس من نظام الحرية النصفية تتمثل في:
01- أن يكون المحبوس محكوم عليه نهائيا: بأن يكون قد صدر في حقه حكما أو قرارا و أصبح نهائيا ، قضـى عليه
بعقوبة سالبة للحرية و تم ايداعه بمؤسسة عقابية تنفيذا لذلك ، و بذلك يستثنى المحبوس مؤقتا و المحبوسين تنفيذا لإكراه بدني من الاستفادة من هذا النظام ،و هو أمر منطقي على أساس أن هؤلاء قد يتم الإفراج عليهـم في أي وقت سواء بحكم بالبراءة أو بتسديد ما عليهم من ديون.
02- قضاء فترة معينة من العقوبة: و في هذا المجال ميز قانـــون تنظيم السجون و إعادة الإدمـاج الاجتماعي للمحبوسين بين المحبوس المبتدئ و الذي يتعين أن تكون المدة الباقية لانقضاء عقوبته مساوية لأربع و عشرين ( 24 ) شهرا ، و بين المحكوم عليه الذي سبق الحكم عليه بعقوبـة سالبة للحرية و الذي يتعين أن يكون قد قضـى نصف العقوبة و بقي على انقضائها مدة لا تزيد عن 24 شهرا.
و قد استعمل المشرع في نص المادة 106 لفظ " يمكن " بما يفيد أن الوضع في نظام الحرية النصفيــة ليس حقا مقررا للمسجون الذي تتوفر فيه الشروط كما أنه لا يطبق بصفة آلية ، و إنما يراعى إلى جانب توفر الشروط المطلوبة
مدى توفر العمل أو مدى مزاولة المسجون دروس في التعليم العام أو التقني أو متابعته دراسات عليا أو تكوين مهني.
ــــــــــــــ
(1) أ/ طاشور عبد الحفيظ: المرجع السابق ، ص 111.
(2) د/ علي عبد القادر القهوجي و فتوح عبد الله الشاذلي: المرجع السابق ، ص 235.
الفصل الأول: أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
03- صدور مقرر الاستفادة : لقد منحت المادة 106/2 من قانون 05/04 صلاحية إصدار مقرر وضع المحبوس في نظام الحرية النصفية لقاضي تطبيق العقوبات بعد استشارة لجنة تطبيق العقوبات ، خلاف ما كان سائدا في ظل أمر 72/02 الملغى حيث منحت الصلاحية لوزير العدل بعد إشعاره من قاضي تطبيق الأحكـام الجزائية الذي يقــدم اقتراحاته بعد إشعار لجنة الترتيب و الانضباط (1).
الفرع الثاني: طرق تطبيق نظام الحرية النصفية.
قبل سريان مقرر الاستفادة من نظام الحرية النصفية ،يتعين على المحبوس إمضاء تعهد يلتزم بموجبه باحترام الشروط التي يتضمنها هـذا المقرر و التي تدور أساسـا حول سلوكه خارج المؤسسـة و حضوره الفعلي إلى مكـان العمل و مواظبته و اجتهاده في ادائه لعمله ، احترام أوقات خروجـه من المؤسسة العقابية و عودته إليها و احترام شـروط التنفيذ الخاصة التي تحدد بصفة فردية بالنظر لشخصية كل محكوم عليه (2).
كما تلتزم المؤسسة العقابية بمنح المسجون المستفيد وثيقة خاصة يستظهرها أمام السلطات المختصة لتبرير استفادته من نظام الحرية النصفية كلما طلب منه ذلك ، في حين تلتزم الهيئة المستخدمة بدفع أجرة المحبوس لدى كتابة ضبـط
المحاسبة للمؤسسة العقابية التي ينتمي إليها لتودع بحسابه ، على أن يؤذن له وفقا لأحكـام المادة 108 بحيازة مبلـغ مالي من مكسبه المودع بحسابه لتغطية مصاريف النقل و التغذية عند الاقتضاء ، و التي يجب عليه تبريرها و إرجاع ما بقي من المبلغ المسحوب إلى حسابه لدى كتابة ضبط المحاسبة.
و في إطار علاقة العمل التي تربط المسجون المستفيد من نظام الحرية النصفية بالهيئة المستخدمة ، يستفيد المسجون من أحكام تشريع العمل لاسيما الأحكام المتعلقة بحوادث العمل و الأمراض المهنية.
و في مقابل هذه الامتيازات ، نظم المشرع بموجب نص المادة 107/2 جزاء إخلال المحبوس بالتعهد الذي أمضاه أو خرقه لأحد شروط الاستفادة ، حيث منح لمدير المؤسسة صلاحية الأمر بإرجاع المحبوس و إخبـار قاضي تطبيق العقوبات الذي له صلاحية تقرير الإبقاء على الاستفادة من نظـام الحرية النصفية أو وقفها أو إلغائهـا و ذلك بعد استشارة لجنة تطبيق العقوبات.
كما اعتبر بموجب المادة 169 المحبوس الذي استفاد من تدابير الحرية النصفية و لم يرجع إلى المؤسسة العقابية بعد انتهاء المدة المحددة له في حالة هروب و يتعرض للعقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات و الواردة بالمادة 188 منه (3).
ــــــــــــــ
(1) Bettahar Touati : l’ouvrage précédent , p 136 .
(2) أ/ طاشور عبد الحفيظ: المرجع السابق ، ص 112.
Bettahar Touati : l’ouvrage précédent , p 137
(3) تنص المادة 188 من قانون العقوبــات: يعاقب بالحبس من شهرين إلى ثلاث سنوات كل من كان مقبوضا عليه أو معتقلا قانونا بمقتضى أمـر أو حكم قضائي و يهرب أو يحاول الهروب من الأماكن التي خصصتها السلطة المختصة لحبسه أو من مكان العمل أو أثناء نقله.
و يعاقب الجاني الحبس من سنتين إلى خمس سنوات إذا وقع الهروب أو الشروع فيه بالعنف أو التهديد ضد الأشخاص أو بواسطة الكسر أو تحطيـم باب السجن.
الفصل الأول: أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
و رغم النتائج المرضية التي حققها نظام الحرية النصفية عمليا ،حيث بلغ عدد المحبوسين المستفيدين من التكوين في إطار الحرية النصفيـة 377 سنة 2006/2007 ( الملحق رقم 3-أ ) ، انتقده البعض على أساس أنه يشكل قرارا
خطيرا بالنسبة لنظام المؤسسة العقابية و سيرها من حيث التفاوت الذي يتسبب فيه ما بين المحكوم عليهم ،و بالنسبة للمجتمع إذ يهدد أمنه و يمس بحقه في العقاب ، و بالنسبة للسلطة القضائية إذ يمس بقدسية أحكامها. كما أنه من ناحية أخرى يشكل صعوبة بالنسبة للمحكوم عليه من الجانب النفسي بخصوص عودته كل مساء إلى المؤسسة العقابية فيقدم على الهروب (1).
المطلب الثـالث: مؤسسات البيئـة المفتوحة.
لقد حاول المشرع الجزائري من خلال المادة 109 من القانون 05/04 تعريف مؤسسات البيئة المفتوحـة بتبيان أشكالها ، فنصت على أن تتخـذ مؤسسات البيئة المفتوحة شكل مراكز ذات طابع فلاحـي أو صناعي أو حـرفي أو خدماتي أو ذات منفعة عامة و تتميز بتشغيل و ايواء المحبوسين بعين المكان ، في حين عرفها المؤتمر الجنائي و العقابي الدولي الثاني عشر الذي انعقد في لاهاي سنة 1950 على أنها المؤسسـات العقابية التي لا تزود بعوائق ماديـة ضد الهروب مثل الحيطان و القضبان و الأقفال و تشديد الحراسة ، و التي ينبغـي احترام النظام فيها من ذات النزلاء فهم يتقبلونه طواعية و دونما حاجة إلى رقابة صارمة دائمة، و يتميز هذا النظام بخلق روح المسؤولية لدى النزيل و تعويده
على تقبل المسؤولية الذاتية (2). فهذا النظام يقوم على نوع من الاتفاق الضمني ما بين المحكــوم عليه الـذي يلتزم باحترام عدد من الشروط ، و بين الإدارة التي تضع أمامه الوسائل التي تساعده على التأقلم و الاستعداد للإندمــاج مجددا في المجتمع ،بأن تقيم له مؤسسات خارج المدينة أو في الريف على وجه أخص تمتاز بضعف الحراسة فييها و ترك الأبواب و النوافذ مفتوحة و توفر له فرص الإقامة بها و العمل في ميادين الفلاحة ، الصناعة ، الحرف أو الخدمات.
و عن أسباب و تاريخ ظهور هذا النظام ، فإنها ترجع إلى ظروف ما بعد الحرب العالمية الثانية و المجهـودات التي بذلت من أجل إعادة بناء ما تم تحطيمه ، فكان يتم تخصـيص فئات من المحكوم عليهم و وضعهم داخل معسكرات متخصصة ليقوموا بعمليات إعادة البناء ، هذه العملية كشفت فيما بعد عن نجاعة المؤسسات المفتوحة و أفضليتها في معاملة النزلاء خاصة بعدما تبين أن المعاملة التي تتم في وسط مفتوح تزيد في فرص إعادة تكييف النزلاء ، و بالتـالي تكون أكثر فاعلية في مكافحة الجريمة من المعاملة التي تتم في سجن الطراز التقليدي (3).
و هو ما دفع الأمم المتحدة إلى إصدار مجموعة قواعد خاصة منها القاعدتين 60/1 و 60/2 تحث من خلالها الدول
على جعل نظام الاحتباس يهدف إلى تقريب الحيـاة العقابية من الحياة الحرة ، سواء داخل المؤسسة العقابيـة نفسها بانتهاج برنامج تحضيري للحرية ، أو خارج المؤسسة العقابية عن طريق منح الحرية للمساجين مقترنة بالخضوع لرقابة
ــــــــــــــ
(1) أ/ طاشور عبد الحفيظ: المرجع السابق ، ص 112.
(2) أ/ طاشور عبد الحفيظ: نفس المرجع ، الهامش ، ص 114.
أ/ محمد صبحي نجم: المدخل إلى علم الإجرام و علم العقاب ، المرجع السابق ، ص 77.
(3) أ/ طاشور عبد الحفيظ: نفس المرجع ، ص114.
الفصل الأول: أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
ائتمانية تتطابق مع المساعدة الاجتماعية الفعالة (1).
الفرع الأول: شروط الاستفادة من هذا النظام.
مقدمــــة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
مقدمـــة:
لقد ظلت مسألة البحث عن الهدف و الغاية من توقيع العقاب ضد المجرمين و الجانحين محل اهتمام الفكــر البشري طوال عقود من الزمن. فبعد أن كانت العقوبة في العصور القديمة و الوسطى في التشريعات الوضعية شر يقابل شرا ، و أن المجتمع حين يوقع العقوبة فغايته في ذلك ليست حفظ كيانه فحسب بل لتحقيق فائدة في المستقبل أيضا ، إلى جانب أنها وسيلة لإعادة التوازن للمجتمع بعد إخلال الجريمة بقواعد السلوك و النظام الواجبة الاحتـرام و ردع للجاني و تخويف لغيره ، و أنها حسب التعاليم المسيحية تحقيق للمنفعة الاجتماعية مهما بلغت قسوتها ، إذ الجريمــة خطيئة تنطوي على عصيان لتعاليم الكنيسة في التسامح و الصفــح و العيش في سلام و العقوبة إصلاح لما اجتاح المجتمع من اضطراب بسبب الخطيئة ، و في أحكام الشريعة الإسلامية يرمي تطبيق العقوبة الشرعية إلى حمايـة المجتمع من الجريمة من خلال السعي إلى تكوين مجتمع الفضيلة و تكوين جماعة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكـر و المؤمن القوي الأمين و إعادة المجرم إلى حظيرة الإيمان من جهة ، و من جهة أخرى تهدف إلى تحقيق العدالة و القصــاص و ردع المجرم و زجر غيره.
