yacine414
2011-02-11, 20:19
المقدمة:
يشمل التنظيم القضائي مجموعة القواعد القانونية المنظمة للسلطة القضائية بشكل عام والمتعلقة بالجهات القضائية على اختلاف أنواعها ودرجاتها وتشكيلاتها، وكذا الشروط المتعلقة بتعين القضاة ووضعيتهم خلال الخدمة وحالات إنهائها، بالإضافة إلى نظام انضباطهم, كما تمتد قواعد التنظيم القضائي، لتشمل أسلاك أعوان القضاء ومساعديه من أمناء ضبط ومحامين و محضرين و محافظي ببيع بالمزاد العلني و خبراء، و قد مر التنظيم القضائي في بلادنا بعدة محطات أساسية، أهمها مرحلة الإصلاح القضائي لسنة 1965 و الذي كرس نظام وحدة القضاء الذي استمر مدة معتبرة إلى غاية صدور دستور 1996 ،وقد تبنى هذا الأخير نظام الازدواجية القضائية لتتميز الفترة الأخيرة للبلاد بمتطلبات اجتماعية و اقتصادية و سياسية أملت ضرورة إعادة النظر في الكثير من المفاهيم التي تحكم التنظيم القضائي الجزائري، مما أدى إلى ظهور توجهات جديدة تم تفعيلها بإحداث اللجنة الوطنية لإصلاح العدالة سنة 1999، و قد بدأت ثمار الإصلاحات تظهر من خلال مراجعة العديد من النصوص التي لها علاقة بالتنظيم القضائي كالقانون الأساسي للقضاء و القانون العضوي المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء و كذا إلغاء الأمر رقم 65-278 بصدور القانون العضوي رقم 05/11 المتعلق بالتنظيم القضائي .
لذلك فان أهمية دراسة موضوع التنظيم القضائي تكمن في ضرورة الإلمام بحاصل التطورات الراهنة التي مست العديد من القوانين ذات العلاقة بقواعد التنظيم القضائي ، وذلك بالنظر إلى مختلف المحطات التي مر بها ، ومن ثمة إعطاء صورة شاملة لمختلف أجهزة ومؤسسات المنظومة القضائية الجزائرية العادية منها والإدارية وكذا وعن طرق دراسة استشرافية محاولة التطلع إلى آفاق وتوجهات التنظيم القضائي الجزائري على ضوء هذه المستجدات،وعليه فان الإشكالات التي يطرحها الموضوع هي كالآتي:
ما هي مختلف المراحل التي مر بها التنظيم القضائي في الجزائر ؟ وما هي آفاقه وتوجهاته الجديدة؟ والى أي مدى تم تكريس هذه التوجهات في القانون العضوي رقم 05-11 المتعلق بالتنظيم القضائي؟ ومن ثمة على ماذا يشمل التنظيم القضائي الجزائري الراهن في جانبه البشري والهيكلي؟
ولمعالجة هذه الإشكالات ارتأينا تقسيم هذه الدراسة إلى فصلين ، نتناول في الأول مختلف المراحل التي مر بها التنظيم القضائي الجزائري من مرحلة الوحدة إلى الازدواجية القضائية ، وكذا مختلف التوجهات الجديدة له وصدور القانون العضوي رقم 05-11 المتعلق بالتنظيم القضائي ، متبعين في ذلك منهجا تحليليا لنقف على أهم المميزات التي ستسود التنظيم القضائي الجزائري بعد الإصلاحات ، أما في الفصل الثاني نتناول الإطار البشري والهيكلي لمرفق القضاء الجزائري الراهن بما فيه من قضاة وأعوانهم ومختلف أجهزة النظام القضائي العادي والنظام القضائي الإداري والجهات القضائية المتخصصة بالإضافة إلى أجهزة الإدارة القضائية ، لنقف على مواطن المقارنة مع الأنظمة القضائية المشابهة كمصر وتونس وفرنسا عند الاقتضاء ،وعلى ضوء هذا التقسيم نبرز خطة دراسة الموضوع كالآتي:
الخطة :
- المقدمة :
-الفصل الأول : تطور التنظيم القضائي الجزائري و التوجهات الجديدة
-المبحث الأول : المراحل التي مر بها التنظيم القضائي .
-المطلب الأول : مرحلة الوحدة (الإصلاح القضائي لسنة 1965)
-المطلب الثاني : مرحلة الازدواجية القضائية (إبتداءا من سنة 1996)
-المبحث الثاني : التوجهات الجديدة للتنظيم القضائي الجزائري وصدور القانون العضوي رقم 05/11 المتعلق بالتنظيم القضائي
-المطلب الأول : التوجهات الجديدة للتنظيم القضائي الجزائري
- المطلب الثاني : صدور القانون العضوي رقم 05/11 المتعلق بالتنظيم القضائي
-المبحث الثالث :مميزات النظام القضائي الجزائري بعد الإصلاحات
- المطلب الأول : تعزيز العدالة الجوارية
- المطلب الثاني : القضاء المتخصص
-الفصل الثاني :الإطار البشري والهيكلي لمرفق القضاء في الجزائر
- المبحث الأول : مرفق القضاء في محتواه البشري
- المطلب الأول : القضاة
- المطلب الثاني : أعوان ومساعدي القضاء
- المبحث الثاني : أجهزة التنظيم القضائي
- المطلب الأول : أجهزة النظام القضائي العادي
- المطلب الثاني : أجهزة النظام القضائي الإداري
-المطلب الثالث : الجهات القضائية المتخصصة
-المبحث الثالث : أجهزة الإدارة القضائية
-المطلب الأول : وزارة العدل
-المطلب الثاني : المجلس الأعلى للقضاء
-الخاتمة:
الفصل الأول
تطور التنظيم القضائي الجزائري
عرف التنظيم القضائي في الجزائر عدة مراحل وقد مر بمحطات أساسية بموجبها تم تبني الأحادية ثم نظام الازدواجية القضائية ، فبعد الاستقلال مباشرة توجهت السياسة التشريعية إلى توحيد جهات القضاء في نظام قضائي واحد ينسجم و ظروف المجتمع الجزائري(1)، حيث أصدرت الجمعية العامة التأسيسية القانون رقم 62-157 و الذي نص على إبقاء العمل بالنصوص السابقة ما لم تتعارض مع السيادة الوطنية كما نص الأمر 62-49 على التعين المؤقت للإطارات الجزائرية في مناصب القضاء، مما ساعد على تحكم الجزائريين في القضاء في الشهور الأولى بعد الاستقلال، وقصد إحالة قضايا الجزائريين من محكمة النقض ومجلس الدولة الفرنسيين إلى الجهات القضائية الجزائرية ثم إبرام بروتوكول مع فرنسا بتاريخ 28/08/1962 ، وعلى إثره أنشأ المجلس الأعلى(المحكمة العليا) بموجب القانون رقم 63-218 المؤرخ في 28/08/1963 والذي كان يتكون من أربعة غرف (غرفة القانون الخاص – الغرفة الاجتماعية – الغرفة الجنائية- الغرفة الإدارية) (2)، وفي سنة 1965 صدر الأمر 65/278 المؤرخ في 16/11/1965 المتضمن التنظيم القضائي والذي بموجبه تبنت الجزائر نظام وحدة القضاء والذي استمر العمل به إلى غاية صدور دستور 1996، وقد كرس هذا الأخير نظام الازدواجية القضائية ، ثم ظهرت على مستوى التنظيم القضائي الجزائري مجموعة من التوجهات كللت أخيرا بصدور القانون العضوي رقم 05/11 المتضمن التنظيم القضائي وعليه سنتناول في المبحث الأول مختلف المراحل التي مر بها التنظيم القضائي الجزائري، وفي المبحث الثاني التوجهات الجديدة وصدور القانون العضوي رقم 05/11 لنخصص المبحث الثالث للمميزات الجديدة للتنظيم القضائي الجزائري بعد الإصلاحات .
المبحث الأول
المراحل التي مر بها التنظيم القضائي الجزائري
بعد الاستقلال تم إلغاء المحاكم الشرعية و المحاكم التجارية و منح اختصاصهما لمحاكم المرافعات و أصبح التنظيم القضائي الجزائري على الشكل التالي:
المواد المدنية (تختص بها محاكم المرافعات – محاكم المرافعات الكبرى – المجالس الإجتماعية) - المواد
ـــــــــــــــ
(1)- عبد العزيز سعد – أجهزة ومؤسسات النظام القضائي الجزائري-المؤسسة الوطنية للكتاب –ط1988 –ص26
(2)-ساحلي سي علي –طبيعة النظام القضائي الجزائري ومدى فعاليته في مراقبة أعمال الإدارة – معهد العلوم القانونية –الجزائر1985
ص-43
الجزائية (تختص بها محاكم المخالفات – المحاكم الشعبية للجنح – المحاكم الجنائية الشعبية و في الدرجة الثانية
ثلاثة محاكم استئناف مقرها الجزائر العاصمة – قسنطينة – وهران)(1) ، كما تم الإحتفاظ بالمحاكم الإدارية الثلاث الموجودة بالجزائر العاصمة و قسنطينة و وهران(2) ، الأمر الذي جعل التنظيم القضائي على هذه الصورة يمتاز بتوحيد قمته و إزدواجية الجهات القضائية الدنيا (القضاء العادي و القضاء الإداري)(3) ، غير أنه ما لبث المشرع الجزائري يضع مشروعا إصلاحيا تضمنه الأمر رقم 65 -278 الذي ألغى النظام السابق و أرسى نظام وحده القضاء ليستمر إلى غاية 1996 و هذا ماسنتناوله من خلال المطلب الأول و الثاني.
المطلب الأول
نظام وحدة القضاء (الإصلاح القضائي لسنة 1965)
يقصد بنظام وحده القضاء أن تختص المحاكم المنتمية إلى جهة قضائية واحدة بالفصل في كل المنازعات دون تميز بين المسائل العادية منها والمسائل الإدارية(4)، و قد إتجهت السياسة التشريعية في هذه المرحلة إلى إعادة هيكلية النظام القضائي من نظام الإزدواجية المعمول به و لو جزئيا إلى نظام وحدة القضاء، وقد حمل الإصلاح الأمر رقم 65-278 المؤرخ في 16/11/1965 المتضمن التنظيم القضائي، الذي ألغى النظام القضائي السابق بكامله بما فيه من المحاكم الإدارية و المجالس العمالية و المحاكم التجارية و أنشا 15 مجلسا قضائيا، و نقل إختصاص المحاكم الإدارية إلى ثلاث غرف جهوية ،ثم تلته عدة تعديلات أضافت غرف جديدة(5).
الفرع الأول
الإصلاح القضائي لسنة 1965 / الأمر رقم 65 – 278 المؤرخ في 16/11/1965 المتضمن التنظيم القضائي
صدر الأمر 65-278 وبدأ العمل به في جوان 1966 ،و أنشا خمسة عشر مجلسا قضائيا ورفع عدد
ـــــــــــــــــ
(1)-بوبشير محند أمقرآن – النظام القضائي الجزائري- ديوان المطبوعات الجامعية–ط2 1994-ص202
(2)- الدكتور عمار بوضياف –النظام القضائي الجزائري –دار ريحانة –ط2003 –ص195
(3)-بوبشيرمحند أمقران-نفس المرجع-ص204
(4)- ساحلي سي علي- المرجع السابق-ص44
(5)-عبد العزيز سعد-المرجع السابق-ص79
المحاكم إلى130محكمة(1) ، و أحل المجالس قضائية محل محاكم الإستئناف و المحاكم مكان المحاكم الإبتدائية و المحاكم الإبتدائية الكبرى و نقل إختصاص المحاكم الإدارية إلى ثلاث غرف إدارية ،و هي الغرفة الإدارية لمجلس قضاء : الجزائر-قسنطينة- وهران، و نقل إختصاص المجالس الإجتماعية إلى المجالس القضائية ،و بذلك يكون المشرع قد وضع حدا للإزدواجية القضائية(2)، و تبنى نظام وحدة القضاء ومرد ذلك إلى عدة أسباب أملتها الظروف الإجتماعية و السياسية التي كانت تسود بلاد حديثة العهد بالإستقلال منها:
1-أن التنظيم القضائي الموروث عن الإستعمار يمتاز بالتعقيد و التشعب و العكس من ذلك ما نجده في نظام وحدة القضاء.
2-القضاء المزدوج يتطلب إمكانات بشرية و مادية غير متوفرة بالبلاد ولعل هذا السبب هو الذي جعل المشرع يقصر عدد الغرق الإدارية على ثلاث غرف جهوية بالجزائر العاصمة و قسنطينة ووهران الأمر الذي يجعل التنظيم القضائي في هذه المرحلة على صعيد المنازعات الإدارية لم يجسد مبدأ تقريب العدالة من المتقاضين(3).
الفرع الثاني
التعديلات الواردة على الأمر رقم 65 -278
عرف قانون التنظيم القضائي بعد إصلاح سنة 1965 عدة تعديلات أهمها :
أولا - تعديل قانون الإجراءات المدنية سنة 1971:
جاء الأمر رقم 71 -80 المؤرخ في 29/12/1971 المتضمن تعديل قانون الإجراءات المدنية بتكريس ما نص عليه قانون التنظيم القضائي و المتمثل في إختصاص مجالس قضاء الجزائر قسنطينة ووهران بواسطة غرفها الإدارية للفصل إبتدائيا بحكم قابل لإستئناف أمام المجلس الأعلى في المنازعات التي تكون الدولة أو الولايات أو البلديات أو إحدى المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية طرفا فيها مع تمديد إختصاص هذه المجالس لتشمل ولايات مجاورة .
ثانيا - الأمر رقم 74 -73 المؤرخ في 12/07/1974 :
تضمن هذا الأمر إعادة تنظيم المجلس الأعلى الذي أصبح يضم: رئيس أول و نائب الرئيس و سبعة
ــــــــــــــــ
(1)- حسين مصطفى حسين –المرجع السابق –ص69 .70
(2)-الدكتور عمار بوضياف –المرجع السابق –ص200
- ساحلي سي علي –المرجع السابق –ص79
(3)- الدكتور عمار بوضياف –المرجع السابق –ص210
رؤساء غرف و 43 مستشارا كقضاة للحكم و نائبا عاما و سبعة محامين عامين ، و يشكل من سبعة غرف و هي : الغرفة الإدارية – الغرفة المدنية – الغرفة الجزائية الأولى – الغرفة الجزائية الثانية – غرفة الأحوال الشخصية – الغرفة التجارية و البحرية – الغرفة الإجتماعية(1).
ثالثا - القانون رقم 86 -01 المؤرخ في 28/01/1986 المتضمن تعديل قانون الإجراءات المدنية :
و بموجبه تم تعديل المادة 7 من قانون الإجراءات المدنية على النحو التالي: تختص المجالس القضائية بالفصل إبتدائيا بحكم قابل للإستئناف أمام المجلس الأعلى في جميع القضايا التي تكون الدولة أو الولايات أو البلديات أو إحدى المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري طرفا فيها – تمارس الإختصاصات المذكورة في الفقرة أعلاه من قبل المجالس القضائية التي ستحدد قائمتها و إختصاصها الإقليمي بنص تنظيمي ، و بموجبه صدر المرسوم رقم 86-107 المؤرخ في 29/04/1986 ليرفع عدد الغرف الإدارية إلى 20 غرفة .
رابعا-القانون رقم 90 -23 المؤرخ في 18/08/1990 المعدل و المتمم لقانون الإجراءات المدنية :
بموجبه ثم تعديل المادة 7 من قانون الإجراءات المدنية التي أعطت الإختصاص للفصل في الطعون بالبطلان في القرارات الصادرة عن الولايات و الطعون الخاصة بتفسيرها و بفحص مشروعيتها للغرف الإدارية الجهوية الموجودة على مستوى مجالس الجزائر – وهران – قسنطينة – بشار – ورقلة ، وبموجب هذا التعديل صدر المرسوم رقم 90-407 المؤرخ في 22/12/1990 يحدد الإختصاص الإقليمي لهذه الغرف(2) ،و الملاحظ أن هذه التعديلات التي مست نص المادة 7 من قانون الإجراءات المدنية جعلت بعض الدارسين يتساؤلون عن طبيعة الغرفة الإدارية ضمن التنظيم القضائي الجزائري، و فيما إذا كان النظام القضائي يسوده وحدة الهيئات القضائية و إزدواجية المنازعات أم هو نظام الإزدواجية القضائية و هناك من وصفه بأنه نظام وحدة القضاء المرن(3)، غير أن هذا الخلاف حول طبيعة النظام القضائي الجزائري الذي ساد هذه المرحلة لم يعد له محل بعد أن كرس نظام الإزدواجية القضائية بموجب دستور 1996 ،و هذا ما سنتناوله في المطلب الموالي .
المطلب الثاني :
نظام الإزدواجية القضائية (إبتداءا من سنة 1996)
ـــــــــــــــــ
(1)- عبد العزيز سعد –المرجع السابق –ص27 .28
(2)- الدكتور عمار بوضياف-المرجع السابق-ص214 .216
- بوبشير محند امقران –المرجع السابق –ص206 .207
(3)- الدكتور رياض عيسى –ملاحظات حول تعديل قانون الاجراءات المدنية وأثره على طبيعة الغرف الادارية في التنظيم القضائي الجزائري –مقال منشور بنشرية ملتقى القضاة الغرفة الادارية –وزارة العدل –الديوان الوطني للاشغال التربوية -75
تم تبني نظام الإزدواجية القضائية بموجب المادة 152 من دستور 1996 ،الأمر الذي يجعل صورة التنظيم القضائي في هده المرحلة تختلف من حيث الهياكل و الإجراءات عن نظام وحدة القضاء الذي ساد لفترة طويلة(1) ،و مرد ذلك إلى إختلاف المفاهيم و العناصر المميزة للنظامين و التي أخذت بها كل الدول التي تبنتها مثل مصر ، تونس ، فرنسا(2) ، غير أن الإطار القانوني للتنظيم القضائي الإداري في الجزائر ينفرد من حيث مبادئه الأساسية ،الأمر الذي جعل بعض الدارسين يعتبرون أن التغير الذي مس التنظيم القضائي هو مجرد تغيير هيكلة، وأن التنظيم القضائي الجزائري هو بمثابة إزدواجية هيكلية وليست إزدواجية قضائية (3) ، كما أن تبني نظام الإزدواجية القضائية كان وراءه عدة دوافع وأسباب نظرا لأنه جاء في مرحلة اتسمت بتوجهاتها الجديدة ، الأمر الذي استلزم وضع الأليات الكفيلة بإرساء دعائم الإزدواجية على أرض الواقع (4) .
الفرع الأول
أسباب تبني نظام الازدواجية القضائية في الجزائر
هناك عدة أسباب أدت بالمشرع الجزائري إلى تبني نظام الازدواجية القضائية منها :
أولا-تزايد حجم المنازعات الإدارية :
حيث صرح السيد وزير العدل أمام مجلس الأمة في جلسة يوم 21/03/1998 بأن: مهمة الفصل في
تنازع الاختصاص بين مختلف الجهات القضائية ، قد أسندت إلى المحكمة العليا ، ألا أن الواقع العملي وتزايد النزاعات الإدارية وتعقيدها نتيجة التطور السريع للمجتمع ، كل هذا أدى إلى ضرورة إعادة النظر في النظام القضائي السائد(5) .
ثانيا-فكرة التخصص (6) :
لقد اتجهت إرادة المشرع الجزائري وهو يفصل بين القضاء الإداري والقضاء العادي إلى تكريس فكرة
ــــــــــــــــ
(1)- الدكتور عمار عوابدي –النظرية العامة للمنازعات الادارية في النظام القضائي الجزائري –الجزء الأول-القضاء الاداري-ديوان المطبوعات الجامعية-ط3-2004-ص175 .178
(2)- يمتاز القضاء الأمريكي والانجليزي بميزة أساسية وهي محاولة اقامة المساوات المطلقة بين الفرد والدولة عن طريق اخضاعهما لقاض واحد ومرد ذلك لطغيان فكرة الفردية أما ظهور الازدواجية القضائية في فرنسا فقد كان نتيجة ضروف تاريخية – للمزيد من التفصيل انظر –مسعود شهوب –المبادىءالعامة للمنازعات الادارية – أنظمة القضائية المقارنة والمنازعات الادارية –ج1-ديوان المطبوعات الجامعية –ط1999 –ص31. 66
(3)- خلوفي رشيد – النظام القضائي الجزائري –مجلس الدولة –مقال منشور بمجلة الموثق-ع2 جويلية أوت 2001-ص27 .28
(4)- بودريوه عبد الكريم –القضاء الاداري في الجزائر – الواقع والآفاق-مقال منشور بمجلة مجلس الدولة –ع6- 2005-ص9 .11
(5)- الجريدة الرسمية لمداولات مجلس الأمة – السنة الأولى-ع1-ص7
(6)- ساحلي سي علي –المرجع السابق –ص150
التخصص عن طريق تفرغ قضاة إداريين لهم جانب كبير من الدراية والخبرة بطبيعة النزاع الإداري ، خاصة وأن القاضي الإداري تقع على عاتقه مهمة الإجتهاد القضائي ، وقد إهتم التنظيم القضائي في الكثير من الدول بتخصص القضاة(1)،كما أكدت هذا التوجه الكثير من المؤتمرات الدولية التي عقدها الإتحاد الدولي للقضاة(2)، و سنفصل هذه الفكرة في الجزء الخاص بالإتجاهات الجديدة للتنظيم القضائي الجزائري.
ثالثا-توفر الجانب البشري:
إذا كان الدافع الأساسي لتبني نظام وحدة القضاء بعد الإستقلال هو هجرة القضاة الفرنسيين و عدم وجود العدد الكافي من القضاة الجزائريين لشغل هياكل القضاء الإداري، فإن هذا العائق لم يعد موجودا لتوفر عدد معتبر من القضاة الأكفاء مما يجعل الجانب البشري المتوفر يساعد على القيام بهذا الإصلاح القضائي(3).
رابعا-تغيير المجتمع الجزائري :
عرف المجتمع الجزائري إبتداءا من دستور 1989 تغيرات جذرية على الصعيد الإقتصادي و السياسي و الإجتماعي و الثقافي، مما تطلب بالضرورة إجراء إصلاحات على مستوى الجانب التشريعي، و كذا على مستوى مؤسسات الدولة، كما تطلب الأمر بالضرورة تغيير هيكلة النظام القضائي.
الفرع الثاني
تفعيل نظام الإزدواجية القضائية في التنظيم القضائي الجزائري
بعد تكريس الإزدواجية القضائية بدستور 1996 صدرت عدة قوانين و هي: القانون العضوي رقم 98-01 المؤرخ في 30 ماي 1998 و المتعلق بإختصاصات مجلس الدولة و تنظيمه و عمله، و القانون رقم 98-02 المتعلق بالمحاكم الإداري و القانون العضوي 98-03 المتعلق بمحكمة التنازع الصادرين بنفس التاريخ، كما صدرت عدة مراسيم تنفيذية أهمها:
1-المرسوم التنفيذي رقم 98-263 المؤرخ في 29 أوت 1998 يحدد كيفيات تعيين رؤساء المصالح و الأقسام لمجلس الدولة و تصنيفهم .
2-المرسوم التنفيذي رقم 98-322 المؤرخ في 13 أكتوبر 1998 يحدد تصنيف وظيفة الأمين العام لمجلس الدولة .
3-المرسوم التنفيذي رقم 98-262 المؤرخ في 29 أوت 1998 الذي يحدد كيــفية إحالة جميع
ـــــــــــــــ
(1)- تم تأكيد هذا الاتجاه في فعاليات الندوة الوطنية الثانية للقضاء – نادي الصنوبر 23 .24 .25 فيفري 1991 – أنظر منشور صادر عن وزارة العدل –ص23
(2) –(3)- الدكتو عمار بوضياف –المرجع السابق –ص230
القضايا المسجلة و المعروضة على الغرفة الإدارية للمحكمة العليا إلى مجلس الدولة .
و إذا كان مجلس الدولة و محكمة التنازع قد تم تنصيبهما فإن الوضع يختلف بالنسبة للمحاكم الإدارية التي لم تنصب بعد، وقد يرجع ذلك لنقص الوسائل المادية ومقرات المحاكم (1) ،وقد لاحظ بعض الدارسين من أجل تفعيل نظام الإزدواجية القضائية الإلتفات إلى المسائل الآتية :
أ – على مستوى النصوص المنظمة للقضاء الإداري :
جاءت نصوص القانون العضوي رقم 98-01 المتعلق بمجلس الدولة والقانون رقم 98-02 المتعلق بالمحاكم الإدارية جد مقتضبة وأحالت في اغلب المسائل الإجرائية إلى قانون الإجراءات المدنية، مما يشكك نسبيا في إستقلالية القضاء الإداري ، ويتعين قصد تكريس الإزدواجية فعلا وضع قانون خاص بالإجراءات الإدارية الذي يتلاءم مع الطبيعة الخاصة للمنازعات الإدارية(2) .
ب- على مستوى الهياكل القضائية :
إن عدم تنصيب المحاكم الإدارية إلى حد الآن و استمرار العمل بنظام الغرف الإدارية ، هو عقبة من عقبات إرساء الإزدواجية الفعلية ، وكلما تم الإسراع في تنصيب هذه المحاكم ، كلما اقتربنا من الأهداف المرجوة من نظام الإزدواجية القضائية(3) ، وهو الأمر الذي بمقتضاه تم اعتبار إصلاح التنظيم القضائي من أولويات إصلاح العدالة في الجزائر، وقد جاء في اتفاقية التمويل الجزائرية الأوربية لمشروع دعم إصلاح العدالة في الجزائر : أن من بين النتائج المنتظرة لهذا المشروع هو الوصول إلى تنظيم قضائي أحسن ، كما تضمنت الإتفاقية العمل على إنشاء 15 محكمة إدارية و خمس مجالس جهوية ، مع تقديم الدعم اللازم لتنظيمها وتسيرها واقتراح كيفية انتقاء القضاة وإلحاقهم وكتاب الضبط المختصين في النظام الإداري(4) . ج- على مستوى الجانب البشري :
إن الوصول إلى قضاء قوي ومستقل سواءا على مستوى النظام القضائي العادي أو الإداري هو في النهاية حكر على فعالية القائمين على شؤونه ، مما يستوجب البحث عن أحسن السبل لإختيار التشكيلة البشرية وضع معاير واضحة لذلك، وإعتماد مبدأ التخصــص بدلا من الخبرة ، فالصيغة الحالية التي تشترط رتبة
مستشار في القاضي الإداري ركزت على فكرة مفادها أن خبرة وكفاءة المستشارين ستمكنهم من مباشرة
ــــــــــــــــ
(1)- الحسين بن الشيخ آث ملويا- المنتقى في قضاء مجلس الدولة-ج1-دار هومة –ط-2002-ص7 .9
(2)- بودريوه عبد الكريم – القضاء الاداري في الجزائر – الواقع والآفاق – مقال منشور بمجلة مجلس الدولة- ع 6- 2005-13
(3)- بودريوه عبد الكريم –المرجع نفسه – ص14
(4)- أنظر اتفاقية التمويل الجزائرية الأوربية لمشروع دعم اصلاح العدالة في الجزائر –ص 1 .2
القضاء الإداري إلى حين وضع السبل الكفيلة بتكوين القضاة المتخصصين في هذا المجال(1)
وإذ كانت النتيجة التي نصل إليها من خلال كل ما تقدم أن التنظيم القضائي الجزائري حاليا تسوده الإزدواجية القضائية ،غير أنها لا تزال في حاجة إلى تفعيل أكثر وجهود إصلاحية وتوجهات جديدة من أجل إرساء تنظيم قضائي قوي وهذا ما سنتناوله بالبحث في المبحث الموالي .
المبحث الثاني
التوجهات الجديدة للتنظيم القضائي الجزائري وصدور القانون العضوي رقم 05/11
المتعلق بالتنظيم القضائي
إن التوجهات الجديدة لإصلاح التنظيم القضائي في الجزائر في حقيقة الأمر ليس مردها إلى طبيعة هذا التنظيم، ولكن ذلك يعكس وضعية العدالة بشكل عام في الجزائر والتوجهات الطموحة نحو إصلاحها و تعزيز مكانتها ، وعلى هذا الأساس سنتناول مختلف التوجهات في المطلب الأول ونخصص المطلب الثاني لتحليل القانون العضوي رقم 05/11 في إطار هذه التوجهات .
