المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أسلاف البربر وأطروحات أخلافهم


elhadj
2008-08-06, 10:41
أسلاف البربر وأطروحات أخلافهم

في نطاق(1)الاحتفال بشهر التراث، تمّ يوم 27 نيسان أفريل 1994 عرض نقائش وصور خزفيّة، تبرز جوانب مهمّة من حضارة المنطقة في العهد البوني والبربري القديم. كانت فعلا تعبيرا يجسّد أصالة المنطقة وعراقتها التاريخية، بعيدا هذه المرّة عن الرومنة" وتوجّهاتها الطامسة لمآثر هذه المنطقة والحاجبة عن عمد، في حالات كثيرة، حقيقتها الثقافية المتميّزة. وإنّ عملا مثل هذا، لـه أهميّته، إذ يأتي في نطاق المنحى التحرري من تأثيرات المدرسة التاريخية الاستعمارية، وتشويهاتها لتأريخ المنطقة، كما أنّ هذا وغيره من الجهود الفكرية والأبحاث العلمية سيساعد على إعادة النظر في الأطروحات الخاطئة في كتابة تاريخ المنطقة من منظور جديد. وهو ما يعدّ خطوة مهمّة لا في اكتشاف الأرومة الحضارية لهذه المنطقة. وإنّما أيضاً لدعم توّحدها وإحباط النزعات الانقسامية والتوجّهات الطائفية المشبوهة.‏

والمهمّ في هذا الصدد، التوقّف عند كتاب صغير أصدره المعهد الوطني للتراث، بإسهام عدد من باحثيه، بعنوان: أسلاف البربر ـ تضمّن معلومات متنوّعة قيّمة عن المعتقدات والمقابر والكتابة والفخار والنقود والشعائر الجنائزية والتأثيرات المصرية والعلاقات بين اللوبيين وقرطاج. والذي يسترعي النظر أن هذه الموضوعات كلّها تتناول حياة اللوبيين القدامى من جوانب مختلفة، ومع ذلك جاء العنوان خاليا من اسمهم. كما أنّ تأليف العنوان على هذا النحو: أسلاف البربرـ بدا غريباً وشاذا، إذ البربر ليسوا مجموعة واحدة، يمكن أن نطلق على من سبقها "أسلاف". فكلمة "بربر" علم شاع إطلاقه على سكان شمال إفريقيا بمن فيهم من أطلقت عليهم تسمية اللوبيين. وبهذا كان العنوان مفتعلا وملفّقا، ممّا يوحي بالريبة في عملية الانتقاء، وبتدخّل النزعة الذاتية اللاّموضوعية في تقنين المادّة العلمية وتصنيفها. وهو ما يورث في النهاية التشويه والمعرفة الخاطئة.‏