أخذت في العصر الحديث تبريرات مختلفة للغاية من توقيعها فظهرت عدة مدارس عقابية ، فمن فكــرة الردع العام و المنفعة الاجتماعية التي نادى بها الفلاسفة روسو و مونتسكيو و بيكاريا انطلاقا من إقرارهم و دفاعهــم عن مبدإ الشرعية في التجريم و العقاب الذي ينتقد النظم الجنائية السائدة آنذاك و التي تميزت بالقسوة ، إلى فكرة العدالة المطلقة و التدرج في حرية الاختيار بما يفيد الاهتمام بشخص الجاني في تحديد مسؤوليته و التي نادى بها هيجـل و كانت ، إلى فكرة الردع الخاص بإصلاح حال الجاني مستقبلا دون محاسبته عما مضى و التي نــادى بها لومبروزو و فيري و جاروفالو مادام أن الإنسان و نتيجة للعوامل العضوية و النفسية و للمؤثرات و العوامل الخارجية يكـون مجبرا على ارتكاب الجريمة ، و بالتبعية تستوجب إنزال تدبير احترازي لدرء الخطورة الكامنة في شخصه و هو تدبير يتجـرد من الإيلام الذي تتميز به العقوبة ، إلى فكرة الدفاع الاجتماعي التي نادى بها جراماتيكا و انسل و التي مفادها تأهيــل الشخص المنحرف بالشكل الذي يتكيف به مع الجماعة عن طريق انتزاع دوافـع الشر من نفسه و استعادته أخلاقيا و اجتماعيا ، و هذا استنادا إلى فكرة التضامن الاجتماعــي في تحمل المسؤولية عن الجريمة التي لم تعد مجرد واقعـة فردية يتحملها الجاني بمفرده ، بل ظاهرة اجتماعية يتحمل المجتمع قسطا من المسؤولية في وجودها لما فيه من ظـروف و متناقضات دفعت أحد أعضائه إلى السلوك المنحرف، لذا يقع واجب عليه بإعانة المحكوم عليه على إعـادة اندماجه في المجتمع (1).
ــــــــــــــ
(1) لمزيد من الايضاح انظر:
د/ اسحاق ابراهيم منصور: موجز علم الإجرام و علم العقاب ، الطبعة الثانية ، 1991،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر ،ص 125 إلى 144.
د/ محمد صبحي نجم : المدخل إلى علم الإجرام و علم العقاب ، الطبعة الثانية ، 1988 ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، ص 59 إلى 69.
د/ فتوح الشاذلي : علم العقاب ، طبعة 1993 ، الإسكندرية جمهورية مصر العربية ، ص 42 إلى 80.
أ/ احمد هبة : موجز أحكام الشريعة الإسلامية في التجريم و العقاب ، الطبعة الأولى ، 1985 ،عالم الكتب للنشر ، القاهرة ، ص 160 إلى 170.
مقدمــــة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
و قد أخذت معظم التشريعات الحديثة بمبادئ الدفاع الاجتماعي إلى درجة أن أنشأت علما قائما بذاته و هو علم العقاب ، يدرس بالجامعات و يهتم بدراسة الحكمة من فرض الجزاء الجنائي و تحديد افضل الطــرق و انسب
الوسائل و الآليات لتنفيذ هذا الجــزاء، حتى يكون التنفيذ في ذاته محققا للغرض الذي يستهدفه المجتمع بمنع وقوع الجرائم أولا ، و تهذيب المجرم و إصلاحه و تقييمه حتى يكون أهلا للاندماج في المجتمع بعد ارتكاب الجريمة ثانيا.
و التشريع الجزائري واحد من هذه التشريعات ، حيث تبنى بصفة صريحة نظام إصلاح المحكوم عليهم و إعادة تربيتهم و تكييفهم الاجتماعي بموجب الأمر 72/02 المؤرخ في 1972.02.10 المتضمن قانون تنظيم السجـون و إعادة تربية المساجين (1) ، إذ نصت المادة 01 /01 منه على "إن تنفيذ الأحكام الجزائية وسيلة للدفاع الاجتماعي و هو يصون النظام العام و مصالح الدولة و يحقق أمن الأشخاص و أموالهم و يساعـــد الأفراد الجانحين على إعادة تربيتهم و تكييفهم بقصد إعادة إدراجهم في بيئتهم العائلية و المهنية و الاجتماعية".
كما وضع اليات لتنفيذ هذه السياسة العقابية تحت عنوان مؤسسات الدفاع الاجتماعي في الفصل الثاني من البـاب الأول من الأمر المذكور تتمثل في لجنة التنسيق و قاضي تطبيق الاحكام الجزائية.
و نظرا لان امر 72/02 لم يعد قادرا على التجاوب مع المعاملة العقابية الحديثة و عدم توفره على الاليات المناسبـة لضمان تطبيق انظمة اعادة التربية ، تم إلغاؤه بموجب القانون 05/04 المتضمن قانون تنظيم السجـــون و إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين (2) و الذي أكد على النهج الذي انتهجه المشرع الجزائري في ظل الامر الملغــى فيما يخص الاخذ بمبادئ الدفاع الاجتماعي لتبرير توقيع العقاب و تضمن احكاما جديدة مستوحاة من الانعكاسات التي افرزتها البيئة الدولية في السنوات الاخيرة لاسيما من ضرورة التكفــل بحقوق الإنسان و الارتقاء بها الى مستويات مثلى و التي تضمنتها الاتفاقيات و المعاهـدات الدولية ذات الصلة بوضع نظام ناجع يضمن اعادة الادماج الاجتماعي للمحبوسين.
و على صعيد الهياكل و الموارد البشرية و تجسيدا لسياسة إعادة الإدماج الاجتماعي للمساجين ، تم إطلاق برنامج بناء مؤسسات جديدة مصممة بما يتفق و المعايير المطلوبة في مجال حقوق الإنسان بطاقة استيعاب تتســع إلى 36000 مكان احتباس إضافة إلى إعادة تكييف برنامج تكوين موظفي إدارة السجون بما يتماشى و متطلبات المعاملة العقابيـة
الحديثة في إطار عصرنة التسيير الإداري و المالي للمؤسسات العقابية و ترقية النشاطات التربوية و الصحية و النفسيـة للمحبوسين قصد تحضيرهم لإعادة إدماجهم اجتماعيا.
ــــــــــــــ
(1) أمر 72/02 المؤرخ في 1972.02.10 المتضمن قانون تنظيم السجون و إعادة تربية المساجين ، جريدة رسمية عدد 15 لسنة 1972.
(2) قانون 05/04 المؤرخ في 2005.02.06 يتضمن قانون تنظيم السجون و إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين ، جريدة رسمية عدد 12
لسنة 2005.
مقدمــــة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
و قد ارتأينا الخوض في موضوع بحثنا هذا المتمثل في السياسة العقابية الحديثة التي تبناها المشرع الجزائري في ظـل قانون 05/04 انطلاقا من:
- حداثة الإصلاحات المنتهجة و التي تم إثراؤها بمجموعة من التدابير و الصيغ و الآليات الجديدة.
- نقص الكتابات و المؤلفات في التعريف بالسياسة العقابية الجديدة التي من شانها الدفع بوتيرة تفتح قطاع السجون على مختلف فعاليات المجتمع.
و هذا من خلال التطرق إلى مختلف الأساليب و الآليات التي جاء بها المشرع بغرض إعادة إدماج المحبوسين في أحضان المجتمع في ظل القانون الجديد ، مع إضفاء نوع من المقارنة بينها و بين الأساليب و الآليات المنصوص عليها بالأمـر 72/02 الملغى ، و هذا من خلال الإجابة على الإشكاليات التالية:
- ماهي أساليب المعاملة العقابية المطبقة في الوسط المغلق و خارجه؟
- ماهي الأنظمة و الآليات المستحدثة للتجسيد الحقيقي لسياسة إعادة الإدماج؟
مع تدعيم بحثنا بالإجراءات المتخذة و الإحصائيات المسجلة في هذا الميدان من قبل وزارة العدل للإجابة عن إشكالية اكبر و هي مدى فعالية و كفاية الأساليب و الآليات المعتمدة في تحقيق الغرض المنشود.
و بناء على ما سبق سوف، نتناول في هذا البحث أساليب و آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمساجين في ظل القانون 05/04 وفقا لما يلي:
الفصل الأول: أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين.
الفصل الثاني: أنظمة وآليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوســين.
الفصل الأول : أساليب إعادة التربية و الادماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
الفصل الأول:
أساليب إعادة التربية و الادماج الاجتماعي للمحبوسين
لقد نظم المشرع الجزائـري أساليب و طرق اعادة التربية و الادماج الاجتماعي للمساجين في الباب الرابـع من قانون 05/04 و قسمها الى مرحلتين : اعادة التربية في البيئة المغلقة أي داخل المؤسسة العقابية ، و إعادة التربية خارج البيئة المغلقة باعتماد وسائل تختلف باختلاف مرحلة الاحتباس ، و جعلها تخضع لرقابة هيئات قضائية تسهـر على متابعتها و دعم اليات اعادة تربية المحبوسين لادماجهم اجتماعيا. لذا سنتطرق في هذا الفصـل إلى إبراز أساليب إعادة التربية و الادماج الاجتماعي في كل بيئة.
المبحث الأول:
أساليب إعادة التربية و الادماج الاجتماعي في البيئة المغلقة.
تتنوع أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين في الوسط المغلق الذي يشمل مجموعـــة مؤسسات نص عليها المشرع الجزائري في قانون تنظيم السجون الجديد، لذلك سنتطرق إلى تبيان مؤسسات البيئة المغلقة في مطلب أول ، ثم نعدد مختلف الأساليب المنتهجة في مطلب ثان.
المطلب الأول: مؤسسات البيئة المغلقة.
لم يعرف المشرع الجزائري مؤسسات البيئة المغلقة و إنما ذكر بعض مميزاتها من خلال نص المـادة 25/3 من القانون 05/04 بقوله " يتميز نظام البيئة المغلقة بفرض الانضباط و باخضاع المحبوسين للحضور و المراقبة الدائمة "، كما انه تطرق الى تصنيفها بموجب المادة 28 و ما يليها الى مؤسسات و مراكز متخصصة.
أما علماء العقاب فقد عرفوها بانها سجون مرتفعة الاسوار بشكل ملحوظ ، قاتمة الالوان ، تعتمد نظام الحراسـة المشددة و المكثفة في الداخل و الخارج ، تكون معاملة المساجين فيها قاسية و حريتهم مسلوبـة تماما مع إخضاعهم للجزاءات التأديبية في حالة اخلالهم بنظام الاحتباس (1) على اساس ان الراي العام لازال ينظر الى مرتكبي الجرائم على انهم أفرادا خطرون مما يلزم عزلهم عن المجتمع تفاديا لاضرارهم و ردعا لهم (2).أما في العصر الحديث فـان نظام البيئة المغلقة يعد اسلوبا من اساليب المعاملة العقابية يهدف اساسا الى تحقيق اعادة التاهيل الاجتماعي للمساجين باخضاعهم الى طرق علاجية داخلها.
على أن هذا النظام لا يعزل المحبوسين عزلا تاما عن العالم الخارجي بل قرر لهم حق الزيارات و المحادثة ، حق المراسلات ، حق الحصول على الجرائد و الطرود و النقود الضرورية لاستهلاكهم الشخصي (3).
ــــــــــــــ
(1) د/ اسحاق ابراهيم منصور : المرجع السابق ، ص 180.
أ/ طاشور عبد الحفيظ : دور قاضي تطبيق الأحكام القضائية الجزائية في سياسة إعادة التأهيل الاجتماعي في التشريع الجزائري، طبعة 2001،
ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر، ص 93.
