yacine414
2011-02-05, 16:26
عنوان هذه المذكرة الرقابة على أعمال الضبطية القضائية و مسؤولية عناصرها
مقدمـــــــــة
لا شك أنّ القانون الجزائي الإجرائي باعتباره إحدى فروع القانون الجزائي يهدف إلى الموازنة بين تحقيق الفعالية في مكافحة الجريمة بما يمنحه من سلطات واسعة للأجهزة المكلفة بذلك، و بين حماية حقوق الإنسان و ما ينبثق عنها من حقوق و حريات، من خلال الضمانات الإجرائية التي تقيد تلك الأجهزة.
و هذا الطرح يجد أهميته بالنسبة لكامل مراحل الإجراءات الجزائية، لكنه أكثر أهمية بصدد مرحلة التحريات التي تناط بجهاز الضبطية القضائية، ذلك أنه بوقوع الجريمة و نشأة حق الدولة في إيقاع العقاب على مرتكبيها تكون الضبطية القضائية أول المتدخلين للبحث و التحري عن الجريمة والمجرمين.
و قد عُني قانون الإجراءات الجزائية بتحديد أحكام الضبط القضائي في المواد 12 إلى 28 و 42 إلى 55 و 63 إلى 65 منه و تشمل الضبطية القضائية طبقا لهذه المواد ضباط الشرطة القضائية و أعوانهم، و بعض الموظفين المنوطة بهم بعض مهام الشرطة القضائية و يقوم بمهمة الضبط القضائي أيضا الولاة الذين خول لهم المشرع بعض الصلاحيات في مجال الضبط القضائي بصفة استثنائية و في حالات خاصة فبالنسبة الضباط الشرطة القضائية و أعوانهم فقد تولى قانون الإجراءات الجزائية تعدادهم حصرا في المواد 15 و 19 منه، أما بالنسبة للموظفين و الأعوان المكلفين ببعض مهام الضبط القضائي فقد ذكر قانون الإجراءات الجزائية البعض منهم في نص المادة 21 و أشار إلى الآخرين بصفة إجمالية و بدون تحديد في المادة 27 منه و يمكن أن نذكر منهم أعوان الجمارك، مفتشو العمل، موظفو إدارة التجارة و قمع الغش... إلاّ أن هؤلاء الموظفون يباشرون فقط بعض أعمال الشرطة القضائية المحددة بتلك القوانين لهذا يصفهم بعض فقهاء القانون بذوي الاختصاص الخاص، بالمقارنة مع الاختصاص العام للشرطة القضائية في البحث و التحري عن الجرائم.
و في هذا الإطار منحهم المشرع صلاحيات واسعة تصل إلى حد المساس بحريات الأشخاص و حرمة مساكنهم، و هي السلطات التي تعرف توسعا كبيرا في ظروف معينة كحالة التلبس، أو بالنسبة لطائفة من الجرائم كجرائم التهريب والمخذرات وهو ما يعد بحق مساسا بحقوق الإنسان وحرياته المكفولة دستوريا، مما فرض على المشرع الجزائي الإجرائي التدخل للتقييد من هذه السلطات بتقرير ضوابط قانونية يتوجب على ضابط الشرطة القضائية الخضوع لها أثناء ممارسة صلاحياته.
وفي نفس الإطار فإن المشرع منح لوكيل الجمهورية سلطة إدارة الضبطية القضائية، و للنائب العام سلطة الإشراف عليها، و لغرفة الإتهام سلطة المراقبة، بل إن المشرع تجاوز ذلك إلى حد ترتيب المسؤولية على تجاوز عنصر الضبطية القضائية صلاحياته و مساسه بالحقوق و الحريات سواء منها المدنية أو التأديبية أو الجزائية، إضافة إلى الجزاءات الإجرائية المتمثلة في إبطال المحاضر و الأعمال التي يقومون بها متجاوزين بذلك الضوابط القانونية لها، و بالنظر إلى ذلك تبرز الأهمية البالغة لموضوع هذه الدراسة سواء من الناحية النظرية أو العملية، فمن الناحية النظرية يمثل هذا الموضوع إحدى المسائل المتعلقة بالحقوق و الحريات باعتبارها ذات أولوية لدولة القانون سواء على المستوى الداخلي أو الدولي، كما أنه يتعلق من جهة أخرى بفكرة الفعالية اللازمة لعمل الضبطية القضائية باعتبارها المتدخل الأول في مكافحة الجريمة.
و من الناحية العملية فإن وسائل الإعلام تكشف يوميا عن انتهاكات خطيرة للحقوق و الحريات ترتكبها الضبطية القضائية.
و تماشيا مع تلك الأهمية فإن معالجة هذا الموضوع تتم من خلال إشكالية أساسية تتمثل في مدى كفالة المشرع في الموازنة بين ما منحه للضبطية القضائية من سلطات و بين ما أضفى عليها من قيود و ضوابط حامية للحقوق و الحريات و تكريس مبدأ الشرعية الإجرائية، و بصيغة أخرى نقول أنه و بالنظر إلى ما منحه المشرع من سلطات للضبطية القضائية، ما هي الضمانات التي قررها لحماية الأشخاص من التعسف في استعمال تلك السلطات؟ و بالتالي ماهي آليات الرقابة على أعمال الضبطية القضائية و ما هي الجزاءات المترتبة عن عدم شرعية أعمالها؟
و للإجابة عن هذه الإشكالية إرتأينا اعتماد منهجية نمزج من خلالها بين التحليل و المقارنة، التحليل القانوني للنصوص، و المقارنة بما عليه الوضع في التطبيق القضائي من خلال الرجوع إلى قرارات المحكمة العليا لمعرفة مدى استجابة القضاء للرقابة التي كرسها المشرع على أعمال الضبطية القضائية و الضمانات التي أولاها لحماية الحقوق و الحريات مركزين في ذلك على فئة الشرطة القضائية باعتبارها ذات الإختصاص العام مشيرين بين الحين و الآخر إلى باقي الفئات .
و تطبيقا لذلك اعتمدنا الخطة التالية:
الفصل الأول يتعلق بآليات الرقابة على أعمال الضبطية القضائية و ذلك في مبحثين، نتناول في أولهما الضوابط القانونية لصلاحيات الضبطية القضائية، و في ثانيهما نتناول الهيآت المخول لها سلطة الرقابة على أعمال الضبطية القضائية.
و أما الفصل الثاني فيتعلق بالجزاءات المترتبة عن عدم شرعية أعمال الضبطية القضائية و ذلك في مبحثين، نتناول في الأول الجزاءات الشخصية و المتمثلة في المسؤولية التأديبية و المدنية منها و الجزائية، و في الثاني نتناول الجزاء الإجرائي و المتمثل في بطلان و المحاضر و الأعمال متى كانت غير شرعية و ذلك بقليل من التفصيل.
الفصـل الأول
آليات الرقابة على أعمال الضبطية القضائية
إن سلطة القضاء و توقيع العقاب من الوظائف الأولى و الأساسية للدولة، و إن كانت هناك خصوصيات قد يتميز بها نظام عن آخر، فإن القاسم المشترك بينهما هو ضمان ردّ فعـال و سريع و ردعي في مواجهة الأفعال التي تهدد الكيان الاجتماعي، و على هذا الأساس أنيط بالضبطية القضائية سلطات واسعة فى مواجهة الجريمة، كإيقاف الأشخاص المشتبه فيهم، و تفتيش المساكن، و حجز الأشياء.
و لما كانت هذه الصلاحيات المخولة للضبطية القضائية تمس بالحقوق و الحريات الأساسية للإفراد فإن دساتير و قوانين معظم الـدول و منها الجـزائر، وضعت آليات قانونية، و قضائية لحمايتها، تكريسا منـها لدولة القانون.
وتتمثل هذه الآليات في الضوابط القانونية المكرسة في قانون الإجراءات الجزائية التي تعتبر بمثابة الشرعية الإجرائية التي تستمد منها الضبطية القضائية صلاحياتها، و سعيا منه إلى خلق موازنة بين قمع الجريمة و حماية الأشخاص و الممتلكات من جهة، و الحفاظ على الحقوق و الحريات من جهة أخرى، جعل القانون ممارسة هذه الصلاحيات تحت سلطة القضاء.
فما هي هذه الضوابط القانونية، و كيف تمارس الرقابة عليها، و من هي الجهات القضائية المخول لها سلطة الرقابة على مدى شرعية الأعمال التي تقوم بها الضبطية القضائية؟.
هذا ما سنحاول التعرض إليه بقليل من التفصيل من خلال المبحثين التاليين.
المبحث الأول
الضوابط القانونية للصلاحيات المنوطة بالضبطية القضائية
إن المهام التي ينفذها عناصر الضبطية القضائية من التحري عن الجرائم و البحث عن مرتكبيها نضمها قانون الإجراءات الجزائية من خلال أعمال البحث و التحري عن المشتبه فيهم، و تفتيشهم، و استيقافهم، و القبض عليهم، و هذه الأعمال تنطوي على قدر من المساس بحرية الأشخاص و حقوقهم، لذلك ضبطت من طرف المشرع الجزائري وفقا لحدود الشرعية الإجرائية طبقا لقانون الإجراءات الجزائية و قوانين أخرى خاصة.
و لقد وضعت هذه الضوابط كضمان للأشخاص عامة و للمشتبه فيهم خاصة حتى لا تنتهك حقوقهم و لا يتم المساس بها إلا بالقدر اللازم الذي تتطلبه مصلحة المجتمع في مكافحة الإجرام و المحافظة على النظام العام1، فماهي أهم هذه الصلاحيات و كيف تم ظبطها من طرف المشرع الجزائري؟.
سنحاول الإجابة على هذه التساؤلات من خلال المطالب التالية.
المطلب الأول: الضوابط القانونية لصلاحية التوقيف للنظر
التوفيق للنظر (La gardé a Vue)، أو كما كان يطلق عليه في قانون الإجراءات الجزائية قبل تعديله بقانون 01-08 المؤرخ في 26 جوان 2001 الحجز تحت النظر، يعرفه الفقه العربي بالتحفظ على الأفراد، و هو إجراء بوليسي سالب للحرية الفردية، يأمر به ضابط الشـرطة القضائية بوضع المشتبه فيه في مركز الشرطة، أو الدرك لمـدة زمنية محددة.
و يبدو سلب الحرية فيه في عدم ترك الفرد حرا في غدوه و رواحه2، و يعرف الأستاذ عبد العزيز سعد إجراء التوقيف للنظر مسميا إياه بالاحتجاز كما يلي « الاحتجاز عبارة عن حجز شخص ما تحت المراقبة و وضعه تحت تصرف الضبطية القضائية لمدة 48 ساعة على الأكثر بقصد منعه من الفرار، أو طمس معالم الجريمة، أو غيرها ريثما تتم عملية التحقيق و جمع الأدلة تمهيدا لتقديمه عند اللزوم إلى سلطات التحقيق و منه فالتوقيف للنظر إجراء قانوني يقوم به ضابط الشرطة القضائية لضرورة التحريات الأولية، أو في الأحوال التي حددها القانون بموجبه يوضع المشتبه فيه تحت تصرف مصالح الشرطة القضائية في مكان معين و طبقا لشكليات و لمدة زمنية يحددها القانون »3.
1- أنظر: عاطف النقيب: أصول المحاكمات الجزائية، دراسة مقارنة، طبعة 1993، ص632.
2- أنظر: عبد الله أوهابية: ضمانات الحرية الشخصية أثناء مرحلة البحث التمهيدي طبعة 2004، ص165.
3- أنظر: عبد العزيز سعد: مذكرات في قانون الإجراءات الجزائية، المؤسسة الوطنية للكتاب، طبعة 1991، ص42.
الفرع الأول: الشرعية الإجرائية للتوقيف للنظر
لقد خـول قانون الإجراءات الجزائية لضابط الشـرطة القضائية حـق توقيف أي شخص للنظر، و ذلك في حالات واردة في القانون على سبيل الحصر نوردها كالتالي:
1- حالة الجنايات أو الجنح المتلبس بها
استنادا إلى نص المادة 51 من قانون الإجراءات الجزائية المعدلة بموجب القانون 01-08 المؤرخ في 26 يوليو 2001 1، إذا رأى ضابط الشرطة القضائية لمقتضيات التحقيق أن يوقف للنظر شخصا أو أكثر ممن أشير إليهم في المادة 50 فعليه أن يطلع فورا وكيل الجمهورية و يقدم له تقريرا عن دواعي التوقيف للنظر، على ألاّ يتجاوز هذا التوقيف ثمانية و أربعين (48) ساعة غير أن الأشخاص الذين لا توجد أية دلائل تجعل ارتكابهم، أو محاولة ارتكابهم للجريمة مرجحا، لا يجـوز توقيفهم سوى المـدة اللازمة لأخـذ أقوالهم، و إذا قامت ضد شخص دلائل قويـة و متماسكة من شأنها التدليل على اتهامه، يتعين على ضابط الشرطة القضائية أن يقتاده إلى وكيل الجمهورية دون أن يوقفه للنظر أكثر من ثمانية و أربعين ساعة، من خلال هذا النص يتضح أنه في حالة ارتكاب جناية، أو جنحة متلبس بها فإن ضابط الشرطة القضائية يمكنه عند تنقله لإجراء المعاينة، أو في حالة وجوده في مكان الجريمة أن يوقف للنظر كل شخص و منعه من الابتعاد، ريثما ينتهي من التحريات.
كما يمكنه استيقاف أي شخص يرى ضرورة التحقق من هويته، و هذا ما تنص عليه المادة 50 من قانون الإجراءات الجزائية التي تحيل إليها الفقرة الأولى من المادة 51 مـن نفس القانون فهؤلاء الأشخاص يمكن أن يفيـدوا التحقيق بتوقيفهم للنظر، و هـو الإجـراء الذي تبرره مقتضيات و ضرورة إجراء التحريات و الكشف عن ملابسات الجريمة.
أمـا السبب الثاني الذي أشارت إليه الفقـرة 3 من المادة 51، فيتمثل في توفـر دلائل قـوية و متماسكة، و يقصد بالدلائـل هنا(Indices) علامـات و وقائع ثابتة و معلومة، تسمح باستنتاج وقائع مجهولة و مثالها حيازة سلاح الجريمة، أو وجود جروح على جسـم الشخص و تسمى أيضا القـرائن التكميلية (Présomptions complémentaires)، و هذه الدلائل يجب أن تكـون متناسقة و متماسكة وإلا فقدت قيمتها و يرجع تقدير ذلك لضابط الشرطة القضائية تحت رقابة السلطة القضائية2.
1- عُدلت المادة 51 أكثر من مرة آخرها التعديل بالقانون 01-08 المؤرخ في 26 يوليو 2001، كانت هذه المادة قبـل تعديل سنـة
1982 لا تنص على وجوب إبلاغ وكيل الجمهورية ببدء التوقيف تحت النظر، و هو شرط مستحدث بالقانون 82-03 المؤرخ في
13 فبراير 1982، هذا بالإضافة إلى الفقرة المضافة بالقانون 01-08 و تحمل رقم 03 التي نتص « غير أن الأشخاص الذين لا
توجد أية دلائل تجعل ارتكابهم، أو محاولة ارتكابهم للجريمة مرجحا، لا يجوز توقيفهم سوى المدة اللازمة لأخذ أقوالهم ».
2- أنظر: أحمد غاي: ضمانات المشتبه فيه أثناء مرحلة التحريات الأولية، دار هومة للطباعة، و النشر، و التوزيع، ص61.
2- حالة التحقيق الابتدائي (التحريات الأولية)
لقد نظم المشرع التوقيف للنظر في حالة أخرى و هي حالة التحريات العادية، أو الأولية، أي تنفيذ إجراءات التحري في غير حالة التلبس، و ذلك بموجب المادة 65 من قانون الإجراءات الجزائية التي تنص على أنه « إذا دعت مقتضيات التحقيق الابتدائي1، ضابط الشرطة القضائية إلى أن يوقف للنظر شخصا مدة تزيد عن 48 ساعة، فإنه يتعين عليه أن يقدم ذلك الشخص قبل انقضاء هذا الأجل إلى وكيل الجمهورية...».
و مفـاد ذلك أن ضابط الشرطة القضائية يمكنه عنـد قيامه بالتحريات الأولية أن يتخذ إجراء التوقيف للنظر ضـد أي شخص شـرط أن يكون ذلك ضروريا و مفيدا لمجـرى تحرياته الأولية و تقدير ذلك يعود له تحت الرقابة القضائية.
3- في حالة تنفيذ الإنابات القضائية
إن المادة 141 من قانون إجراءات الجزائية تنص على صلاحية، أو سلطة ضابط الشرطة القضائية أثناء تنفيذه للإنابة القضائية في التوقيف للنظر لمدة (48) ساعة، يجوز تمديدها بإذن كتابي من قاضي التحقيق بعد سماع المتهم المقدم له، هذا مع إمكانية التمديد بصفة استثنائية دون تقديمه إلى قاضي التحقيق، حيث تنص المادة إذا اقتضت الضرورة لتنفيذ الإنابة القضائية أن يلجأ ضابط الشرطة القضائية لتوقيف شخص للنظـر فعليه حتمـا تقديمه خلال ثمانية و أربعين (48) ساعة إلى قاضي التحقيق في الدائـرة التي يجري فيها تنفيـذ الإنابة، و بعد سماع قاضي التحقيق إلى أقوال الشخص المقدم له يجوز له الموافقة على منح إذن كتابي يمدد توقيفه للنظر مدة ثمانية و أربعين (48) ساعة أخرى، و يجوز بصفة استثنائية إصدار هذا الإذن بقرار مسبق دون أن يُقتاد الشخص أمام قاضي التحقيق.
1-هذه المادة معدلة بالقانون01-08 المؤرخ في 26 يوليو 2001، إلا أننا نلاحظ أن المشرع لم يعدل من مصطلح التحقيق الابتدائي لأنه مصطلح استعمل في غير محله بدليل النص باللغة الفرنسية يستعمل مصطلح آخر،Enquête préliminaire، بالإضافة إلى أصل المادة السابقة في القانون الفرنسي و هي المادة 77 تستعمل المصطلح الأخير، Enquête préliminaire بمعنى التحريات الأولية و هو ما استقر عليه الفقه و القضاء ذلك أن التحقيق الابتدائي هو عمل قضائي يقوم به قاضي التحقيق و يطلق عليه Instruction.
الفرع الثاني: إجراءات و شروط تنفيذ التوقيف للنظر
إن تحديد و شرح الإجراءات التي ينبغي على ضابط الشرطة القضائية أن يراعيها بالنسبة للتوقيف للنظر و تقيُّده بها الغرض منها الوقاية من أي شكل من أشكال التعسف، أو الإخلال بحقوق و حريات المشتبه فيهم، و من شأنها أن تجعل عمله مندرجا في إطار الشرعية الإجرائية و ذلك ضمانا لفعالية التحريات و جعل الإجراءات المنفّذة خلال هذه المرحلة بمنأى عن البطلان، و نحاول تلخيص أهم هذه الشروط و الإجراءات في النقاط التالية:
1- مدة التوقيف للنظر
لقد حدد المشرع الجزائري المدة المقررة للتوقيف للنظر بدقة و لم يترك فيها مجالا للسلطة التقديرية لضابط الشرطة القضائية، و إضفاء صفة عدم المشروعية على كل توقيف تتجاوز مدته المـدة المقررة قانونا، فيجرمه باعتباره حبسا تعسفيا، و قد حددها القانون في المـادة 48 من الدستور بثمانية و أربعين (48) ساعة1، و نصت عليها كل من المواد 51، 65، 141 من قانون الإجراءات الجزائية.
و عند انتهاء هذه المدة عليه فورا إما إطلاق صراح الموقوف و إما أن يقتاد إلى وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق بحسب الحالة.
2- تمديد مدة التوقيف للنظر
لا يجوز لضابط الشرطة القضائية أن يمدد فترة توقيف شخص تحت النظر، لأن القاعدة تقضي بعدم جواز تمديده طبقا لحكم الفقرة 2 من المادة 51 من قانون الإجراءات الجزائية إلا أن هذا القانون وضع استثناءا على هذه القاعدة بجواز تمديده، و هو تطبيقا لحكم الفقرة 3 من المادة 48 من دستور 1996 و التي جاء فيها « لا يمكن تمديد مدة التوقيف للنظر إلا استثناءا و وفقا للشروط المحددة بالقانون ».
فما هي هـذه الحالات الاستثنائية، و ما هي الشروط المحددة لها؟.
أ- تمدد فترة التوقيف تحت النظر في حالة الجرائم ضد أمن الدولة سـواء كانت جنايات، أو جنح و ذلك لمدة ثمان و أربعين (48) ساعة أخرى فقط، و هذا ما نصت عليه كل من الموا51، و65 من قانون الإجراءات الجزائية « تضاعف جميع الآجال المنصوص عليها في هذه المواد - ثمان و أربعين (48) ساعة- إذا تعلق الأمر بجنايات، أو جنح ضد أمن الدولة2 ».
1- تضمّن دستور 1996 في مادته 48 القيود الواردة على سلطة التوقيف للنظر فتنص المادة « يخضع التوقيف للنظر
في مجال التحريات الجزائية للرقابة القضائية و لا يمكن أن يتجاوز مدة ثمان و أربعون (48) ساعة ».
2- و حسب رأى الدكتور عبد الله أوهابية أن القانون في هذه الحالة لا يقرر التمديد، و إنما يقرر قاعدة عامة بالنسبة لمدة
التوقيف للنظر بشأنها و هي مضاعفة المدة المقررة له-للتوقيف للنظر- متى تعلق الأمر بجرائم ماسة بأمن الدولة.
ب- في الحالة المتعلقة بالجرائم الموصوفة بأفعال إرهابية أو تخريبية يسمح القانون بتمديدها دون أن تتجاوز مدة أقصاها إثنى عشر يوما، طبقا للمواد51، 65 من قانون الإجراءات الجزائية، و ذلك بموجب إذن مكتوب من وكيل الجمهورية الذي يأذن و يصرح بتمديد مدة التوقيف للنظر.
يتعين عليه أن يقدم ذلك الشخص أولا إلى وكيل الجمهورية قبل إنقضاء مدة ثمان و أربعين ساعة(48) منذ توقيفه، و يطلب الإذن بالتمديد من وكيل الجمهورية، و في هذه الحالة يجوز لوكيل الجمهورية بعد استجواب المشتبه فيه أن يأذن بموجب إذن كتابي بتمديد مدة التوقيف إلى مدة لا تتجاوز ثمان و أربعين ساعة(48) أخرى و ذلك بعد فحص الملف و له السلطة التقديرية في ذلك.
و يجوز بصفة استثنائية منح الإذن بقرار مسبب دون تقديم الشخص الموقوف إلى وكيل الجمهورية، و نجد نفس الشروط نصت عليها المادة 141 من قانون الإجراءات الجزائية في حالة تنفيذ الإنابة القضائية إلا أن في هذه الحالة قاضي التحقيق المختص هو من يعود له صلاحيات إصدار الإذن بالتمديد.
الفرع الثالث: القيود التي تنظم صلاحية التوقيف للنظر
نظم المشرع الجزائري القيود التي ترد على إجراء التوقيف للنظر في مجموعة من الشروط ضمانا منه لمبدأ الشرعية الإجرائية نوجزها في النقاط التالية:
1- إطـلاع النيابـة
على ضابط الشرطة القضائية إطلاع وكيل الجمهورية فورا بكل توقيف للنظر و يقدم له تقريرا يبين فيه دواعي التوقيف للنظر طبقا لنص المادة 51 قانون إجراءات جزائية «....فعليه أن يطلع وكيل الجمهورية و يقدم له دواعي التوقيف للنظر».
2- تحرير محضر لكل توقيف للنظر
يجب على ضابط الشرطة القضائية تحرير محضر توقيف للنظر يحدد فيه أسباب التوقيف و مدته يوم و ساعة بدايته ويوم وساعة إطلاق، أو أخلاء سبيل الموقوف للنظر، أو تقديمه للجهة القضائية المختصة و كيل الجمهورية، أو قاضي التحقيق لأنهما الجهتان المختصتان بتقديم الموقوف للنظر إليهما و يحدد فيه فترات سماع أقوال الموقوف للنظر، و فترات الراحة التي تخللت فترة توقيفه، و يضمن للموقوف للنظر الحقوق المقررة له طبقا للمادتين 51 مكرر1، و 52 من القانون المذكور أعلاه و يحتوي المحضر على الحقوق التالية:
أ- بأن الضابط أخطر الموقوف للنظر بحقوقه المقررة قانونا و يشير إلى ذلك في المحضر.
ب- أن الضابط وضع تحت تصرف الموقوف للنظـر كل وسيلة تمكنه من الإتصال بأسرته فـورا و زيارتها له، و حقه في الفحص الطبي إذا رغب هو شخصيا في ذلك أو بطلب من أحد أفراد عائلته أو محاميه و يكون الفحص من طرف الطبيب الذي يختاره الموقوف، أو بناء على تسخير من ضابط الشرطة القضائية أو وكيل الجمهورية، مع وجوب أن يوقع الموقوف للنظر على هامش محضر توقيفه و في حالة الرفض يؤشر الضابط على المحضر امتناعه عن التوقيع.
3- إمساك دفتر خاص في كل مركز
يجب أن يؤسس في كل مركز للشرطة، أو الدرك الوطني سجل خاص ترقم صفحاته و تختم و يوقع عليه وكيل الجمهورية دوريا، و يلتزم ضباط الشرطة القضائية بتقديم هذا السجل للسلطة المختصة بالرقابة على عمله من نيابة و قاضي التحقيق، غرفة الاتهام و رؤسائه المباشرين.
المطلب الثاني: الضوابط القانونية لصلاحية التفتيش
التفتيش هو البحث عن عناصر الحقيقة في مستودع السر كما عرفه الدكتور محمود محمود مصطفى1، و هذا التعريف يشمل تفتيش المساكن أو تفتيش الأشخاص، أو تفتيش متاعه و الغرض من وضع القواعد القانونية و التنظيمية المتعلقة بالتفتيش هو حماية مستودع السر للأفراد حتى لا تنتهك حرمة حياتهم الخاصة.
و تفتيش المساكن في الإطار القانوني، و حرمة المسكن، و عدم انتهاكها من الحقوق التي نصت مواثيق حقوق الإنسان و الدساتير و كذا التشريعات على حمايتها إن التفتيش كأصل هو من أعمال التحقيق القضائي، لا يؤمر به إلا من طرف السلطة المختصة بالتحقيق، و يقوم بتنفيذه ضابط الشرطة القضائية استثناءا في الحالات التي يحددها القانون، و طبق للأشكال، و الإجراءات، و الأسباب التي يقررها و ذلك تحت إشراف و رقابة السلطة القضائية، و عليه فرغم أن المشرع أناط صلاحية تفتيش المساكن لضابط الشرطة القضائية، إلا انه وضع لها ضوابط و قواعد قانونية، لا يجوز تجاوزها أو خرقها، تضبط حالات التفتيش، و شروطه القانونية، و كل مخالفة لها تعرض القائم بها إلى المسائلة الجزائية و التأديبية إلى جانب بطلان الإجراء و عليه سنتعرض لهذه الضوابط من خلال هذه النقاط:
1- أنظر: محمود محمود مصطفى: شرح قانون الإجراءات الجزائية، دار النهضة القاهرة، طبعة 12، ص 140.
الفرع الأول: الحالات القانونية للتفتيش
حرصا منه على صيانة حرمة المساكن حصر المشرع الجزائري الحالات التي يجوز فيها لضباط الشرطة القضائية الدخول إلى مساكن الأشخاص و تفتيشها، فما هي هذه الحالات؟.
1- حالة التلبس
تنص على هذه الحالة المادة 44 من قانون الإجراءات الجزائية «لا يجوز لضابط الشرطة القضائية الانتقال إلى مساكن الأشخاص الذين يظهر أنهم ساهموا في الجناية أو أنهم يحزون أوراقا أو أشياء متعلقة بالأفعال الجنائية المرتكبة لإجراء التفتيش إلا بإذن مكتوب صادر من وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق مع وجوب الاستظهار بهذا الأمر قبل الدخـول إلى المنزل و الشروع في التفتيش»1.
و من خلال المادة 44 قانون الإجراءات الجزائية نلاحظ حصر القيود و الضوابط التي يجب أن يلتزم بها ضابط الشرطة القضائية عند تفتيشه لمنزل المشتبه فيه و تتمثل هذه القيود في:
- أن يكون قد ارتكب جناية، أو جنحة في حالة تلبس.
- أن يكون صاحب المسكن محل التفتيش ممن ارتكبوا، أو ساهموا في ارتكاب الجريمة، أو ممن
تظهر عليهم أمارات تدل على أنه يحوزون أشياء، أو أوراق لها علاقة بالجناية.
- يجب أن يتم التفتيش بموجب إذن مكتوب من وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق و ذلك لاعتبارين
اثنين أولهما أن التفتيش من اختصاص السلطة القضائية و هو أصلا من أعمال التحقيق القضائـي
و خـوله المشرع استثناء لضابط الشرطة القضائية لمقتضيات القـيام بالتحريات الأولية، و ثانيها
أن حماية الحقوق و الحريات العامة للأفراد من اختصاص السلطة القضائية فيجب أن يتم التفتيش
تحت رقابتها.
-إلزامية الاستظهار بالإذن المكتوب قبل الدخول إلى المسكن و مباشرة التفتيش.
1- الصياغة الجديدة التي وضعها المشرع بموجب القانون رقم 82-03 المؤرخ في 13 فبراير 1982 و قد كانت الصياغة القديمة لهذه المادة " يجوز لمأمور الضبط القضائي لانتقال إلى مساكن الأشخاص الذين قد يكونوا ساهموا في الجناية أو يحوزون أوراق أو أشياء متعلقة بالأفعال الجناية و يجري تفتيشا و يحرر عنه محضرا، و بما أن هذه المادة غير دستورية لكونها تتناقض مع نص المادة 50 من دستور 1976 التي نصها«تضمن الدولة حرمة المسكن لا يفتش إلا بمقتضى القانون و في حدوده، لا يفتش إلا بأمر مكتوب صادر عن السلطة القضائية المختصة». فجاء التعديل لتدارك القصور و التناقض بين التشريع و أحكام الدستور.
2 – حالة التحريات الأولية
بالرجوع إلى نص المادة 63 من قانون الإجراءات الجزائية نجدها تنص على قيام ضباط الشرطة القضائية بالتحقيقات الإبتدائية للجريمة بمجرد علمهم بوقوعها، إما بناء على تعليمات وكيل الجمهورية، و إما من تلقاء أنفسهم، و نصت المادة 64 منه على أنه لا يجوز تفتيش المساكن في هذه الحالة و معاينتها و ضبط الأشياء المثبتة، إلا برضاء صريح من الشخص الذي ستتخذ لديه هذه الإجراءات، و يجب أن يكون هذا الرضاء بتصريح مكتوب بخط صاحب الشأن، فإن كان لا يعرف الكتابة فبإمكانه الاستعانة بشخص يختاره بنفسه و يذكر ذلك في المحضر مع الإشارة صراحة إلى رضاه و تطبق فضلا عن ذلك أحكام المواد من 44 إلى 47 من نفس القانون.
3- حالات أخرى لتفتيش المساكن
هناك حالات أخرى لتفتيش المساكن خارج إطار التحريات الأولية يمكن لضابط الشرطة القضائية تنفيذها، و هي حالات نص عليها قانون الإجراءات الجزائية و نلخصها فيما يلي:
- تفتيش المنازل بموجب إنابة قضائية فضابط الشرطة القضائية الـذي يكون مفوضا من طـرف
قاضي التحقيق المختص يمكن أن يباشر التفتيش في جميع الأماكن.
- التفتيش في إطار مكافحة جرائم الإرهاب و التخريب ما عدا ما يتعلق منها بالمحافظة على السر
المهني.
الفرع الثاني: القيود الواردة على إجراء التفتيش
حرصا من المشرع على حماية المساكن لم يكتف بالنص على هذا الإجراء بل وضع جملة من الشروط و الضوابط التي يجب على ضابط الشرطة القضائية أن يلتزم بها تحت طائلة المتابعة الجزائية فالتقيد بهذه الشروط هو الذي يجعل الإجراء مشروعا و منتجا لآثاره القانونية و تسهر السلطة القضائية على مدى الإلتزام بذلك عن طريق الرقابة القضائية و ذلك بوجوب أن يتم التفتيش وفق الشروط التالية:
1- وجوب الحصول على إذن من السلطة القضائية المختصة طبقا لنص المادة 44 من قانون الإجراءات الجزائية و ذلك في كل الحالات السابق ذكرها، عكس ما هو معمول به في القانون الفرنسي1، إذ لا يشترط الإذن المسبق من السلطة القضائية المختصة في الجرائم المتلبس بها، لإجراء التفتيش حسب نص المادة 56 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي و هـو ما كـان
معمول به في الجزائر قبل التعديل رقم 82-03، الذي بموجبه أصبح الإذن شرطا في حالـة
« Si la monteur du crime est telle que la preuve en puisse être acquise par 1- تنص المادة 56
la saisie des papiers, documents, ou autres objets en la possession des personnes qui paraissent avoir participé au crime au détenir des pièces ou ces derniers pour y procéder à une perquisition dont il dresse procès verbal ».
التفتيش في الجرائم المتلبس بها، و هذا ما قضي به في فرنسا« إن إجراء التفتيش للمساكن في غير حالة التلبس لا يجوز إجراءه إلا بناء على إذن من السلطة القضائية »1.
2- أن يقوم بالتفتيش ضابط شرطة قضائية وفق ما تحدده المادة 15من نفس القانون، أو بحضـوره
و تحت إشرافـه فلا يجوز تكليف العون بالتفتيش بصفة منفردة و إلا وقع التفتيش باطـلا لعدم
الاختصاص.
3- أن يقع التفتيش في الميقات القانوني سواء في حالة التلبس، أو في حالة التحريات الأولية أو أثناء
تنفيذ إنابة قضائية فالضابط القانوني لميقات التفتيش هو أنه لا يجوز البدء في التفتيش قبل الساعـة
الخامسة صباحا و لا بعد الساعة الثامنة مساءا طبقا لنص المادة 47 من قانون الإجراءات الجزائية.
4- إلزام الاستظهار بالأمر المكتوب الذي يعيّن المسكن الواجب تفتيشه و يكون هذا الإذن ممهـورا
و مؤرخا من طرف السلطة التي أصدرته قبل الشروع في مباشرة عملية التفتيش طبقا لنص المادة
44 من قانون الإجراءات الجزائية.
5- يجب أن يتم التفتيش بحضور المشتبه فيه و إذا تعذر عليه الحضور فإن ضابط الشرطة ملـزم
بأن يكلفه بتعيين ممثل له ،و إذا أمتنع أو كان هاربا استدعى ضابط الشرطة القضائية لحضور عملية التفتيش شاهدين من غير الموظفين الخاضعين لسلطته، و ذلك طبقا لنص المـادة 45 مـن نفس القانـون أعلاه، و يتم تسخير الشاهدين بواسطة محضر يوقعانه مع الضابط2.
و تظبط الأشياء و الأوراق التي يعثر عليها جرّاء عملية التفتيش و التي تكون مفيدة لإظهار الحقيقة، أو التي يمكن أن تشكل دلائل مادية في القضية كما يقوم ضابط الشرطة القضائية بجرد كل الملاحظات و يرقمها و يضعها في أحراز مختومة بعد تقديمها للمشتبه فيه، أو الشهود للتعرف عليها، و ترسل مرفقة بالمحضر إلى النيابة العامة.
غير أنه إذا تم التفتيش في مسكن يشغله شخص ملزم بكتمان السر المهني كالطبيب، أو المحامي فعلى ضابط الشرطة القضائية أن يتخذ جميع الاحتياطيات اللازمة للحيلولة دون إفشاء المعلومات التي يطلع عليها أثناء عملية التفتيش.
« Hors le cas de flagrant délit les officiers de police judiciaire ne peuvent procéder à1- une perquisition où à une arrestation sans mandat du juge d’instruction ».
* Cri 9 jan 1953, Bull – Crim n° 242 cité par P chambre – le juge d’instruction, P, 150.
2- غير أن القانون وضع استثناءا على هذه القاعدة و التي وردت في المادة 45 فقرة 03 و هو خروج عن قاعدة حضور صاحب المنزل، أو من ينوبه، أو شاهدان، و هي إذا تعلق الأمر بجرائم موصوفة بأفعال إرهابية، أو تخريبية، و بصفة عامة فإنه في هذه الحالات فقط يجوز الخروج عن القواعد و الضوابط المقررة للتفتيش، و هذا حرصا من المشرع على حماية السكينة و الأمن العام و حريات الأفراد، و ذلك باستثناء ما تعلق منها بالسّر المهني.
و يتعين هنا على الضابط أن يكون مرفوقا بمسؤولي النقابة لهذه الفئة المعنية عند إجراء التفتيش في هذه الأماكن1.
أما بالنسبة للتفتيش الذي يجريه ضابط الشرطة القضائية خارج حالات التلبس فقد أوجب القانون إلى جانب الضوابط القانونية المذكورة أعلاه أن يتم التفتيش في هذه الحالة بموجب رضا صريح و مكتوب بخط يد الشخص الذي يتم تفتيش منزله، فإذا كان لا يعرف الكتابة فبإمكانه الاستعانة بشخص يختاره بنفسه و يذكر ذلك في المحضر و الإشارة صراحة إلى رضاه، و ذلك طبقا لنص المادة 64 من قانون الإجراءات الجزائية.
الفرع الثالث: حالات الخروج عن الميقات القانوني
يجيز القانون لضابط الشرطة القضائية الخروج عن القاعدة العامة المتعلقة بميقات إجراء التفتيش الواردة في نص المادة 47 من قانون الإجراءات الجزائية بين الساعة الخامسة صباحا و الساعة الثامنة مساءا و ذلك في الحالات التالية:
1- طلب صاحب المسكن أو في حالة الضرورة
بالرجوع إلى نص المادة 47 من نفس القانون نجد أن المشرع نص صراحة على جواز الخروج عن قاعدة الميقات القانوني المقرر لإجراء التفتيش سواء في مساكن المشتبه في مساهمتهم في ارتكاب الجريمة، أو الذين يحوزون أوراقا، أو أشياء لها علاقة بالجريمة و يتقرر هذا الاستثناء متى طلب صاحب المنزل الدخول برضاه إلى مسكنه و تفتيشه، أو في حالة الضرورة و هي الحالة التي نجدها في نص المادة 47 فقرة 2 من قانون الجمارك إثر متابعة البضائع محل الغش على مرأى العين أو في حالة بداية التفتيش في أواخر النهار. وذلك بمناسبة التفتيش الذي يجريه اعوان الجمارك .
2- تفتيش الفنادق و المساكن المفروشة
يجيز القانون لضابط الشرطة القضائية، طبقا لنص المادة 47 فقرة 02 من قانون الإجراءات الجزائية الدخول في أي ساعة من ساعات الليل أو النهار إلى الفنادق، و المساكن المفروشة، و المحلات و ما إليها من الأماكن المفتوحة للعامة، و تفتيشها، و ضبط الأشياء إذا تعلق الأمر بجرائم المخدرات و الدعارة المعاقب عليها بالمواد 342 و ما يليها من قانون العقوبات.
1- أنظر: عبد الله أوهايبية: شرح قانون الإجراءات الجزائية الجزائري، دار هومة للطباعة و النشر، ص
3- بمناسبة الجرائم الإرهابية و التخريبية
و طبقا للفقرة الثالثة من المادة 47 من قانون الإجراءات الجزائية التي أضيفت بموجب الأمر 95/10 المؤرخ في 25 فبراير1995 1، فإنه عندما يتعلق الأمر بجرائم موصوفة أفعال إرهابية، أو تخريبية يمكن لقاضي التحقيق أن يقوم بأية عملية تفتيش أو حجز، ليلا أو نهارا، و في أي مكان على إمتداد التراب الوطني أو يأمر ضباط الشرطة القضائية بذلك.
ملاحظة
و هي نفس الضوابط التي قيد بها المشرع حرصا منه دائما على رقابة أعمال الضبطية القضائية و وضعها في إطار قانوني محدد نظرا لتعلقها بالنظام العام و مساسها بالحريات الفردية ، إجراءات التفتيش في بعض القوانين الخاصة و التي تمنح لموظيفيها و أعوانها بعض مهام الضبطية القضائية فنجد أن نص المادة 47 من قانون الجمارك تحصر الحالات التي يجيز فيها لأعوان الجمارك تفتيش المساكن و معاينة الجريمة الجمركية، و هي نفس الشروط العامة للتفتيش، زيادة على وجوب حضور ضابط الشرطة القضائية هذه العملية و إلا اعتبر هذا المحضر باطلا إلا استثناءا في حالة متابعة الجريمة على مرأى العين، أو في حالة الجرائم الواقعة في النطاق الجمركي ، و هي نفس الشروط التي قيد بها المشرع إجراء التفتيش الذي يجريه الموظفون، و الأعوان المختصون في الغابات طبقا لنص المادتين 21، 22 من قانون الإجراءات الجزائية إلا الاستثناء الأخير فهو غير معني بهم .
1- و هي الجرائم المضافة لقانون العقوبات بموجب الأمر 95/10 المؤرخ في 25 فيفري 1995، الذي أضيفت بموجبه المواد 87 مكرر إلى 87 مكرر9 تحت عنوان الجرائم الموصوفة بأفعال إرهابية أو تخريبية.
المطلب الثالث: الضوابط القانونية لصلاحية تنفيذ القبض
إذا كان المشرع الجزائري قد وسع من الصلاحيات المنوطة بعناصر الضبطية القضائية من حيث التوقيف للنظر، و التفتيش إلا أنه كما رأينا قيد الحد من استعمالها، إلا فيما يخوله القانون، و إلا تعرض المسؤول عن ذلك إلى المساءلة الجزائية.
