المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خديجة المرأة الشريفة


MOUAD.ZIKO
2011-02-09, 18:59
خديجة المرأة الشريفة وقصتها مع رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) التي انتهت بها إلى الزواج:
خديجة مثل طيب للمرأة التي تكمل حياة الرجل العظيم. إن أصحاب الرسالات يحملون قلوباً شديدة الحساسية، ويلقون غبناً
بالغاً من الواقع الذي يريدون تغييره، ويقاسون جهاداً آبيراً في سبيل الخير الذين يريدون فرضه. وهم أحوج ما يكونون إلى
من يتعهد حياتهم الخاصة بالإيناس والترفيه، بله الإدراك والمعونة! وآانت خديجة سباقة إلى هذه الخصال وآان لها في حياة
محمد (صلَّى الله عليه وسلم) أثر آريم.
قال ابن الأثير: "آانت -خديجة- امرأة تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم منهفلما بلغها عن رسول الله صدق الحديث، وعظم الأمانة، وآرم الأخلاق، أرسلت إليه ليخرج في مالها إلى الشام تاجراً وتعطيه
أفضل ما آانت تعطي غيره، ومعه غلامها ميسرة".
وقد قبل محمد عليه الصلاة والسلام هذا العرض ورحل إلى الشام عاملاً في مال السيدة التي اختارته، ويظهر أن التوفيق
حالفه في هذه الرحلة، أآثر من سابقتها مع عمه أبي طالب، فكان ربحها أجزل، وسرَّت خديجة بهذا الخير الذي أحرزته ولكن
إعجابها بالرجل الذي اختبرته آان أعمق.
...إنها امرأة عريقة النسب، ممدودة الثروة، وقد عرفت بالحزم والعقل. ومثلها مطمح لسادة قريش لولا أن السيدة آانت تحقر
في آثير من الرجال أنهم طلاب مال لا طلاب نفوس، وأن أبصارهم ترنو إليها بغية الإفادة من ثرائها وإن آان الزواج عنوان
هذا الطمع! لكنها عندما عرفت محمداً عليه الصلاة والسلام وجدت ضرباً آخر من الرجال. وجدت رجلا لا تستهويه ولا تدنيه
حاجة. ولعلها عندما حاسبت غيره في تجارتها وجدت الشح والاحتيال. أما مع محمد (صلَّى الله عليه وسلم) فقد رأت رجلاً
تقفه آرامته الفارعة موقف النبل والتجاوز، فما تطلع إلى مالها ولا إلى جمالها! لقد أدى ما عليه ثم انصرف راضياً مرضياً.
ووجدت خديجة ضالتها المنشودة. فتحدثت بما في نفسها إلى صديقتها "نفيسة بنت منيَّة". وهذه ذهبت إلى محمد عليه
الصلاة والسلام تفاتحه أن يتزوج من خديجة، فلم يبطىء في إعلان قبوله. ثم آلم أعمامه في ذلك فذهب أبو طالب وحمزة
وغيرهما إلى عم خديجة عمرو بن أسد -إذ إن أباها مات في حرب الفجار- وخطبوا إليه ابنة أخيه، وساقوا إليها الصداق
عشرين بكرة. ووقف أبو طالب يخطب في حفل الزواج قائلاً: "إن محمداً لا يوزن به فتى من قريش إلا رجح به شرفاً ونبلاً
وفضلاً وعقلاً، وإن آان في المال قُلاًّ فإنما المال ظل زائل وعارية مسترجعة. وله في خديجة بنت خويلد رغبة، ولها فيه مثل
ذلك" فكان جواب ولي خديجة -عمها عمرو- "هو الفحل الذي لا يقدع أنفه" وأنكحها منه...
وقيل: إن العبارة الأخيرة جرت على لسان "أبي سفيان" عندما تزوج محمد رسول الله ابنته أم حبيبة. وآانت الحرب بينهما
على أشدها. فاعتذر أبو سفيان عن ذلك بأن محمداً الرجل من الكفاءة بحيث يعتبر الإصهار إليه منقبة! والخصومة القائمة
بينهما لا تنزل بقدر محمد عليه الصلاة والسلام أبداً، ونكاحه لبنت أبي سفيان لا يشين أبا سفيان أبداً، وإن آان يومئذ ألدَّ عدو
له.