المطلب الأول
التوجهات الجديدة للتنظيم القضائي الجزائري
قامت اللجنة الوطنية لإصلاح العدالة بتقديم تقريرها حول الإصلاح بتاريخ 11 جوان 2000 إلى السيد رئيس الجمهورية ، وقد تضمن فيما يتعلق بالتنظيم القضائي عدة مقترحات أهمها :خصخصة أمانة ضبط المحكمة العليا وتوسيع اختصاص وصلاحيات مجلس الدولة الإستشارية لتشمل المراسيم الرأسية ، والمراسيم التنفيذية ذات الطابع التنظيمي ، وإعداد النظام الداخلي لمجلس الدولة ، وتصحيح صياغة المادة 152 من الدستور الفقرة 4 بإستبدال عبارة المحكمة العليا ومجلس الدولة بعبارة النظام القضائي العادي والنظام القضائي الإداري ،كما قدمت اللجنة مقترحات من أجل إعادة تنظيم الجهات القضائية يمكن حصرها في : نظام المحاكم الصغرى ونظام المحاكم ومحاكم الإستئناف (الإحتفاظ بـ 31 مجلسا ) ، وتوسيع إختصاص المحاكم الإدارية لتنظر كمحكمة درجة أولى في الطعون ضد القرارات الصادرة عن السلطات الإدارية المركزية ، وإعادة النظر في الخريطة القضائية للمحاكم الإدارية ، وإستحداثها بقانون العضوي(2) ونتيجة ذلك تم وضع مخطط على مستوى وزارة العدل لتجسيد إصلاح العدالة على المدى القصير والمتوسط مما جاء فيه : العمل على تحـــسين وضعية القاضي ، وتكوينه وتفعيل إستقلاليته ومسؤوليته
ــــــــــــــــ
(1)-(2)- أنظر : إصلاح العدالة – منشور صادر عن وزارة العدل- ص47
وتأهيل مساعدي القضاة ، كما تضمن المخطط العمل على إعادة الإعتبار للجهات القضائية ، ومن أجل تنظيم قضائي أكثر فعالية على المدى المتوسط العمل على إنشاء محاكم الدرجة الأولى ، والمحاكم الكبرى ، بالإضافة إلى تنصيب المحاكم الإدارية الذي يبقى مرتبطا بتخصص القضاة ، كما تضمن المخطط إعادة تنظيم الإدارة المركزية لوزارة العدل ، ونتيجة لهذه المساعي صدرت عدة قوانين بصفة إستعجالية وأخرى على المدى المتوسط، وأهمها فيما يتعلق بالتنظيم القضائي : -قانون الإجراءات الجزائية الذي أنشأ أقطابا قضائية متخصصة في بعض القضايا –مشروع قانون الإجراءات المدنية والإدارية والذي يتضمن تقسيم الإجراءات على مادتين مدني وإداري – القانون العضوي رقم 04-11 المتضمن القانون الأساسي للقضاء – القانون العضوي رقم 04-12 المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء، ثم صدر أخيرا القانون العضوي رقم 05-11 المؤرخ في 17 يوليو2005 والمتعلق بالتنظيم القضائي .
ومن خلال هذا التحليل نجد أن هناك توجهات جديدة بدأت ملامحها تظهر إبتداءا من دستور 1989 ، فقد تضمنت الندوة الوطنية الثانية للقضاء سنة 1991 فصلا كاملا خاصا بتطلعات وأفاق جهاز العدالة وأشارت هذه التطلعات إلى ضرورة تنظيم وتطوير جهاز العدالة من أجل ضمان نجاعة وفعالية القضاء ،وذالك بالتركيز على تكوين القضاة والتخصص القضائي(1) ، مما أدى إلى تبني دستور 1996 أول هذه التوجهات ،وهي نظام الإزدواجية القضائية لنجد في الحركة المثابرة للإصلاح والمساعي الجادة منذ تنصيب لجنة إصلاح العدالة من طرف السيد رئيس الجمهورية التوجهات الآتية : ـ تخصيص جهات قضائية بحسب عدد السكان وحجم المنازعات ـ تخصص القضاة ـ وضع عدالة جوارية ـ تحسين طرق اللجوء إلى القضاء ، وسنحاول بدراسة تحليلية معرفة إلى أي حد أخذ القانون العضوي رقم 05/11 بهذه التوجهات .
المطلب الثاني
صدور القانون العضوي رقم05/11 المؤرخ في17/06/2005 المتعلق بالتنظيم القضائي(2)
يعتبر هذا القانون خطوة هامة نحو تكريس التوجهات الجديدة وإعادة هيكلة شاملة للتنظيم القضائي ، وقد أكد ذلك السيد وزير العدل في كلمته الإفتتاحية بمناسبة فعاليات الندوة الوطنية لإصلاح العدالة(3) التي جاء فيها : أنه كان من المنطقي أن تعقب عمليات تعديل المبادئ المستعجلة إيلاء العناية بالمؤسسات التي يقع على كاهلها الجزء الكبير في تحسين نوعية الأداء ،وفي المواكبة الموجبة لعـملية الإصلاح التي هي
ـــــــــــــــــ
(1)- أنظر المنشور الصادر عن وزارة العدل حول فعاليات الندوة الوطنية الثانية للقضاء – نادي الصنوبر 23 .24 .25 فبراير 1991 –ص23
(2)- الجريدة الرسمية- العدد51
(3)- أنظر المنشور الصادر عن وزارة العدل حول فعاليات الندوة الوطنية لاصلاح العدالة –نادي الصنوبر 2005 –ص23
كما قلت عملية متواصلة والتي يتحقق إكتمالها بالقانون العضوي المتعلق بالتنظيم القضائي ، هذا القانون الذي جاء تحصيلا لدراسات مستفيضة قامت بها وزارة العدل ، وقاربت خلالها بين الواقع التنظيمي الموجود والإحتياجات القضائية القائمة ، أو التي ستطرح في المستقبل والتي تتجه بالتأكيد إلى المزيد من التشابك والتعقيد بسبب التحولات الإقتصادية والإجتماعية الجارية .
وسنتناول بالدراسة مختلف المسائل التي تضمنها هذا القانون في نصه الأصلي على ضوء مراقبة المجلس الدستوري لها :
أولا : أحكام تتعلق بإختصاص محكمة التنازع والمحكمة العليا ومجلس الدولة والمحاكم الإدارية وكذا دور النائب العام ومحافظ الدولة :
اعتبر المجلس الدستوري هذه الأحكام لا تتعلق بالتنظيم القضائي كونها من جهة تدخل في المجال المحدد في المادة 153 من الدستور والقوانين العضوية المتعلقة بتنظيم المحكمة العليا ومجلس الدولة ومحكمة التنازع وعملهم واختصاصاتهم ، ومن جهة أخرى أعتبر المادتين :6 ،28 ( قبل المطابقة) تدخلان ضمن مجال التشريع المنصوص عليه بالمادة 122 من الدستور، بالإضافة إلى أن هذه المواد هي مجرد نقل حرفي لما ورد بالمادة 153 من الدستور والقوانين العضوية الأخرى وخلص المجلس الدستوري أن المشرع قد أخل بالمبدأ الدستوري القاضي بتوزيع مجالات الإختصاصات .
ثانيا : إنشاء أقطاب قضائية متخصصة:
لا شك أن تخصيص جهات القضاء و تخصص القضاة هما من التوجهات الحديثة البارزة للتنظيم القضائي الجزائري، و أن السعي الحثيث من أجل تفعيل هذا التوجه قد يضعه على عتبة المبادئ الجديدة للتنظيم القضائي الجزائري، ذلك أن إلتفات لجنة إصلاح العدالة إلى هذا الجانب لم يكن إعتباطيا، بل أملته "الإحتياجات القضائية القائمة أو التي ستطرح في المستقبل و التي تتجه بالتأكيد إلى المزيد من التشابك و التعقيد بسبب التحولات الإقتصادية و الإجتماعية الجارية(1)، و قد جاء في إتفاقية التمويل الجزائرية الأوروبية لمشروع دعم إصلاح العدالة في الجزائر أن: هذا المشروع يهدف إلى دعم التخصص و تكوين القضاة داخل و خارج الوطن للإستجابة للمتطلبات المستجدة، الناتجة عن التزايد المطرد للمنازعات التي يجب عليهم الفصل فيها(2)، و نظرا لأهمية نظام التخصص القضائي فقد عقدت له عدة مؤتمرات دولية منها مؤتمر روما 1958 و مـؤتمر نيس 1972 ومؤتمر ريوديجانيرو 1978 وقد أكدت هذه المؤتمرات أن
ــــــــــــــــــ
(1)- كلمة السيد وزير العدل – المرجع السابق – ص23
(2)- أنظر اتفاقية التمويل – المرجع السابق-ص2
التخصص في مجال القضاء له أهمية كبيرة ودور فعال في رفع مستوى العمل القضائي(1)، ولنظام التخصص جانبين هما تخصص القضاة و تخصيص جهات القضاء وهو الأمر الذي عبر عليه المشرع الجزائري في هذا القانون العضوي (قبل المطابقة) بالأقطاب القضائية المتخصصة، غير أنه لم يعط تعريفا لها و فيما إذا كانت هذه الأقطاب جهات قضائية بالمفهوم التقليدي لهياكل التنظيم القضائي و إذا كانت كذلك فهل تتبع النظام القضائي العادي أم الإداري، وللإجابة على هذه التساؤلات سنقوم بتحليل النص الأصلي و كذا موقف المجلس الدستوري عند مطابقتة لأحكام الدستور
أ-تحليل الصياغة :
نصت المادة 24 (قبل المطابقة) على أنه يمكن إنشاء أقطاب قضائية متخصصة ذات إختصاص إقليمي موسع لدى المحاكم و يحدد الإختصاص النوعي لهذه الأقطاب حسب الحالة في قانون الإجراءات المدنية و قانون الإجراءات الجزائية .
كما نصت المادة 25 (قبل المطابقة) على أنه تتشكل الأقطاب القضائية من قضاة متخصصين و يمكن الإستعانة عند الإقتضاء بمساعدين، تحدد شروط وكيفيات تعيينهم عن طريق التنظيم، ومن خلال هذه الصياغة يمكن ملاحظة المسائل التالية:
1-أن المشرع قد أعطى لهذه الأقطاب القضائية إختصاص إقليمي موسع لدى المحاكم .
2-لهذه الأقطاب إختصاص نوعي يحدد بموجب قانون الإجراءات المدنية أو الجزائية .
3-تشكيلة الأقطاب القضائية تختلف عن تشكيلة المحكمة فهي تضم قاضي متخصص ومساعدين عند الإقتضاء، و الملاحظ أن المشرع نص من جهة على أن الأقطاب المتخصصة ذات إختصاص إقليمي موسع لدى المحاكم (م 24 قبل المطابقة) و من جهة أخرى تضمنت المادة 13 (بعد المطابقة) أقسام المحكمة دون الإشارة إلى الأقطاب القضائية الأمر الذي يجعلنا نعتقد بأن هذه الأخيرة ما هي إلا أقسام عادية من أقسام المحكمة تمنحها صفة القطب القضائي من جهة توسيع دائرة إختصاصها الإقليمي لدى المحكمة التابعة لها و من جهة أخرى إختصاصا نوعيا محددا لا يمنعها على أي حال من الفصل في المسائل التي تدخل ضمن إختصاصها العادي و ما يؤكد ذلك هو ما تضمنه التعديل الأخير لقانون الإجراءات الجزائية .
ب-تحليل موقف المجلس الدستوري :
جاء في رأي المجلس الدستوري عند مطابقته لهذا القانون العضوي(2) :
- إعتبارا أن المؤسس الدستوري أقر مبدأ إمكانية إنشاء هيئات قضائية بموجب المادة 122 فقرة6
ــــــــــــــــ
(1)- الدكتور عمار بوضياف – المرجع السابق –ص229 .230
(2)- الجريدة الرسمية –العدد51
وخول المشرع دون غيره صلاحيات إنشاءها على أن يكون ذلك بقانون عادي و ليس بقانون عضوي
- و إعتبارا أن المشرع نص في المادة 24 من القانون العضوي على إمــكانية إنشاء هيئات قضائية
مسماة أقطاب قضائية إلى جانب المحكمة العليا و المجالس القضائية و المحاكم و الجهات القضائية الجزائية المتخصصة .
- و اعتبارا أن المشرع حين أقر بدوره إمــــكانية إنشاء هيآت قضائية مسماة أقطاب قضائية
متخصصة في المادة 24 يكون قد أخل بالمبدأ الدستوري القاضي بتوزيع مجالات الإختصاص المستمد من المادتين 122 و 123 من الدستور من جهة.
- و إعتبارا من جهة أخرى أن المشرع وضع حكما تشريعيا في المادة 24 يترتب على تطبيقه تحويل
صلاحيات إنشاء الهيئات القضائية إلى المجال التنظيمي الذي يعود إلى رئيس الحكومة طبقا للمادة 125 من الدستور .
- و إعتبارا بالنتيجة فإن المشرع عند إقراره إمكانية إنشاء أقطاب قضائية متخصصة و تنازله عن
صلاحيات إنشاءها للتنظيم يكون قد تجاوز مجال إختصاصه من جهةومس بالمادة 122-6 من الدستور من جهة أخرى.
و بتحليل موقف المجلس الدستوري نلاحظ أنه :
1- ذكر بالمبدأ الدستوري القاضي بإمكانية إنشاء هيئات قضائية من طرف المشرع و أن ذلك يتم بقانون عادي و ليس بقانون عضوي .
2- إعتبر بأن المشرع أنشأ بموجب المادة 24 من القانون العضوي هيأة قضائية تابعة للنظام القضائي العادي، و إعتبر ذلك إخلالا بمبدأ توزيع الإختصاصات (إختصاص القانون العادي و إختصاص القانون العضوي).
3- أعتبر أن المشرع من جهة أخرى تنازل عن إختصاصه في إنشاء الهيآت القضائية إلى التنظيم.
و على هذا الأساس نجد أن المجلس الدستوري إعتبر الأقطاب القضائية المتخصصة هيئات قضائية تنتمي إلى النظام القضائي العادي يجب أن تنشا بموجب قانون عادي و ليس بموجب قانون عضوي، و يجب أن لا يجيل المشرع من أجل إنشاءها إلى التنظيم ، و هذا الموقف يتناقض مع المبادئ العامة التي جاء بها القانون العضوي الذي حصرالتنظيم القضائي في النظام العادي و النظام القضائي الإداري و نصت المادة 3 (بعد المطابقة) على أن النظام القضائي العادي يشمل المحكمة العليا و المجالس القضائية و المحاكم و لم تشر إلى الأقطاب القضائية، كما يتناقض هذا الموقف مع نص المادة 24 (قبل المطابقة) نفسها التي أشارت بأن هذه الأقطاب المتخصصة ذات إختصاص إقليمي موسع لدى المحاكم، و أخيرا نجد هذا الموقف متناقضا مع الإعتبارات التي بموجبها إعتبر المجلس الدستوري المادة 30 من القانون العضوي دون موضوع و التي قضت :
تحدد عن طريق التنظيم كيفيات تحويل الدعوى القائمة أمام الجهات القضائية القديمة إلى الجهات القضائية الجديدة ... حيث جاء في رأي المجلس الدستوري بشأنها:
- إعتبارا بأن المشرع لم ينشأ أي جهة قضائية جديدة ضمن القانون العضوي موضوع الإخطار وإعتبارا بالنتيجة فإن المادة 30 من القانون العضوي موضوع الإخطار تكون بدون موضوع .
مما يجعلنا نعتقد أن هذا الغموض تسبب فيه المشرع نفسه الذي لم يحدد طبيعة الأقطاب القضائية في نص المادة 24 (قبل المطابقة) من جهة و الذي أورد حكم المادة 30 (قبل المطابقة) المتناقض مع فحوى المادة 24 من جهة أخرى و مع مبادئ التنظيم القضائي المقررة في المواد 1. 2 .3 .4 (بعد المطابقة) من القانون العضوي .
ثالثا: قواعد متعلقة بتصنيف الجهات القضائية :
نصت المادة 29 (قبل المطابقة): تصنف الجهات القضائية المنصوص عليها في هذا القانون العضوي و تم التصنيف بموجب قرار من وزير العدل حافظ الأختام بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للقضاء . و ذهب المجلس الدستوري عند رقابة مطابقة هذه المادة إلى التميز بين التنظيم القضائي الذي يكون بموجب قانون عضوي (المادة 123 من الدستور) و بين قواعد التنظيم القضائي التي تكون بموجب قانون عادي (المادة 122 من الدستور)، و إعتبر تصنيف الجهات القضائية قاعدة من قواعد التنظيم القضائي، يجب أن يؤسس لها بموجب قانون عادي و هي تخرج عن مجال إختصاص التنظيم(1).
كانت هذه أهم المسائل التي جاء بها القانون العضوي رقم 05/11 أما بقيت المسائل الأخرى فسندرسهاعند تناول مختلف أجهزة التنظيم القضائي، ولاشك أن هذه المسائل التي تم تكريسها في القانون العضوي جاءت نتيجة التوجهات الحديثة التي تناولناها سابقا، و هي ستؤدي لاريب إلى ظهور مميزات جديدة للتنظيم القضائي الجزائري، و هذا ما سنناقشه من خلال المبحث الموالي :
المبحث الثالث :
مميزات التنظيم القضائي الجزائري بعد الإصلاحات
بالإضافة إلى مختلف مبادئ التنظيم القضائي المعروفة في كل الأنظمة القضائية المقارنة و المتمثلة في حيدة
ــــــــــــــــــ
(1)- أنظر رأي المجلس الدستوري – الجريدة الرسمية- العدد 51
القضاء و علانية الجلسات وتسبيب الأحكام ونظام القاضي الفرد و تعدد القضاة، و مبدأ المساواة و مبدأ
حرية اللجوء إلى القضاء و التقاضي على درجات ومجانية التقاضي(1) و إن إختلف مدى تفعيلها من نظام
لأخر خاصة مبدأ إستقلال السلطة القضائية(2) فإن التطورات الجارية على صعيد التنظيم القضائي الجزائري من شأنها أن تؤدي إلى تعزيز هذه المبادئ من جهة و من جهة أخرى من شأنها إبراز مميزات جديدة قد ترقى في وقت ما إلى مصاف المبادئ ،و من هذه المميزات القضاء المتخصص و تفعيل العدالة الجوارية و تعقد و تشابك الأنظمة القضائية.
المطلب الأول
تفعيل العدالة الجوارية
العدالة الجوارية هي تفعيل لأحد مبادئ التنظيم القضائي ،و هو مبدأ تقريب القضاء من المتقاضي، إذ ما الفائدة من الإهتمام بإصلاح العدالة إذا لم تكن هذه العدالة قريبة من المتقاضي، و إذا كان ذلك يتطلب توفير محاكم في كل مناطق الوطن(3)، فإنه يجب وضع خريطة قضائية جديدة ترمي إلى ترشيد عدد المؤسسات القضائية و مجال إختصاصها الإقليمي لتقريب العدالة و تحسين آداء المرفق العام لفائدة المتقاضي للإستجابة للواقع الراهن للمجتمع الجزائري ، و يتمثل هذا العمل في تحسين المعايير المتعلقة بوضع الخريطة القضائية، و إجراء نقد تحليلي لمجال الإختصاصات القضائية الحالية و اقتراح وانشاء جهات قضائية جديدة و تحضير الدراسات الضرورية المتعلقة بالوسائل المالية التي يجب تخصيصها و الهياكل و المستخدمين و الأخذ بعين الإعتبار الجهات القضائية المقرر إنشاؤها من طرف المشرع(4) .
ــــــــــــــــ
(1)- أظر بخصوص هذه المبادئ: - الدكتور عمار بوضياف – المرجع السابق –ص8
-الدكتور محند أمقران – المرجع السابق –ص29
- الدكتور الغوثي بن ملحة – المرجع السابق –ص44
- ويظيف سعد عبد العزيز الى هذه المبادئ: مبدأ حجية الأحكام – مبدأ شفافية المرافعات – مبدأ علانية المحاكمة – مبدأ جواز التحكيم – مبدأ الدولة مصدر القضاء . للمزيد من التفصيل أنظر – عبد العزيز سعد – المرجع السايق –ص31 ، كم ا يضيف الدكتور حسن علام : مبدأ نظام اختيار القضاة –مبدأ قابلية القاضي للتنحية – أ نظر الدكتور حسن علام – موجز القانون القضائي الجزائري – الشركة الوطنية للنشر والتوزيع –ط2. 1972 –ص135
(2 )-الأستاذ عبد الوهاب الباهي– استقلال القضاء في تونس بين التشريع والواقع– مجلة الحق لاتحاد المحامين العرب-ع2 .3– 198-207
- الدكتور عمر فاروق الفحل – استقلال القضاء بين الشريعة والقانون – مجلة الحق لاتحاد المحامين العرب – ع2 .3 -1989 –ص224
(3)- بوبشير محند أمقران – المرجع السابق –ص43
(4)- أنظر اتفاقية التمويل الجزائرية الأوربية لمشروع دعم إصلاح العدالة في الجزائر –المرجع السابق –ص2
ولاشك أن تعزيز العدالة الجوارية إرتبط بالسياسة الإصلاحية التي عرفتها البلاد منذ تقرير الإزدواجية القضائية سنة 1996، و قد جاء في خطاب السيد رئيس الجمهورية بمناسبة إفتتاح السنة القضائية 1998
– 1999 أن تكييف و تعزيز نظامنا القضائي الذي أثرى مؤخرا بإقامة مجلس الدولة و تقريب العدالة من المواطن عبر إنشاء مجالس و محاكم جديدة و التخصيص الجاري للهيئات القضائية، و كذا الإجراءات المتخذة و الأعمال الجارية لتعزيز قطاع القضاء هي كلها إجراءات تأتي إنطلاقا من المسعى الرامي إلى تحديث الجهاز القضائي و تعزيز فعاليتة و جعل العدالة في متناول المواطن أكثر فأكثر و دعم سلطتها ومصدقيتها (1) .
المطلب الثاني
القضاء المتخصص
يتجه التنظيم القضائي الجزائري إلى إرساء فكرة القضاء المتخصص على أرض الواقع و ما يؤكد ذلك الأحكام التي تمت مطابقتها من طرف المجلس الدستوري للقانون العضوي رقم 05/11 و التي تضمنت إنشاء أقطاب قضائية متخصصة، كما نص القانون رقم 04/14 المؤرخ في 10 نوفمبر 2004 المعدل و المتمم لقانون الإجراءات الجزائية على أنه يجوز تمديد دائرة الإختصاص للمحكمة و كذا لوكيل الجمهورية وقاضي التحقيق عن طريق التنظيم في جرائم المخدرات و الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية، و الجرائم الماسة بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات و جرائم ... الأموال و الإرهاب و الجرائم المتعلقة بالتشريع الخاص بالصرف(2)، و إذا كان للقضاء المتخصص جانبين هما تخصص القضاة و الأجهزة القضائية المتخصصة (فإن هذه الأخيرة تتطلب رصد إمكانيات مادية و بشرية ضخمة(3)، وهو الأمر الذي نعتقد أنه جعل المشرع الجزائري لتلافي هذه العقبات التي تواجه القضاء المتخصص، يختارأسلوب الأقطاب القضائية فيتجنب إنشاء هيآت قضائية جديدة لكنه يوسع من دائرة الاختصاص الإقليمي للمحاكم لتشكل أقطاب قضائية و يمنحها إختصاصا نوعيا في مواد معينةدون ان يمنعها ذلك من الفصل الفصل في المواد التي تدخل ضمن اختصاصها العادي،وهدا مايجعلنا نعتقد من جانب آخر أن التخصص الدي سيسود التنظيم القضائي الجزائري سيرتكز أكثر على الجانب البشري أي تخصص القضاة، وليشكل دلك حجر الزاوية لفكرة الأقطاب القضائية ، كما نلاحظ أن المشرع الجزائري في التعديل الأخير لقانون الاجراءات الجــزائية نص في المادة 40 مــكرر على أنه: تــــطبق قواعـد هدا القانون التعلقة بالدعوى
ـــــــــــــــــــ
(1)- كلمة السيد رئيس الجمهورية بمناسبة افتتاح السنة القضائية1998-1999 – نشرة القضاة – العدد 55-ص11
(2)- الجريدة الرسمية – العدد 71
(3)- الدكتور عمار بوضياف المرجع السابق – ص 229
العمومية والتحقيق والمحاكمة أمام الجهات القضائية التي يتم توسيع اختصاصها المحلي طبقا للمواد:37،40، 329 من هدا القانون مع مراعات أحكام المواد من 40 مكرر1الى 40مكرر5 أدناه ، وبالرجوع الى هده المواد نجدها نظمت اجراءات خاصة، الأمر الذي يجعلنا نعتقد أن الأقطاب القضائية ستتميز شيئا فشيئا باجراءاتها الخاصة في ظل الإطار العام للاجراءات المدنية والجزائية،وهذا ما سيحقق بالنتيجة مظهر من مظاهر القضاء المتخصص ويؤدي الى خلق خاصية جديدة للتنظيم القضائي الجزائري وهي تعقد الأنظمة القضائية وتشعبها.
هذا ومن خلال دراستنا في هدا الفصل تطور التنظيم القضائي الجزائري يتضح لنا أن التنظيم القضائي الجزائري عرف ثلاث محطات أساسية هي:- الإصلاح القضائي سنة 1996 –الازدواجية القضائية مند 1996 – ثم الاتجاهات الجديدة التي تكرست في مساعي الإصلاح الشامل للعدالة، وهو ما سينتج عنه مميزات جديدة للتنظيم القضائي أهمها القضاء المتخصص والعدالة الجوارية، وإذا كان القانون العضوي رقم 05-11 قد وضع الأسس التي يقوم عليها التنظيم القضائي الحالي فان هنالك أيضا تعديلات شملت بعض القوانين التي لها علاقة بالتنظيم القضائي، كالقانون الأساسي للقضاء ومشاريع قوانين ستمس جوانب أخرى ، وهذا ما سنتناوله من خلال الفصل الثاني.
الفصــــــل الثانـــــــي
الإطار البشري والهيكلي لمرفق الفضاء
يتكون مرفق القضاء من القضاة الذين يساعدهم أعوان ومساعدين، ويؤدون أعمالهم القضائية ضمن الأجهزة القضائية، ويتابع الحياة المهنية للقضاة أجهزة تسمى أجهزة الإدارة القضائية، وسنتطرق في هدا الفصل إلى المحتوى البشري والهيكلي لمرفق القضاء ،وسنولي التركيز على أهم الجوانب على ضوء المتغيرات والتعديلات الأخيرة
المبحـــــــث الأول
مرفـــــق القضاء في محتواه البشري
يشمل مرفق القضاء في محتواه البشري القضاة وأعوانهم( أمناء الضبط) ومساعدي القضاء كالمحامين والمحضرين والخبراء...
المطلب الأول
القضاة
نصت المادة2 من القانون العضويرقم04-11 المؤرخ في06/09/2004 والمتضمن القانون الأساسي للقضاء على أن سلك القضاء يشمل:قضاة الحـكم والنـيابة العامة للمحـكمة العليا والمجالس القضائية
والمحاكم التابعة للنظام القضائي العادي – قضاة الحكم ومحافظي الدولة لمجلس الدولة والمحاكم الإدارية – القضاة العاملين في:- الإدارة المركزية لوزارة العدل- أمانة المجلس الأعلى للقضاء- المصــالح الإدارية للمحكمة العليا ومجلس الدولة- مؤسسات التكوين والبحث التابعة لوزارة العدل.
ونلاحظ أن هده المادة جاءت بتفعيل أكثر في إطار الازدواجية القضائية في حين كانت جد مقتضبة
في القانون الأساسي للقضاء لسنة 89 اذ كانت تنص على أنه: يشمل سلك القضاء- قضاة الحكم والنيابة العامة للمحكمة العليا والمجالس القضائية والمحاكم وكذا القضاة العاملين في الإدارة المركزية لوزارة العدل.