هذا، و إلى جانب هذه الصلاحيات الخطيرة التي يتمتع بها عناصر الضبطية القضائية، هناك صلاحية أخرى تمس بالحقوق و الحريات الفردية و هي صلاحية القبض على المشتبه فيهم، و هذا ما سنتناوله في الفروع التالية.
الفرع الأول: تعريف القبض
إن الضوابط و القواعد التي يقررها القانون لأعمال الضبطية القضائية و خاصة القبض تجد مبررها الشرعي في الحماية القانونية التي أقرتها مواثيق حقوق الإنسان و دساتير الدول الحديثة1، لحرية تنقل الأشخاص حيث تنص المادة 47 من الدستور على عدم متابعة أي شخص أو القبض عليه إلا في الحالات التي ينص عليها القانون، ذلك أنّ القبض إجراء خطير يمس بحرية الشخص، لذلك يجب أن يقتصر على الحالات التي يحددها القانون ،و ينفذه موظفون منحهم القانون اختصاصا بذلك طبق للإجراءات و الشكليات التي يرسمها، و هذه النقاط هي التي تولي القانون ضبطها و تحديدها و هي مظهر من مظاهر الرقابة القانونية على شرعية الأعمال التي تقوم بها الضبطية القضائية.
و لم يعرف المشرع الجزائري القبض، و كل ما ورد بشأنه هو تعريف الأمر بالقبض الصادر عن السلطات القضائية، و المنفذ من قبل الشرطة القضائية طبقا لنص المادة 119 من قانون الإجراءات الجزائية، و ما يستخلص من المـادة أنّ أمر القبض هو ذلك الأمر الصادر عن السلطة القضائية إلى القوة العمومية بالبحث عن المتهم، و سوقـه إلى المؤسسة العقابية، أو إلى وكيل الجمهورية حيث يتم تسليمه و حبسه.
إذا فالمشرع بين لنا من هو المختص بإصدار الأمر بالقبض، و كيف ينفذ، و من طرف من، و الإجراءات الواجب اتباعها بخصوصه.
1- محمود محمود مصطفى، شرح قانون الإجراءات الجزائية، المرجع السابق، ص217.
الفرع الثاني: الحالات القانونية لتنفيذ إجراء القبض
القبض هو إجراء من إجراءات التحقيق باعتباره يتضمن مساسا بحرية الأشخاص، و تقييد تلك الحرية هي من اختصاص الجهات القضائية، فالأمر بالقبض على شخص معين لا يصدر إلا عن السلطة القضائية، و ينفذ من قبل عناصر الضبطية القضائية، كما خول المشرع الجزائري طبقا لنص المادة 61 من قانون الإجراءات الجزائية لأي شخص أن يقبض في حالة الجناية، أو الجنحة المتلبس بها على الفاعل و يقتاده إلى أقرب ضابط شرطة قضائية.
و تتمثل الحالات التي يجوز فيها تنفيذ إجراء القبض على الأشخاص من طرف عناصر الضبطية القضائية في الحالات التالية:
1- تنفيذا لأمر قضائي:
سواء صدر هذا الأمر من طرف قاضي التحقيق استنادا إلى نص المادة 109 و ما يليها من قانون الإجراءات الجزائية التي جاء فيها « يجوز لقاضي التحقيق حسبما تقتضي الحالة أن يصدر أمرا بإحضار المتهم أو بإيداعه السجن أو إلقاء القبض عليه »، و المادة 116 منه « إذا رفض المتهم الامتثال لأمر الإحضار أو حاول الهرب بعد إقراره أنه مستعد للامتثال إليه تعين إحضاره جبرا عن طريق القوة »، و المادة 119 منه التي تنص « الأمر بالقبض هو ذلك الأمر الذي يصدر إلى القوة العمومية بالبحث عن المتهم و سوقه إلى المؤسسة العقابية المنوه عنها في الأمر حيث يجري تسليمه و حبسه »، و إذا كان المتهم هاربا، أو مقيما خارج إقليم الجمهورية فيجوز لقاضي التحقيق بعد استطلاع رأي وكيل الجمهورية أن يصدر ضده أمرا بالقبض إذا كان الفعل الإجرامي معاقبا عليه بعقوبة جنحة بالحبس، أو بعقوبة أشد جسامة و يبلغ أمر القبض، و ينفذ عن طريق القوة العمومية.
2- في حالة التلبس بجناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس:
و نلاحظ أنّ المشرع في المادة 61 من قانون إجراءات جزائية لم يشر صراحة إلى اختصاص ضابط الشرطة القضائية في القبض على المشتبه فيه على غرار المشرع المصري.
غير أن المادة 51 من القانون الذكور أعلاه خولت ضباط الشرطة القضائية توقيف المشتبه فيه للنظر لمدة لا تزيد عن 48 ساعة، و لا يُتصور من الناحية العملية تنفيذ هذا الإجراء إلا بالقبض على الشخص، و يقدر ضباط الشرطة القضائية في مجرى تحرياتهم الدلائل ،و العلامات التي تبرر القبض على الشخص و حجزه، و لقد عبر عنها المشرع واصفا إياها بالقوية و المتماسكة، و يبقى هذا التقدير من الوقائع التي تخضع للرقابة القضائية1.
1- أنظر: عبد الله أوهايبية: ضمانات المشتبه فيه أثناء مرحلة التحريات الأولية، ص 120.
Tribu. Gr, In. Marseille, 28 Janvier 1982, D 1983. IR. 402. OBS, JMK.-
و من ناحية أخرى فلقد إكتفى القضاء الفرنسي بتوافر ظروف و ملابسات ترجح قيام شخص للجريمة و تجعل إي فرد عادي يميل إلى الاعتقاد أن شخصا ما هو من ارتكب الجريمة، حتى و لو لم يشاهده و هو ينفذ أركانها المادية، و لو تبين لاحقا ألاّ علاقة له بها، فذلك يكفي مبررا للقبض عليه و اقتياده أمام أقرب ضابط للشرطة القضائية.
3- في إطار التحريات الأولية:
بموجب المادة 65 من قانون الإجراءات الجزائية، يجوز لضباط الشرطة القضائية إذا رأوا أنه من المفيد للتحقيق إيقاف شخص للنظر فإنه لا يتم ذلك إلا بعد القبض عليه أولا، و بعدها يتم إيقافه للنظر لمدة لا تزيد على 48 ساعة، و يُقدم ذلك الشخص قبل انقضاء هذه المدة إلى وكيل الجمهورية.
4- تنفيذا للإكراه البدني:
و يكون هذا إزاء الشخص الذي صدر ضده حكم كوسيلة للضغط عليه لإجباره على سداد ما عليه من مستحقات للدولة صدر بها حكم بات، و يجب في هذه الحالة مراعاة كل الإجراءات التي نصت عليها المواد 597 إلى 611 من قانون الإجراءات الجزائية، فإذا امتنع الشخص الذي صدر ضده إكراه بدني ممهور بخاتم النيابة التنفيذي عن سداد ما عليه، يلقى عليه القبض، و يقتاد إلى المؤسسة العقابية لتنفيذ عقوبة الحبس المنوه عن عدد أيامها في الإكراه البدني بموجب أمر من وكيل الجمهورية.
تلكم هي الحالات المنصوص عليها في القانون الجزائري، و التي تجيز لضابط الشرطة القضائية القبض على الأشخاص، و عليه يجب تلقينها لرجال الأمن قبل الشروع في ممارسة وظائفهم و تعليمهم الأساليب و الشكليات التي يجب إتباعها عند القبض على المشتبه فيهم، خاصة أن إجراء القبض خاضع للرقابة القضائية، فوكيل الجمهورية هو مدير الضبطية القضائية لذلك فـإن إبلاغه بارتكـاب الجريمـة
و القبض على المشتبه فيه يعد ضمانة لحرية الأفراد، إلى جانب أنّ الأمر بالقبض في كل الحالات ينفذ عن طريق النيابة و هي صاحبة الاختصاص في إعطاء الأوامر إلى القوة العمومية لتنفيذه إذا كان صادر عن طريق أوامر قضائية، و ذلك كله تحت مراقبتها و إشرافها، و هو ما يجعل المشرع الجزائري يجرم فعل القبض على أي شخص بدون أمر السلطة المختصة، و خارج الحالات لتي ينص عليها القانون، و ذلك طبقا لنص المادة 291 من قانون العقوبات، و هو ما سنتعرض له في الفصل الثاني من هذه المذكرة.
المبحث الثاني
الهيئات القضائية المخول لها سلطة الرقابة على أعمال الضبطية القضائية
نظرا لأن السلطة القضائية هي الحامية للحريات و الحقوق الفردية فإن ممارستها لوظيفة الرقابة على أعمال الضبطية القضائية من الضمانات الأساسية لتفادي أي انتهاك لمبدأ الشرعية الإجرائية، و تمارس هذه الرقابة في التشريع الجزائري من خلال إدارة وكيل الجمهورية، و إشراف النائب العام، و رقابة غرفة الاتهام طبقا لنص المادة 12 من قانون الإجراءات الجزائية.
و نظرا لأهمية هذا المبدأ، و أثره على ضمان و حماية حقوق المشتبه فيهم، و الحرص على أن تكون أعمال الضبطية القضائية شرعية و تنفذ طبقا للضوابط و الشكليات التي نص عليها القانون، سنتناوله بمزيد من التفصيل من خلال المطالب التالية:
المطلب الأول: وكيل الجمهورية كجهة إدارة
تحكم عناصر الضبطية القضائية علاقة التبعية بالجهات الإدارية التي ينتمون إليها و يعملون ضمن هياكلها و سلمها الإداري1، وتحكمهم خلال ممارسة وظيفة الضبط القضائي علاقة قانونية بالجهات القضائية طوال مدة ممارستهم هذه الوظيفة فهم يخضعون في ممارسة أعمالهم المقررة في قانون الإجراءات الجزائية، أو بمقتضى قوانين خاصة، إلى إدارة و توجيهات وكيل الجمهورية التابعين له من حيث دائرة الاختصاص، و يمارسون مهامهم باتصال دائم معهم بصفته مديرهم المباشر و ذلك طبقا لمقتضيات نص المادة 12 من قانون الإجراءات الجزائية.
و يتولى وكيل الجمهورية إدارة الضبط القضائي في عدة أوجه يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
1- يخضع عناصر الضبطية القضائية إلى تبعية مزدوجة إدارية لرؤسائهم الإداريين و تبعية وظيفية لجهاز النيابة العامة.
الفرع الأول: ضرورة إعلام وكيل الجمهورية بالتحريات و الشكاوى و البلاغات
إن عناصر الضبطية القضائية يجب عليهم أولا، إعلام وكيل الجمهورية بدون تمهل بكل الجرائم التي نقلت إلى علمهم عن طريق تحويل الشكاوى و البلاغات التي تلقوها، و كذا المحاضر التي حرروها1، و أي مخالفة لهذا الالتزام يعرض القائمين به إلى المتابعة من طرف وكيل الجمهورية بعد استطلاع رأي النائب العام2، كما أنه عليهم إبلاغه بما وصلت إليه تحرياتهم وذلك بإرفاق أصل المحاضر و نسخة منها مصادق عليها و كل الوثائق المرفقة و الأشياء المضبوطة، و يدعم هذا الالتزام ما جاء في نص المادة 18 من قانون الإجراءات الجزائية، و الهدف من إعلام وكيل الجمهورية هو السماح له بتوجيه تعليماته لهم في الوقت المناسب و كذا التوجيهات الضرورية للحد من الإجرام و تقدير النحو الذي يجب أن يتخذه كل ملف، و يعد كل خرق لهذا الالتزام مخالفة تعرض القائم به لمراقبة و مساءلة غرفة الاتهام3.
و في حالة الجريمة المتلبس بها، على ضباط الشرطة القضائية أن يخطروا وكيل الجمهورية على الفور، ثم الانتقال بدون تمهل إلى مكان ارتكابها لمعاينة الحادثة، و اتخاذ الإجراءات، و التدابير الواجب فعلها، كما أوردت المادة 62 من قانون الإجراءات الجزائية ضرورة أن يخطر ضباط الشرطة القضائية وكيل الجمهورية فورا عند علمهم بالعثور على جثة شخص و كان سبب الوفاة مجهولا، أو مشكوك فيه، و سواء كانت الوفاة نتيجة عنف، أو بدونه، و بعد إخطار وكيل الجمهورية، على ضباط الشرطة القضائية أن يتنقلوا بدون تمهل إلى مكان الحادث لمباشرة المعاينات الأولية.
و من هنا يتضح لنا بجلاء المواطن التي تستدعي ضرورة إخبار وكيل الجمهورية بكل ما يجري من تحريات، و منها ما تنص عليه المادة 40 مكرر1 المضافة بموجب تعديل قانون الإجراءات الجزائية رقم 04-14، المؤرخ في 10 نوفمبر 2004، إذ جاء فيها« يخبر ضباط الشرطة القضائية فورا وكيل الجمهورية لدى المحكمة الكائن بها مكان الجريمة، و يبلغونه بأصل و بنسختين من إجراءات التحقيق».
1- André VITU. Traité de droit criminel, tome 11. Procédure Pénal. Voiséme Roger MERLE:
édition, 1979, p. 304.
2- أنظر: تقرير بالمتابعة من طرف وكيل الجمهورية إلى النائب العام لدى محكمة تيزي وزو ضد ضابط الشرطة القضائية و المرفق بهذه المذكرة.
3- أنظر: قرار المحكمة العليا في 19/05/1970 مجموعة رجال القضاء، ص 119 عن أحمد شوقي الشلقاني المرجع السابق، ص 163.
إلى جانب ذلك فإنه، و في الحالات التي يُجيز فيها القانون لضباط الشرطة القضائية أن يباشروا مهمتهم على كافة تراب الجمهورية الجزائرية - في حالة الاستعجال -، أو في كافة دائرة اختصاص المجلس القضائي الملحقين به، يتعين عليهم أن يخبروا مسبقا وكيل الجمهورية الذي يعملون في دائرة اختصاصه طبقا لنص المادة 16 من قانون الإجراءات الجزائية.
كما يقوم الموظفون، و الأعوان المنوط بهم قانونا بعض مهام الضبط القضائي بإخبار وكيل الجمهورية بكل ما يقومون به من أعمال المعاينات، و ضبط المخالفات، و الجنح التي خولهم القانون القيام بها طبقا لنص المواد 21، 23، 25، و 26 من نفس القانون، و ذلك باعتباره مدير الضبط القضائي و له وحده سلطة التصرف في المحاضر و تمكينه من مباشرة اختصاصاته في الملائمة بين تحريك الدعوى العمومية و رفعها و بين الأمر بحفظها.
الفرع الثاني: مراقبة المحاضر و توجيه التحري و التصرف فيه
يُناط بوكيل الجمهورية سلطة توجيه أعمال الضبطية القضائية و التصرف فيها بشكل يحول بينها و بين مخالفة القانون و المساس بالحريات الفردية، و تتجلى سلطة وكيل الجمهورية في تقدير عمل الضبطية القضائية في مراجعة مدى كفاية المعلومات المتحصل عليها بشأن جريمة ما.
و قد نص قانون الإجراءات الجزائية في مادته 36 فقرة 3 على أن وكيل الجمهورية يباشر بنفسه أو بواسطة ضباط الشرطة القضائية جميع إجراءات البحث و التحري عن الجرائم مع مراعاة أحكام المواد 56، و 60 من نفس القانون.
و عليه فإن عناصر الضبطية القضائية خاضعين لسلطة وكيل الجمهورية، و بهذه الصفة فإنهم ملزمون بتنفيذ الأوامر و التعليمات التي يتلقونها منه، و أي تقاعس في هذا المجال يعرض صاحبه للجزاء1.
1- أنظر: معراج جديدي: الوجيز في الإجراءات الجزائية مع التعديلات الجديدة، الجزائر، 2002 ديوان المطبوعات الجامعية، ص17.
ففي حالة الجناية أو الجنحة المتلبس بها، و عند حضور وكيل الجمهورية لمكان الحادث بإمكانه أن يتولى مباشرة التحريات و إتمامها بنفسه، كما يسوغ له أن يكلف ضابط الشرطة القضائية بمواصلتها تحت إدارته، و هنا على ضابط الشرطة القضائية انتظار التعليمات التي يتلقاها من قبل وكيل الجمهورية و تطبيقها بشكل سوي مع ضرورة استئذانه في الكثير من الإجراءات الهامة و إلا عدت باطلة، منها التفتيش، و تمديد التوقيف للنظر، و معيار قبوله أو رفضه هو مدى قناعته بجدية التحريات التي يتقدم بها إليه ضابط الشرطة القضائية، أو عدم اقتناعه بذلك بحسب الظاهر له بعد إطلاعه على محضر التحريات و ما ورد به و ما اشتمل عليه1.
و تتمثل أيضا إدارة وكيل الجمهورية للضبط القضائي في توجيه نشاطهم و توزيع المهام على عناصر الضبطية القضائية الذين يعملون في دائرة اختصاصه سواء كانوا تابعين لهيئة واحد، أو لعدة هيئات، كما تخول له سلطة الادارة مراقبة المحاضرمن حيث التوقيع و التاريخ وخاتم الوحدة التى ينتمى اليها من حرر المحضر، ومن حيث الإختصاص النوعى منه والمحلى ،والشخصي، وبأن المحضر قد تم تحريره أثناء تأدية مهام الوظيفة،إلى جانب ضرورة تباين صفة محرره طبقا لنص المادة 18 من القانون اعلاه، وذلك لما لهذا من أهمية في إضفاء الصفة القانونية على محاضر الضبطية القضائية.
و بصفته مديرا للضبط القضائي، يستطيع وكيل الجمهورية تعيين ضابط الشرطة القضائية الذي يختاره لتنفيذ تحريات بشأن جريمة، أو قضية ما، سواء من ضمن ضباط الشرطة القضائية التابعين للدرك الوطني، أو للأمن الوطني، كما تخوله صفته هذه إعفاء أحد هؤلاء الضباط و تعويضه بآخر في تنفيذ تحريات تخص قضية ما لأسباب يراها مفيدة لسير التحقيق فيها.
1- أنظر: عبد الحميد الشواربي: ضمانات المتهم في مرحلة التحقيق الجنائي، منشأة المعارف، طبعة 1996، ص31.
الفرع الثالث: مراقبة التوقيف للنظر
إنّ مراقبة التوقيف للنظر يتجسد من خلال الصلاحيات التي منحها المشرع لوكيل الجمهورية التي تسمح له بمراقبة مدى شرعيته، و احترام حقوق الموقوفين ،و في هذا السياق تنص المادة 36 فقرة 2 من قانون الإجراءات الجزائية على أنّ وكيل الجمهورية يدير نشاط ضباط و أعوان الشرطة القضائية بدائرة اختصاص المحكمة و يراقب تدابير التوقيف للنظر.
إن مراقبة وكيل الجمهورية لإجراء التوقيف للنظر حقيقي و فعلي، و ذلك من خلال الواجب الذي نص عليه المشرع في الفقرة 1 من المادة 51 من القانون أعلاه بالنسبة لضباط الشرطة القضائية، حيث ألزمهم القانون أن يطلعوا فورا وكيل الجمهورية و يقدموا له تقريرا عن دواعي التوقيف للنظر، و مضمون هذا التقرير يتعلق بالعناصر الأولية لظروف الجريمة و الأسباب التي تبرر التوقيف، ذلك أن السلطة التقديرية لضباط الشرطة القضائية في توقيف شخص للنظر خاضعة لمراقبة وكيل الجمهورية.
و تتمثل سلطة المراقبة في هذه الحالة من خلال الأعمال التالية:
- التوقيع على السجل الخاص بالتوقيف للنظر.
- إمكانية تعيين طبيب لفحص الموقوف للنظر سواء تلقائيا، أو بناءا على طلب أفراد عائلته، أو محاميه،
و في أي لحظة أثناء، أو بعد التوقيف.
- زيارة الأماكن المخصصة للتوقيف للنظر و التأكد من أنها تستجيب للشروط اللائقة بكرامة الإنسان1.
- تفقد وكيل الجمهورية أماكن التوقيف بصفة دورية في أي وقت لمعاينة ظروف التوقيف و الإطلاع
على السجلات الموضوعة لهذا الغرض و التي يمكن له أن يدون عليها ملاحظاته.
المطلب الثاني: النائب العام كسلطة إشراف على الضبطية القضائية
يعتبر النائب العام رئيس الهيئة المكلفة بالإشراف و إدارة الضبط القضائي، فوكيل الجمهورية بما أنه يعتبر مدير الضبطية القضائية على مستوى المحكمة يعمل تحت سلطة النائب العام الذي يعود له الإشراف على هذه الفئة على مستوى المجلس القضائي، و معنى ذلك أنه إذا كانت قيادة وكيل الجمهورية للضبطية القضائية هي قيادة مباشرة فإن النائب العام تكون قيادته غير مباشرة.
و ينطوي إشراف النائب العام على توجيه و مراقبة أعمال الضبطية القضائية على مستوى المجلس القضائي مع مطالبة الجهة القضائية المختصة، غرفة الاتهام، بالنظر في كل مخالفة مرتكبة من طرف ضباط الشرطة القضائية، و تهدف هذه المطالبة إلى تجريديهم من صفة الضبطية القضائية و متابعتهم جزائيـا1 عن أي تقصير، أو إخلال يقع منهم، طبقا لأحكام المادة 208 من قانون الإجراءات الجزائية.
و لقد نصت المادة 12 منه على سلطة إشراف النائب العام على الضبطية القضائية، و بالرجوع إلى هذه المادة و بعض المواد الأخرى التي تنظم علاقة الضبطية القضائية بالنيابة العامة نجد أن المشرع اكتفى بالنص على أن للنائب العام سلطة الإشراف من خلال نص المادة 12 من قانون الإجراءات الجزائية، و كسلطة إمساك ملف فردي لكل ضابط شرطة قضائية، من خلال نص المادة 18 مكرر، و بأنه يشرف على تنقيط ضباط الشرطة القضائية، و التي يتولاها وكيل الجمهورية تحت سلطة و إشراف النائب العام، إلا أنه وبصدور التعليمة الوزارية المشتركة المنصوص عليها أعلاه و التي بينت بوضوح أهم السلطات المخولة للنائب العام كسلطة إشراف على الضبطية القضائية، و التي ندرجها في النقاط التالية:
الفرع الأول: مسك ملفات ضباط الشرطة القضائية
يحاط النائب العام علما بهوية ضباط الشرطة القضائية المعينين بدائرة اختصاصه و الذين يمارسون بصفة فعلية مهام الشرطة القضائية، و يتولى مسك ملفاتهم الشخصية التي ترد إليه من السلطة الإدارية التي يتبعها الضابط المعني، أو من النيابة العامة لآخر جهة قضائية باشر فيها هذا الأخير مهامه باستثناء ضباط الشرطة القضائية التابعين للمصالح العسكرية للأمن، و الذين تمسك ملفاتهم من طرف وكلاء الجمهورية العسكريين المختصين إقليميا.
و يتكون الملف الشخصي لضابط الشرط القضائية من الوثائق التالية:
- قرار التعيين.
- محضر أداء اليمين.
- محضر تنصيب.
- كشف الخدمات كضابط شرطة قضائية.
- استمارات التنقيط السنوية.
- صورة شمسية (عند الضرورة).
1- أنظر: التعليمة الوزارية المشتركة بين وزير العدل، و وزير الدفاع، و وزير الداخلية، المؤرخة في 31/07/2000، المحددة للعلاقة التدرجية بين السلطة القضائية و الشرطة القضائية في مجال إدارتها، و الإشراف عليها، و مراقبتها
للإشارة أنّ هذه الملفات الفردية تتعلق بضباط الشرطة القضائية فقط دون غيرهم من عناصر الضبطية القضائية.
كما أن هذه الملفات تتضمن معلومات كاملة عن مؤهلاتهم العلمية و العملية و مسارهم الوظيفي كضباط شرطة قضائية.
الفرع الثاني: الإشراف على تنقيط ضباط الشرطة القضائية
يمسك النائب العام بطاقات التنقيط لضباط الشرطة القضائية، و ترسل هذه البطاقات إلى وكلاء الجمهورية المختصين إقليميا لتقييم، و تنقيط الضباط العاملين بدائرة اختصاصهم في أجل أقصاه أول ديسمبر من كل سنة لترجع إلى النائب العام بعد تبليغها للضابط المعني في أجل أقصاه 31 ديسمبر من نفس السنة.
و يتم التنقيط وفق البطاقة النموذجية المعدة لهذا الغرض1، و لضابط الشرطة القضائية أن يبدي ملاحظات كتابية حول تنقيطه يوجهها إلى النائب العام الذي تعود له سلطة التقييم و التقدير النهائي للنقطة و الملاحظات، و توضع نسخة من بطاقة التنقيط بالملف الشخصي لضابط الشرطة القضائية، و يرسل النائب العام نسخة منها إلى السلطة الإدارية التي يتبعها المعني مشفوعة بملاحظاته قبل 31 يناير من كل سنة.
و بهدف إضفاء المزيد من المصداقية، و تجسيد مبدأ الرقابة القضائية على أعمال الشرطة القضائية، نصت التعليمة الوزارية المشتركة السابق ذكرها على أن التنقيط السنوي لضباط الشرطة القضائية يؤخذ بعين الاعتبار في مسارهم المهني، و يتم التنقيط حسب الأوجه التالية:
التحكم في الإجراءات، و روح المبادرة في التحريات، و الانضباط، و روح المسؤولية، و مدى تنفيذ تعليمات النيابة العامة، و الأوامر، و الإنابات القضائية، و السلوك، و الهيئة.
علاوة على ذلك، فإنه يتم تنقيط ضباط الشرطة القضائية التابعين لوزارة الدفاع الوطني من طرف وكيل الجمهورية العسكري لدى المحكمة العسكرية المختصة إقليميا ضمن الشروط و وفق الأشكال المبينة سابقا.
1- أنظر: التعليمة الوزارية المشتركة السابقة.
الفرع الثالث: الإشراف على تنفيذ التسخيرات
لقد نصت التعليمة الوزارية المشتركة المذكورة سابقا بأن يتولى النائب العام مهمة الإشراف على تنفيذ التسخيرات التي تصدرها الجهات القضائية للقوة العمومية من أجل حسن سير القضاء.
تصدر هذه التسخيرات الموجهة إلى القوة العمومية في أجل تسمح للجهة المسخرة باتخاذ الاحتياطات و التدابير اللازمة لتنفيذها.
تكون التسخيرات مكتوبة، و مؤرخة، و موقعة من الجهة التي تصدرها.
و أول شيء يشترط في هذه التسخيرات، أن تكون محررة في شكل مكتوب، و مؤرخة، و موقعة من الجهة التي أصدرتها، و في الواقع لا يمكن حصر أوجه و أغراض تسخير القوة العمومية غير أنه يمكن إجمالها في الأغراض التالية:
- التسخير من أجل تنفيذ الأوامر القضائية و القرارات الجزائية.
- استخراج المساجين من المؤسسات العقابية لمثولهم أمام الهيئات القضائية.
- حراسة المساجين أثناء تحويلهم من مؤسسة عقابية إلى أخرى.
- ضمان الأمن، و الحفاظ على النظام العام خلال انعقاد الجلسات.
- تسليم الإستدعاءات، و التبليغات القضائية في المادة الجزائية متى استحال تبليغها بالوسائل القانونية الأخرى.
- عند القيام بالمهام التي تقتضي تدخل القوة العمومية لأجل حسن سير القضاء.
- تقديم المساعدة اللازمة لتنفيذ الأحكام، و القرارات القضائية المدنية، و السندات التنفيذية، و يتم ذلك عند الاقتضاء وفق برنامج دوري يعد مسبقا من طرف وكيل الجمهورية بالتنسيق مع مسؤولي القوة العمومية و المحضرين القضائيين.
- يمكن عند الاقتضاء- و خاصة في المدن الكبرى-، إنشاء فرق مخصصة للتكفل بتنفيذ التسخيرات المتعلقة بالأحكام القضائية المدنية.
على أن تقتصر مهمة القوة العمومية المسخرة لتنفيذ الأحكام، و القرارات المدنية على ضمان الأمن و حفظ النظام العام.
و عندما يصبح تنفيذ التسخيرات مستحيلا في آجالها المحددة تحرر الجهة المسخرة تقريرا مسبقا يرسل إلى الجهة المسخرة لاتخاذ ما تراه مناسبا من إجراءات.
و في الأخير يمكن لنا أن نشير إلى أن سلطة النائب العام في الإشراف على ضباط الشرطة القضائية، أو على الضبطية القضائية بصفة عامة، يبقى لها معنى واسع من مفهوم الإدارة التي يتمتع بها وكيل الجمهورية، لأنه في المفهوم الأول الإشراف يعني السلطة غير المباشرة التي تنطوي على إعطاء التوجيهات و التعليمات عن طريق وكيل الجمهورية، إلا أن ما لاحظناه عمليا هو أن التسخيرات و الإشراف عليها يتم عن طريق وكيل الجمهورية.
المطلب الثالث: غرفة الاتهام كسلطة محاكمة و توقيع الجزاءات
سنتطرق إلى رقابة غرفة الاتهام للضبطية القضائية من خلال تحديد الأشخاص الخاضعين لهذه الرقابة، ثم إلى الإجراءات المتبعة أمام غرفة الاتهام، و نوع الجزاءات التي تفرضها، ثم إلى مدى جواز الطعن في القرارات التي تصدرها غرفة الاتهام على إثر متابعة عناصر الضبطية القضائية.
الفرع الأول: عناصر الضبط القضائي الخاضعين لمراقبة غرفة الاتهام
كانت المادة 206 من قانون الإجراءات الجزائية قبل تعديلها سنة 1982 تخول غرفة الاتهام حق مراقبة أعمال الضبط القضائي الذين لهم صفة ضباط الشرطة القضائية أما أعوان الضبط القضائي، و الموظفون و الأعوان المنوط بهم بعض مهام الضبط القضائي فإن أعمالهم كانت خاضعة لمراقبة رؤسائهم الإداريين حتى صدور قانون رقم 82-03 المؤرخ في 13 فبراير 1982، و الذي عدلت بمقتضاه المادة 206 كالتالي « تراقب غرفة الاتهام أعمال ضباط الشرطة القضائية و الموظفين و الأعوان المنوط بهم بعض مهام الضبط القضائي الذين يمارسونها حسب الشروط المحددة في المادة 21 و ما يليها من قانون الإجراءات الجزائية»، بمعنى أن الأعضاء الخاضعين لرقابة غرفة الاتهام هم:
- ضباط الشرطة القضائية و هم ( الولاة، رؤساء المجالس البلدية، ضباط الدرك الوطني محافظو الشرطة، ضباط الشرطة، ذوي الرتب في الدرك، رجال الدرك الذين أمضوا في سلك الدرك ثلاث (03) سنوات خدمة على الأقل و عُينوا بموجب قرار وزاري مشترك بين وزير العدل و وزير الدفاع الوطني بعد موافقة لجنة خاصة، مفتشو الأمن الوطني الذين قضوا في خدمتهم بهذه الصفة ثلاث (03) سنوات و عُينوا بموجب قرار وزاري مشترك بين وزير العدل و وزير الداخلية بعد موافقة لجنة خاص، ضباط و ضباط الصف للأمن العسكري الذين تم تعنيهم خصيصا بموجب قرار مشترك صادر عن وزير الدفاع الوطني و وزير العدل).
- الموظفين و الأعـوان المكلفين ببعض مهـام الضبط القضائي و هم: رؤسـاء الأقسـام، و المهندسين، و الأعوان الفنـيين، و التقنيين المختصين في الغابات و حمـاية الأراضي و استصلاحها في ميدان الغابات، و مهندسي المياه و الري في مجال الري، مهندسـي البناء و العمران في مجال العمران، و مهندسي الأشغال العمومية، و مفتشي و مراقبي الأسعار و قمع الغش، و مفتشي المالية، و حراس السواحـل، و أعوان البنك المركزي، و الأعـوان المكلفين بالتحقيقات الاقتصادية و قمـع الغـش المعينين بقرار وزاري و ذلك في مجـال التنظيم و التشريع المتعلق بالصرف و حركة رؤوس الأموال من و إلى الخارج1...».
غير أن التساؤل الذي قد يُطرح هنا هو أنه عند استقراء المواد المقررة للرقابة 207 و ما يليها إلى 211 نجدها تذكر فقط ضباط الشرطة القضائية دون غيرهم من الأعوان و الموظفين الذين ذكرتهم المادة 206 من قانون الإجراءات الجزائية، و قد طرحنا هذا التساؤل لأن المادة 206 هي وحدها من بين المواد 207 و ما يليها التي تعمم الرقابة على جميع ضباط الشرطة القضائية و جميع الموظفين و الأعوان الموكل لهم بعض مهام الضبط القضائي.
غير أنه و استنادا إلى هذه المادة و ما قضت به المحكمة العليا2، فإن غرفة الاتهام تراقب أعمال ضباط الشرطة القضائية و الموظفين و الأعوان المنوطة بهم بعض مهام الضبط القضائي التي يمارسونها حسب الشروط المحددة في المواد 21 و ما يليها من نفس القانون، و ينحصر اختصاص غرفة الاتهام على مستوى المجلس القضائي بالنسبة للأعضاء المذكرين في المادة 206 المشار إليهم سابقا الذين يعملون على مستوى نفس المجلس، و أنه و حسب رأيي فإن المشرع لم يشأ من ذلك إعادة ذكر نفس الأعوان تفاديا منه للتكرار فقط.
غير أن غرفة الاتهام بالجزائر العاصمة تُعتبر صاحبة الاختصاص فيما يتعلق بضباط الشرطة القضائية للأمن العسكري و تحال القضية على غرفة الاتهام من طرف النائب العام بعد استطلاع رأي وكيل الجمهورية العسكري الموجود بالمحكمة العسكرية المختصة إقليميا و مرد ذلك يعود لعدم وجود هيئة موازية لغرفة الاتهام على مستوى المحاكم العسكرية من جهة، إضافة إلى أنهم يمارسون مهامهم على مستوى التراب الوطني من جهة ثانية طبقا لنص المادة 16 قانون إجراءات جزائية.
الفرع الثاني: آليات السير في الدعوى أمام غرفة الاتهام
تنظر غرفة الاتهام كهيئة تأديبية في الإخلالات المنسوبة لعناصر الضبطية القضائية، والذين سبق تحديدهم، هذا بقطع النظر عن الإجراءات التأديبية المقررة في القوانين الأساسية لهم، أو المتابعات الجزائية التي قد تترتب عن الأفعال المنسوبة لهم.
1- أنظر: نشرة القضاة، العدد 53، طبعة 1997، ص11.
2- أنظر: قرار صادر في 5 يناير 1993 عن الغرفة الجنائية في الطعن رقم 105717، المجلة القضائية للمحكمة العليا
عدد 01، سنة 1994، ص247.
و هذه الإخلالات المنسوبة لضباط الشرطة القضائية تتعلق فقط بالمهام المنوطة بهم كضبط قضائي و التي سبق عرضها في المبحث الأول، فغرفة الاتهام عليها تقدير خطورة الأخطاء المرتكبة و التي لم يحددها القانون، و ترك السلطة في ذلك إلى الهيئات القضائية الرقيبة على أعمالهم، غير أن التعليمة الوزارية المشتركة المذكورة أعلاه نصت على بعض الإخلالات المهنية لضباط الشرطة القضائية التي يمكن متابعتهم على أساسها أمام غرفة الاتهام.
و عليه، و قبل التطرق إلى آليات سير الدعوى التأديبية أمام غرفة الاتهام إلى غاية الفصل فيها، لا بد من التطرق إلى طبيعة الأخطاء المهنية المرتكبة.
1- الإطار العام للأخطاء المهنية
إن الأخطاء المهنية التي يرتكبها ضباط الشرطة القضائية، و الموظفون، و الأعوان المنوط لهم بعض مهام الضبط القضائي تُعرّف بأنها التكييف القانوني للنشاط المنحرف الذي يصدر عنهم و يكون موضوعا للمساءلة التأديبية، و يتمثل في قيامه بعمل محظور عليه1، أو امتناعه عن عمل مفروض عليه.
و كان لابد من تنظيم الأخطاء المهنية في مجموعة من القواعد القانونية و التنظيمية التي تأمرهم بعمل معين، أو تنهاهم عن إتيان فعل ما له أثر في المجال الوظيفي، و يترتب على الإخلال بها تحقق المسؤولية التأديبية2.
و غني عن البيان أن الخطأ التأديبي أوسع نطاق من الجريمة الجزائية ذلك لأنه لا يوجد تحديد مسبق للخطأ التأديبي، على عكس الجريمة التي تُحدّد بخضوع الفعل لنص التجريم، و التفسير الضيق له3.
و بقطع النظر عن الأخطاء المهنية المرتكبة أثناء ممارسة المهام المقررة في القوانين الأساسية للضباط المعنيين، هناك تجاوزات مهنية يرتكبها ضباط الشرطة القضائية مرتبطة بمباشرة مهامهم المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية، و تتمثل على الخصوص فيما يلي:
- عدم الامتثال دون مبرر لتعليمات النيابة التي تعطى لضابط الشرطة القضائية في إطار البحث و التحري عن الجرائم و إيقاف مرتكبيها.
- التهاون في إخطار وكيل الجمهورية عن الوقائع ذات الطابع الجزائي التي تصل إلى علم ضباط الشرطة القضائية، أو تلك التي يباشر هذا الأخير التحريات بشأنها.
1- أنظر: مغوري محمد شاهين: القرار التأديبي و ضماناته و الرقابة القضائية، بين الفعالية و الضمـان، توزيـع دار
الكتاب الحديث، ص 1986.
2- أنظر: محمد ماجد ياقوت: الإجراءات و الضمانات في تأديب ضابط الشرطة القضائية، الطبعة 2، 1997، ص110.
3- أنظر: محمد ماجد ياقوت: نفس المرجع ، ص111.
- توقيف الأشخاص للنظر دون إخطار وكيل الجمهورية المختص إقليميا عند اتخاذ هذا الإجراء
- المساس بسرية المعلومات التي قد يتحصل عليها بمناسبة مباشرة مهامه.
- تفتيش مساكن المشتبه فيهم دون إذن من السلطة المختصة و في غير الحالات التي ينص عليها القانون.
- خرق قواعد الإجراءات الخاصة بممارسة الاختصاصات الاستثنائية.
و مادام أن حصرها ليس بالأمر الهيّن فيمكن إجمالها بأنه يعد خطأ مهنيا يُسأل عليه تأديبيا أمام غرفة الاتهام كل إخلال بالصلاحيات و الواجبات المنوطة بضباط الشرطة القضائية، أو القيام بها خارج الحالات المنصوص عليها قانونا، أو التعسف في القيام بها على حساب حرية و كرامة المشتبه فيهم، و عند ارتكابهم لأحد هذه الإخلالات، أو غيرها جاز لغرفة الاتهـام - بما لها من سلطة قانونية - أن تبسط رقابتها، و إقامة الدعوى التأديبية و السير فيها.
2- إجراءات السير في الدعوى أمام غرفة الاتهام
بموجب المادة 207 من قانون الإجراءات الجزائية فإنّ إجراءات المتابعة أمام غرفة الاتهام تكون إما بناء على طلب من النائب العام، أو من رئيس غرفة الاتهام، و لها أن تنظر في ذلك من تلقاء نفسها بمناسبة نظر الدعوى عليها.
و يستفاء من صريح النص مايلي:
- أنه يمكن إقامة دعوى تأديبية ضد أي ضابط شرطة قضائية أيا كانت الجهة الإدارية التـي
ينتمي إليها من أجل الإخلالات المنسوبة إليـه فـي مباشرة مهامه طبقـا لقانون الإجـراءات
الجزائية، سواء حصل ذلك في مرحلة جمع الاستدلالات، أو فـي مرحلة التحريات الأوليـة.
- إن المتابعة تقع بناء على طلب النائب العام لدى المجلس القضائي و هـذا ما يحصل غالبا،
أو بناء على طلب رئيس غرفة الاتهام في إطار السلطات الخاصة التي خولتها إياه المواد 202
إلى 205 من القانون المذكور أعلاه، كما يجوز لغرفة الاتهام أن تنظر في ذلك من تلقـاء
نفسها بمناسبة نظر الدعوى المطروحة عليها كما هو الحال دائما في مواد الجنايات، أو علـى
إثر استئناف أمر من أوامر قاضي التحقيق.
- إنّ الجهة المختصة بالنظر في الدعوى التأديبية هـي غرفة الاتهـام التي ينتمي إليها ضابط
الشرطة القضائية، أو الموظف، أو العون المنوط له بعض صلاحيات الضبط القضائـي ما لم
يتعلق الأمر بضابط الشرطة القضائية التابع لمصالح الأمن العسكري فتُحال القضية دائما إلـى
غرفة الاتهام بالجزائر العاصمة كما سبق الإشارة إليه سابقا.
3- إجراءات التحقيق و المحاكمة
تنص المادة 208 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه « إذا طُرحت القضية على غرفة الاتهام فإنها تأمر بإجراء تحقيق و تسمع طلبات النائب العام و أوجه دفاع ضابط الشرطة القضائية صاحب الشأن و يتعين أن يكون هذا الأخير قد مُكن مقدما من الإطلاع على ملفه المحفوظ ضمن ملفات ضباط الشرطة القضائية لدى النيابة العامة بالمجلس، و إذا تعلق الأمر بضابط الشرطة القضائية للأمن العسكري يُمكن من الإطلاع على ملفه الخاص المُرسل من قبل وكيل الجمهورية العسكري المختص إقليميا... و يجوز لضابط الشرطة القضائية المتهم أن يستحضر محام للدفاع عنه ».