والأمر هنا لا يقتصر على عنوان الكتاب وحده، وإنّما يشمل أساسا ما كتبه السيد حسين فنطر، بشأن أصل السكان، تحت عنوان: اللوبيون أسلاف البربر ـ وهذا أيضاً غير صحيح، بل هو مخالف تماما لما نعرفه عن سكان المنطقة منذ الألف الثانية قبل الميلاد. وإذا كان اليونان، ومن بعدهم الرومان، يطلقون اسم "اللوبيين" على سكان شمال إفريقيا، فلا يعني ذلك فعلا أنهم كانوا يسمّون بهذا الاسم، أو أنهم لا يحملون أسماء تخصّهم. ومن هنا وجب التحرّي طالما أنّ الأمر ممكن، وأنّ المعلومات الصحيحة والثابتة متوفّرة، وإذ تساءل بعضهم عن اللوبيين من هم؟ وما سبب إطلاق تسميتهم على سكان شمال إفريقيا في تلك المرحلة التاريخية البعيدة؟ فالإجابة نجدها في السجلات المصرية، وفي الوثائق المكتوبة "بالهيروغليفية". وكان ذلك منذ القرن الثالث عشر قبل الميلاد. في عهد الملك الفرعوني رمسيس الثاني (1298 ـ 1232 ق.م)، من الأسرة 19، حيث وقعت الإشارة في مدّوناته للمرة الأولى إلى "الليبو" (1)، وتوالى ذكر هذا الاسم في سجلات أخرى، من أهمّها "نقش الكرنك" للملك "مرنبتاح" في حدود 1227 ق.م. من الأسرة التاسعة عشرة للدولة المصرية الحديثة، الذي سجّل فيه انتصاره على اللوبيين ومن تحالف معهم من "شعوب البحر" الذين هجموا على الدلتا للاستقرار بها، تخلّصا من الصحراء ومن أيّ ضغوط أخرى. قاد هذا التحالف الكبير "مارابي أو مريبي بن دد" رئيس قبيلة "اللّيبو". وجاء في نص الكرنك: "أن رئيس الليبو الخاسئ مارابي بن دد" انقضّ على إقليم تحنو برمته..." (2). ومن قبائل المنطقة المشاركة في هذا التحالف: القهق والمشواش. كما ورد اسم "الليبو" في نقوش رمسيس الثالث (1198 ـ 1166ق.م) الذي ردّ هجمتين قويتين من الغرب على الدلتا كانت الأولى متكوّنة من قبائل المنطقة: الليبو والسبد والمشواش بمؤازرة شعوب البحر الأوروبية. ويشار إلى اسم "الليبو" في المصادر المصرية بالحرفين (ر.ب). ولهذا قرأها بعضهم: "الريبو" بالإبقاء على الراء من دون إبدالها باللام. وذلك راجع إلى عدم التفطن إلى "أنّ نظام الكتابة المصرية لا يعرف اللام" (3) وأنّ الراء فيها كثيراً ما تنطق لاما ولذا فإن (ر.ب) تقرأ (ل.ب) أي ليبو أو اللّيبو.‏

ورد اسم "الليبو" أيضاً في التوراة (العهد القديم) بهذه الصيغة "لوبي" و"لوبيم"(2).‏

والوثائق المصرية كما ذكرت "الليبو"، ذكرت أسماء أخرى، الأمر الذي يدلّ على أنها كانت تسمّي الجماعات المجاورة لها من الغرب بأسمائها، من دون تعميم اسم واحد منها على البقية. ونظرا لأهمّية المجموعات اللوبية، فإنّ المصادر المتعلّقة بالتنظيم الإداري الفرعوني تحدّثت عن المديرية الثالثة من مديريات الوجه البحري، وذكرتها باسم "المديرية اللوبية" 04) وأشار سترابون (5) (جغرافي يوناني توفي 65م) إلى وجود مديرية بهذا الاسم قرب الدلتا، وهو ما تؤكده المصادر العربية بوضوح. فقال ابن عبد الحكم: "لوبية ومراقية، وهما كورتان من كور مصر الغربية ممّا يشرب من السماء ولا ينالها النيل" (6). وكرر ابن خُرداذُبه هذا، أثناء حديثه عن إجلاء البربر من فلسطين. فقال "حتى انتهوا إلى لوبية ومراقية، فتفرّقوا هناك" (7). والواضح من المعلومات المتقدّمة، هو أنّ قبيلة "الليبو" من القبائل الكبرى المنتشرة ـ حسب رأي بعض المختصّين ـ في المناطق الشرقية من ليبيا (8)‏

أمّا إشاعة اسمهم وإطلاقه على سكان شمال إفريقيا، فهو من صنع اليونان الذين تعود صلتهم بليبيا إلى القرن الثامن قبل الميلاد. وقد أسّسوا بها أولى مستوطناتهم (قورينه) في حدود 631 ق.م ويبدو أنهم كانوا يطلقونه على مناطق سكانهم وتحركاتهم، ثم أشيع بالتدرّج على كامل المنطقة، ويقال أن "هيكتيوس" هو أوّل من عمّم هذا الاسم، وتبعه "هيرودوتس" ومؤرخو اليونان وجغرافيوهم (9).‏