(2) أ/ محمد صبحي نجم: المدخل إلى علم الإجرام و علم العقاب، المرجع السابق ، ص 76.
(3) المواد من 57 الى 79 من قانون 05/04.
الفصل الاول: اساليب اعادة التربية و الادماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
و قد صنف المشرع الجزائري مؤسسات البيئة المغلقة الى صنفين : (1)
- المؤسسات و تشمل مؤسسة الوقاية ، مؤسسة اعادة التربية ، و مؤسسة اعادة التاهيل.
- المراكز المتخصصة و تشمل مراكز متخصصة للنساء و مراكز متخصصة للأحداث.
و نظام البيئة المغلقة هو اكثر الانظمة العقابية استعمالا في النظام العقابي الجزائري ، و مرجع ذلك النسبة العالية للعقوبات القصيرة المدة التي تصدر عن المحاكم الجزائية سنويا و التي لا يمكن معها تسطير علاج عقابي يتماشى و المفهوم المتعارف عليه لهذه العملية (2).
و قد نظمت وزارة العدل ندوة وطنية لاصلاح العدالة يومي 28 و 29 مارس 2005 على شكل ورشات أهمها ورشة إصلاح المنظومة العقابية و الـتي أوصت في ختام اشغالها ببناء مؤسسات عقابيـة وفق المعايير الدولية الحديثة تضمن الظروف الانسانية للاحتباس و اعداد خريطة عقابية تراعي نشاط الجهات القضائية و الجانب الديمغرافي و تصنيف المساجين و اخراج السجون من الوسط العمراني (3).
المطلب الثاني: الرعاية النفسية و الاجتماعية و الصحية للمحبوسين.
الفرع الاول: الرعاية النفسية.
هناك مجموعة أمراض نفسية تصيب الفرد في قواه النفسية كالغرائز و العواطف و تؤدي الى انحراف نشاطها على نحو غير طبيعي يصل الى حد ارتكاب الجرائم.
و حسب علماء علم الاجرام ، فحالات الشذوذ النفسي التي لها صلة وثيقة بالاجرام تجعل من الفرد غير قادر على التحكم في غرائزه و يتميز بسلوك اجتماعي منحرف ، بحيث يرتكب اعمالا عدائية للمجتمع (4).
و في داخل السجن تنشأ علاقات إنسانية عميقة بين المساجين انفسهم ، او بينهم و بين الاعوان ، و بذلك يلعب السجن دورا هاما في اعادة بعث المهارات النفسية في نفوس المساجين و منها مهارة الاتصال التي تساعدهم على حل او تجنب المشكلات النفسية الناجمة عن الجو المغلق الذي تفرضه ظروف الاحتباس ، مما يساعــد على تنمية قدرات السجناء العقلية التي تساعدهم في اعادة الاندماج مستقبلا في المجتمع.
و لاجل تحقيق ذلك ، فقد تم تعيين مختصين في علم النفس في كل مؤسسة عقابية تطبيقا لنـص المادة 89 من قانون 05/04 و هذا لاجل الاتصال بالمساجين ، و قد حددت المادة 91 دور الأخصائي في علــم النفس و المتمثل في التعرف على شخصية المحبوس و رفع مستوى تكوينه العام و مساعدته على حل مشاكله الشخصية و العائلية و ذلك من خلال الاتصال بالمساجين داخـل القاعات أو الفناءات أو في أي مكان يتواجدون به حيث يلاحظهم عن قرب و يتحدث معهم او عن طريق اللقاءات الفردية بمكتب الفحص و العلاج.
ــــــــــــــ
(1) المواد من 28 الى 32 من نفس القانون.
(2)أ/ طاشور عبد الحفيظ : المرجع السابق ، ص 93.
(3) مجلة رسالة الادماج: المديرية العامة لادارة السجون و اعادة الادماج، العدد الثاني لسنة 2005، دار الهدى للطباعة و النشر، ص 17.
(4) د/ إسحاق إبراهيم منصور: المرجع السابق، ص 49.
الفصل الأول: أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
فالسجين يتخـــذ في السجن عدة مظاهر للتعبير عما يختلج في نفسه سواء باللفظ كالثرثرة و النميمة و التلفيـق ( عن طريق مخالطة المساجين الجدد الذين يزودونه باخر اخبار العـالم الخارجي ، أو عن طريق الاتصال بمن سبقه الى السجن و الذين يزودونه باخبار العالم الداخلي فيتخلـــى عن الصفات الشخصية و الطبائـع الذاتية و يذوب في
الشخصية الجماعية الجديدة بالتقليد ) ، و سواء بالكتابة اين يجد السجين مخرجا للتنفيس عن حياته الماضية او معاناته الحالية و عواطفه فيسلمها الى الاخصائي النفساني قصد الاطلاع عليها او يحتفظ بها لنفسه ، و قد يعبر السجــين بالكتابة شاكيا لمدير السجن او لاي موظف مختص و حتى للمنظمات الوطنية و الدولية الصعوبات التي يعاني منهـا داخل السجن ، و في حالات اخرى يقوم بالخربشة على الطاولات و الكراسي و المراحيض و الفناءات لتمرير رسائل معينة كالوشاية بمسجون او باحد الحراس أو لتحديد مواعيد مشفرة و اشارات غرامية.
كما قد يتخذ السجين وسائل اخرى للتعبير كالاضراب عن الطعام محاولا جلب انظار مسؤولي السجن و السلطات القضائية لمشاكله و التاثير عليهم للاسراع في اتخاذ اجراء معين لصالحه ، و قد يلجأ الى تشويه جسمه و محاولـــة الانتحار كرسالة انذار لحالة الياس التي يعيشها.
اضافة الى كل ما سبق ، هناك انماط اتصال اخرى تصدر عن السجين تساعد الاخصائي النفساني على مراقبة و معرفة مرجعية سلوكــه كالتعابير و الارتسامات الوجهية مثل الضحك و الحزن ، و حركات اليد كالرفـض و الوداع و استعمال الحيز المكاني كالمكوث في مكان واحد مدة طويلة و حتى انخفاض و ارتفاع الصوت و الاهتمام بالنظافة او التفريط فيها ، فهي كلها دلالات لحالات نفسية يريد السجين من وراءها الحصول على العلاج المناسب.
و الأخصائي النفساني لنجاح مهمته يعتمد على مجموعة مهارات من خلال اتصاله بالمساجين و هي تتمثل في:(1)
- مهارات الاتصال اللفظي: و يتم بمكتب الفحص و العلاج حيث تكون للمسجون كامــل الحرية في التعبير عن مشاعره و افكاره و تطلعاته ، أين يقوم الأخصائي النفساني بالاستماع إليه باهتمام و اعطائه الاعتبار اللازم من خلال التشجيع احيانا و التوجيه احيانا اخرى ، و تزويده بصورة عن التصرفات الواجب التقيد بها اتجاه المجتمع محاولا بذلك تغيير فكرة شخصية المجرم التي يحملها عن نفسه و التي نمت لديه داخل السجن ، مما يبعث ثقة لديه تؤهله للتاقلم بدون مشاكل و لا عقد نقص اتجاه الاخرين و تساهم في اعادة اندماجه في المجتمع.
- مهارات الاتصال الجسمي: و تقوم على وضع السجين في حالة استرخاء تام فوق اريكة و دعوته للتخلــي عن الأفكار المزعجة و المقلقة ، حتى يتم إدخال أفكار سارة في تفكير المسجون بالاستعانة بالصـور الجميلة و الموسيقى المريحة مع قيام الاخصائي بتمرير يده من حين لاخر على جبهته او يديه لتحسس الحرارة المتدفقة اليها.
- مهارة الاتصال الجماعي :حيث يقوم الاخصائي النفساني باصطحـاب سجين أو أكثر لحضور الخطب و الدروس الدينية التي يلقيها إمام منتدب من طرف مديرية الشؤون الدينية داخل السجن بما يساعدهــم على تحسين سلوكهم و الالتزام بتعاليم دينهم في السجن ، كما يقوم بزيارات إلى مختلف أجنحة السجن للوقوف على المشاكـل الشخصية ــــــــــــــ
(1) أ/ امزيان وناس : دور الأخصائي النفساني بالوسط العقابي ، مقال منشور بمجلة رسالة الإدماج ، العدد الثاني: المرجع السابق ، ص28.
الفصل الأول: أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ و الاجتماعية للمساجين من خلال محاورتهم و مشاركتهم بعض الألعاب و الجلوس معهم في الفناء و في اوقات تناول الوجبات الغذائية فيحاول خلق جو من التآخي و التفاهم بينهم. و بالنسبــة للمساجين الطلبة و الممتهنين ، يعمل الأخصائي على تزويدهم بنصائح تخص كيفية مراجعة الدروس و الاستفادة منها و التحضير للامتحانات دون خوف،
كما يقوم بالاتصال بأهالي المساجين خلال محادثتهم فيتعرف على طرق التعبير لدى المساجين من محيطهـم الأصلي و كذا سلوكهم امام اوليائهم فيقدم لهم بعض التوجيهات اللازمة التي تخدم المسجـون أثناء تأدية عقوبته.
- مهارات الاتصال عن بعد: حيث يتم إصدار مجلة تحت إشراف الأخصائي النفساني تسمح للمساجين المساهمة فيها بكتاباتهم ، كما يعمل الأخصائي على تنشيط حصص تبث عبر الإذاعة الداخلية للمؤسسة العقابية أين يقدم خطابات مباشرة أو مسجلة توجه للمساجين الذين يمكنهم متابعتها على شاشة التلفـاز أو الراديو مباشرة من السجن.
و من بين الاحكام الجديدة التي تضمنها قانون 05/04 النص على وجوب استفـــادة المحبوسين من الفحص النفساني عند الدخول و الخروج من المؤسسة ( المادة 58 ).
الفرع الثاني: الرعاية الاجتماعية.
تعتبر الرعاية الاجتماعية عنصرا من اهم عناصر البرامج التاهيلية للمساجين لذلك حرص المشرع الجزائري على تعيين مساعدات و مساعدون اجتماعيون في كل مؤسسة عقابية ( المادة 89 ) يشكلون مصلحة مستقلة تعمل على ضمان المساعدة الاجتماعية للمساجين و المساهمة في تهيئة و تسيير اعادة ادماجهم الاجتماعي ( المادة 90 ).
و يكمن دور المساعدون الاجتماعيون في دراسة مشاكل المساجين الاسرية و المادية و الاستعلام حولها منذ لحظة دخولهم السجن خاصة و ان المسجون قد يترك وراءه اسرة تقتات من جهده و تحيا لمجرد وجوده بينها فيحاولون إيجاد الحلول المناسبة لها و اخطاره بها فترتاح نفسيته و ينقاد للنظام و التاهيل بنفس مطمئنة (1).
و حسب الأستاذ بطاهر تواتي فان طرق تطبيق المساعدة الاجتماعية يكمن في ضمان الصلة بين المؤسسات العقابية و مختلف المؤسسات الاجتماعية الخارجية من جهة ، و من جهة اخرى بين المحبوسين و الادارة العقابيـــة "dans les modalités d’exécution l’assistance sociale assure la بقوله و عائلاتهم liaison et facilite la collaboration ,d’une part, entre les établissements dans lesquels elle est engagée et les différents services sociaux extérieurs d’autre part , entre les détenus et l’administration pénitentiaire ainsi que leurs famille et , enfin , sous sa réspensabilite , entre ces derniers et les services sociaux locaux (2).
على أن يوضع المساعدون الاجتماعيون تحت سلطة المدير و يباشرون مهامهم تحت رقابة قاضي تطبيق العقوبــات ( المادة 89 ).
ــــــــــــــ
(1) د/ فتوح الشاذلي: المرجع السابق ، ص 272.