آان محمد عليه الصلاة والسلام في الخامسة والعشرين عندما تزوج خديجة، وآانت هي قد ناهزت الأربعين. وظل هذا الزواج
قائماً حتى ماتت خديجة عن خمسة وستين عاماً. آانت طوالها محل الكرامة والإعزاز، وقد أنجب رسول الله (صلَّى الله عليه
وسلم) أولاده جميعاً منها ما عدا إبراهيم.
ولدت له أولاً "القاسم" وبه آان يكنى بعد النبوة ثم "زينب" و"رقية" و"أم آلثوم" و"فاطمة" و"عبدالله"، وآان "عبدالله"يلقب بالطيب والطاهر. ومات "القاسم" بعد أن بلغ سناً تمكنه من رآوب الدابة والسير على النجيبة. ومات عبدالله وهو طفل.
ومات سائر بناته في حياته. إلا فاطمة فقد تأخرت بعده ستة أشهر ثم لحقت به.
آان قران محمد عليه الصلاة والسلام بخديجة خيراً له ولها. ولا شك أن هذا البيت الجديد قد اصطبغ بروح رب البيت، روح
التطهر من أدران الجاهلية، والترفع عن تقديس الأوثان.
وقد استأنف محمد عليه الصلاة والسلام ما ألفه بعد زواجه من حياة التأمل والعزلة. وهجر ما آان عليه العرب في أحفالهم
الصاخبة من إدمان ولغو وقمار ونفار، وإن لم يقطعه ذلك عن إدارة تجارته، وتدبير معايشه، والضرب في الأرض والمشي في
الأسواق. إن حياة الرجل العاقل وسط جماعة طائشة تقتضي ضروباً من الحذر والروِيَّة، وخصوصاً إذا آان الرجل على خلق
عظيم يتقاضاه لين الجانب وبسط الوجه.
ولم يكن ثمة ما يقلق في هذه الزيجة الموفقة إلا ألم خديجة لهلاك الذآور من بنيها؛ مع ما للذآران من منزلة خاصة في أمة
آانت تئد البنات وتسودُّ وجوه آبائهن عندما يبشرون بهن!!
والغريب أن العرب بعد البعثة آانوا يعيِّرون محمداً (صلَّى الله عليه وسلم) بهذا، ويعلنون ارتقابهم لانقطاع أثره وانتهاء ذآره.
فعن ابن عباس رضي الله عنه، أن قريشاً تواصت بينها في التمادي في الغي والكفر، وقالت: الذي نحن عليه أحق مما عليه
هذا الصنبور المنبتر -والصنبور النخلة التي اندق أصلها- يعنون أن محمداً عليه الصلاة والسلام إذا مات لم يرثه عقب، ولم
يحمل رسالته أحد {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ. قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنْ الْمُتَرَبِّصِينَ}.
ومحمد (صلَّى الله عليه وسلم) ورسالته فوق هذه الأماني الصغيرة. إلا أن الأسى آان يغزو قلب الوالد الجليل وهو يودع أبناءه
الثرى، فيجدد الثكل ما رسب في أعماقه من آلام اليتم. إن غصنه تشبث بالحياة فاستطاع البقاء والنماء برغم فقدانه أبويه.
وها هو ذا يرى أغصانه المنبسقة عنه تذوي مع رغبته العميقة ورغبة شريكة حياته في أن يرياها مزهرة مثمرة، وآأن الله
أراد أن يجعل الرقة الحزينة جزءاً من آيانه! فإن الرجال الذين يسوسون الشعوب لا يجنحون إلى الجبروت إلا إذا آانت
نفوسهم قد طبعت على القسوة والأثرة وعاشت في أفراح لا يخامرها آدر، أما الرجل الذي خبر الآلام فهو أسرع الناس إلى
مواساة المحزونين ومداواة المجروحين.

saifogas
2011-04-26, 19:06
بارك الله فيك... ولك الجنة إنشاء الله