وعن اليونان أخذ الرومان هذه التسمية المعمّمة. والذي جعل اليونان يعمّمونها هو المكانة البارزة التي تحظى بها قبيلة أو قبائل "الليبو" فقد كانت لها الزعامة والقيادة العسكرية على ما عداها من القبائل الأخرى. وقادت حملتين على دلتا مصر. الأولى في عهد "مرنبتاح" والثانية في عهد رمسيس الثالث. هذا النفوذ جعل اسمها هو الغالب، وهو ما سوّغ لليونانيين تعميمه على سائر منطقة شمال إفريقيا، وهو في هذا، يشبه اسم "حِمْيَر" الذي أطلق على سائر سكان اليمن في القديم، مع أن الحِمْيَريين ليسوا إلاّ مجموعة من القبائل اليمنيّة توصّلت إلى الحكم قبل الميلاد بقليل.‏

فإطلاق اسم "الليبو" على كامل شمال إفريقيا وسكانه هو من قبيل إطلاق الجزء على الكل. ومن هنا نعلم أنّ "الليبو" ليسو أسلاف البربر كما يزعم السيد فنطر، وإنّما هم جزء منهم، كانوا يقطنون كما تقدّم في المناطق القريبة من ليبيا.‏

نأتي الآن إلى ما قاله السيد فنطر بشأن "أصل السكان". وهو موضوع ـ كما نعلم ـ أصبح شائعاً من جرّاء التعقيدات التي نسجت حوله، والصراع السياسي والثقافي الذي بات يكتنفه. وذلك بسبب التشويه وتحريف الحقائق اللذين قامت بهما المدرسة التاريخية الاستعمارية منذ النصف الثاني من القرن الماضي، متوخيّة في ذلك أساليب أكاديمية وطرائق من البحث والوصف لم تكن معهودة من قبل. كان لها تأثير واسع في عقول الكثيرين. فخلقت بأطروحاتها قناعات مسلّما بصحّتها. كوّنت الخلية الثقافية لأصحاب التوّجهات الإقليمية، والنزاعات الطائفية التي بدأت تفرّخ في المنطقة. وعمل العلم الاستعماري على تحطيم وحدة السكان في المنطقة، وبلبلة عقول أفرادها، وذلك كما قال أحدهم بإدخال "الاضطراب على مجرى أفكارهم، وتحطيم أسس المعتقدات التي بها يؤمنون، والقضاء على التقاليد والمفاهيم التي بها يتشبّثون" (10) وهكذا فإن التحليلات العلمية المزعومة لم تزد مسألة "أصل السكان إلاّ تعقيدا وإرباكا. فماذا قدّم السيد فنطر في شأنها؟ ثلاث روايات. الأولى لهيرودوتس مضمونها أنّ "المشواش": يدّعون أنّهم منحدرون من أصل طروادي" (11). وهي كما يرى السيد فنطر، تنسب الأفارقة إلى أصول آسيوية. وطروادة مدينة آسيوية قديمة واقعة على شط البوسفور في الغرب من تركيا، عثر على خرائبها تحت الرمال. والثانية للمؤرخ اللاتيني "صلوست" تحدث فيها عن بطل يوناني (هرقل) مات في إسبانيا، وتبعثرت فلول جيشه المتكوّن من الميديين والأرمن والفرس الذين تحوّلوا إلى إفريقيا، فاختلط الميديون والأرمن باللوبيين. وتحرّف اسم الميديين إلى "الموريين". أما الفرس فقد اقتربوا من المحيط واختلطوا بـ "الجداليين" (12). فهذه الرواية تميّز كما هو واضح بين هذه الأقوام الثلاثة الدخيلة، وبين السكان الأصليين من "لوبين وجداليين". الثالثة للمؤرخ "بروكوب" تحدّث فيها عن أقوام حملتهم ظروفهم على الهجرة من أرض كنعان إلى شمال إفريقيا الذي وجدوه عامرا بأهله (13).‏