(2) Bettahar Touati : organisation et système pénitentiaires en droit algerien , 1ere édition ,
office national des travaux educatifs , 2004 , p 46.
الفصل الأول: أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
كما يعمل الأخصائيون الاجتماعيون على تنظيم اوقات الفراغ للمحبوسين حتى لا يسقطون في فـخ الاستسلام لماضيهـم الأسود ،و بالتالي اليأس من التغيير في حالتهم و التفكير في إيذاء أنفسهم أو المحيطين بهم.
على أن الرعاية الاجتماعية تعتمد على وسيلة أخرى لها من الفعالية ما يساعد على تأهيل المسجونين تتمثل في كفالة الاتصال الخارجي بين المحبوس من جهة ، و أفراد أسرته و أصدقائه و بالمجتمع ككل من جهة اخرى نظرا لما له من تأثير ايجــابي على نفسية المحبوس و يتم ذلك بـ:
- السماح بالزيارات و المحادثة : حيث تمنح تراخيص للآخرين لزيارة المحبوسين المحكوم عليهم نهائيا أو مؤقتا داخل المؤسسة العقابية و قد جاء القانون 05/04 باحكام جديدة في هذا المجال دعما لحقوق المحبوسين و أنسنة المعاملــة و ذلك بـ :
* توسيع قائمة الأشخاص المستفيدين من الترخيص بالزيارة إلى غاية الدرجة الرابعـة للأصول و الفروع، و الدرجة الثالثـة للاصهار.
* الترخيص للجمعيـات الإنسانية و الخيرية و رجال الدين بزيارة المحبوسين متى تبين أن في زيارتهم فائــدة لإعادة إدماجهم ( المادة 66/2،3).
* إجراء المحادثة بين المحبوس و زائريه دون فاصل من اجل توطيد أواصر العلاقات العائلية للمحبوس من جهة ،و إعادة إدماجه اجتماعيا أو تربويا من جهة اخرى ( المواد 50 ، 69 ، 119).
* الترخيص للمحبوسين بالاتصال بعائلاتهم بمناسبة التحويل أو المرض أو البعد و ذلك باستعمال وسائل الاتصال عن بعد ( المادتين 72 ،119 ).
* تمكين المحبوس من الممارسة الكاملة لحقوقه الشخصية و العينية في حـدود أهليته القانونية و ذلك بتلقيه زيــارة الأشخاص المؤهلين و استيفاء الاجراءات الادارية التي يفرضها القانون ( المادة 67 ).
* كما تضمن القانون الجديـد أحكاما أكثر مرونة للتكفل بفئتي الأحداث و النساء في مجال الرعاية الاجتماعية، فإلى جانب اعتماد نظام الزيارات دون فاصل ( 50 ، 119 ) نص في المادة 125 منه على صلاحية مدير مركـز إعادة تربية و إدماج الأحداث أو مدير المؤسسة العقابية في منح الحدث المحبوس أثناء فصل الصيف إجازة لمدة ثلاثين ( 30) يوما، يقضيها عند عائلته أو بإحدى المخيمات الصيفية أو مراكز الترفيه و اشترط فقط اخطار لجنة اعادة التربية دون أخذ رأيها كما كان في ظل الامر الملغى ، كما رفع مجموع مدد العطل الاستثنائية إلى 10 أيام بدلا من 07 في كل ثلاثة أشهر التي كانت سابقا ، و في هذا الإطار نظمت عطلة صيفية لفائدة عدد من المحبوسين الأحداث لمدة 09 أيام خلال صيف 2005 بغابة مسيلة بوهران أشرفت عليه الكشافـة الإسلامية الجزائرية (1) ، في حين نصت المادة 50 على جعل المحبوسة الحامل تستفيد من ظروف احتباس ملائمة و حال وضعها لحملها تسهـر إدارة المؤسسة العقابية بالتنسيق مع المصالح المختصة بالشؤون الاجتماعية علـى إيجاد جهة تتكفل بالمولود و تربيته ( المادة 51).
ــــــــــــــ
(1) مجلة رسالة الإدماج: العدد الثاني، المرجع السابق ، ص 48.
الفصل الأول: أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
- اعتماد نظام المراسلات : بتبادل الرسائل بين المحبوسيـن و أقاربهم أو أي شخص اخر و العكس شريطة ألا يخل ذلك بأمن المؤسسة العقابية أو بإعادة تربية المساجـين و إدماجهم في المجتمع ( المادة 73 ) ، و الهدف من كل ذلك الحفاظ على روابط الاتصال بين المحبوس و محيطه الخارجي فلا يحس بالوحـدة و انقطاعه عن أخبار أقرب الناس إليه خاصـة و أن نظام الزيارات مقتصر على فئة معينة لا تشمل كل معارف المحبوس و أصدقائه ،و يدخل في هذا النظام الحق في تلقي الحوالات البريدية او المصرفية و الطـرود و الأشياء التي ينتفع بها المحبوس في حدود النظام الداخــلي للمؤسسة العقابية و تحت رقابـة إدارتها ( المادة 76 ).
على أن للمحبوس الحق في تقديم شكوى و تظلم عند المسـاس بأي حق من الحقوق السالفة الذكر إلى مدير المؤسسة العقابيـة لاتخاذ كل الإجراءات القانونية اللازمة في شأنها ، مع تقييـد حق المدير في الرد على هذا التظلـم خلال 10 أيام مـن اتصاله به تحت طائلة إخطار قاضي تطبيق العقوبات مباشرة من طرف المحبوس.
و في المقابل قد يتم الحد من حق مراسلة المحبوس لعائلته لمدة لا تتجاوز شهرين على الأكثر أو الحد من الاستفادة من المحادثة دون فاصل و من الاتصال عن بعد لمدة تتجاوز شهرا واحدا أو المنع من الزيارة لمدة لا تتجاوز شهر واحد فيما عدا زيارة المحامي ، متى أخل المحبوس بالقواعد المتعلقة بسير المؤسسة العقابية و نظامها الداخلــي و أمنها و سلامتها أو اخل بقواعد النظافـة و الانضباط داخلها ( المادة 83 ).
الفرع الثالث: الرعايـة الصحيـة.
لقد كفل المشرع الجزائري الرعاية الصحية لكل محبوس منذ دخوله للمؤسسة العقابية إلى غاية الإفراج عنه خاصة متى كان المرض هو العامل الذي كان له اثر في انحراف المجـرم ، إذ تنص المـادة 61 من قانون 05/04 على وضع المحبوس المحكوم عليه الذي ثبتت حالة مرضه العقلـي أو الذي ثبت إدمانه على المخدرات أو المدمن الذي يرغب في إزالة التسمم بهيكـل استشفائي متخصص لتلقيه العلاج.
و الرعاية الصحية تتناول جانبين: الوقاية و العلاج.
أولا- الوقاية: يقـال أن الوقاية خير من العلاج لذا حرص المشرع الجزائري من خلال قانون 05/04 على النص على مجموعة من الأحكام للحيلولة دون إصابة المحكوم عليهم بالأمراض سواء المتنقلة أو المعدية تشمل قواعد الصحة و النظافة داخـل أماكن الاحتباس سواء تعلـق الأمر بالهيكل المادي للمؤسسات العقابية أو بالمساجين.
أ- الهيكل المادي للمؤسسات العقابية:
يجب أن تقام مباني المؤسسة العقابية على حسب أصول الفن الهندسي بحيث تشمل أماكن مخصصة للعمـل و أخرى للتعليم و الترفيـه و أخرى للنوم بشكل يجعلها معرضة للشمس و الهواء الطلق و مزودة بالكهرباء ، مع تخصيص أماكن لدورات المياه يقضي فيها المساجين حاجاتهم.
و مع ذلك أضاف المشرع أحكاما أخرى تساهم في دعم الرعاية الصحية داخل هذه المؤسسات ، إذ وضع التزاما على عاتق طبيب المؤسسة العقابية أن يتفقد مجموع الأماكن بها و يخطر المدير بكل معاينة للنقائص أو كــل
الفصل الأول: أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
الوضعيات التي من شانها الإضرار بصحة المحبوسين (1) و هـذا لاتخاذ التدابير الضرورية للوقاية من ظهور و انتشـار الأوبئة أو الأمراض المعدية حتى و إن اقتضى الأمر التنسيـق مع السلطات العمومية المؤهلة (2) ،كما اخضــع كل المؤسسات العقابية و المراكز المتخصصة بالنساء و المراكز المتخصصة للأحداث إلى مراقبة دورية (3) يقوم بها القضـاة و حتى الوالي مع إعداد تقارير تقييمية لسير هذه المؤسسات توجـه إلى وزير العدل بما فيها مدى توفر شروط الرعاية الصحيـة داخلها.
على أن المحافظة على نظافة أماكن الاحتباس جعل منها المشرع الجزائري واجبا من واجبات المحبوسين لأنهـا شرعت لأجلهم بالدرجة الأولى ، لذلك نص علـى أن يعين في كل مؤسسة عقابية محبوسين للقيام بالخدمة العامة من أجل المحافظة على النظافة مع مراعاة الظروف الصحية لهم (4)، تحت طائلة تعرض المحبوس للعقوبات التأديبية المنصوص عليها في المادة 83 من قانون 05/04 في حالة الإخلال بقواعد النظافة بأعمال مختلفة تشمل الأماكن و صيانة المباني و نظافة المطابخ و الساحـات و الأماكن المشتركة.
ب- نظافة المحبوس و تغذيته:
تشمل نظافة المحبوس جسمه و ملابسه لذا يجب على كل مؤسسة عقابية توفير الإمكانيات اللازمة لمتابعة ذلك من ماء ساخن و صابون و استحمام و حلاقة شعر و قص للأظافر على أن يتاح للمسجون الانتفاع بها بشكل دوري ، كما يجب تزويد المساجين بملابس ملائمة للظـروف المناخية صيفا و شتاء و تختلف باختلاف نوع العمـل الذي يكلفون به ( العمل في الورشة ، المطبخ ، الرياضة ، التعليم ...) ، و ذلك بهدف عدم إشعار المحبوس بالاحتقار و رفع معنوياته باستمـرار إلى جانب الحفاظ على صحته.
و في مجال الوقاية من الأمراض نصت المادة 58 من قانون 05/04 على ضـرورة فحص المحبوس من طرف الطبيب عند دخوله الى المؤسسة العقابية و عند الافراج عنه و كلما دعت الضرورة لذلك ، و هذا لتشخيـص حالته و اتخـاذ الإجراءات اللازمة التي تحول دون تعرض المحبوس لمرض ما أو تقديم العلاج المناسب إذا ما تبين أن المحبوس يعـاني أعراضا صحية معينة.
و في نفس الإطار أعفى المشرع الجزائـري من خلال نص المادة 48 المحبوس مؤقتا من العمل باستثناء العمل الضروري للحفاظ على نظافة أماكن الاحتباس و من ارتداء البذلة الجزائية بعد اخذ راي طبيب المؤسسة العقابية، كما أوقف تنفيذ إجراء الوضع في العزلة كتدبير تأديبي ضد المحبوس على ضرورة استشارة الطبيب و الأخصائي النفسـاني للمؤسسة العقابية و في حالـة اتخاذ هذا الإجراء يظل المحبوس محل متابعة طبية مستمرة ( المادة 85 ).
ــــــــــــــ
(1) المادة 60 من قانون 05/04.
(2) المادة 62 من نفس القانون.
(3) المادة 33 و ما بعدها من نفس القانون.