من خلال نص المادة 208 من قانون الإجراءات الجزائية نستخلص ما يلي:
أ- أنّ التحقيق وجوبي في القضية المتبعة ضد ضابط الشرطة القضائية المعني، فلا تجوز إحالته إلى غرفة الاتهام و محاكمته دون سماعه و تمكينه من تقديم أوجه دفاعه، لذلك قُضي في قرار المحكمة العليا بأنه « يتعين على النائب العام أن يستفسر ضابط الشرطة القضائية المتابع، و أن يبلغ إليه الأخطاء التي يرى أنه قد ارتكبها أثناء ممارسته وظيفته كضابط شرطة قضائية قبل إحالته على غرفة الاتهام حتى يتمكن من الاطلاع على ملفه و من تحضير دفاعه، فإن لم يفعل، و قضت غرفة الاتهام بإسقاط الصفة دون أن يتمكن من تقديم دفاعه كان قضاؤها منعدم الأساس القانوني، و مُخلا بحقوق الدفاع مما يستوجب نقضه »1.
كما قضت المحكمة العليا أيضا في قرار لها « كان على النائب العام لدى المجلس القضائي أن يستفسر رئيس المجلس الشعبي البلدي عن الإخلالات المنسوبة إليه بحيث إذا تبين له أنّ هذا الأخير قد ارتكب خطأ أثناء مباشرة وظيفته كضابط شرطة قضائية قدم إلى غرفة الاتهام عريضة مسببة، و تعين حينئذ على هذه الجهة أن تفصل في طلباته بقرار مسبب طبقا لنص المادة 209 و 210 من قانون الإجراءات الجزائية »2.
ب- أنه يتعين على غرفة الاتهام أن تستطلع رأي النائب العام لدى المجلس قبل النظر في الدعـوى
التأديبية التي أقامتها من تلقاء نفسها، أو بناء على طلب رئيسها، و إذا كان المعني المتابع من مصالح
الأمن العسكري فإنه لا يقع الفصل في القضية إلا بعد استطلاع رأي وكيل الجمهوريـة العسكـري
المختص.
1- أنظر: قرار المحكمة العليا الصادر في 15 جويلية 1980، من الغرفة الجنائية الأولى في الطعن رقم 26675.
2- أنظر: القرار الصادر عن المحكمة العليا يوم 10/11/1981، من الغرفة الجنائية الأولى في الطعن رقم 28089.
- عن الأستاذ جيلا لي بغدادي: المرجع السابق، ص53.
ج- أنه توجد على مستوى النيابة العامة لكل مجلس قضائي ملفات شخصية لضباط الشرطـة
القضائية و التي سبق الإشارة إليها في المطلب الثاني من هذا المبحث، و لهؤلاء في حالة
المتابعـة القضائية الحـق فـي الإطـلاع على ملفاتـهم المحفوظـة بالنيابة العامة لدى
المجـلس، أو لـدى وكيـل الجمهورية العسكري.
د- كما يجوز للمعني بالمتابعة أن يوكل محاميا للدفاع عنه.
و عليه فإن إجـراء التحقيق المنصوص عليـه في المادة 208 من قانون الإجراءات الجزائية وجـوبي، و يترتب على مخالفته خرق حقوق الدفاع، و هذا ما قضت به المحكمة العليا في قراراها الصادر 14/07/2000، حيث أهم ما جاء فيه « أنـه إذا ما طرح الأمر على غرفة الاتهام فإنها تأمر بإجراء تحقيـق، و تسمع طلبات النائب العام، و أوجه دفـاع ضابط الشرطة القضائية صاحب الشـأن، و الحاصل في قضية الحال أن غرفة الاتهام اعتمدت على تصريحات مسجلة أمام وكيل الجمهورية و استبعدت إجراءات التحقيق المنصوص عليها قانونا مما يشكل خرقا لحقوق الدفـاع1 ».
-حيث يستفاد من حيثيات القرار أن قرار غرفة الاتهام محل الطعن جاء مبهما فيما يخص التحقيق المنصوص عليه في المادة 208 من قانون الإجراءات الجزائية مما يتعين نقضه.
الفرع الثالث: العقوبات التي تقررها غرفة الاتهام و مدى جواز الطعن فيها
تكون إجراءات نظر الدعوى أمام غرفة الاتهام وجاهية، حيث تتلقى طلبات النائب العام، و تفحص أوجه الدفاع التي يثيرها المعني، أو محاميه.
و بعد استكمال العناصر الضرورية للفصل في القضية من دراسة الملف، و فحصه تقدر غرفة الاتهام جسامة الخطأ المنسوب للمتابع، و تقرر العقوبة المناسبة.
1- الملاحظات و العقوبات التي تقررها غرفة الاتهام
بالرجوع إلى نص المادة 209 قانون إجراءات جزائية، الذي جاء فيه « يجوز لغرفة الاتهام أن توجه إلى ضابط الشرطة القضائية المعني ملاحظات، أو تقرر إيقافه مؤقتا عن مباشرة أعمال وظيفته كضابط شرطة قضائية، أو إسقاط هذه الصفة عنه نهائيا ».
و عليه فإن غرفة الاتهام يمكن أن تصدر ملاحظات تتمثل في الإنذار الشفوي، أو الكتابي، أو التوبيخ.
1- أنظر: قرار المحكمة العليا رقم 246742 الصادر بتاريخ 14/07/2000، المجلة القضائية العدد الأول، طبعة 2001، ص332، و المرفق بهذه المذكرة.
و أما العقوبات التأديبية فتتمثل في الإيقاف المؤقت عن ممارسة مهام الضبط القضائي، أو الإسقاط النهائي لصفة الضبطية القضائية عن المعني، و عنـدما يصدر القرار سواء كان ملاحظة، أو عقوبة تأديبية يجب أن تبلغ هـذه القرارات المتخذة ضـده إلى السلطات الإدارية أو العسكرية التي يتبعها الضابط طبقا لنص المادة 211من قانون الإجراءات الجزائية و ذلك بناء على طلب من النائب العام.
و قد أغفل المشرع الجزائري النص على وجوب تبليغ المعني بالأمر إلا أنه و حسب مقتضيات الأحكام العامة التي تقضي بوجوب تبليغه بكل قرار يتخذ بشأنه لكونه شرطا لا بد منه لمساءلته فيما بعد عن التجاوزات التي ارتكبها.
و يعزي هذا الواجب الخاص بالتبليغ إلى خشية أن يقوم ضابط الشرطة القضائية المعاقب بمزاولة مهامه في حين أن غرفة الاتهام حرمته من ممارسة اختصاصاته بصفة مؤقتة، أو دائمة خاصة، و أن قانون العقوبات يجرم ممارسة الاختصاصات المنوطة بعد العزل، أو الوقف من ممارستها بصفة مؤقتة، أو مستمرة1.
و في إطار المقررات التي تصدرها غرفة الاتهام فإنه و بناء على تقرير أرسله وكيل الجمهورية لدى محكمة عنـابة إلى النائب العام بمجلس قضاء عنـابة يرمي إلى متابعة ضابط شرطة قضائية لارتكابه جنح العنف ضد الأشخاص، الشتـم، و التهديد، الحبس التعسفي، و رفض تنفيذ أوامـر النيابة الأفعال المنصوص و المعاقب عليها بموجب المواد 297، 299، 442، 440، 91، 293، 132 من قانون العقوبات، و حيث أن النائب العام قدم وفقا للمادة 207 من قانون الإجراءات الجزائية الملف الخاص بالسيد (ف، ق) بصفته ضابط الشرطة القضائية إلى غرفة الاتهام مع طلبات كتابية ترمي إلى نزع منه نهائيا صفة ضابط الشرطة القضائية، و بموجب قرار صادر في 22/03/1992 قررت غرفة الاتهام بمجلس قضاء عنابة توقيف صفة المعني بالأمر لمدة سنتين ابتداء من تاريخ صدور هذا الحكم2.
2- مدى جواز الطعن في المقررات التي تصدرها غرفة الاتهام
بالرجوع إلى المواد من 206 إلى 211 قانون إجراءات جزائية، و الخاصة بمراقبة أعمال الضبطية القضائية لا نجد المشرع ينص على أي طريقة من طرق الطعن ضد القرارات التي تصدرها غرفة الاتهام في هذه الحالة.
1- تنص المادة 142 قانون العقوبات « كل قاضي أو موظف أو ضابط عمومي فصل أو عزل أو أوقف أو حرم قانونا
من وظيفته يستمر في ممارسة أعمال وظيفته يعد استلامه التبليغ الرسمي بالقرار المتعلق به يعاقب بالحبس من
ستة أشهر إلى سنتين و بغرامة من 500 إلى 1.000 دج ».
2- أنظر: بذلك قرار المحكمة العليا الصادر في 05/01/1993 ملف رقم 105717 و الموفق بهذه المذكرة.
و لقد ذهبت المحكمة العليا في هذا الصدد إلى تقرير عدم جواز الطعن في المقررات التأديبية التي تصدرها غرفة الاتهام في اجتهادها المؤرخ في 05/01/1993 بمناسبة نظرها في القضية رقم 105717، و أهم ما جـاء في هذا الاجتهاد أنه « من المقـرر قانونا و قضاء أن تراقب غرفة الاتهام أعمال ضباط الشرطة القضائية، و الموظفين، و الأعوان المنوطة بهم بعض مهام الضبط القضائي التي يمارسونها حسب الشروط المحددة في المواد 21 و ما يليها من قانون إجراءات جزائية، و لغرفة الاتهام أن تصدر قرارات تأديبية إدارية دون جواز الطعن فيها قانونا، و لما كان ثابتا في قضية الحال أن غرفة الاتهام أصدرت قرارات تأديبية تتضمن توقيف صفة الطاعن لمدة سنتين ابتداء من تاريخ صدور القرار، فإن هذا القرار -على خلاف الأحكام الجزائية- لا يجوز استعمال طريق الطعن فيه، مما يتعين رفض الطعن الحالي لعدم جوازه قانونا »1.
كما ذهب الأستاذ Brouchot إلى حد الجزم بأن الطعن بالنقض ضد قرارات غرفة الاتهام غير مفتوح 2.
لكننا نرى أن هذا الاجتهاد مخالف لما قضت به الغرفة الجنائية الأولى للمحكمة العليا في عدة قرارات لها من جهة، و التي سبق الإشارة إليها من قبل و التي سنتعرض للبعض منها في الفصل الثاني عند تطرقنا إلى المسؤولية التأديبية لعناصر الضبطية القضائية.
كما أن هذا الأخير لا يتلاءم مع أحكام الفقرة الأولى من المادة 495 من قانون إجراءات جزائية التي لا تجيز الطعن بالنقض في القرارات الصادر عن غرفة الاتهام إلا إذا كانت تتعلق بالحبس المؤقت، و الرقابة القضائية من جهة أخرى وهذا ما يجعلنا نرى أن ما ذهبت إليه المحكمة العليا يتناقض مع نص هذه المادة.
و هو ما يجعلنا نقترح إدراج مادة في قانون الإجراءات الجزائية تتعلق بجواز الطعن ضد قرارات غرفة الاتهام الخاصة بمراقبة أعمال الضبطية القضائية لأن غياب النص يجعل الاجتهاد مفتوح و هذا ما قد يمس نوعا ما بالحق في التقاضي على درجتين.
1- قرار المحكمة العليا بتاريخ 05/01/1993 ملف رقم 105717 إجتهاد قضائي، المجلة القضائية، العدد الأول 1994،
ص 247، القرار مرفق بالمذكرة.
2- أنظر: J. BRAUCHOT, La chambre d'accusation, rev, science crime, 1959, p 351.
الفصل الثاني
الجزاءات المترتبة عن عدم شرعية أعمال الضبطية القضائية
إن أعمال الضبطية القضائية أحاطها المشرع بعناية خاصة بتنضيمها في إطار قانوني محدد و وضع ضوابط وشكليات لممارستها على النحو الذي يمكنها من التحري في الجريمة والتوصل إلى حقيقة وقائعها والتعرف على هوية مرتكبها دون أن يكون في ذلك مساس بحقوق وحريات الأفراد.
و لقد تطورت الأنظمة الإجرائية لتصل إلى إيجاد صيغة ملائمة لحماية المصلحة العامة بتمكين الضبطية القضائية من مواجهة الإجرام بفعالية وفي ذات الوقت المحافظة على حقوق المشتبه فيهم بوضع جملة من الضمانات لذلك والتي يمكن إجمالها فيما يلي
* الضوابط والشكليات التي تنظم أعمال الضبطية القضائية وإخضاع ممارستها إلى الرقابة القضائية على النحو الذي بيناه سابقا.
* الجزاء الإجرائي المتمثل في بطلان الإجراءات المنفذة من طرف الضبطية القضائية متى كانت مخالفة للقانون.
* المسؤولية الشخصية لعناصر الضبطية القضائية عن التجاوزات والأخطاء التي يمكن أن تصدر عنهم في مجال أعمالهم.
إذا ماهي هذه التجاوزات أو الأخطاء؟ وما نوع المسؤولية المترتبة عنها؟
هذا ما سنحاول الإجابة عليه من خلال المبحثين التاليين:
yacine414
2011-02-05, 16:27
المبحث الأول
الجزاءات الشخصية (المسؤولية الشخصية)
إن الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها عناصر الضبطية القضائية تتفاوت من حيث طبيعتها ودرجتها، فهناك أخطاء بسيطة ذات طابع إداري لا ترقى إلى مستوى الجريمة ،حيث تترتب عنها المسؤولية التأديبية فقط، وهناك أفعال خطيرة تتوفر فيها عناصر الجريمة ويمكن أن يترتب عنها ضرر مادي أو معنوي فتؤدى إلى قيام المسؤولية الجزائية أ و المدنية، هذا ما سنعرضه في ثلاث مطالب، نتعرض في الأول إلى المسؤولية التأديبية، و في الثاني إلى المسؤولية الجزائية، و في الثالث إلى المسؤولية المدنية.
المطلب الأول: المسؤولية التأديبية
يخضع عناصر الضبط القضائي لهيئة تحكمها جملة من النصوص القانونية، و التنظيمية التي تحدد مهامها، و تنظيمها، و تبين المسار المهني لأعضائها بدءا بالتوظيف فالتكوين ثم التسيير، و تتضمن النصوص المتعلقة بإدارة الأفراد عادة القانون الأساسي كما هو الشأن بالنسبة لأعضاء الدرك الوطني1 أو على شكل قوانين، أو أوامر، أو مراسيم كما هو الحال بالنسبة للموظفين التابعين للأمن الوطني2، تتضمن هذه النصوص جزاءات تأديبية مقررة لكل موظف أخل بواجباته بتقصيره،أو ارتكابه أخطاء لا يمكن تكيفها على أنها جريمة تتطلب المتابعة القضائية، و تسند مهمة توقيع هذه الجزاءات إلى السلطات الرئاسية التي يتبعها الموظف والتي تتناسب مع الخطأ المرتكب3، و تتمثل هذه الجزاءات في الإنذار، التوبيخ، التوقيف المؤقت عن العمل، الفصل النهائي أو الحجز لمدة لا تتجاوز08 أيام، التعين أو الإدماج في سلك آخر هذا بالنسبة لموظفي الأمن الوطني بالنسبة لأعضاء الدرك الوطني فالعقوبات التأديبية تتمثل في الإنذار، التوبيخ التوقيف البسيط، أو التوقيف عن العمل أو تغيير نوعية المنصب.
1- أنظر: الأمر رقم 69/89، المؤرخ في 31/10/1969، المتضمن القانون الأساسي لضباط الجيش الوطنـي الشعبـي،
الأمر رقم 69/90، المؤرخ في 31/10/1969، المتضمن القانـون الأساسـي لضبـاط الصف للجيش الوطني
الشعبي.
2- أنظر: الأمر 66/133، المؤرخ في 02 يونيو 1966، المتضمن القانون الأساسـي العـام للوظيف العمومـي المعدل
و المتمم المرسوم 83/481، المؤرخ في 13 أوت 1983، الذي يحدد الأحكام المشتركة الخاصة المطبقة علـى
موظفي الأمن العمومي و لا سيما المواد 35، 36، 37 منه.
3- و هي أخطاء مهنية بحتة ليس لها علاقة بوظيفته كضابط شرطة قضائية و المرتبطة بمباشرة مهامهم المنصوص عليها
في قانون الإجراءات الجزائية بل هي مهنية إدارية، هذه الأخطاء ترتكب أثناء مباشرة مهامهم المقـررة فـي القوانين
الأساسية لوظيفتهم، و التي تمت الإشارة إليها في الملحق.
بالإضافة إلى هذه الجزاءات التأديبية التي يمكن أن توقع على عناصر الضبطية القضائية بصفتهم موظفين في السلك البوليسي للأمن، نتيجة للمخالفات المهنية التي قد يرتكبونها، فإنهم قد يرتكبون مخالفات تتعلق بوظيفتهم كضبط قضائي، و هذه المخالفات مرتبطة بمباشرة صلاحياتهم المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية، و لكنها لا ترق إلى جريمة تتطلب المساءلة الجزائية، إذ لا يترتب على الإخلال بها سوى تحقق المسؤولية التأديبية، و هذه الأخيرة توقعها الجهات القضائية المكلفة بالرقابة على الضبطية القضائية كما سبق الإشارة إليه أعلاه المتمثلة في غرفة الاتهام.
و قد سبق لنا و أن أشرنا في الفصل الأول أن المخالفات التأديبية لا يمكن حصرها نظرا لصعوبة تعريف الخطأ أو المخالفة التأديبية، و ترك تحديد ذلك إلى السلطة القضائية المكلفة بالإشراف، و الرقابة من اعتبار الخطأ المرتكب يرقى إلى المخالفة التأديبية، أم مجرد مخالفة بسيطة لا تستحق سوى الملاحظات الشفوية، و ذلك مع مراعاة الواجبات المفروضة عليهم بموجب قانون الإجراءات الجزائية.
و ما دمنا بصدد الحديث عن المسؤولية التأديبية لضباط الشرطة القضائية و العقوبات المقررة من طرف غرفة الاتهام باعتبارها الجهة المختصة في توقيع العقوبات التأديبية لعناصر الضبطية القضائية، في حالة قيام عناصر المسؤولية المتمثل في ثبوت الخطأ المرتبط بوظيفة الضبط القضائي.
و في هذا الإطار، فصلت غرفة الاتهام لمجلس قضاء الجزائر في قرار صدر بتاريخ 30 نوفمبر 1999 في قضية رقم 1220 مكرر1، بإسقاط صفة ضابط الشرطة القضائية على رئيس الفرقة المتنقلة للشرطة القضائية و على نائبه، وأمرت بإيقافهما المؤقت لمدة ستة (06) أشهر من مباشرة أعمال وظيفتهما كضباط شرطة قضائية و ذلك ابتداء من تاريخ تبليغهما بهذا القرار.
و من خلال دراسة ما جاء في القرار يتضح أنه يطرح مسألة سلطة غرفة الاتهام في فرض عقوبات تأديبية و مسألة طبيعة و نوع الخطأ المرتكب على ضباط الشرطة القضائية، فبطلب من النائب العام لدى مجلس قضاء الجزائر رفع الأمر لغرفة الاتهام التي أمرت بإجراء تحقيق عن الإخلالات التي نسبت لمحافظ الشرطة (رئيس الفرقة المتنقلة للشرطة القضائية) و كذا لنائبه (ضابط الشرطة القضائية) و تتمثل هذه المخالفات أو التجاوزات فيما يلي:
- مخالفة المادة 13 من قانون الإجراءات الجزائية التي تفرض على ضابط الشرطة القضائية في حالة تحقيق قضائي تنفيذ تفويضات جهات التحقيق، و تلبية طلباتها، و كذا المادة 18 فقرة1 من نفس القانون التي يتعين فيها المبادرة بغير تمهل إلى إخطار وكيل الجمهورية بالجنايات و الجنح التي تصل إلى علم ضابط الشرطة القضائية.
1- أنظر: قرار غرفة الاتهام، مجلس قضاء الجزائر المؤرخ في 30 نوفمبر 1999 المرفق بهذه المذكرة.
- توقيف شخص للنظـر دون إخطار وكيل الجمهوريـة المختص إقليميا وقت اتخاذ هـذا الإجراء بل أكثر من ذلك تمديد توقيفه لمدة تسعة أيام كاملة تحت غطاء اقتراف الموقوف لجرائم موصوفة بأفعال إرهابية أو تخريبية و ذلك وفقا للمادة 65 من نفس القانون.
و باعتبار أن هذه التصرفات الصادرة عن ضابطي الشرطة القضائية تعد أخطاء وظيفية خطيرة نتيجة لتجاهلهما أحكام المواد 18، 13، و كذا المادة 65 من قانون الإجراءات الجزائية.
و ما دامت غرفة الاتهام هي صاحبة الاختصاص في تأديب ضباط الشرطة القضائية وفقا للمواد 206 و ما بعدها من نفس القانون، فإن القرار الصادر عنها بالإيقاف المؤقت لمدة ستة أشهر لكل من المعنيّين عن مباشرة أعمال وظيفتهما كضابطي شرطة قضائية جاء تكريسا للمواد المتعلقة بمراقبة أعمال ضباط الشرطة القضائية.
المطلب الثاني: المسؤولية الجزائية
المسؤوليـة الجزائية لعناصر الضبطية القضائيـة هي أشد أنواع المسؤولية الشخصية أثرا نتيجة الجزاءات التي تقررها، و تتقرر مسؤوليـتهم الجزائية، بمناسبة ارتكابهم جريمة من جرائم القانون العام أو بمناسبة ما قد يقع منهم أثناء مباشرة وظيفة الضبط القضائي من تجاوزات أو انتهاكات أو اعتداء على الحقوق و الحريات الفردية، بشـرط أن يرقى الخطأ المنسوب لعنصر الضبط القضائي إلى درجة الخطأ الجزائى طبقا لنصوص القانون، و من الجرائم التي يمكن أن يتابع بسببها، نذكر جريمة انتهاك حرمة المساكن، و القبض و التوقيف للنظر دون وجه حق، و المساس بالسلامة الجسدية للافراد1 بالإضافة إلى الجرائم التي تخرج عن إطار الوظيفة و هي متعددة، و لكن ما يميز المسؤولية الجزائية لعناصر الضبطية القضائية هي المتابعة القضائية، لأن قانون الإجراءات الجزائية أفرد فئة منهم فقط بمتابعة خاصة ،و هي فئة ضباط الشرطة القضائية، أما الأعوان و الموظفين الآخرين للضبطية القضائية فالمتابعة تكون عادية، و لهذا سنركز بالدراسـة على الفئة الأولى، و قبل أن نتعرض إلى سير المتابعة الجزائية لا بد لـنا أن نتعرف على أهم الصور التي تقوم فيـها المسؤوليـة الجزائية لضابط الشرطة القضائية بمناسبة ممارسة اختصاصاته المبينة في قانون الإجراءات الجزائية.
1- أنظر: د/ عبد الله اوهايبية، المرجع السابق ص352.
الفرع الأول: أهم الصور التي تقوم فيها المسؤولية الجزائية
سنتناول بالدراسة في هذا الصدد أبرز الجرائم التي يرتكبها ضباط الشرطة القضائية بمناسبة ممارسة صلاحياتهم المبينة في قانـون الإجراءات الجزائية، و ذلك بالتعدي على حقـوق الأفراد و عدم صيانة الحريات العامة المكرسة دستوريا1.
و قد أورد المشرع الجزائري في قانون العقوبات عددا من الصور التي تقوم فيها المسؤولية الجزائية لضباط الشرطة القضائية، يمكن إجمالها في الجرائم التالية:
أولا: جريمة الاعتداء على الحريات
يتعرض ضابط الشرطة القضائية بمقتضى المادة 107 من قانون العقوبات إلى عقوبة السجن من خمس إلى عشر سنوات نتيجة المساس بحرية الأفراد و حقوقهم الوطنية، و نلاحظ أن المشرع شدد في وصف هذه الجريمة باعتبارها جناية نظرا لأهمية الحريات الفردية و ردع كل إجـراء أو أمر يشكل مساسا بها، و أهم هذه الجرائم التي يمكن أن ترتكب من طرف ضابط الشرطة القضائية هي باختصار:
1- جريمة التعذيب بغرض الحصول على الاعتراف
إذا كان عمل ضباط الشرطة القضائية يتميز بكونه ليس فيه وسائل الإكراه و القسر إلا في حـدود معينة، و في الإجراءات الاستثنائية التي خولهم إياها القانـون، و رأينا أن القانون و الدستور يمنع و يعاقب كل مساس بالحقوق و الحريات الفردية و كل ما يمس بسلامة الإنسان البدنية و المعنوية إلا أن الممارسة العملية كشفت عن أساليب و ممارسات يتبعها عناصر الشرطة القضائية مع المشتبه فيهم كتعذيبه للحصول منه على الاعتراف2، و يعرف التعذيب بأنه اعتداء على المشتبه فيه ،أو المتهم أو إيذائهما ماديا أو نفسيا، و هو العنف أو الإكراه الذي يمارسه عنصر الشرطة القضائية على المشتبه فيه سـواء كانت الوسائل قصر و إكراه مادي، أو وعـد و وعيد أو ترغيب لتأثير على إرادته الحرة و حمله على الاعتراف.
لذلك، فالقانون الجزائري بالإضافة إلى أن الاعتراف يعتبر هنا باطلا و عديم الأثر كلما كان نتيجة لممارسة وسائل غير إنسانية التي لا تحفظ للإنسان كرامته و إنسانيته و تمسه في سلامته الجسدية3، فإن قانون العقوبات رتب المسؤولية الجزائية للمعني الذي يمارس ضد المتحري معه وسائل التعذيب بغرض الحصول على الإعتراف فتنص المادة 110 مكرر» كل موظف أو مستخدم يمارس أو يأمر بممارسـة
*- تنص المادة 39 من دستور 1996 على أن القانون يعاقب على المخالفات المرتكبة ضد الحقوق و الحريات.
1- أنظر: مقال صحفي مأخوذ من جريدة الوطن مرفق بهذه المذكرة.
2- نقض جزائي، 02 ديسمبر 1980، مجموعة قرارات الغرفة الجنائية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، سنة 1985، ص 26 مأخوذ من، الدكتور عبد الله أوهابية المرجع السابق، ص360.
التعذيب للحصول على إقرارات يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلىثلاثة سنوات».
و هي الفقرة الأخيرة التي تم تعديلها بموجب قانون رقم 04-15 المؤرخ في 10 نوفمبر 2004.
2- جريمة القبض على الأفراد و التوقيف دون وجه حق
لقـد قيد المشرع الجزائري الحالات التي يجـوز فيها لضابط الشرطة القضائية اللجوء فيهم إلى التوقيف للنظـر، و القبض على الأشخاص، باعتبارها قيد يـرد على حرية الإنسان في التحـرك و التجوال، و هذه الحالات منصوص عليها بموجب المادة 51 من قانون الإجراءات الجزائية، هذا بالإضافة إلى تحديد الآجال القانونية للتوقيف للنظر، و كل خرق لهذه القواعد يرتب المسؤولية الجزائية للضابط الأمر به، و يعتبر حبسا تعسفيا أو كما عبرت عنه المادة 107 منه «على معاقبة الموظف بالسجن المؤقت من خمسة إلى عشر سنوات إذا أمر بعمل تحكمي أو مساس بالحرية الشخصية للفرد...»، كما نص في المادة 51 فقرة 06 على أنه إذا تم انتهاك الآجال المقررة للتوقيف للنظر يعرض ضابط الشرطة القضائية إلى العقوبات التي يتعرض لها من حبس شخصا تعسفيا1.
إلا أن هذه الجرائم كالجرائم الأخرى، يجب أن يتوفر فيها القصد الجنائي عند القائم به بتعمده إحداث القبض بغير وجه حق، وهي اتجاه الإرادة إلى ارتكاب فعل بقصد حرمان فرد ما من حريته في التجول و الحركة دون وجه حق مع علمه بذلك، هذا من جهة، و من جهة أخرى فإن المشرع شدد العقوبة لتصل إلى السجن المؤقت من خمس إلى عشر سنوات في حالة عدم قيام الموظفون، أو رجال القوة العمومية، أو المكلفون بالشرطة الإدارية، أو الضبط القضائي بالتبليغ عن أي واقعة حجز غير قانوني، أو تحكمي وقع في المؤسسات، أو في الأماكن المخصصة بحجز المقبوض عليهم أو في أي مكان أخر و لا يثبتون أنهم اطلعوا السلطة الرئاسة عن ذلك، و ذلك طبق لنص المادة 109 من قانون العقوبات.
فمسؤولية موظف الشرطة القضائية قائمة إذا لم يراعي مشروعية الأمر الصادر عن رؤسائه و لا يعفيه من تلك المسؤولية كونه تلقى الأمر من مسؤوليه فإذا نفذ أمر قبض غير قانوني تلقاه من رؤساءه دون أن يأمر به من السلطة القضائية المختصة، و خارج الحالات التي يجيزها القانون تكون مسؤوليته قائمة، فالأمر لا يكون قابلا للتنفيذ إلا إذا كان مشروعا، و لا يمكن للموظف أن يدفع بعذر تلقيه الأمر من رؤسائه فذلك لا يدخل ضمن الأعذار القانونية التي تعفي من المسؤولية، أو تخفف منها، إلى جانب ذلك يتعرض ضابط الشرطة القضائية، أو القائم بتنفيذ هذا الإجراء الغير قانوني إلى المسؤولية التأديبية و ذلك لتجاوزه حدود سلطته و إتيان عمل غير قانوني.
1- طبقا لنص المادة 110 مكرر، هي الحبس من ستة أشهر إلى سنتين و بغرامة من 500 إلى 1.000 دج.
ثانيا:جريمة إساءة استعمال السلطة ضد الأفراد
رغبة منه في صيانة حرمة المنازل أورد المشرع الجزائري في قانون العقوبات و في مادته 135 تجريما خاصا على كل من أساء استعمال سلطته بانتهاكه لحرمة المنازل.
فنكون بصدد هذه الجنحة متى قام ضابط الشرطة القضائية بصفته هذه بالدخول إلى منزل مواطن، أو محل مسكون، أو معد للسكن بغير رضاء أو موافقة صاحبه ،و خارج الحالات المنصوص عليه في القانون، و دون مراعاة الإجراءات الواردة به1.
و تتميز جنحة إساءة استعمال السلطة عن جنحة انتهاك حرمة منزل و التي تقابلها بخصوص صفة الفاعل، فإذا كان الفاعل في الجريمة الثانية هو كل مواطن فإن الفاعل في جريمة إساءة استعمال السلطة ينبغي أن يكون موظفا أو ضابطا للشرطة القضائية أو ينتمي إلى أفراد القوة العمومية، و ينبغي أن يكون الدخول إلى المسكن بهذه الصفة، فإذا دخل الضابط بصفته و هو يؤدي عمله وفق للقانون، أو دخل المنزل بصفته مع رضاء صاحب المنزل فإن الجريمة لا تقوم.
و إذا دفع أحد عناصر الضبطية القضائية بأن دخوله إلى منزل الشخص قد تم تنفيذا لتعليمات من رئيسه الإداري و كانت غير قانونية لا يعد هذا من قبيل ما يجيزه القانون2، و بالرجوع إلى نص المادة نجد أنها لم تنص على ظروف مشددة بل اكتفت بصورة واحدة هي الجريمة العادية التي يعاقب عليها من شهرين إلى سنة و بغرامة من 500 إلى 3.000 دج، إلا أنها أشارت إلى المادة 107 من نفس القانون التي تشدد في العقوبة فتصبح السجن المؤقت من خمس إلى عشر سنوات إذا كانت مرتبطة بالمساس بالحريات الفردية، و هنا تصبح جناية عند اقترافها بهذا الوصف.
ثالثا: جريمة إفشاء السّر المهني
من المقرر قانونا أن إجراءات التحري المناطة بعناصر الضبطية القضائية، يستوجب فيها السرية و هذا بمقتضى المادة 11 من قانون الإجراءات الجزائية، و علة ذلك تكمن في الأهمية التي أضفها المشرع على الحقائق و الدلائل التي قد يتحصل عليها هؤلاء في سبيل إظهار الحقيقة،و نتيجة لتلك الأهمية و للطابع الشخصي الذي تحمله بعض هذه الدلائل فقد رتب المشرع الجزائري في المادة 301 من قانون العقوبات تجريما لكل من أفشى معلومات أو دلائل كان من المفروض أن تبقى سرا مهنيا.
1- أنظر: قرار صادر عن الغرفة الجنائية للمحكمة العليا بتاريخ 04 مارس 1996، مجموعـة الأحكـام، الجزء الثانـي،
ص468.
2- أنظر: - القرار الصادر عن الغرفة الجنائية الأولى للمحكمة العليا بتاريخ 30 جـوان1981، نشـرة القضـاة 1989،
الطعن رقم 21960، ص99.
- قرار جنائي في 04 مارس 1969، نشرة القضاة 1969، ص56.
و رغم أن هذا النص لم يذكر صراحة عناصر الضبطية القضائية في تعداد القائمة المشار إليها، إلا أن ذلك راجع إلى أن المشرع لم يشأ حصر الأشخاص الذين يقع على عاتقهم واجب الكتمان، بل انه اكتفى بذكر البعض منهم بدليل عبـارة أو جميع الأشخاص المؤتمنين بحكم الواقع، أو المهنة، أو الوظيفة الدائمة، أو المؤقتة على أسرار أدلى بها إليهم، و هذا ما ينطبق على عناصر الضبطية القضائية طبقا لنص المادة 11 من قانون إجراءات جزائية.
و تشترط هذه الجريمة إضافة إلى صفة من أأتُمن على السر أن يقوم هذا الأخير بإفشائه، و يعد سرا كل ما يعرفه الأمين أثناء أو بمناسبة ممارسة وظيفته أو مهنته و كان إفشاءه حرج لغيره1.
و يجب عليهم في هذه الحالة عند إطلاعهم على المستندات إذا استدعت إلى ذلك مقتضيات التحري و البحث أن لا يقوموا بإفشاء محتواها للغير ما لم يكن ذلك في إطار العمل المنوط بهم.
و لضرورة التحري، و في هذا السياق تنص المادة 45 فقرة 5 من قانون الإجراءات الجزائية أنه يراعى في التفتيش الخاص بأماكن يشغلها شخص ملزم قانونا بكتمان السّر المهني أن تتخذ مقدما جميع التدابير و الاحتياطات اللازمة لضمان احترام ذلك السّر.
و بالرجوع إلى نص المادة 301 من قانون العقوبات نلاحظ أن المشرع قام بتسليط عقوبة الحبس من شهر إلى ستة أشهر، و بغرامة مالية من 500 إلى 5.000 دج على الأشخاص المؤتمَنين بحكم الواقع أو المهنة أو الوظيفة الدائمة أو المؤقتة على أسرار أُدلي بها إليهم و أفشوها.
1- أنظر: بوسقيعة أحسن: الوجيز في القانون الخاص، الجزء الأول، دار هومة، طبعة 2002، ص243.
الفرع الثاني: إجراءات المتابعة الجزائية لعناصر الضبطية القضائية
إن القواعد الخاصة التي وضعت من طرف المشرع الجزائري بشأن المتابعة الجزائية لعناصر الضبطية القضائية لا تُطبق عليهم جميعا، و إنما تطبق على فئة واحدة فقط و هي ضباط الشرطة القضائية دون الأعوان و الموظفين المشار إليهم في المادة 19، 24، من قانون الإجراءات الجزائية هذه القواعد الخاصة، هي القواعد المقررة للمتابعة في الجنايات و الجنح المرتكبة من طرف القضاة و بعض الموظفين السامين في الدولة، فقد قرر المشرع قواعد خاصة لمساءلة ضباط الشرطة القضائية و متابعتهم حيث يقوم وكيل الجمهورية بمجرد إخطاره بالقضية بإرسال ملف الدعوى إلى النائب العام لدى المجلس
القضائي فإذا ما رأى ثمة محلا للمتابعة عرض الأمر على رئيس المجلس القضائي الذي يأمر بتعيين قاضي للتحقيق في القضية يكون من غير قضاة جهة الاختصاص التي يتبعها ضابط الشرطة القضائية المتابع، و عند الانتهاء من التحقيق معه يحال أمام جهة الحكم المختصة التي يتبعها المحقق أو أمام غرفة الاتهام، للمجلس القضائي المختص، حيث تنص المادة 577 من قانون الإجراءات الجزائية « إذا كان أحد ضباط الشرطة القضائية قابلا للاتهام بارتكابه جناية أو جنحة خارج دائرة مباشرة أعمال وظيفته أو أثناء مباشرته في الدائرة التي يختص فيها محليا، اتخذت بشأنه الإجراءات طبق لأحكام المادة 576 من قانون الإجراءات الجزائية»، و الذي جاء في محتواه أنه إذا كان الاتهام موجها إلى قاضي محكمة قام وكيل الجمهورية بمجرد إخطاره بالدعوى بإرسال الملف إلى النائب العام لدى المجلس، فإذا ما رأى ثمة محلا للمتابعة عرض الأمر على رئيس ذلك المجلس الذي يأمر بتعين قاضي تحقيق خارج دائرة الاختصاص التي يعمل بها فإذا انتهى التحقيق أُحيل المتهم عند الاقتضاء أمام الجهة القضائية المختصة لمقر قاضي التحقيق أو أمام غرفة الاتهام بدائرة المجلس القضائي.
وهنا نلاحظ أن القصد من أن تكون جهة الاختصاص بمتابعة ضابط الشرطة القضائية غير الجهة التي كان يباشر في دائرتها اختصاصه هو الحدة وعدم التحيز.
ولكي تكون دراستنا تطبيقية أكثر، حولنا تدعيمها ببعض النماذج الخاصة بأمر تعين قاضى تحقيق خارج الاختصاص الخاصة بمجلس قضاء تيزي وزو باعتباره مجلس تدريبنا، و في هذا الإطار أصدر رئيس مجلس قضاء تيزي وزو أمرا بتعيين قاضي تحقيق خارج دائرة اختصاص محكمة مقر وظيفة ضابط الشرطة القضائية المتابع جزائيا بتهمة القتل العمد من طرف النيابة1.
1- أنظر: الأمر بتعيين قاضي تحقيق خارج الاختصاص 235/ر.م.ق/05 المؤرخ في 08/11/2005 عن مجلس قضاء تيزي وزو المرفق بهذه المذكرة.
و الملاحظة أن هذا الإجراء جوهري يترتب على مخالفته خرق القانون و تعريض قرار غرفة الاتهام للنقض هذا ما قضت به المحكمة العليا في قرارها المؤرخ في 25/07/1995 1، و أهم ما جاء في هذا القرار « انه من المقرر قانونا أنه إذا كان أحد ضباط الشرطة القضائية قابلا للاتهام بارتكابه جناية أو جنحة اُتخذت بشأنه إجراءات المتابعة وفقا للمادة 576 من ق إ ج، التي تنص على وجوب إرسال الملف إلى النائب العام لدى المجلس فإذا ما رأى ثمة محلا للمتابعة عرض الأمر على رئيس المجلس الذي يأمر بالتحقيق في القضية بمعرفة أحد قضاة التحقيق يُختار من خارج دائرة الاختصاص القضائية التي يباشر فيها المتهم أعمال وظيفته.
و لما ثبت في قضية الحال أن الشكوى رفعت ضد شخص و هو ضابط شرطة قضائية بتهمة الضرب و الجرح العمدي و استغلال النفوذ و إساءة استعمـال السلطة، و رغـم هذا قـام قاضي التحقيق بتلمسان بتكليف زميله بمغنية أين يمارس المشتكي منـه وظيفته بالتحقيق مع المتهم و لم تقم غـرفة الاتهام بمراقبة سلامة الإجراءات الأمر الذي يعرض قراراها إلى النقـض و الإبطال... ».
و الملاحظ أن النماذج التي تعرضنا لها، لبعض الجرائم التي يقترفها ضباط الشرطة القضائية أو الضبط القضائي بصفة عامة ليس الغرض منها تحليلها و دراستها، دراسة تفصيلية و إنما الغرض من ذلك هو إبراز مدى الرقابة القانونية و القضائية التي أولها المشرع الجزائري على أعمال و صلاحيات الضبطية القضائية بتجريمه للتجاوزات التي تقع من طرفهم.
هذا من جهة، و من جهة أخرى، المشرع الجزائي لم يكتفي بتجريم الأفعال التي فيها مساس بالكيان المادي للشخص كالتعذيب، و الإكراه، و العنف، بل ذهب إلى أبعد من ذلك إذ جرم الأفعال التي تمس كرامة الإنسان، كتجريمه ما قد يصدر عن الضابط أو أي عون آخر من عناصر الضبطية القضائية من أقوال، كالسّب، أو الشتم، أو الإهانة أثناء ممارسة وظيفتهم طبقا للمادة 440 مكرر من قانون العقوبات.
1-انظر: قرار المحكمة العليا بتاريخ 25/07/1995-ملف رقم 135281-عن المجلة القضائية العدد الأول طبعة 1997
ص127والمرفق بالمذكرة.
المطلب الثالث: المسؤولية المدنية لعناصر الضبطية القضائية
إن رجال الضبطية القضائية، و هم يقومون بأعمالهم قد يُلحقون أضرارا خطيرة سواء بالأشخاص المقصود ين بعمليات الضبطية القضائية أو بالغير، و السؤال المطروح هل يحق للأشخاص المتضررين من المخالفات أو الجرائم المرتكبة من طرف رجال الضبطية القضائية المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي أصابتهم سواء من جراء ضرب شديد، أو من توقيف غير قانوني، أو من طلقة نارية أثناء البحث عن مجرم، أو مطاردته؟، و ما هي الجهة القضائية المختصة بنظر طلبات التعويض عن أعمال الضبطية القضائية؟، و ما مدى مسؤولية الدولة عن ذلك.