هذه الروايات الثلاث، لم نجد حتّى الآن، في المعلومات المتوفّرة على أكثر من صعيد، ما يعضّدها ويجعلها على الأقلّ ضمن الاحتمالات الممكنة. فقد وقع بعضهم في الخطأ ـ ومنهم السيد فنطر ـ عندما ربط بين الماكسيين Maxyans الذين ذكرهم "هيرودوتس" والذين استقرّوا كما يقال ـ في الجنوب التونسي، وبين المشواش الحقيقيين والذين تقدّم ذكرهم، وهم من المجموعات الكبيرة، تذكر السجلاّت المصرية أنّ اسمهم لمع من عهد الملك "تحتمس الثالث" (1504 ـ 1450 ق. م)، من الأسرة الثامنة عشرة، حيث ذكر اسمهم على جزء من آنية فخارية من قصر الملك "أمنتحب الثالث" حيث جاء في السطر الأول ما يدلّ على وصول أوان تحتوي على دهن طازج من أبقار المشواش" (14) كما استعملهم رمسيس الثاني في جيشه. وكان هذا الاسم ـ كما مرّ بنا ـ ضمن الأسماء المسجلة في نقش الكرنك وفي نقوش رمسيس الثالث حيث ورد اسمهم ضمن الهجمة الأولى بزعامة "الليبو" وفي الهجمة الثانية التي تزعّمها هذه المرّة "المشواش" أنفسهم، بتحالف مع قبائل أخرى: الليبو، والأسبت والقايقش والشيتب والهسا والبقن. فجاء في نصوص هذه الهجمة: "...... وانقضّ المشواش على التحنو وأصبحوا رمادا. وقد خرّبت مدنهم ولم يعد لهم وجود..." (15). هؤلاء المشواش هم الذين استقرّوا في مصر بعد مرورهم بالظروف السابقة. وتمكّن قادتهم من الوصول إلى السلطة، وأصبحوا في النهاية ملوك مصر وفراعنتها. فكانوا أصحاب الأسرتين: 22 و 23 ولذا فالإيهام بأنهم من أصل طروادي لا أساس لـه من الصحة.‏

أمّا رواية صلوست فهي من الروايات المشكوك فيها، لارتباطها بالأساطير اليونانية. لذا طعن فيها كبار المؤرخين، ولم يهتمّوا بها. ومنهم على سبيل المثال "جوليان" الذي قال في شأنها: "توغّل الفرس والميديون (les medes) والأرمن في إفريقيا، بعد موت هرقليس ليس إلاّ أسطورة رواها سالوسطس (Salluste) لا نصيب لها من الصحة (16).‏