(4) المادتين 80 و 81 من نفس القانون,
الفصل الأول: أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
و إذا كان المحبوس امرأة حامل فإن رعايتها الصحية تتطلب اهتماما من نوع خاص لاسيما من حيث التغذية المتوازنة و الرعاية الطبية المستمرة ، فلا تكلف بأعمال شاقة ترهقها أو تضعف مقومات تكوين الجنين تكوينا سليما، و في حالة الوضع تسهـر إدارة المؤسسة العقابية على إيجاد جهة تتكفل بالمولود و تربيته بالتنسيق مع المصالح المختصة بالشؤون الاجتماعية ، و في حالة تعذر ذلك يسمح للمرأة بالاحتفاظ بمولود ها معها إلى غاية بلوغه ثلاث سنوات مع إحاطتها بظـروف احتباس ملائمة ( المادتين 50 و 51 ).
و يدخل كذلك في مجال الرعاية الصحية للمسجون من الناحية الوقائية توفير الغذاء الملائم له حسب سنه (1) و حالته الصحية و نوع العمل الذي يؤديه حتى لا يصـاب بأمراض نقص التغذية تجعله يعجز عن القيـام بواجباته ، و يسهر طبيب المؤسسة العقابية على مراقبة نوعية الغذاء المقدم للمساجين في إطار مهام مراعاة قواعد الصحة داخـل أماكن الاحتباس.
ثانيـا- العـلاج: و يكون في مرحلة لاحقة على الوقاية ببيان الوسائل الواجب اتخاذها إذا ثبت المــرض أو وقعت الإصابة به فعلا ، و نظرا لأن العلاج الطبي حق من حقوق المساجين تلتزم به الدولة فقد نص المشرع الجـزائري في المادة 57 من قانون 05/04 على أن يستفيد المحبوس من الخدمات الطبية في مصحة المؤسسة العقابية و عند الضرورة في أي مؤسسة استشفائية اخرى.
و ذهب المشرع إلى أبعد من ذلك حينما نص على وجوب إخضاع المحبوس الرافض للعلاج للعلاجات الضرورية تحت مراقبة طبية مستمرة إذا أصبحت حياته معرضة للخطر ( المادة 64/3 ) ، لأن رفض العلاج في نظره مرده الحالة النفسية السيئة التي يعيشها المحبوس إلى درجة التفكير و العمل علـى الإضرار بنفسه ، و قد تم إبـرام اتفاقية بتاريخ 1997.05.13 بين وزارة العدل و وزارة الصحة و السكان بخصوص التغطية الصحية الشاملـة على مستوى المؤسسات العقابية ( 2) بما فيها تكوين و هيكلـة الأطباء و الممرضين العاملين بأماكن الاحتباس.
و من الناحية الإدارية يتولى الطبيب فتح ملف طبي لكل سجين مريض يسجل فيه كل المعلومات الطبية الخاصة به لاسيما تاريخ الفحص، تاريخ الشفـاء، تحويل المحبوس لتلقي العـلاج خارج المؤسسة العقابية و عزله عن باقـي المساجين.
و بالنسبة للنساء المحبوسات الحوامل نصت الاتفاقية على أن عملية الوضع تتـم إجباريا بالمصحات العامة.
في حين إذا ثبت وجود محبوس يعاني من مرض عقلي أو مدمن على المخدرات أو أن مدمنا يرغب في إزالة التسمم فإنه و حسب نص المادة 61 يتعين وضعه بهيكل استشفائي متخصص لتلقي العـــلاج.
ــــــــــــــ
(1) إذ تنص المادة 119 من قانون 05/04 على أن يستفيد الحدث المحبوس من وجبة غذائية متوازنة و كافية لنموه الجسدي و العقلي.
(2) Bettahar Touati : l’ouvrage précédent, p 33.
الفصل الأول: أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
و لأجل السهر على متابعة تطبيق بنود الاتفاقية ، تم النص على إنشاء لجان محلية تجتمع كل ثلاثة أشهــر و استثنائيا كلما دعت الضرورة لذلك تعد إثرها تقريرا تقييميا ترسله إلى وزارتي العدل و الصحـة أين يدرس من طرف لجنـة وزارية مشتركة لاتخاذ التدابير اللازمة.
و ذهب اهتمام المشرع الجزائري بصحة المساجين الى درجة مساءلة كل مستخدم تابع لإدارة السجون سبب تهاونـه أو عدم حيطته أو عدم مراعاته الأنظمة في تعريض صحة المحبوسين للخطر و معاقبته بالحبس من شهرين إلى سنتين و بغرامة من 000 10 إلى 000 50 دج (1).
المطلب الثالث: التعليم و التكوين المهني.
بما أن الجهل و نقص التعليم من اهم العوامل في انتشار الجريمة ، كان التعليم و التكوين المهني مـن أهم أساليب المعاملة العقابية التي تكفل تأهيل المساجين ، و قد ساير المشرع الجزائري ذلك من خلال تنويــع أساليب التعليم و التكـوين و أماكنه.
الفـرع الأول: التعليــم
إن التعليم في السجن يحقق أغراضا متعددة ، فإعادة التأهيل الاجتماعي للمسجون الذي يرمي النظام العقابي لتجسيده يتطلب توجيه المسجون و مساعدتــه على القيام بعمل في المجتمع يتعيش منه على الوجـه الذي يتفق مع القانون عن طريق إصلاح جوانب عديدة في شخصيته ، و لا يتأتى ذلك إلا بتلقين المسجون المعلومـات الضروريـة و الرفع من مستواه الذهني و الاجتماعي بغرس قيم و مبادئ أخلاقية تساعده على التكيف داخل المؤسسة و خارجها كما أن التعليم يقوي في الفـرد القدرة على ضبـط النفس مما يجعله أكثر استعدادا لاحترام النظام و تنفيـذ مختلف الالتزامات التي تفرض عليه ، و يساعد المحكوم عليه الذي لم يسبق له تلقي أي قدر من التعليـم أن يحصل على القدر الأدنى الذي يكفي لحل مشاكل اجتماعية عدة ترتبط كثيرا بحالات الجهل و الامية ،كما يمكنه من قضاء أوقات فراغه فـي أوجه من النشاط المفيد كالقراءة و الرسم و بالتالي صرفه عن التفكير في الإقدام على سلوك إجرامي (2).
و في هذا الإطار، نص قانون 05/04 في مادته 94 على تنظيم دروس في التعليم العام و التقني وفقا للبرامج المعتمدة رسميــا لفائدة المساجين و تم تجسيد ذلك بإبرام اتفاقية بين إدارة السجون و وزارة التربية الوطنية بتاريخ 2006.12.26 ( الملحق رقم 1_أ ).
و من أجل إنجاح العملية رسم المشرع إطارها المادي و البشري حيث يشمل التعليم مختلف المستويات من محو الأمية ، التعليم بالمراسلة و التعليم الجامعي ، إذ تنص المادة 89 من نفس القانون علـى تعيين أساتذة في كل مؤسسـة عقابية يوضعون تحت سلطة المدير و يباشرون مهامهم تحت رقابة قاضي تطبيق العقوبات.
ــــــــــــــ
(1) انظر المادة 167 من قانون 05/04.
(2) د/ علي عبد القادر القهوجي و فتوح عبد الله الشاذلي: علم الإجرام و علم العقاب، طبعة 2003، دار المطبوعات الجامعية بالإسكندرية مصر ، ص 263.
د/ فتوح الشاذلي: المرجع السابق، ص 257.
الفصل الأول: أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
و لم يتوقف الاهتمام بالتعليم عند هذا الحد فقط و إنما يسمح للمساجين الحاصلين علـى شهادة البكالوريا بمتابعة دراستهم الجامعية بعد ترخيص من وزير العدل (1).
أما عن وسائل التعليم فهي متعددة يمكن إيجازها في:
01- إلقاء الدروس و المحاضرات:
و يتم ذلك حسب المستوى التعليمي للمساجين و وفقا للبرامج المعتمدة رسميا من طرف وزارة التربيـة، إذ يتلقى الأميون مبادئ القراءة و الكتابة و الحساب في حين يتم تنظيم تدريس من يحسن القراءة و الكتابة تبعا لمستواهم و في حدود الإمكانيات المتاحة بالمؤسسة العقابية ، على أن تتضمن هذه الدروس و المحاضرات مناقشات هادئة تنمي في المحبوس روح التفاهم و الإقناع العلمي و ذلك بغرض استئصال العنف من نفسه.
02- توزيع الجرائد و المجلات و الكتب:
حرصا من المشرع الجزائري على بقاء الاتصال المستمر للمساجين بالعالم الخارجي، نص في المادة 92 من قانون 05/04 على حق المساجين في الاطلاع على الجرائد و المجلات باعتبارها من الوسائل التي تثير الواقع المعـاش وطنيا و دوليا من نواحي مختلفة اقتصادية ، اجتماعية ، ثقافية و رياضية. كما تساهم هذه الجرائد و المجلات في ترفيه و تسلية المساجين إذ كثيرا ما تتضمن قصص و حكايات و نكت مسليـة و العاب تنمي الذكاء.
كما أن إنشاء مكتبة داخل المؤسسات العقابية تساهم في تعليم المساجين و إعادة تربيتهم من خلال نوعية الكتب و المؤلفات و التي يجب أن تستجيب لأهداف عملية إعادة التأهيل الاجتماعي (2).
و يدخل في مجـال التعليم تهذيب المساجين عن طريق غرس و تنمية القيم المعنوية فيهم ، سواء كانت دينية أو خلقية ، إذ أن انعدام الوازع الديني يكون عاملا يدفع الفرد إلى ارتكاب الجرائم دون نـدم أو تقدير لعواقب فعله و أن من شأن التهذيب الديني جعل الفرد يعاود التفكير فيما ارتكب من جرم ، و يحثه على التوبة و الاستغفـــار و اعتزام الطريق المستقيم بعد ذلك. و نظرا لهـذه الأهمية فقد سمح المشـرع من خلال نص المادة 66/3 للمحبوس بممارسة واجباته الدينية و في أن يتلقى زيارة رجل دين من ديانته.
و التهذيب الديني يعتمد على مجموعة من الوسائل أهمها:
أ- تنظيم المحاضرات و الدروس الدينية من طرف رجال دين ذوي علم و خبرة للتوصل إلى نفوس المجرمين عن طريق مخاطبة عقولهم بأسلوب مناسب.
ب- إقامة الشعائر الدينية بتخصيص مكان لإقامة الصلاة حتى لا تنقطع صلة المسجون بربه ، مما يساعد على تأهيله بالتوبة و الاستغفار و الندم على ما اقترفه من جرائم فيصحو ضميره و يقرر عدم العودة الى ميدان الجريمة مطلقا، على أن يتم فتح أماكن العبادة في غير مواعيد العمل للمساجين حتى لا يتذرعوا بملازمتها للصلاة بقصد التهرب من العمل الموكول اليهم.
ــــــــــــــ
(1) أ/ طاشور عبد الحفيظ : المرجع السابق ، ص 103.
(2)Bettahar Touati : l’ouvrage précèdent, p 56
الفصل الأول: أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
أما بخصوص التهذيب الخلقي، فيتم غرس و تنمية القيم الخلقية في نفس المسجون فتتشبع بمكارم الأخـلاق، و يقوم بهذا الدور فريق من المتخصصين في علم التربية و علم النفس و علم العقاب عن طريـق الإنفراد بالمسجـون و تحليل شخصيته و نفسيته و محاولة معرفة الأسباب التي دفعته للإجرام ، و بالتالي إيجاد الحلول المناسبة عن طريـق استبدال النزعة الإجرامية بغرس القيم الأخلاقية في وجدانه و التي تشجع على نبذ الجريمة و احترام الغير و مؤاخـاته و الحرص على عدم الإضرار به.