هذا ما سنحاول الإجابة عليه من خلال النقاط التالية:
الفرع الأول: قيام المسؤولية المدنية لعناصر الضبطية القضائية
تقوم المسؤولية المدنية على أركان ثلاثة هي الخطأ و الضرر و العلاقة السببية بينهما بمعنى ذلك أنه يجب لقيامها أن ينسب إلى عنصر الضبطية القضائية، خطأ و أن يصيب الضحية الذي يطالب بالتعويض ضرر، و أن يكون الخطأ سبب في حدوث الضرر، بمعنى أنه بانتفاء الخطأ لا تقوم المسؤولية و لا التعويض.
و الخطأ المنسوب إلى عناصر الضبطية القضائية قد يكون في حالة ما إذا قاموا بعمل غير مشروع سواء كان الخطأ مدنيا بحتا، أو خطأ جزائيا يقع تحت طائلة النصوص الجزائية، و ذلك بمقتضى نص المادة 124 من قانون المدني، و المادة 47 منه أو تنص المادة 2 فقرة1 من قانون الإجراءات الجزائية « يتعلق الحق في الدعوى المدنية بالمطالبة بتعويض الضرر الناجم عن جناية أو جنحة أو مخالفة بكل من أصابهم شخصيا ضرر مباشر تسبب عن الجريمة »، كما تنص المادة 30 فقرة 1 من نفس القانون « يجوز مباشرة الدعوى المدنية مع الدعوى العامة في وقت واحد أمام الجهة القضائية نفسها » و تنص المادة 4 فقرة1 من القانون أعلاه « يجوز أيضا مباشرة الدعوى المدنية منفصلة عن الدعوى العمومية».
هذا و سنحاول التركيز في دراستنا هذه على المسؤولية المدنية لعناصر الضبطية القضائية الناجمة عن مسؤوليتهم الجزائية، أو الضرر الناجم عن خطأ ارتكب بمناسبة تأدية الوظيفة، و عليه فالمشرع الجزائري قد أجاز اللجوء إلى القضاء المدني، أو القضاء الجزائي بسبب الجريمة وفقا لقواعد مضبوطة تتحدد بمبدأ حق المتضرر من الجريمة في الاختيار بين القضاءين للمطالبة بالتعويض عما لحقه من ضرر أمام القضاء المختص، و هي قاعدة عامة تطبق على الأشخاص العاديين، أو على موظفي الدولة كعناصر الضبطية القضائية عما يرتكبونه من أخطاء بمناسبة مباشرتهم لوظيفتهم.
الفرع الثاني: الإجراءات القانونية التي تحكم المسؤولية المدنية لعناصر الضبطية القضائية
يمكننا أن نتساءل عن طبيعة الإجراءات المتبعة في مساءلة عناصر الضبطية القضائية، أو بالأحرى ضابط الشرطة القضائية، هل هي نفسها القواعد العامة؟، أم أن القانون يقرر قواعد خاصة على غرار ما فعل بالنسبة لمساءلتهم جزائيا أو تأديبيا؟.
قبل ذلك لا بأس أن نعرج إلى القانون الفرنسي-باعتباره أحد أهم مصادر القانون الجزائري خاصة فيما يتعلق بقواعد المسؤولية المدنية- لمعرفة القواعد القانونية المطبقة في هذه الحالة و نحاول مقارنتها بما هو معمول به في القانون الجزائري.
كان القانون الفرنسي و لغاية العمل بقانون المسؤولية الشخصية للقضاة رقم 79-43 المؤرخ في 18 يناير 1979، يضع قواعد خاصة بضباط الشرطة القضائية دون الأعوان، فيُخضعهم لنظام مخاصمة القضاة المنصوص عليه في المادة 505 من ق الإجراءات المدنية الفرنسي1 و هو الاتجاه الذي كان قد سلكه القضاء قبل صدور قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي، في حين يخضع الأعوان لقواعد القانون العام، و ابتداء من سنة 1972 تاريخ إلغاء المادة 505 من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي بالقانون 72-626 المؤرخ في 05 يوليو 1972، و حتى بداية العمل بالقانون رقم 79-43 فقد استمر العمل بنظام المخاصمة بالنسبة لضباط الشرطة القضائية، و مع بداية تطبيقه فقد ألغي هذا التمييز بين الضباط و الأعوان في مساءلتهم مدنياً و وحدت قواعد المتابعة بالنسبة لعناصر الضبطية القضائية بما فيهم الأعوان و الضباط2.
و أصبح القضاء العادي هو المختص بالنظر في دعوى التعويض ضد أعمال الضبطية القضائية، و لكن بوجوب إتباع دعوى المخاصمة3.
أما طبقا للقانون الجزائري، فإن قواعد المسؤولية المدنية لعناصر الضبطية القضائية تجد سندها القانوني في القانون المدني السابق ذكره، وأيضا القانون الجزائي في حالة ما إذا كان التعويض أساسه خطأ مرتكب عن جريمة لأنه وطبقا لنص الذي يقرر قاعدة مخاصمة القضاة في قانون الإجراءات المدنية وهو نص المادة 303 والذي ينص » يطبق في شأن مخاصمة القضاة القواعد المنصوص عنها
في المواد 214 إلى 219 من هذا القانون.« وهو نص صريح في حصر قواعد المخاصمة على القضاة
1- D/ Stéfanie LEVASSEUR, Bouloc, procédure pénale, 12 édition: page, 275-276•
2- D/ Stéfanie LEVASSEUR, Bouloc, procédure pénale, 12 édition: page, 390.
3- في هذا الإطار أصدرت محكمة ليون المدنية بتاريخ 25 مارس 1996 حكما تمسكت من خلاله اختصاصها في الدعوى المرفوعة ضد مفتش الشرطة القضائية و هو يمارس أعماله القضائية غير أن المحكمة قررت أن الإجراءات التي يجب أن تتبع ضده في هذه الحالة هي إجراءات دعوى المخاصمة و بما أن هذه الإجراءات لم تتبع فالمحكمة قضت بعدم اختصاصها.
وحدهم دون غيرهم من الموظفين الآخرين الذين يرتبطون أو يتبعون جهاز القضاء، وهذا على عكس ما هو معمول به في فرنسا كما سبق لنا وأن رأينا، وعليه فإن عناصر الضبطية القضائية ضباطا وأعوانا نطبق عليهم القواعد العامة على حد سواء، فإذا ما نسب إلى أحدهم خطأ وسبب ضررا للغير فإنه يتابع وفقا للقواعد العامة في القانون المدني طبقا لنص المادة 124 من القانون المدني أو طبقا لقواعد قانون الإجراءات الجزائية إذا اختار المضرور الطريق الجزائي.
الفرع الثالث: مدى مسؤولية الدولة عن أعمال الضبطية القضائية
إذا كان أحد عناصر الضبطية القضائية سبب ضرر مادي أو معنوي أو جسماني للغير فإنه يسأل مسؤولية شخصية عن هذا الضرر، وهو ملزم بالتعويض طبقا للقواعد العامة في المسؤولية، والقضاء المختص في ذلك هو القضاء العادي، هذا من جهة ومن جهة أخرى وباعتبار جهاز الضبطية القضائية مرفق من المرافق العامة للدولة، فإنه يمكن مساءلة هذه الأخيرة طبقا لنص المادة 07 من قانون الإجراءات المدنية عن الأضرار التي تسببها أعمال الضبطية القضائية للغير، وذلك بشرط أن يكون الخطأ المرتكب بمناسبة تأدية الوظيفة أو بسببها، فيحق للمضرور أن يلجأ إلى الغرفة الإدارية للمجلس القضائي المختص للمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقته1.
وقد أتيحت الفرصة في هذا المجال للمجلس الأعلى – المحكمة العليا حاليا – أن يؤكد مسؤولية الدولة بسبب أعمال الضبطية القضائية حيث تعرض المضرور في محافظة الشرطة إلى عملية ضرب ألحقت به أضرارا خطيرة – تمثلت في إلحاق عجز دائما يقدر بنسبة 50 % في عينه اليسرى, تقدم على أثرها المضرور أمام الغرفة الإدارية بالمجلس القضائي، فمنحته الغرفة الإدارية تعويضات – وأسست قرارها فيما يخص الاختصاص أنه ولما كان جهاز الشرطة مرفق من المرفق العمومية للدولة وطبقا لنص المادة 07 من قانون الإجراءات المدنية، فإن الغرفة تكون مختصة في النظر في دعوى الحال.
وحيث أنه ولما كان الخطأ المرتكب نتيجة للممارسة الوظيفة، وداخل المرفق العمومي وباعتبار أن الضرر جسيم الذي لحق بالضحية نتيجة لعملية الضرب تكون بذلك دعواه الرامية إلى طلب التعويض مؤسسة، فمنحته الغرفة الإدارية تعويضات، وإثر استئناف أمام الغرفة الإدارية المحكمة العليا أكدت حق المضرور في التعويض لما لحقه من أضرار بسبب تعرضه للضرب من طرف رجال الضبطية القضائية2.
1- أنظر: أحمد محيو: المنازعات الإدارية، ديوان المطبوعات الجامعية، طبعة 5، 2003، ص، 110.
2- أنظر: قرار مجلس الأعلى– الغرفة الإدارية، 25 جوان 1976، وزير الداخلية ضد سماتي نبيل مجموعة أحكام القضاء
الإداري، لبوشحادة و خلوفي، عن الدكتور حسين فريجة، مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة، دراسة مقارنـة في
القانون الفرنسي والجزائري، ص 312.
وقد ذهب المشرع الجزائري إلى أبعد من هذا بتقريره للحالات التي يمكن أن ترتب مسؤولية الدولة عن أعمال الضبطية القضائية، وهي حالات خرق الحريات الفردية التي نص عليها المشرع صراحة في نص المادة 108 من قانون عقوبات- وذلك بقمعه لكل الانتهاكات الموجه إلى الحريات الفردية من قبل الموظفين، إلى جانب تقريريه للمسؤولية الجزائية والمدنية الشخصية للموظف الذي يأمر بعمل تحكمي أو ماس بالحرية الشخصية للفرد أو بحقوقه الوطنية– قرر المسؤولية المدنية في هذه الحالة على الدولة التي تحل بهذه الطريقة محل الموظف – في التعويض، على أن يكون لها حق الرجوع على الفاعل، و عليه فإن الدولة تسأل عن الأخطاء التي تقع منهم بمناسبة مباشرة وظيفتهم دون أن يمتد هذا الضمان إلى أخطائه الخاصة ولها العودة عليه لتعويض الخسائر التي لحقت الخزينة من جراء تعويض المتضرر من الجريمة أو العمل الغير مشروع لعضو الضبط القضائي1.
1- أنظر: د/ أحمد محيو: المرجع السابق، ص، 109.
المـبحـث الثاني
الجــزاء الإجـرائي (المسؤولية الموضوعية)
تحرص الدولة على حماية حريات الأفراد و حقوقهم، و لا تقبل المساس بها إلا في حدود ما تقرره النصوص التشريعية المختلفة، و الوسيلة الفعالة التي تحقق ذلك هي وجوب احترام قواعد المشروعية في جميع مراحل الدعوى و أمام كل جهات القضاء، لذلك تعمل التشريعات على اختلاف نظمها القانونية على إيجاد الوسائل التي تكفل القاعدة الإجرائية، و ذلك بالنص على بطلان الإجراء غير المشروع و كافة ما يسفر عنه من نتائج لأن العمل الإجرائي لكي يكون صحيحا لا بد أن تتوفر فيه شروط موضوعية تتعلق بالإرادة و الأهلية الإجرائية و ما يتطلبه القانون من شروط خاصة بالمحل المنصب عليه العمل، و سبب القيام به، و شروط تتعلق بالشكل الذي يجب أن يصاغ فيه العمل الإجرائي.
فإذا توفر في العمل الإجرائي الشروط القانونية المتعلقة به سواء من الناحية الموضوعية أو من الناحية الشكلية كان صحيحا و منتجا لآثاره القانونية، أما إذا تخلف عنه شرط من الشروط القانونية فإنه يعتبر مخالفا للقانون و يخرج من محيط الأعمال الإجرائية الصحيحة ليندرج تحت الأعمال الإجرائية المعيبة لمخالفتها للقانون1
هذا و يختص القضاء بحماية المشروعية الإجرائية، و ذلك عن طريق الرقابة على صحة الإجراءات للتأكد من أن الأجهزة المختصة بالبحث و التحري تعمل وفقا لقواعد قانونية معينة حددها المشرع تحمي حقوق و حريات الأفراد وتصونها من التعسف و التحكم و إساءة استعمال السلطة، و وسيلة القضاء في ذلك تتمثل في منع العمل الذي اتخذ مخالفا للقانون و خارج الحالات التي قررها له من ترتيب أثاره، أي الحكم ببطلان العمل المخالف للقانون.
فإذا كان الجزاء هو بطلان ذلك الإجراء لمخالفته الشروط القانونية، و خرقه للضوابط التي رسمها له القانون، فمـا هـو تعريف البطلان؟، و ما هي حالاته و الآثار المترتبة عنه ومن هي الجهة المختصة في تقريره؟
1 أنظر: أ/ صقر نبيل: البطلان في المواد الجزائية، دار الهلال للخدمات الإعلامية، طبعة 2003، ص17.
المطلب الأول: تعريف البطلان
إن الصلاحيات المنوطة بالضبطية القضائية المخالفة للقواعد القانونية التي حددها القانون، يترتب عنها البطلان، وهو بهذا المعنى جزاء يتعلق بالإجراء ذاته، يحول بينه و بين إحداثه لأثاره القانونية، بمعنى أن الأعمال التي يقوم بها عناصر الضبطية القضائية إذا لم تراعي فيها الشروط القانونية سواء منها الموضوعية أو الشكلية التي حددها قانون الإجراءات الجزائية و القوانين الخاصة الأخرى التي تنظم بعض مهام الضبطية القضائية، فإنه يترتب على ذلك بطلانها من الناحية القانونية و تصبح عديمة الأثر.
فالبطلان إذا، هو جزاء يرد على العمل الإجرائي لتخلف كل أو بعض شروط صحة هـذا العمل، و يترتب عليه عدم إنتاج آثاره المعتادة في القانون، و البطلان بطبيعته جزاء إجرائي، لأن القانون هو الذي يقرره كأثر لتخلف شروط إجرائية تطلبها صراحة أو ضمنيا.
المطلب الثاني: الحالات القانونية للبطلان و آثاره
بالرجوع إلى قانون الإجراءات الجزائية، و بالضبط في البابين الأول و الثالث من هذا القانون الخاصين بمرحلة التحري و البحث عن الجرائم و التحقيق، لا نجد المشرع الجزائري ينص صراحة على بطلان إجراء من الإجراءات التي تقوم بها الضبطية القضائية إلا في حالة واحدة و هي نص المادة 48 منه والمتعلقة ببطلان التفتيش، التي جاءت في الباب الثاني الخاص بالتحقيقات تحت عنوان الجناية أو الجنحة المتلبس بها، و التي تنص على بطلان التفتيش الذي يقوم به ضباط الشرطة القضائية المخالف للضوابط القانونية التي سبق التعرض لها في الفصل الأول، و أوجب عليهم التقيد بها في حالة القيام بهذا الإجراء و إلا ترتب عليها البطلان، حيث تنص المادة صراحة، »يجب مراعاة الإجراءات التي استوجبتها المادتين 45 و 47 و يترتب على مخالفتها البطلان «.
لكن بالرجوع إلى بعض القوانين الخاصة التي تضمنت بعض مهام الضبطية القضائية و بالخصوص ضباط الشرطة القضائية منها قانون 04/02 المؤرخ في 23/06/2004 المتعلق بالممارسات التجارية و بالضبط في مادته 49 التي أجازت لضباط الشرطة القضائية و الأعوان المؤهلين لممارسة بعض مهام الضبطية القضائية معاينة المخالفات المتعلقة بالممارسة غير الشرعية للتجارة، و تحرير محاضر بذلك، و حجز البضائع، و غلق المحلات، و كل ذلك مع مراعاة الضوابط التي نص عليها هذا القانون و في ذلك نصت المادة 57 منه على أنه « إذا لم تكن هذه المحاضر موقعة من طرف الموظفين الذين عاينوا المخالفة فإنه يترتب على ذلك بطلانها ».
كما نصت المادة 225 من قانون الجمارك على أنه يجب مراعاة الإجراءات المنصوص عليها في المواد241، 242، 244 إلى 250، 252 وذلك تحت طائلة البطلان وتتمثل هذه الإجراءات باختصار إما في عدم الاختصاص في من حرر المحضر بمعنى إذا تم تحريره من طرف أعوان أو أشخاص غير مؤهلين لذلك وخارج الفئات التي نصت عليها المادة 241 من القانون أعلاه أو في عدم مراعاة الشكليات المتعلقة بتحرير المحضر حسب ما نصت عليه المواد 241، 244، 250، والمادة 252من نفس القانون.
و السؤال الذي يتبادر للأذهان في هذا المجال ماهي آثار البطلان التي تكلمت عنها هذه المواد؟
يترتب على بطلان محاضر الضبطية القضائية إبطالها بحيث تصبح لاغية و عديمة الأثر و يميز القضاء بوجه عام بين آثار البطلان بحسب أسبابه فإذا كان البطلان بسبب إجراءات لا تقبل التجزئة كخلو المحضر من صفة محرره أو عدم الاختصاص سواء المحلي أو النوعي أ,و خلوه من التوقيع أو من تاريخ تحريره في بعض محاضر الضبطية كمحاضر الحجز الجمركي مثلا أو محاضر المخالفات التجارية ففي هذه الأحوال يكون البطلان مطلقا بحيث تثيره المحكمة من تلقاء نفسها و هنا البطلان يطول المحضر برمته و ما تضمنه و لا يمكن الاعتداء بما جاء فيه1.
أما إذا كان البطلان مؤسسا على شكليات أو إجراءات يمكن فصلها عن باقي ما تضمنه المحضر كإجراء تفتيش المساكن خارج الحالات القانونية التي تضمنتها المواد 47،45،44، من قانون الإجراءات الجزائية، أو مخالفة المواد47 فقرة 1 من قانون الجمارك أو الفقرة 3 من نفس المادة فيما يخص تفتيش المساكن الذي يجريه أعوان الجمارك، أو عدم حضور ضابط الشرطة القضائية إثر التفتيش الذي يجريه الموظفون والأعوان المختصون في الغابات تطبيقا لنصي المادة 21، 22 من قانون الإجراءات الجزائية.
ففي هذه الحالات استقر القضاء و بعض فقهاء القانون على أن يكون البطلان نسبيا2، بحيث ينحصر أثره في الإجراء الذي تم مخالفة للشكلية التي لم تراع، و لا يطول هنا البطلان المحضر برمته و في هذا قضت المحكمة العليا أن للبطلان أثر نسبي إذ يقتصر على الإجراء المشوب بالبطلان فحسب و لا ينصرف إلى إجراءات المتابعة كلها و من ثمة كان يتعين على المجلس حتى و لو ثبت بطلان محضر التحقيق الابتدائي أن يفصل في الدعوى الجبائية استنادا إلى عناصر الإثبات الأخرى منها اعتراف المتهم3، و هو نفسه الموقف الذي أخذت به المحكمة العليا في قرار آخر الصادر بتاريخ 27 جانفي 1981 الغرفة الجنائية الأولى، حيث قضت بأن الدفع ببطلان التفتيش هو من المسائل الموضوعيـة التي
1- أنظر: بوسقيعة أحسن: المنازعات الجمركية، تصنيف الجرائم و معاينتها، الطبعة الثانية 2001، ص 202.
2- أنظر: فتحي سرور: المرجع السابق ص113.
3- أنظر: قرار المحكمة العليا عن الغرفة الجنائية رقم 3 ملف رقم 144849 قرار مؤرخ 07/07/1997 غير منشور عن
الدكتور بوسقيعة أحسن المرجع السابق ص203.
يجب عرضها على قضاة الموضوع و إلا سقط الحق في إثارتها لأول مرة أمام المحكمة العليا1، حيث لا يجوز التمسك به إلا من شخص المتهم الذي قررت القاعدة لمصلحته فليس لغيره التمسك بهذا البطلان وبناء على ذلك يجب التمسك به أمام قضاة الموضوع، كما لا يجوز لقضاة الحكم إثارته من تلقاء أنفسهم، و أن الحكم ببطلان التفتيش يترتب عنه بطلان الأدلة المستقاة منه و لا يلحق هذا البطلان الإجراءات الصحيحة التي تمت قبل التفتيش الباطل.
غير أن محكمة النقض الفرنسية اعتبرت في حكمين لها صادرين عن الغرفة الجنائية بتاريخ 14/04/1961 و 14/12/1961 أن الحجز الذي يتم إثر تفتيش باطل لا يتضمن مساسا بحقوق الدفاع طالما أن الأشياء المحجوزة قد نوقشت بحرية أمام المحكمة2.
1- أنظر: جلالي بغدادي: التحقيق دراسة مقارنة نظرية و تطبيقية، الطبعة الأولى 1999، الديوان الوطنـي للأشغـال
التربوية، ص 153.
2- أنظر: الموسوعة القضائية الجزائريةCrim 14/04/1961,14/12/1961.Bull,p,528.
المطلب الثالث: الجهات المختصة في تقرير البطلان
رغم أن المشرع لم ينص على الجهة المختصة بالنظر في صحة المحاضر المحررة من طرف الضبطية القضائية سواء منها الشرطة القضائية أو محاضر الموظفين المؤهلين طبقا لقوانين خاصة ببعض مهام الضبط القضائي عكس ما فعل بالنسبة لإجراءات التحقيق القضائي و محاضره التي تكون من اختصاص غرفة الاتهام.
إلا أنه ما استقر عليه القضاء أن الجهة القضائية التي تبت في الدعوى الأصلية هي التي يعود لها الاختصاص في النظر في صحة المحاضر و هي التي تبت في طلب البطلان باستثناء محكمة الجنايات.
و ما يدعم موقفنا هذا هو اجتهاد المحكمة العليا حول هذا الموضوع، إذ ذهبت في قرار أصدرته بتاريخ 30/07/1997 إلى أنه» من المقرر قانونا أنه لا يجوز لضابط الشرطة القضائية الانتقال إلى مساكن الأشخاص الذين ساهموا في جناية إلا بإذن مكتوب من وكيل الجمهورية أو قاض التحقيق، كما لا يجوز بدء التفتيش قبل الساعة الخامسة صباحا و لا بعد الساعة الثامنة مساءا إلا بطلب من صاحب المنزل.
ولما ثبت في قضية الحال أن الجنحة المتابع بها هي جنحة متلبس بها الأمر الذي أدى بضابط الشرطة القضائية إلى تفتيش مكان وقوع الجريمة- ليلا و خارج الوقت القانوني، دون التمكن من الحصول على إذن مسبق- لكن برضا و خط مكتوب من الشاكي صاحب المنزل و هي الصفة التي لا ينافسه فيها ابنه المتهم، و من ثم فإن قرار غرفة الاتهام القاضي بصحة إجراءات التفتيش في محله مما يستوجب رفض الطعن «1.
و حيث أنه و من خلال هذا القرار تم استخلاص عدة نقاط أساسية و هي كالتالي:
النقطة الأولى أن المادة 44 من قانون إجراءات جزائية المتعلقة بوجوب حصول الإذن بالتفتيش من وكيل الجمهورية لا يترتب عن عدم مراعاتها وجوب البطلان، و أن تفتيش المسكن خارج الوقت القانوني قد يبرره طلب صاحب المنزل محل التفتيش.
لكن حسب رأينا الخاص هذا يتعارض مع مقتضيات المادة 44 و 48 من نفس القانون فالمادة 44 توجب أن يكون التفتيش بموجب إذن مكتوب من وكيل الجمهورية أو قاض التحقيق، و إلا ترتب بطلان هذا الإجراء حسب نص المادة 48 منه، و لا يجوز القياس مع المادة 47 من القانون المذكور، التي تنص على القواعد المتعلقة بالميقات القانوني للتفتيش و يجوز استثناءا الخروج عليه في حالة طلب
1- أنظر: قـرار المحكمة العليـا المـؤرخ فـي 30/07/1997، ملـف رقـم 165609، المجلـة القضائيـة العـدد
الثاني، 1997، ص213 والمرفق بهذه المذكرة.
صاحب المنزل، فإذا وقع التفتيش بدون إذن السلطة المختصة حسب نص المادة 44 فإنه يعد إجراءا باطلا و لا يؤخذ بالمحضر المحرر بذلك، و لا يجوز التبرير بطلب صاحب المنزل لأن هذا التبرير يكون في حالة الخروج عن الميقات المقرر قانونا للتفتيش فقط، و لا يجوز القياس في المادة الجزائية.
النقطة الثانية التي يمكن استخلاصها هي عدم جواز الطعن بالنقض ضد قرارات غرفة الاتهام متى نظرت في صحة الإجراءات المرفوعة إليها، و تنتهي إلى عدم إبطال الإجراء، فإنه لا يجوز الطعـن
بالنقض فيما قضت به في هذا الشأن طالما و أن موضوع الدعوى لم يفصل فيه بعد مما يفيد أن غرفة الإتهام مختصة طالما أثير طلب البطلان أمامها.
النقطة الثالثة هي أنه يحق لجهات الحكم تقدير البطلان إذا تبين لها ذلك، بمعني أنه إذا أثير الادعاء ببطلان الإجراء أمام قاضي الموضوع فإنه يحق له التصدي و تقدير البطلان من عدمه متى توفرت شروط إبطاله طبقا للقانون و نشير في هذا الصدد إلى القرار المشار إليه أنفا و هو قرار27 جانفي 1981، الصادر عن الغرفة الجنائية الأولى، و الذي قضت فيه المحكمة العليا أن الدفع ببطلان التفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يجب عرضها على قضاة الموضوع و إلا سقط الحق في إثارتها لأول مرة أمام المحكمة العليا.
النقطة الرابعة و الأخيرة التي استخلصناها من هذا القرار أن الإجراءات المتخذة من طرف الضبطية القضائية و المطلوب إبطالها لمخالفتها الضوابط القانونية فإن الاختصاص بالنظر في الادعاء ببطلانها يعود أساسا إلى قاضي التحقيق باعتباره الجهة المعروض عليها محاضر التحقيق الابتدائي أو تلك التي تحرر في إطار الجنايات و الجنح المتلبس بها كما هو الشأن في إجراء التفتيش.
لكن فإذا كان لا يجوز لقاضي التحقيق تصحيح الإجراءات التي يقوم بها بنفسه ، و إنما يرفع أمر إبطالها إلى غرفة الاتهام إذا ما رأى وجها لذلك، فكيف يمكن له أن يقوم بتصحيح الإجراءات التي يقوم بها رجال الضبطية القضائية و بالتالي طالما أنه لا يملك حق تصحيح إجراءات التحقيق الباطلة التي يقوم بها بنفسه فإنه من باب أولى ألا يختص بالنظر في الإجراءات المدفوع ببطلانها و التي يجريها ضباط الشرطة القضائية.
إذن، إن هذه النقاط التي حاولنا استخلاصها من هذا القرار تعتبر اجتهادا من المحكمة العليا طالما أن القانون لم ينظم الإجراءات الخاصة ببطلان الأعمال غير القانونية لضباط الشرطة القضائية، فيما يخص الجهة المختصة بالنظر فيها و مدى قابلية القرارات التي تصدر فيها للنقض.
وفي نفس المجال نجد أن مجلس قضاء سطيف قد أقر ببطلان إجراء التفتيش الذي قام به ضابط الشرطة القضائية و رتب نتيجة لذلك بطلان الإجراءات اللاحقة له كمحضر التفتيش، لكون الإجراء كان مخالف لنص المادة 44 من قانون الإجراءات الجزائية لأنه تم بدون إذن من وكيل الجمهورية و لا قاضي التحقيق(1).
والخلاصة التي ننتهي إليها فإنه ورغم ما قيل حول مسؤولية عناصر الضبطية القضائية سواء منها التأديبية، أو الجزائية، أو المدنية، وبغض النظر عن تطبيقها الفعلي، تعتبر في رأينا عاملا محفزا لعناصر الضبطية القضائية على أن يقوموا بأعمالهم في حدود الضوابط التي خولها لهم القانون من جهة وزاجر لهم بعدم خرق هذه الضوابط على حساب الحقوق والحريات الفردية من جهة أخرى، بالإضافة إلى تقرير الرقابة القضائية من إشراف النيابة العامة ورقابة غرفة الاتهام و التصرف في المحاضر وغيرها كلها سياجا واقيا يقف حائلا بين خرقهم لقواعد الشرعية الإجرائية.
1- أنظر: قرارمجلس قضاء سطيف المؤرخ في 09/03/1986، نشرة القضاة، عدد ،3 جولية 1996، ص89.
الخاتمة
لقد حاولنا من خلال هذه المذكرة دراسة أهم النقاط التي يثيرها موضوع الرقابة على أعمال الضبطية القضائية،و مسؤولية عناصرها محاولين التأكيد على أن تحديد الضوابط القانونية التي تقيد وتنظم أعمال الضبطية القضائية، و التي تستمد منها هذه الأخيرة شرعيتها و إخضاعها لرقابة السلطة القضائية و ترتيب المسؤولية الإجرائية و الشخصية على أي تجاوز لحدود هذه الشرعية أمر ضروري لتوفير الضمانات الكاملة للمشتبه فيهم و حماية أكبر للحقوق و الحريات الفردية و تكريس أكثر لدولة القانون.
لكن ذلك غير كافي بل يجب أن تسبقه تدابير أخرى تتعلق بانتقاء و تكوين أحسن العناصر للإلتحاق بمهمة الضبط القضائي لأن ذلك، هو بداية الاهتمام بتوفير الضمانات الضرورية لتنفيد القانون، و احترام مبدأ الشرعية الإجرائية، و ما يوفره من ضمانات للأفراد.
فمهما اجتهد المشرع في وضع القيود و الضوابط و الرقابة القضائية على الاجراءات و الأعمال المناطة بالضبطية القضائية، التي تنفذ أثناء التحريات الأولية يبقى أحسن ضمان هو حسن اختيار الرجال و حسن تكوينهم و إعدادهم للإضطلاع بهذه المهمة النبيلة.
و هو ما ينطبق على كل من يؤدي وظيفة تطبيق و تنفيذ القانون، و كما هي ذات دلالة و عمق العبارة التي قالها أنريكو فيري « إن قيمة القوانين تقدر بقيمة الرجال المكلفين بتطبيقها ».
المـراجــع.
1- المراجع باللغة العربية
أ- المؤلفـات
1- الدكتور/ أحسن بوسقيعة: الوجيز في القانون الجنائي الخاص، الجزء الأول، دار هومة للطباعة، 2002.
2- الدكتور/ أحسن بوسقيعة: قانون الإجراءات الجزائية في ضوء الممارسة القضائية، النص الكامـل للقانون و تعديلاته إلى غاية 10/11/2004 مدعم بالاجتهاد القضائي 2005/2006، منشورات بيرتي.
3- الدكتور/ عبد الله أوهايبية: ضمانات الحرية الشخصية للمتهم أثناء مرحلة البحث التمهيدي، الطبعة الأولى، ديوان المطبوعات الجامعية. 2004.
4- الدكتور/ عبد الله أوهايبية: شرح قانون الإجراءات الجزائية: التحري والتحقيق، دار هومة للطباعة، 2004.
- الدكتور/ أحمد فتحي سرور: الوسيط في شرح قانون الإجراءات الجزائية، الجزء الثاني، دار النهضة العربية، 1985.
5- الدكتور/ محمود محمود مصطفى: تطور قانون الإجراءات الجنائية في مصر و غيرها من الـدول العربية، مطبعة جامعة القاهرة، الطبعة الثانية، 1985.
6- الدكتور/ مغاوري محمد شاهين: القرار التأديبـي و ضماناتـه و الرقابـة القضائية بيـن الفعاليـة
و الضمان، توزيع دار الكتاب الحديث،1985.
7- الدكتور/ احمد محيو: المنازعـات الإداريـة ديوان المطبوعات الجامعية،الطبعة الخامسة 2003.
8- الأستاذ/ أحمد الشلقاني: مبادئ الإجراءات الجزائية في التشريع الجزائري ديوان المطبوعات الجامعية، 1999.
9- الأستاذ/ أحمد غاي: ضمانات المشتبه فيه أثناء التحريات الأولية: دراسة مقارنة نظريا وتطبيقيا في التشريع الجزائري و التشريعات الأجنبية و الإسلامية، دار هومة للطباعة، 2003.
10- الدكتور/ عبد الحميد الشواربي: ضمانات المتهم في مرحلة التحقيق الجنائي، توزيع دار الكتاب الحديث 1998.
11- رسالة دكتوراه/ للدكتور حسن فريجة: مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية دراسة مقارنة للقانون المصري و الفرنسي و الجزائري.
12- الدكتور/ إسحاق إبراهيم منصور: المبادئ الأساسية في قانون الإجراءات الجزائية الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية، 1995.
13- الدكتور/ جيلا لي بغدادي: التحقيق: دراسة مقارنة نظرية الديوان الوطني التربوية التربوية، 1999.
14- الدكتور/ عاطف النقيب: أصول المحاكمات الجزائية دراسة مقارنة، دار المنشورات الحقوقية، 1993.
15- الدكتور/ نبيل صقر: البطلان في المواد الجزائية، دار الهلال للخدمات الإعلامية، 2003.
16-الدكتور/ أحسن بوسقيعة: المنازعات الجمركية، تصنيف الجرائم ومعاينتها المتابعة والجزاء الطبعة الثانية ،دار النشر، النخلة الجزائر.
17-الأستاذ/ جدايدى معراج: الوجيز في الاجراءت الجزائية مع التعديلات الجديدة 2002 الجزائر مطبعة دار هومة.
ب- المجـلات الخاصة
1- المجلة البيداغوجية: تصدر عن المدرسة التطبيقية للأمن الوطني بالصومعة كل ستة أشهر، عدد 1، 2003.
2- مجلة الشرطة، مجلة دورية تصدر عن المديرية العامة للأمن الوطنين عدد 7، ديسمبر 2003.
ج- المجلات القضائية
1- المجلة القضائية العدد الأول طبعة 1994.
2- المجلة القضائية العدد الأول طبعة 1997.
3- المجلة القضائية العدد الأول طبعة 2001.
4- نشرة القضاة العدد الثالث جويلية 1996.
5- نشرة القضاة طبعة 1969.
د- النصوص القانونية
1- قانون الإجراءات الجزائية، الديوان الوطني للأشغال التربوية، 2005.
2- قانون العقوبات، الديوان الوطني للأشغال التربوية، 2005.
3- القانون رقم 01/08 المؤرخ في 14/أوت/2004 المتعلق بالممارسات التجارية.
4- القانون رقم 90/03 المؤرخ في 26/02/1990 المتعلق باختصاصات مفتشي العمل في المعاينة المخالفات العمل.
5- قانون الجمارك 98/10.
6- القانون رقم 02/03 المؤرخ في 05/أوت/2002 لمتعلق باختصاصات أعوان البريد والمواصلات.
2- المراجـع باللغة الفرنسية
1- STEFANIE, et LEVASSERE: Droit pénal Général et Procédure Pénale, précis DALLOZ, 1960.
2 – Marcelle LECLERE: Evolution de la compétence territoriale des officiers de la police judiciaire, DALLOZ ? 1961.
3 - Charles PARRA: traite de procédure pénale policière, étude théorique et pratique, librairie article quillt paris, 1990.
4 - Roger MERLE, et André VITU: traite de droit criminel, tome 11, procédure pénale, voiseme, édition 1979.
yacine414
2011-05-28, 16:49
مقدمـــــــــة
لا شك أنّ القانون الجزائي الإجرائي باعتباره إحدى فروع القانون الجزائي يهدف إلى الموازنة بين تحقيق الفعالية في مكافحة الجريمة بما يمنحه من سلطات واسعة للأجهزة المكلفة بذلك، و بين حماية حقوق الإنسان و ما ينبثق عنها من حقوق و حريات، من خلال الضمانات الإجرائية التي تقيد تلك الأجهزة.
و هذا الطرح يجد أهميته بالنسبة لكامل مراحل الإجراءات الجزائية، لكنه أكثر أهمية بصدد مرحلة التحريات التي تناط بجهاز الضبطية القضائية، ذلك أنه بوقوع الجريمة و نشأة حق الدولة في إيقاع العقاب على مرتكبيها تكون الضبطية القضائية أول المتدخلين للبحث و التحري عن الجريمة والمجرمين.
و قد عُني قانون الإجراءات الجزائية بتحديد أحكام الضبط القضائي في المواد 12 إلى 28 و 42 إلى 55 و 63 إلى 65 منه و تشمل الضبطية القضائية طبقا لهذه المواد ضباط الشرطة القضائية و أعوانهم، و بعض الموظفين المنوطة بهم بعض مهام الشرطة القضائية و يقوم بمهمة الضبط القضائي أيضا الولاة الذين خول لهم المشرع بعض الصلاحيات في مجال الضبط القضائي بصفة استثنائية و في حالات خاصة فبالنسبة الضباط الشرطة القضائية و أعوانهم فقد تولى قانون الإجراءات الجزائية تعدادهم حصرا في المواد 15 و 19 منه، أما بالنسبة للموظفين و الأعوان المكلفين ببعض مهام الضبط القضائي فقد ذكر قانون الإجراءات الجزائية البعض منهم في نص المادة 21 و أشار إلى الآخرين بصفة إجمالية و بدون تحديد في المادة 27 منه و يمكن أن نذكر منهم أعوان الجمارك، مفتشو العمل، موظفو إدارة التجارة و قمع الغش... إلاّ أن هؤلاء الموظفون يباشرون فقط بعض أعمال الشرطة القضائية المحددة بتلك القوانين لهذا يصفهم بعض فقهاء القانون بذوي الاختصاص الخاص، بالمقارنة مع الاختصاص العام للشرطة القضائية في البحث و التحري عن الجرائم.
و في هذا الإطار منحهم المشرع صلاحيات واسعة تصل إلى حد المساس بحريات الأشخاص و حرمة مساكنهم، و هي السلطات التي تعرف توسعا كبيرا في ظروف معينة كحالة التلبس، أو بالنسبة لطائفة من الجرائم كجرائم التهريب والمخذرات وهو ما يعد بحق مساسا بحقوق الإنسان وحرياته المكفولة دستوريا، مما فرض على المشرع الجزائي الإجرائي التدخل للتقييد من هذه السلطات بتقرير ضوابط قانونية يتوجب على ضابط الشرطة القضائية الخضوع لها أثناء ممارسة صلاحياته.
وفي نفس الإطار فإن المشرع منح لوكيل الجمهورية سلطة إدارة الضبطية القضائية، و للنائب العام سلطة الإشراف عليها، و لغرفة الإتهام سلطة المراقبة، بل إن المشرع تجاوز ذلك إلى حد ترتيب المسؤولية على تجاوز عنصر الضبطية القضائية صلاحياته و مساسه بالحقوق و الحريات سواء منها المدنية أو التأديبية أو الجزائية، إضافة إلى الجزاءات الإجرائية المتمثلة في إبطال المحاضر و الأعمال التي يقومون بها متجاوزين بذلك الضوابط القانونية لها، و بالنظر إلى ذلك تبرز الأهمية البالغة لموضوع هذه الدراسة سواء من الناحية النظرية أو العملية، فمن الناحية النظرية يمثل هذا الموضوع إحدى المسائل المتعلقة بالحقوق و الحريات باعتبارها ذات أولوية لدولة القانون سواء على المستوى الداخلي أو الدولي، كما أنه يتعلق من جهة أخرى بفكرة الفعالية اللازمة لعمل الضبطية القضائية باعتبارها المتدخل الأول في مكافحة الجريمة.
و من الناحية العملية فإن وسائل الإعلام تكشف يوميا عن انتهاكات خطيرة للحقوق و الحريات ترتكبها الضبطية القضائية.
و تماشيا مع تلك الأهمية فإن معالجة هذا الموضوع تتم من خلال إشكالية أساسية تتمثل في مدى كفالة المشرع في الموازنة بين ما منحه للضبطية القضائية من سلطات و بين ما أضفى عليها من قيود و ضوابط حامية للحقوق و الحريات و تكريس مبدأ الشرعية الإجرائية، و بصيغة أخرى نقول أنه و بالنظر إلى ما منحه المشرع من سلطات للضبطية القضائية، ما هي الضمانات التي قررها لحماية الأشخاص من التعسف في استعمال تلك السلطات؟ و بالتالي ماهي آليات الرقابة على أعمال الضبطية القضائية و ما هي الجزاءات المترتبة عن عدم شرعية أعمالها؟
و للإجابة عن هذه الإشكالية إرتأينا اعتماد منهجية نمزج من خلالها بين التحليل و المقارنة، التحليل القانوني للنصوص، و المقارنة بما عليه الوضع في التطبيق القضائي من خلال الرجوع إلى قرارات المحكمة العليا لمعرفة مدى استجابة القضاء للرقابة التي كرسها المشرع على أعمال الضبطية القضائية و الضمانات التي أولاها لحماية الحقوق و الحريات مركزين في ذلك على فئة الشرطة القضائية باعتبارها ذات الإختصاص العام مشيرين بين الحين و الآخر إلى باقي الفئات .
و تطبيقا لذلك اعتمدنا الخطة التالية:
الفصل الأول يتعلق بآليات الرقابة على أعمال الضبطية القضائية و ذلك في مبحثين، نتناول في أولهما الضوابط القانونية لصلاحيات الضبطية القضائية، و في ثانيهما نتناول الهيآت المخول لها سلطة الرقابة على أعمال الضبطية القضائية.