أما الرواية الثالثة، رواية "بروكوب" فمن الواضح أنّها مستقاة من المصادر الشرقية، إذ هي من الروايات المعروفة لدى الإخباريين الذين تحدّثوا بطرائق مختلفة عن خروج البربر من فلسطين وأسبابه (17). هذه الرواية بقطع النظر عن الشك الموجه إليها، كان يجب أن توضع ضمن الروايات الأخرى من عربية وبربرية، وأن يكون الموقف منها هو الموقف العلمي من الروايات الشفهية بصفة عامة. فلا ينبغي أن يكون هذا الموقف القبول أو الرفض الاعتباطيين. وإنّما يكون بوضعها في إطار ما وفّرته المصادر الأخرى من آثار ووثائق مكتوبة، وعلم أسماء، وعلم اللغة المقارن، وما يتعلّق بالنظم والتقاليد والأعراف وغير ذلك من مختلف مصادر المعرفة، وهو ما يجعلنا نتبيّنها ونستفيد منها بوجه من الوجوه. "فالرواية الشفهية من مصادر المعرفة التاريخية. وإنّ أولى خزاناتها ـ كما قيل ـ أدمغة الرجال، لا يمكن الاستغناء عنها في بعض المراحل من تطور المعرفة الإنسانية. فهناك حضارات متعدّدة، كما في إفريقيا، اعتمدت في ماضيها على الكلمة والرواية الشفهية، وقد اتّخذ المؤرخون من ذلك سبيلا إلى دراسة الحضارات والتعرّف عليها. والمعروف أن ذاكرة الشعوب قادرة على اختزان أشياء كثيرة من الماضي البعيد. وقد لاحظ بعضهم بناء على ما عرفوا من أحوال عدد من الشعوب، أنّ الذين لا يكتبون هم أقوى ذاكرة (18) والسيد فنطر لا يفعل هذا. وهو وإن طاب خاطره بعرض الروايات الغربية فإنه ـ بالنسبة للروايات العربية ـ من المعرضين عنها، والرافضين لها رفضاً مسبّقا. وهو توجّه بعيد تماما عن الطرح الموضوعي لمثل هذه القضايا. تحكمه نوازع ذاتية وخلفيات فكرية معينة. والأمر هنا لا يقتصر على الروايات العربية وحدها، وإنما يشمل أيضاً الروايات البربرية وما قاله النسّابة من مختلف الطبقات في أصل شعوبهم. ويبدو أنّ هذا الإهمال أو هذا الموقف مرجعه إلى أنّ الروايات البربرية ـ كالعربية تماما ـ تقرّ بالنسب الشرقي للبربر، الشيء الذي يعدّ مرفوضا من الأساس من أصحاب هذا التوجّه، ولا يمكن أن يكون هذا من الموضوعية والعلم في شيء.‏

والسيد فنطر بعد عرضه تلك الروايات، عاد من جديد إلى نقطة البداية، وتساءل ثانية عن أصل البربر، معلنا أنّه "يجب الاعتراف بجهلنا على الفور، وبلا أدنى تردّد، فلسنا في النهاية أكثر معرفة من سابقينا" (19). وهذا الكلام وإن كان ينبئ بالدوران في حلقة مفرغة، إلاّ أنّه لا يعني أن السيد فنطر استنفد كل ما في وفضته من معلومات عن البربر. فقد احتفظ لنا بعد ذلك العرض بما يكن عدّه من قبيل المفاجأة؛ إذ هناك ما هو ثابت لديه من العناصر في ملفّ القضية، من شأنه أن يسهم في تحديد المجموعة البربرية وتمييزها، كما في قولـه: "إنّ اللغة البربرية لا تنتمي إلى عائلة اللغات السامية من دون شك"(20)!! وهو هنا، بهذا القطع، يستبعد الأطروحات القائلة بالانتماء الشرقي للبربر. والتي على حدّ تعبيره "لا تصمد أمام علم اللغات" (21). وهذا الحكم الباتّ الذي أصدره السيد فنطر لا ندري كيف تأتّى له؟ والحال أنّه ليس من العالمين باللغات السامية والبربرية، ولا من المختصين في علم اللغات المقارن. يضاف إلى هذا أن هناك أبحاثاً لغوية عديدة تفنّد تماماً زعمه. وتثبت بما لا يدع مجالاً للشكّ العلاقة المتينة بين اللغة البربرية وما سمّي باللغات السامية. وهذا يعني أن السيد فنطر لم يكن مطلعاً على تلك الأبحاث، وأنّه استند في قوله السابق إلى ما كانت تروّجه المدرسة الفرنسية من نظريات شتّى بشأن أصل البربر. فقد صرح في أكثر من مناسبة "أنّ البربر حاميّون". وصمته هذه المرّة عن إعادة ذلك قد يكون لجديد جدّ عنده.‏