ويخضع القاضي لمجموعة من القواعد التي تنظم تعيينه وحقوقه وواجباته وسير مهنته وانضباطه وسنتناول في هدا المطلب القواعد المتعلقة بالتعيين وكدا الحقوق والواجبات ونترك الحديث عن سير المهنة والنظام الانضباطي لندرسها ضمن صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء
الفرع الأول
تعيين القضاة
تختلف طرق اختيار القضاة من بلد لآخر وتوجد طريقتان أساسيتان لاختيار القضاة هما طريقة الانتخاب وطريقة التعين إما عن طريق المسابقة أو بطريق التعيين المباشر(1) وقد أخد المشرع الجزائري بطريقة التعين وجعل طريقة التعيين المباشر طريقة استثنائية،حيث نصت المادة3 من القانون العضوي رقم04-11 المتعلق بالقانون الأساسي للقضاء:- يعين القضاة بموجب مرسوم رأسي بناءا على اقتراح من وزير العدل وبعد مداولة المجلس الأعلى للقضاء، كما نصت المادة39 من نفس القانون: - يعين الطلبة القضاة المتحصلون على شهادة المدرسة العليا للقضاء بصفتهم قضاة طبقا لأحكام المادة 3 ويتم توزيعهم على الجهات القضائية حسب درجة الاستحقاق ويخضعون لفترة عمل تأهيلية تدوم سنة واحدة.
والملاحظ ان المادة3 من القانون الأساسي للقضاء لسنة 1989 المعدلة بموجب المرسوم التشريعي رقم 92-05 كانت تميز بين التعيين الأول بصفة قاض والذي يكون بموجب مرسوم رئاسي على اقتراح من وزير العدل وبعد مداولة المجلس الأعلى للقضـاء وبين التعيين في بعض المهام الذي يتم بموجب مرسوم
رئاسي على اقتراح من وزير العدل وهي مهام:-الرئيس الأول للمحـــكمة العليا- النائب العام لدى
المحكمة العليا- رئيس مجلس قضائي-نائب عام لدى مجلس قضائي- رئيس محكمة –وكيل جمهورية،ويرى بعض الدارسين أن قصر التعيين في هذه المهام على أعضاء السلطة التنفيـذية فقط يعد تراجعا في استقلالية
ـــــــــــ
(1)- يتم التعيين في الولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا عن طري انتخاب ، وقبل قيام الثورة الفرنسية في فرنسا كانت وظيفة القضاة تشترى من الملك ثم تورث، لمزيد من التفصيل انظر:-الدكتور الغوثي بن ملحة- المرجع السابق-ص59
-roger perrot-institutions judiciares-montchestien-delta-7E édition –p322.323
-بلودنين أحمد- استقلالية القضاء بين الطموح والتراجع-رسالة ماجستير-معهد الحقوق -جامعة الجزائر-1999-ص39-44
السلطة القضائية(1)،أما القانون العضوي رقم 04-14 فلم ينص في المادة3 على هذا التمييز،غير أنه نص من جهة في المادة 4 على أنه: يؤدي القضاة بعد تعيينهم الأول وقبل تولييهم وظائفهم اليمبن التالية:...، مما
يفيد أن هناك تعيينات أخرى تختلف عن التعيين الأول، ومن جهة أخرى أحدثت المادة 48 وظائف قضائية نوعية مؤطرة لجهاز القضاء، وميز المشرع في اجراءات التعيين في هذه المناصب حيث نصت المادة 49 على أنه:يعين بموجب مرسوم رئاسي في الوظائف القضائية النوعية التالية: - الرئيس الأول للمحكمة العليا- رئيس مجلس الدولة-النائب العام لدى المحكمة العليا-محافظ الدولة لدى مجلس الدولة-رئيس مجلس قضائي- رئيس محكمة إدارية- نائب عام لدى مجلس قضائي- محافظ الدولة لدى محكمة إدارية-نائب عام لدى مجلس قضائي –محافظ الدولة لدى محكمة إدارية، في حين نصت المادة50: على أنه يتم التعين بعد استشارة المجلس الأعلى للقضاء في الوظائف القضائية النوعية الآتية:-نائب رئيس المحكمة العليا-نائب رئيس مجلس الدولة-نائب عام مساعد لدى المحكمة العليا- نائب محافظ الدولة لدى مجلس الدولة- رئيس غرفة بالمحكمة العليا- رئيس غرفة بمجلس الدولة-نائب رئيس مجلس قضائي-نائب رئيس محكمة إدارية-رئيس غرفة بمجلس قضائي-رئيس غرفة بمحكمة إدارية-النائب العام المساعد الأول لدى مجلس قضائي- محافظ الدولة المساعد الأول لدى محكمة إدارية- قاضي تطبيق العقوبات-رئيس محكمة-وكيل جمهورية-قاضي التحقيق.ويمكن اعتبار التعين في هذه المناصب مجرد ترقية وليس تعيينا مباشرا(2)، وذلك أن التعيين المباشر لا يكون إلا بصفة مستشارين لدى المحكمة العليا أو مجلس الدولة طبقا للمادة41 من القانون الأساسي للقضاء.
ويمكن اعتبار أن المادة الثالثة قد عززت أكثر من مكانة القاضي للأسباب التالية:
1-أكدت على النهج الذي تبناه المشرع في القانون رقم 89-27 وكذا المرسوم التشريعي رقم92-05 وهو أن التعيين يتم بموجب مرسوم رئاسي وليس حكومي، خلافا لما كان في القانون الأساسي للقضاء لسنة 1969.
2-أكدت على أن التعيين يتم بعد مداولة المجلس الأعلى للقضاء وليس مجرد استشارته خلافا لما كان في القانون الأساسي للقضاء لسنة 1969 .
الفرع الثاني
الواجبات والحقوق
تقع على عاتق القاضي عدة واجبات منها ما يتعلق بمهنته، ومنها ما يتعلق بسلوكه داخل المجتمع، ويتمتع
ـــــــــــــــ
(1)- الدكتور عمار بوضياف –المرجع السابق –ص73 – بوبشير محند أمقران –دار الامل-ط2002-ص30 .34
(2)- الدكتور عمار بوضياف –المرجع السابق –ص73
نظير ذلك بمجموعة من الحقوق ، وقد نص القانون العضوي رقم04-11 على هذه الحقوق والواجبات في الباب الثاني وهو ما سنتناوله كالآتي:
أولا -واجبات القاضي: من أهم واجبات القاضي : -تأدية اليمين: (1) يؤدي القــضاة اليمين النصوص عليها بمقتضى المادة4 (ق أ ق) أمام المجلس القضائي الذي عينوا فيه فيما يخص قضـاة النــظام القضائي العادي، وأمام المحـكمة الإدارية فيما يخص قضاة النــظام القضائي الإداري، أما بالنسبة للقضاة المعينين مباشرة أمام المحكمة العليا أو مجـلس الدولة فيؤدون اليمين أمام الجهة التي عينوا فيها، وتؤدى اليمين مرة واحدة بعد التعيين،غير أنه اذا انقطع القاضي ثم استأنف عمله القضائي مرة ثانية فانه يؤدي اليــمين ثانية (2) ، -واجب التحفظ والابتعاد عن السلوكات الماسة بحياد القاضي:وهذا ما نصت عليه المادة7 كما نصت المادة 23 أنه : يجب على القاضي أن يتقيد في كل الظــروف بسلوك يليق بشرف وكرامة مهنته (3)، - عدم إنكار العدالة : أخضعت معظم التشريعات القاضي لعقوبات جزائية في حالة إنكاره للعـدالة (4)،-عدم إفشاء أسرار المتقاضين: اذ يتعين على القاضي المحافظـة على سرية المداولات وألا يطلع أيا كان على المعلومات الخاصة بالملفات القضائية ، -عدم ممارسة الأعــمال التجارية أو أي عمل يتنافى مع استقلال القضاء: اذ يمتنع على القاضي ممارسة أي عمل يدر ربحا ، غير أنه يمكنه ممارسة الأنشطة العـلمية والأدبية والفنية وكذا المعاملات المدنية (5) كما يحظر على كل قاض أن يملك في مؤسسة بنفسه أو بواسطة الغير مصالح يمكن أن تشكل عائقا للممارسة الطبيعية لمهامه ، أو تمس باستقلالية القضاء بصفة عامة ، كما أنه لا يمكن للقاضي العمل بالجهة القـضائية التي يوجد بدائرتها مكتـب زوجه الممارس لمهنة المحاماة، وعليه أن يصرح بنشاط زوجه المربح لوزير العدل،-عدم ممارسة النشاط السياسي: يمنع على القضاة ممارسة الأعمال السياسية وهذا ما يستفاد من المادتين 14.15 من القانون الأساسي للقضاء، وذلك لأن النشاط السياسي بحـكم طبـيعته يؤثـر على حيـاد القاضـي واستـقلاليته ، - الإقامة : على القاضي الإقامة بدائرة اختصاص المجلس القضائي الذي يمارس فيه مهامه
ــــــــــــــــــ
(1)- الدكتور الغوثي بن ملحة –الرجع السابق- ص73
- الدكتور عمار بوضياف –السلطة القضائية بين الشريعة والقانون-دار ريحانة-ط2001-ص73
(2)-الدكتور الغوثي بن ملحة –المرجع السابق-ص73
(3)-يرى عبد العزيز سعد ان هده العبارات فضفاضة ودات مان شاملة يمتنع على القاضي بمقتضاها مخالطة الناس جميعا-للمزيد من التوضيح أنظر- عبد العزيز سعد- المرجع السابق-ص77.78
(4)-الدكتور عمار بوضياف-المرجع السابق-ص164
(5)-الدكتور عمار بوضياف –المرجع السابق-ص164
ثانيا- حقوق القاضي:وضع المشرع للقضاة مجموعة من الحقوق هي بمثابة ضمانات يمارسون بواسطتها مهامهم بكل راحة واطمئنان(1) وأهم هده الحقوق:
أ-الحق في الأجرة:خصصت كل الأنظمة القضائية للقضاة أجور شهرية (2) وتشمل الأجرة المرتب والتعويضات، كما نصت المادة27 من القانون الأساسي للقضاء: أن تسمح نوعية هده الأجرة بضمان استقلالية القاضي وأن تتلاءم مع مهنته.
ب-الحق في الاستقرار: اعترف القانون الأساسي للقضاء لقضاة الحكم الذين مارسوا عشر سنوات خدمة فعلية بحق الاستقرار والذي يعني عدم جواز نقلهم أو تعيينهم في مهام أخرى بالنيابة العامة أو بسلك محافظي الدولة أو الإدارة المركزية لوزارة العدل أو مؤسسات التكوين والبحث التابعة لها، أو المصالح الإدارية للمحكمة العليا أو مجلس الدولة أو أمانة المجلس الأعلى للقضاء الا بموافقتهم، أما قضاة الحكم الذين لا تتوفر فيهم هذه الشروط فانه يمكن للمجلس الأعلى للقضاء في إطار الحركة السنوية ولضرورة المصلحة ولحسن سير العدالة نقلهم، أما بقية القضاة فان نقلهم يتم من طرف وزير العدل لضرورة المصلحة مع اطلاع المجلس الأعلى للقضاء في أقرب دورة له.
ج-الحق في الحماية: تقضي المادة148 من الدستور أن القاضي محمي من كل أشكال الضغوط والتدخلات والمناورات التي قد تضر بأداء مهمته أو تمس نزاهة حكمه، كما نصت المادة29 من ق أ ق أنه: يتعين على الدولة أن تقوم بحماية القاضي من التهديدات والاهانات أو السب أو القذف أو الاعتداءات أيا كانت طبيعتها والتي يمكن أن يتعرض لها أثناء قيامه بوظائفه أو بمناسبتها أو بسببها، وتتمثل هده الحماية في ثلاث جوانب:
-الحماية الإدارية: تتمثل في الصلاحيات المعهود بها إلى المجلس الأعلى للقضاء بوصفه ضمانة أساسية للقضاة (3).
ــــــــــــــ
(1)- الدكتور الغوثي بن ملحة –المرجع السابق – ص75
(2)- الدكتور عمار بوضياف – المرجع السابق –ص 156
(3)- الدكتور عمار بوضياف – المرجع السابق-ص 157
- الحماية الجزائية: وهي مكرسة بموجب قانون العقوبات
-الحماية المدنية: حيث تقضي المادة 29 ق أ ق أنه: تقوم الدولة بتعويض الضرر المباشر الناتج عن ذلك( التهديدات والاهانات) في جميع الحالات غير المنصوص عليها في التشريع المتعلق بالضمان الاجتماعي ، غير أن القاضي يكون مسؤولا عن خطئه الشخصي المرتبط بالمهنة، وذلك عن طريق دعوى الرجوع التي تمارسها الدولة ضده طبقا للمادة31 ق أ ق.
وبعدأن تناولنا مختلف الجوانب الخاصة بالقضاة، مرجئين الحديث عن النظام الانضباطي للقضاة إلى حين مناقشة صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء، فإننا سنتناول في المطلب الموالي أعوان ومساعدي القضاء.
المطلب الثاني
أعوان ومساعدي القضاء
لا يقتصر مرفق القضاء على القضاة فحسب، بل هنالك فيآت من الأعوان والمساعدين الدين يقومون بمساعدة القضاة في أداء مهامهم، وأهم هذه الفيآت:
الفرع الأول
أعوان القضاء(أمناء الضبط)
يعتبر أمين الضبط عنصرا في تشكيل المحكمة ، وهو يقوم بأغلب الأعمال الإدارية التي يتطلبها سير الأجهزة القضائية، كتحصيل الرسوم القضائية وقيد الدعوى وحـفظ أصول الأحكام والأوراق القضائية وتحرير الأحكام ، ونتيجة لذلك يقع على أمين الضبط واجب الالتزام بالـسر المهني واحترام واجــب التحفظ(1)، وينقسم أمناء الضبط إلى مجموعة من الفيآت:
أولا- أمناء أقسام الضبط وأمناء الضبط: وهم
-سلك أمناء الضبط: يقومون خاصة بالمهام التالية/ -حضور الجلسات والتحقيقات القضــائية على مستوى مكاتب أمانة الضبط، ويحررون أصول الأحكام القضائية ويعملون على حفظها.
- مستكتبو أمناء الضبط: يعملون خاصة على مسك ملفات المتقاضين وتنظيمها، ومساعدة أمناء الضبط والحلول محلهم عند الاقتضاء
- رئيس أمناء الضبط: يقوم بما يــلي/ حفظ الوثائق الموجودة بالملفات، وتقارير الخبرة وأدلـة الإقناع وحفظ أصول الأحكام والقرارات القضائية.
- أمناء أقسام الضبط: تتمثل مهامهم خاصة في تحرير النسخ المطابقة للأصل والنسخ التنفـيذية للأحكام والقرارات القضائية، واثبات صحتها وإصدارها ومساعدة رؤساء الأقسام والحلول محلهم عـند
ــــــــــــــــ
(1)- أنظر المقال النشور بالعدد التجريبي لمجلة تضامن أمناء الضبط- ضمأ- مديرية البحث لوزارة العدل-ص29.
الاقتضاء.
-رؤساء أمناء أقسام الضبط: يشرفون على السير الحسن لأقسام الضبط
ثانيا- المناصب العليا: وهي
-رئيس المصالح الإدارية: يقوم بأداء النشاطات الخاصة بالنيابة العامة والحالة المدنية وتسيير مستندات الإقناع ومحفوظات الوثائق وتسيير فهرس الاجتهاد القضائي وتنـظيم عمل الموظفين الموضوعين تحت سلطته.
- رئيس أمانة الضبط بقسم أو غرفة: يشرف على أقسام أو غرف أمانات الضبط
- رئيس أمانة الضبط للجهة القضائية: يقوم بتنسـيق نشاط مختلف المصالح والإشراف على صندوق أمانة الضبط وجمع الإحصائيات وتسيير المطبوعات والوثائق والمحفوظات.
هذا وتختلف طريقة توظيف أمناء الضبط من فئة لأخرى (1)
الفرع الثاني
مساعدي القضاء
يتمثل مساعدي القضاء أساسا في المحضرين القضائيين والمحامين والخبراء ومحافظي البيع بالمزاد العـلنــي
أولا- المحامون: تتمثل مهامهم أساسا في مساعدة وتمثيل الخصوم أمام القضاء ، ويتمتعون نظـير ذلك بمجموعة من الحقوق وتقع على كاهلهم عدة واجبات نصت عليها خاصة المادة76 من القانون رقم91-04 التعلق بمهنة المحاماة، ويباشر المحامون مهامهم من خلال مكاتب فردية أو متجمعة للمحاماة ، أو ضمن جمعيات محامين أو في شكل شركات مدنية للمحاماة، وللمحامين نقابة وطنية للمحاماة تتكون من عــدة
منظمات جهوية، وكل منظمة جهوية تتكون من مجموعة من الهياكل هي نقيب المحامين والجمعية العــامة
للمحامين ومجلس منظمة المحامين ، بالإضافة إلى مجلس التأديب ، ويناط بهذه المنظمات تكوين المحامــين
المتربصين بعد حصولهم على الكفاءة المهنية للمحاماة وذلك ضمن مكاتب الإشراف خلال فترة تربصيـة
مدتها تسعة أشهر ، وكذا الالتفات إلى كل المسائل ذات الطابع المهني للمحامين بما فيها صلاحيـــات
التأديب، ويشكل اتحاد المنظمات الوطنية للمحامين الاتحاد العام للمحامين الجزائريين الذي يرأسه عميـد
الاتحاد، كما يمكن للمحامين الاجتماع ضمن ندوة وطنية للمحامين مرة كل ثلاث سنوات(2).
ــــــــــــــ
(1)- الغوثي بن ملحة- المرجع السابق-ص97-105
(2)-طاهري حسين- دليل أعوان القضاء والمهن الحرة- دار هومة-ط2001-ص12
-الغوثي بن ملحة – المرجع السابق-ص119
ثانيا – المحضرون الفضائيون : تتمثل مهامهم أساسا حسب القانون رقم91-03 المؤرخ في 08-01-1991 المتعلق بتنظيم مهنة المحضر القضائي في تبليغ الأحكام القضائية والمحررات وتنفيذ الأحكام والقرارات القضائية والسندات التنفيذية الأخرى، بالإضافة إلى إجراء بعض المعاينات المادية ، وتحصيل الديون المستحقة قضائيا أو وديا، وتقييم المنقولات المادية وبيعها، ويباشر المحضرون أعمالهم من خلال مكاتب عمومية يسيرونها لحسابهم الخاص تحت رقابة وكيل الجمهورية لدى المحكمة دائرة اختصاصهم ، وينضوون ضمن غرفة جهوية للمحضرين التي تهتم بمختلف المسائل ذات الطابع المهني، هذا بالإضافة إلى الغرفة الوطنية والمجلس الأعلى للمحضرين المكلف بالمسائل ذات الطابع العام المتعلقة بالمهنة، كما يمكن للمحضرين مباشرة أعمالهم ضمن مكاتب متجمعة أو في شركات مدنية للمحضرين القضائيين أو في شكل جمعييات (1).
ثالثا- الخبراء:وهم أشخاص غير موظفين في الأجهزة القضائية، لهم دراية ومعرفة فنية خاصة في مجالات محددة ، وقد يكونون أشخاصا طبيعيين أو معنويين ويخضعون لشروط خاصة بتعيينهم نص عليها المرسوم التنفيذي رقم95-310 المؤرخ في10/10/1995 كما يحكمهم قانون الإجراءات المدنية والجزائية، وتتمثل هذه الإجراءات في تقديم طلب إلى النائب العام المختص الذي يجري تحقيقا إداريا بشأنه ثم يحوله إلى رئيس المجلس القضائي من أجل إعداد قائمة الخبراء، والتي يصادق عليها وزير العدل .
ويجوز للقاضي تعيين خبير من خارج القائمة بعد تأدية اليمين القانونية ما لم يعفى باتفاق الخصوم ويتعين على الخبير بعد توصله بالحكم أو القرار القاضي بتعيينه في مهمته القيام بها دون تأخير وأن يودع تقريره الكتابي أو الشفوي ضمن الميعاد الذي حدده الحكم القاضي بندبه، وإذا تعدد الخبراء تعين عليهم تحرير تقرير خبرة واحد، فإذا اختلفت آراؤهم وجب تسبيبها ،كما يمتنع على الخبراء تلقي أتعابهم مباشرة من الخصوم في الدعوى وإلا تعرضوا للشطب من القائمة(2) .
رابعا – محافظي البيع بالمزاد العلني: وهم بمثابة وكلاء عن الأطراف في عمليات البيع بالمزاد العلني، حيث يتعين عليهم بمجرد النطق برسو المزاد الحصول فورا على ثمن البيع وإلا وجب عليهم إعادة البيع ولأجل ذلك يحرر محافظ البيع محضرا يعد عقدا رسميا يجب عليه تسجيله في الشهر المالي لعملية البيع، كما يقوم قبل جلسة المزايدة بما يجب من إجراءات لإعلان الجمهور، وقد حدد الأمر رقم96-02 المؤرخ في 10/01/ 1996 المتظمن تنظيم مهنة محافظ البيع بالمزاد العلني شروط الالتحاق بهذه المهنة وكذا واجبات
ــــــــــــــــــــــــــ
(1)-الدكتور الغوثي بن ملحة- المرجع السابق-ص108
- طاهري حسين- المرجع السابق-ص-35
(2)- طاهري حسين- المرجع السابق-ص84
المحافظين وحقوقهم ونظامهم الانضباطي، وهم عموما يباشرون مهامهم من خلال مكاتب وينضوون ضمن
غرفة جهوية وغرفة وطنية مهمتها تنفيذ الأعمال التي تهدف إلى ضمان احترام قواعد المهنة وأعرافها ، وكذلك نظام انضباطها، وقد أشارة المادة31 من القانون المذكور إلى إنشاء مجلس استشاري يتولى مهمة دراسة المسائل ذات الطابع العام للمهنة.
وبعد أن تناولنا مرفق القضاء في محتواه البشري فإننا سنتناول الجانب الهيكلي للنظام القضائي من خلال أجهزة التنظيم القضائي المختلفة في المبحث الموالي
المبحث الثاني
أجهزة التنظيم القضائي
تشمل أجهزة التنظيم القضائي الجهات القضائية بمختلف أنواعها ودرجاتها وتشكيلاتها (1) وقد نصت المادة الثانية من القانون العضوي رقم02-11 المؤرخ في17/يوليو/2005 المتعلق بالتنظيم القضائي: أن التنظيم القضائي يشمل النظام القضائي العادي والــــنظام القضائي الإداري ومحكمة التنازع وسنتطرق إلى هذه الأجهزة من خلال المطالب التالية
المطلب الأول
أجهزة النظام القضائي العادي
أبقت المادة 152 من الدستور على بعض الجهات القضائية التي أنشأت بموجب الدساتير السابقة وهي: المحكمة العليا والمجالس القضائية والمحاكم(2)، كما نصت المادة الثالثة من نفس القانون العضوي على أن النظام القضائي العادي يشمل المحكمة العليا والمجالس القضائية والمحاكم.
الفرع الأول
المحاكم
المحاكم في التنظيم القضائي الجزائري والأنظــمة القضائية المقارنة هي القاعدة الأساسية التي يقوم عليها النظام القضائي بشكله الهرمي(3) ، وبعد تبني نظام الازدواجية القضائية تعد المحاكم قاعدة النظام القضائي العادي، وهي تفصل في جميع القضايا التي تدخل ضــمن اختصاصها ولا يخرج عن ولايتها إلا ما أستثني
ـــــــــــــــــ
(1)- الدكتور الغوثي بن ملحة- المرجع السابق-ص133
(2)- رشيد خلوفي- قاتون المنازعات الادارية- تنظيم واختصاص القضاء الاداري
-ديوان المطبوعات الجامعية-ط2 .2005 –ص165
(3)- عبد العزيز سعد- المرجع السابق-ص89 – بوبشير محند أمقران –المرجع السابق-ص210
بنص(م1 ق ا م) (1) ، وسنتطرق للتنظيم القضائي للمحاكم من خلال النقاط التالية :
أولا- اختصاص المحكمة: نصت المادة الخامسة من القانون الذكور: يحدد اختصاص المحــكمة في قانون الإجراءات المدنية والجزائية والقوانين الخاصة، وقد نص قانون الإجراءات المدنيـة والجزائية عـلى نوعين من الاختصاص هما الاختصاص النوعي والاختصاص المحلي ، ونصت على الأول المادة الأولى مـن قانون الإجراءات المدنية كما أشارت المواد2.3.4 إلى أنواع محددة من هذا الاختصاص ، أما قواعــد الاختصاص المحلي فقد نظمته المادتين 8 .9 حيث تتمثل القاعدة العامة في انعقاد الاختصاص لمحكمة موطن المدعى عليه، إلا أن هناك استثناءات بموجب المادة8 وحالات جوازيه بمقتضى المادة9 ، أما الاختصاص في المواد الجزائية فقد نظمته المواد 328 .329 من قانون الإجراءات الجزائية، حيـث تقضي المادة 328 : تختص المحكمة بالفصل في الجنح والمخالفات ،كما نصت المادة329 : تختص محليا بالنظر في الجنحة محكمة محل الجريمة أو محكمة إقامة أحد المتهمين أو شركائهم أو محل القبض عليهم ولو كان هذا القبض قد وقع لسبب آخر، ولا تكون محكمة محل حبس المحكوم عليه مختصة إلا وفق الأوضاع المنصـــوص عليها في المادتين552 .553 .
وقد نص القانون رقم 04-14 المعدل والمتمم لقانون الإجراءات الجزائية على أنه: يجوز تمــديد الاختصاص المحلي للمحكمة إلى دوائر اختصاص محاكم أخرى عن طريق التنظيم في جرائم المــخدرات والجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية والجرائم الماسة بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات وجرائم تبيض الأموال والإرهاب والجرائم المتعلقة بالتشريع الخاص بالصرف، هذا وقد نصت المادة451 ق ا ج على أنه : يختص قسم الأحداث بنظر الجنح التي يرتكبها الأحداث ، ويختص قسم الأحداث الذي يوجد بمقر المجلـــس القضائي بنظر الجنايات التي يرتكبها الأحداث ، ويكون قسم الأحداث المختص إقلـــيميا هو المحكمة الـتي أرتكبت الجريمة بدائرتها أو التي بها محل إقامة الحدث أو والديه أو وصيه أو محكمة المكان الذي عثر على الحدث فيه أو المكان الذي أودع به الحدث سواءا بصفة مؤقتة أو نهائية.
ثانيا – أقسام المحكمة: قسمت المادة13 من القانون العضوي المحكمة إلى عشرة أقسام ويمكن لرئيس المحكمة بعد استطلاع رأي وكيل الجمهورية تقليص عددها أو تقسيمها إلى فروع حسب أهمية وحجم النشاط القضائي ، هذه الأقسام هي كالآتي:
أ- القسم المدني: من أقدم الأقسام داخل المحكمة وينظر في القضايا المدنية مثل منازعات عقد البيع والإيجار والوكالة(2).
ــــــــــــــــ
(1)- الدكتور عمار بوضياف – المرجع السابق- ص 236
(2)- بوبشير محند أمقران- المرجع السابق- ص211
ب- القسم العقاري: تم فصله عن القسم المدني بموجب القرار المؤرخ في11/أفريل/ 1994 والصادر عن وزارة العدل (1) وذلك لحجم المنازعات العقارية المتزايد وكذا كثرت النصوص التشريعية والتنظيمية في المادة العقارية.
ت- القسم التجاري : من الأقسام القديمة التي أحدثت بموجب المرسوم رقم 66-163 المؤرخ في 08/جوان/1966 وينظر في المنازعات التجارية بمختلف أنواعها(2).
ث- القسم الاجتماعي : ينظر في المنازعات الفردية للعمل وكذا منازعات الضمان الاجتماعي ويتميز بتشكيلته الخاصة.