و أما الفصل الثاني فيتعلق بالجزاءات المترتبة عن عدم شرعية أعمال الضبطية القضائية و ذلك في مبحثين، نتناول في الأول الجزاءات الشخصية و المتمثلة في المسؤولية التأديبية و المدنية منها و الجزائية، و في الثاني نتناول الجزاء الإجرائي و المتمثل في بطلان و المحاضر و الأعمال متى كانت غير شرعية و ذلك بقليل من التفصيل.
الفصـل الأول
آليات الرقابة على أعمال الضبطية القضائية
إن سلطة القضاء و توقيع العقاب من الوظائف الأولى و الأساسية للدولة، و إن كانت هناك خصوصيات قد يتميز بها نظام عن آخر، فإن القاسم المشترك بينهما هو ضمان ردّ فعـال و سريع و ردعي في مواجهة الأفعال التي تهدد الكيان الاجتماعي، و على هذا الأساس أنيط بالضبطية القضائية سلطات واسعة فى مواجهة الجريمة، كإيقاف الأشخاص المشتبه فيهم، و تفتيش المساكن، و حجز الأشياء.
و لما كانت هذه الصلاحيات المخولة للضبطية القضائية تمس بالحقوق و الحريات الأساسية للإفراد فإن دساتير و قوانين معظم الـدول و منها الجـزائر، وضعت آليات قانونية، و قضائية لحمايتها، تكريسا منـها لدولة القانون.
وتتمثل هذه الآليات في الضوابط القانونية المكرسة في قانون الإجراءات الجزائية التي تعتبر بمثابة الشرعية الإجرائية التي تستمد منها الضبطية القضائية صلاحياتها، و سعيا منه إلى خلق موازنة بين قمع الجريمة و حماية الأشخاص و الممتلكات من جهة، و الحفاظ على الحقوق و الحريات من جهة أخرى، جعل القانون ممارسة هذه الصلاحيات تحت سلطة القضاء.
فما هي هذه الضوابط القانونية، و كيف تمارس الرقابة عليها، و من هي الجهات القضائية المخول لها سلطة الرقابة على مدى شرعية الأعمال التي تقوم بها الضبطية القضائية؟.
هذا ما سنحاول التعرض إليه بقليل من التفصيل من خلال المبحثين التاليين.
المبحث الأول
الضوابط القانونية للصلاحيات المنوطة بالضبطية القضائية
إن المهام التي ينفذها عناصر الضبطية القضائية من التحري عن الجرائم و البحث عن مرتكبيها نضمها قانون الإجراءات الجزائية من خلال أعمال البحث و التحري عن المشتبه فيهم، و تفتيشهم، و استيقافهم، و القبض عليهم، و هذه الأعمال تنطوي على قدر من المساس بحرية الأشخاص و حقوقهم، لذلك ضبطت من طرف المشرع الجزائري وفقا لحدود الشرعية الإجرائية طبقا لقانون الإجراءات الجزائية و قوانين أخرى خاصة.
و لقد وضعت هذه الضوابط كضمان للأشخاص عامة و للمشتبه فيهم خاصة حتى لا تنتهك حقوقهم و لا يتم المساس بها إلا بالقدر اللازم الذي تتطلبه مصلحة المجتمع في مكافحة الإجرام و المحافظة على النظام العام1، فماهي أهم هذه الصلاحيات و كيف تم ظبطها من طرف المشرع الجزائري؟.
سنحاول الإجابة على هذه التساؤلات من خلال المطالب التالية.
المطلب الأول: الضوابط القانونية لصلاحية التوقيف للنظر
التوفيق للنظر (La gardé a Vue)، أو كما كان يطلق عليه في قانون الإجراءات الجزائية قبل تعديله بقانون 01-08 المؤرخ في 26 جوان 2001 الحجز تحت النظر، يعرفه الفقه العربي بالتحفظ على الأفراد، و هو إجراء بوليسي سالب للحرية الفردية، يأمر به ضابط الشـرطة القضائية بوضع المشتبه فيه في مركز الشرطة، أو الدرك لمـدة زمنية محددة.
و يبدو سلب الحرية فيه في عدم ترك الفرد حرا في غدوه و رواحه2، و يعرف الأستاذ عبد العزيز سعد إجراء التوقيف للنظر مسميا إياه بالاحتجاز كما يلي « الاحتجاز عبارة عن حجز شخص ما تحت المراقبة و وضعه تحت تصرف الضبطية القضائية لمدة 48 ساعة على الأكثر بقصد منعه من الفرار، أو طمس معالم الجريمة، أو غيرها ريثما تتم عملية التحقيق و جمع الأدلة تمهيدا لتقديمه عند اللزوم إلى سلطات التحقيق و منه فالتوقيف للنظر إجراء قانوني يقوم به ضابط الشرطة القضائية لضرورة التحريات الأولية، أو في الأحوال التي حددها القانون بموجبه يوضع المشتبه فيه تحت تصرف مصالح الشرطة القضائية في مكان معين و طبقا لشكليات و لمدة زمنية يحددها القانون »3.
1- أنظر: عاطف النقيب: أصول المحاكمات الجزائية، دراسة مقارنة، طبعة 1993، ص632.
2- أنظر: عبد الله أوهابية: ضمانات الحرية الشخصية أثناء مرحلة البحث التمهيدي طبعة 2004، ص165.
3- أنظر: عبد العزيز سعد: مذكرات في قانون الإجراءات الجزائية، المؤسسة الوطنية للكتاب، طبعة 1991، ص42.
الفرع الأول: الشرعية الإجرائية للتوقيف للنظر
لقد خـول قانون الإجراءات الجزائية لضابط الشـرطة القضائية حـق توقيف أي شخص للنظر، و ذلك في حالات واردة في القانون على سبيل الحصر نوردها كالتالي:
1- حالة الجنايات أو الجنح المتلبس بها
استنادا إلى نص المادة 51 من قانون الإجراءات الجزائية المعدلة بموجب القانون 01-08 المؤرخ في 26 يوليو 2001 1، إذا رأى ضابط الشرطة القضائية لمقتضيات التحقيق أن يوقف للنظر شخصا أو أكثر ممن أشير إليهم في المادة 50 فعليه أن يطلع فورا وكيل الجمهورية و يقدم له تقريرا عن دواعي التوقيف للنظر، على ألاّ يتجاوز هذا التوقيف ثمانية و أربعين (48) ساعة غير أن الأشخاص الذين لا توجد أية دلائل تجعل ارتكابهم، أو محاولة ارتكابهم للجريمة مرجحا، لا يجـوز توقيفهم سوى المـدة اللازمة لأخـذ أقوالهم، و إذا قامت ضد شخص دلائل قويـة و متماسكة من شأنها التدليل على اتهامه، يتعين على ضابط الشرطة القضائية أن يقتاده إلى وكيل الجمهورية دون أن يوقفه للنظر أكثر من ثمانية و أربعين ساعة، من خلال هذا النص يتضح أنه في حالة ارتكاب جناية، أو جنحة متلبس بها فإن ضابط الشرطة القضائية يمكنه عند تنقله لإجراء المعاينة، أو في حالة وجوده في مكان الجريمة أن يوقف للنظر كل شخص و منعه من الابتعاد، ريثما ينتهي من التحريات.
كما يمكنه استيقاف أي شخص يرى ضرورة التحقق من هويته، و هذا ما تنص عليه المادة 50 من قانون الإجراءات الجزائية التي تحيل إليها الفقرة الأولى من المادة 51 مـن نفس القانون فهؤلاء الأشخاص يمكن أن يفيـدوا التحقيق بتوقيفهم للنظر، و هـو الإجـراء الذي تبرره مقتضيات و ضرورة إجراء التحريات و الكشف عن ملابسات الجريمة.
أمـا السبب الثاني الذي أشارت إليه الفقـرة 3 من المادة 51، فيتمثل في توفـر دلائل قـوية و متماسكة، و يقصد بالدلائـل هنا(Indices) علامـات و وقائع ثابتة و معلومة، تسمح باستنتاج وقائع مجهولة و مثالها حيازة سلاح الجريمة، أو وجود جروح على جسـم الشخص و تسمى أيضا القـرائن التكميلية (Présomptions complémentaires)، و هذه الدلائل يجب أن تكـون متناسقة و متماسكة وإلا فقدت قيمتها و يرجع تقدير ذلك لضابط الشرطة القضائية تحت رقابة السلطة القضائية2.
1- عُدلت المادة 51 أكثر من مرة آخرها التعديل بالقانون 01-08 المؤرخ في 26 يوليو 2001، كانت هذه المادة قبـل تعديل سنـة
1982 لا تنص على وجوب إبلاغ وكيل الجمهورية ببدء التوقيف تحت النظر، و هو شرط مستحدث بالقانون 82-03 المؤرخ في
13 فبراير 1982، هذا بالإضافة إلى الفقرة المضافة بالقانون 01-08 و تحمل رقم 03 التي نتص « غير أن الأشخاص الذين لا
توجد أية دلائل تجعل ارتكابهم، أو محاولة ارتكابهم للجريمة مرجحا، لا يجوز توقيفهم سوى المدة اللازمة لأخذ أقوالهم ».
2- أنظر: أحمد غاي: ضمانات المشتبه فيه أثناء مرحلة التحريات الأولية، دار هومة للطباعة، و النشر، و التوزيع، ص61.
2- حالة التحقيق الابتدائي (التحريات الأولية)
لقد نظم المشرع التوقيف للنظر في حالة أخرى و هي حالة التحريات العادية، أو الأولية، أي تنفيذ إجراءات التحري في غير حالة التلبس، و ذلك بموجب المادة 65 من قانون الإجراءات الجزائية التي تنص على أنه « إذا دعت مقتضيات التحقيق الابتدائي1، ضابط الشرطة القضائية إلى أن يوقف للنظر شخصا مدة تزيد عن 48 ساعة، فإنه يتعين عليه أن يقدم ذلك الشخص قبل انقضاء هذا الأجل إلى وكيل الجمهورية...».
و مفـاد ذلك أن ضابط الشرطة القضائية يمكنه عنـد قيامه بالتحريات الأولية أن يتخذ إجراء التوقيف للنظر ضـد أي شخص شـرط أن يكون ذلك ضروريا و مفيدا لمجـرى تحرياته الأولية و تقدير ذلك يعود له تحت الرقابة القضائية.
3- في حالة تنفيذ الإنابات القضائية
إن المادة 141 من قانون إجراءات الجزائية تنص على صلاحية، أو سلطة ضابط الشرطة القضائية أثناء تنفيذه للإنابة القضائية في التوقيف للنظر لمدة (48) ساعة، يجوز تمديدها بإذن كتابي من قاضي التحقيق بعد سماع المتهم المقدم له، هذا مع إمكانية التمديد بصفة استثنائية دون تقديمه إلى قاضي التحقيق، حيث تنص المادة إذا اقتضت الضرورة لتنفيذ الإنابة القضائية أن يلجأ ضابط الشرطة القضائية لتوقيف شخص للنظـر فعليه حتمـا تقديمه خلال ثمانية و أربعين (48) ساعة إلى قاضي التحقيق في الدائـرة التي يجري فيها تنفيـذ الإنابة، و بعد سماع قاضي التحقيق إلى أقوال الشخص المقدم له يجوز له الموافقة على منح إذن كتابي يمدد توقيفه للنظر مدة ثمانية و أربعين (48) ساعة أخرى، و يجوز بصفة استثنائية إصدار هذا الإذن بقرار مسبق دون أن يُقتاد الشخص أمام قاضي التحقيق.
1-هذه المادة معدلة بالقانون01-08 المؤرخ في 26 يوليو 2001، إلا أننا نلاحظ أن المشرع لم يعدل من مصطلح التحقيق الابتدائي لأنه مصطلح استعمل في غير محله بدليل النص باللغة الفرنسية يستعمل مصطلح آخر،Enquête préliminaire، بالإضافة إلى أصل المادة السابقة في القانون الفرنسي و هي المادة 77 تستعمل المصطلح الأخير، Enquête préliminaire بمعنى التحريات الأولية و هو ما استقر عليه الفقه و القضاء ذلك أن التحقيق الابتدائي هو عمل قضائي يقوم به قاضي التحقيق و يطلق عليه Instruction.
الفرع الثاني: إجراءات و شروط تنفيذ التوقيف للنظر
إن تحديد و شرح الإجراءات التي ينبغي على ضابط الشرطة القضائية أن يراعيها بالنسبة للتوقيف للنظر و تقيُّده بها الغرض منها الوقاية من أي شكل من أشكال التعسف، أو الإخلال بحقوق و حريات المشتبه فيهم، و من شأنها أن تجعل عمله مندرجا في إطار الشرعية الإجرائية و ذلك ضمانا لفعالية التحريات و جعل الإجراءات المنفّذة خلال هذه المرحلة بمنأى عن البطلان، و نحاول تلخيص أهم هذه الشروط و الإجراءات في النقاط التالية:
1- مدة التوقيف للنظر
لقد حدد المشرع الجزائري المدة المقررة للتوقيف للنظر بدقة و لم يترك فيها مجالا للسلطة التقديرية لضابط الشرطة القضائية، و إضفاء صفة عدم المشروعية على كل توقيف تتجاوز مدته المـدة المقررة قانونا، فيجرمه باعتباره حبسا تعسفيا، و قد حددها القانون في المـادة 48 من الدستور بثمانية و أربعين (48) ساعة1، و نصت عليها كل من المواد 51، 65، 141 من قانون الإجراءات الجزائية.
و عند انتهاء هذه المدة عليه فورا إما إطلاق صراح الموقوف و إما أن يقتاد إلى وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق بحسب الحالة.
2- تمديد مدة التوقيف للنظر
لا يجوز لضابط الشرطة القضائية أن يمدد فترة توقيف شخص تحت النظر، لأن القاعدة تقضي بعدم جواز تمديده طبقا لحكم الفقرة 2 من المادة 51 من قانون الإجراءات الجزائية إلا أن هذا القانون وضع استثناءا على هذه القاعدة بجواز تمديده، و هو تطبيقا لحكم الفقرة 3 من المادة 48 من دستور 1996 و التي جاء فيها « لا يمكن تمديد مدة التوقيف للنظر إلا استثناءا و وفقا للشروط المحددة بالقانون ».
فما هي هـذه الحالات الاستثنائية، و ما هي الشروط المحددة لها؟.
أ- تمدد فترة التوقيف تحت النظر في حالة الجرائم ضد أمن الدولة سـواء كانت جنايات، أو جنح و ذلك لمدة ثمان و أربعين (48) ساعة أخرى فقط، و هذا ما نصت عليه كل من الموا51، و65 من قانون الإجراءات الجزائية « تضاعف جميع الآجال المنصوص عليها في هذه المواد - ثمان و أربعين (48) ساعة- إذا تعلق الأمر بجنايات، أو جنح ضد أمن الدولة2 ».
1- تضمّن دستور 1996 في مادته 48 القيود الواردة على سلطة التوقيف للنظر فتنص المادة « يخضع التوقيف للنظر
في مجال التحريات الجزائية للرقابة القضائية و لا يمكن أن يتجاوز مدة ثمان و أربعون (48) ساعة ».
2- و حسب رأى الدكتور عبد الله أوهابية أن القانون في هذه الحالة لا يقرر التمديد، و إنما يقرر قاعدة عامة بالنسبة لمدة
التوقيف للنظر بشأنها و هي مضاعفة المدة المقررة له-للتوقيف للنظر- متى تعلق الأمر بجرائم ماسة بأمن الدولة.
ب- في الحالة المتعلقة بالجرائم الموصوفة بأفعال إرهابية أو تخريبية يسمح القانون بتمديدها دون أن تتجاوز مدة أقصاها إثنى عشر يوما، طبقا للمواد51، 65 من قانون الإجراءات الجزائية، و ذلك بموجب إذن مكتوب من وكيل الجمهورية الذي يأذن و يصرح بتمديد مدة التوقيف للنظر.
يتعين عليه أن يقدم ذلك الشخص أولا إلى وكيل الجمهورية قبل إنقضاء مدة ثمان و أربعين ساعة(48) منذ توقيفه، و يطلب الإذن بالتمديد من وكيل الجمهورية، و في هذه الحالة يجوز لوكيل الجمهورية بعد استجواب المشتبه فيه أن يأذن بموجب إذن كتابي بتمديد مدة التوقيف إلى مدة لا تتجاوز ثمان و أربعين ساعة(48) أخرى و ذلك بعد فحص الملف و له السلطة التقديرية في ذلك.
و يجوز بصفة استثنائية منح الإذن بقرار مسبب دون تقديم الشخص الموقوف إلى وكيل الجمهورية، و نجد نفس الشروط نصت عليها المادة 141 من قانون الإجراءات الجزائية في حالة تنفيذ الإنابة القضائية إلا أن في هذه الحالة قاضي التحقيق المختص هو من يعود له صلاحيات إصدار الإذن بالتمديد.
الفرع الثالث: القيود التي تنظم صلاحية التوقيف للنظر
نظم المشرع الجزائري القيود التي ترد على إجراء التوقيف للنظر في مجموعة من الشروط ضمانا منه لمبدأ الشرعية الإجرائية نوجزها في النقاط التالية:
1- إطـلاع النيابـة
على ضابط الشرطة القضائية إطلاع وكيل الجمهورية فورا بكل توقيف للنظر و يقدم له تقريرا يبين فيه دواعي التوقيف للنظر طبقا لنص المادة 51 قانون إجراءات جزائية «....فعليه أن يطلع وكيل الجمهورية و يقدم له دواعي التوقيف للنظر».
2- تحرير محضر لكل توقيف للنظر
يجب على ضابط الشرطة القضائية تحرير محضر توقيف للنظر يحدد فيه أسباب التوقيف و مدته يوم و ساعة بدايته ويوم وساعة إطلاق، أو أخلاء سبيل الموقوف للنظر، أو تقديمه للجهة القضائية المختصة و كيل الجمهورية، أو قاضي التحقيق لأنهما الجهتان المختصتان بتقديم الموقوف للنظر إليهما و يحدد فيه فترات سماع أقوال الموقوف للنظر، و فترات الراحة التي تخللت فترة توقيفه، و يضمن للموقوف للنظر الحقوق المقررة له طبقا للمادتين 51 مكرر1، و 52 من القانون المذكور أعلاه و يحتوي المحضر على الحقوق التالية:
أ- بأن الضابط أخطر الموقوف للنظر بحقوقه المقررة قانونا و يشير إلى ذلك في المحضر.
ب- أن الضابط وضع تحت تصرف الموقوف للنظـر كل وسيلة تمكنه من الإتصال بأسرته فـورا و زيارتها له، و حقه في الفحص الطبي إذا رغب هو شخصيا في ذلك أو بطلب من أحد أفراد عائلته أو محاميه و يكون الفحص من طرف الطبيب الذي يختاره الموقوف، أو بناء على تسخير من ضابط الشرطة القضائية أو وكيل الجمهورية، مع وجوب أن يوقع الموقوف للنظر على هامش محضر توقيفه و في حالة الرفض يؤشر الضابط على المحضر امتناعه عن التوقيع.
3- إمساك دفتر خاص في كل مركز
يجب أن يؤسس في كل مركز للشرطة، أو الدرك الوطني سجل خاص ترقم صفحاته و تختم و يوقع عليه وكيل الجمهورية دوريا، و يلتزم ضباط الشرطة القضائية بتقديم هذا السجل للسلطة المختصة بالرقابة على عمله من نيابة و قاضي التحقيق، غرفة الاتهام و رؤسائه المباشرين.
المطلب الثاني: الضوابط القانونية لصلاحية التفتيش
التفتيش هو البحث عن عناصر الحقيقة في مستودع السر كما عرفه الدكتور محمود محمود مصطفى1، و هذا التعريف يشمل تفتيش المساكن أو تفتيش الأشخاص، أو تفتيش متاعه و الغرض من وضع القواعد القانونية و التنظيمية المتعلقة بالتفتيش هو حماية مستودع السر للأفراد حتى لا تنتهك حرمة حياتهم الخاصة.
و تفتيش المساكن في الإطار القانوني، و حرمة المسكن، و عدم انتهاكها من الحقوق التي نصت مواثيق حقوق الإنسان و الدساتير و كذا التشريعات على حمايتها إن التفتيش كأصل هو من أعمال التحقيق القضائي، لا يؤمر به إلا من طرف السلطة المختصة بالتحقيق، و يقوم بتنفيذه ضابط الشرطة القضائية استثناءا في الحالات التي يحددها القانون، و طبق للأشكال، و الإجراءات، و الأسباب التي يقررها و ذلك تحت إشراف و رقابة السلطة القضائية، و عليه فرغم أن المشرع أناط صلاحية تفتيش المساكن لضابط الشرطة القضائية، إلا انه وضع لها ضوابط و قواعد قانونية، لا يجوز تجاوزها أو خرقها، تضبط حالات التفتيش، و شروطه القانونية، و كل مخالفة لها تعرض القائم بها إلى المسائلة الجزائية و التأديبية إلى جانب بطلان الإجراء و عليه سنتعرض لهذه الضوابط من خلال هذه النقاط:
1- أنظر: محمود محمود مصطفى: شرح قانون الإجراءات الجزائية، دار النهضة القاهرة، طبعة 12، ص 140.
الفرع الأول: الحالات القانونية للتفتيش
حرصا منه على صيانة حرمة المساكن حصر المشرع الجزائري الحالات التي يجوز فيها لضباط الشرطة القضائية الدخول إلى مساكن الأشخاص و تفتيشها، فما هي هذه الحالات؟.
1- حالة التلبس
تنص على هذه الحالة المادة 44 من قانون الإجراءات الجزائية «لا يجوز لضابط الشرطة القضائية الانتقال إلى مساكن الأشخاص الذين يظهر أنهم ساهموا في الجناية أو أنهم يحزون أوراقا أو أشياء متعلقة بالأفعال الجنائية المرتكبة لإجراء التفتيش إلا بإذن مكتوب صادر من وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق مع وجوب الاستظهار بهذا الأمر قبل الدخـول إلى المنزل و الشروع في التفتيش»1.
و من خلال المادة 44 قانون الإجراءات الجزائية نلاحظ حصر القيود و الضوابط التي يجب أن يلتزم بها ضابط الشرطة القضائية عند تفتيشه لمنزل المشتبه فيه و تتمثل هذه القيود في:
- أن يكون قد ارتكب جناية، أو جنحة في حالة تلبس.
- أن يكون صاحب المسكن محل التفتيش ممن ارتكبوا، أو ساهموا في ارتكاب الجريمة، أو ممن
تظهر عليهم أمارات تدل على أنه يحوزون أشياء، أو أوراق لها علاقة بالجناية.
- يجب أن يتم التفتيش بموجب إذن مكتوب من وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق و ذلك لاعتبارين
اثنين أولهما أن التفتيش من اختصاص السلطة القضائية و هو أصلا من أعمال التحقيق القضائـي
و خـوله المشرع استثناء لضابط الشرطة القضائية لمقتضيات القـيام بالتحريات الأولية، و ثانيها
أن حماية الحقوق و الحريات العامة للأفراد من اختصاص السلطة القضائية فيجب أن يتم التفتيش
تحت رقابتها.
-إلزامية الاستظهار بالإذن المكتوب قبل الدخول إلى المسكن و مباشرة التفتيش.
1- الصياغة الجديدة التي وضعها المشرع بموجب القانون رقم 82-03 المؤرخ في 13 فبراير 1982 و قد كانت الصياغة القديمة لهذه المادة " يجوز لمأمور الضبط القضائي لانتقال إلى مساكن الأشخاص الذين قد يكونوا ساهموا في الجناية أو يحوزون أوراق أو أشياء متعلقة بالأفعال الجناية و يجري تفتيشا و يحرر عنه محضرا، و بما أن هذه المادة غير دستورية لكونها تتناقض مع نص المادة 50 من دستور 1976 التي نصها«تضمن الدولة حرمة المسكن لا يفتش إلا بمقتضى القانون و في حدوده، لا يفتش إلا بأمر مكتوب صادر عن السلطة القضائية المختصة». فجاء التعديل لتدارك القصور و التناقض بين التشريع و أحكام الدستور.
2 – حالة التحريات الأولية
بالرجوع إلى نص المادة 63 من قانون الإجراءات الجزائية نجدها تنص على قيام ضباط الشرطة القضائية بالتحقيقات الإبتدائية للجريمة بمجرد علمهم بوقوعها، إما بناء على تعليمات وكيل الجمهورية، و إما من تلقاء أنفسهم، و نصت المادة 64 منه على أنه لا يجوز تفتيش المساكن في هذه الحالة و معاينتها و ضبط الأشياء المثبتة، إلا برضاء صريح من الشخص الذي ستتخذ لديه هذه الإجراءات، و يجب أن يكون هذا الرضاء بتصريح مكتوب بخط صاحب الشأن، فإن كان لا يعرف الكتابة فبإمكانه الاستعانة بشخص يختاره بنفسه و يذكر ذلك في المحضر مع الإشارة صراحة إلى رضاه و تطبق فضلا عن ذلك أحكام المواد من 44 إلى 47 من نفس القانون.
3- حالات أخرى لتفتيش المساكن
هناك حالات أخرى لتفتيش المساكن خارج إطار التحريات الأولية يمكن لضابط الشرطة القضائية تنفيذها، و هي حالات نص عليها قانون الإجراءات الجزائية و نلخصها فيما يلي:
- تفتيش المنازل بموجب إنابة قضائية فضابط الشرطة القضائية الـذي يكون مفوضا من طـرف
قاضي التحقيق المختص يمكن أن يباشر التفتيش في جميع الأماكن.
- التفتيش في إطار مكافحة جرائم الإرهاب و التخريب ما عدا ما يتعلق منها بالمحافظة على السر
المهني.
الفرع الثاني: القيود الواردة على إجراء التفتيش
حرصا من المشرع على حماية المساكن لم يكتف بالنص على هذا الإجراء بل وضع جملة من الشروط و الضوابط التي يجب على ضابط الشرطة القضائية أن يلتزم بها تحت طائلة المتابعة الجزائية فالتقيد بهذه الشروط هو الذي يجعل الإجراء مشروعا و منتجا لآثاره القانونية و تسهر السلطة القضائية على مدى الإلتزام بذلك عن طريق الرقابة القضائية و ذلك بوجوب أن يتم التفتيش وفق الشروط التالية:
1- وجوب الحصول على إذن من السلطة القضائية المختصة طبقا لنص المادة 44 من قانون الإجراءات الجزائية و ذلك في كل الحالات السابق ذكرها، عكس ما هو معمول به في القانون الفرنسي1، إذ لا يشترط الإذن المسبق من السلطة القضائية المختصة في الجرائم المتلبس بها، لإجراء التفتيش حسب نص المادة 56 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي و هـو ما كـان
معمول به في الجزائر قبل التعديل رقم 82-03، الذي بموجبه أصبح الإذن شرطا في حالـة
« Si la monteur du crime est telle que la preuve en puisse être acquise par 1- تنص المادة 56
la saisie des papiers, documents, ou autres objets en la possession des personnes qui paraissent avoir participé au crime au détenir des pièces ou ces derniers pour y procéder à une perquisition dont il dresse procès verbal ».
التفتيش في الجرائم المتلبس بها، و هذا ما قضي به في فرنسا« إن إجراء التفتيش للمساكن في غير حالة التلبس لا يجوز إجراءه إلا بناء على إذن من السلطة القضائية »1.
2- أن يقوم بالتفتيش ضابط شرطة قضائية وفق ما تحدده المادة 15من نفس القانون، أو بحضـوره
و تحت إشرافـه فلا يجوز تكليف العون بالتفتيش بصفة منفردة و إلا وقع التفتيش باطـلا لعدم
الاختصاص.
3- أن يقع التفتيش في الميقات القانوني سواء في حالة التلبس، أو في حالة التحريات الأولية أو أثناء
تنفيذ إنابة قضائية فالضابط القانوني لميقات التفتيش هو أنه لا يجوز البدء في التفتيش قبل الساعـة
الخامسة صباحا و لا بعد الساعة الثامنة مساءا طبقا لنص المادة 47 من قانون الإجراءات الجزائية.
4- إلزام الاستظهار بالأمر المكتوب الذي يعيّن المسكن الواجب تفتيشه و يكون هذا الإذن ممهـورا
و مؤرخا من طرف السلطة التي أصدرته قبل الشروع في مباشرة عملية التفتيش طبقا لنص المادة
44 من قانون الإجراءات الجزائية.
5- يجب أن يتم التفتيش بحضور المشتبه فيه و إذا تعذر عليه الحضور فإن ضابط الشرطة ملـزم
بأن يكلفه بتعيين ممثل له ،و إذا أمتنع أو كان هاربا استدعى ضابط الشرطة القضائية لحضور عملية التفتيش شاهدين من غير الموظفين الخاضعين لسلطته، و ذلك طبقا لنص المـادة 45 مـن نفس القانـون أعلاه، و يتم تسخير الشاهدين بواسطة محضر يوقعانه مع الضابط2.
و تظبط الأشياء و الأوراق التي يعثر عليها جرّاء عملية التفتيش و التي تكون مفيدة لإظهار الحقيقة، أو التي يمكن أن تشكل دلائل مادية في القضية كما يقوم ضابط الشرطة القضائية بجرد كل الملاحظات و يرقمها و يضعها في أحراز مختومة بعد تقديمها للمشتبه فيه، أو الشهود للتعرف عليها، و ترسل مرفقة بالمحضر إلى النيابة العامة.
غير أنه إذا تم التفتيش في مسكن يشغله شخص ملزم بكتمان السر المهني كالطبيب، أو المحامي فعلى ضابط الشرطة القضائية أن يتخذ جميع الاحتياطيات اللازمة للحيلولة دون إفشاء المعلومات التي يطلع عليها أثناء عملية التفتيش.
« Hors le cas de flagrant délit les officiers de police judiciaire ne peuvent procéder à1- une perquisition où à une arrestation sans mandat du juge d’instruction ».
* Cri 9 jan 1953, Bull – Crim n° 242 cité par P chambre – le juge d’instruction, P, 150.
2- غير أن القانون وضع استثناءا على هذه القاعدة و التي وردت في المادة 45 فقرة 03 و هو خروج عن قاعدة حضور صاحب المنزل، أو من ينوبه، أو شاهدان، و هي إذا تعلق الأمر بجرائم موصوفة بأفعال إرهابية، أو تخريبية، و بصفة عامة فإنه في هذه الحالات فقط يجوز الخروج عن القواعد و الضوابط المقررة للتفتيش، و هذا حرصا من المشرع على حماية السكينة و الأمن العام و حريات الأفراد، و ذلك باستثناء ما تعلق منها بالسّر المهني.
و يتعين هنا على الضابط أن يكون مرفوقا بمسؤولي النقابة لهذه الفئة المعنية عند إجراء التفتيش في هذه الأماكن1.
أما بالنسبة للتفتيش الذي يجريه ضابط الشرطة القضائية خارج حالات التلبس فقد أوجب القانون إلى جانب الضوابط القانونية المذكورة أعلاه أن يتم التفتيش في هذه الحالة بموجب رضا صريح و مكتوب بخط يد الشخص الذي يتم تفتيش منزله، فإذا كان لا يعرف الكتابة فبإمكانه الاستعانة بشخص يختاره بنفسه و يذكر ذلك في المحضر و الإشارة صراحة إلى رضاه، و ذلك طبقا لنص المادة 64 من قانون الإجراءات الجزائية.
الفرع الثالث: حالات الخروج عن الميقات القانوني
يجيز القانون لضابط الشرطة القضائية الخروج عن القاعدة العامة المتعلقة بميقات إجراء التفتيش الواردة في نص المادة 47 من قانون الإجراءات الجزائية بين الساعة الخامسة صباحا و الساعة الثامنة مساءا و ذلك في الحالات التالية:
1- طلب صاحب المسكن أو في حالة الضرورة
بالرجوع إلى نص المادة 47 من نفس القانون نجد أن المشرع نص صراحة على جواز الخروج عن قاعدة الميقات القانوني المقرر لإجراء التفتيش سواء في مساكن المشتبه في مساهمتهم في ارتكاب الجريمة، أو الذين يحوزون أوراقا، أو أشياء لها علاقة بالجريمة و يتقرر هذا الاستثناء متى طلب صاحب المنزل الدخول برضاه إلى مسكنه و تفتيشه، أو في حالة الضرورة و هي الحالة التي نجدها في نص المادة 47 فقرة 2 من قانون الجمارك إثر متابعة البضائع محل الغش على مرأى العين أو في حالة بداية التفتيش في أواخر النهار. وذلك بمناسبة التفتيش الذي يجريه اعوان الجمارك .
2- تفتيش الفنادق و المساكن المفروشة
يجيز القانون لضابط الشرطة القضائية، طبقا لنص المادة 47 فقرة 02 من قانون الإجراءات الجزائية الدخول في أي ساعة من ساعات الليل أو النهار إلى الفنادق، و المساكن المفروشة، و المحلات و ما إليها من الأماكن المفتوحة للعامة، و تفتيشها، و ضبط الأشياء إذا تعلق الأمر بجرائم المخدرات و الدعارة المعاقب عليها بالمواد 342 و ما يليها من قانون العقوبات.
1- أنظر: عبد الله أوهايبية: شرح قانون الإجراءات الجزائية الجزائري، دار هومة للطباعة و النشر، ص
3- بمناسبة الجرائم الإرهابية و التخريبية
و طبقا للفقرة الثالثة من المادة 47 من قانون الإجراءات الجزائية التي أضيفت بموجب الأمر 95/10 المؤرخ في 25 فبراير1995 1، فإنه عندما يتعلق الأمر بجرائم موصوفة أفعال إرهابية، أو تخريبية يمكن لقاضي التحقيق أن يقوم بأية عملية تفتيش أو حجز، ليلا أو نهارا، و في أي مكان على إمتداد التراب الوطني أو يأمر ضباط الشرطة القضائية بذلك.
ملاحظة
و هي نفس الضوابط التي قيد بها المشرع حرصا منه دائما على رقابة أعمال الضبطية القضائية و وضعها في إطار قانوني محدد نظرا لتعلقها بالنظام العام و مساسها بالحريات الفردية ، إجراءات التفتيش في بعض القوانين الخاصة و التي تمنح لموظيفيها و أعوانها بعض مهام الضبطية القضائية فنجد أن نص المادة 47 من قانون الجمارك تحصر الحالات التي يجيز فيها لأعوان الجمارك تفتيش المساكن و معاينة الجريمة الجمركية، و هي نفس الشروط العامة للتفتيش، زيادة على وجوب حضور ضابط الشرطة القضائية هذه العملية و إلا اعتبر هذا المحضر باطلا إلا استثناءا في حالة متابعة الجريمة على مرأى العين، أو في حالة الجرائم الواقعة في النطاق الجمركي ، و هي نفس الشروط التي قيد بها المشرع إجراء التفتيش الذي يجريه الموظفون، و الأعوان المختصون في الغابات طبقا لنص المادتين 21، 22 من قانون الإجراءات الجزائية إلا الاستثناء الأخير فهو غير معني بهم .
1- و هي الجرائم المضافة لقانون العقوبات بموجب الأمر 95/10 المؤرخ في 25 فيفري 1995، الذي أضيفت بموجبه المواد 87 مكرر إلى 87 مكرر9 تحت عنوان الجرائم الموصوفة بأفعال إرهابية أو تخريبية.
المطلب الثالث: الضوابط القانونية لصلاحية تنفيذ القبض
إذا كان المشرع الجزائري قد وسع من الصلاحيات المنوطة بعناصر الضبطية القضائية من حيث التوقيف للنظر، و التفتيش إلا أنه كما رأينا قيد الحد من استعمالها، إلا فيما يخوله القانون، و إلا تعرض المسؤول عن ذلك إلى المساءلة الجزائية.
هذا، و إلى جانب هذه الصلاحيات الخطيرة التي يتمتع بها عناصر الضبطية القضائية، هناك صلاحية أخرى تمس بالحقوق و الحريات الفردية و هي صلاحية القبض على المشتبه فيهم، و هذا ما سنتناوله في الفروع التالية.
الفرع الأول: تعريف القبض
إن الضوابط و القواعد التي يقررها القانون لأعمال الضبطية القضائية و خاصة القبض تجد مبررها الشرعي في الحماية القانونية التي أقرتها مواثيق حقوق الإنسان و دساتير الدول الحديثة1، لحرية تنقل الأشخاص حيث تنص المادة 47 من الدستور على عدم متابعة أي شخص أو القبض عليه إلا في الحالات التي ينص عليها القانون، ذلك أنّ القبض إجراء خطير يمس بحرية الشخص، لذلك يجب أن يقتصر على الحالات التي يحددها القانون ،و ينفذه موظفون منحهم القانون اختصاصا بذلك طبق للإجراءات و الشكليات التي يرسمها، و هذه النقاط هي التي تولي القانون ضبطها و تحديدها و هي مظهر من مظاهر الرقابة القانونية على شرعية الأعمال التي تقوم بها الضبطية القضائية.
و لم يعرف المشرع الجزائري القبض، و كل ما ورد بشأنه هو تعريف الأمر بالقبض الصادر عن السلطات القضائية، و المنفذ من قبل الشرطة القضائية طبقا لنص المادة 119 من قانون الإجراءات الجزائية، و ما يستخلص من المـادة أنّ أمر القبض هو ذلك الأمر الصادر عن السلطة القضائية إلى القوة العمومية بالبحث عن المتهم، و سوقـه إلى المؤسسة العقابية، أو إلى وكيل الجمهورية حيث يتم تسليمه و حبسه.
إذا فالمشرع بين لنا من هو المختص بإصدار الأمر بالقبض، و كيف ينفذ، و من طرف من، و الإجراءات الواجب اتباعها بخصوصه.
1- محمود محمود مصطفى، شرح قانون الإجراءات الجزائية، المرجع السابق، ص217.
الفرع الثاني: الحالات القانونية لتنفيذ إجراء القبض
القبض هو إجراء من إجراءات التحقيق باعتباره يتضمن مساسا بحرية الأشخاص، و تقييد تلك الحرية هي من اختصاص الجهات القضائية، فالأمر بالقبض على شخص معين لا يصدر إلا عن السلطة القضائية، و ينفذ من قبل عناصر الضبطية القضائية، كما خول المشرع الجزائري طبقا لنص المادة 61 من قانون الإجراءات الجزائية لأي شخص أن يقبض في حالة الجناية، أو الجنحة المتلبس بها على الفاعل و يقتاده إلى أقرب ضابط شرطة قضائية.
و تتمثل الحالات التي يجوز فيها تنفيذ إجراء القبض على الأشخاص من طرف عناصر الضبطية القضائية في الحالات التالية:
1- تنفيذا لأمر قضائي:
سواء صدر هذا الأمر من طرف قاضي التحقيق استنادا إلى نص المادة 109 و ما يليها من قانون الإجراءات الجزائية التي جاء فيها « يجوز لقاضي التحقيق حسبما تقتضي الحالة أن يصدر أمرا بإحضار المتهم أو بإيداعه السجن أو إلقاء القبض عليه »، و المادة 116 منه « إذا رفض المتهم الامتثال لأمر الإحضار أو حاول الهرب بعد إقراره أنه مستعد للامتثال إليه تعين إحضاره جبرا عن طريق القوة »، و المادة 119 منه التي تنص « الأمر بالقبض هو ذلك الأمر الذي يصدر إلى القوة العمومية بالبحث عن المتهم و سوقه إلى المؤسسة العقابية المنوه عنها في الأمر حيث يجري تسليمه و حبسه »، و إذا كان المتهم هاربا، أو مقيما خارج إقليم الجمهورية فيجوز لقاضي التحقيق بعد استطلاع رأي وكيل الجمهورية أن يصدر ضده أمرا بالقبض إذا كان الفعل الإجرامي معاقبا عليه بعقوبة جنحة بالحبس، أو بعقوبة أشد جسامة و يبلغ أمر القبض، و ينفذ عن طريق القوة العمومية.
2- في حالة التلبس بجناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس:
و نلاحظ أنّ المشرع في المادة 61 من قانون إجراءات جزائية لم يشر صراحة إلى اختصاص ضابط الشرطة القضائية في القبض على المشتبه فيه على غرار المشرع المصري.
غير أن المادة 51 من القانون الذكور أعلاه خولت ضباط الشرطة القضائية توقيف المشتبه فيه للنظر لمدة لا تزيد عن 48 ساعة، و لا يُتصور من الناحية العملية تنفيذ هذا الإجراء إلا بالقبض على الشخص، و يقدر ضباط الشرطة القضائية في مجرى تحرياتهم الدلائل ،و العلامات التي تبرر القبض على الشخص و حجزه، و لقد عبر عنها المشرع واصفا إياها بالقوية و المتماسكة، و يبقى هذا التقدير من الوقائع التي تخضع للرقابة القضائية1.
1- أنظر: عبد الله أوهايبية: ضمانات المشتبه فيه أثناء مرحلة التحريات الأولية، ص 120.
Tribu. Gr, In. Marseille, 28 Janvier 1982, D 1983. IR. 402. OBS, JMK.-
و من ناحية أخرى فلقد إكتفى القضاء الفرنسي بتوافر ظروف و ملابسات ترجح قيام شخص للجريمة و تجعل إي فرد عادي يميل إلى الاعتقاد أن شخصا ما هو من ارتكب الجريمة، حتى و لو لم يشاهده و هو ينفذ أركانها المادية، و لو تبين لاحقا ألاّ علاقة له بها، فذلك يكفي مبررا للقبض عليه و اقتياده أمام أقرب ضابط للشرطة القضائية.