والمعروف أنّ المدرسة التاريخية الاستعمارية، بعد أن سقطت نظرية الأصل الأوروبي للبربر، بحثت عن نظرية جديدة، تناسب أغراضها، وتكون في الوقت نفسه مرتكزة، في الظاهر، على أساس علمي يسهل ترويجها. فوجدت ضالتها في "النظرية الحامية" التي نشأت في ألمانيا. ومنها انطلقت إلى بقية أوروبا. ولم يلبث علماء اللسانيات الألمان أن تخلوا عنها لنقائصها، ولما جدّ من جديد في ميدان البحث اللغوي المقارن. إلا أن المدرسة الفرنسية تمسّكت بها منذ العشرينات. ومن أقطابها "دولافوس M. Delafosse" الذي وضع تصنيفاً سنة 1923 في اللغات الإفريقية، ومنها "الحامية" التي تشمل في نظره: "البربرية والمصرية والكوشية". ونظرا لتقدّم الأبحاث، وما أثبتته من صلات بين "الحامية" و"السامية"، فإنّ الباحثين صاروا يعدونهما مجموعة واحدة ويطلقون عليهما معاً: "السامية ـ الحامية". لكن هذا أزعج المدرسة الفرنسية ذات التوجّه الاستعماري التي رأت في المقولة الجديدة تأكيدا لأواصر القربى بين البربرية والسامية، خصوصا العربية، حتى أنّنا نجد الفرنسي "أ. موي A.Meillet" يعلن في حزم "من المستحيل إرجاع السامية والبربرية إلى أصل واحد" (22).‏

ونظرا لفجاجة النظرية الحامية ونقائصها، فقد طعن فيها الباحثون من وجوه عدّة، خصوصا أنها على العكس من المجموعات اللغوية الأخرى، تفتقر إلى الوحدة اللغوية الداخلية. وممّا قاله "رسلر" في شأنها: "في الواقع أن الوحدة داخل الأسرة الحامية لم توجد أبدا" (23). وأدّت الأبحاث في النهاية إلى إخراج المصرية من بوتقة الحامية في وقت مبكر. وانتقد "روسلر" المدرسة الفرنسية للبربريات وأساليبها المتوخاة. فقال: نجد أنّ هذه المدرسة الفرنسية الكلاسيكية للبربريات والتي اقترن اسمها بروني باسيه Rene Basset تترك عن عمد مسألة القرابات بين الساميات" (24) كما انتقد "موي Meillet" في رفضه السابق إرجاع البربرية والسامية إلى أصل واحد. فقال: "ونحن مع تقديرنا لهذا الحكم. فإن مجرد التفكير في إرجاع السامية والبربرية إلى أصلين مختلفين‏

غير معقول، حتى ولو لم نتمكّن إطلاقاً من البرهنة على انحدارهما من أصل واحد. (25).‏

chahrazed1995
2011-02-04, 15:43
شكرا اخي على الموضوع

ولكن هل السامية و البربرية من اصل واحد؟

koukou04
2011-02-07, 16:51
شكرا اخي موضوع قيم ندعوك الى صفحتنا تشرفنا بموضيعك
http://www.********.com/note.php?note_id=139239119471785

صاعقة
2011-02-08, 16:50
السلام عليكم شكرا على الموضوع لدي بعض الاسئلة
ذكرت ان فرضية حامية البربر نشات في المانيا فما تفسيرك لذكر ابن خلدون و ابن حزم حامية البربر و من اين استمدا هذا النسب؟
ذكرت ان السامية و الحامية مجموعة واحدة فهل هذا يعني ان لا وجود للسامية او للحامية كل واحدة على حدى؟ و ما الفرق بين السامية و الساميةالحامية؟
هل افهم من كلامك ان البربرية لغة سامية ام انها سامية حامية؟ و هل هذا يعني ان المصرية و الكوشية من نفس مجموعتها؟ حيث ان ما اعلمه ان البربرية و القبطية متشابهتان ... و هل هذا يعني ان لا وجود للغة حامية ؟