ج- القســـم البحري: أحدث بموجب القرار الوزاري المؤرخ في 14/جوان/1995 ، وينظر في المنازعات المتعلقة بالعقود البحرية، وتوجد الأقسام البحرية في المحاكم الواقعة على الساحل(3).
ح- قسم شؤون الأسرة: كان يسمى قسم الأحوال الشخصية، وينظر في المنازعات المتعلقة بالتركات وعقود الزواج والطلاق والحجر وكل ما يدخل في نطاق قانون الأسرة.
خ- القسم الاستعجالي: ينظر في القضايا الاستعجالية وهي القضايا التي لا تمس بأصل الحق والتي يتوافر فيها عنصر الاستعجال.
د- قسم الجنح: يفصل في قضايا الجنح
ذ- قسم الأحداث: ينظر في قضايا الأحداث، وينظر قسم الأحداث بمقر المجلس القضائي في جنايات الأحداث.
ثالثا-تشكيل هيآت الحكم: يختلف تشكيل هيآت حكم المحكمة بحسب موضوع النزاع (4) ، والقاعدة العامة هي أن المحكمة تفصل بقاض فرد إذ تنص المادة 15 من القانون العضوي على أنه : تفصل المحكمة بقاض فرد ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ، وهنالك استثناءين لهذه القاعدة :
- المسائل الاجتماعية: حيث تتشكل المحاكم الاجـــتماعية من قاض فرد ومساعدين من العمال ومساعدين من المستخدمين، ويجوز انعقادها بحضور مساعد من العمال ومساعد من المسـتخدمين فقط .
- قضايا الأحداث: تتكون محكمة الأحداث من قاض ومساعدين محلفين.
ــــــــــــــــ
(1)- الدكتور عمار بوضياف –المرجع السابق-ص238
(2)- الدكتور عمار بوضياف – المرجع السابق-ص241
(3)-الدكتور عمار بوضياف –المرجع السابق –ص245
(4)- بويشير محند أمقرآن- المرجع السابق-ص212
رابعا- التشكيلة البشرية للمحكمة: تشمل المحكمة حسب نص المادة 12 من القانون العضوي :
1- رئيس المحكمة ونائبه: وهو قاض يحتل وظيفة قضائية نوعية(1)، ويتولى إدارة المحكمة والإشراف على تسيير أعمالها ومراقبة موظفيها إلى جانب وكيل الجمهورية(2)، بالإضافة إلى مهامه القضائية.
2- وكيل الجمهورية ومساعيه: هو من مؤطري المحكمة وله مهام قضائية وإدارية(3).
3- قاضي الأحداث أو قضاة الأحداث: وهم قضاة يختارون لكفاءتهم وللعناية التي يولونها للأحداث بقرار من وزير العدل لمدة ثلاث سنوات بالنسبة لمحكمة مقر المجلس القضائي، وفي باقي المحـاكم الأخرى بموجب أمر من رئيس المجلس على طلب من النائب العام (4).
4- قاضي التحقيق أو قضاة التحقيق: من مؤطري المحكمة ، يعين بموجب مرســوم رئاسي وتنتهي مهامه بنفس الأشكال ، ويناط به إجراءات البحث والتحقيق والتحري عن أدلة الاتهام وأدلة النفي (5).
5- القضاة:وهم من يترأس أقسام المحكمة حسب تخصـــصاتهم طبقا للمادة14 من قانون التنظيم القضائي، ويمكن تعيين نفس القاضي في أكثر من قسم أو فرع ، هذا ويوجد بالمحـــكمة أمانة الضبط.
الفرع الثاني
المجالس القضائية
نصت المادة16 من القانون العضوي رقم05-11: يعد المجلس القضائي جهة استئناف للأحكام القضائية الصادرة من المحاكم وكذا في الحالات الأخرى المنصوص عليها قانونا، كما نصت المادة 05 من ق ا م : تختص المجالس القضائية بنظر استئناف الأحكام الصادرة من المحاكم في جميع المواد في الدرجة الأولى حتى وان وجد خطأ في وصفها، وتبعا لذلك تعد المجالس القضائية كقاعدة عامة الجهة القضائية في النـــظام القضائي العادي ذات الدرجة الثانية (6) ،وهي تجسيد لمبدأ التقاضي على درجتين،وكان عددها15 مجلسا ثم ارتفع إلى 31 ثم إلى 48 بموجب الأمر رقم97-11 المؤرخ في 19/03/1997 المتضــمن التقسيم القضائي، وسنتطرق إلى تنظيم المجالس القضائية وتشكيلتها كالأتي:
ـــــــــــــ
(1)- المادة 48 من القانون الأساسي للقضاء
(2)- عبد العزيز سعد- المرجع السابق- ص95
(3)- المواد 29 .36 من قانون الاجراءات الجزائية
(4)- المواد 449 من ق ا ج
(5)- المواد 38 .39 .68 من ق ا ج
(6)- بوبشير محند أمقرآن – المرجع السابق-ص216
أولا- تنظيم المجالس القضائية: نصت المادة 6 من قانون التنظيم القضائي على أنه: يشمل المجلس القضائي: - الغرفة المدنية- الغرفة الجزائية- غرفة الاتهام- الغرفة الاستعجالية- غرفة شؤون الأسرة- غرفة الأحداث- الغرفة الاجتماعية- الغرفة العقارية- الغرفة البحرية- الغرفة التجارية ، ويمكن لرئيس المجلس القضائي بعد استطلاع رأي النائب العام تقليص عدد الغرف أو تقسيمها إلى أقسام حسب أهمية وحجم النشاط القضائي ، ويوزع القضاة على هذه الغرف في بداية كل سنة قضائية بموجب أمر من رئيس المجلس القضائي بعد استطلاع رأي النائب العام، كما يجوز لرئيس المجلس رئاسة أي غرفة أو تعيين نفس القاضي في أكثر من غرفة أو قسم ( م9 ق ع ت ق).
وتوجد على مستوى كل مجلس قضائي محكمة جنايات ، وهي جهة قضائية جزائية متخصصة تنظر في الأفعال الموصوفة جنايات وكذا الجنح والمخالفات المرتبطة بها .
ثانيا- تشكيل هيآت حكم المجالس القضائية: تتشكل هيآت حكم المجالس القضائية دائما من ثلاثــة قضاة برتبة مستشار (1)، حيث نصت المادة 8 من ق ع ت ق : يفصل المجلس القضائي بتشكيلة جماعية ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ، وهو الأمر الذي قضت به المادتين 144 ق ا م و429 ق ا ج ، أما محكمة الجنايات فتتشكل من قاض برتبة رئيس غرفة بالمجلس القضائي على الأقل رئيسا ومن قاضيين برتبة مستشار بالمجلس على الأقل ومحلفين اثنين، ويعين القضاة بأمر من رئيس المجلس طبقا للمادة258 ق ا ج .
ثالثا – التشكيلة البشرية للمجالس القضائية: تبعا لما نصت عليه المادة 7( ق ع ت) ق فان التشكيلة البشرية للمجالس القضائية هي كالآتي:
1- رئيس المجلس القضائي ونائب أو نواب الرئيس: يحتل وظيفة قضائية نوعية ويعين بمرسوم رئاسي (2) ، وهذا التعيين ليس في الحقيقة إلا ترقية بعد أن يكون قد مارس أعماله في المحاكم والمجالس القضائية (3)، ويتولى رئيس المجلس القضائي تمثيل هذا الأخير والإشراف على تسيــيره وإدارته ومراقبة موظفيه وتوزيع العمـل على قضاة المجلس ، كما يوزع القضاة على الغرف ويقوم بانتداب القضاة من محكمة إلى محكمة أو من غرفة إلى غرفة عند الضرورة، كما أن من مهامه إعداد تقارير دورية عن نشاط المجلس بمعية النائب العام لترسل إلى وزارة العدل وهذا بالإضافة إلى مهامه القضائية.
2- النائب العام والنواب العامون المساعدون: يعين النائب العام بمرسوم رئاسي (4) ، وله مــهام إدارية وأخرى قضائية ومن مهامه القضائية ما نصت عليه المادة29 من ق ا ج بالنسبة للدعوى العمومية
ـــــــــــــــــ
(1)- عبد العزيز سعد – المرجع السابق-ص102
(2)- المادتين 48 .49 من القانون الأساسي للقضاء
(3)- عبد العزيز سعد – المرجع السابق –ص104
(4)- المادتين 48 .49 من القانون الأساسي للقضاء
وطلب تطبيق القانون والتمثيل أمام كل الجهات القضائية وتنفيذ الأحكام وغيرها، كما يدخل ضمن مهامه القضائية تنفيذ الانابات القضائية الدولية ومتابعة إجراءات التحقيق ، وإرسال ملفات الطـعن بالنقض إلى المحكمة العليا، ومن مهامه الإدارية متابعة أعمال الموظفين من حيث الحضور والغياب والسلوك والمردودية والاطلاع على سجلات أمانة الضبط بالمجلس القضائي والمحاكم.
3- رؤساء الغرف والمستشارون.
هذا ويوجد على مستوى كل مجلس قضائي أمانة ضبط وأمانة عامة.
الفرع الثالث
المحكمة العليا
المحكمة العليا قمة هرم النظام القضائي العادي، ومقرها بالجزائر العاصمة، ويطلق عليها في مـصر محكمة النقض وفي تونس محكمة التعقيب ، وهي هيأة قضائية دستورية (1)، وكانت تسمى سابقا بالمجلس الأعلى و الذي كان ينظمه القانون رقم63-218 المؤرخ في 18/06/1963 المتعلق بصـلاحيات المحكمة العليا وتنظيمها وسيرها، ثم طرأ على هذا الأخير تعديــل سنة1996 بمقتضى الأمر رقم96-25 المؤرخ في 12/08/1996 وسنتطرق إلى صلاحيات المحكمة العليا وتنظيمها وتشكيلتها من خلال ما يلي:
أولا – صلاحيات المحكمة العليا: يمكن إرجاع صلاحيات المحــكمة العليا طبقا للمادة 152 من الدستور إلى ما يلي:
- توحيد الاجتهاد القضائي في جميع أنحاء البلاد والسهر على احترام القانون
- تمارس رقابتها على تسبيب الأحكام القضائية ورقابة معيارية تأخذ بعين الاعتبار تكييف الوقائع على ضوء القاعدة القانونية
- تقدير نوعية القرارات القضائية التي ترفع إليها، وتبلغها سنويا إلى وزير العدل
- تشترك في برامج تكوين القضاة
- تعمل على نشر قراراتها وجميع التعليقات و البحوث القانونية والعلمية لتدعيم توحيد الاجتهاد القضائي (2) .
ثانيا – تنظيم المحكمة العليا: يشمل تنظيم المحــــكمة العليا الــغرف والهياكل غير القضائية
أ- الغرف: غرف المحكمة العليا على نوعين، غرف عادية وغرف موسعة:
ــــــــــــــ
(1)- أنشأت بمقتضى المادة 152 من الدستور
(2)- رشيد خلوفي – قانون المنازعات الادارية –تنظيم واختصاص القضاء الاداري –ديوان المطبوعات الجامعية-ط2 .2005-ص123
- الغرف العادية : نصت المادة 08 من الأمر رقم 96-25 على أنه: تتشكل المحكمة العليا من تسع غرف: - الغرفة المدنية- الغرفة العقارية- غرفة الأحوال الشخصية والمواريث- الغرفة التجارية والبحرية –الغرفة الاجتماعية – الغرفة الجنائية – غرفة الجنح والمخالفات – الغرفة الإدارية ( لم تعد موجودة بعد تنصيب مجلس الدولة) – غرفة العرائض(1)، وأحالت المادة 8 من أجل تحديد عدد ونوعية أقسام الغرف إلى النظام الداخلي للمحكمة العليا.
-الغرف الموسعة : تكون في شكل غرف مختلطة أو مجتمعة:
-الغرفة المختلطة: تتشكل من غرفتين ويمكن لها أن تتشكل من ثلاث غرف عندما تكون مدعوة إلى الفصل في الموضوع في قضية على اثر طعن ثان ، ويعين الرئيس الأول للمحكمة العليا الغرفة أو الغرف الملحقة، وكذا رئيس الغرفة المختلطة ، وتفصل الغرفة المخـتلطة في الإشكالات القانونية التي من شأنها أن تؤدي إلى تناقض في الاجتهاد القضائي .
-الغرف المجتمعة: تفصل في الحالات التي يمكن أن تؤدي إلى تغيير في الاجتهاد القضائي وتشكل من الرئيس الأول للمحكمة العليا ونائبه ورؤساء الغرف ورؤساء الأقسام وعميد المستشارين في كل غرفة (2).
ب- الهياكل غير القضائية للمحكمة العليا: وهي:
1- مكتب المحكمة العليا: يتكون من الرئيس الأول للمحكمة العليا ونائبه ورؤساء الغرف وعميد رؤساء الأقسام وعميد المستشارين والنائب العام وعميد المحامين العامين، ومن مهام هذا المكتب: - توزيع القضاة على الغرف والأقسام – تحديد برنامج العمل الــسنوي وضبط جدول الجلسات وتقييم النشاط السنوي للقضاة – حصر حالات التناقض بين الغرف- إعداد النظام الداخـلي للمحكمة العليا- إبداء الرأي في مشروع ميزانية المحكمة العليا (3).
2- الجمعية العامة للقضاة: تتألف من كافة قضاة المحكمة العليا وتدرس المسائل التي من شأنها توحيد تفسير وتطبيق القانون، والمسائل المتعلقة بوضعية القضاة.
3- مكتب المساعدة القضائية : يرأس المكتب النـائب العام لدى المحكمة العليا ويضــم المكتب مستشار يعينه الرئيس الأول للمحكمة العليا ومحام مقـبول لدى المحكمة العليا وممثلا عن المنظمة الوطنية للمحامين وممثلا عن وزارة المالية (4).
ــــــــــــــ
(1)- رشيد خلوفي - المرجع السابق- ص123
(2)- الغوثي بن ملحة- الرجع السابق- ص149.150
(3)- الغوثي بن ملحة-المرجع السابق-ص151
(4- الغوثي بن ملحة- المرجع السابق-ص153
هذا وقد أنشأ الأمر رقم 96-25 قسم إداري وقــسم للوثائــق يتولى الأول تسيير ميزانية المحكمة
العليا والموظفين والوسائل المادية ويتولى الثاني مختلف المسائل المتعلقة بالوثائق (1).
ثالثا- تشكيل المحكمة العليا:
أ- التشكيلة البشرية للمحكمة العليا: تبعا لما جاء في الأمر رقم96 -25 فان التشكيلة البشرية للمحكمة العليا تتمثل في : -الرئيس الأول للمحكمة العليا- نائب الرئيس-9 رؤساء غرف -18 رئيس قسم على الأقل -95 مستشار على الأقل – النائب العام لدى المحكمة العليا – النائب العام المساعد – 18 محاميا عاما على الأقل .
ب- تشكيلات جهات حكم المحكمة العليا : تختلف هذه التشكيلات بين الغرف العادية والغرف الموسعة:
1- تشكيلة الغرف العادية: تنص المادة 18 من القانون رقم 89-22 : أنه لا يمكن لأي غرفة أو قسم من الغرفة الفصل في قضية إلا بحضور ثلاثة أعضاء على الأقل ، ويمــكن للرئيس الأول أن يرأس بنفسه أي غرفة من غرف المحكمة العليا .
2- تشكيلة الغرف الموسعة: تختلف فيما إذا كانت مختلطة أو مجتمعة:
- تشكيل الغرف المختلطة: الغرفة المختلطة المشكلة من غرفتين تبــت بصفة قانونية بحضور 9 أعضاء على الأقل ، وإذا كانت مشكلة من ثلاث غرف تبت بصفة قانونية بحضور 15 عضوا على الأقل ويتخذ القرار بموافقة الأغلبية، وفي حالة تعادل الأصوات يرجح صوت الرئيس .
- تشكيل الغرف المجتمعة: لا تبت الغرف المجتمعة بصفـة قانونية إلا بحضور 25 عضوا على الأقل ويتخذ قرارها بالأغلبية وفي حالة تعادل الأصوات يرجح صوت الرئيس .
وبعد أن تناولنا في هذا المطلب مختلف أجهزة النظام القضائي العادي فإننا سنتناول تباعا أجهزة النــظام القضائي الإداري في المطلب الموالي
المطلب الثاني
أجهزة النظام القضائي الإداري
نصت المادة 152 من الدستور على أنه: تمثل المحكمة العليا الهيأة المقومة لأعمال المجالس والمحاكم – يؤسس مجلس دولة كهيأة مقومة لأعمال الجهات القضائية الإدارية ، وبمقتـــضى هذا النص تكرست الازدواجية القضائية، وإذا كان المؤسس الدستوري سمى الجهات القضائية الدنيا في النظام القضائي العادي وهي المجالس والمحاكم فانه لم يفعل ذلك بالنسبة للنظام القــضائي الإداري ، واكتفى بتسميتها بالجهات
ـــــــــــــــ
(1)- رشيد خلوفي- المرجع السابق- ص 125
القضائية الإدارية، الأمر الذي جعل بعض الدارسين يعتبرون أن هذه الجهات تشمل إلى جانب المحاكم الإدارية هيآت قضائية إدارية خاصة كمجلس المحاسبة واللجان التأديبية (1)، غير أن المادة 4 من القانون العضوي للتنظيم القضائي نصت : النظام القضائي الإداري يشمل مجلس الدولة والمحاكم الإدارية، ولم تشر إلى أي هيآت أخرى ، لذلك سنتناول بالدراسة النظام القضائي الخاص بالمحاكم الإدارية في الفرع الأول ومجلس الدولة في الفرع الثاني
الفرع الأول
المحاكم الإدارية
أنشأت المحاكم الإدارية بمقتضى القانون رقم 98-02 المؤرخ في 30/05/98 (2) لتحل محل الغرف الإدارية التي كانت تابعة للمجالس القضائية، وبتاريخ 14/11/1998 صدر المرسوم التنفيذي رقم 98-356 المتضمن كيفيات تطبيق القانون رقم 98-02 والذي أنشأ 31 محكمة إدارية تـنصب عند توافر الظروف الضرورية لسيرها (3) ، وبالنظر إلى هذين النصين فان هناك قواعد متعلقة بتنــظيم وتشكيل المحاكم الإدارية وأخرى تخص اختصاصاتها:
أولا- اختصاصات المحاكم الإدارية: نصت المادة01 من القانون رقم 98-02 على أنه: تنشأ محاكم إدارية كجهات قضائية للقانون العام في المادة الإدارية - يحدد عددها واختــصاصها الإقليمي عن طريق التنظيم . وعبارة جهات قضائية للقانون العام يقابلها في النص الفرنسي( juridiction de droit commun) ، وقد استعملت هذه العبـــارة في الفقه والتشريع الفرنسي للتعبير عن درجة وطبيعة الاختصاص المعترف به لجهة قضائية ما بما يفيد تمتعها باختصاص عام ومبدئي، خلافا للاختـصاص الممنوح أو المحدد ، كما هو الحال بالنسبة لمجلس الدولة ، وتبعا لذلك فان المحاكم الإدارية هـي الجهات القضائية ذات الولاية العامة أو الاختصاص العام في المواد الإداريـة (4) ، ولا يخرج عن اختصاصها إلا ما أستثني بنص، والملاحظ هو أن النصوص المتعلقة بالمحاكم الإدارية لم تشــر إلى أي معيار أو أساس لتحديد هذا الاختصاص وقد أحالت إلى قانون الإجراءات المدنـية بموجب المادة 2 من القانون رقم98-02 مما يترك الوضع على حاله في تحديد الاختصاص النوعي لهذه المحاكم بما كان للغرف الإدارية في النظام القضــائي السابق وهو اعتماد المعيار العضوي كقاعدة عامة والمنصوص عليه بالمادة 7 من ق ا م وغيرها من المسائل
ـــــــــــــــ
(1)- خلوفي رشيد- المرجع السابق –ص171
(2)-تم انشاء المحاكم الادارية بقتضى قانون عادي خلافا لمجلس الدولة الذي أنشأ بقانون عضوي وأثار ذالك عدة تساؤلات حول تفسير نص المادة 122 ف6 و123 من الدستور –للمزيد من التفصيل أنظر – رشيد خلوفي – المرجع السابق –ص214. 215
(3)- الدكتور عمار بوضياف –المرجع السابق-ص267
(4)- خلوفي رشيد المرجع السابق –ص212
كاختصاص هذه الغرف وأنواع الدعوى والطعون التي يمكن رفعها أمامها.
وإذا كان مجلس الدولة قد منح اختصاصا استشاريا في المجال التـشريعي طبقا للمادة 119 من الدستور فان المحاكم الإدارية لم تمنح هذا الاختصاص عكس ما هو عليه الوضع في فرنسا ، حيث تمارس المحاكم الإدارية في النظام الفرنسي اختصاصات استشارية في شكل تقديم آراء بطلب من المحافـظين أو رئاسة بعض اللجان والهيآت الإدارية (1) ، ويرى بعض الدارســين أنه من الضروري إسناد وظيفة استشارية للمحاكم الإدارية لمساعدة الإدارات المحلية خاصة في مجال الصفقات العمومية والتسيير (2) .
وتجدر الإشارة أنه فيما يخص الإجراءات المطبقة أمام المحاكم الإدارية فانه تم إعداد مشروع لقانون الإجراءات المدنية والإدارية ،والذي يهدف إلى وضع قواعد بسيطة وواضحة ، تضمن نجاعة الإجراءات وتقليص مواعيدها، والسماح للأطراف بالتصالح حول حقوقهم بالطريقة التي تلائمهم بعد أن تم تقسيم الإجراءات إلى مدنية وإدارية (3) .
ثانيا- تنظيم المحاكم الإدارية : تقسم المحاكم الإدارية إلى مجموعة من الغرف ويمكن أن تقسم الغرف إلى أقسام وقد أحالت المادة 4 من القانون رقم 98-02 إلى التنظيم لتحديد عدد الغرف والأقسام وصدر هدا التنظيم بموجب المرسوم التنفيذي رقم 98-358 المؤرخ في 14/11/1998 والذي نص في مادته الخامسة على أنه: تشكل كل محكمة إدارية من غرفة واحدة إلى ثلاث غرف، ويمكن تقسيم كل غرفة إلى قسمين على الأقل وأربعة أقسام على الأكثر ، ويحدد وزير العدل عدد غرف وأقسام كل محكمة إدارية، ولقد قدم بعض أعضاء مجلس الأمة ملاحظات بخصوص هذه المسألة واقترحوا إسناد هذه المهمة إلى رئيس المحكمة الإدارية، كما اقترح بعض الدارسين أن يمنح رئيس المحكمة الإدارية صـلاحية الاقتراح بخصوص تقسيم وتنظيم المحكمة التي يرأسها (4) ، هذا وتوجد بالمحاكم الإدارية أمانة ضبط.
ثالثا- تشكيل المحاكم الإدارية: يشمل تشكيل المحاكم الإدارية تشكيلتها البشرية وكذا تشكيل هيأة حكمها .
أ- التشكيلة البشرية للمحكمة الإدارية: تضم التشـكيلة البشرية للمحاكم الإدارية رئيس المحكمة ومحافظ الدولة ومساعديه والقضاة
1- رئيس المحكمة الإدارية : يعين بموجب مرسوم رئاسي وتعد وظيفته من الوظائف
ــــــــــــــــ
(1)- الدكتور محمد الصغير بعلي – المحاكم الادارية – دار العلوم للنشر والتوزيع-ط2005 –ص11
- حسين مصطفى حسين –المرجع السابق –ص28
(2)- انظر رأي الدكتور عمار بوضياف فيما يخص الوظيفة الاستشارية للمحاكم الادارية –المرجع السابق-ص284
(3)- المنشور الصادر عن وزارة العدل حول فعاليات الندوة الوطنية لاصلاح العدالة-المرجع السابق-ص5. 6
(4)- الدكتور عمار بوضياف –المرجع السابق –ص273 .274
القضائية النوعية (1) ،ويخضع للقانون الأساسي للقضاء (2) ، ولم ينص كل من القانون رقم 98 -2 ولا المرسوم التنفيذي رقم 98 -358 على صلاحيات رئيس المحكمة الإدارية عدا ما نصت عليه المادة 6 من هذا المرسوم فيما يخص صلاحياته بالنسبة لأمناء الضــــبط من حيث توزيعهم على الغرف والأقسام ومراقبتهم بمعية محافظ الدولة (3) ، ولاشك أن هذه الصلاحيات ستضبط بالقانون المزمع إصداره والمتعلق بالإجراءات المدنية والإدارية.
2- محافظ الدولة لدى المحكمة الإدارية ومساعديه: يتولى وظيــفة قضائية نوعية ويعين بمرسوم رئاسي ويمارس مهام النيابة العامة بمساعدة محافظي الدولة المساعدين، على غرار محافظ الدولة لدى مجلس الدولة، ويطلق على محافظ الدولة في النظام القضائي الفرنـسي محافظ الحكومة، وقد جعل المشرع الجزائري لمحافظ الدولة دورا مختلفا إلى حد ما عن الدور المنوط بمحافظ الدولة في النظامين القضــائيين الفرنسي والمصري، ففي هذين النظامين يخضع كل أعضاء مجلس الدولة إلى سلطة ورقابة رئيس المجلس أما في الجزائر فقد اعتبر المشرع محافظي الدولة سلكا قائما بذاته داخل الهيأة له رئيس ومساعدين(4)، وذلك راجع إلى التأثر بالنظام الســابق للغرفة الإدارية بالمحكمة العليا، ويظهر ذلك جليا من خلال قصر مهام محافظ الدولة على مهام النيابة العامة وهذا لا يتلاءم مع الدور المنوط بالقضاء الإداري في ظل الازدواجية القضائية، ويتعين على المشرع في ظل التوجهات الجديدة للتنظيم القضائي الجزائري أن يفعل أكثر من مهام محافظ الدولة، وأن لا ينظر إلى هذه الهيأة باعتــبارها نيابة عامة فقط يقتصر دورها على تقديم التماسات وطلبات، ففي النظام القضائي المصري لمحافظ الدولة دور تحقـــيقي ويقوم بمهام الوساطة بين الأطراف المتنازعة بالإضافة إلى مهام النيابة العامة (5).
3- القضاة ( المستشارون) : عددهم غير محدود ويشغلون رتبة مستشار ويخضعون للقانون الأساسي للقضاء، وعكس مجلس الدولة لايوجد بالمحاكم الإدارية مــستشارين في مهام غير عادية وذلك لاقتصار اختصاص المحاكم الإدارية على المهام القضائية دون المهام الاستــشارية خلافا لما هو موجود في فرنسا .
ب – تشكيلة جهات حكم المحكم الإدارية: نصت المادة 3 من القانون رقم 98-02 على
ــــــــــــــــ
(1)- المادتين 48 .49 من القانون الاساسي للقضاء
(2)- المادة 3 من القانون رقم98-02
(3)- الدكتور محمد الصغير بعلي – المرجع السابق –ص 36
(4)- بوصوف موسى –نظام محافظ الدولة في مجلس الدولة والمحاكم الادارية- مجلة مجلس الدولة-ع4 -2003 –ص37. 39
(5)-الدكتور محمد الصغير بعلي –المرجع السابق-ص37
أنه : بجب لصحة أحكامها إن تتشــكل المحكمة الإدارية من ثلاث قضاة عـلى الأقل من بينهم رئيس ومساعدان برتبة مستشار ، وقد لاحظ بعض الدارسين أن تشكيلة المحكمة الإدارية تتمــيز بالخصائص التالية: (1)
1- أن المحاكم الإدارية تتشـكل من قضاة متجمعين : خلافا للمحاكم في النظام القضائي العادي الذي يسوده مبدأ القاضي الفرد، ومرد ذلك إلى طبيعة القضاء الإداري فهو قضاء اجتهادي وليس قضاء تطبيقي كما هو الحال بالنسبة للقضاء العادي .
2- المحاكم الإدارية تتشكل من قضاة ذوي خبرة ، حيــث فرض المشرع أن يكون قضاة المحكمة الإدارية برتبة مستشار على الأقل.