3- في إطار التحريات الأولية:
بموجب المادة 65 من قانون الإجراءات الجزائية، يجوز لضباط الشرطة القضائية إذا رأوا أنه من المفيد للتحقيق إيقاف شخص للنظر فإنه لا يتم ذلك إلا بعد القبض عليه أولا، و بعدها يتم إيقافه للنظر لمدة لا تزيد على 48 ساعة، و يُقدم ذلك الشخص قبل انقضاء هذه المدة إلى وكيل الجمهورية.
4- تنفيذا للإكراه البدني:
و يكون هذا إزاء الشخص الذي صدر ضده حكم كوسيلة للضغط عليه لإجباره على سداد ما عليه من مستحقات للدولة صدر بها حكم بات، و يجب في هذه الحالة مراعاة كل الإجراءات التي نصت عليها المواد 597 إلى 611 من قانون الإجراءات الجزائية، فإذا امتنع الشخص الذي صدر ضده إكراه بدني ممهور بخاتم النيابة التنفيذي عن سداد ما عليه، يلقى عليه القبض، و يقتاد إلى المؤسسة العقابية لتنفيذ عقوبة الحبس المنوه عن عدد أيامها في الإكراه البدني بموجب أمر من وكيل الجمهورية.
تلكم هي الحالات المنصوص عليها في القانون الجزائري، و التي تجيز لضابط الشرطة القضائية القبض على الأشخاص، و عليه يجب تلقينها لرجال الأمن قبل الشروع في ممارسة وظائفهم و تعليمهم الأساليب و الشكليات التي يجب إتباعها عند القبض على المشتبه فيهم، خاصة أن إجراء القبض خاضع للرقابة القضائية، فوكيل الجمهورية هو مدير الضبطية القضائية لذلك فـإن إبلاغه بارتكـاب الجريمـة
و القبض على المشتبه فيه يعد ضمانة لحرية الأفراد، إلى جانب أنّ الأمر بالقبض في كل الحالات ينفذ عن طريق النيابة و هي صاحبة الاختصاص في إعطاء الأوامر إلى القوة العمومية لتنفيذه إذا كان صادر عن طريق أوامر قضائية، و ذلك كله تحت مراقبتها و إشرافها، و هو ما يجعل المشرع الجزائري يجرم فعل القبض على أي شخص بدون أمر السلطة المختصة، و خارج الحالات لتي ينص عليها القانون، و ذلك طبقا لنص المادة 291 من قانون العقوبات، و هو ما سنتعرض له في الفصل الثاني من هذه المذكرة.
المبحث الثاني
الهيئات القضائية المخول لها سلطة الرقابة على أعمال الضبطية القضائية
نظرا لأن السلطة القضائية هي الحامية للحريات و الحقوق الفردية فإن ممارستها لوظيفة الرقابة على أعمال الضبطية القضائية من الضمانات الأساسية لتفادي أي انتهاك لمبدأ الشرعية الإجرائية، و تمارس هذه الرقابة في التشريع الجزائري من خلال إدارة وكيل الجمهورية، و إشراف النائب العام، و رقابة غرفة الاتهام طبقا لنص المادة 12 من قانون الإجراءات الجزائية.
و نظرا لأهمية هذا المبدأ، و أثره على ضمان و حماية حقوق المشتبه فيهم، و الحرص على أن تكون أعمال الضبطية القضائية شرعية و تنفذ طبقا للضوابط و الشكليات التي نص عليها القانون، سنتناوله بمزيد من التفصيل من خلال المطالب التالية:
المطلب الأول: وكيل الجمهورية كجهة إدارة
تحكم عناصر الضبطية القضائية علاقة التبعية بالجهات الإدارية التي ينتمون إليها و يعملون ضمن هياكلها و سلمها الإداري1، وتحكمهم خلال ممارسة وظيفة الضبط القضائي علاقة قانونية بالجهات القضائية طوال مدة ممارستهم هذه الوظيفة فهم يخضعون في ممارسة أعمالهم المقررة في قانون الإجراءات الجزائية، أو بمقتضى قوانين خاصة، إلى إدارة و توجيهات وكيل الجمهورية التابعين له من حيث دائرة الاختصاص، و يمارسون مهامهم باتصال دائم معهم بصفته مديرهم المباشر و ذلك طبقا لمقتضيات نص المادة 12 من قانون الإجراءات الجزائية.
و يتولى وكيل الجمهورية إدارة الضبط القضائي في عدة أوجه يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
1- يخضع عناصر الضبطية القضائية إلى تبعية مزدوجة إدارية لرؤسائهم الإداريين و تبعية وظيفية لجهاز النيابة العامة.
الفرع الأول: ضرورة إعلام وكيل الجمهورية بالتحريات و الشكاوى و البلاغات
إن عناصر الضبطية القضائية يجب عليهم أولا، إعلام وكيل الجمهورية بدون تمهل بكل الجرائم التي نقلت إلى علمهم عن طريق تحويل الشكاوى و البلاغات التي تلقوها، و كذا المحاضر التي حرروها1، و أي مخالفة لهذا الالتزام يعرض القائمين به إلى المتابعة من طرف وكيل الجمهورية بعد استطلاع رأي النائب العام2، كما أنه عليهم إبلاغه بما وصلت إليه تحرياتهم وذلك بإرفاق أصل المحاضر و نسخة منها مصادق عليها و كل الوثائق المرفقة و الأشياء المضبوطة، و يدعم هذا الالتزام ما جاء في نص المادة 18 من قانون الإجراءات الجزائية، و الهدف من إعلام وكيل الجمهورية هو السماح له بتوجيه تعليماته لهم في الوقت المناسب و كذا التوجيهات الضرورية للحد من الإجرام و تقدير النحو الذي يجب أن يتخذه كل ملف، و يعد كل خرق لهذا الالتزام مخالفة تعرض القائم به لمراقبة و مساءلة غرفة الاتهام3.
و في حالة الجريمة المتلبس بها، على ضباط الشرطة القضائية أن يخطروا وكيل الجمهورية على الفور، ثم الانتقال بدون تمهل إلى مكان ارتكابها لمعاينة الحادثة، و اتخاذ الإجراءات، و التدابير الواجب فعلها، كما أوردت المادة 62 من قانون الإجراءات الجزائية ضرورة أن يخطر ضباط الشرطة القضائية وكيل الجمهورية فورا عند علمهم بالعثور على جثة شخص و كان سبب الوفاة مجهولا، أو مشكوك فيه، و سواء كانت الوفاة نتيجة عنف، أو بدونه، و بعد إخطار وكيل الجمهورية، على ضباط الشرطة القضائية أن يتنقلوا بدون تمهل إلى مكان الحادث لمباشرة المعاينات الأولية.
و من هنا يتضح لنا بجلاء المواطن التي تستدعي ضرورة إخبار وكيل الجمهورية بكل ما يجري من تحريات، و منها ما تنص عليه المادة 40 مكرر1 المضافة بموجب تعديل قانون الإجراءات الجزائية رقم 04-14، المؤرخ في 10 نوفمبر 2004، إذ جاء فيها« يخبر ضباط الشرطة القضائية فورا وكيل الجمهورية لدى المحكمة الكائن بها مكان الجريمة، و يبلغونه بأصل و بنسختين من إجراءات التحقيق».
1- André VITU. Traité de droit criminel, tome 11. Procédure Pénal. Voiséme Roger MERLE:
édition, 1979, p. 304.
2- أنظر: تقرير بالمتابعة من طرف وكيل الجمهورية إلى النائب العام لدى محكمة تيزي وزو ضد ضابط الشرطة القضائية و المرفق بهذه المذكرة.
3- أنظر: قرار المحكمة العليا في 19/05/1970 مجموعة رجال القضاء، ص 119 عن أحمد شوقي الشلقاني المرجع السابق، ص 163.
إلى جانب ذلك فإنه، و في الحالات التي يُجيز فيها القانون لضباط الشرطة القضائية أن يباشروا مهمتهم على كافة تراب الجمهورية الجزائرية - في حالة الاستعجال -، أو في كافة دائرة اختصاص المجلس القضائي الملحقين به، يتعين عليهم أن يخبروا مسبقا وكيل الجمهورية الذي يعملون في دائرة اختصاصه طبقا لنص المادة 16 من قانون الإجراءات الجزائية.
كما يقوم الموظفون، و الأعوان المنوط بهم قانونا بعض مهام الضبط القضائي بإخبار وكيل الجمهورية بكل ما يقومون به من أعمال المعاينات، و ضبط المخالفات، و الجنح التي خولهم القانون القيام بها طبقا لنص المواد 21، 23، 25، و 26 من نفس القانون، و ذلك باعتباره مدير الضبط القضائي و له وحده سلطة التصرف في المحاضر و تمكينه من مباشرة اختصاصاته في الملائمة بين تحريك الدعوى العمومية و رفعها و بين الأمر بحفظها.
الفرع الثاني: مراقبة المحاضر و توجيه التحري و التصرف فيه
يُناط بوكيل الجمهورية سلطة توجيه أعمال الضبطية القضائية و التصرف فيها بشكل يحول بينها و بين مخالفة القانون و المساس بالحريات الفردية، و تتجلى سلطة وكيل الجمهورية في تقدير عمل الضبطية القضائية في مراجعة مدى كفاية المعلومات المتحصل عليها بشأن جريمة ما.
و قد نص قانون الإجراءات الجزائية في مادته 36 فقرة 3 على أن وكيل الجمهورية يباشر بنفسه أو بواسطة ضباط الشرطة القضائية جميع إجراءات البحث و التحري عن الجرائم مع مراعاة أحكام المواد 56، و 60 من نفس القانون.
و عليه فإن عناصر الضبطية القضائية خاضعين لسلطة وكيل الجمهورية، و بهذه الصفة فإنهم ملزمون بتنفيذ الأوامر و التعليمات التي يتلقونها منه، و أي تقاعس في هذا المجال يعرض صاحبه للجزاء1.
1- أنظر: معراج جديدي: الوجيز في الإجراءات الجزائية مع التعديلات الجديدة، الجزائر، 2002 ديوان المطبوعات الجامعية، ص17.
ففي حالة الجناية أو الجنحة المتلبس بها، و عند حضور وكيل الجمهورية لمكان الحادث بإمكانه أن يتولى مباشرة التحريات و إتمامها بنفسه، كما يسوغ له أن يكلف ضابط الشرطة القضائية بمواصلتها تحت إدارته، و هنا على ضابط الشرطة القضائية انتظار التعليمات التي يتلقاها من قبل وكيل الجمهورية و تطبيقها بشكل سوي مع ضرورة استئذانه في الكثير من الإجراءات الهامة و إلا عدت باطلة، منها التفتيش، و تمديد التوقيف للنظر، و معيار قبوله أو رفضه هو مدى قناعته بجدية التحريات التي يتقدم بها إليه ضابط الشرطة القضائية، أو عدم اقتناعه بذلك بحسب الظاهر له بعد إطلاعه على محضر التحريات و ما ورد به و ما اشتمل عليه1.
و تتمثل أيضا إدارة وكيل الجمهورية للضبط القضائي في توجيه نشاطهم و توزيع المهام على عناصر الضبطية القضائية الذين يعملون في دائرة اختصاصه سواء كانوا تابعين لهيئة واحد، أو لعدة هيئات، كما تخول له سلطة الادارة مراقبة المحاضرمن حيث التوقيع و التاريخ وخاتم الوحدة التى ينتمى اليها من حرر المحضر، ومن حيث الإختصاص النوعى منه والمحلى ،والشخصي، وبأن المحضر قد تم تحريره أثناء تأدية مهام الوظيفة،إلى جانب ضرورة تباين صفة محرره طبقا لنص المادة 18 من القانون اعلاه، وذلك لما لهذا من أهمية في إضفاء الصفة القانونية على محاضر الضبطية القضائية.
و بصفته مديرا للضبط القضائي، يستطيع وكيل الجمهورية تعيين ضابط الشرطة القضائية الذي يختاره لتنفيذ تحريات بشأن جريمة، أو قضية ما، سواء من ضمن ضباط الشرطة القضائية التابعين للدرك الوطني، أو للأمن الوطني، كما تخوله صفته هذه إعفاء أحد هؤلاء الضباط و تعويضه بآخر في تنفيذ تحريات تخص قضية ما لأسباب يراها مفيدة لسير التحقيق فيها.
1- أنظر: عبد الحميد الشواربي: ضمانات المتهم في مرحلة التحقيق الجنائي، منشأة المعارف، طبعة 1996، ص31.
الفرع الثالث: مراقبة التوقيف للنظر
إنّ مراقبة التوقيف للنظر يتجسد من خلال الصلاحيات التي منحها المشرع لوكيل الجمهورية التي تسمح له بمراقبة مدى شرعيته، و احترام حقوق الموقوفين ،و في هذا السياق تنص المادة 36 فقرة 2 من قانون الإجراءات الجزائية على أنّ وكيل الجمهورية يدير نشاط ضباط و أعوان الشرطة القضائية بدائرة اختصاص المحكمة و يراقب تدابير التوقيف للنظر.
إن مراقبة وكيل الجمهورية لإجراء التوقيف للنظر حقيقي و فعلي، و ذلك من خلال الواجب الذي نص عليه المشرع في الفقرة 1 من المادة 51 من القانون أعلاه بالنسبة لضباط الشرطة القضائية، حيث ألزمهم القانون أن يطلعوا فورا وكيل الجمهورية و يقدموا له تقريرا عن دواعي التوقيف للنظر، و مضمون هذا التقرير يتعلق بالعناصر الأولية لظروف الجريمة و الأسباب التي تبرر التوقيف، ذلك أن السلطة التقديرية لضباط الشرطة القضائية في توقيف شخص للنظر خاضعة لمراقبة وكيل الجمهورية.
و تتمثل سلطة المراقبة في هذه الحالة من خلال الأعمال التالية:
- التوقيع على السجل الخاص بالتوقيف للنظر.
- إمكانية تعيين طبيب لفحص الموقوف للنظر سواء تلقائيا، أو بناءا على طلب أفراد عائلته، أو محاميه،
و في أي لحظة أثناء، أو بعد التوقيف.
- زيارة الأماكن المخصصة للتوقيف للنظر و التأكد من أنها تستجيب للشروط اللائقة بكرامة الإنسان1.
- تفقد وكيل الجمهورية أماكن التوقيف بصفة دورية في أي وقت لمعاينة ظروف التوقيف و الإطلاع
على السجلات الموضوعة لهذا الغرض و التي يمكن له أن يدون عليها ملاحظاته.
المطلب الثاني: النائب العام كسلطة إشراف على الضبطية القضائية
يعتبر النائب العام رئيس الهيئة المكلفة بالإشراف و إدارة الضبط القضائي، فوكيل الجمهورية بما أنه يعتبر مدير الضبطية القضائية على مستوى المحكمة يعمل تحت سلطة النائب العام الذي يعود له الإشراف على هذه الفئة على مستوى المجلس القضائي، و معنى ذلك أنه إذا كانت قيادة وكيل الجمهورية للضبطية القضائية هي قيادة مباشرة فإن النائب العام تكون قيادته غير مباشرة.
و ينطوي إشراف النائب العام على توجيه و مراقبة أعمال الضبطية القضائية على مستوى المجلس القضائي مع مطالبة الجهة القضائية المختصة، غرفة الاتهام، بالنظر في كل مخالفة مرتكبة من طرف ضباط الشرطة القضائية، و تهدف هذه المطالبة إلى تجريديهم من صفة الضبطية القضائية و متابعتهم جزائيـا1 عن أي تقصير، أو إخلال يقع منهم، طبقا لأحكام المادة 208 من قانون الإجراءات الجزائية.
و لقد نصت المادة 12 منه على سلطة إشراف النائب العام على الضبطية القضائية، و بالرجوع إلى هذه المادة و بعض المواد الأخرى التي تنظم علاقة الضبطية القضائية بالنيابة العامة نجد أن المشرع اكتفى بالنص على أن للنائب العام سلطة الإشراف من خلال نص المادة 12 من قانون الإجراءات الجزائية، و كسلطة إمساك ملف فردي لكل ضابط شرطة قضائية، من خلال نص المادة 18 مكرر، و بأنه يشرف على تنقيط ضباط الشرطة القضائية، و التي يتولاها وكيل الجمهورية تحت سلطة و إشراف النائب العام، إلا أنه وبصدور التعليمة الوزارية المشتركة المنصوص عليها أعلاه و التي بينت بوضوح أهم السلطات المخولة للنائب العام كسلطة إشراف على الضبطية القضائية، و التي ندرجها في النقاط التالية:
الفرع الأول: مسك ملفات ضباط الشرطة القضائية
يحاط النائب العام علما بهوية ضباط الشرطة القضائية المعينين بدائرة اختصاصه و الذين يمارسون بصفة فعلية مهام الشرطة القضائية، و يتولى مسك ملفاتهم الشخصية التي ترد إليه من السلطة الإدارية التي يتبعها الضابط المعني، أو من النيابة العامة لآخر جهة قضائية باشر فيها هذا الأخير مهامه باستثناء ضباط الشرطة القضائية التابعين للمصالح العسكرية للأمن، و الذين تمسك ملفاتهم من طرف وكلاء الجمهورية العسكريين المختصين إقليميا.
و يتكون الملف الشخصي لضابط الشرط القضائية من الوثائق التالية:
- قرار التعيين.
- محضر أداء اليمين.
- محضر تنصيب.
- كشف الخدمات كضابط شرطة قضائية.
- استمارات التنقيط السنوية.
- صورة شمسية (عند الضرورة).
1- أنظر: التعليمة الوزارية المشتركة بين وزير العدل، و وزير الدفاع، و وزير الداخلية، المؤرخة في 31/07/2000، المحددة للعلاقة التدرجية بين السلطة القضائية و الشرطة القضائية في مجال إدارتها، و الإشراف عليها، و مراقبتها
للإشارة أنّ هذه الملفات الفردية تتعلق بضباط الشرطة القضائية فقط دون غيرهم من عناصر الضبطية القضائية.
كما أن هذه الملفات تتضمن معلومات كاملة عن مؤهلاتهم العلمية و العملية و مسارهم الوظيفي كضباط شرطة قضائية.
الفرع الثاني: الإشراف على تنقيط ضباط الشرطة القضائية
يمسك النائب العام بطاقات التنقيط لضباط الشرطة القضائية، و ترسل هذه البطاقات إلى وكلاء الجمهورية المختصين إقليميا لتقييم، و تنقيط الضباط العاملين بدائرة اختصاصهم في أجل أقصاه أول ديسمبر من كل سنة لترجع إلى النائب العام بعد تبليغها للضابط المعني في أجل أقصاه 31 ديسمبر من نفس السنة.
و يتم التنقيط وفق البطاقة النموذجية المعدة لهذا الغرض1، و لضابط الشرطة القضائية أن يبدي ملاحظات كتابية حول تنقيطه يوجهها إلى النائب العام الذي تعود له سلطة التقييم و التقدير النهائي للنقطة و الملاحظات، و توضع نسخة من بطاقة التنقيط بالملف الشخصي لضابط الشرطة القضائية، و يرسل النائب العام نسخة منها إلى السلطة الإدارية التي يتبعها المعني مشفوعة بملاحظاته قبل 31 يناير من كل سنة.
و بهدف إضفاء المزيد من المصداقية، و تجسيد مبدأ الرقابة القضائية على أعمال الشرطة القضائية، نصت التعليمة الوزارية المشتركة السابق ذكرها على أن التنقيط السنوي لضباط الشرطة القضائية يؤخذ بعين الاعتبار في مسارهم المهني، و يتم التنقيط حسب الأوجه التالية:
التحكم في الإجراءات، و روح المبادرة في التحريات، و الانضباط، و روح المسؤولية، و مدى تنفيذ تعليمات النيابة العامة، و الأوامر، و الإنابات القضائية، و السلوك، و الهيئة.
علاوة على ذلك، فإنه يتم تنقيط ضباط الشرطة القضائية التابعين لوزارة الدفاع الوطني من طرف وكيل الجمهورية العسكري لدى المحكمة العسكرية المختصة إقليميا ضمن الشروط و وفق الأشكال المبينة سابقا.
1- أنظر: التعليمة الوزارية المشتركة السابقة.
الفرع الثالث: الإشراف على تنفيذ التسخيرات
لقد نصت التعليمة الوزارية المشتركة المذكورة سابقا بأن يتولى النائب العام مهمة الإشراف على تنفيذ التسخيرات التي تصدرها الجهات القضائية للقوة العمومية من أجل حسن سير القضاء.
تصدر هذه التسخيرات الموجهة إلى القوة العمومية في أجل تسمح للجهة المسخرة باتخاذ الاحتياطات و التدابير اللازمة لتنفيذها.
تكون التسخيرات مكتوبة، و مؤرخة، و موقعة من الجهة التي تصدرها.
و أول شيء يشترط في هذه التسخيرات، أن تكون محررة في شكل مكتوب، و مؤرخة، و موقعة من الجهة التي أصدرتها، و في الواقع لا يمكن حصر أوجه و أغراض تسخير القوة العمومية غير أنه يمكن إجمالها في الأغراض التالية:
- التسخير من أجل تنفيذ الأوامر القضائية و القرارات الجزائية.
- استخراج المساجين من المؤسسات العقابية لمثولهم أمام الهيئات القضائية.
- حراسة المساجين أثناء تحويلهم من مؤسسة عقابية إلى أخرى.
- ضمان الأمن، و الحفاظ على النظام العام خلال انعقاد الجلسات.
- تسليم الإستدعاءات، و التبليغات القضائية في المادة الجزائية متى استحال تبليغها بالوسائل القانونية الأخرى.
- عند القيام بالمهام التي تقتضي تدخل القوة العمومية لأجل حسن سير القضاء.
- تقديم المساعدة اللازمة لتنفيذ الأحكام، و القرارات القضائية المدنية، و السندات التنفيذية، و يتم ذلك عند الاقتضاء وفق برنامج دوري يعد مسبقا من طرف وكيل الجمهورية بالتنسيق مع مسؤولي القوة العمومية و المحضرين القضائيين.
- يمكن عند الاقتضاء- و خاصة في المدن الكبرى-، إنشاء فرق مخصصة للتكفل بتنفيذ التسخيرات المتعلقة بالأحكام القضائية المدنية.
على أن تقتصر مهمة القوة العمومية المسخرة لتنفيذ الأحكام، و القرارات المدنية على ضمان الأمن و حفظ النظام العام.
و عندما يصبح تنفيذ التسخيرات مستحيلا في آجالها المحددة تحرر الجهة المسخرة تقريرا مسبقا يرسل إلى الجهة المسخرة لاتخاذ ما تراه مناسبا من إجراءات.
و في الأخير يمكن لنا أن نشير إلى أن سلطة النائب العام في الإشراف على ضباط الشرطة القضائية، أو على الضبطية القضائية بصفة عامة، يبقى لها معنى واسع من مفهوم الإدارة التي يتمتع بها وكيل الجمهورية، لأنه في المفهوم الأول الإشراف يعني السلطة غير المباشرة التي تنطوي على إعطاء التوجيهات و التعليمات عن طريق وكيل الجمهورية، إلا أن ما لاحظناه عمليا هو أن التسخيرات و الإشراف عليها يتم عن طريق وكيل الجمهورية.
المطلب الثالث: غرفة الاتهام كسلطة محاكمة و توقيع الجزاءات
سنتطرق إلى رقابة غرفة الاتهام للضبطية القضائية من خلال تحديد الأشخاص الخاضعين لهذه الرقابة، ثم إلى الإجراءات المتبعة أمام غرفة الاتهام، و نوع الجزاءات التي تفرضها، ثم إلى مدى جواز الطعن في القرارات التي تصدرها غرفة الاتهام على إثر متابعة عناصر الضبطية القضائية.
الفرع الأول: عناصر الضبط القضائي الخاضعين لمراقبة غرفة الاتهام
كانت المادة 206 من قانون الإجراءات الجزائية قبل تعديلها سنة 1982 تخول غرفة الاتهام حق مراقبة أعمال الضبط القضائي الذين لهم صفة ضباط الشرطة القضائية أما أعوان الضبط القضائي، و الموظفون و الأعوان المنوط بهم بعض مهام الضبط القضائي فإن أعمالهم كانت خاضعة لمراقبة رؤسائهم الإداريين حتى صدور قانون رقم 82-03 المؤرخ في 13 فبراير 1982، و الذي عدلت بمقتضاه المادة 206 كالتالي « تراقب غرفة الاتهام أعمال ضباط الشرطة القضائية و الموظفين و الأعوان المنوط بهم بعض مهام الضبط القضائي الذين يمارسونها حسب الشروط المحددة في المادة 21 و ما يليها من قانون الإجراءات الجزائية»، بمعنى أن الأعضاء الخاضعين لرقابة غرفة الاتهام هم:
- ضباط الشرطة القضائية و هم ( الولاة، رؤساء المجالس البلدية، ضباط الدرك الوطني محافظو الشرطة، ضباط الشرطة، ذوي الرتب في الدرك، رجال الدرك الذين أمضوا في سلك الدرك ثلاث (03) سنوات خدمة على الأقل و عُينوا بموجب قرار وزاري مشترك بين وزير العدل و وزير الدفاع الوطني بعد موافقة لجنة خاصة، مفتشو الأمن الوطني الذين قضوا في خدمتهم بهذه الصفة ثلاث (03) سنوات و عُينوا بموجب قرار وزاري مشترك بين وزير العدل و وزير الداخلية بعد موافقة لجنة خاص، ضباط و ضباط الصف للأمن العسكري الذين تم تعنيهم خصيصا بموجب قرار مشترك صادر عن وزير الدفاع الوطني و وزير العدل).
- الموظفين و الأعـوان المكلفين ببعض مهـام الضبط القضائي و هم: رؤسـاء الأقسـام، و المهندسين، و الأعوان الفنـيين، و التقنيين المختصين في الغابات و حمـاية الأراضي و استصلاحها في ميدان الغابات، و مهندسي المياه و الري في مجال الري، مهندسـي البناء و العمران في مجال العمران، و مهندسي الأشغال العمومية، و مفتشي و مراقبي الأسعار و قمع الغش، و مفتشي المالية، و حراس السواحـل، و أعوان البنك المركزي، و الأعـوان المكلفين بالتحقيقات الاقتصادية و قمـع الغـش المعينين بقرار وزاري و ذلك في مجـال التنظيم و التشريع المتعلق بالصرف و حركة رؤوس الأموال من و إلى الخارج1...».
غير أن التساؤل الذي قد يُطرح هنا هو أنه عند استقراء المواد المقررة للرقابة 207 و ما يليها إلى 211 نجدها تذكر فقط ضباط الشرطة القضائية دون غيرهم من الأعوان و الموظفين الذين ذكرتهم المادة 206 من قانون الإجراءات الجزائية، و قد طرحنا هذا التساؤل لأن المادة 206 هي وحدها من بين المواد 207 و ما يليها التي تعمم الرقابة على جميع ضباط الشرطة القضائية و جميع الموظفين و الأعوان الموكل لهم بعض مهام الضبط القضائي.
غير أنه و استنادا إلى هذه المادة و ما قضت به المحكمة العليا2، فإن غرفة الاتهام تراقب أعمال ضباط الشرطة القضائية و الموظفين و الأعوان المنوطة بهم بعض مهام الضبط القضائي التي يمارسونها حسب الشروط المحددة في المواد 21 و ما يليها من نفس القانون، و ينحصر اختصاص غرفة الاتهام على مستوى المجلس القضائي بالنسبة للأعضاء المذكرين في المادة 206 المشار إليهم سابقا الذين يعملون على مستوى نفس المجلس، و أنه و حسب رأيي فإن المشرع لم يشأ من ذلك إعادة ذكر نفس الأعوان تفاديا منه للتكرار فقط.
غير أن غرفة الاتهام بالجزائر العاصمة تُعتبر صاحبة الاختصاص فيما يتعلق بضباط الشرطة القضائية للأمن العسكري و تحال القضية على غرفة الاتهام من طرف النائب العام بعد استطلاع رأي وكيل الجمهورية العسكري الموجود بالمحكمة العسكرية المختصة إقليميا و مرد ذلك يعود لعدم وجود هيئة موازية لغرفة الاتهام على مستوى المحاكم العسكرية من جهة، إضافة إلى أنهم يمارسون مهامهم على مستوى التراب الوطني من جهة ثانية طبقا لنص المادة 16 قانون إجراءات جزائية.
الفرع الثاني: آليات السير في الدعوى أمام غرفة الاتهام
تنظر غرفة الاتهام كهيئة تأديبية في الإخلالات المنسوبة لعناصر الضبطية القضائية، والذين سبق تحديدهم، هذا بقطع النظر عن الإجراءات التأديبية المقررة في القوانين الأساسية لهم، أو المتابعات الجزائية التي قد تترتب عن الأفعال المنسوبة لهم.
1- أنظر: نشرة القضاة، العدد 53، طبعة 1997، ص11.
2- أنظر: قرار صادر في 5 يناير 1993 عن الغرفة الجنائية في الطعن رقم 105717، المجلة القضائية للمحكمة العليا
عدد 01، سنة 1994، ص247.
و هذه الإخلالات المنسوبة لضباط الشرطة القضائية تتعلق فقط بالمهام المنوطة بهم كضبط قضائي و التي سبق عرضها في المبحث الأول، فغرفة الاتهام عليها تقدير خطورة الأخطاء المرتكبة و التي لم يحددها القانون، و ترك السلطة في ذلك إلى الهيئات القضائية الرقيبة على أعمالهم، غير أن التعليمة الوزارية المشتركة المذكورة أعلاه نصت على بعض الإخلالات المهنية لضباط الشرطة القضائية التي يمكن متابعتهم على أساسها أمام غرفة الاتهام.
و عليه، و قبل التطرق إلى آليات سير الدعوى التأديبية أمام غرفة الاتهام إلى غاية الفصل فيها، لا بد من التطرق إلى طبيعة الأخطاء المهنية المرتكبة.
1- الإطار العام للأخطاء المهنية
إن الأخطاء المهنية التي يرتكبها ضباط الشرطة القضائية، و الموظفون، و الأعوان المنوط لهم بعض مهام الضبط القضائي تُعرّف بأنها التكييف القانوني للنشاط المنحرف الذي يصدر عنهم و يكون موضوعا للمساءلة التأديبية، و يتمثل في قيامه بعمل محظور عليه1، أو امتناعه عن عمل مفروض عليه.
و كان لابد من تنظيم الأخطاء المهنية في مجموعة من القواعد القانونية و التنظيمية التي تأمرهم بعمل معين، أو تنهاهم عن إتيان فعل ما له أثر في المجال الوظيفي، و يترتب على الإخلال بها تحقق المسؤولية التأديبية2.
و غني عن البيان أن الخطأ التأديبي أوسع نطاق من الجريمة الجزائية ذلك لأنه لا يوجد تحديد مسبق للخطأ التأديبي، على عكس الجريمة التي تُحدّد بخضوع الفعل لنص التجريم، و التفسير الضيق له3.
و بقطع النظر عن الأخطاء المهنية المرتكبة أثناء ممارسة المهام المقررة في القوانين الأساسية للضباط المعنيين، هناك تجاوزات مهنية يرتكبها ضباط الشرطة القضائية مرتبطة بمباشرة مهامهم المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية، و تتمثل على الخصوص فيما يلي:
- عدم الامتثال دون مبرر لتعليمات النيابة التي تعطى لضابط الشرطة القضائية في إطار البحث و التحري عن الجرائم و إيقاف مرتكبيها.
- التهاون في إخطار وكيل الجمهورية عن الوقائع ذات الطابع الجزائي التي تصل إلى علم ضباط الشرطة القضائية، أو تلك التي يباشر هذا الأخير التحريات بشأنها.
1- أنظر: مغوري محمد شاهين: القرار التأديبي و ضماناته و الرقابة القضائية، بين الفعالية و الضمـان، توزيـع دار
الكتاب الحديث، ص 1986.
2- أنظر: محمد ماجد ياقوت: الإجراءات و الضمانات في تأديب ضابط الشرطة القضائية، الطبعة 2، 1997، ص110.
3- أنظر: محمد ماجد ياقوت: نفس المرجع ، ص111.
- توقيف الأشخاص للنظر دون إخطار وكيل الجمهورية المختص إقليميا عند اتخاذ هذا الإجراء
- المساس بسرية المعلومات التي قد يتحصل عليها بمناسبة مباشرة مهامه.
- تفتيش مساكن المشتبه فيهم دون إذن من السلطة المختصة و في غير الحالات التي ينص عليها القانون.
- خرق قواعد الإجراءات الخاصة بممارسة الاختصاصات الاستثنائية.
و مادام أن حصرها ليس بالأمر الهيّن فيمكن إجمالها بأنه يعد خطأ مهنيا يُسأل عليه تأديبيا أمام غرفة الاتهام كل إخلال بالصلاحيات و الواجبات المنوطة بضباط الشرطة القضائية، أو القيام بها خارج الحالات المنصوص عليها قانونا، أو التعسف في القيام بها على حساب حرية و كرامة المشتبه فيهم، و عند ارتكابهم لأحد هذه الإخلالات، أو غيرها جاز لغرفة الاتهـام - بما لها من سلطة قانونية - أن تبسط رقابتها، و إقامة الدعوى التأديبية و السير فيها.
2- إجراءات السير في الدعوى أمام غرفة الاتهام
بموجب المادة 207 من قانون الإجراءات الجزائية فإنّ إجراءات المتابعة أمام غرفة الاتهام تكون إما بناء على طلب من النائب العام، أو من رئيس غرفة الاتهام، و لها أن تنظر في ذلك من تلقاء نفسها بمناسبة نظر الدعوى عليها.
و يستفاء من صريح النص مايلي:
- أنه يمكن إقامة دعوى تأديبية ضد أي ضابط شرطة قضائية أيا كانت الجهة الإدارية التـي
ينتمي إليها من أجل الإخلالات المنسوبة إليـه فـي مباشرة مهامه طبقـا لقانون الإجـراءات
الجزائية، سواء حصل ذلك في مرحلة جمع الاستدلالات، أو فـي مرحلة التحريات الأوليـة.
- إن المتابعة تقع بناء على طلب النائب العام لدى المجلس القضائي و هـذا ما يحصل غالبا،
أو بناء على طلب رئيس غرفة الاتهام في إطار السلطات الخاصة التي خولتها إياه المواد 202
إلى 205 من القانون المذكور أعلاه، كما يجوز لغرفة الاتهام أن تنظر في ذلك من تلقـاء
نفسها بمناسبة نظر الدعوى المطروحة عليها كما هو الحال دائما في مواد الجنايات، أو علـى
إثر استئناف أمر من أوامر قاضي التحقيق.
- إنّ الجهة المختصة بالنظر في الدعوى التأديبية هـي غرفة الاتهـام التي ينتمي إليها ضابط
الشرطة القضائية، أو الموظف، أو العون المنوط له بعض صلاحيات الضبط القضائـي ما لم
يتعلق الأمر بضابط الشرطة القضائية التابع لمصالح الأمن العسكري فتُحال القضية دائما إلـى
غرفة الاتهام بالجزائر العاصمة كما سبق الإشارة إليه سابقا.
3- إجراءات التحقيق و المحاكمة
تنص المادة 208 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه « إذا طُرحت القضية على غرفة الاتهام فإنها تأمر بإجراء تحقيق و تسمع طلبات النائب العام و أوجه دفاع ضابط الشرطة القضائية صاحب الشأن و يتعين أن يكون هذا الأخير قد مُكن مقدما من الإطلاع على ملفه المحفوظ ضمن ملفات ضباط الشرطة القضائية لدى النيابة العامة بالمجلس، و إذا تعلق الأمر بضابط الشرطة القضائية للأمن العسكري يُمكن من الإطلاع على ملفه الخاص المُرسل من قبل وكيل الجمهورية العسكري المختص إقليميا... و يجوز لضابط الشرطة القضائية المتهم أن يستحضر محام للدفاع عنه ».
من خلال نص المادة 208 من قانون الإجراءات الجزائية نستخلص ما يلي:
أ- أنّ التحقيق وجوبي في القضية المتبعة ضد ضابط الشرطة القضائية المعني، فلا تجوز إحالته إلى غرفة الاتهام و محاكمته دون سماعه و تمكينه من تقديم أوجه دفاعه، لذلك قُضي في قرار المحكمة العليا بأنه « يتعين على النائب العام أن يستفسر ضابط الشرطة القضائية المتابع، و أن يبلغ إليه الأخطاء التي يرى أنه قد ارتكبها أثناء ممارسته وظيفته كضابط شرطة قضائية قبل إحالته على غرفة الاتهام حتى يتمكن من الاطلاع على ملفه و من تحضير دفاعه، فإن لم يفعل، و قضت غرفة الاتهام بإسقاط الصفة دون أن يتمكن من تقديم دفاعه كان قضاؤها منعدم الأساس القانوني، و مُخلا بحقوق الدفاع مما يستوجب نقضه »1.
كما قضت المحكمة العليا أيضا في قرار لها « كان على النائب العام لدى المجلس القضائي أن يستفسر رئيس المجلس الشعبي البلدي عن الإخلالات المنسوبة إليه بحيث إذا تبين له أنّ هذا الأخير قد ارتكب خطأ أثناء مباشرة وظيفته كضابط شرطة قضائية قدم إلى غرفة الاتهام عريضة مسببة، و تعين حينئذ على هذه الجهة أن تفصل في طلباته بقرار مسبب طبقا لنص المادة 209 و 210 من قانون الإجراءات الجزائية »2.
ب- أنه يتعين على غرفة الاتهام أن تستطلع رأي النائب العام لدى المجلس قبل النظر في الدعـوى
التأديبية التي أقامتها من تلقاء نفسها، أو بناء على طلب رئيسها، و إذا كان المعني المتابع من مصالح
الأمن العسكري فإنه لا يقع الفصل في القضية إلا بعد استطلاع رأي وكيل الجمهوريـة العسكـري
المختص.
1- أنظر: قرار المحكمة العليا الصادر في 15 جويلية 1980، من الغرفة الجنائية الأولى في الطعن رقم 26675.
2- أنظر: القرار الصادر عن المحكمة العليا يوم 10/11/1981، من الغرفة الجنائية الأولى في الطعن رقم 28089.
- عن الأستاذ جيلا لي بغدادي: المرجع السابق، ص53.
ج- أنه توجد على مستوى النيابة العامة لكل مجلس قضائي ملفات شخصية لضباط الشرطـة
القضائية و التي سبق الإشارة إليها في المطلب الثاني من هذا المبحث، و لهؤلاء في حالة
المتابعـة القضائية الحـق فـي الإطـلاع على ملفاتـهم المحفوظـة بالنيابة العامة لدى
المجـلس، أو لـدى وكيـل الجمهورية العسكري.
د- كما يجوز للمعني بالمتابعة أن يوكل محاميا للدفاع عنه.
و عليه فإن إجـراء التحقيق المنصوص عليـه في المادة 208 من قانون الإجراءات الجزائية وجـوبي، و يترتب على مخالفته خرق حقوق الدفاع، و هذا ما قضت به المحكمة العليا في قراراها الصادر 14/07/2000، حيث أهم ما جاء فيه « أنـه إذا ما طرح الأمر على غرفة الاتهام فإنها تأمر بإجراء تحقيـق، و تسمع طلبات النائب العام، و أوجه دفـاع ضابط الشرطة القضائية صاحب الشـأن، و الحاصل في قضية الحال أن غرفة الاتهام اعتمدت على تصريحات مسجلة أمام وكيل الجمهورية و استبعدت إجراءات التحقيق المنصوص عليها قانونا مما يشكل خرقا لحقوق الدفـاع1 ».
-حيث يستفاد من حيثيات القرار أن قرار غرفة الاتهام محل الطعن جاء مبهما فيما يخص التحقيق المنصوص عليه في المادة 208 من قانون الإجراءات الجزائية مما يتعين نقضه.
yacine414
2011-05-28, 16:50
الفرع الثالث: العقوبات التي تقررها غرفة الاتهام و مدى جواز الطعن فيها
تكون إجراءات نظر الدعوى أمام غرفة الاتهام وجاهية، حيث تتلقى طلبات النائب العام، و تفحص أوجه الدفاع التي يثيرها المعني، أو محاميه.
و بعد استكمال العناصر الضرورية للفصل في القضية من دراسة الملف، و فحصه تقدر غرفة الاتهام جسامة الخطأ المنسوب للمتابع، و تقرر العقوبة المناسبة.
1- الملاحظات و العقوبات التي تقررها غرفة الاتهام
بالرجوع إلى نص المادة 209 قانون إجراءات جزائية، الذي جاء فيه « يجوز لغرفة الاتهام أن توجه إلى ضابط الشرطة القضائية المعني ملاحظات، أو تقرر إيقافه مؤقتا عن مباشرة أعمال وظيفته كضابط شرطة قضائية، أو إسقاط هذه الصفة عنه نهائيا ».
و عليه فإن غرفة الاتهام يمكن أن تصدر ملاحظات تتمثل في الإنذار الشفوي، أو الكتابي، أو التوبيخ.
1- أنظر: قرار المحكمة العليا رقم 246742 الصادر بتاريخ 14/07/2000، المجلة القضائية العدد الأول، طبعة 2001، ص332، و المرفق بهذه المذكرة.
و أما العقوبات التأديبية فتتمثل في الإيقاف المؤقت عن ممارسة مهام الضبط القضائي، أو الإسقاط النهائي لصفة الضبطية القضائية عن المعني، و عنـدما يصدر القرار سواء كان ملاحظة، أو عقوبة تأديبية يجب أن تبلغ هـذه القرارات المتخذة ضـده إلى السلطات الإدارية أو العسكرية التي يتبعها الضابط طبقا لنص المادة 211من قانون الإجراءات الجزائية و ذلك بناء على طلب من النائب العام.
و قد أغفل المشرع الجزائري النص على وجوب تبليغ المعني بالأمر إلا أنه و حسب مقتضيات الأحكام العامة التي تقضي بوجوب تبليغه بكل قرار يتخذ بشأنه لكونه شرطا لا بد منه لمساءلته فيما بعد عن التجاوزات التي ارتكبها.