03- إصدار نشريات داخلية و مجلات: بحيث تكون فضـاء للمساجين يعبرون من خلاله عن أفكارهـم بإنتاجاتهم الأدبية و الثقافية ( المادة 93 ). و قد تجسد ذلك من خلال إصدار المديرية العامة لإدارة السجون و إعادة الإدماج لمجلة دورية سميت رسالة الإدماج حيث خصص بها جناح للمساجين تحت عنوان نشريات السجـون ، أين تضمن العدد الثاني لشهر اوت 2005 ثلاث مقالات لمساجين ، أخذت هي الأخرى من مجلات صادرة بمؤسسات إعادة التأهيل و إعادة التربية تتمثل في مجلة التهذيب عن مؤسسة إعادة التأهيل بابار ، مجلة الإدماج عن مؤسسة إعادة التربية بتبسة و مجلة منارة النزلاء عن مؤسسـة إعادة التأهيل بسيدي بلعباس (1).
04- متابعة برامج الإذاعة و التلفزة : تعتبر هذه البرامج من أهم و أكثر الوسائل تأثيرا على الفـرد نظرا لاعتمادها علـى أسلوب الخطاب المباشر ، لذا نص المشرع في المادة 92 من قانون 05/04 علـى ضرورة تمكين المساجين من متابعة برامج الإذاعة و التلفزة ، مع إخضاعها لمراقبة إدارة المؤسسة العقابية خاصة بالنسبة للتلفزة إذ أن ظهور الهوائيات المقعرة أدى إلى تخصص بعض القنوات الأجنبية في التشجيع على الجريمة و العنف و فساد الأخـلاق لذا يتعين منع المساجين من مشاهدة مثل هذه البرامج حتى لا تأثر سلبا على عملية إعادة تأهيلهم و تربيتهم.
و حسب إحصائيات المديرية العامة لإدارة السجون و إعادة الإدماج ، فإن مجال التعليم عرف ارتفاعـا في عدد الدارسين بمختلف الأطوار سواء في محو الأمية أو التعليم عن طريق المراسلة أو الدراسة الجامعية ، حيث انتقل عدد الدارسين من 500 محبوس خلال سنة 1994 إلى 6594 سنة 2006 ، كما أن عدد الناجحين في شهـادتي البكالوريا و التعليم الاساسي بلغ 234 محبوسا ناجحا في شهادة البكالوريا سنة 2005 بعدما كان 13 ناجحا سنة 1999 و 259 محبوسا ناجحا في شهادة التعليم الأساسي سنة 2005 بعدما ما كان لا يتجـاوز 04 ناجحين في سنة 1999 (2) .
و هي نتائج تعكس المجهــود المبذول من طرف إدارة المؤسسات العقابية في تطبيق برنامج إعادة تأهيـل المساجين و تحضيرهم للعودة إلى أحضان المجتمع أفرادا صالحين و مسلحين بالعلم بعدما ارتموا في أحضان الجريمة.
و قد اسند المشرع مهمة إعداد برامج التعليم بالنسبة للمحبوسين الأحداث إلى لجنة إعادة التربية على أن يتم ذلك اعتمادا على البرامج الوطنية.
ــــــــــــــ
(1) مجلة رسالة الادماج: العدد الثاني، المرجع السابق ، ص 42 الى 44.
(2) مجلة رسالة الادماج: نفس المرجع ، ص 37 الى 39.
- أبواب مفتوحة على العدالة السياسة العقابية الجديدة في ظل الإصلاحات ، إدارة السجون 25 إلى 27 افريل 2006 ، ص 15.
الفصل الأول: أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
الفـرع الثـاني: التكوين المهـني.
يعد التكوين المهني من أنجع الطرق لتحقيـق التأهيل الاجتماعي في البيئة المغلقة لذلك خصه المشرع بعناية خاصة من حيث عدد أماكن التكوين ، فنص في المادة 95 من قانون 05/04 على أن يتم التكوين المهني داخـل المؤسسة العقابية أو في معامل المؤسسات العقابية أو في الورشات الخارجية أو في مراكز التكوين المهني ، و يشترط أن يتماشى هذا التكوين و إمكانيات تشغيل المحكوم عليه بعد إطلاق سراحه أو بالنظر للعمل الذي يمكن أن يسند إليه بعد إلحاقه بورشة خارجية أو بيئة مفتوحـة (1). و لتحقيق هذا الغرض تم فتح ورشـات داخل المؤسسة العقابية حسب نـوع التكوين ، كما تم إبرام اتفاقية بين وزارتي العدل و التكوين المهني بتاريـخ 1987.07.26 و المعدلة بتاريخ 1997.11.17 و التي حـددت ثلاث طرق لتنظيم التكوين المهني للمساجين (2):
- على مستوى الفرع الملحق الذي يمكن إنشاؤه داخل المؤسسات العقابية في حدود إمكانياتها.
- على مستوى احد الفروع بمراكز التكوين المهني.
- فتح ورشات للتمهين داخل المؤسسات العقابية تحت إشراف و متابعة مراكز التكوين المهني.
و قد نصت الاتفاقية أيضا على أن المحبوسين الأحداث و البالغين الذين لم يتجاوزوا سن 25 سنة و تم اطلاق سراحهم دون استكمال فترة التكوين ، بإمكانهم مواصلة ذلك على مستوى مراكز التكوين الأقرب لمقر إقامتهــم و استثناء بالنسبة لمن تتراوح سنه بين 25 و 30 سنة ، و يتم ذلك باقتراح من مدير التشغيل و التكوين المهني و مدير المؤسسة العقابية.
و يسهر على متابعة التكوين بالمؤسسات العقابية أساتذة مختصون يتم انتدابهم من طرف وزارة التكوين المهني.
كما نصت الاتفاقية على عدم خضوع المساجين لامتحانات القبول سواء على مستوى المؤسسات العقابيـة أو على مستوى مراكز التكوين المهني ، و إنما يتم توجيههم نحو مختلف أصناف مواد التكـوين حسب معايير خاصة و يتلقون تكوينا حسبما هو معتمد في مراكـز التكوين سواء من حيث البرنامج أو الفترة الزمنية. و علـى مستوى مراقبة سير التكوين المهني للمساجين فقد نصت الاتفاقية على أن يتكفل به مدير المؤسسة العقابيـة و ممثل عن مصالح التكوين المهني على مستوى الولاية تحت إشراف قاضي تطبيق العقوبات ، مع إعداد تقرير تقييمي لسير العملية يرسل إلى وزارة العدل و وزارة التكوين المهني ،كما يمكن لمدراء مؤسسات التكوين المهني فضلا عن المسؤولين البيداغوجيين القيام بزيارات تفقدية لورشات التكوين على مستوى المؤسسات العقابية الملحقة بهم و ملاحظة مدى وجود الشروط الملائمة لنجاح العملية ، و في المقابل لمدراء المؤسسات العقابية القيام بزيـارات تفتيشية لأقسام التكوين الخاصــة بالمساجين على مستوى مراكز التكوين المهني ، و الإطلاع على الظروف التي يخضـع لها المساجين و مدى التزامهم بالنظام الداخلي للمراكز.
ــــــــــــــ
(1) أ/ طاشور عبد الحفيظ: المرج السابق ، ص 102.
المادة 01 من الاتفاقية المتعلقة بتكوين المساجين مهنيا الملحق رقم 1-ب.(2)
الفصل الأول: أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
و حتى يتم تطبيق الاتفاقية بشكل ايجابي من حيث المحتوى و الأهداف ،تم إنشاء لجنة وزارية مشتركة تتشكل من:
- مدير إدارة السجون و إعادة التربية بوزارة العدل.
- نائب مدير اعادة التربية بوزارة العدل.
- نائب مدير حماية الأحداث بوزارة العدل.
- مدير التمهين و التكوين المتواصل بكتابة الدولة للتكوين المهني.
- نائب مدير مكلف بالعلاقات ما بين القطاعات بكتابة الدولة للتكوين المهني.
- نائب مدير مكلف بهندسة البرامج بكتابة الدولة للتكوين المهني.
تعمل على إعداد تقرير سنوي حول ظروف تنفيذ الاتفاقية و تقوم بإرساله لوزير العدل و كاتب الدولة للتكويــن المهــني ( الملحق 1-ب ).
و في ختام التكوين تمنح للمساجين الناجحين شهادات تثبت نجاحهم دون الإشارة فيها أنهم تحصلوا عليها خلال فترة حبسهم (1) و هذا حتى لا يكون لذلك تأثيرا على حصولهم على عمل بعد قضاء فترة عقوبتهم.
و حسب الإحصائيات المعتمدة من طرف إدارة السجون في مجال التكوين، فقد بلغ العدد الإجمالي للمحبوسين المسجلين لمزاولة تكوين مهني 4686 محبوسا ، و هو في ارتفاع بنسبة 61% مقارنة مع سنة 2005.
و تجدر الإشارة إلى أن نفقات التسجيلات لمختلف الامتحانات الرسمية و كذا اقتناء لوازم التعليم و معدات التكوين المهني تتكفل بها المديرية العامة لإدارة السجون.
المطلب الرابــع: العمـل
لقد نظم المشرع الجزائري عمل المساجين في البيئة المغلقة في المـواد من 96 الى 99 من قانون 05/04 باعتباره من وسائل إعادة التربية و إعادة الإدماج الاجتماعي للمساجين حسب السياسة العقابية الحديثة ، التي ألغت النظـرة السابقة للعمل باعتباره تكملة لعقوبة السجن أو الحبس ، فأصبح من واجب الدولة أن تجد العمل المناسب للمسجون كحق له في التأهيل على أن تراعى في ذلك حالته الصحية و استعداده البدني و النفسي و قواعد حفظ النظام و الامن داخل المؤسسة العقابية (2).
و في هذا الإطار أكد علماء العقاب أن البطالة داخل السجن كثيرا ما تؤدي إلى نتائج سيئة تحول دون تأهيــل المسجون ، إذ أن بقاءه دون عمل يجعله يفكر في إحداث الشغب و الإخلال بالنظام ، كما قد يسيطر عليه شعـور بالقلق و الكآبة و الملل فينقلب أحيانـا إلى شعور بالعداوة إزاء المجتمع ، كما و أن الفـراغ قد يعرض المسجـون لاضطرابات مختلفة تنعكس أحيانا على حالته الصحية (3). و كنتيجة لذلك اعتبر العمل من الالتزامات المفروضة على
ــــــــــــــ
(1) انظر المادة 163 من قانون 05/04.
(2) انظر المادة 96 من نفس القانون.
(3) أ/ محمد صبحي نجم: المدخل إلى علم الإجرام و علم العقاب ، المرجع السابق ، ص 111.
الفصل الأول: أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
السجين ، فلا يحق له أن يرفض العمل أو الامتناع عن أداءه و إلا تعرض لعقوبة تأديبية أساسها مخالفة القواعد المتعلقة بسير المؤسسات العقابية و نظامها الداخلي و قواعد الانظباط بها حسب المادة 83.
و قد نصت المادة 160 علـى أن يستفيد المحبوس المعين للقيام بعمل أو بخدمة من أحكـــام تشريع العمل و الحماية الاجتماعية كحقه في الأجر ( المادة 168 )، حقه في التامين حيث تتولى المديرية العامة لإدارة السجـون و إعادة الإدماج تامين المحبوسين العاملين في نظام البيئة المغلقة ( الملحق رقم 2-أ )، و حقه في التعويض عن حوادث العمل بالإضافة إلى الخبرة المهنية التي يكتسبها و غيرها من الأحكام ، على أن تتولى إدارة المؤسسة العقابية دون سواها تحصيل المقابل المالي لصالح المحبوس عن عمله المؤدى و تقوم بتوزيعه على ثلاث حصص متساوية:
- حصة ضمان لدفع الغرامات و المصاريف القضائية و الاشتراكات القانونية عند الاقتضاء.
- حصة قابلة للتصرف تخصص لاقتناء المحبوس حاجاته الشخصية و العائلية.
- حصة احتياط تسلم للمحبوس عند الإفراج عنه.