وبعد أن تناولنا مختلف الجوانب التنظيمية للمحاكم الإدارية فإننا سنتناول الجهاز الثاني للنظام القضائي الإداري وهو مجلس الدولة
يشمل التنظيم القضائي مجموعة القواعد القانونية المنظمة للسلطة القضائية بشكل عام والمتعلقة بالجهات القضائية على اختلاف أنواعها ودرجاتها وتشكيلاتها، وكذا الشروط المتعلقة بتعين القضاة ووضعيتهم خلال الخدمة وحالات إنهائها، بالإضافة إلى نظام انضباطهم, كما تمتد قواعد التنظيم القضائي، لتشمل أسلاك أعوان القضاء ومساعديه من أمناء ضبط ومحامين و محضرين و محافظي ببيع بالمزاد العلني و خبراء، و قد مر التنظيم القضائي في بلادنا بعدة محطات أساسية، أهمها مرحلة الإصلاح القضائي لسنة 1965 و الذي كرس نظام وحدة القضاء الذي استمر مدة معتبرة إلى غاية صدور دستور 1996 ،وقد تبنى هذا الأخير نظام الازدواجية القضائية لتتميز الفترة الأخيرة للبلاد بمتطلبات اجتماعية و اقتصادية و سياسية أملت ضرورة إعادة النظر في الكثير من المفاهيم التي تحكم التنظيم القضائي الجزائري، مما أدى إلى ظهور توجهات جديدة تم تفعيلها بإحداث اللجنة الوطنية لإصلاح العدالة سنة 1999، و قد بدأت ثمار الإصلاحات تظهر من خلال مراجعة العديد من النصوص التي لها علاقة بالتنظيم القضائي كالقانون الأساسي للقضاء و القانون العضوي المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء و كذا إلغاء الأمر رقم 65-278 بصدور القانون العضوي رقم 05/11 المتعلق بالتنظيم القضائي .
لذلك فان أهمية دراسة موضوع التنظيم القضائي تكمن في ضرورة الإلمام بحاصل التطورات الراهنة التي مست العديد من القوانين ذات العلاقة بقواعد التنظيم القضائي ، وذلك بالنظر إلى مختلف المحطات التي مر بها ، ومن ثمة إعطاء صورة شاملة لمختلف أجهزة ومؤسسات المنظومة القضائية الجزائرية العادية منها والإدارية وكذا وعن طرق دراسة استشرافية محاولة التطلع إلى آفاق وتوجهات التنظيم القضائي الجزائري على ضوء هذه المستجدات،وعليه فان الإشكالات التي يطرحها الموضوع هي كالآتي:
ما هي مختلف المراحل التي مر بها التنظيم القضائي في الجزائر ؟ وما هي آفاقه وتوجهاته الجديدة؟ والى أي مدى تم تكريس هذه التوجهات في القانون العضوي رقم 05-11 المتعلق بالتنظيم القضائي؟ ومن ثمة على ماذا يشمل التنظيم القضائي الجزائري الراهن في جانبه البشري والهيكلي؟
ولمعالجة هذه الإشكالات ارتأينا تقسيم هذه الدراسة إلى فصلين ، نتناول في الأول مختلف المراحل التي مر بها التنظيم القضائي الجزائري من مرحلة الوحدة إلى الازدواجية القضائية ، وكذا مختلف التوجهات الجديدة له وصدور القانون العضوي رقم 05-11 المتعلق بالتنظيم القضائي ، متبعين في ذلك منهجا تحليليا لنقف على أهم المميزات التي ستسود التنظيم القضائي الجزائري بعد الإصلاحات ، أما في الفصل الثاني نتناول الإطار البشري والهيكلي لمرفق القضاء الجزائري الراهن بما فيه من قضاة وأعوانهم ومختلف أجهزة النظام القضائي العادي والنظام القضائي الإداري والجهات القضائية المتخصصة بالإضافة إلى أجهزة الإدارة القضائية ، لنقف على مواطن المقارنة مع الأنظمة القضائية المشابهة كمصر وتونس وفرنسا عند الاقتضاء ،وعلى ضوء هذا التقسيم نبرز خطة دراسة الموضوع كالآتي:
الخطة :
- المقدمة :
-الفصل الأول : تطور التنظيم القضائي الجزائري و التوجهات الجديدة
-المبحث الأول : المراحل التي مر بها التنظيم القضائي .
-المطلب الأول : مرحلة الوحدة (الإصلاح القضائي لسنة 1965)
-المطلب الثاني : مرحلة الازدواجية القضائية (إبتداءا من سنة 1996)
-المبحث الثاني : التوجهات الجديدة للتنظيم القضائي الجزائري وصدور القانون العضوي رقم 05/11 المتعلق بالتنظيم القضائي
-المطلب الأول : التوجهات الجديدة للتنظيم القضائي الجزائري
- المطلب الثاني : صدور القانون العضوي رقم 05/11 المتعلق بالتنظيم القضائي
-المبحث الثالث :مميزات النظام القضائي الجزائري بعد الإصلاحات
- المطلب الأول : تعزيز العدالة الجوارية
- المطلب الثاني : القضاء المتخصص
-الفصل الثاني :الإطار البشري والهيكلي لمرفق القضاء في الجزائر
- المبحث الأول : مرفق القضاء في محتواه البشري
- المطلب الأول : القضاة
- المطلب الثاني : أعوان ومساعدي القضاء
- المبحث الثاني : أجهزة التنظيم القضائي
- المطلب الأول : أجهزة النظام القضائي العادي
- المطلب الثاني : أجهزة النظام القضائي الإداري
-المطلب الثالث : الجهات القضائية المتخصصة
-المبحث الثالث : أجهزة الإدارة القضائية
-المطلب الأول : وزارة العدل
-المطلب الثاني : المجلس الأعلى للقضاء
-الخاتمة:
الفصل الأول
تطور التنظيم القضائي الجزائري
عرف التنظيم القضائي في الجزائر عدة مراحل وقد مر بمحطات أساسية بموجبها تم تبني الأحادية ثم نظام الازدواجية القضائية ، فبعد الاستقلال مباشرة توجهت السياسة التشريعية إلى توحيد جهات القضاء في نظام قضائي واحد ينسجم و ظروف المجتمع الجزائري(1)، حيث أصدرت الجمعية العامة التأسيسية القانون رقم 62-157 و الذي نص على إبقاء العمل بالنصوص السابقة ما لم تتعارض مع السيادة الوطنية كما نص الأمر 62-49 على التعين المؤقت للإطارات الجزائرية في مناصب القضاء، مما ساعد على تحكم الجزائريين في القضاء في الشهور الأولى بعد الاستقلال، وقصد إحالة قضايا الجزائريين من محكمة النقض ومجلس الدولة الفرنسيين إلى الجهات القضائية الجزائرية ثم إبرام بروتوكول مع فرنسا بتاريخ 28/08/1962 ، وعلى إثره أنشأ المجلس الأعلى(المحكمة العليا) بموجب القانون رقم 63-218 المؤرخ في 28/08/1963 والذي كان يتكون من أربعة غرف (غرفة القانون الخاص – الغرفة الاجتماعية – الغرفة الجنائية- الغرفة الإدارية) (2)، وفي سنة 1965 صدر الأمر 65/278 المؤرخ في 16/11/1965 المتضمن التنظيم القضائي والذي بموجبه تبنت الجزائر نظام وحدة القضاء والذي استمر العمل به إلى غاية صدور دستور 1996، وقد كرس هذا الأخير نظام الازدواجية القضائية ، ثم ظهرت على مستوى التنظيم القضائي الجزائري مجموعة من التوجهات كللت أخيرا بصدور القانون العضوي رقم 05/11 المتضمن التنظيم القضائي وعليه سنتناول في المبحث الأول مختلف المراحل التي مر بها التنظيم القضائي الجزائري، وفي المبحث الثاني التوجهات الجديدة وصدور القانون العضوي رقم 05/11 لنخصص المبحث الثالث للمميزات الجديدة للتنظيم القضائي الجزائري بعد الإصلاحات .
المبحث الأول
المراحل التي مر بها التنظيم القضائي الجزائري
بعد الاستقلال تم إلغاء المحاكم الشرعية و المحاكم التجارية و منح اختصاصهما لمحاكم المرافعات و أصبح التنظيم القضائي الجزائري على الشكل التالي:
المواد المدنية (تختص بها محاكم المرافعات – محاكم المرافعات الكبرى – المجالس الإجتماعية) - المواد
ـــــــــــــــ
(1)- عبد العزيز سعد – أجهزة ومؤسسات النظام القضائي الجزائري-المؤسسة الوطنية للكتاب –ط1988 –ص26
(2)-ساحلي سي علي –طبيعة النظام القضائي الجزائري ومدى فعاليته في مراقبة أعمال الإدارة – معهد العلوم القانونية –الجزائر1985
ص-43
الجزائية (تختص بها محاكم المخالفات – المحاكم الشعبية للجنح – المحاكم الجنائية الشعبية و في الدرجة الثانية
ثلاثة محاكم استئناف مقرها الجزائر العاصمة – قسنطينة – وهران)(1) ، كما تم الإحتفاظ بالمحاكم الإدارية الثلاث الموجودة بالجزائر العاصمة و قسنطينة و وهران(2) ، الأمر الذي جعل التنظيم القضائي على هذه الصورة يمتاز بتوحيد قمته و إزدواجية الجهات القضائية الدنيا (القضاء العادي و القضاء الإداري)(3) ، غير أنه ما لبث المشرع الجزائري يضع مشروعا إصلاحيا تضمنه الأمر رقم 65 -278 الذي ألغى النظام السابق و أرسى نظام وحده القضاء ليستمر إلى غاية 1996 و هذا ماسنتناوله من خلال المطلب الأول و الثاني.
المطلب الأول
نظام وحدة القضاء (الإصلاح القضائي لسنة 1965)
يقصد بنظام وحده القضاء أن تختص المحاكم المنتمية إلى جهة قضائية واحدة بالفصل في كل المنازعات دون تميز بين المسائل العادية منها والمسائل الإدارية(4)، و قد إتجهت السياسة التشريعية في هذه المرحلة إلى إعادة هيكلية النظام القضائي من نظام الإزدواجية المعمول به و لو جزئيا إلى نظام وحدة القضاء، وقد حمل الإصلاح الأمر رقم 65-278 المؤرخ في 16/11/1965 المتضمن التنظيم القضائي، الذي ألغى النظام القضائي السابق بكامله بما فيه من المحاكم الإدارية و المجالس العمالية و المحاكم التجارية و أنشا 15 مجلسا قضائيا، و نقل إختصاص المحاكم الإدارية إلى ثلاث غرف جهوية ،ثم تلته عدة تعديلات أضافت غرف جديدة(5).
الفرع الأول
الإصلاح القضائي لسنة 1965 / الأمر رقم 65 – 278 المؤرخ في 16/11/1965 المتضمن التنظيم القضائي
صدر الأمر 65-278 وبدأ العمل به في جوان 1966 ،و أنشا خمسة عشر مجلسا قضائيا ورفع عدد
ـــــــــــــــــ
(1)-بوبشير محند أمقرآن – النظام القضائي الجزائري- ديوان المطبوعات الجامعية–ط2 1994-ص202
(2)- الدكتور عمار بوضياف –النظام القضائي الجزائري –دار ريحانة –ط2003 –ص195
(3)-بوبشيرمحند أمقران-نفس المرجع-ص204
(4)- ساحلي سي علي- المرجع السابق-ص44
(5)-عبد العزيز سعد-المرجع السابق-ص79
المحاكم إلى130محكمة(1) ، و أحل المجالس قضائية محل محاكم الإستئناف و المحاكم مكان المحاكم الإبتدائية و المحاكم الإبتدائية الكبرى و نقل إختصاص المحاكم الإدارية إلى ثلاث غرف إدارية ،و هي الغرفة الإدارية لمجلس قضاء : الجزائر-قسنطينة- وهران، و نقل إختصاص المجالس الإجتماعية إلى المجالس القضائية ،و بذلك يكون المشرع قد وضع حدا للإزدواجية القضائية(2)، و تبنى نظام وحدة القضاء ومرد ذلك إلى عدة أسباب أملتها الظروف الإجتماعية و السياسية التي كانت تسود بلاد حديثة العهد بالإستقلال منها:
1-أن التنظيم القضائي الموروث عن الإستعمار يمتاز بالتعقيد و التشعب و العكس من ذلك ما نجده في نظام وحدة القضاء.
2-القضاء المزدوج يتطلب إمكانات بشرية و مادية غير متوفرة بالبلاد ولعل هذا السبب هو الذي جعل المشرع يقصر عدد الغرق الإدارية على ثلاث غرف جهوية بالجزائر العاصمة و قسنطينة ووهران الأمر الذي يجعل التنظيم القضائي في هذه المرحلة على صعيد المنازعات الإدارية لم يجسد مبدأ تقريب العدالة من المتقاضين(3).
الفرع الثاني
التعديلات الواردة على الأمر رقم 65 -278
عرف قانون التنظيم القضائي بعد إصلاح سنة 1965 عدة تعديلات أهمها :
أولا - تعديل قانون الإجراءات المدنية سنة 1971:
جاء الأمر رقم 71 -80 المؤرخ في 29/12/1971 المتضمن تعديل قانون الإجراءات المدنية بتكريس ما نص عليه قانون التنظيم القضائي و المتمثل في إختصاص مجالس قضاء الجزائر قسنطينة ووهران بواسطة غرفها الإدارية للفصل إبتدائيا بحكم قابل لإستئناف أمام المجلس الأعلى في المنازعات التي تكون الدولة أو الولايات أو البلديات أو إحدى المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية طرفا فيها مع تمديد إختصاص هذه المجالس لتشمل ولايات مجاورة .
ثانيا - الأمر رقم 74 -73 المؤرخ في 12/07/1974 :
تضمن هذا الأمر إعادة تنظيم المجلس الأعلى الذي أصبح يضم: رئيس أول و نائب الرئيس و سبعة
ــــــــــــــــ
(1)- حسين مصطفى حسين –المرجع السابق –ص69 .70
(2)-الدكتور عمار بوضياف –المرجع السابق –ص200
- ساحلي سي علي –المرجع السابق –ص79
(3)- الدكتور عمار بوضياف –المرجع السابق –ص210
رؤساء غرف و 43 مستشارا كقضاة للحكم و نائبا عاما و سبعة محامين عامين ، و يشكل من سبعة غرف و هي : الغرفة الإدارية – الغرفة المدنية – الغرفة الجزائية الأولى – الغرفة الجزائية الثانية – غرفة الأحوال الشخصية – الغرفة التجارية و البحرية – الغرفة الإجتماعية(1).
ثالثا - القانون رقم 86 -01 المؤرخ في 28/01/1986 المتضمن تعديل قانون الإجراءات المدنية :
و بموجبه تم تعديل المادة 7 من قانون الإجراءات المدنية على النحو التالي: تختص المجالس القضائية بالفصل إبتدائيا بحكم قابل للإستئناف أمام المجلس الأعلى في جميع القضايا التي تكون الدولة أو الولايات أو البلديات أو إحدى المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري طرفا فيها – تمارس الإختصاصات المذكورة في الفقرة أعلاه من قبل المجالس القضائية التي ستحدد قائمتها و إختصاصها الإقليمي بنص تنظيمي ، و بموجبه صدر المرسوم رقم 86-107 المؤرخ في 29/04/1986 ليرفع عدد الغرف الإدارية إلى 20 غرفة .
رابعا-القانون رقم 90 -23 المؤرخ في 18/08/1990 المعدل و المتمم لقانون الإجراءات المدنية :
بموجبه ثم تعديل المادة 7 من قانون الإجراءات المدنية التي أعطت الإختصاص للفصل في الطعون بالبطلان في القرارات الصادرة عن الولايات و الطعون الخاصة بتفسيرها و بفحص مشروعيتها للغرف الإدارية الجهوية الموجودة على مستوى مجالس الجزائر – وهران – قسنطينة – بشار – ورقلة ، وبموجب هذا التعديل صدر المرسوم رقم 90-407 المؤرخ في 22/12/1990 يحدد الإختصاص الإقليمي لهذه الغرف(2) ،و الملاحظ أن هذه التعديلات التي مست نص المادة 7 من قانون الإجراءات المدنية جعلت بعض الدارسين يتساؤلون عن طبيعة الغرفة الإدارية ضمن التنظيم القضائي الجزائري، و فيما إذا كان النظام القضائي يسوده وحدة الهيئات القضائية و إزدواجية المنازعات أم هو نظام الإزدواجية القضائية و هناك من وصفه بأنه نظام وحدة القضاء المرن(3)، غير أن هذا الخلاف حول طبيعة النظام القضائي الجزائري الذي ساد هذه المرحلة لم يعد له محل بعد أن كرس نظام الإزدواجية القضائية بموجب دستور 1996 ،و هذا ما سنتناوله في المطلب الموالي .
المطلب الثاني :
نظام الإزدواجية القضائية (إبتداءا من سنة 1996)
ـــــــــــــــــ
(1)- عبد العزيز سعد –المرجع السابق –ص27 .28
(2)- الدكتور عمار بوضياف-المرجع السابق-ص214 .216
- بوبشير محند امقران –المرجع السابق –ص206 .207
(3)- الدكتور رياض عيسى –ملاحظات حول تعديل قانون الاجراءات المدنية وأثره على طبيعة الغرف الادارية في التنظيم القضائي الجزائري –مقال منشور بنشرية ملتقى القضاة الغرفة الادارية –وزارة العدل –الديوان الوطني للاشغال التربوية -75
تم تبني نظام الإزدواجية القضائية بموجب المادة 152 من دستور 1996 ،الأمر الذي يجعل صورة التنظيم القضائي في هده المرحلة تختلف من حيث الهياكل و الإجراءات عن نظام وحدة القضاء الذي ساد لفترة طويلة(1) ،و مرد ذلك إلى إختلاف المفاهيم و العناصر المميزة للنظامين و التي أخذت بها كل الدول التي تبنتها مثل مصر ، تونس ، فرنسا(2) ، غير أن الإطار القانوني للتنظيم القضائي الإداري في الجزائر ينفرد من حيث مبادئه الأساسية ،الأمر الذي جعل بعض الدارسين يعتبرون أن التغير الذي مس التنظيم القضائي هو مجرد تغيير هيكلة، وأن التنظيم القضائي الجزائري هو بمثابة إزدواجية هيكلية وليست إزدواجية قضائية (3) ، كما أن تبني نظام الإزدواجية القضائية كان وراءه عدة دوافع وأسباب نظرا لأنه جاء في مرحلة اتسمت بتوجهاتها الجديدة ، الأمر الذي استلزم وضع الأليات الكفيلة بإرساء دعائم الإزدواجية على أرض الواقع (4) .
الفرع الأول
أسباب تبني نظام الازدواجية القضائية في الجزائر
هناك عدة أسباب أدت بالمشرع الجزائري إلى تبني نظام الازدواجية القضائية منها :
أولا-تزايد حجم المنازعات الإدارية :
حيث صرح السيد وزير العدل أمام مجلس الأمة في جلسة يوم 21/03/1998 بأن: مهمة الفصل في
تنازع الاختصاص بين مختلف الجهات القضائية ، قد أسندت إلى المحكمة العليا ، ألا أن الواقع العملي وتزايد النزاعات الإدارية وتعقيدها نتيجة التطور السريع للمجتمع ، كل هذا أدى إلى ضرورة إعادة النظر في النظام القضائي السائد(5) .
ثانيا-فكرة التخصص (6) :
لقد اتجهت إرادة المشرع الجزائري وهو يفصل بين القضاء الإداري والقضاء العادي إلى تكريس فكرة
ــــــــــــــــ
(1)- الدكتور عمار عوابدي –النظرية العامة للمنازعات الادارية في النظام القضائي الجزائري –الجزء الأول-القضاء الاداري-ديوان المطبوعات الجامعية-ط3-2004-ص175 .178
(2)- يمتاز القضاء الأمريكي والانجليزي بميزة أساسية وهي محاولة اقامة المساوات المطلقة بين الفرد والدولة عن طريق اخضاعهما لقاض واحد ومرد ذلك لطغيان فكرة الفردية أما ظهور الازدواجية القضائية في فرنسا فقد كان نتيجة ضروف تاريخية – للمزيد من التفصيل انظر –مسعود شهوب –المبادىءالعامة للمنازعات الادارية – أنظمة القضائية المقارنة والمنازعات الادارية –ج1-ديوان المطبوعات الجامعية –ط1999 –ص31. 66
(3)- خلوفي رشيد – النظام القضائي الجزائري –مجلس الدولة –مقال منشور بمجلة الموثق-ع2 جويلية أوت 2001-ص27 .28
(4)- بودريوه عبد الكريم –القضاء الاداري في الجزائر – الواقع والآفاق-مقال منشور بمجلة مجلس الدولة –ع6- 2005-ص9 .11
(5)- الجريدة الرسمية لمداولات مجلس الأمة – السنة الأولى-ع1-ص7
(6)- ساحلي سي علي –المرجع السابق –ص150
التخصص عن طريق تفرغ قضاة إداريين لهم جانب كبير من الدراية والخبرة بطبيعة النزاع الإداري ، خاصة وأن القاضي الإداري تقع على عاتقه مهمة الإجتهاد القضائي ، وقد إهتم التنظيم القضائي في الكثير من الدول بتخصص القضاة(1)،كما أكدت هذا التوجه الكثير من المؤتمرات الدولية التي عقدها الإتحاد الدولي للقضاة(2)، و سنفصل هذه الفكرة في الجزء الخاص بالإتجاهات الجديدة للتنظيم القضائي الجزائري.
ثالثا-توفر الجانب البشري:
إذا كان الدافع الأساسي لتبني نظام وحدة القضاء بعد الإستقلال هو هجرة القضاة الفرنسيين و عدم وجود العدد الكافي من القضاة الجزائريين لشغل هياكل القضاء الإداري، فإن هذا العائق لم يعد موجودا لتوفر عدد معتبر من القضاة الأكفاء مما يجعل الجانب البشري المتوفر يساعد على القيام بهذا الإصلاح القضائي(3).
رابعا-تغيير المجتمع الجزائري :
عرف المجتمع الجزائري إبتداءا من دستور 1989 تغيرات جذرية على الصعيد الإقتصادي و السياسي و الإجتماعي و الثقافي، مما تطلب بالضرورة إجراء إصلاحات على مستوى الجانب التشريعي، و كذا على مستوى مؤسسات الدولة، كما تطلب الأمر بالضرورة تغيير هيكلة النظام القضائي.
الفرع الثاني
تفعيل نظام الإزدواجية القضائية في التنظيم القضائي الجزائري
بعد تكريس الإزدواجية القضائية بدستور 1996 صدرت عدة قوانين و هي: القانون العضوي رقم 98-01 المؤرخ في 30 ماي 1998 و المتعلق بإختصاصات مجلس الدولة و تنظيمه و عمله، و القانون رقم 98-02 المتعلق بالمحاكم الإداري و القانون العضوي 98-03 المتعلق بمحكمة التنازع الصادرين بنفس التاريخ، كما صدرت عدة مراسيم تنفيذية أهمها:
1-المرسوم التنفيذي رقم 98-263 المؤرخ في 29 أوت 1998 يحدد كيفيات تعيين رؤساء المصالح و الأقسام لمجلس الدولة و تصنيفهم .
2-المرسوم التنفيذي رقم 98-322 المؤرخ في 13 أكتوبر 1998 يحدد تصنيف وظيفة الأمين العام لمجلس الدولة .
3-المرسوم التنفيذي رقم 98-262 المؤرخ في 29 أوت 1998 الذي يحدد كيــفية إحالة جميع
ـــــــــــــــ
(1)- تم تأكيد هذا الاتجاه في فعاليات الندوة الوطنية الثانية للقضاء – نادي الصنوبر 23 .24 .25 فيفري 1991 – أنظر منشور صادر عن وزارة العدل –ص23
(2) –(3)- الدكتو عمار بوضياف –المرجع السابق –ص230
القضايا المسجلة و المعروضة على الغرفة الإدارية للمحكمة العليا إلى مجلس الدولة .
و إذا كان مجلس الدولة و محكمة التنازع قد تم تنصيبهما فإن الوضع يختلف بالنسبة للمحاكم الإدارية التي لم تنصب بعد، وقد يرجع ذلك لنقص الوسائل المادية ومقرات المحاكم (1) ،وقد لاحظ بعض الدارسين من أجل تفعيل نظام الإزدواجية القضائية الإلتفات إلى المسائل الآتية :
أ – على مستوى النصوص المنظمة للقضاء الإداري :
جاءت نصوص القانون العضوي رقم 98-01 المتعلق بمجلس الدولة والقانون رقم 98-02 المتعلق بالمحاكم الإدارية جد مقتضبة وأحالت في اغلب المسائل الإجرائية إلى قانون الإجراءات المدنية، مما يشكك نسبيا في إستقلالية القضاء الإداري ، ويتعين قصد تكريس الإزدواجية فعلا وضع قانون خاص بالإجراءات الإدارية الذي يتلاءم مع الطبيعة الخاصة للمنازعات الإدارية(2) .
ب- على مستوى الهياكل القضائية :
إن عدم تنصيب المحاكم الإدارية إلى حد الآن و استمرار العمل بنظام الغرف الإدارية ، هو عقبة من عقبات إرساء الإزدواجية الفعلية ، وكلما تم الإسراع في تنصيب هذه المحاكم ، كلما اقتربنا من الأهداف المرجوة من نظام الإزدواجية القضائية(3) ، وهو الأمر الذي بمقتضاه تم اعتبار إصلاح التنظيم القضائي من أولويات إصلاح العدالة في الجزائر، وقد جاء في اتفاقية التمويل الجزائرية الأوربية لمشروع دعم إصلاح العدالة في الجزائر : أن من بين النتائج المنتظرة لهذا المشروع هو الوصول إلى تنظيم قضائي أحسن ، كما تضمنت الإتفاقية العمل على إنشاء 15 محكمة إدارية و خمس مجالس جهوية ، مع تقديم الدعم اللازم لتنظيمها وتسيرها واقتراح كيفية انتقاء القضاة وإلحاقهم وكتاب الضبط المختصين في النظام الإداري(4) . ج- على مستوى الجانب البشري :
إن الوصول إلى قضاء قوي ومستقل سواءا على مستوى النظام القضائي العادي أو الإداري هو في النهاية حكر على فعالية القائمين على شؤونه ، مما يستوجب البحث عن أحسن السبل لإختيار التشكيلة البشرية وضع معاير واضحة لذلك، وإعتماد مبدأ التخصــص بدلا من الخبرة ، فالصيغة الحالية التي تشترط رتبة
مستشار في القاضي الإداري ركزت على فكرة مفادها أن خبرة وكفاءة المستشارين ستمكنهم من مباشرة
ــــــــــــــــ
(1)- الحسين بن الشيخ آث ملويا- المنتقى في قضاء مجلس الدولة-ج1-دار هومة –ط-2002-ص7 .9
(2)- بودريوه عبد الكريم – القضاء الاداري في الجزائر – الواقع والآفاق – مقال منشور بمجلة مجلس الدولة- ع 6- 2005-13
(3)- بودريوه عبد الكريم –المرجع نفسه – ص14
(4)- أنظر اتفاقية التمويل الجزائرية الأوربية لمشروع دعم اصلاح العدالة في الجزائر –ص 1 .2
القضاء الإداري إلى حين وضع السبل الكفيلة بتكوين القضاة المتخصصين في هذا المجال(1)
وإذ كانت النتيجة التي نصل إليها من خلال كل ما تقدم أن التنظيم القضائي الجزائري حاليا تسوده الإزدواجية القضائية ،غير أنها لا تزال في حاجة إلى تفعيل أكثر وجهود إصلاحية وتوجهات جديدة من أجل إرساء تنظيم قضائي قوي وهذا ما سنتناوله بالبحث في المبحث الموالي .
المبحث الثاني
التوجهات الجديدة للتنظيم القضائي الجزائري وصدور القانون العضوي رقم 05/11
المتعلق بالتنظيم القضائي
إن التوجهات الجديدة لإصلاح التنظيم القضائي في الجزائر في حقيقة الأمر ليس مردها إلى طبيعة هذا التنظيم، ولكن ذلك يعكس وضعية العدالة بشكل عام في الجزائر والتوجهات الطموحة نحو إصلاحها و تعزيز مكانتها ، وعلى هذا الأساس سنتناول مختلف التوجهات في المطلب الأول ونخصص المطلب الثاني لتحليل القانون العضوي رقم 05/11 في إطار هذه التوجهات .