و يعزي هذا الواجب الخاص بالتبليغ إلى خشية أن يقوم ضابط الشرطة القضائية المعاقب بمزاولة مهامه في حين أن غرفة الاتهام حرمته من ممارسة اختصاصاته بصفة مؤقتة، أو دائمة خاصة، و أن قانون العقوبات يجرم ممارسة الاختصاصات المنوطة بعد العزل، أو الوقف من ممارستها بصفة مؤقتة، أو مستمرة1.
و في إطار المقررات التي تصدرها غرفة الاتهام فإنه و بناء على تقرير أرسله وكيل الجمهورية لدى محكمة عنـابة إلى النائب العام بمجلس قضاء عنـابة يرمي إلى متابعة ضابط شرطة قضائية لارتكابه جنح العنف ضد الأشخاص، الشتـم، و التهديد، الحبس التعسفي، و رفض تنفيذ أوامـر النيابة الأفعال المنصوص و المعاقب عليها بموجب المواد 297، 299، 442، 440، 91، 293، 132 من قانون العقوبات، و حيث أن النائب العام قدم وفقا للمادة 207 من قانون الإجراءات الجزائية الملف الخاص بالسيد (ف، ق) بصفته ضابط الشرطة القضائية إلى غرفة الاتهام مع طلبات كتابية ترمي إلى نزع منه نهائيا صفة ضابط الشرطة القضائية، و بموجب قرار صادر في 22/03/1992 قررت غرفة الاتهام بمجلس قضاء عنابة توقيف صفة المعني بالأمر لمدة سنتين ابتداء من تاريخ صدور هذا الحكم2.
2- مدى جواز الطعن في المقررات التي تصدرها غرفة الاتهام
بالرجوع إلى المواد من 206 إلى 211 قانون إجراءات جزائية، و الخاصة بمراقبة أعمال الضبطية القضائية لا نجد المشرع ينص على أي طريقة من طرق الطعن ضد القرارات التي تصدرها غرفة الاتهام في هذه الحالة.
1- تنص المادة 142 قانون العقوبات « كل قاضي أو موظف أو ضابط عمومي فصل أو عزل أو أوقف أو حرم قانونا
من وظيفته يستمر في ممارسة أعمال وظيفته يعد استلامه التبليغ الرسمي بالقرار المتعلق به يعاقب بالحبس من
ستة أشهر إلى سنتين و بغرامة من 500 إلى 1.000 دج ».
2- أنظر: بذلك قرار المحكمة العليا الصادر في 05/01/1993 ملف رقم 105717 و الموفق بهذه المذكرة.
و لقد ذهبت المحكمة العليا في هذا الصدد إلى تقرير عدم جواز الطعن في المقررات التأديبية التي تصدرها غرفة الاتهام في اجتهادها المؤرخ في 05/01/1993 بمناسبة نظرها في القضية رقم 105717، و أهم ما جـاء في هذا الاجتهاد أنه « من المقـرر قانونا و قضاء أن تراقب غرفة الاتهام أعمال ضباط الشرطة القضائية، و الموظفين، و الأعوان المنوطة بهم بعض مهام الضبط القضائي التي يمارسونها حسب الشروط المحددة في المواد 21 و ما يليها من قانون إجراءات جزائية، و لغرفة الاتهام أن تصدر قرارات تأديبية إدارية دون جواز الطعن فيها قانونا، و لما كان ثابتا في قضية الحال أن غرفة الاتهام أصدرت قرارات تأديبية تتضمن توقيف صفة الطاعن لمدة سنتين ابتداء من تاريخ صدور القرار، فإن هذا القرار -على خلاف الأحكام الجزائية- لا يجوز استعمال طريق الطعن فيه، مما يتعين رفض الطعن الحالي لعدم جوازه قانونا »1.
كما ذهب الأستاذ Brouchot إلى حد الجزم بأن الطعن بالنقض ضد قرارات غرفة الاتهام غير مفتوح 2.
لكننا نرى أن هذا الاجتهاد مخالف لما قضت به الغرفة الجنائية الأولى للمحكمة العليا في عدة قرارات لها من جهة، و التي سبق الإشارة إليها من قبل و التي سنتعرض للبعض منها في الفصل الثاني عند تطرقنا إلى المسؤولية التأديبية لعناصر الضبطية القضائية.
كما أن هذا الأخير لا يتلاءم مع أحكام الفقرة الأولى من المادة 495 من قانون إجراءات جزائية التي لا تجيز الطعن بالنقض في القرارات الصادر عن غرفة الاتهام إلا إذا كانت تتعلق بالحبس المؤقت، و الرقابة القضائية من جهة أخرى وهذا ما يجعلنا نرى أن ما ذهبت إليه المحكمة العليا يتناقض مع نص هذه المادة.
و هو ما يجعلنا نقترح إدراج مادة في قانون الإجراءات الجزائية تتعلق بجواز الطعن ضد قرارات غرفة الاتهام الخاصة بمراقبة أعمال الضبطية القضائية لأن غياب النص يجعل الاجتهاد مفتوح و هذا ما قد يمس نوعا ما بالحق في التقاضي على درجتين.
1- قرار المحكمة العليا بتاريخ 05/01/1993 ملف رقم 105717 إجتهاد قضائي، المجلة القضائية، العدد الأول 1994،
ص 247، القرار مرفق بالمذكرة.
2- أنظر: J. BRAUCHOT, La chambre d'accusation, rev, science crime, 1959, p 351.
الفصل الثاني
الجزاءات المترتبة عن عدم شرعية أعمال الضبطية القضائية
إن أعمال الضبطية القضائية أحاطها المشرع بعناية خاصة بتنضيمها في إطار قانوني محدد و وضع ضوابط وشكليات لممارستها على النحو الذي يمكنها من التحري في الجريمة والتوصل إلى حقيقة وقائعها والتعرف على هوية مرتكبها دون أن يكون في ذلك مساس بحقوق وحريات الأفراد.
و لقد تطورت الأنظمة الإجرائية لتصل إلى إيجاد صيغة ملائمة لحماية المصلحة العامة بتمكين الضبطية القضائية من مواجهة الإجرام بفعالية وفي ذات الوقت المحافظة على حقوق المشتبه فيهم بوضع جملة من الضمانات لذلك والتي يمكن إجمالها فيما يلي
* الضوابط والشكليات التي تنظم أعمال الضبطية القضائية وإخضاع ممارستها إلى الرقابة القضائية على النحو الذي بيناه سابقا.
* الجزاء الإجرائي المتمثل في بطلان الإجراءات المنفذة من طرف الضبطية القضائية متى كانت مخالفة للقانون.
* المسؤولية الشخصية لعناصر الضبطية القضائية عن التجاوزات والأخطاء التي يمكن أن تصدر عنهم في مجال أعمالهم.
إذا ماهي هذه التجاوزات أو الأخطاء؟ وما نوع المسؤولية المترتبة عنها؟
هذا ما سنحاول الإجابة عليه من خلال المبحثين التاليين:
المبحث الأول
الجزاءات الشخصية (المسؤولية الشخصية)
إن الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها عناصر الضبطية القضائية تتفاوت من حيث طبيعتها ودرجتها، فهناك أخطاء بسيطة ذات طابع إداري لا ترقى إلى مستوى الجريمة ،حيث تترتب عنها المسؤولية التأديبية فقط، وهناك أفعال خطيرة تتوفر فيها عناصر الجريمة ويمكن أن يترتب عنها ضرر مادي أو معنوي فتؤدى إلى قيام المسؤولية الجزائية أ و المدنية، هذا ما سنعرضه في ثلاث مطالب، نتعرض في الأول إلى المسؤولية التأديبية، و في الثاني إلى المسؤولية الجزائية، و في الثالث إلى المسؤولية المدنية.
المطلب الأول: المسؤولية التأديبية
يخضع عناصر الضبط القضائي لهيئة تحكمها جملة من النصوص القانونية، و التنظيمية التي تحدد مهامها، و تنظيمها، و تبين المسار المهني لأعضائها بدءا بالتوظيف فالتكوين ثم التسيير، و تتضمن النصوص المتعلقة بإدارة الأفراد عادة القانون الأساسي كما هو الشأن بالنسبة لأعضاء الدرك الوطني1 أو على شكل قوانين، أو أوامر، أو مراسيم كما هو الحال بالنسبة للموظفين التابعين للأمن الوطني2، تتضمن هذه النصوص جزاءات تأديبية مقررة لكل موظف أخل بواجباته بتقصيره،أو ارتكابه أخطاء لا يمكن تكيفها على أنها جريمة تتطلب المتابعة القضائية، و تسند مهمة توقيع هذه الجزاءات إلى السلطات الرئاسية التي يتبعها الموظف والتي تتناسب مع الخطأ المرتكب3، و تتمثل هذه الجزاءات في الإنذار، التوبيخ، التوقيف المؤقت عن العمل، الفصل النهائي أو الحجز لمدة لا تتجاوز08 أيام، التعين أو الإدماج في سلك آخر هذا بالنسبة لموظفي الأمن الوطني بالنسبة لأعضاء الدرك الوطني فالعقوبات التأديبية تتمثل في الإنذار، التوبيخ التوقيف البسيط، أو التوقيف عن العمل أو تغيير نوعية المنصب.
1- أنظر: الأمر رقم 69/89، المؤرخ في 31/10/1969، المتضمن القانون الأساسي لضباط الجيش الوطنـي الشعبـي،
الأمر رقم 69/90، المؤرخ في 31/10/1969، المتضمن القانـون الأساسـي لضبـاط الصف للجيش الوطني
الشعبي.
2- أنظر: الأمر 66/133، المؤرخ في 02 يونيو 1966، المتضمن القانون الأساسـي العـام للوظيف العمومـي المعدل
و المتمم المرسوم 83/481، المؤرخ في 13 أوت 1983، الذي يحدد الأحكام المشتركة الخاصة المطبقة علـى
موظفي الأمن العمومي و لا سيما المواد 35، 36، 37 منه.
3- و هي أخطاء مهنية بحتة ليس لها علاقة بوظيفته كضابط شرطة قضائية و المرتبطة بمباشرة مهامهم المنصوص عليها
في قانون الإجراءات الجزائية بل هي مهنية إدارية، هذه الأخطاء ترتكب أثناء مباشرة مهامهم المقـررة فـي القوانين
الأساسية لوظيفتهم، و التي تمت الإشارة إليها في الملحق.
بالإضافة إلى هذه الجزاءات التأديبية التي يمكن أن توقع على عناصر الضبطية القضائية بصفتهم موظفين في السلك البوليسي للأمن، نتيجة للمخالفات المهنية التي قد يرتكبونها، فإنهم قد يرتكبون مخالفات تتعلق بوظيفتهم كضبط قضائي، و هذه المخالفات مرتبطة بمباشرة صلاحياتهم المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية، و لكنها لا ترق إلى جريمة تتطلب المساءلة الجزائية، إذ لا يترتب على الإخلال بها سوى تحقق المسؤولية التأديبية، و هذه الأخيرة توقعها الجهات القضائية المكلفة بالرقابة على الضبطية القضائية كما سبق الإشارة إليه أعلاه المتمثلة في غرفة الاتهام.
و قد سبق لنا و أن أشرنا في الفصل الأول أن المخالفات التأديبية لا يمكن حصرها نظرا لصعوبة تعريف الخطأ أو المخالفة التأديبية، و ترك تحديد ذلك إلى السلطة القضائية المكلفة بالإشراف، و الرقابة من اعتبار الخطأ المرتكب يرقى إلى المخالفة التأديبية، أم مجرد مخالفة بسيطة لا تستحق سوى الملاحظات الشفوية، و ذلك مع مراعاة الواجبات المفروضة عليهم بموجب قانون الإجراءات الجزائية.
و ما دمنا بصدد الحديث عن المسؤولية التأديبية لضباط الشرطة القضائية و العقوبات المقررة من طرف غرفة الاتهام باعتبارها الجهة المختصة في توقيع العقوبات التأديبية لعناصر الضبطية القضائية، في حالة قيام عناصر المسؤولية المتمثل في ثبوت الخطأ المرتبط بوظيفة الضبط القضائي.
و في هذا الإطار، فصلت غرفة الاتهام لمجلس قضاء الجزائر في قرار صدر بتاريخ 30 نوفمبر 1999 في قضية رقم 1220 مكرر1، بإسقاط صفة ضابط الشرطة القضائية على رئيس الفرقة المتنقلة للشرطة القضائية و على نائبه، وأمرت بإيقافهما المؤقت لمدة ستة (06) أشهر من مباشرة أعمال وظيفتهما كضباط شرطة قضائية و ذلك ابتداء من تاريخ تبليغهما بهذا القرار.
و من خلال دراسة ما جاء في القرار يتضح أنه يطرح مسألة سلطة غرفة الاتهام في فرض عقوبات تأديبية و مسألة طبيعة و نوع الخطأ المرتكب على ضباط الشرطة القضائية، فبطلب من النائب العام لدى مجلس قضاء الجزائر رفع الأمر لغرفة الاتهام التي أمرت بإجراء تحقيق عن الإخلالات التي نسبت لمحافظ الشرطة (رئيس الفرقة المتنقلة للشرطة القضائية) و كذا لنائبه (ضابط الشرطة القضائية) و تتمثل هذه المخالفات أو التجاوزات فيما يلي:
- مخالفة المادة 13 من قانون الإجراءات الجزائية التي تفرض على ضابط الشرطة القضائية في حالة تحقيق قضائي تنفيذ تفويضات جهات التحقيق، و تلبية طلباتها، و كذا المادة 18 فقرة1 من نفس القانون التي يتعين فيها المبادرة بغير تمهل إلى إخطار وكيل الجمهورية بالجنايات و الجنح التي تصل إلى علم ضابط الشرطة القضائية.
1- أنظر: قرار غرفة الاتهام، مجلس قضاء الجزائر المؤرخ في 30 نوفمبر 1999 المرفق بهذه المذكرة.
- توقيف شخص للنظـر دون إخطار وكيل الجمهوريـة المختص إقليميا وقت اتخاذ هـذا الإجراء بل أكثر من ذلك تمديد توقيفه لمدة تسعة أيام كاملة تحت غطاء اقتراف الموقوف لجرائم موصوفة بأفعال إرهابية أو تخريبية و ذلك وفقا للمادة 65 من نفس القانون.
و باعتبار أن هذه التصرفات الصادرة عن ضابطي الشرطة القضائية تعد أخطاء وظيفية خطيرة نتيجة لتجاهلهما أحكام المواد 18، 13، و كذا المادة 65 من قانون الإجراءات الجزائية.
و ما دامت غرفة الاتهام هي صاحبة الاختصاص في تأديب ضباط الشرطة القضائية وفقا للمواد 206 و ما بعدها من نفس القانون، فإن القرار الصادر عنها بالإيقاف المؤقت لمدة ستة أشهر لكل من المعنيّين عن مباشرة أعمال وظيفتهما كضابطي شرطة قضائية جاء تكريسا للمواد المتعلقة بمراقبة أعمال ضباط الشرطة القضائية.
المطلب الثاني: المسؤولية الجزائية
المسؤوليـة الجزائية لعناصر الضبطية القضائيـة هي أشد أنواع المسؤولية الشخصية أثرا نتيجة الجزاءات التي تقررها، و تتقرر مسؤوليـتهم الجزائية، بمناسبة ارتكابهم جريمة من جرائم القانون العام أو بمناسبة ما قد يقع منهم أثناء مباشرة وظيفة الضبط القضائي من تجاوزات أو انتهاكات أو اعتداء على الحقوق و الحريات الفردية، بشـرط أن يرقى الخطأ المنسوب لعنصر الضبط القضائي إلى درجة الخطأ الجزائى طبقا لنصوص القانون، و من الجرائم التي يمكن أن يتابع بسببها، نذكر جريمة انتهاك حرمة المساكن، و القبض و التوقيف للنظر دون وجه حق، و المساس بالسلامة الجسدية للافراد1 بالإضافة إلى الجرائم التي تخرج عن إطار الوظيفة و هي متعددة، و لكن ما يميز المسؤولية الجزائية لعناصر الضبطية القضائية هي المتابعة القضائية، لأن قانون الإجراءات الجزائية أفرد فئة منهم فقط بمتابعة خاصة ،و هي فئة ضباط الشرطة القضائية، أما الأعوان و الموظفين الآخرين للضبطية القضائية فالمتابعة تكون عادية، و لهذا سنركز بالدراسـة على الفئة الأولى، و قبل أن نتعرض إلى سير المتابعة الجزائية لا بد لـنا أن نتعرف على أهم الصور التي تقوم فيـها المسؤوليـة الجزائية لضابط الشرطة القضائية بمناسبة ممارسة اختصاصاته المبينة في قانون الإجراءات الجزائية.
1- أنظر: د/ عبد الله اوهايبية، المرجع السابق ص352.
الفرع الأول: أهم الصور التي تقوم فيها المسؤولية الجزائية
سنتناول بالدراسة في هذا الصدد أبرز الجرائم التي يرتكبها ضباط الشرطة القضائية بمناسبة ممارسة صلاحياتهم المبينة في قانـون الإجراءات الجزائية، و ذلك بالتعدي على حقـوق الأفراد و عدم صيانة الحريات العامة المكرسة دستوريا1.
و قد أورد المشرع الجزائري في قانون العقوبات عددا من الصور التي تقوم فيها المسؤولية الجزائية لضباط الشرطة القضائية، يمكن إجمالها في الجرائم التالية:
أولا: جريمة الاعتداء على الحريات
يتعرض ضابط الشرطة القضائية بمقتضى المادة 107 من قانون العقوبات إلى عقوبة السجن من خمس إلى عشر سنوات نتيجة المساس بحرية الأفراد و حقوقهم الوطنية، و نلاحظ أن المشرع شدد في وصف هذه الجريمة باعتبارها جناية نظرا لأهمية الحريات الفردية و ردع كل إجـراء أو أمر يشكل مساسا بها، و أهم هذه الجرائم التي يمكن أن ترتكب من طرف ضابط الشرطة القضائية هي باختصار:
1- جريمة التعذيب بغرض الحصول على الاعتراف
إذا كان عمل ضباط الشرطة القضائية يتميز بكونه ليس فيه وسائل الإكراه و القسر إلا في حـدود معينة، و في الإجراءات الاستثنائية التي خولهم إياها القانـون، و رأينا أن القانون و الدستور يمنع و يعاقب كل مساس بالحقوق و الحريات الفردية و كل ما يمس بسلامة الإنسان البدنية و المعنوية إلا أن الممارسة العملية كشفت عن أساليب و ممارسات يتبعها عناصر الشرطة القضائية مع المشتبه فيهم كتعذيبه للحصول منه على الاعتراف2، و يعرف التعذيب بأنه اعتداء على المشتبه فيه ،أو المتهم أو إيذائهما ماديا أو نفسيا، و هو العنف أو الإكراه الذي يمارسه عنصر الشرطة القضائية على المشتبه فيه سـواء كانت الوسائل قصر و إكراه مادي، أو وعـد و وعيد أو ترغيب لتأثير على إرادته الحرة و حمله على الاعتراف.
لذلك، فالقانون الجزائري بالإضافة إلى أن الاعتراف يعتبر هنا باطلا و عديم الأثر كلما كان نتيجة لممارسة وسائل غير إنسانية التي لا تحفظ للإنسان كرامته و إنسانيته و تمسه في سلامته الجسدية3، فإن قانون العقوبات رتب المسؤولية الجزائية للمعني الذي يمارس ضد المتحري معه وسائل التعذيب بغرض الحصول على الإعتراف فتنص المادة 110 مكرر» كل موظف أو مستخدم يمارس أو يأمر بممارسـة
*- تنص المادة 39 من دستور 1996 على أن القانون يعاقب على المخالفات المرتكبة ضد الحقوق و الحريات.
1- أنظر: مقال صحفي مأخوذ من جريدة الوطن مرفق بهذه المذكرة.
2- نقض جزائي، 02 ديسمبر 1980، مجموعة قرارات الغرفة الجنائية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، سنة 1985، ص 26 مأخوذ من، الدكتور عبد الله أوهابية المرجع السابق، ص360.
التعذيب للحصول على إقرارات يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلىثلاثة سنوات».
و هي الفقرة الأخيرة التي تم تعديلها بموجب قانون رقم 04-15 المؤرخ في 10 نوفمبر 2004.
2- جريمة القبض على الأفراد و التوقيف دون وجه حق
لقـد قيد المشرع الجزائري الحالات التي يجـوز فيها لضابط الشرطة القضائية اللجوء فيهم إلى التوقيف للنظـر، و القبض على الأشخاص، باعتبارها قيد يـرد على حرية الإنسان في التحـرك و التجوال، و هذه الحالات منصوص عليها بموجب المادة 51 من قانون الإجراءات الجزائية، هذا بالإضافة إلى تحديد الآجال القانونية للتوقيف للنظر، و كل خرق لهذه القواعد يرتب المسؤولية الجزائية للضابط الأمر به، و يعتبر حبسا تعسفيا أو كما عبرت عنه المادة 107 منه «على معاقبة الموظف بالسجن المؤقت من خمسة إلى عشر سنوات إذا أمر بعمل تحكمي أو مساس بالحرية الشخصية للفرد...»، كما نص في المادة 51 فقرة 06 على أنه إذا تم انتهاك الآجال المقررة للتوقيف للنظر يعرض ضابط الشرطة القضائية إلى العقوبات التي يتعرض لها من حبس شخصا تعسفيا1.
إلا أن هذه الجرائم كالجرائم الأخرى، يجب أن يتوفر فيها القصد الجنائي عند القائم به بتعمده إحداث القبض بغير وجه حق، وهي اتجاه الإرادة إلى ارتكاب فعل بقصد حرمان فرد ما من حريته في التجول و الحركة دون وجه حق مع علمه بذلك، هذا من جهة، و من جهة أخرى فإن المشرع شدد العقوبة لتصل إلى السجن المؤقت من خمس إلى عشر سنوات في حالة عدم قيام الموظفون، أو رجال القوة العمومية، أو المكلفون بالشرطة الإدارية، أو الضبط القضائي بالتبليغ عن أي واقعة حجز غير قانوني، أو تحكمي وقع في المؤسسات، أو في الأماكن المخصصة بحجز المقبوض عليهم أو في أي مكان أخر و لا يثبتون أنهم اطلعوا السلطة الرئاسة عن ذلك، و ذلك طبق لنص المادة 109 من قانون العقوبات.
فمسؤولية موظف الشرطة القضائية قائمة إذا لم يراعي مشروعية الأمر الصادر عن رؤسائه و لا يعفيه من تلك المسؤولية كونه تلقى الأمر من مسؤوليه فإذا نفذ أمر قبض غير قانوني تلقاه من رؤساءه دون أن يأمر به من السلطة القضائية المختصة، و خارج الحالات التي يجيزها القانون تكون مسؤوليته قائمة، فالأمر لا يكون قابلا للتنفيذ إلا إذا كان مشروعا، و لا يمكن للموظف أن يدفع بعذر تلقيه الأمر من رؤسائه فذلك لا يدخل ضمن الأعذار القانونية التي تعفي من المسؤولية، أو تخفف منها، إلى جانب ذلك يتعرض ضابط الشرطة القضائية، أو القائم بتنفيذ هذا الإجراء الغير قانوني إلى المسؤولية التأديبية و ذلك لتجاوزه حدود سلطته و إتيان عمل غير قانوني.
1- طبقا لنص المادة 110 مكرر، هي الحبس من ستة أشهر إلى سنتين و بغرامة من 500 إلى 1.000 دج.
ثانيا:جريمة إساءة استعمال السلطة ضد الأفراد
رغبة منه في صيانة حرمة المنازل أورد المشرع الجزائري في قانون العقوبات و في مادته 135 تجريما خاصا على كل من أساء استعمال سلطته بانتهاكه لحرمة المنازل.
فنكون بصدد هذه الجنحة متى قام ضابط الشرطة القضائية بصفته هذه بالدخول إلى منزل مواطن، أو محل مسكون، أو معد للسكن بغير رضاء أو موافقة صاحبه ،و خارج الحالات المنصوص عليه في القانون، و دون مراعاة الإجراءات الواردة به1.
و تتميز جنحة إساءة استعمال السلطة عن جنحة انتهاك حرمة منزل و التي تقابلها بخصوص صفة الفاعل، فإذا كان الفاعل في الجريمة الثانية هو كل مواطن فإن الفاعل في جريمة إساءة استعمال السلطة ينبغي أن يكون موظفا أو ضابطا للشرطة القضائية أو ينتمي إلى أفراد القوة العمومية، و ينبغي أن يكون الدخول إلى المسكن بهذه الصفة، فإذا دخل الضابط بصفته و هو يؤدي عمله وفق للقانون، أو دخل المنزل بصفته مع رضاء صاحب المنزل فإن الجريمة لا تقوم.
و إذا دفع أحد عناصر الضبطية القضائية بأن دخوله إلى منزل الشخص قد تم تنفيذا لتعليمات من رئيسه الإداري و كانت غير قانونية لا يعد هذا من قبيل ما يجيزه القانون2، و بالرجوع إلى نص المادة نجد أنها لم تنص على ظروف مشددة بل اكتفت بصورة واحدة هي الجريمة العادية التي يعاقب عليها من شهرين إلى سنة و بغرامة من 500 إلى 3.000 دج، إلا أنها أشارت إلى المادة 107 من نفس القانون التي تشدد في العقوبة فتصبح السجن المؤقت من خمس إلى عشر سنوات إذا كانت مرتبطة بالمساس بالحريات الفردية، و هنا تصبح جناية عند اقترافها بهذا الوصف.
ثالثا: جريمة إفشاء السّر المهني
من المقرر قانونا أن إجراءات التحري المناطة بعناصر الضبطية القضائية، يستوجب فيها السرية و هذا بمقتضى المادة 11 من قانون الإجراءات الجزائية، و علة ذلك تكمن في الأهمية التي أضفها المشرع على الحقائق و الدلائل التي قد يتحصل عليها هؤلاء في سبيل إظهار الحقيقة،و نتيجة لتلك الأهمية و للطابع الشخصي الذي تحمله بعض هذه الدلائل فقد رتب المشرع الجزائري في المادة 301 من قانون العقوبات تجريما لكل من أفشى معلومات أو دلائل كان من المفروض أن تبقى سرا مهنيا.
1- أنظر: قرار صادر عن الغرفة الجنائية للمحكمة العليا بتاريخ 04 مارس 1996، مجموعـة الأحكـام، الجزء الثانـي،
ص468.
2- أنظر: - القرار الصادر عن الغرفة الجنائية الأولى للمحكمة العليا بتاريخ 30 جـوان1981، نشـرة القضـاة 1989،
الطعن رقم 21960، ص99.
- قرار جنائي في 04 مارس 1969، نشرة القضاة 1969، ص56.
و رغم أن هذا النص لم يذكر صراحة عناصر الضبطية القضائية في تعداد القائمة المشار إليها، إلا أن ذلك راجع إلى أن المشرع لم يشأ حصر الأشخاص الذين يقع على عاتقهم واجب الكتمان، بل انه اكتفى بذكر البعض منهم بدليل عبـارة أو جميع الأشخاص المؤتمنين بحكم الواقع، أو المهنة، أو الوظيفة الدائمة، أو المؤقتة على أسرار أدلى بها إليهم، و هذا ما ينطبق على عناصر الضبطية القضائية طبقا لنص المادة 11 من قانون إجراءات جزائية.
و تشترط هذه الجريمة إضافة إلى صفة من أأتُمن على السر أن يقوم هذا الأخير بإفشائه، و يعد سرا كل ما يعرفه الأمين أثناء أو بمناسبة ممارسة وظيفته أو مهنته و كان إفشاءه حرج لغيره1.
و يجب عليهم في هذه الحالة عند إطلاعهم على المستندات إذا استدعت إلى ذلك مقتضيات التحري و البحث أن لا يقوموا بإفشاء محتواها للغير ما لم يكن ذلك في إطار العمل المنوط بهم.
و لضرورة التحري، و في هذا السياق تنص المادة 45 فقرة 5 من قانون الإجراءات الجزائية أنه يراعى في التفتيش الخاص بأماكن يشغلها شخص ملزم قانونا بكتمان السّر المهني أن تتخذ مقدما جميع التدابير و الاحتياطات اللازمة لضمان احترام ذلك السّر.
و بالرجوع إلى نص المادة 301 من قانون العقوبات نلاحظ أن المشرع قام بتسليط عقوبة الحبس من شهر إلى ستة أشهر، و بغرامة مالية من 500 إلى 5.000 دج على الأشخاص المؤتمَنين بحكم الواقع أو المهنة أو الوظيفة الدائمة أو المؤقتة على أسرار أُدلي بها إليهم و أفشوها.
1- أنظر: بوسقيعة أحسن: الوجيز في القانون الخاص، الجزء الأول، دار هومة، طبعة 2002، ص243.
الفرع الثاني: إجراءات المتابعة الجزائية لعناصر الضبطية القضائية
إن القواعد الخاصة التي وضعت من طرف المشرع الجزائري بشأن المتابعة الجزائية لعناصر الضبطية القضائية لا تُطبق عليهم جميعا، و إنما تطبق على فئة واحدة فقط و هي ضباط الشرطة القضائية دون الأعوان و الموظفين المشار إليهم في المادة 19، 24، من قانون الإجراءات الجزائية هذه القواعد الخاصة، هي القواعد المقررة للمتابعة في الجنايات و الجنح المرتكبة من طرف القضاة و بعض الموظفين السامين في الدولة، فقد قرر المشرع قواعد خاصة لمساءلة ضباط الشرطة القضائية و متابعتهم حيث يقوم وكيل الجمهورية بمجرد إخطاره بالقضية بإرسال ملف الدعوى إلى النائب العام لدى المجلس
القضائي فإذا ما رأى ثمة محلا للمتابعة عرض الأمر على رئيس المجلس القضائي الذي يأمر بتعيين قاضي للتحقيق في القضية يكون من غير قضاة جهة الاختصاص التي يتبعها ضابط الشرطة القضائية المتابع، و عند الانتهاء من التحقيق معه يحال أمام جهة الحكم المختصة التي يتبعها المحقق أو أمام غرفة الاتهام، للمجلس القضائي المختص، حيث تنص المادة 577 من قانون الإجراءات الجزائية « إذا كان أحد ضباط الشرطة القضائية قابلا للاتهام بارتكابه جناية أو جنحة خارج دائرة مباشرة أعمال وظيفته أو أثناء مباشرته في الدائرة التي يختص فيها محليا، اتخذت بشأنه الإجراءات طبق لأحكام المادة 576 من قانون الإجراءات الجزائية»، و الذي جاء في محتواه أنه إذا كان الاتهام موجها إلى قاضي محكمة قام وكيل الجمهورية بمجرد إخطاره بالدعوى بإرسال الملف إلى النائب العام لدى المجلس، فإذا ما رأى ثمة محلا للمتابعة عرض الأمر على رئيس ذلك المجلس الذي يأمر بتعين قاضي تحقيق خارج دائرة الاختصاص التي يعمل بها فإذا انتهى التحقيق أُحيل المتهم عند الاقتضاء أمام الجهة القضائية المختصة لمقر قاضي التحقيق أو أمام غرفة الاتهام بدائرة المجلس القضائي.
وهنا نلاحظ أن القصد من أن تكون جهة الاختصاص بمتابعة ضابط الشرطة القضائية غير الجهة التي كان يباشر في دائرتها اختصاصه هو الحدة وعدم التحيز.
ولكي تكون دراستنا تطبيقية أكثر، حولنا تدعيمها ببعض النماذج الخاصة بأمر تعين قاضى تحقيق خارج الاختصاص الخاصة بمجلس قضاء تيزي وزو باعتباره مجلس تدريبنا، و في هذا الإطار أصدر رئيس مجلس قضاء تيزي وزو أمرا بتعيين قاضي تحقيق خارج دائرة اختصاص محكمة مقر وظيفة ضابط الشرطة القضائية المتابع جزائيا بتهمة القتل العمد من طرف النيابة1.
1- أنظر: الأمر بتعيين قاضي تحقيق خارج الاختصاص 235/ر.م.ق/05 المؤرخ في 08/11/2005 عن مجلس قضاء تيزي وزو المرفق بهذه المذكرة.
و الملاحظة أن هذا الإجراء جوهري يترتب على مخالفته خرق القانون و تعريض قرار غرفة الاتهام للنقض هذا ما قضت به المحكمة العليا في قرارها المؤرخ في 25/07/1995 1، و أهم ما جاء في هذا القرار « انه من المقرر قانونا أنه إذا كان أحد ضباط الشرطة القضائية قابلا للاتهام بارتكابه جناية أو جنحة اُتخذت بشأنه إجراءات المتابعة وفقا للمادة 576 من ق إ ج، التي تنص على وجوب إرسال الملف إلى النائب العام لدى المجلس فإذا ما رأى ثمة محلا للمتابعة عرض الأمر على رئيس المجلس الذي يأمر بالتحقيق في القضية بمعرفة أحد قضاة التحقيق يُختار من خارج دائرة الاختصاص القضائية التي يباشر فيها المتهم أعمال وظيفته.
و لما ثبت في قضية الحال أن الشكوى رفعت ضد شخص و هو ضابط شرطة قضائية بتهمة الضرب و الجرح العمدي و استغلال النفوذ و إساءة استعمـال السلطة، و رغـم هذا قـام قاضي التحقيق بتلمسان بتكليف زميله بمغنية أين يمارس المشتكي منـه وظيفته بالتحقيق مع المتهم و لم تقم غـرفة الاتهام بمراقبة سلامة الإجراءات الأمر الذي يعرض قراراها إلى النقـض و الإبطال... ».
و الملاحظ أن النماذج التي تعرضنا لها، لبعض الجرائم التي يقترفها ضباط الشرطة القضائية أو الضبط القضائي بصفة عامة ليس الغرض منها تحليلها و دراستها، دراسة تفصيلية و إنما الغرض من ذلك هو إبراز مدى الرقابة القانونية و القضائية التي أولها المشرع الجزائري على أعمال و صلاحيات الضبطية القضائية بتجريمه للتجاوزات التي تقع من طرفهم.
هذا من جهة، و من جهة أخرى، المشرع الجزائي لم يكتفي بتجريم الأفعال التي فيها مساس بالكيان المادي للشخص كالتعذيب، و الإكراه، و العنف، بل ذهب إلى أبعد من ذلك إذ جرم الأفعال التي تمس كرامة الإنسان، كتجريمه ما قد يصدر عن الضابط أو أي عون آخر من عناصر الضبطية القضائية من أقوال، كالسّب، أو الشتم، أو الإهانة أثناء ممارسة وظيفتهم طبقا للمادة 440 مكرر من قانون العقوبات.
1-انظر: قرار المحكمة العليا بتاريخ 25/07/1995-ملف رقم 135281-عن المجلة القضائية العدد الأول طبعة 1997
ص127والمرفق بالمذكرة.
المطلب الثالث: المسؤولية المدنية لعناصر الضبطية القضائية
إن رجال الضبطية القضائية، و هم يقومون بأعمالهم قد يُلحقون أضرارا خطيرة سواء بالأشخاص المقصود ين بعمليات الضبطية القضائية أو بالغير، و السؤال المطروح هل يحق للأشخاص المتضررين من المخالفات أو الجرائم المرتكبة من طرف رجال الضبطية القضائية المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي أصابتهم سواء من جراء ضرب شديد، أو من توقيف غير قانوني، أو من طلقة نارية أثناء البحث عن مجرم، أو مطاردته؟، و ما هي الجهة القضائية المختصة بنظر طلبات التعويض عن أعمال الضبطية القضائية؟، و ما مدى مسؤولية الدولة عن ذلك.
هذا ما سنحاول الإجابة عليه من خلال النقاط التالية:
الفرع الأول: قيام المسؤولية المدنية لعناصر الضبطية القضائية
تقوم المسؤولية المدنية على أركان ثلاثة هي الخطأ و الضرر و العلاقة السببية بينهما بمعنى ذلك أنه يجب لقيامها أن ينسب إلى عنصر الضبطية القضائية، خطأ و أن يصيب الضحية الذي يطالب بالتعويض ضرر، و أن يكون الخطأ سبب في حدوث الضرر، بمعنى أنه بانتفاء الخطأ لا تقوم المسؤولية و لا التعويض.
و الخطأ المنسوب إلى عناصر الضبطية القضائية قد يكون في حالة ما إذا قاموا بعمل غير مشروع سواء كان الخطأ مدنيا بحتا، أو خطأ جزائيا يقع تحت طائلة النصوص الجزائية، و ذلك بمقتضى نص المادة 124 من قانون المدني، و المادة 47 منه أو تنص المادة 2 فقرة1 من قانون الإجراءات الجزائية « يتعلق الحق في الدعوى المدنية بالمطالبة بتعويض الضرر الناجم عن جناية أو جنحة أو مخالفة بكل من أصابهم شخصيا ضرر مباشر تسبب عن الجريمة »، كما تنص المادة 30 فقرة 1 من نفس القانون « يجوز مباشرة الدعوى المدنية مع الدعوى العامة في وقت واحد أمام الجهة القضائية نفسها » و تنص المادة 4 فقرة1 من القانون أعلاه « يجوز أيضا مباشرة الدعوى المدنية منفصلة عن الدعوى العمومية».
هذا و سنحاول التركيز في دراستنا هذه على المسؤولية المدنية لعناصر الضبطية القضائية الناجمة عن مسؤوليتهم الجزائية، أو الضرر الناجم عن خطأ ارتكب بمناسبة تأدية الوظيفة، و عليه فالمشرع الجزائري قد أجاز اللجوء إلى القضاء المدني، أو القضاء الجزائي بسبب الجريمة وفقا لقواعد مضبوطة تتحدد بمبدأ حق المتضرر من الجريمة في الاختيار بين القضاءين للمطالبة بالتعويض عما لحقه من ضرر أمام القضاء المختص، و هي قاعدة عامة تطبق على الأشخاص العاديين، أو على موظفي الدولة كعناصر الضبطية القضائية عما يرتكبونه من أخطاء بمناسبة مباشرتهم لوظيفتهم.
الفرع الثاني: الإجراءات القانونية التي تحكم المسؤولية المدنية لعناصر الضبطية القضائية
يمكننا أن نتساءل عن طبيعة الإجراءات المتبعة في مساءلة عناصر الضبطية القضائية، أو بالأحرى ضابط الشرطة القضائية، هل هي نفسها القواعد العامة؟، أم أن القانون يقرر قواعد خاصة على غرار ما فعل بالنسبة لمساءلتهم جزائيا أو تأديبيا؟.
قبل ذلك لا بأس أن نعرج إلى القانون الفرنسي-باعتباره أحد أهم مصادر القانون الجزائري خاصة فيما يتعلق بقواعد المسؤولية المدنية- لمعرفة القواعد القانونية المطبقة في هذه الحالة و نحاول مقارنتها بما هو معمول به في القانون الجزائري.
كان القانون الفرنسي و لغاية العمل بقانون المسؤولية الشخصية للقضاة رقم 79-43 المؤرخ في 18 يناير 1979، يضع قواعد خاصة بضباط الشرطة القضائية دون الأعوان، فيُخضعهم لنظام مخاصمة القضاة المنصوص عليه في المادة 505 من ق الإجراءات المدنية الفرنسي1 و هو الاتجاه الذي كان قد سلكه القضاء قبل صدور قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي، في حين يخضع الأعوان لقواعد القانون العام، و ابتداء من سنة 1972 تاريخ إلغاء المادة 505 من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي بالقانون 72-626 المؤرخ في 05 يوليو 1972، و حتى بداية العمل بالقانون رقم 79-43 فقد استمر العمل بنظام المخاصمة بالنسبة لضباط الشرطة القضائية، و مع بداية تطبيقه فقد ألغي هذا التمييز بين الضباط و الأعوان في مساءلتهم مدنياً و وحدت قواعد المتابعة بالنسبة لعناصر الضبطية القضائية بما فيهم الأعوان و الضباط2.
و أصبح القضاء العادي هو المختص بالنظر في دعوى التعويض ضد أعمال الضبطية القضائية، و لكن بوجوب إتباع دعوى المخاصمة3.
أما طبقا للقانون الجزائري، فإن قواعد المسؤولية المدنية لعناصر الضبطية القضائية تجد سندها القانوني في القانون المدني السابق ذكره، وأيضا القانون الجزائي في حالة ما إذا كان التعويض أساسه خطأ مرتكب عن جريمة لأنه وطبقا لنص الذي يقرر قاعدة مخاصمة القضاة في قانون الإجراءات المدنية وهو نص المادة 303 والذي ينص » يطبق في شأن مخاصمة القضاة القواعد المنصوص عنها
في المواد 214 إلى 219 من هذا القانون.« وهو نص صريح في حصر قواعد المخاصمة على القضاة
1- D/ Stéfanie LEVASSEUR, Bouloc, procédure pénale, 12 édition: page, 275-276•
2- D/ Stéfanie LEVASSEUR, Bouloc, procédure pénale, 12 édition: page, 390.
3- في هذا الإطار أصدرت محكمة ليون المدنية بتاريخ 25 مارس 1996 حكما تمسكت من خلاله اختصاصها في الدعوى المرفوعة ضد مفتش الشرطة القضائية و هو يمارس أعماله القضائية غير أن المحكمة قررت أن الإجراءات التي يجب أن تتبع ضده في هذه الحالة هي إجراءات دعوى المخاصمة و بما أن هذه الإجراءات لم تتبع فالمحكمة قضت بعدم اختصاصها.