كما تسلم للمحبوس الذي اكتسب كفاءة مهنية من خلال عملـه أثناء قضائه لعقوبته شهادة عمل يوم الإفراج عنه خالية من الإشارة أنه تحصل عليها خلال فترة حبسه (1).
و يشترط في العمل الذي يكفـل إعادة تأهيل المحكوم عليهم :
أ- أن يكون منتجا لأن ذلك يحملهم على الاهتمام به و اتقانه ، أما العمل غير المنتج فإنه يدفعهم للكسل عن ادائه.
ب- أن يكون متنوعا بأن تتعدد أشكاله بحيث يشمل ميادين الزراعة و الصناعة و الحـرف مع تمكين المسجون من اختيار العمل الذي يتفق و قدراته.
ج- أن يكون مماثلا للعمل الحر من حيث الحجم و أساليب الأداء حتى يجد المسجون نفسه متأقلما مع حجــم و أساليب الأداء خارج المؤسسة عند الإفراج عليه.
د- أن يكون بمقابل أي أن يتلقى المسجون نظير العمل الذي يؤديه أجرا حتى و إن لم يكن مساويا لأجـور العمال خارج المؤسسات العقابية (2 ).
و بخصوص تنظيم طرق العمل يمكن لإدارة المؤسسة العقابية أن تقوم بكل مبادرة من شأنها أن تساعد على تحقيق هذا الهدف ، كإبرام اتفاقيات مع هيئات عمومية أو خاصة تتولى تشغيل المساجين و تأخذ نظام المقاولـــة و التوريد ، أو قيام المؤسسة العقابية باستغلال العمل العقابي بنفسها و تأخذ نظام الاستغلال المباشر (3).
ــــــــــــــ
(1) انظر المواد 97 الى 99 و 163 من قانون 05/04.
(2) د/ اسحاق ابراهيم منصور : المرجع السابق ، ص 192.
د/ علي عبد القادر القهوجي و فتوح عبد الله الشاذلي: المرجع السابق، ص 250.
د/ فتوح الشاذلي: المرجع السابق، ص 243.
(3) لمزيد من المعلومات انظر د/ اسحاق ابراهيم منصور: نفس المرجع ، ص 194.
Bettahar Touati : l’ouvrage précédent, p 68-71.
الفصل الأول: أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ و في هذا الاطار ، تم وضع الديوان الديوان الوطني للأشغال التربوية تحت وصاية وزير العدل حافظ الأختام مـن أجل تنفيذ كل الأشغال و تقديم كل خدمة بواسطة اليد العاملة العقابية ، كما صدر قرار وزاري مشترك بين وزيـر
العدل و وزير العمل و الشؤون الاجتماعية بتاريخ 1983.06.26 بشأن كيفيات استعمال اليد العاملة العقابية من طرف الديوان ، حيث نص على حماية المساجين و إعطائهم حقوقهم في إطار القانون و تم فتح ورشات تابعة للديوان
داخل المؤسسات العقابية بتازولت ، البوني ، الشلف ، حمادي كرومة و مستغانم في مجال النجـارة و الحدادة تشغل حوالي 44 سجينا (1).
و بالنسبة للمساجين الأحداث ، فقد نصت المادة 120 من القانون 05/04 على أنه يمكن أن يسند إلى الحدث المحبوس عمل ملائم بغرض رفع مستواه الدراسي أو المهني ما لم يتعارض ذلك مع مصلحته ،و أحكام المادة 160 التي تنص على استفادة المحبوس المعين للقيام بعمل من أحكام تشريع العمل و الحماية الاجتماعية.
المبحث الثـاني:
أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي خـارج البيئة المغلقة
تناول المشرع الجزائري أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمساجين خارج البيئة المغلقة في المـواد من 100 إلى 111 من قانون 05/04 تكملة لنظام البيئة المغلقة و قسمها الى نظام الورشات الخارجية ، نظام الحريـة النصفية و مؤسسات البيئة المفتوحة. و هي أساليب تقرب المحبوس من نظام الحياة الحرة ، و تقوم على أسـاس قبوله مبدأ الطاعة دون لجوء إدارة المؤسسة العقابية إلى استعمال أساليب الرقابة المعتادة ، و على شعوره بالمسؤولية اتجـاه المجتمع الذي يعيش فيه ، و تنبئ عن تحسن سلوك المحبوس و تجاوبه مع برامج إعادة التأهيل ما يجعل إدارة المؤسسـة العقابية تعامله بثقة.
لذا سنحاول في هذا المبحث التعرض لكل نظام في المطالب التالية:
المطلب الاول: نظـام الورشات الخارجية.
يعتبر نظام الورشات الخارجية حقلا واسعا لتطبيق سياسة إعادة تأهيل المساجين ، إذ أن المحكوم عليه يعمل بها في ظروف نفسية و بدنية مختلفة عن الوسط المغلق ، لذا ذهب البعض الى القول أن حل المشاكل العقابية يكمن في ارساء هذا النظام و تعميمه (2).
La maison de fontevrault و قد طبق هذا النظام لأول مرة في فرنسا عام 1842 إذ قام نزلاء سجـن
ببناء مركز سانت هيلير و لكنه طبق على نطاق واسع ابتداء من عام 1808 (3).
و قد عرفه المشرع الجزائري من خلال المادة 100 من قانون 05/04 التي تنص " يقصد بنظـام الورشــات
ــــــــــــــ
(1) مجلة رسالة الإدماج: العدد الثاني، المرجع السابق، ص 40.
(2) أ/ طاشور عبد الحفيظ: المرجع السابق ، ص 108.
(3) د/ فتوح الشاذلي: المرجع السابق، ص 228.
الفصل الأول: أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
الخارجية قيام المحبوس المحكوم عليه نهائيا بعمل ضمن فرق خارج المؤسسة العقابية تحت مراقبة إدارة السجون لحساب الهيئات و المؤسسات العمومية".على أن يغادر المحبوس الذي وضع في هذا النظام المؤسسة العقابية خلال أوقات المدة المحددة للعمل و يرجع إليهـا بعد انتهاء العمل ، و بذلك يعتبر نظام الورشات الخارجية امتدادا لأسلوب البيئة المغلقة لايستفيد منه إلا من توفـرت فيه شروط معينة حددها القانون.
الفرع الأول:شروط الاستفادة منه.
بالرجوع إلى أحكام المواد من 100 إلى 103 من قانون 05/04 نجد أن المشرع الجزائري حدد شروطـا معينة لاستفادة المساجين من هذا النظام يمكن تلخيصها في:
01- أن يكون المحبوس محكوم عليه نهائيا بأن يكون قد صدر في حقه حكما أو قرارا أصبح نهائيا ، قضى عليه بعقوبة سالبة للحرية و تم ايداعه بمؤسسة عقابية تنفيذا لذلك. و بالتالي يستثنى المحبوسين مؤقتا و المحبوسين تنفيذا لإكراه بدني من الاستفادة من هذا النظام.
02- قضاء فترة معينة من العقوبة: في هذا المجال ميز قانون تنظيم السجون و إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين بين المحبوس المبتدئ الذي يتعين أن يكون قد قضى ثلث 1/3 العقوبة المحكوم بها عليه ، و بين المحبوس الذي سبــق الحكم عليه بعقوبة سالبة للحرية و الذي يتعين عليه أن يكون قد قضى نصف العقوبة المحكوم بها عليـه و ذلك طبقا لنص المادة 101 ، و بذلك فان الاستفادة من نظام الورشات الخارجية ليس حقا مقررا لكل محكوم عليه.
03- تخصيص اليد العاملة من المحبوسين لفائدة الهيئات العمومية و المؤسسات الخاصة: كان أمر 72/02 الملغـى يقتصر على تخصيص اليـد العاملة من المحبوسين لفائدة الإدارات و الجماعات و المؤسسات من القطـاع العام دون القطاع الخاص حماية لها من الاستغلال (1)، في حين أن القانون الجديد 05/04 نص في مادته 100 على إمكانيـة تخصيص اليد العاملة من المحبوسين للعمل في المؤسسات الخاصة التي تساهم في إنجاز مشاريع ذات منفعة عامة.
و يتم ذلك بإبرام اتفاقية بين مدير المؤسسة العقابية و ممثل المؤسسة التي تم قبول طلبها من طــرف قاضي تطبيق العقوبات ، و حسب الإحصائيات المعتمدة من طرف إدارة السجون فان عدد المساجين العاملين في نظام الورشات الخارجية بلغ 469 سنة 2006 ( الملحق رقم 3-د ).
و في هذا الإطار استفادت كل من بلدية سكيكدة ، بلدية البوني ، المديرية العامة لإدارة السجون و إعادة الإدمـاج و مستشفى الأمراض العقلية أبو بكر الرازي من خدمات 76 مسجون في مجال الصيانة العامة لمقراتها بموجب الاتفاقيات المبرمة (2).
ــــــــــــــ
(1) أ/ طاشور عبد الحفيظ: المرجع السابق ، ص 108.
(2) مجلة رسالة الإدماج : العدد الثاني، المرجع السابق ، ص 41
الفصل الأول: أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
الفرع الثاني:
كيفية إنشاء الورشات الخارجية و التزامات الاطراف المتعاقدة.
تنص المادة 103 من قانون 05/04 على أن توجـه طلبات تخصيص اليـد العاملة العقابية إلى قاضي تطبيـق العقوبات الذي يحيلها بدوره على لجنة تطبيق العقوبـات لإبداء رأيه و بذلك يكــون هو المختص بقبول او رفض الطلبات ، عكس ما كان سائدا في الأمر الملغى إذ كان ينص على أن توجه الطلبات إلى وزير العـدل الذي يؤشـر عليها ثم يحيلها إلى قاضي تطبيق الأحكام الجزائية ، هذا الأخير يعيدها بعد الدراسة مرفقة باقتراحاته إلى وزير العـدل
لاتخاذ القرار المناسب بالقبول او الرفض (1). و بذلك يكون القانون الجديد قد خفف من مركزية اتخاذ القرار في هذا المجال ، و ما ينجر عنه من تعطيل و إطالة في دراسة ملفات المساجين الذين يمكنهم الاستفادة من الوضع في نظــام الورشات الخارجية.
أما فيما يخص التزامات الأطراف المتعاقدة فيجب أن تتضمن الاتفاقية بنودا تتعلق بأجرة اليد العاملة العقابيـة التي تدفعها الهيئة المستخدمة ، حراسـة المساجين و ايوائهم و إطعامهم و نقلهم ، ضمـان تعويض الضرر المترتب على حوادث العمل و الأمراض المهنية ، أماكن العمل و مدته.
و قد أشار قانون 05/04 إلى بعض الالتزامات في المادة 102 منه تتمثل في :
أ- رجوع المحبوس الى المؤسسة العقابية عند انتهاء المدة المحددة في الاتفاقية او فسخها بامر من قاضي تطبيق العقوبات.
ب- إمكانية إرجاع المحبوس إلى المؤسسة العقابية مساء كل يوم بعد انتهاء مدة دوام العمل.
ج- التزام موظفو المؤسسة العقابية بحراسة المحبوسين العاملين أثناء النقل في ورشات العمل و خلال أوقات الاستراحة و استثناء إمكانية مساهمة الجهة المستخدمة في الحراسة جزئيا.
وحتى يضمن المشرع عدم إخلال المحبوس بالتزاماته ، اعتبره بموجب نص المادة 169 في حالة هروب إذا لم يرجع إلى المؤسسة العقابية بعد انتهاء المدة المحددة له و يتعرض تبعا لذلك للعقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات.
ــــــــــــــ
(1) المادة 154 من أمر 72/02 الملغى.
الفصل الأول: أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
المطلب الثـاني: نظام الحرية النصفيــة.