المطلب الأول
التوجهات الجديدة للتنظيم القضائي الجزائري
قامت اللجنة الوطنية لإصلاح العدالة بتقديم تقريرها حول الإصلاح بتاريخ 11 جوان 2000 إلى السيد رئيس الجمهورية ، وقد تضمن فيما يتعلق بالتنظيم القضائي عدة مقترحات أهمها :خصخصة أمانة ضبط المحكمة العليا وتوسيع اختصاص وصلاحيات مجلس الدولة الإستشارية لتشمل المراسيم الرأسية ، والمراسيم التنفيذية ذات الطابع التنظيمي ، وإعداد النظام الداخلي لمجلس الدولة ، وتصحيح صياغة المادة 152 من الدستور الفقرة 4 بإستبدال عبارة المحكمة العليا ومجلس الدولة بعبارة النظام القضائي العادي والنظام القضائي الإداري ،كما قدمت اللجنة مقترحات من أجل إعادة تنظيم الجهات القضائية يمكن حصرها في : نظام المحاكم الصغرى ونظام المحاكم ومحاكم الإستئناف (الإحتفاظ بـ 31 مجلسا ) ، وتوسيع إختصاص المحاكم الإدارية لتنظر كمحكمة درجة أولى في الطعون ضد القرارات الصادرة عن السلطات الإدارية المركزية ، وإعادة النظر في الخريطة القضائية للمحاكم الإدارية ، وإستحداثها بقانون العضوي(2) ونتيجة ذلك تم وضع مخطط على مستوى وزارة العدل لتجسيد إصلاح العدالة على المدى القصير والمتوسط مما جاء فيه : العمل على تحـــسين وضعية القاضي ، وتكوينه وتفعيل إستقلاليته ومسؤوليته
ــــــــــــــــ
(1)-(2)- أنظر : إصلاح العدالة – منشور صادر عن وزارة العدل- ص47
وتأهيل مساعدي القضاة ، كما تضمن المخطط العمل على إعادة الإعتبار للجهات القضائية ، ومن أجل تنظيم قضائي أكثر فعالية على المدى المتوسط العمل على إنشاء محاكم الدرجة الأولى ، والمحاكم الكبرى ، بالإضافة إلى تنصيب المحاكم الإدارية الذي يبقى مرتبطا بتخصص القضاة ، كما تضمن المخطط إعادة تنظيم الإدارة المركزية لوزارة العدل ، ونتيجة لهذه المساعي صدرت عدة قوانين بصفة إستعجالية وأخرى على المدى المتوسط، وأهمها فيما يتعلق بالتنظيم القضائي : -قانون الإجراءات الجزائية الذي أنشأ أقطابا قضائية متخصصة في بعض القضايا –مشروع قانون الإجراءات المدنية والإدارية والذي يتضمن تقسيم الإجراءات على مادتين مدني وإداري – القانون العضوي رقم 04-11 المتضمن القانون الأساسي للقضاء – القانون العضوي رقم 04-12 المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء، ثم صدر أخيرا القانون العضوي رقم 05-11 المؤرخ في 17 يوليو2005 والمتعلق بالتنظيم القضائي .
ومن خلال هذا التحليل نجد أن هناك توجهات جديدة بدأت ملامحها تظهر إبتداءا من دستور 1989 ، فقد تضمنت الندوة الوطنية الثانية للقضاء سنة 1991 فصلا كاملا خاصا بتطلعات وأفاق جهاز العدالة وأشارت هذه التطلعات إلى ضرورة تنظيم وتطوير جهاز العدالة من أجل ضمان نجاعة وفعالية القضاء ،وذالك بالتركيز على تكوين القضاة والتخصص القضائي(1) ، مما أدى إلى تبني دستور 1996 أول هذه التوجهات ،وهي نظام الإزدواجية القضائية لنجد في الحركة المثابرة للإصلاح والمساعي الجادة منذ تنصيب لجنة إصلاح العدالة من طرف السيد رئيس الجمهورية التوجهات الآتية : ـ تخصيص جهات قضائية بحسب عدد السكان وحجم المنازعات ـ تخصص القضاة ـ وضع عدالة جوارية ـ تحسين طرق اللجوء إلى القضاء ، وسنحاول بدراسة تحليلية معرفة إلى أي حد أخذ القانون العضوي رقم 05/11 بهذه التوجهات .
المطلب الثاني
صدور القانون العضوي رقم05/11 المؤرخ في17/06/2005 المتعلق بالتنظيم القضائي(2)
يعتبر هذا القانون خطوة هامة نحو تكريس التوجهات الجديدة وإعادة هيكلة شاملة للتنظيم القضائي ، وقد أكد ذلك السيد وزير العدل في كلمته الإفتتاحية بمناسبة فعاليات الندوة الوطنية لإصلاح العدالة(3) التي جاء فيها : أنه كان من المنطقي أن تعقب عمليات تعديل المبادئ المستعجلة إيلاء العناية بالمؤسسات التي يقع على كاهلها الجزء الكبير في تحسين نوعية الأداء ،وفي المواكبة الموجبة لعـملية الإصلاح التي هي
ـــــــــــــــــ
(1)- أنظر المنشور الصادر عن وزارة العدل حول فعاليات الندوة الوطنية الثانية للقضاء – نادي الصنوبر 23 .24 .25 فبراير 1991 –ص23
(2)- الجريدة الرسمية- العدد51
(3)- أنظر المنشور الصادر عن وزارة العدل حول فعاليات الندوة الوطنية لاصلاح العدالة –نادي الصنوبر 2005 –ص23
كما قلت عملية متواصلة والتي يتحقق إكتمالها بالقانون العضوي المتعلق بالتنظيم القضائي ، هذا القانون الذي جاء تحصيلا لدراسات مستفيضة قامت بها وزارة العدل ، وقاربت خلالها بين الواقع التنظيمي الموجود والإحتياجات القضائية القائمة ، أو التي ستطرح في المستقبل والتي تتجه بالتأكيد إلى المزيد من التشابك والتعقيد بسبب التحولات الإقتصادية والإجتماعية الجارية .
وسنتناول بالدراسة مختلف المسائل التي تضمنها هذا القانون في نصه الأصلي على ضوء مراقبة المجلس الدستوري لها :
أولا : أحكام تتعلق بإختصاص محكمة التنازع والمحكمة العليا ومجلس الدولة والمحاكم الإدارية وكذا دور النائب العام ومحافظ الدولة :
اعتبر المجلس الدستوري هذه الأحكام لا تتعلق بالتنظيم القضائي كونها من جهة تدخل في المجال المحدد في المادة 153 من الدستور والقوانين العضوية المتعلقة بتنظيم المحكمة العليا ومجلس الدولة ومحكمة التنازع وعملهم واختصاصاتهم ، ومن جهة أخرى أعتبر المادتين :6 ،28 ( قبل المطابقة) تدخلان ضمن مجال التشريع المنصوص عليه بالمادة 122 من الدستور، بالإضافة إلى أن هذه المواد هي مجرد نقل حرفي لما ورد بالمادة 153 من الدستور والقوانين العضوية الأخرى وخلص المجلس الدستوري أن المشرع قد أخل بالمبدأ الدستوري القاضي بتوزيع مجالات الإختصاصات .
ثانيا : إنشاء أقطاب قضائية متخصصة:
لا شك أن تخصيص جهات القضاء و تخصص القضاة هما من التوجهات الحديثة البارزة للتنظيم القضائي الجزائري، و أن السعي الحثيث من أجل تفعيل هذا التوجه قد يضعه على عتبة المبادئ الجديدة للتنظيم القضائي الجزائري، ذلك أن إلتفات لجنة إصلاح العدالة إلى هذا الجانب لم يكن إعتباطيا، بل أملته "الإحتياجات القضائية القائمة أو التي ستطرح في المستقبل و التي تتجه بالتأكيد إلى المزيد من التشابك و التعقيد بسبب التحولات الإقتصادية و الإجتماعية الجارية(1)، و قد جاء في إتفاقية التمويل الجزائرية الأوروبية لمشروع دعم إصلاح العدالة في الجزائر أن: هذا المشروع يهدف إلى دعم التخصص و تكوين القضاة داخل و خارج الوطن للإستجابة للمتطلبات المستجدة، الناتجة عن التزايد المطرد للمنازعات التي يجب عليهم الفصل فيها(2)، و نظرا لأهمية نظام التخصص القضائي فقد عقدت له عدة مؤتمرات دولية منها مؤتمر روما 1958 و مـؤتمر نيس 1972 ومؤتمر ريوديجانيرو 1978 وقد أكدت هذه المؤتمرات أن
ــــــــــــــــــ
(1)- كلمة السيد وزير العدل – المرجع السابق – ص23
(2)- أنظر اتفاقية التمويل – المرجع السابق-ص2
التخصص في مجال القضاء له أهمية كبيرة ودور فعال في رفع مستوى العمل القضائي(1)، ولنظام التخصص جانبين هما تخصص القضاة و تخصيص جهات القضاء وهو الأمر الذي عبر عليه المشرع الجزائري في هذا القانون العضوي (قبل المطابقة) بالأقطاب القضائية المتخصصة، غير أنه لم يعط تعريفا لها و فيما إذا كانت هذه الأقطاب جهات قضائية بالمفهوم التقليدي لهياكل التنظيم القضائي و إذا كانت كذلك فهل تتبع النظام القضائي العادي أم الإداري، وللإجابة على هذه التساؤلات سنقوم بتحليل النص الأصلي و كذا موقف المجلس الدستوري عند مطابقتة لأحكام الدستور
أ-تحليل الصياغة :
نصت المادة 24 (قبل المطابقة) على أنه يمكن إنشاء أقطاب قضائية متخصصة ذات إختصاص إقليمي موسع لدى المحاكم و يحدد الإختصاص النوعي لهذه الأقطاب حسب الحالة في قانون الإجراءات المدنية و قانون الإجراءات الجزائية .
كما نصت المادة 25 (قبل المطابقة) على أنه تتشكل الأقطاب القضائية من قضاة متخصصين و يمكن الإستعانة عند الإقتضاء بمساعدين، تحدد شروط وكيفيات تعيينهم عن طريق التنظيم، ومن خلال هذه الصياغة يمكن ملاحظة المسائل التالية:
1-أن المشرع قد أعطى لهذه الأقطاب القضائية إختصاص إقليمي موسع لدى المحاكم .
2-لهذه الأقطاب إختصاص نوعي يحدد بموجب قانون الإجراءات المدنية أو الجزائية .
3-تشكيلة الأقطاب القضائية تختلف عن تشكيلة المحكمة فهي تضم قاضي متخصص ومساعدين عند الإقتضاء، و الملاحظ أن المشرع نص من جهة على أن الأقطاب المتخصصة ذات إختصاص إقليمي موسع لدى المحاكم (م 24 قبل المطابقة) و من جهة أخرى تضمنت المادة 13 (بعد المطابقة) أقسام المحكمة دون الإشارة إلى الأقطاب القضائية الأمر الذي يجعلنا نعتقد بأن هذه الأخيرة ما هي إلا أقسام عادية من أقسام المحكمة تمنحها صفة القطب القضائي من جهة توسيع دائرة إختصاصها الإقليمي لدى المحكمة التابعة لها و من جهة أخرى إختصاصا نوعيا محددا لا يمنعها على أي حال من الفصل في المسائل التي تدخل ضمن إختصاصها العادي و ما يؤكد ذلك هو ما تضمنه التعديل الأخير لقانون الإجراءات الجزائية .
ب-تحليل موقف المجلس الدستوري :
جاء في رأي المجلس الدستوري عند مطابقته لهذا القانون العضوي(2) :
- إعتبارا أن المؤسس الدستوري أقر مبدأ إمكانية إنشاء هيئات قضائية بموجب المادة 122 فقرة6
ــــــــــــــــ
(1)- الدكتور عمار بوضياف – المرجع السابق –ص229 .230
(2)- الجريدة الرسمية –العدد51
وخول المشرع دون غيره صلاحيات إنشاءها على أن يكون ذلك بقانون عادي و ليس بقانون عضوي
- و إعتبارا أن المشرع نص في المادة 24 من القانون العضوي على إمــكانية إنشاء هيئات قضائية
مسماة أقطاب قضائية إلى جانب المحكمة العليا و المجالس القضائية و المحاكم و الجهات القضائية الجزائية المتخصصة .
- و اعتبارا أن المشرع حين أقر بدوره إمــــكانية إنشاء هيآت قضائية مسماة أقطاب قضائية
متخصصة في المادة 24 يكون قد أخل بالمبدأ الدستوري القاضي بتوزيع مجالات الإختصاص المستمد من المادتين 122 و 123 من الدستور من جهة.
- و إعتبارا من جهة أخرى أن المشرع وضع حكما تشريعيا في المادة 24 يترتب على تطبيقه تحويل
صلاحيات إنشاء الهيئات القضائية إلى المجال التنظيمي الذي يعود إلى رئيس الحكومة طبقا للمادة 125 من الدستور .
- و إعتبارا بالنتيجة فإن المشرع عند إقراره إمكانية إنشاء أقطاب قضائية متخصصة و تنازله عن
صلاحيات إنشاءها للتنظيم يكون قد تجاوز مجال إختصاصه من جهةومس بالمادة 122-6 من الدستور من جهة أخرى.
و بتحليل موقف المجلس الدستوري نلاحظ أنه :
1- ذكر بالمبدأ الدستوري القاضي بإمكانية إنشاء هيئات قضائية من طرف المشرع و أن ذلك يتم بقانون عادي و ليس بقانون عضوي .
2- إعتبر بأن المشرع أنشأ بموجب المادة 24 من القانون العضوي هيأة قضائية تابعة للنظام القضائي العادي، و إعتبر ذلك إخلالا بمبدأ توزيع الإختصاصات (إختصاص القانون العادي و إختصاص القانون العضوي).
3- أعتبر أن المشرع من جهة أخرى تنازل عن إختصاصه في إنشاء الهيآت القضائية إلى التنظيم.
و على هذا الأساس نجد أن المجلس الدستوري إعتبر الأقطاب القضائية المتخصصة هيئات قضائية تنتمي إلى النظام القضائي العادي يجب أن تنشا بموجب قانون عادي و ليس بموجب قانون عضوي، و يجب أن لا يجيل المشرع من أجل إنشاءها إلى التنظيم ، و هذا الموقف يتناقض مع المبادئ العامة التي جاء بها القانون العضوي الذي حصرالتنظيم القضائي في النظام العادي و النظام القضائي الإداري و نصت المادة 3 (بعد المطابقة) على أن النظام القضائي العادي يشمل المحكمة العليا و المجالس القضائية و المحاكم و لم تشر إلى الأقطاب القضائية، كما يتناقض هذا الموقف مع نص المادة 24 (قبل المطابقة) نفسها التي أشارت بأن هذه الأقطاب المتخصصة ذات إختصاص إقليمي موسع لدى المحاكم، و أخيرا نجد هذا الموقف متناقضا مع الإعتبارات التي بموجبها إعتبر المجلس الدستوري المادة 30 من القانون العضوي دون موضوع و التي قضت :
تحدد عن طريق التنظيم كيفيات تحويل الدعوى القائمة أمام الجهات القضائية القديمة إلى الجهات القضائية الجديدة ... حيث جاء في رأي المجلس الدستوري بشأنها:
- إعتبارا بأن المشرع لم ينشأ أي جهة قضائية جديدة ضمن القانون العضوي موضوع الإخطار وإعتبارا بالنتيجة فإن المادة 30 من القانون العضوي موضوع الإخطار تكون بدون موضوع .
مما يجعلنا نعتقد أن هذا الغموض تسبب فيه المشرع نفسه الذي لم يحدد طبيعة الأقطاب القضائية في نص المادة 24 (قبل المطابقة) من جهة و الذي أورد حكم المادة 30 (قبل المطابقة) المتناقض مع فحوى المادة 24 من جهة أخرى و مع مبادئ التنظيم القضائي المقررة في المواد 1. 2 .3 .4 (بعد المطابقة) من القانون العضوي .
ثالثا: قواعد متعلقة بتصنيف الجهات القضائية :
نصت المادة 29 (قبل المطابقة): تصنف الجهات القضائية المنصوص عليها في هذا القانون العضوي و تم التصنيف بموجب قرار من وزير العدل حافظ الأختام بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للقضاء . و ذهب المجلس الدستوري عند رقابة مطابقة هذه المادة إلى التميز بين التنظيم القضائي الذي يكون بموجب قانون عضوي (المادة 123 من الدستور) و بين قواعد التنظيم القضائي التي تكون بموجب قانون عادي (المادة 122 من الدستور)، و إعتبر تصنيف الجهات القضائية قاعدة من قواعد التنظيم القضائي، يجب أن يؤسس لها بموجب قانون عادي و هي تخرج عن مجال إختصاص التنظيم(1).
كانت هذه أهم المسائل التي جاء بها القانون العضوي رقم 05/11 أما بقيت المسائل الأخرى فسندرسهاعند تناول مختلف أجهزة التنظيم القضائي، ولاشك أن هذه المسائل التي تم تكريسها في القانون العضوي جاءت نتيجة التوجهات الحديثة التي تناولناها سابقا، و هي ستؤدي لاريب إلى ظهور مميزات جديدة للتنظيم القضائي الجزائري، و هذا ما سنناقشه من خلال المبحث الموالي :
المبحث الثالث :
مميزات التنظيم القضائي الجزائري بعد الإصلاحات
بالإضافة إلى مختلف مبادئ التنظيم القضائي المعروفة في كل الأنظمة القضائية المقارنة و المتمثلة في حيدة
ــــــــــــــــــ
(1)- أنظر رأي المجلس الدستوري – الجريدة الرسمية- العدد 51
القضاء و علانية الجلسات وتسبيب الأحكام ونظام القاضي الفرد و تعدد القضاة، و مبدأ المساواة و مبدأ
حرية اللجوء إلى القضاء و التقاضي على درجات ومجانية التقاضي(1) و إن إختلف مدى تفعيلها من نظام
لأخر خاصة مبدأ إستقلال السلطة القضائية(2) فإن التطورات الجارية على صعيد التنظيم القضائي الجزائري من شأنها أن تؤدي إلى تعزيز هذه المبادئ من جهة و من جهة أخرى من شأنها إبراز مميزات جديدة قد ترقى في وقت ما إلى مصاف المبادئ ،و من هذه المميزات القضاء المتخصص و تفعيل العدالة الجوارية و تعقد و تشابك الأنظمة القضائية.
المطلب الأول
تفعيل العدالة الجوارية
العدالة الجوارية هي تفعيل لأحد مبادئ التنظيم القضائي ،و هو مبدأ تقريب القضاء من المتقاضي، إذ ما الفائدة من الإهتمام بإصلاح العدالة إذا لم تكن هذه العدالة قريبة من المتقاضي، و إذا كان ذلك يتطلب توفير محاكم في كل مناطق الوطن(3)، فإنه يجب وضع خريطة قضائية جديدة ترمي إلى ترشيد عدد المؤسسات القضائية و مجال إختصاصها الإقليمي لتقريب العدالة و تحسين آداء المرفق العام لفائدة المتقاضي للإستجابة للواقع الراهن للمجتمع الجزائري ، و يتمثل هذا العمل في تحسين المعايير المتعلقة بوضع الخريطة القضائية، و إجراء نقد تحليلي لمجال الإختصاصات القضائية الحالية و اقتراح وانشاء جهات قضائية جديدة و تحضير الدراسات الضرورية المتعلقة بالوسائل المالية التي يجب تخصيصها و الهياكل و المستخدمين و الأخذ بعين الإعتبار الجهات القضائية المقرر إنشاؤها من طرف المشرع(4) .
ــــــــــــــــ
(1)- أظر بخصوص هذه المبادئ: - الدكتور عمار بوضياف – المرجع السابق –ص8
-الدكتور محند أمقران – المرجع السابق –ص29
- الدكتور الغوثي بن ملحة – المرجع السابق –ص44
- ويظيف سعد عبد العزيز الى هذه المبادئ: مبدأ حجية الأحكام – مبدأ شفافية المرافعات – مبدأ علانية المحاكمة – مبدأ جواز التحكيم – مبدأ الدولة مصدر القضاء . للمزيد من التفصيل أنظر – عبد العزيز سعد – المرجع السايق –ص31 ، كم ا يضيف الدكتور حسن علام : مبدأ نظام اختيار القضاة –مبدأ قابلية القاضي للتنحية – أ نظر الدكتور حسن علام – موجز القانون القضائي الجزائري – الشركة الوطنية للنشر والتوزيع –ط2. 1972 –ص135
(2 )-الأستاذ عبد الوهاب الباهي– استقلال القضاء في تونس بين التشريع والواقع– مجلة الحق لاتحاد المحامين العرب-ع2 .3– 198-207
- الدكتور عمر فاروق الفحل – استقلال القضاء بين الشريعة والقانون – مجلة الحق لاتحاد المحامين العرب – ع2 .3 -1989 –ص224
(3)- بوبشير محند أمقران – المرجع السابق –ص43
(4)- أنظر اتفاقية التمويل الجزائرية الأوربية لمشروع دعم إصلاح العدالة في الجزائر –المرجع السابق –ص2
ولاشك أن تعزيز العدالة الجوارية إرتبط بالسياسة الإصلاحية التي عرفتها البلاد منذ تقرير الإزدواجية القضائية سنة 1996، و قد جاء في خطاب السيد رئيس الجمهورية بمناسبة إفتتاح السنة القضائية 1998
– 1999 أن تكييف و تعزيز نظامنا القضائي الذي أثرى مؤخرا بإقامة مجلس الدولة و تقريب العدالة من المواطن عبر إنشاء مجالس و محاكم جديدة و التخصيص الجاري للهيئات القضائية، و كذا الإجراءات المتخذة و الأعمال الجارية لتعزيز قطاع القضاء هي كلها إجراءات تأتي إنطلاقا من المسعى الرامي إلى تحديث الجهاز القضائي و تعزيز فعاليتة و جعل العدالة في متناول المواطن أكثر فأكثر و دعم سلطتها ومصدقيتها (1) .
المطلب الثاني
القضاء المتخصص
يتجه التنظيم القضائي الجزائري إلى إرساء فكرة القضاء المتخصص على أرض الواقع و ما يؤكد ذلك الأحكام التي تمت مطابقتها من طرف المجلس الدستوري للقانون العضوي رقم 05/11 و التي تضمنت إنشاء أقطاب قضائية متخصصة، كما نص القانون رقم 04/14 المؤرخ في 10 نوفمبر 2004 المعدل و المتمم لقانون الإجراءات الجزائية على أنه يجوز تمديد دائرة الإختصاص للمحكمة و كذا لوكيل الجمهورية وقاضي التحقيق عن طريق التنظيم في جرائم المخدرات و الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية، و الجرائم الماسة بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات و جرائم ... الأموال و الإرهاب و الجرائم المتعلقة بالتشريع الخاص بالصرف(2)، و إذا كان للقضاء المتخصص جانبين هما تخصص القضاة و الأجهزة القضائية المتخصصة (فإن هذه الأخيرة تتطلب رصد إمكانيات مادية و بشرية ضخمة(3)، وهو الأمر الذي نعتقد أنه جعل المشرع الجزائري لتلافي هذه العقبات التي تواجه القضاء المتخصص، يختارأسلوب الأقطاب القضائية فيتجنب إنشاء هيآت قضائية جديدة لكنه يوسع من دائرة الاختصاص الإقليمي للمحاكم لتشكل أقطاب قضائية و يمنحها إختصاصا نوعيا في مواد معينةدون ان يمنعها ذلك من الفصل الفصل في المواد التي تدخل ضمن اختصاصها العادي،وهدا مايجعلنا نعتقد من جانب آخر أن التخصص الدي سيسود التنظيم القضائي الجزائري سيرتكز أكثر على الجانب البشري أي تخصص القضاة، وليشكل دلك حجر الزاوية لفكرة الأقطاب القضائية ، كما نلاحظ أن المشرع الجزائري في التعديل الأخير لقانون الاجراءات الجــزائية نص في المادة 40 مــكرر على أنه: تــــطبق قواعـد هدا القانون التعلقة بالدعوى
ـــــــــــــــــــ
(1)- كلمة السيد رئيس الجمهورية بمناسبة افتتاح السنة القضائية1998-1999 – نشرة القضاة – العدد 55-ص11
(2)- الجريدة الرسمية – العدد 71
(3)- الدكتور عمار بوضياف المرجع السابق – ص 229
العمومية والتحقيق والمحاكمة أمام الجهات القضائية التي يتم توسيع اختصاصها المحلي طبقا للمواد:37،40، 329 من هدا القانون مع مراعات أحكام المواد من 40 مكرر1الى 40مكرر5 أدناه ، وبالرجوع الى هده المواد نجدها نظمت اجراءات خاصة، الأمر الذي يجعلنا نعتقد أن الأقطاب القضائية ستتميز شيئا فشيئا باجراءاتها الخاصة في ظل الإطار العام للاجراءات المدنية والجزائية،وهذا ما سيحقق بالنتيجة مظهر من مظاهر القضاء المتخصص ويؤدي الى خلق خاصية جديدة للتنظيم القضائي الجزائري وهي تعقد الأنظمة القضائية وتشعبها.
هذا ومن خلال دراستنا في هدا الفصل تطور التنظيم القضائي الجزائري يتضح لنا أن التنظيم القضائي الجزائري عرف ثلاث محطات أساسية هي:- الإصلاح القضائي سنة 1996 –الازدواجية القضائية مند 1996 – ثم الاتجاهات الجديدة التي تكرست في مساعي الإصلاح الشامل للعدالة، وهو ما سينتج عنه مميزات جديدة للتنظيم القضائي أهمها القضاء المتخصص والعدالة الجوارية، وإذا كان القانون العضوي رقم 05-11 قد وضع الأسس التي يقوم عليها التنظيم القضائي الحالي فان هنالك أيضا تعديلات شملت بعض القوانين التي لها علاقة بالتنظيم القضائي، كالقانون الأساسي للقضاء ومشاريع قوانين ستمس جوانب أخرى ، وهذا ما سنتناوله من خلال الفصل الثاني.
الفصــــــل الثانـــــــي
الإطار البشري والهيكلي لمرفق الفضاء
يتكون مرفق القضاء من القضاة الذين يساعدهم أعوان ومساعدين، ويؤدون أعمالهم القضائية ضمن الأجهزة القضائية، ويتابع الحياة المهنية للقضاة أجهزة تسمى أجهزة الإدارة القضائية، وسنتطرق في هدا الفصل إلى المحتوى البشري والهيكلي لمرفق القضاء ،وسنولي التركيز على أهم الجوانب على ضوء المتغيرات والتعديلات الأخيرة
المبحـــــــث الأول
مرفـــــق القضاء في محتواه البشري
يشمل مرفق القضاء في محتواه البشري القضاة وأعوانهم( أمناء الضبط) ومساعدي القضاء كالمحامين والمحضرين والخبراء...
المطلب الأول
القضاة
نصت المادة2 من القانون العضويرقم04-11 المؤرخ في06/09/2004 والمتضمن القانون الأساسي للقضاء على أن سلك القضاء يشمل:قضاة الحـكم والنـيابة العامة للمحـكمة العليا والمجالس القضائية
والمحاكم التابعة للنظام القضائي العادي – قضاة الحكم ومحافظي الدولة لمجلس الدولة والمحاكم الإدارية – القضاة العاملين في:- الإدارة المركزية لوزارة العدل- أمانة المجلس الأعلى للقضاء- المصــالح الإدارية للمحكمة العليا ومجلس الدولة- مؤسسات التكوين والبحث التابعة لوزارة العدل.
ونلاحظ أن هده المادة جاءت بتفعيل أكثر في إطار الازدواجية القضائية في حين كانت جد مقتضبة
في القانون الأساسي للقضاء لسنة 89 اذ كانت تنص على أنه: يشمل سلك القضاء- قضاة الحكم والنيابة العامة للمحكمة العليا والمجالس القضائية والمحاكم وكذا القضاة العاملين في الإدارة المركزية لوزارة العدل.
ويخضع القاضي لمجموعة من القواعد التي تنظم تعيينه وحقوقه وواجباته وسير مهنته وانضباطه وسنتناول في هدا المطلب القواعد المتعلقة بالتعيين وكدا الحقوق والواجبات ونترك الحديث عن سير المهنة والنظام الانضباطي لندرسها ضمن صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء
الفرع الأول
تعيين القضاة
تختلف طرق اختيار القضاة من بلد لآخر وتوجد طريقتان أساسيتان لاختيار القضاة هما طريقة الانتخاب وطريقة التعين إما عن طريق المسابقة أو بطريق التعيين المباشر(1) وقد أخد المشرع الجزائري بطريقة التعين وجعل طريقة التعيين المباشر طريقة استثنائية،حيث نصت المادة3 من القانون العضوي رقم04-11 المتعلق بالقانون الأساسي للقضاء:- يعين القضاة بموجب مرسوم رأسي بناءا على اقتراح من وزير العدل وبعد مداولة المجلس الأعلى للقضاء، كما نصت المادة39 من نفس القانون: - يعين الطلبة القضاة المتحصلون على شهادة المدرسة العليا للقضاء بصفتهم قضاة طبقا لأحكام المادة 3 ويتم توزيعهم على الجهات القضائية حسب درجة الاستحقاق ويخضعون لفترة عمل تأهيلية تدوم سنة واحدة.
والملاحظ ان المادة3 من القانون الأساسي للقضاء لسنة 1989 المعدلة بموجب المرسوم التشريعي رقم 92-05 كانت تميز بين التعيين الأول بصفة قاض والذي يكون بموجب مرسوم رئاسي على اقتراح من وزير العدل وبعد مداولة المجلس الأعلى للقضـاء وبين التعيين في بعض المهام الذي يتم بموجب مرسوم
رئاسي على اقتراح من وزير العدل وهي مهام:-الرئيس الأول للمحـــكمة العليا- النائب العام لدى
المحكمة العليا- رئيس مجلس قضائي-نائب عام لدى مجلس قضائي- رئيس محكمة –وكيل جمهورية،ويرى بعض الدارسين أن قصر التعيين في هذه المهام على أعضاء السلطة التنفيـذية فقط يعد تراجعا في استقلالية
ـــــــــــ
(1)- يتم التعيين في الولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا عن طري انتخاب ، وقبل قيام الثورة الفرنسية في فرنسا كانت وظيفة القضاة تشترى من الملك ثم تورث، لمزيد من التفصيل انظر:-الدكتور الغوثي بن ملحة- المرجع السابق-ص59
-roger perrot-institutions judiciares-montchestien-delta-7E édition –p322.323
-بلودنين أحمد- استقلالية القضاء بين الطموح والتراجع-رسالة ماجستير-معهد الحقوق -جامعة الجزائر-1999-ص39-44
السلطة القضائية(1)،أما القانون العضوي رقم 04-14 فلم ينص في المادة3 على هذا التمييز،غير أنه نص من جهة في المادة 4 على أنه: يؤدي القضاة بعد تعيينهم الأول وقبل تولييهم وظائفهم اليمبن التالية:...، مما
يفيد أن هناك تعيينات أخرى تختلف عن التعيين الأول، ومن جهة أخرى أحدثت المادة 48 وظائف قضائية نوعية مؤطرة لجهاز القضاء، وميز المشرع في اجراءات التعيين في هذه المناصب حيث نصت المادة 49 على أنه:يعين بموجب مرسوم رئاسي في الوظائف القضائية النوعية التالية: - الرئيس الأول للمحكمة العليا- رئيس مجلس الدولة-النائب العام لدى المحكمة العليا-محافظ الدولة لدى مجلس الدولة-رئيس مجلس قضائي- رئيس محكمة إدارية- نائب عام لدى مجلس قضائي- محافظ الدولة لدى محكمة إدارية-نائب عام لدى مجلس قضائي –محافظ الدولة لدى محكمة إدارية، في حين نصت المادة50: على أنه يتم التعين بعد استشارة المجلس الأعلى للقضاء في الوظائف القضائية النوعية الآتية:-نائب رئيس المحكمة العليا-نائب رئيس مجلس الدولة-نائب عام مساعد لدى المحكمة العليا- نائب محافظ الدولة لدى مجلس الدولة- رئيس غرفة بالمحكمة العليا- رئيس غرفة بمجلس الدولة-نائب رئيس مجلس قضائي-نائب رئيس محكمة إدارية-رئيس غرفة بمجلس قضائي-رئيس غرفة بمحكمة إدارية-النائب العام المساعد الأول لدى مجلس قضائي- محافظ الدولة المساعد الأول لدى محكمة إدارية- قاضي تطبيق العقوبات-رئيس محكمة-وكيل جمهورية-قاضي التحقيق.ويمكن اعتبار التعين في هذه المناصب مجرد ترقية وليس تعيينا مباشرا(2)، وذلك أن التعيين المباشر لا يكون إلا بصفة مستشارين لدى المحكمة العليا أو مجلس الدولة طبقا للمادة41 من القانون الأساسي للقضاء.
ويمكن اعتبار أن المادة الثالثة قد عززت أكثر من مكانة القاضي للأسباب التالية:
1-أكدت على النهج الذي تبناه المشرع في القانون رقم 89-27 وكذا المرسوم التشريعي رقم92-05 وهو أن التعيين يتم بموجب مرسوم رئاسي وليس حكومي، خلافا لما كان في القانون الأساسي للقضاء لسنة 1969.
2-أكدت على أن التعيين يتم بعد مداولة المجلس الأعلى للقضاء وليس مجرد استشارته خلافا لما كان في القانون الأساسي للقضاء لسنة 1969 .
الفرع الثاني
الواجبات والحقوق
تقع على عاتق القاضي عدة واجبات منها ما يتعلق بمهنته، ومنها ما يتعلق بسلوكه داخل المجتمع، ويتمتع
ـــــــــــــــ
(1)- الدكتور عمار بوضياف –المرجع السابق –ص73 – بوبشير محند أمقران –دار الامل-ط2002-ص30 .34
(2)- الدكتور عمار بوضياف –المرجع السابق –ص73
نظير ذلك بمجموعة من الحقوق ، وقد نص القانون العضوي رقم04-11 على هذه الحقوق والواجبات في الباب الثاني وهو ما سنتناوله كالآتي:
أولا -واجبات القاضي: من أهم واجبات القاضي : -تأدية اليمين: (1) يؤدي القــضاة اليمين النصوص عليها بمقتضى المادة4 (ق أ ق) أمام المجلس القضائي الذي عينوا فيه فيما يخص قضـاة النــظام القضائي العادي، وأمام المحـكمة الإدارية فيما يخص قضاة النــظام القضائي الإداري، أما بالنسبة للقضاة المعينين مباشرة أمام المحكمة العليا أو مجـلس الدولة فيؤدون اليمين أمام الجهة التي عينوا فيها، وتؤدى اليمين مرة واحدة بعد التعيين،غير أنه اذا انقطع القاضي ثم استأنف عمله القضائي مرة ثانية فانه يؤدي اليــمين ثانية (2) ، -واجب التحفظ والابتعاد عن السلوكات الماسة بحياد القاضي:وهذا ما نصت عليه المادة7 كما نصت المادة 23 أنه : يجب على القاضي أن يتقيد في كل الظــروف بسلوك يليق بشرف وكرامة مهنته (3)، - عدم إنكار العدالة : أخضعت معظم التشريعات القاضي لعقوبات جزائية في حالة إنكاره للعـدالة (4)،-عدم إفشاء أسرار المتقاضين: اذ يتعين على القاضي المحافظـة على سرية المداولات وألا يطلع أيا كان على المعلومات الخاصة بالملفات القضائية ، -عدم ممارسة الأعــمال التجارية أو أي عمل يتنافى مع استقلال القضاء: اذ يمتنع على القاضي ممارسة أي عمل يدر ربحا ، غير أنه يمكنه ممارسة الأنشطة العـلمية والأدبية والفنية وكذا المعاملات المدنية (5) كما يحظر على كل قاض أن يملك في مؤسسة بنفسه أو بواسطة الغير مصالح يمكن أن تشكل عائقا للممارسة الطبيعية لمهامه ، أو تمس باستقلالية القضاء بصفة عامة ، كما أنه لا يمكن للقاضي العمل بالجهة القـضائية التي يوجد بدائرتها مكتـب زوجه الممارس لمهنة المحاماة، وعليه أن يصرح بنشاط زوجه المربح لوزير العدل،-عدم ممارسة النشاط السياسي: يمنع على القضاة ممارسة الأعمال السياسية وهذا ما يستفاد من المادتين 14.15 من القانون الأساسي للقضاء، وذلك لأن النشاط السياسي بحـكم طبـيعته يؤثـر على حيـاد القاضـي واستـقلاليته ، - الإقامة : على القاضي الإقامة بدائرة اختصاص المجلس القضائي الذي يمارس فيه مهامه
ــــــــــــــــــ
(1)- الدكتور الغوثي بن ملحة –الرجع السابق- ص73
- الدكتور عمار بوضياف –السلطة القضائية بين الشريعة والقانون-دار ريحانة-ط2001-ص73
(2)-الدكتور الغوثي بن ملحة –المرجع السابق-ص73
(3)-يرى عبد العزيز سعد ان هده العبارات فضفاضة ودات مان شاملة يمتنع على القاضي بمقتضاها مخالطة الناس جميعا-للمزيد من التوضيح أنظر- عبد العزيز سعد- المرجع السابق-ص77.78
(4)-الدكتور عمار بوضياف-المرجع السابق-ص164
(5)-الدكتور عمار بوضياف –المرجع السابق-ص164
ثانيا- حقوق القاضي:وضع المشرع للقضاة مجموعة من الحقوق هي بمثابة ضمانات يمارسون بواسطتها مهامهم بكل راحة واطمئنان(1) وأهم هده الحقوق:
أ-الحق في الأجرة:خصصت كل الأنظمة القضائية للقضاة أجور شهرية (2) وتشمل الأجرة المرتب والتعويضات، كما نصت المادة27 من القانون الأساسي للقضاء: أن تسمح نوعية هده الأجرة بضمان استقلالية القاضي وأن تتلاءم مع مهنته.
ب-الحق في الاستقرار: اعترف القانون الأساسي للقضاء لقضاة الحكم الذين مارسوا عشر سنوات خدمة فعلية بحق الاستقرار والذي يعني عدم جواز نقلهم أو تعيينهم في مهام أخرى بالنيابة العامة أو بسلك محافظي الدولة أو الإدارة المركزية لوزارة العدل أو مؤسسات التكوين والبحث التابعة لها، أو المصالح الإدارية للمحكمة العليا أو مجلس الدولة أو أمانة المجلس الأعلى للقضاء الا بموافقتهم، أما قضاة الحكم الذين لا تتوفر فيهم هذه الشروط فانه يمكن للمجلس الأعلى للقضاء في إطار الحركة السنوية ولضرورة المصلحة ولحسن سير العدالة نقلهم، أما بقية القضاة فان نقلهم يتم من طرف وزير العدل لضرورة المصلحة مع اطلاع المجلس الأعلى للقضاء في أقرب دورة له.
ج-الحق في الحماية: تقضي المادة148 من الدستور أن القاضي محمي من كل أشكال الضغوط والتدخلات والمناورات التي قد تضر بأداء مهمته أو تمس نزاهة حكمه، كما نصت المادة29 من ق أ ق أنه: يتعين على الدولة أن تقوم بحماية القاضي من التهديدات والاهانات أو السب أو القذف أو الاعتداءات أيا كانت طبيعتها والتي يمكن أن يتعرض لها أثناء قيامه بوظائفه أو بمناسبتها أو بسببها، وتتمثل هده الحماية في ثلاث جوانب:
-الحماية الإدارية: تتمثل في الصلاحيات المعهود بها إلى المجلس الأعلى للقضاء بوصفه ضمانة أساسية للقضاة (3).
ــــــــــــــ
(1)- الدكتور الغوثي بن ملحة –المرجع السابق – ص75
(2)- الدكتور عمار بوضياف – المرجع السابق –ص 156
(3)- الدكتور عمار بوضياف – المرجع السابق-ص 157
- الحماية الجزائية: وهي مكرسة بموجب قانون العقوبات
-الحماية المدنية: حيث تقضي المادة 29 ق أ ق أنه: تقوم الدولة بتعويض الضرر المباشر الناتج عن ذلك( التهديدات والاهانات) في جميع الحالات غير المنصوص عليها في التشريع المتعلق بالضمان الاجتماعي ، غير أن القاضي يكون مسؤولا عن خطئه الشخصي المرتبط بالمهنة، وذلك عن طريق دعوى الرجوع التي تمارسها الدولة ضده طبقا للمادة31 ق أ ق.
وبعدأن تناولنا مختلف الجوانب الخاصة بالقضاة، مرجئين الحديث عن النظام الانضباطي للقضاة إلى حين مناقشة صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء، فإننا سنتناول في المطلب الموالي أعوان ومساعدي القضاء.
المطلب الثاني
أعوان ومساعدي القضاء
لا يقتصر مرفق القضاء على القضاة فحسب، بل هنالك فيآت من الأعوان والمساعدين الدين يقومون بمساعدة القضاة في أداء مهامهم، وأهم هذه الفيآت:
الفرع الأول
أعوان القضاء(أمناء الضبط)
يعتبر أمين الضبط عنصرا في تشكيل المحكمة ، وهو يقوم بأغلب الأعمال الإدارية التي يتطلبها سير الأجهزة القضائية، كتحصيل الرسوم القضائية وقيد الدعوى وحـفظ أصول الأحكام والأوراق القضائية وتحرير الأحكام ، ونتيجة لذلك يقع على أمين الضبط واجب الالتزام بالـسر المهني واحترام واجــب التحفظ(1)، وينقسم أمناء الضبط إلى مجموعة من الفيآت:
أولا- أمناء أقسام الضبط وأمناء الضبط: وهم
-سلك أمناء الضبط: يقومون خاصة بالمهام التالية/ -حضور الجلسات والتحقيقات القضــائية على مستوى مكاتب أمانة الضبط، ويحررون أصول الأحكام القضائية ويعملون على حفظها.
- مستكتبو أمناء الضبط: يعملون خاصة على مسك ملفات المتقاضين وتنظيمها، ومساعدة أمناء الضبط والحلول محلهم عند الاقتضاء
- رئيس أمناء الضبط: يقوم بما يــلي/ حفظ الوثائق الموجودة بالملفات، وتقارير الخبرة وأدلـة الإقناع وحفظ أصول الأحكام والقرارات القضائية.
- أمناء أقسام الضبط: تتمثل مهامهم خاصة في تحرير النسخ المطابقة للأصل والنسخ التنفـيذية للأحكام والقرارات القضائية، واثبات صحتها وإصدارها ومساعدة رؤساء الأقسام والحلول محلهم عـند
ــــــــــــــــ
(1)- أنظر المقال النشور بالعدد التجريبي لمجلة تضامن أمناء الضبط- ضمأ- مديرية البحث لوزارة العدل-ص29.
الاقتضاء.
-رؤساء أمناء أقسام الضبط: يشرفون على السير الحسن لأقسام الضبط
ثانيا- المناصب العليا: وهي
-رئيس المصالح الإدارية: يقوم بأداء النشاطات الخاصة بالنيابة العامة والحالة المدنية وتسيير مستندات الإقناع ومحفوظات الوثائق وتسيير فهرس الاجتهاد القضائي وتنـظيم عمل الموظفين الموضوعين تحت سلطته.
- رئيس أمانة الضبط بقسم أو غرفة: يشرف على أقسام أو غرف أمانات الضبط
- رئيس أمانة الضبط للجهة القضائية: يقوم بتنسـيق نشاط مختلف المصالح والإشراف على صندوق أمانة الضبط وجمع الإحصائيات وتسيير المطبوعات والوثائق والمحفوظات.
هذا وتختلف طريقة توظيف أمناء الضبط من فئة لأخرى (1)
الفرع الثاني
مساعدي القضاء
يتمثل مساعدي القضاء أساسا في المحضرين القضائيين والمحامين والخبراء ومحافظي البيع بالمزاد العـلنــي
أولا- المحامون: تتمثل مهامهم أساسا في مساعدة وتمثيل الخصوم أمام القضاء ، ويتمتعون نظـير ذلك بمجموعة من الحقوق وتقع على كاهلهم عدة واجبات نصت عليها خاصة المادة76 من القانون رقم91-04 التعلق بمهنة المحاماة، ويباشر المحامون مهامهم من خلال مكاتب فردية أو متجمعة للمحاماة ، أو ضمن جمعيات محامين أو في شكل شركات مدنية للمحاماة، وللمحامين نقابة وطنية للمحاماة تتكون من عــدة
منظمات جهوية، وكل منظمة جهوية تتكون من مجموعة من الهياكل هي نقيب المحامين والجمعية العــامة
للمحامين ومجلس منظمة المحامين ، بالإضافة إلى مجلس التأديب ، ويناط بهذه المنظمات تكوين المحامــين
المتربصين بعد حصولهم على الكفاءة المهنية للمحاماة وذلك ضمن مكاتب الإشراف خلال فترة تربصيـة
مدتها تسعة أشهر ، وكذا الالتفات إلى كل المسائل ذات الطابع المهني للمحامين بما فيها صلاحيـــات
التأديب، ويشكل اتحاد المنظمات الوطنية للمحامين الاتحاد العام للمحامين الجزائريين الذي يرأسه عميـد
الاتحاد، كما يمكن للمحامين الاجتماع ضمن ندوة وطنية للمحامين مرة كل ثلاث سنوات(2).
ــــــــــــــ
(1)- الغوثي بن ملحة- المرجع السابق-ص97-105
(2)-طاهري حسين- دليل أعوان القضاء والمهن الحرة- دار هومة-ط2001-ص12
-الغوثي بن ملحة – المرجع السابق-ص119
ثانيا – المحضرون الفضائيون : تتمثل مهامهم أساسا حسب القانون رقم91-03 المؤرخ في 08-01-1991 المتعلق بتنظيم مهنة المحضر القضائي في تبليغ الأحكام القضائية والمحررات وتنفيذ الأحكام والقرارات القضائية والسندات التنفيذية الأخرى، بالإضافة إلى إجراء بعض المعاينات المادية ، وتحصيل الديون المستحقة قضائيا أو وديا، وتقييم المنقولات المادية وبيعها، ويباشر المحضرون أعمالهم من خلال مكاتب عمومية يسيرونها لحسابهم الخاص تحت رقابة وكيل الجمهورية لدى المحكمة دائرة اختصاصهم ، وينضوون ضمن غرفة جهوية للمحضرين التي تهتم بمختلف المسائل ذات الطابع المهني، هذا بالإضافة إلى الغرفة الوطنية والمجلس الأعلى للمحضرين المكلف بالمسائل ذات الطابع العام المتعلقة بالمهنة، كما يمكن للمحضرين مباشرة أعمالهم ضمن مكاتب متجمعة أو في شركات مدنية للمحضرين القضائيين أو في شكل جمعييات (1).
ثالثا- الخبراء:وهم أشخاص غير موظفين في الأجهزة القضائية، لهم دراية ومعرفة فنية خاصة في مجالات محددة ، وقد يكونون أشخاصا طبيعيين أو معنويين ويخضعون لشروط خاصة بتعيينهم نص عليها المرسوم التنفيذي رقم95-310 المؤرخ في10/10/1995 كما يحكمهم قانون الإجراءات المدنية والجزائية، وتتمثل هذه الإجراءات في تقديم طلب إلى النائب العام المختص الذي يجري تحقيقا إداريا بشأنه ثم يحوله إلى رئيس المجلس القضائي من أجل إعداد قائمة الخبراء، والتي يصادق عليها وزير العدل .
ويجوز للقاضي تعيين خبير من خارج القائمة بعد تأدية اليمين القانونية ما لم يعفى باتفاق الخصوم ويتعين على الخبير بعد توصله بالحكم أو القرار القاضي بتعيينه في مهمته القيام بها دون تأخير وأن يودع تقريره الكتابي أو الشفوي ضمن الميعاد الذي حدده الحكم القاضي بندبه، وإذا تعدد الخبراء تعين عليهم تحرير تقرير خبرة واحد، فإذا اختلفت آراؤهم وجب تسبيبها ،كما يمتنع على الخبراء تلقي أتعابهم مباشرة من الخصوم في الدعوى وإلا تعرضوا للشطب من القائمة(2) .
رابعا – محافظي البيع بالمزاد العلني: وهم بمثابة وكلاء عن الأطراف في عمليات البيع بالمزاد العلني، حيث يتعين عليهم بمجرد النطق برسو المزاد الحصول فورا على ثمن البيع وإلا وجب عليهم إعادة البيع ولأجل ذلك يحرر محافظ البيع محضرا يعد عقدا رسميا يجب عليه تسجيله في الشهر المالي لعملية البيع، كما يقوم قبل جلسة المزايدة بما يجب من إجراءات لإعلان الجمهور، وقد حدد الأمر رقم96-02 المؤرخ في 10/01/ 1996 المتظمن تنظيم مهنة محافظ البيع بالمزاد العلني شروط الالتحاق بهذه المهنة وكذا واجبات
ــــــــــــــــــــــــــ
(1)-الدكتور الغوثي بن ملحة- المرجع السابق-ص108
- طاهري حسين- المرجع السابق-ص-35
(2)- طاهري حسين- المرجع السابق-ص84
المحافظين وحقوقهم ونظامهم الانضباطي، وهم عموما يباشرون مهامهم من خلال مكاتب وينضوون ضمن
غرفة جهوية وغرفة وطنية مهمتها تنفيذ الأعمال التي تهدف إلى ضمان احترام قواعد المهنة وأعرافها ، وكذلك نظام انضباطها، وقد أشارة المادة31 من القانون المذكور إلى إنشاء مجلس استشاري يتولى مهمة دراسة المسائل ذات الطابع العام للمهنة.
وبعد أن تناولنا مرفق القضاء في محتواه البشري فإننا سنتناول الجانب الهيكلي للنظام القضائي من خلال أجهزة التنظيم القضائي المختلفة في المبحث الموالي
المبحث الثاني
أجهزة التنظيم القضائي
تشمل أجهزة التنظيم القضائي الجهات القضائية بمختلف أنواعها ودرجاتها وتشكيلاتها (1) وقد نصت المادة الثانية من القانون العضوي رقم02-11 المؤرخ في17/يوليو/2005 المتعلق بالتنظيم القضائي: أن التنظيم القضائي يشمل النظام القضائي العادي والــــنظام القضائي الإداري ومحكمة التنازع وسنتطرق إلى هذه الأجهزة من خلال المطالب التالية
المطلب الأول
أجهزة النظام القضائي العادي
أبقت المادة 152 من الدستور على بعض الجهات القضائية التي أنشأت بموجب الدساتير السابقة وهي: المحكمة العليا والمجالس القضائية والمحاكم(2)، كما نصت المادة الثالثة من نفس القانون العضوي على أن النظام القضائي العادي يشمل المحكمة العليا والمجالس القضائية والمحاكم.
الفرع الأول
المحاكم
المحاكم في التنظيم القضائي الجزائري والأنظــمة القضائية المقارنة هي القاعدة الأساسية التي يقوم عليها النظام القضائي بشكله الهرمي(3) ، وبعد تبني نظام الازدواجية القضائية تعد المحاكم قاعدة النظام القضائي العادي، وهي تفصل في جميع القضايا التي تدخل ضــمن اختصاصها ولا يخرج عن ولايتها إلا ما أستثني
ـــــــــــــــــ
(1)- الدكتور الغوثي بن ملحة- المرجع السابق-ص133
(2)- رشيد خلوفي- قاتون المنازعات الادارية- تنظيم واختصاص القضاء الاداري
-ديوان المطبوعات الجامعية-ط2 .2005 –ص165
(3)- عبد العزيز سعد- المرجع السابق-ص89 – بوبشير محند أمقران –المرجع السابق-ص210
بنص(م1 ق ا م) (1) ، وسنتطرق للتنظيم القضائي للمحاكم من خلال النقاط التالية :
أولا- اختصاص المحكمة: نصت المادة الخامسة من القانون الذكور: يحدد اختصاص المحــكمة في قانون الإجراءات المدنية والجزائية والقوانين الخاصة، وقد نص قانون الإجراءات المدنيـة والجزائية عـلى نوعين من الاختصاص هما الاختصاص النوعي والاختصاص المحلي ، ونصت على الأول المادة الأولى مـن قانون الإجراءات المدنية كما أشارت المواد2.3.4 إلى أنواع محددة من هذا الاختصاص ، أما قواعــد الاختصاص المحلي فقد نظمته المادتين 8 .9 حيث تتمثل القاعدة العامة في انعقاد الاختصاص لمحكمة موطن المدعى عليه، إلا أن هناك استثناءات بموجب المادة8 وحالات جوازيه بمقتضى المادة9 ، أما الاختصاص في المواد الجزائية فقد نظمته المواد 328 .329 من قانون الإجراءات الجزائية، حيـث تقضي المادة 328 : تختص المحكمة بالفصل في الجنح والمخالفات ،كما نصت المادة329 : تختص محليا بالنظر في الجنحة محكمة محل الجريمة أو محكمة إقامة أحد المتهمين أو شركائهم أو محل القبض عليهم ولو كان هذا القبض قد وقع لسبب آخر، ولا تكون محكمة محل حبس المحكوم عليه مختصة إلا وفق الأوضاع المنصـــوص عليها في المادتين552 .553 .
وقد نص القانون رقم 04-14 المعدل والمتمم لقانون الإجراءات الجزائية على أنه: يجوز تمــديد الاختصاص المحلي للمحكمة إلى دوائر اختصاص محاكم أخرى عن طريق التنظيم في جرائم المــخدرات والجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية والجرائم الماسة بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات وجرائم تبيض الأموال والإرهاب والجرائم المتعلقة بالتشريع الخاص بالصرف، هذا وقد نصت المادة451 ق ا ج على أنه : يختص قسم الأحداث بنظر الجنح التي يرتكبها الأحداث ، ويختص قسم الأحداث الذي يوجد بمقر المجلـــس القضائي بنظر الجنايات التي يرتكبها الأحداث ، ويكون قسم الأحداث المختص إقلـــيميا هو المحكمة الـتي أرتكبت الجريمة بدائرتها أو التي بها محل إقامة الحدث أو والديه أو وصيه أو محكمة المكان الذي عثر على الحدث فيه أو المكان الذي أودع به الحدث سواءا بصفة مؤقتة أو نهائية.
ثانيا – أقسام المحكمة: قسمت المادة13 من القانون العضوي المحكمة إلى عشرة أقسام ويمكن لرئيس المحكمة بعد استطلاع رأي وكيل الجمهورية تقليص عددها أو تقسيمها إلى فروع حسب أهمية وحجم النشاط القضائي ، هذه الأقسام هي كالآتي:
أ- القسم المدني: من أقدم الأقسام داخل المحكمة وينظر في القضايا المدنية مثل منازعات عقد البيع والإيجار والوكالة(2).
ــــــــــــــــ
(1)- الدكتور عمار بوضياف – المرجع السابق- ص 236
(2)- بوبشير محند أمقران- المرجع السابق- ص211
ب- القسم العقاري: تم فصله عن القسم المدني بموجب القرار المؤرخ في11/أفريل/ 1994 والصادر عن وزارة العدل (1) وذلك لحجم المنازعات العقارية المتزايد وكذا كثرت النصوص التشريعية والتنظيمية في المادة العقارية.
ت- القسم التجاري : من الأقسام القديمة التي أحدثت بموجب المرسوم رقم 66-163 المؤرخ في 08/جوان/1966 وينظر في المنازعات التجارية بمختلف أنواعها(2).
ث- القسم الاجتماعي : ينظر في المنازعات الفردية للعمل وكذا منازعات الضمان الاجتماعي ويتميز بتشكيلته الخاصة.
ج- القســـم البحري: أحدث بموجب القرار الوزاري المؤرخ في 14/جوان/1995 ، وينظر في المنازعات المتعلقة بالعقود البحرية، وتوجد الأقسام البحرية في المحاكم الواقعة على الساحل(3).