يعتبر نظام الحرية النصفية مرحلة من مراحل النظام التدريجي لتأهيل المساجين عن طريق وضع المحكوم عليـه نهائيا خارج المؤسسة العقابية خلال النهار منفردا و دون حراسة أو رقابة الإدارة ليعود إليها مساء كل يوم ، كما عرفـه المشرع الجزائري بنص المادة 104 من قانون 05/04 خلافا لنظام الورشات الخارجية الذي يهتم بالمساجين بصفـة جماعية ، لتمكينه من تأدية عمل أو مزاولة دروس في التعليم العام أو التقني أو متابعة دراسات عليا أو تكوين مهني.
و يعتمد مثل هذا النظام إلى حد كبير على الثقة التي يكتسبهـا المحكوم عليه و التي غالبا ما تكشـف عن مدى استقامته ، لذا يتطلب منح هذا النظام انتباها خاصا من قبل المكلف بتطبيقه خاصة فيما يخص الرقابة و المساعــدة المستمرة (1).
و لقد طبقت فرنسا هذا النظام بناء على اتفاق خاص أثناء الحرب العالمية الثانية ، ثم نص عليه بعد ذلك في قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي الصادر عام 1958 ، كما انتشر في دول أخرى كثيرة أهمها الولايات المتحدة الأمريكية و سويسرا و ايطاليا (2).
الفرع الأول : شروط الاستفادة منه.
بالرجوع إلى أحكام المادة 104 و ما بعدها من قانون 05/04 نجد أن المشرع الجزائري وضع بعض الشـروط لاستفادة المحبوس من نظام الحرية النصفية تتمثل في:
01- أن يكون المحبوس محكوم عليه نهائيا: بأن يكون قد صدر في حقه حكما أو قرارا و أصبح نهائيا ، قضـى عليه
بعقوبة سالبة للحرية و تم ايداعه بمؤسسة عقابية تنفيذا لذلك ، و بذلك يستثنى المحبوس مؤقتا و المحبوسين تنفيذا لإكراه بدني من الاستفادة من هذا النظام ،و هو أمر منطقي على أساس أن هؤلاء قد يتم الإفراج عليهـم في أي وقت سواء بحكم بالبراءة أو بتسديد ما عليهم من ديون.
02- قضاء فترة معينة من العقوبة: و في هذا المجال ميز قانـــون تنظيم السجون و إعادة الإدمـاج الاجتماعي للمحبوسين بين المحبوس المبتدئ و الذي يتعين أن تكون المدة الباقية لانقضاء عقوبته مساوية لأربع و عشرين ( 24 ) شهرا ، و بين المحكوم عليه الذي سبق الحكم عليه بعقوبـة سالبة للحرية و الذي يتعين أن يكون قد قضـى نصف العقوبة و بقي على انقضائها مدة لا تزيد عن 24 شهرا.
و قد استعمل المشرع في نص المادة 106 لفظ " يمكن " بما يفيد أن الوضع في نظام الحرية النصفيــة ليس حقا مقررا للمسجون الذي تتوفر فيه الشروط كما أنه لا يطبق بصفة آلية ، و إنما يراعى إلى جانب توفر الشروط المطلوبة
مدى توفر العمل أو مدى مزاولة المسجون دروس في التعليم العام أو التقني أو متابعته دراسات عليا أو تكوين مهني.
ــــــــــــــ
(1) أ/ طاشور عبد الحفيظ: المرجع السابق ، ص 111.
(2) د/ علي عبد القادر القهوجي و فتوح عبد الله الشاذلي: المرجع السابق ، ص 235.
الفصل الأول: أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
03- صدور مقرر الاستفادة : لقد منحت المادة 106/2 من قانون 05/04 صلاحية إصدار مقرر وضع المحبوس في نظام الحرية النصفية لقاضي تطبيق العقوبات بعد استشارة لجنة تطبيق العقوبات ، خلاف ما كان سائدا في ظل أمر 72/02 الملغى حيث منحت الصلاحية لوزير العدل بعد إشعاره من قاضي تطبيق الأحكـام الجزائية الذي يقــدم اقتراحاته بعد إشعار لجنة الترتيب و الانضباط (1).
الفرع الثاني: طرق تطبيق نظام الحرية النصفية.
قبل سريان مقرر الاستفادة من نظام الحرية النصفية ،يتعين على المحبوس إمضاء تعهد يلتزم بموجبه باحترام الشروط التي يتضمنها هـذا المقرر و التي تدور أساسـا حول سلوكه خارج المؤسسـة و حضوره الفعلي إلى مكـان العمل و مواظبته و اجتهاده في ادائه لعمله ، احترام أوقات خروجـه من المؤسسة العقابية و عودته إليها و احترام شـروط التنفيذ الخاصة التي تحدد بصفة فردية بالنظر لشخصية كل محكوم عليه (2).
كما تلتزم المؤسسة العقابية بمنح المسجون المستفيد وثيقة خاصة يستظهرها أمام السلطات المختصة لتبرير استفادته من نظام الحرية النصفية كلما طلب منه ذلك ، في حين تلتزم الهيئة المستخدمة بدفع أجرة المحبوس لدى كتابة ضبـط
المحاسبة للمؤسسة العقابية التي ينتمي إليها لتودع بحسابه ، على أن يؤذن له وفقا لأحكـام المادة 108 بحيازة مبلـغ مالي من مكسبه المودع بحسابه لتغطية مصاريف النقل و التغذية عند الاقتضاء ، و التي يجب عليه تبريرها و إرجاع ما بقي من المبلغ المسحوب إلى حسابه لدى كتابة ضبط المحاسبة.
و في إطار علاقة العمل التي تربط المسجون المستفيد من نظام الحرية النصفية بالهيئة المستخدمة ، يستفيد المسجون من أحكام تشريع العمل لاسيما الأحكام المتعلقة بحوادث العمل و الأمراض المهنية.
و في مقابل هذه الامتيازات ، نظم المشرع بموجب نص المادة 107/2 جزاء إخلال المحبوس بالتعهد الذي أمضاه أو خرقه لأحد شروط الاستفادة ، حيث منح لمدير المؤسسة صلاحية الأمر بإرجاع المحبوس و إخبـار قاضي تطبيق العقوبات الذي له صلاحية تقرير الإبقاء على الاستفادة من نظـام الحرية النصفية أو وقفها أو إلغائهـا و ذلك بعد استشارة لجنة تطبيق العقوبات.
كما اعتبر بموجب المادة 169 المحبوس الذي استفاد من تدابير الحرية النصفية و لم يرجع إلى المؤسسة العقابية بعد انتهاء المدة المحددة له في حالة هروب و يتعرض للعقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات و الواردة بالمادة 188 منه (3).
ــــــــــــــ
(1) Bettahar Touati : l’ouvrage précédent , p 136 .
(2) أ/ طاشور عبد الحفيظ: المرجع السابق ، ص 112.
Bettahar Touati : l’ouvrage précédent , p 137
(3) تنص المادة 188 من قانون العقوبــات: يعاقب بالحبس من شهرين إلى ثلاث سنوات كل من كان مقبوضا عليه أو معتقلا قانونا بمقتضى أمـر أو حكم قضائي و يهرب أو يحاول الهروب من الأماكن التي خصصتها السلطة المختصة لحبسه أو من مكان العمل أو أثناء نقله.
و يعاقب الجاني الحبس من سنتين إلى خمس سنوات إذا وقع الهروب أو الشروع فيه بالعنف أو التهديد ضد الأشخاص أو بواسطة الكسر أو تحطيـم باب السجن.
الفصل الأول: أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
و رغم النتائج المرضية التي حققها نظام الحرية النصفية عمليا ،حيث بلغ عدد المحبوسين المستفيدين من التكوين في إطار الحرية النصفيـة 377 سنة 2006/2007 ( الملحق رقم 3-أ ) ، انتقده البعض على أساس أنه يشكل قرارا
خطيرا بالنسبة لنظام المؤسسة العقابية و سيرها من حيث التفاوت الذي يتسبب فيه ما بين المحكوم عليهم ،و بالنسبة للمجتمع إذ يهدد أمنه و يمس بحقه في العقاب ، و بالنسبة للسلطة القضائية إذ يمس بقدسية أحكامها. كما أنه من ناحية أخرى يشكل صعوبة بالنسبة للمحكوم عليه من الجانب النفسي بخصوص عودته كل مساء إلى المؤسسة العقابية فيقدم على الهروب (1).
المطلب الثـالث: مؤسسات البيئـة المفتوحة.
لقد حاول المشرع الجزائري من خلال المادة 109 من القانون 05/04 تعريف مؤسسات البيئة المفتوحـة بتبيان أشكالها ، فنصت على أن تتخـذ مؤسسات البيئة المفتوحة شكل مراكز ذات طابع فلاحـي أو صناعي أو حـرفي أو خدماتي أو ذات منفعة عامة و تتميز بتشغيل و ايواء المحبوسين بعين المكان ، في حين عرفها المؤتمر الجنائي و العقابي الدولي الثاني عشر الذي انعقد في لاهاي سنة 1950 على أنها المؤسسـات العقابية التي لا تزود بعوائق ماديـة ضد الهروب مثل الحيطان و القضبان و الأقفال و تشديد الحراسة ، و التي ينبغـي احترام النظام فيها من ذات النزلاء فهم يتقبلونه طواعية و دونما حاجة إلى رقابة صارمة دائمة، و يتميز هذا النظام بخلق روح المسؤولية لدى النزيل و تعويده
على تقبل المسؤولية الذاتية (2). فهذا النظام يقوم على نوع من الاتفاق الضمني ما بين المحكــوم عليه الـذي يلتزم باحترام عدد من الشروط ، و بين الإدارة التي تضع أمامه الوسائل التي تساعده على التأقلم و الاستعداد للإندمــاج مجددا في المجتمع ،بأن تقيم له مؤسسات خارج المدينة أو في الريف على وجه أخص تمتاز بضعف الحراسة فييها و ترك الأبواب و النوافذ مفتوحة و توفر له فرص الإقامة بها و العمل في ميادين الفلاحة ، الصناعة ، الحرف أو الخدمات.
و عن أسباب و تاريخ ظهور هذا النظام ، فإنها ترجع إلى ظروف ما بعد الحرب العالمية الثانية و المجهـودات التي بذلت من أجل إعادة بناء ما تم تحطيمه ، فكان يتم تخصـيص فئات من المحكوم عليهم و وضعهم داخل معسكرات متخصصة ليقوموا بعمليات إعادة البناء ، هذه العملية كشفت فيما بعد عن نجاعة المؤسسات المفتوحة و أفضليتها في معاملة النزلاء خاصة بعدما تبين أن المعاملة التي تتم في وسط مفتوح تزيد في فرص إعادة تكييف النزلاء ، و بالتـالي تكون أكثر فاعلية في مكافحة الجريمة من المعاملة التي تتم في سجن الطراز التقليدي (3).
و هو ما دفع الأمم المتحدة إلى إصدار مجموعة قواعد خاصة منها القاعدتين 60/1 و 60/2 تحث من خلالها الدول
على جعل نظام الاحتباس يهدف إلى تقريب الحيـاة العقابية من الحياة الحرة ، سواء داخل المؤسسة العقابيـة نفسها بانتهاج برنامج تحضيري للحرية ، أو خارج المؤسسة العقابية عن طريق منح الحرية للمساجين مقترنة بالخضوع لرقابة
ــــــــــــــ
(1) أ/ طاشور عبد الحفيظ: المرجع السابق ، ص 112.
(2) أ/ طاشور عبد الحفيظ: نفس المرجع ، الهامش ، ص 114.
أ/ محمد صبحي نجم: المدخل إلى علم الإجرام و علم العقاب ، المرجع السابق ، ص 77.
(3) أ/ طاشور عبد الحفيظ: نفس المرجع ، ص114.
الفصل الأول: أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
ائتمانية تتطابق مع المساعدة الاجتماعية الفعالة (1).
الفرع الأول: شروط الاستفادة من هذا النظام.