ح- قسم شؤون الأسرة: كان يسمى قسم الأحوال الشخصية، وينظر في المنازعات المتعلقة بالتركات وعقود الزواج والطلاق والحجر وكل ما يدخل في نطاق قانون الأسرة.
خ- القسم الاستعجالي: ينظر في القضايا الاستعجالية وهي القضايا التي لا تمس بأصل الحق والتي يتوافر فيها عنصر الاستعجال.
د- قسم الجنح: يفصل في قضايا الجنح
ذ- قسم الأحداث: ينظر في قضايا الأحداث، وينظر قسم الأحداث بمقر المجلس القضائي في جنايات الأحداث.
ثالثا-تشكيل هيآت الحكم: يختلف تشكيل هيآت حكم المحكمة بحسب موضوع النزاع (4) ، والقاعدة العامة هي أن المحكمة تفصل بقاض فرد إذ تنص المادة 15 من القانون العضوي على أنه : تفصل المحكمة بقاض فرد ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ، وهنالك استثناءين لهذه القاعدة :
- المسائل الاجتماعية: حيث تتشكل المحاكم الاجـــتماعية من قاض فرد ومساعدين من العمال ومساعدين من المستخدمين، ويجوز انعقادها بحضور مساعد من العمال ومساعد من المسـتخدمين فقط .
- قضايا الأحداث: تتكون محكمة الأحداث من قاض ومساعدين محلفين.
ــــــــــــــــ
(1)- الدكتور عمار بوضياف –المرجع السابق-ص238
(2)- الدكتور عمار بوضياف – المرجع السابق-ص241
(3)-الدكتور عمار بوضياف –المرجع السابق –ص245
(4)- بويشير محند أمقرآن- المرجع السابق-ص212
رابعا- التشكيلة البشرية للمحكمة: تشمل المحكمة حسب نص المادة 12 من القانون العضوي :
1- رئيس المحكمة ونائبه: وهو قاض يحتل وظيفة قضائية نوعية(1)، ويتولى إدارة المحكمة والإشراف على تسيير أعمالها ومراقبة موظفيها إلى جانب وكيل الجمهورية(2)، بالإضافة إلى مهامه القضائية.
2- وكيل الجمهورية ومساعيه: هو من مؤطري المحكمة وله مهام قضائية وإدارية(3).
3- قاضي الأحداث أو قضاة الأحداث: وهم قضاة يختارون لكفاءتهم وللعناية التي يولونها للأحداث بقرار من وزير العدل لمدة ثلاث سنوات بالنسبة لمحكمة مقر المجلس القضائي، وفي باقي المحـاكم الأخرى بموجب أمر من رئيس المجلس على طلب من النائب العام (4).
4- قاضي التحقيق أو قضاة التحقيق: من مؤطري المحكمة ، يعين بموجب مرســوم رئاسي وتنتهي مهامه بنفس الأشكال ، ويناط به إجراءات البحث والتحقيق والتحري عن أدلة الاتهام وأدلة النفي (5).
5- القضاة:وهم من يترأس أقسام المحكمة حسب تخصـــصاتهم طبقا للمادة14 من قانون التنظيم القضائي، ويمكن تعيين نفس القاضي في أكثر من قسم أو فرع ، هذا ويوجد بالمحـــكمة أمانة الضبط.
الفرع الثاني
المجالس القضائية
نصت المادة16 من القانون العضوي رقم05-11: يعد المجلس القضائي جهة استئناف للأحكام القضائية الصادرة من المحاكم وكذا في الحالات الأخرى المنصوص عليها قانونا، كما نصت المادة 05 من ق ا م : تختص المجالس القضائية بنظر استئناف الأحكام الصادرة من المحاكم في جميع المواد في الدرجة الأولى حتى وان وجد خطأ في وصفها، وتبعا لذلك تعد المجالس القضائية كقاعدة عامة الجهة القضائية في النـــظام القضائي العادي ذات الدرجة الثانية (6) ،وهي تجسيد لمبدأ التقاضي على درجتين،وكان عددها15 مجلسا ثم ارتفع إلى 31 ثم إلى 48 بموجب الأمر رقم97-11 المؤرخ في 19/03/1997 المتضــمن التقسيم القضائي، وسنتطرق إلى تنظيم المجالس القضائية وتشكيلتها كالأتي:
ـــــــــــــ
(1)- المادة 48 من القانون الأساسي للقضاء
(2)- عبد العزيز سعد- المرجع السابق- ص95
(3)- المواد 29 .36 من قانون الاجراءات الجزائية
(4)- المواد 449 من ق ا ج
(5)- المواد 38 .39 .68 من ق ا ج
(6)- بوبشير محند أمقرآن – المرجع السابق-ص216
أولا- تنظيم المجالس القضائية: نصت المادة 6 من قانون التنظيم القضائي على أنه: يشمل المجلس القضائي: - الغرفة المدنية- الغرفة الجزائية- غرفة الاتهام- الغرفة الاستعجالية- غرفة شؤون الأسرة- غرفة الأحداث- الغرفة الاجتماعية- الغرفة العقارية- الغرفة البحرية- الغرفة التجارية ، ويمكن لرئيس المجلس القضائي بعد استطلاع رأي النائب العام تقليص عدد الغرف أو تقسيمها إلى أقسام حسب أهمية وحجم النشاط القضائي ، ويوزع القضاة على هذه الغرف في بداية كل سنة قضائية بموجب أمر من رئيس المجلس القضائي بعد استطلاع رأي النائب العام، كما يجوز لرئيس المجلس رئاسة أي غرفة أو تعيين نفس القاضي في أكثر من غرفة أو قسم ( م9 ق ع ت ق).
وتوجد على مستوى كل مجلس قضائي محكمة جنايات ، وهي جهة قضائية جزائية متخصصة تنظر في الأفعال الموصوفة جنايات وكذا الجنح والمخالفات المرتبطة بها .
ثانيا- تشكيل هيآت حكم المجالس القضائية: تتشكل هيآت حكم المجالس القضائية دائما من ثلاثــة قضاة برتبة مستشار (1)، حيث نصت المادة 8 من ق ع ت ق : يفصل المجلس القضائي بتشكيلة جماعية ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ، وهو الأمر الذي قضت به المادتين 144 ق ا م و429 ق ا ج ، أما محكمة الجنايات فتتشكل من قاض برتبة رئيس غرفة بالمجلس القضائي على الأقل رئيسا ومن قاضيين برتبة مستشار بالمجلس على الأقل ومحلفين اثنين، ويعين القضاة بأمر من رئيس المجلس طبقا للمادة258 ق ا ج .
ثالثا – التشكيلة البشرية للمجالس القضائية: تبعا لما نصت عليه المادة 7( ق ع ت) ق فان التشكيلة البشرية للمجالس القضائية هي كالآتي:
1- رئيس المجلس القضائي ونائب أو نواب الرئيس: يحتل وظيفة قضائية نوعية ويعين بمرسوم رئاسي (2) ، وهذا التعيين ليس في الحقيقة إلا ترقية بعد أن يكون قد مارس أعماله في المحاكم والمجالس القضائية (3)، ويتولى رئيس المجلس القضائي تمثيل هذا الأخير والإشراف على تسيــيره وإدارته ومراقبة موظفيه وتوزيع العمـل على قضاة المجلس ، كما يوزع القضاة على الغرف ويقوم بانتداب القضاة من محكمة إلى محكمة أو من غرفة إلى غرفة عند الضرورة، كما أن من مهامه إعداد تقارير دورية عن نشاط المجلس بمعية النائب العام لترسل إلى وزارة العدل وهذا بالإضافة إلى مهامه القضائية.
2- النائب العام والنواب العامون المساعدون: يعين النائب العام بمرسوم رئاسي (4) ، وله مــهام إدارية وأخرى قضائية ومن مهامه القضائية ما نصت عليه المادة29 من ق ا ج بالنسبة للدعوى العمومية
ـــــــــــــــــ
(1)- عبد العزيز سعد – المرجع السابق-ص102
(2)- المادتين 48 .49 من القانون الأساسي للقضاء
(3)- عبد العزيز سعد – المرجع السابق –ص104
(4)- المادتين 48 .49 من القانون الأساسي للقضاء
وطلب تطبيق القانون والتمثيل أمام كل الجهات القضائية وتنفيذ الأحكام وغيرها، كما يدخل ضمن مهامه القضائية تنفيذ الانابات القضائية الدولية ومتابعة إجراءات التحقيق ، وإرسال ملفات الطـعن بالنقض إلى المحكمة العليا، ومن مهامه الإدارية متابعة أعمال الموظفين من حيث الحضور والغياب والسلوك والمردودية والاطلاع على سجلات أمانة الضبط بالمجلس القضائي والمحاكم.
3- رؤساء الغرف والمستشارون.
هذا ويوجد على مستوى كل مجلس قضائي أمانة ضبط وأمانة عامة.
الفرع الثالث
المحكمة العليا
المحكمة العليا قمة هرم النظام القضائي العادي، ومقرها بالجزائر العاصمة، ويطلق عليها في مـصر محكمة النقض وفي تونس محكمة التعقيب ، وهي هيأة قضائية دستورية (1)، وكانت تسمى سابقا بالمجلس الأعلى و الذي كان ينظمه القانون رقم63-218 المؤرخ في 18/06/1963 المتعلق بصـلاحيات المحكمة العليا وتنظيمها وسيرها، ثم طرأ على هذا الأخير تعديــل سنة1996 بمقتضى الأمر رقم96-25 المؤرخ في 12/08/1996 وسنتطرق إلى صلاحيات المحكمة العليا وتنظيمها وتشكيلتها من خلال ما يلي:
أولا – صلاحيات المحكمة العليا: يمكن إرجاع صلاحيات المحــكمة العليا طبقا للمادة 152 من الدستور إلى ما يلي:
- توحيد الاجتهاد القضائي في جميع أنحاء البلاد والسهر على احترام القانون
- تمارس رقابتها على تسبيب الأحكام القضائية ورقابة معيارية تأخذ بعين الاعتبار تكييف الوقائع على ضوء القاعدة القانونية
- تقدير نوعية القرارات القضائية التي ترفع إليها، وتبلغها سنويا إلى وزير العدل
- تشترك في برامج تكوين القضاة
- تعمل على نشر قراراتها وجميع التعليقات و البحوث القانونية والعلمية لتدعيم توحيد الاجتهاد القضائي (2) .
ثانيا – تنظيم المحكمة العليا: يشمل تنظيم المحــــكمة العليا الــغرف والهياكل غير القضائية
أ- الغرف: غرف المحكمة العليا على نوعين، غرف عادية وغرف موسعة:
ــــــــــــــ
(1)- أنشأت بمقتضى المادة 152 من الدستور
(2)- رشيد خلوفي – قانون المنازعات الادارية –تنظيم واختصاص القضاء الاداري –ديوان المطبوعات الجامعية-ط2 .2005-ص123
- الغرف العادية : نصت المادة 08 من الأمر رقم 96-25 على أنه: تتشكل المحكمة العليا من تسع غرف: - الغرفة المدنية- الغرفة العقارية- غرفة الأحوال الشخصية والمواريث- الغرفة التجارية والبحرية –الغرفة الاجتماعية – الغرفة الجنائية – غرفة الجنح والمخالفات – الغرفة الإدارية ( لم تعد موجودة بعد تنصيب مجلس الدولة) – غرفة العرائض(1)، وأحالت المادة 8 من أجل تحديد عدد ونوعية أقسام الغرف إلى النظام الداخلي للمحكمة العليا.
-الغرف الموسعة : تكون في شكل غرف مختلطة أو مجتمعة:
-الغرفة المختلطة: تتشكل من غرفتين ويمكن لها أن تتشكل من ثلاث غرف عندما تكون مدعوة إلى الفصل في الموضوع في قضية على اثر طعن ثان ، ويعين الرئيس الأول للمحكمة العليا الغرفة أو الغرف الملحقة، وكذا رئيس الغرفة المختلطة ، وتفصل الغرفة المخـتلطة في الإشكالات القانونية التي من شأنها أن تؤدي إلى تناقض في الاجتهاد القضائي .
-الغرف المجتمعة: تفصل في الحالات التي يمكن أن تؤدي إلى تغيير في الاجتهاد القضائي وتشكل من الرئيس الأول للمحكمة العليا ونائبه ورؤساء الغرف ورؤساء الأقسام وعميد المستشارين في كل غرفة (2).
ب- الهياكل غير القضائية للمحكمة العليا: وهي:
1- مكتب المحكمة العليا: يتكون من الرئيس الأول للمحكمة العليا ونائبه ورؤساء الغرف وعميد رؤساء الأقسام وعميد المستشارين والنائب العام وعميد المحامين العامين، ومن مهام هذا المكتب: - توزيع القضاة على الغرف والأقسام – تحديد برنامج العمل الــسنوي وضبط جدول الجلسات وتقييم النشاط السنوي للقضاة – حصر حالات التناقض بين الغرف- إعداد النظام الداخـلي للمحكمة العليا- إبداء الرأي في مشروع ميزانية المحكمة العليا (3).
2- الجمعية العامة للقضاة: تتألف من كافة قضاة المحكمة العليا وتدرس المسائل التي من شأنها توحيد تفسير وتطبيق القانون، والمسائل المتعلقة بوضعية القضاة.
3- مكتب المساعدة القضائية : يرأس المكتب النـائب العام لدى المحكمة العليا ويضــم المكتب مستشار يعينه الرئيس الأول للمحكمة العليا ومحام مقـبول لدى المحكمة العليا وممثلا عن المنظمة الوطنية للمحامين وممثلا عن وزارة المالية (4).
ــــــــــــــ
(1)- رشيد خلوفي - المرجع السابق- ص123
(2)- الغوثي بن ملحة- الرجع السابق- ص149.150
(3)- الغوثي بن ملحة-المرجع السابق-ص151
(4- الغوثي بن ملحة- المرجع السابق-ص153
هذا وقد أنشأ الأمر رقم 96-25 قسم إداري وقــسم للوثائــق يتولى الأول تسيير ميزانية المحكمة
العليا والموظفين والوسائل المادية ويتولى الثاني مختلف المسائل المتعلقة بالوثائق (1).
ثالثا- تشكيل المحكمة العليا:
أ- التشكيلة البشرية للمحكمة العليا: تبعا لما جاء في الأمر رقم96 -25 فان التشكيلة البشرية للمحكمة العليا تتمثل في : -الرئيس الأول للمحكمة العليا- نائب الرئيس-9 رؤساء غرف -18 رئيس قسم على الأقل -95 مستشار على الأقل – النائب العام لدى المحكمة العليا – النائب العام المساعد – 18 محاميا عاما على الأقل .
ب- تشكيلات جهات حكم المحكمة العليا : تختلف هذه التشكيلات بين الغرف العادية والغرف الموسعة:
1- تشكيلة الغرف العادية: تنص المادة 18 من القانون رقم 89-22 : أنه لا يمكن لأي غرفة أو قسم من الغرفة الفصل في قضية إلا بحضور ثلاثة أعضاء على الأقل ، ويمــكن للرئيس الأول أن يرأس بنفسه أي غرفة من غرف المحكمة العليا .
2- تشكيلة الغرف الموسعة: تختلف فيما إذا كانت مختلطة أو مجتمعة:
- تشكيل الغرف المختلطة: الغرفة المختلطة المشكلة من غرفتين تبــت بصفة قانونية بحضور 9 أعضاء على الأقل ، وإذا كانت مشكلة من ثلاث غرف تبت بصفة قانونية بحضور 15 عضوا على الأقل ويتخذ القرار بموافقة الأغلبية، وفي حالة تعادل الأصوات يرجح صوت الرئيس .
- تشكيل الغرف المجتمعة: لا تبت الغرف المجتمعة بصفـة قانونية إلا بحضور 25 عضوا على الأقل ويتخذ قرارها بالأغلبية وفي حالة تعادل الأصوات يرجح صوت الرئيس .
وبعد أن تناولنا في هذا المطلب مختلف أجهزة النظام القضائي العادي فإننا سنتناول تباعا أجهزة النــظام القضائي الإداري في المطلب الموالي
المطلب الثاني
أجهزة النظام القضائي الإداري
نصت المادة 152 من الدستور على أنه: تمثل المحكمة العليا الهيأة المقومة لأعمال المجالس والمحاكم – يؤسس مجلس دولة كهيأة مقومة لأعمال الجهات القضائية الإدارية ، وبمقتـــضى هذا النص تكرست الازدواجية القضائية، وإذا كان المؤسس الدستوري سمى الجهات القضائية الدنيا في النظام القضائي العادي وهي المجالس والمحاكم فانه لم يفعل ذلك بالنسبة للنظام القــضائي الإداري ، واكتفى بتسميتها بالجهات
ـــــــــــــــ
(1)- رشيد خلوفي- المرجع السابق- ص 125
القضائية الإدارية، الأمر الذي جعل بعض الدارسين يعتبرون أن هذه الجهات تشمل إلى جانب المحاكم الإدارية هيآت قضائية إدارية خاصة كمجلس المحاسبة واللجان التأديبية (1)، غير أن المادة 4 من القانون العضوي للتنظيم القضائي نصت : النظام القضائي الإداري يشمل مجلس الدولة والمحاكم الإدارية، ولم تشر إلى أي هيآت أخرى ، لذلك سنتناول بالدراسة النظام القضائي الخاص بالمحاكم الإدارية في الفرع الأول ومجلس الدولة في الفرع الثاني
الفرع الأول
المحاكم الإدارية
أنشأت المحاكم الإدارية بمقتضى القانون رقم 98-02 المؤرخ في 30/05/98 (2) لتحل محل الغرف الإدارية التي كانت تابعة للمجالس القضائية، وبتاريخ 14/11/1998 صدر المرسوم التنفيذي رقم 98-356 المتضمن كيفيات تطبيق القانون رقم 98-02 والذي أنشأ 31 محكمة إدارية تـنصب عند توافر الظروف الضرورية لسيرها (3) ، وبالنظر إلى هذين النصين فان هناك قواعد متعلقة بتنــظيم وتشكيل المحاكم الإدارية وأخرى تخص اختصاصاتها:
أولا- اختصاصات المحاكم الإدارية: نصت المادة01 من القانون رقم 98-02 على أنه: تنشأ محاكم إدارية كجهات قضائية للقانون العام في المادة الإدارية - يحدد عددها واختــصاصها الإقليمي عن طريق التنظيم . وعبارة جهات قضائية للقانون العام يقابلها في النص الفرنسي( juridiction de droit commun) ، وقد استعملت هذه العبـــارة في الفقه والتشريع الفرنسي للتعبير عن درجة وطبيعة الاختصاص المعترف به لجهة قضائية ما بما يفيد تمتعها باختصاص عام ومبدئي، خلافا للاختـصاص الممنوح أو المحدد ، كما هو الحال بالنسبة لمجلس الدولة ، وتبعا لذلك فان المحاكم الإدارية هـي الجهات القضائية ذات الولاية العامة أو الاختصاص العام في المواد الإداريـة (4) ، ولا يخرج عن اختصاصها إلا ما أستثني بنص، والملاحظ هو أن النصوص المتعلقة بالمحاكم الإدارية لم تشــر إلى أي معيار أو أساس لتحديد هذا الاختصاص وقد أحالت إلى قانون الإجراءات المدنـية بموجب المادة 2 من القانون رقم98-02 مما يترك الوضع على حاله في تحديد الاختصاص النوعي لهذه المحاكم بما كان للغرف الإدارية في النظام القضــائي السابق وهو اعتماد المعيار العضوي كقاعدة عامة والمنصوص عليه بالمادة 7 من ق ا م وغيرها من المسائل
ـــــــــــــــ
(1)- خلوفي رشيد- المرجع السابق –ص171
(2)-تم انشاء المحاكم الادارية بقتضى قانون عادي خلافا لمجلس الدولة الذي أنشأ بقانون عضوي وأثار ذالك عدة تساؤلات حول تفسير نص المادة 122 ف6 و123 من الدستور –للمزيد من التفصيل أنظر – رشيد خلوفي – المرجع السابق –ص214. 215
(3)- الدكتور عمار بوضياف –المرجع السابق-ص267
(4)- خلوفي رشيد المرجع السابق –ص212
كاختصاص هذه الغرف وأنواع الدعوى والطعون التي يمكن رفعها أمامها.
وإذا كان مجلس الدولة قد منح اختصاصا استشاريا في المجال التـشريعي طبقا للمادة 119 من الدستور فان المحاكم الإدارية لم تمنح هذا الاختصاص عكس ما هو عليه الوضع في فرنسا ، حيث تمارس المحاكم الإدارية في النظام الفرنسي اختصاصات استشارية في شكل تقديم آراء بطلب من المحافـظين أو رئاسة بعض اللجان والهيآت الإدارية (1) ، ويرى بعض الدارســين أنه من الضروري إسناد وظيفة استشارية للمحاكم الإدارية لمساعدة الإدارات المحلية خاصة في مجال الصفقات العمومية والتسيير (2) .
وتجدر الإشارة أنه فيما يخص الإجراءات المطبقة أمام المحاكم الإدارية فانه تم إعداد مشروع لقانون الإجراءات المدنية والإدارية ،والذي يهدف إلى وضع قواعد بسيطة وواضحة ، تضمن نجاعة الإجراءات وتقليص مواعيدها، والسماح للأطراف بالتصالح حول حقوقهم بالطريقة التي تلائمهم بعد أن تم تقسيم الإجراءات إلى مدنية وإدارية (3) .
ثانيا- تنظيم المحاكم الإدارية : تقسم المحاكم الإدارية إلى مجموعة من الغرف ويمكن أن تقسم الغرف إلى أقسام وقد أحالت المادة 4 من القانون رقم 98-02 إلى التنظيم لتحديد عدد الغرف والأقسام وصدر هدا التنظيم بموجب المرسوم التنفيذي رقم 98-358 المؤرخ في 14/11/1998 والذي نص في مادته الخامسة على أنه: تشكل كل محكمة إدارية من غرفة واحدة إلى ثلاث غرف، ويمكن تقسيم كل غرفة إلى قسمين على الأقل وأربعة أقسام على الأكثر ، ويحدد وزير العدل عدد غرف وأقسام كل محكمة إدارية، ولقد قدم بعض أعضاء مجلس الأمة ملاحظات بخصوص هذه المسألة واقترحوا إسناد هذه المهمة إلى رئيس المحكمة الإدارية، كما اقترح بعض الدارسين أن يمنح رئيس المحكمة الإدارية صـلاحية الاقتراح بخصوص تقسيم وتنظيم المحكمة التي يرأسها (4) ، هذا وتوجد بالمحاكم الإدارية أمانة ضبط.
ثالثا- تشكيل المحاكم الإدارية: يشمل تشكيل المحاكم الإدارية تشكيلتها البشرية وكذا تشكيل هيأة حكمها .
أ- التشكيلة البشرية للمحكمة الإدارية: تضم التشـكيلة البشرية للمحاكم الإدارية رئيس المحكمة ومحافظ الدولة ومساعديه والقضاة
1- رئيس المحكمة الإدارية : يعين بموجب مرسوم رئاسي وتعد وظيفته من الوظائف
ــــــــــــــــ
(1)- الدكتور محمد الصغير بعلي – المحاكم الادارية – دار العلوم للنشر والتوزيع-ط2005 –ص11
- حسين مصطفى حسين –المرجع السابق –ص28
(2)- انظر رأي الدكتور عمار بوضياف فيما يخص الوظيفة الاستشارية للمحاكم الادارية –المرجع السابق-ص284
(3)- المنشور الصادر عن وزارة العدل حول فعاليات الندوة الوطنية لاصلاح العدالة-المرجع السابق-ص5. 6
(4)- الدكتور عمار بوضياف –المرجع السابق –ص273 .274
القضائية النوعية (1) ،ويخضع للقانون الأساسي للقضاء (2) ، ولم ينص كل من القانون رقم 98 -2 ولا المرسوم التنفيذي رقم 98 -358 على صلاحيات رئيس المحكمة الإدارية عدا ما نصت عليه المادة 6 من هذا المرسوم فيما يخص صلاحياته بالنسبة لأمناء الضــــبط من حيث توزيعهم على الغرف والأقسام ومراقبتهم بمعية محافظ الدولة (3) ، ولاشك أن هذه الصلاحيات ستضبط بالقانون المزمع إصداره والمتعلق بالإجراءات المدنية والإدارية.
2- محافظ الدولة لدى المحكمة الإدارية ومساعديه: يتولى وظيــفة قضائية نوعية ويعين بمرسوم رئاسي ويمارس مهام النيابة العامة بمساعدة محافظي الدولة المساعدين، على غرار محافظ الدولة لدى مجلس الدولة، ويطلق على محافظ الدولة في النظام القضائي الفرنـسي محافظ الحكومة، وقد جعل المشرع الجزائري لمحافظ الدولة دورا مختلفا إلى حد ما عن الدور المنوط بمحافظ الدولة في النظامين القضــائيين الفرنسي والمصري، ففي هذين النظامين يخضع كل أعضاء مجلس الدولة إلى سلطة ورقابة رئيس المجلس أما في الجزائر فقد اعتبر المشرع محافظي الدولة سلكا قائما بذاته داخل الهيأة له رئيس ومساعدين(4)، وذلك راجع إلى التأثر بالنظام الســابق للغرفة الإدارية بالمحكمة العليا، ويظهر ذلك جليا من خلال قصر مهام محافظ الدولة على مهام النيابة العامة وهذا لا يتلاءم مع الدور المنوط بالقضاء الإداري في ظل الازدواجية القضائية، ويتعين على المشرع في ظل التوجهات الجديدة للتنظيم القضائي الجزائري أن يفعل أكثر من مهام محافظ الدولة، وأن لا ينظر إلى هذه الهيأة باعتــبارها نيابة عامة فقط يقتصر دورها على تقديم التماسات وطلبات، ففي النظام القضائي المصري لمحافظ الدولة دور تحقـــيقي ويقوم بمهام الوساطة بين الأطراف المتنازعة بالإضافة إلى مهام النيابة العامة (5).
3- القضاة ( المستشارون) : عددهم غير محدود ويشغلون رتبة مستشار ويخضعون للقانون الأساسي للقضاء، وعكس مجلس الدولة لايوجد بالمحاكم الإدارية مــستشارين في مهام غير عادية وذلك لاقتصار اختصاص المحاكم الإدارية على المهام القضائية دون المهام الاستــشارية خلافا لما هو موجود في فرنسا .
ب – تشكيلة جهات حكم المحكم الإدارية: نصت المادة 3 من القانون رقم 98-02 على
ــــــــــــــــ
(1)- المادتين 48 .49 من القانون الاساسي للقضاء
(2)- المادة 3 من القانون رقم98-02
(3)- الدكتور محمد الصغير بعلي – المرجع السابق –ص 36
(4)- بوصوف موسى –نظام محافظ الدولة في مجلس الدولة والمحاكم الادارية- مجلة مجلس الدولة-ع4 -2003 –ص37. 39
(5)-الدكتور محمد الصغير بعلي –المرجع السابق-ص37
أنه : بجب لصحة أحكامها إن تتشــكل المحكمة الإدارية من ثلاث قضاة عـلى الأقل من بينهم رئيس ومساعدان برتبة مستشار ، وقد لاحظ بعض الدارسين أن تشكيلة المحكمة الإدارية تتمــيز بالخصائص التالية: (1)
1- أن المحاكم الإدارية تتشـكل من قضاة متجمعين : خلافا للمحاكم في النظام القضائي العادي الذي يسوده مبدأ القاضي الفرد، ومرد ذلك إلى طبيعة القضاء الإداري فهو قضاء اجتهادي وليس قضاء تطبيقي كما هو الحال بالنسبة للقضاء العادي .
2- المحاكم الإدارية تتشكل من قضاة ذوي خبرة ، حيــث فرض المشرع أن يكون قضاة المحكمة الإدارية برتبة مستشار على الأقل.
وبعد أن تناولنا مختلف الجوانب التنظيمية للمحاكم الإدارية فإننا سنتناول الجهاز الثاني للنظام القضائي الإداري وهو مجلس الدولة