وحدهم دون غيرهم من الموظفين الآخرين الذين يرتبطون أو يتبعون جهاز القضاء، وهذا على عكس ما هو معمول به في فرنسا كما سبق لنا وأن رأينا، وعليه فإن عناصر الضبطية القضائية ضباطا وأعوانا نطبق عليهم القواعد العامة على حد سواء، فإذا ما نسب إلى أحدهم خطأ وسبب ضررا للغير فإنه يتابع وفقا للقواعد العامة في القانون المدني طبقا لنص المادة 124 من القانون المدني أو طبقا لقواعد قانون الإجراءات الجزائية إذا اختار المضرور الطريق الجزائي.
الفرع الثالث: مدى مسؤولية الدولة عن أعمال الضبطية القضائية
إذا كان أحد عناصر الضبطية القضائية سبب ضرر مادي أو معنوي أو جسماني للغير فإنه يسأل مسؤولية شخصية عن هذا الضرر، وهو ملزم بالتعويض طبقا للقواعد العامة في المسؤولية، والقضاء المختص في ذلك هو القضاء العادي، هذا من جهة ومن جهة أخرى وباعتبار جهاز الضبطية القضائية مرفق من المرافق العامة للدولة، فإنه يمكن مساءلة هذه الأخيرة طبقا لنص المادة 07 من قانون الإجراءات المدنية عن الأضرار التي تسببها أعمال الضبطية القضائية للغير، وذلك بشرط أن يكون الخطأ المرتكب بمناسبة تأدية الوظيفة أو بسببها، فيحق للمضرور أن يلجأ إلى الغرفة الإدارية للمجلس القضائي المختص للمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقته1.
وقد أتيحت الفرصة في هذا المجال للمجلس الأعلى – المحكمة العليا حاليا – أن يؤكد مسؤولية الدولة بسبب أعمال الضبطية القضائية حيث تعرض المضرور في محافظة الشرطة إلى عملية ضرب ألحقت به أضرارا خطيرة – تمثلت في إلحاق عجز دائما يقدر بنسبة 50 % في عينه اليسرى, تقدم على أثرها المضرور أمام الغرفة الإدارية بالمجلس القضائي، فمنحته الغرفة الإدارية تعويضات – وأسست قرارها فيما يخص الاختصاص أنه ولما كان جهاز الشرطة مرفق من المرفق العمومية للدولة وطبقا لنص المادة 07 من قانون الإجراءات المدنية، فإن الغرفة تكون مختصة في النظر في دعوى الحال.
وحيث أنه ولما كان الخطأ المرتكب نتيجة للممارسة الوظيفة، وداخل المرفق العمومي وباعتبار أن الضرر جسيم الذي لحق بالضحية نتيجة لعملية الضرب تكون بذلك دعواه الرامية إلى طلب التعويض مؤسسة، فمنحته الغرفة الإدارية تعويضات، وإثر استئناف أمام الغرفة الإدارية المحكمة العليا أكدت حق المضرور في التعويض لما لحقه من أضرار بسبب تعرضه للضرب من طرف رجال الضبطية القضائية2.
1- أنظر: أحمد محيو: المنازعات الإدارية، ديوان المطبوعات الجامعية، طبعة 5، 2003، ص، 110.
2- أنظر: قرار مجلس الأعلى– الغرفة الإدارية، 25 جوان 1976، وزير الداخلية ضد سماتي نبيل مجموعة أحكام القضاء
الإداري، لبوشحادة و خلوفي، عن الدكتور حسين فريجة، مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة، دراسة مقارنـة في
القانون الفرنسي والجزائري، ص 312.
وقد ذهب المشرع الجزائري إلى أبعد من هذا بتقريره للحالات التي يمكن أن ترتب مسؤولية الدولة عن أعمال الضبطية القضائية، وهي حالات خرق الحريات الفردية التي نص عليها المشرع صراحة في نص المادة 108 من قانون عقوبات- وذلك بقمعه لكل الانتهاكات الموجه إلى الحريات الفردية من قبل الموظفين، إلى جانب تقريريه للمسؤولية الجزائية والمدنية الشخصية للموظف الذي يأمر بعمل تحكمي أو ماس بالحرية الشخصية للفرد أو بحقوقه الوطنية– قرر المسؤولية المدنية في هذه الحالة على الدولة التي تحل بهذه الطريقة محل الموظف – في التعويض، على أن يكون لها حق الرجوع على الفاعل، و عليه فإن الدولة تسأل عن الأخطاء التي تقع منهم بمناسبة مباشرة وظيفتهم دون أن يمتد هذا الضمان إلى أخطائه الخاصة ولها العودة عليه لتعويض الخسائر التي لحقت الخزينة من جراء تعويض المتضرر من الجريمة أو العمل الغير مشروع لعضو الضبط القضائي1.
1- أنظر: د/ أحمد محيو: المرجع السابق، ص، 109.
المـبحـث الثاني
الجــزاء الإجـرائي (المسؤولية الموضوعية)
تحرص الدولة على حماية حريات الأفراد و حقوقهم، و لا تقبل المساس بها إلا في حدود ما تقرره النصوص التشريعية المختلفة، و الوسيلة الفعالة التي تحقق ذلك هي وجوب احترام قواعد المشروعية في جميع مراحل الدعوى و أمام كل جهات القضاء، لذلك تعمل التشريعات على اختلاف نظمها القانونية على إيجاد الوسائل التي تكفل القاعدة الإجرائية، و ذلك بالنص على بطلان الإجراء غير المشروع و كافة ما يسفر عنه من نتائج لأن العمل الإجرائي لكي يكون صحيحا لا بد أن تتوفر فيه شروط موضوعية تتعلق بالإرادة و الأهلية الإجرائية و ما يتطلبه القانون من شروط خاصة بالمحل المنصب عليه العمل، و سبب القيام به، و شروط تتعلق بالشكل الذي يجب أن يصاغ فيه العمل الإجرائي.
فإذا توفر في العمل الإجرائي الشروط القانونية المتعلقة به سواء من الناحية الموضوعية أو من الناحية الشكلية كان صحيحا و منتجا لآثاره القانونية، أما إذا تخلف عنه شرط من الشروط القانونية فإنه يعتبر مخالفا للقانون و يخرج من محيط الأعمال الإجرائية الصحيحة ليندرج تحت الأعمال الإجرائية المعيبة لمخالفتها للقانون1
هذا و يختص القضاء بحماية المشروعية الإجرائية، و ذلك عن طريق الرقابة على صحة الإجراءات للتأكد من أن الأجهزة المختصة بالبحث و التحري تعمل وفقا لقواعد قانونية معينة حددها المشرع تحمي حقوق و حريات الأفراد وتصونها من التعسف و التحكم و إساءة استعمال السلطة، و وسيلة القضاء في ذلك تتمثل في منع العمل الذي اتخذ مخالفا للقانون و خارج الحالات التي قررها له من ترتيب أثاره، أي الحكم ببطلان العمل المخالف للقانون.
فإذا كان الجزاء هو بطلان ذلك الإجراء لمخالفته الشروط القانونية، و خرقه للضوابط التي رسمها له القانون، فمـا هـو تعريف البطلان؟، و ما هي حالاته و الآثار المترتبة عنه ومن هي الجهة المختصة في تقريره؟
1 أنظر: أ/ صقر نبيل: البطلان في المواد الجزائية، دار الهلال للخدمات الإعلامية، طبعة 2003، ص17.
المطلب الأول: تعريف البطلان
إن الصلاحيات المنوطة بالضبطية القضائية المخالفة للقواعد القانونية التي حددها القانون، يترتب عنها البطلان، وهو بهذا المعنى جزاء يتعلق بالإجراء ذاته، يحول بينه و بين إحداثه لأثاره القانونية، بمعنى أن الأعمال التي يقوم بها عناصر الضبطية القضائية إذا لم تراعي فيها الشروط القانونية سواء منها الموضوعية أو الشكلية التي حددها قانون الإجراءات الجزائية و القوانين الخاصة الأخرى التي تنظم بعض مهام الضبطية القضائية، فإنه يترتب على ذلك بطلانها من الناحية القانونية و تصبح عديمة الأثر.
فالبطلان إذا، هو جزاء يرد على العمل الإجرائي لتخلف كل أو بعض شروط صحة هـذا العمل، و يترتب عليه عدم إنتاج آثاره المعتادة في القانون، و البطلان بطبيعته جزاء إجرائي، لأن القانون هو الذي يقرره كأثر لتخلف شروط إجرائية تطلبها صراحة أو ضمنيا.
المطلب الثاني: الحالات القانونية للبطلان و آثاره
بالرجوع إلى قانون الإجراءات الجزائية، و بالضبط في البابين الأول و الثالث من هذا القانون الخاصين بمرحلة التحري و البحث عن الجرائم و التحقيق، لا نجد المشرع الجزائري ينص صراحة على بطلان إجراء من الإجراءات التي تقوم بها الضبطية القضائية إلا في حالة واحدة و هي نص المادة 48 منه والمتعلقة ببطلان التفتيش، التي جاءت في الباب الثاني الخاص بالتحقيقات تحت عنوان الجناية أو الجنحة المتلبس بها، و التي تنص على بطلان التفتيش الذي يقوم به ضباط الشرطة القضائية المخالف للضوابط القانونية التي سبق التعرض لها في الفصل الأول، و أوجب عليهم التقيد بها في حالة القيام بهذا الإجراء و إلا ترتب عليها البطلان، حيث تنص المادة صراحة، »يجب مراعاة الإجراءات التي استوجبتها المادتين 45 و 47 و يترتب على مخالفتها البطلان «.
لكن بالرجوع إلى بعض القوانين الخاصة التي تضمنت بعض مهام الضبطية القضائية و بالخصوص ضباط الشرطة القضائية منها قانون 04/02 المؤرخ في 23/06/2004 المتعلق بالممارسات التجارية و بالضبط في مادته 49 التي أجازت لضباط الشرطة القضائية و الأعوان المؤهلين لممارسة بعض مهام الضبطية القضائية معاينة المخالفات المتعلقة بالممارسة غير الشرعية للتجارة، و تحرير محاضر بذلك، و حجز البضائع، و غلق المحلات، و كل ذلك مع مراعاة الضوابط التي نص عليها هذا القانون و في ذلك نصت المادة 57 منه على أنه « إذا لم تكن هذه المحاضر موقعة من طرف الموظفين الذين عاينوا المخالفة فإنه يترتب على ذلك بطلانها ».
كما نصت المادة 225 من قانون الجمارك على أنه يجب مراعاة الإجراءات المنصوص عليها في المواد241، 242، 244 إلى 250، 252 وذلك تحت طائلة البطلان وتتمثل هذه الإجراءات باختصار إما في عدم الاختصاص في من حرر المحضر بمعنى إذا تم تحريره من طرف أعوان أو أشخاص غير مؤهلين لذلك وخارج الفئات التي نصت عليها المادة 241 من القانون أعلاه أو في عدم مراعاة الشكليات المتعلقة بتحرير المحضر حسب ما نصت عليه المواد 241، 244، 250، والمادة 252من نفس القانون.
و السؤال الذي يتبادر للأذهان في هذا المجال ماهي آثار البطلان التي تكلمت عنها هذه المواد؟
يترتب على بطلان محاضر الضبطية القضائية إبطالها بحيث تصبح لاغية و عديمة الأثر و يميز القضاء بوجه عام بين آثار البطلان بحسب أسبابه فإذا كان البطلان بسبب إجراءات لا تقبل التجزئة كخلو المحضر من صفة محرره أو عدم الاختصاص سواء المحلي أو النوعي أ,و خلوه من التوقيع أو من تاريخ تحريره في بعض محاضر الضبطية كمحاضر الحجز الجمركي مثلا أو محاضر المخالفات التجارية ففي هذه الأحوال يكون البطلان مطلقا بحيث تثيره المحكمة من تلقاء نفسها و هنا البطلان يطول المحضر برمته و ما تضمنه و لا يمكن الاعتداء بما جاء فيه1.
أما إذا كان البطلان مؤسسا على شكليات أو إجراءات يمكن فصلها عن باقي ما تضمنه المحضر كإجراء تفتيش المساكن خارج الحالات القانونية التي تضمنتها المواد 47،45،44، من قانون الإجراءات الجزائية، أو مخالفة المواد47 فقرة 1 من قانون الجمارك أو الفقرة 3 من نفس المادة فيما يخص تفتيش المساكن الذي يجريه أعوان الجمارك، أو عدم حضور ضابط الشرطة القضائية إثر التفتيش الذي يجريه الموظفون والأعوان المختصون في الغابات تطبيقا لنصي المادة 21، 22 من قانون الإجراءات الجزائية.
ففي هذه الحالات استقر القضاء و بعض فقهاء القانون على أن يكون البطلان نسبيا2، بحيث ينحصر أثره في الإجراء الذي تم مخالفة للشكلية التي لم تراع، و لا يطول هنا البطلان المحضر برمته و في هذا قضت المحكمة العليا أن للبطلان أثر نسبي إذ يقتصر على الإجراء المشوب بالبطلان فحسب و لا ينصرف إلى إجراءات المتابعة كلها و من ثمة كان يتعين على المجلس حتى و لو ثبت بطلان محضر التحقيق الابتدائي أن يفصل في الدعوى الجبائية استنادا إلى عناصر الإثبات الأخرى منها اعتراف المتهم3، و هو نفسه الموقف الذي أخذت به المحكمة العليا في قرار آخر الصادر بتاريخ 27 جانفي 1981 الغرفة الجنائية الأولى، حيث قضت بأن الدفع ببطلان التفتيش هو من المسائل الموضوعيـة التي
1- أنظر: بوسقيعة أحسن: المنازعات الجمركية، تصنيف الجرائم و معاينتها، الطبعة الثانية 2001، ص 202.
2- أنظر: فتحي سرور: المرجع السابق ص113.
3- أنظر: قرار المحكمة العليا عن الغرفة الجنائية رقم 3 ملف رقم 144849 قرار مؤرخ 07/07/1997 غير منشور عن
الدكتور بوسقيعة أحسن المرجع السابق ص203.
يجب عرضها على قضاة الموضوع و إلا سقط الحق في إثارتها لأول مرة أمام المحكمة العليا1، حيث لا يجوز التمسك به إلا من شخص المتهم الذي قررت القاعدة لمصلحته فليس لغيره التمسك بهذا البطلان وبناء على ذلك يجب التمسك به أمام قضاة الموضوع، كما لا يجوز لقضاة الحكم إثارته من تلقاء أنفسهم، و أن الحكم ببطلان التفتيش يترتب عنه بطلان الأدلة المستقاة منه و لا يلحق هذا البطلان الإجراءات الصحيحة التي تمت قبل التفتيش الباطل.
غير أن محكمة النقض الفرنسية اعتبرت في حكمين لها صادرين عن الغرفة الجنائية بتاريخ 14/04/1961 و 14/12/1961 أن الحجز الذي يتم إثر تفتيش باطل لا يتضمن مساسا بحقوق الدفاع طالما أن الأشياء المحجوزة قد نوقشت بحرية أمام المحكمة2.
1- أنظر: جلالي بغدادي: التحقيق دراسة مقارنة نظرية و تطبيقية، الطبعة الأولى 1999، الديوان الوطنـي للأشغـال
التربوية، ص 153.
2- أنظر: الموسوعة القضائية الجزائريةCrim 14/04/1961,14/12/1961.Bull,p,528.
المطلب الثالث: الجهات المختصة في تقرير البطلان
رغم أن المشرع لم ينص على الجهة المختصة بالنظر في صحة المحاضر المحررة من طرف الضبطية القضائية سواء منها الشرطة القضائية أو محاضر الموظفين المؤهلين طبقا لقوانين خاصة ببعض مهام الضبط القضائي عكس ما فعل بالنسبة لإجراءات التحقيق القضائي و محاضره التي تكون من اختصاص غرفة الاتهام.
إلا أنه ما استقر عليه القضاء أن الجهة القضائية التي تبت في الدعوى الأصلية هي التي يعود لها الاختصاص في النظر في صحة المحاضر و هي التي تبت في طلب البطلان باستثناء محكمة الجنايات.
و ما يدعم موقفنا هذا هو اجتهاد المحكمة العليا حول هذا الموضوع، إذ ذهبت في قرار أصدرته بتاريخ 30/07/1997 إلى أنه» من المقرر قانونا أنه لا يجوز لضابط الشرطة القضائية الانتقال إلى مساكن الأشخاص الذين ساهموا في جناية إلا بإذن مكتوب من وكيل الجمهورية أو قاض التحقيق، كما لا يجوز بدء التفتيش قبل الساعة الخامسة صباحا و لا بعد الساعة الثامنة مساءا إلا بطلب من صاحب المنزل.
ولما ثبت في قضية الحال أن الجنحة المتابع بها هي جنحة متلبس بها الأمر الذي أدى بضابط الشرطة القضائية إلى تفتيش مكان وقوع الجريمة- ليلا و خارج الوقت القانوني، دون التمكن من الحصول على إذن مسبق- لكن برضا و خط مكتوب من الشاكي صاحب المنزل و هي الصفة التي لا ينافسه فيها ابنه المتهم، و من ثم فإن قرار غرفة الاتهام القاضي بصحة إجراءات التفتيش في محله مما يستوجب رفض الطعن «1.
و حيث أنه و من خلال هذا القرار تم استخلاص عدة نقاط أساسية و هي كالتالي:
النقطة الأولى أن المادة 44 من قانون إجراءات جزائية المتعلقة بوجوب حصول الإذن بالتفتيش من وكيل الجمهورية لا يترتب عن عدم مراعاتها وجوب البطلان، و أن تفتيش المسكن خارج الوقت القانوني قد يبرره طلب صاحب المنزل محل التفتيش.
لكن حسب رأينا الخاص هذا يتعارض مع مقتضيات المادة 44 و 48 من نفس القانون فالمادة 44 توجب أن يكون التفتيش بموجب إذن مكتوب من وكيل الجمهورية أو قاض التحقيق، و إلا ترتب بطلان هذا الإجراء حسب نص المادة 48 منه، و لا يجوز القياس مع المادة 47 من القانون المذكور، التي تنص على القواعد المتعلقة بالميقات القانوني للتفتيش و يجوز استثناءا الخروج عليه في حالة طلب
1- أنظر: قـرار المحكمة العليـا المـؤرخ فـي 30/07/1997، ملـف رقـم 165609، المجلـة القضائيـة العـدد
الثاني، 1997، ص213 والمرفق بهذه المذكرة.
صاحب المنزل، فإذا وقع التفتيش بدون إذن السلطة المختصة حسب نص المادة 44 فإنه يعد إجراءا باطلا و لا يؤخذ بالمحضر المحرر بذلك، و لا يجوز التبرير بطلب صاحب المنزل لأن هذا التبرير يكون في حالة الخروج عن الميقات المقرر قانونا للتفتيش فقط، و لا يجوز القياس في المادة الجزائية.
النقطة الثانية التي يمكن استخلاصها هي عدم جواز الطعن بالنقض ضد قرارات غرفة الاتهام متى نظرت في صحة الإجراءات المرفوعة إليها، و تنتهي إلى عدم إبطال الإجراء، فإنه لا يجوز الطعـن
بالنقض فيما قضت به في هذا الشأن طالما و أن موضوع الدعوى لم يفصل فيه بعد مما يفيد أن غرفة الإتهام مختصة طالما أثير طلب البطلان أمامها.
النقطة الثالثة هي أنه يحق لجهات الحكم تقدير البطلان إذا تبين لها ذلك، بمعني أنه إذا أثير الادعاء ببطلان الإجراء أمام قاضي الموضوع فإنه يحق له التصدي و تقدير البطلان من عدمه متى توفرت شروط إبطاله طبقا للقانون و نشير في هذا الصدد إلى القرار المشار إليه أنفا و هو قرار27 جانفي 1981، الصادر عن الغرفة الجنائية الأولى، و الذي قضت فيه المحكمة العليا أن الدفع ببطلان التفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يجب عرضها على قضاة الموضوع و إلا سقط الحق في إثارتها لأول مرة أمام المحكمة العليا.
النقطة الرابعة و الأخيرة التي استخلصناها من هذا القرار أن الإجراءات المتخذة من طرف الضبطية القضائية و المطلوب إبطالها لمخالفتها الضوابط القانونية فإن الاختصاص بالنظر في الادعاء ببطلانها يعود أساسا إلى قاضي التحقيق باعتباره الجهة المعروض عليها محاضر التحقيق الابتدائي أو تلك التي تحرر في إطار الجنايات و الجنح المتلبس بها كما هو الشأن في إجراء التفتيش.
لكن فإذا كان لا يجوز لقاضي التحقيق تصحيح الإجراءات التي يقوم بها بنفسه ، و إنما يرفع أمر إبطالها إلى غرفة الاتهام إذا ما رأى وجها لذلك، فكيف يمكن له أن يقوم بتصحيح الإجراءات التي يقوم بها رجال الضبطية القضائية و بالتالي طالما أنه لا يملك حق تصحيح إجراءات التحقيق الباطلة التي يقوم بها بنفسه فإنه من باب أولى ألا يختص بالنظر في الإجراءات المدفوع ببطلانها و التي يجريها ضباط الشرطة القضائية.
إذن، إن هذه النقاط التي حاولنا استخلاصها من هذا القرار تعتبر اجتهادا من المحكمة العليا طالما أن القانون لم ينظم الإجراءات الخاصة ببطلان الأعمال غير القانونية لضباط الشرطة القضائية، فيما يخص الجهة المختصة بالنظر فيها و مدى قابلية القرارات التي تصدر فيها للنقض.
وفي نفس المجال نجد أن مجلس قضاء سطيف قد أقر ببطلان إجراء التفتيش الذي قام به ضابط الشرطة القضائية و رتب نتيجة لذلك بطلان الإجراءات اللاحقة له كمحضر التفتيش، لكون الإجراء كان مخالف لنص المادة 44 من قانون الإجراءات الجزائية لأنه تم بدون إذن من وكيل الجمهورية و لا قاضي التحقيق(1).
والخلاصة التي ننتهي إليها فإنه ورغم ما قيل حول مسؤولية عناصر الضبطية القضائية سواء منها التأديبية، أو الجزائية، أو المدنية، وبغض النظر عن تطبيقها الفعلي، تعتبر في رأينا عاملا محفزا لعناصر الضبطية القضائية على أن يقوموا بأعمالهم في حدود الضوابط التي خولها لهم القانون من جهة وزاجر لهم بعدم خرق هذه الضوابط على حساب الحقوق والحريات الفردية من جهة أخرى، بالإضافة إلى تقرير الرقابة القضائية من إشراف النيابة العامة ورقابة غرفة الاتهام و التصرف في المحاضر وغيرها كلها سياجا واقيا يقف حائلا بين خرقهم لقواعد الشرعية الإجرائية.
1- أنظر: قرارمجلس قضاء سطيف المؤرخ في 09/03/1986، نشرة القضاة، عدد ،3 جولية 1996، ص89.
الخاتمة
لقد حاولنا من خلال هذه المذكرة دراسة أهم النقاط التي يثيرها موضوع الرقابة على أعمال الضبطية القضائية،و مسؤولية عناصرها محاولين التأكيد على أن تحديد الضوابط القانونية التي تقيد وتنظم أعمال الضبطية القضائية، و التي تستمد منها هذه الأخيرة شرعيتها و إخضاعها لرقابة السلطة القضائية و ترتيب المسؤولية الإجرائية و الشخصية على أي تجاوز لحدود هذه الشرعية أمر ضروري لتوفير الضمانات الكاملة للمشتبه فيهم و حماية أكبر للحقوق و الحريات الفردية و تكريس أكثر لدولة القانون.
لكن ذلك غير كافي بل يجب أن تسبقه تدابير أخرى تتعلق بانتقاء و تكوين أحسن العناصر للإلتحاق بمهمة الضبط القضائي لأن ذلك، هو بداية الاهتمام بتوفير الضمانات الضرورية لتنفيد القانون، و احترام مبدأ الشرعية الإجرائية، و ما يوفره من ضمانات للأفراد.
فمهما اجتهد المشرع في وضع القيود و الضوابط و الرقابة القضائية على الاجراءات و الأعمال المناطة بالضبطية القضائية، التي تنفذ أثناء التحريات الأولية يبقى أحسن ضمان هو حسن اختيار الرجال و حسن تكوينهم و إعدادهم للإضطلاع بهذه المهمة النبيلة.
و هو ما ينطبق على كل من يؤدي وظيفة تطبيق و تنفيذ القانون، و كما هي ذات دلالة و عمق العبارة التي قالها أنريكو فيري « إن قيمة القوانين تقدر بقيمة الرجال المكلفين بتطبيقها ».
المـراجــع.
1- المراجع باللغة العربية
أ- المؤلفـات
1- الدكتور/ أحسن بوسقيعة: الوجيز في القانون الجنائي الخاص، الجزء الأول، دار هومة للطباعة، 2002.
2- الدكتور/ أحسن بوسقيعة: قانون الإجراءات الجزائية في ضوء الممارسة القضائية، النص الكامـل للقانون و تعديلاته إلى غاية 10/11/2004 مدعم بالاجتهاد القضائي 2005/2006، منشورات بيرتي.
3- الدكتور/ عبد الله أوهايبية: ضمانات الحرية الشخصية للمتهم أثناء مرحلة البحث التمهيدي، الطبعة الأولى، ديوان المطبوعات الجامعية. 2004.
4- الدكتور/ عبد الله أوهايبية: شرح قانون الإجراءات الجزائية: التحري والتحقيق، دار هومة للطباعة، 2004.
- الدكتور/ أحمد فتحي سرور: الوسيط في شرح قانون الإجراءات الجزائية، الجزء الثاني، دار النهضة العربية، 1985.
5- الدكتور/ محمود محمود مصطفى: تطور قانون الإجراءات الجنائية في مصر و غيرها من الـدول العربية، مطبعة جامعة القاهرة، الطبعة الثانية، 1985.
6- الدكتور/ مغاوري محمد شاهين: القرار التأديبـي و ضماناتـه و الرقابـة القضائية بيـن الفعاليـة
و الضمان، توزيع دار الكتاب الحديث،1985.
7- الدكتور/ احمد محيو: المنازعـات الإداريـة ديوان المطبوعات الجامعية،الطبعة الخامسة 2003.
8- الأستاذ/ أحمد الشلقاني: مبادئ الإجراءات الجزائية في التشريع الجزائري ديوان المطبوعات الجامعية، 1999.
9- الأستاذ/ أحمد غاي: ضمانات المشتبه فيه أثناء التحريات الأولية: دراسة مقارنة نظريا وتطبيقيا في التشريع الجزائري و التشريعات الأجنبية و الإسلامية، دار هومة للطباعة، 2003.
10- الدكتور/ عبد الحميد الشواربي: ضمانات المتهم في مرحلة التحقيق الجنائي، توزيع دار الكتاب الحديث 1998.
11- رسالة دكتوراه/ للدكتور حسن فريجة: مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية دراسة مقارنة للقانون المصري و الفرنسي و الجزائري.
12- الدكتور/ إسحاق إبراهيم منصور: المبادئ الأساسية في قانون الإجراءات الجزائية الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية، 1995.
13- الدكتور/ جيلا لي بغدادي: التحقيق: دراسة مقارنة نظرية الديوان الوطني التربوية التربوية، 1999.
14- الدكتور/ عاطف النقيب: أصول المحاكمات الجزائية دراسة مقارنة، دار المنشورات الحقوقية، 1993.
15- الدكتور/ نبيل صقر: البطلان في المواد الجزائية، دار الهلال للخدمات الإعلامية، 2003.
16-الدكتور/ أحسن بوسقيعة: المنازعات الجمركية، تصنيف الجرائم ومعاينتها المتابعة والجزاء الطبعة الثانية ،دار النشر، النخلة الجزائر.
17-الأستاذ/ جدايدى معراج: الوجيز في الاجراءت الجزائية مع التعديلات الجديدة 2002 الجزائر مطبعة دار هومة.
ب- المجـلات الخاصة
1- المجلة البيداغوجية: تصدر عن المدرسة التطبيقية للأمن الوطني بالصومعة كل ستة أشهر، عدد 1، 2003.
2- مجلة الشرطة، مجلة دورية تصدر عن المديرية العامة للأمن الوطنين عدد 7، ديسمبر 2003.
ج- المجلات القضائية
1- المجلة القضائية العدد الأول طبعة 1994.
2- المجلة القضائية العدد الأول طبعة 1997.
3- المجلة القضائية العدد الأول طبعة 2001.
4- نشرة القضاة العدد الثالث جويلية 1996.
5- نشرة القضاة طبعة 1969.
د- النصوص القانونية
1- قانون الإجراءات الجزائية، الديوان الوطني للأشغال التربوية، 2005.
2- قانون العقوبات، الديوان الوطني للأشغال التربوية، 2005.
3- القانون رقم 01/08 المؤرخ في 14/أوت/2004 المتعلق بالممارسات التجارية.
4- القانون رقم 90/03 المؤرخ في 26/02/1990 المتعلق باختصاصات مفتشي العمل في المعاينة المخالفات العمل.
5- قانون الجمارك 98/10.
6- القانون رقم 02/03 المؤرخ في 05/أوت/2002 لمتعلق باختصاصات أعوان البريد والمواصلات.
2- المراجـع باللغة الفرنسية
1- STEFANIE, et LEVASSERE: Droit pénal Général et Procédure Pénale, précis DALLOZ, 1960.
2 – Marcelle LECLERE: Evolution de la compétence territoriale des officiers de la police judiciaire, DALLOZ ? 1961.
3 - Charles PARRA: traite de procédure pénale policière, étude théorique et pratique, librairie article quillt paris, 1990.
4 - Roger MERLE, et André VITU: traite de droit criminel, tome 11, procédure pénale, voiseme, édition 1979.
yacine414
2011-05-28, 16:52
مــقدمة
* الفصل الأول:نظام الضبطية القضائية
المبحث الأول:أعضاء الشرطة القضائية.اختصاصهم.ومسؤوليتهم
المطلب الأول:تعداد أعضاء الشرطة القضائية
الفرع الأول:أعضاء الشرطة القضائية ذوي الاختصاص العام
الفرع الثاني:أعضاء الشرطة القضائية ذوي الاختصاص الخاص
الفرع الثالث:سلطات الوالي ورجال القضاء في مجال الضبطية القضائية
المطلب الثاني:اختصاصات ضباط الشرطة القضائية
الفرع الأول:الاختصاصات العادية
الفرع الثاني:الاختصاصات الاستثنائية
المطلب الثالث:مسؤولية ضباط الشرطة القضائية
المبحث الثاني:القواعد التي تحكم جهاز الضبط القضائي
المطلب الأول:قواعد الاختصاص
المطلب الثاني: قواعد الإشراف والتبعية
المبحث الثالث:الرقابة القضائية على الضبطية القضائية
* الفصل الثاني:الضبطية القضائية والإجراءات
المبحث الأول:الجريمة المتلبسة
المطلب الأول:تعريف التلبس وحالاته
المطلب الثاني:سلطات ضابط الشرطة القضائية في حالة التلبس
المبحث الثاني:التحقيق الأولي والإنابة القضائية
المطلب الأول:التحقيق الأولي
الفرع الأول:تعريف التحقيق الأولي وخصائصه
الفرع الثاني:المختصون قانونا بإجراء التحقيق الأولي
الفرع الثالث:إجراءات التحقيق الأولي بالنسبة للضبطية القضائية
المطلب الثاني:الإنابة القضائية
الفرع الأول:تعريف الإنابة القضائية وخصائصها
الفرع الثاني:من يصدر الإنابة القضائية ولمن توجه
الفرع الثالث:الأعمال التي تنفذ بموجب الإنابة القضائية
المبحث الثالث:المحاضر وحجيتها في إطار الضبط القضائي
المطلب الأول:تعريف المحضر وخصائصه
المطلب الثاني:شكل المحضر
المطلب الثالث:حجية المحضر
خـــاتمة
لما كان وقوع الجريمة هو الذي ينشئ للدولة الحق في عقاب مرتكبيها , و لما كان اقتضاء هذا الحق هو العلة التي تقف وراء وجود التنظيم القضائي الجنائي , وراء إعطاء النيابة العامة – باعتبارها وكيلة عن المجتمع – حق تحريك الدعوى الجزائية ورفعها إلى القضاء و مباشرتها أمامه إلى حين صدور الحكم القضائي البات في موضوعها , بما يستلزمه كله من مساس بالحرية الفردية للمتهم و مساس بحرية مسكنه فضلا عن توجيه الإتهام إليه .
و لما كان ذلك كله , ضروريا أن تكون ثمة مرحلة تسبق تحريك الدعوى العمومية تهدف إلى الإعداد بجمع العناصر اللازمة لتمكين النيابة العامة من تقدير ملاءمة تحريك الدعوى من عدمها تعرف المرحلة السابقة على تحريك الدعوى بمرحلة الإستدلال , و التي يمكن تعريفها بأنها مجموعة الإجراءات التي تباشر خارج إطار الدعوى العمومية و قبل البدء فيها بقصد التتبت من وقوع الجريمة و البحث عن مرتكبيها و جمع الأدلة و العناصر اللازمة للتحقيق.
و يباشر هذه الإجراءات المكونة لمرحلة الإستدلال جهاز يتكون من موظفين عمومين خصهم القانون بتلك المهمة بإعتبارهم من معاوني سلطة التحقيق , و قد اصطلح على تسميته بجهاز الضبطية القضائية تميزا له عن الضبطية الإدارية .
فالأول منوط به التحري عن الجرائم المرتكبة و البحث عن مرتكيبها و تعقبيهم , و لذلك فهو يعتبر من الأجهزة المساعدة للسلطة القضائية في أداء مهمتها , في حين تنحصر مهمة جهاز الضبطية القضائية في القيام بكل ما هو لازم لإحترام القانون و تحقيق الأمن و السكينة للمواطنين , فدوره إذن وقائي , و يترتب على ذلك أن نطاق الضبطية القضائية الوظيفي يتحدد بالمرحلة السابقة على وقوع الجريمة , بينما يبدأ نشاط الضبطية القضائية بعد وقوع الجريمة .
فإذا كان جهازالضبطية القضائية جهاز مستقل وقائم بذاته منحه القانون اختصاصات أوسع من تلك الممنوحة لجهاز الضبطية الإدارية , فمن هم الموظفون .
و إذا كانت القاعدة العامة أن الإجراءات التي تباشرها هذه الفئة من الأشخاص هي إجراءات الإستدلال, و ليست بإجراءات تحقيق – كون هذه الإجراءات لا تباشرها إلا سلطات التحقيق أصلا – إلا أن المشرع خول بعضا من رجال الضبط القضائي – القيام ببعض من إجراءات
التحقيق – استثناء فأورد القانون على سبيل الحصر لما فيها من تقييد لحرية المتهم و مساس بشخصيه , مما يجعل الرقابة على أعمال الضبطية القضائية , و ربط صحة هذه الأعمال بشروط محددة قانونا كضرورة يلميها واجب حماية الحقوق و الحريات الشخصية .
فما هو تنظيم الشرطة القضائية و المهام المنوطة بها ؟
و ما هي الأعمال التي ينفذها أعضاء الشرطة القضائية تحت رقابة السلطة ؟ و غيرها من الأسئلة .
سنحاول الإجابة عن أسئلة الإشكالية معتمدين في ذلك على المنهج الوصفي و المنهج التحليلي .و قد ارتأينا تقسيم موضوع هذا البحث إلى مقدمة عامة و فصلين :
الفصل الأول : نظام الضبطية القضائية
الفصل الثاني : الضبطية القضائية و الإجراءات
الفصل الأول: نظام الضبطية القضائية
الضبط القضائي نظام معروف في التشريعات المعاصرة, و هو في أساسه وليد الضرورة, فالنيابة العامة لا تملك القدرة الفعلية على القيام بنفسها بالتحري عن الجرائم و جمع المعلومات عنها, و عن مرتكبيها, لذا دعت الضرورة إلى إنشاء جهاز يعاون النيابة العامة في عملها لتحقيق الدعوى العمومية و بالتالي يخلص لها من الوقت ما ينتج لها القيام بمهامها الأصلية و الخطيرة.
و تتفق أغلب التشريعات على إناطة مهمة القيام بإجراءات التحريات إلى أجهزة بوليسية تنشأ و تكون خصيصا لهذا الغرض و تتولى مهمة مساعدة جهاز العدالة , يصطلح على تسميتها بأجهزة الضبطية القضائية أو الشرطة القضائية , و تعد هذه الأجهزة صاحبة الاختصاص الأصيل لمهام الضبط القضائي .
و أجهزة الضبط القضائي تتكون من طائفة من رجال الشرطة حددت بموجب القانون من بين رجال الشرطة الذين على اختلاف رتبهم و وظائفهم يعتبرون من رجال الضبط الإداري.
و رجال الشرطة المنوط بهم القيام بأعمال الضبط القضائي يباشرون الأعمال المهيأة لافتتاح الدعوى من قبل النيابة العامة , و قد أضيف لهم أشخاص آخرون , و إن لم يكونوا من رجال الشرطة , إلا أنهم بحكم وظائفهم يختصون بأعمال الضبط القضائي
و قد عنى قانون الإجراءات الجزائية بوظيفة الضبط القضائي التي يبدأ دورها في جمع الإست دلالات بوقوع الجريمة نظرا لضرورتها للنيابة العامة للفصل في ملف القضية سواء بحفظها أو بتحريك الدعوى العمومية .
و للإلمام بنظام الضبط القضائي , يلزم أن نبين من لهم صفة الضبط القضائي , سواء ذوي الإختصاص العام أو الخاص و كذا السلطات التي خول لها القيام ببعض مهام الضبط القضائي من سلطة إدارية أو قضائية , مع بيان كيفية تعيينهم .
المبحث الأول: أعضاء الشرطة القضائية. اختصاصاتهم و مسؤوليتهم
أعضاء الشرطة القضائية موظفون عموميين مذكورون على سبيل الحصر أكسبهم القانون صفة الضبطية القضائية إلى جانب عملهم الأصلي المتمثل في الضبط الإداري .
فمعظم رجال الشرطة القضائية هم رجال لضبط الإداري , و هم يجمعون بين الصفتين و يباشرون كلتا الوظيفتين حسبما يقتضي الحال و ينقسم أعضاء الشرطة القضائية إلى :
- أعضاء الشرطة القضائية ذوي الاختصاص العام.
- أعضاء الشرطة القضائية ذوي الاختصاص الخاص .
المطلب الأول: تعداد أعضاء الشرطة القضائية
الفرع الأول: أعضاء الشرطة القضائية ذوي الاختصاص العام
يشمل هذا الصنف طائفتين هما : ضباط الشرطة القضائية , و أعوان الشرطة القضائية و على الرغم من أن ضباط الشرطة القضائية و أعوانها يشتركون في المهمة الموكلة إليهم في إطار إجراء التحريات إلا أنه يبقى ضروريا اعمال التفرقة بينهما , نظرا لما يمتاز به الضباط من اختصاص أوسع في الحالات الاستثنائية إضافة إلى العادية .
و على أية حال فإن قانون الإجراءات الجزائية قد حدد قائمة الضباط في المادة 15 منه, و كل من يخرج من فئة الضباط يدخل ضمن فئة الأعوان وفق ما هو مقرر في المادة 19 من القانون ذاته, و سنتناول في الفئتين على النحو التالي :
1- ضابط الشرطة القضائية:
هم عبارة عن موظفين رسمين أطلق المشرع عليهم التسمية, و هذا يعني أنهم ليسوا هيئة متميزة و مختصة بل هي ذات صفات منحت لعدد من الموظفين الآخرين , الشيء الذي يجعلنا نقول و بصيغة أخرى أن صفة الضبطية هي صفة إضافية يتمتع بها هؤلاء الأشخاص فوق
اختصاصاتهم الرسمية و يعتبر هذا عيبا قضائيا و ثغرة تفقد بها الجهة القضائية استقلالها , ذلك أن مركز الضابط هذا قد يؤدي إلى نزاع الوظيفة الأصليةلرجال الضبطية و مالها من سلطات تدريجية رئاسية و الوظيفة الثانية و هي الإضافية و ما لرجال النيابة من سلطات توجيهية خلالها, و لقد حددت المادة 15 من ق إ ج من يتمتع بصفة ضابط الشرطة القضائية أنه « يتمتع بصفة ضابط الشرطة القضائية
1- رؤساء المجالس الشعبية البلدية
2- ضباط الدرك الوطني .
3- محافظو الشرطة .
4- ضباط الشرطة .
5- ذوو الرتب في الدرك, و رجال الدرك الذين أمضوا في سلك الدرك ثلاث سنوات على الأقل, و الذين تم تعينهم بقرار مشترك صادر عن وزير العدل, ووزير الدفاع الوطني بعد موافقة اللجنة الخاصة.
6- ضباط أو الضباط الصف التابعين للأمن العسكري الذين تم تعينهم خصيصا بموجب قرار مشترك صادر عن وزير الدفاع الوطني ووزير العدل.
- يحدد تكوين اللجنة المنصوص عليها في هذه المادة و تسييرها بموجب مرسوم ».
- يتضح من خلال نص هذه المادة أن هناك ثلاث أصناف ممن يتمتعون بصفة ضابط الشرطة القضائية.
الصنف الأول: و يضم رؤساء المجالس الشعبية البلدية, ضابط الدرك الوطني و محافظو الشرطة, و ضباط الشرطة, و هؤلاء لا يشترط فيهم أي شرط سوى تمتعهم بهذه الصفة دون مراعاة الأقدمية أو شكليات أخرى, فهم إذا يعتبرون ضباطا للشرطة القضائية بحكم القانون.
و نشير هنا أن رئيس المجلس الشعبي البلدي حتى و لو عد من ضباط الشرطة القضائية المذكورين على سبيل الحصر في المادة 15/1 إلا أنه مخير بين القيام بإجراءات التحريات جوازا و بين تكليف رجل من رجال الضبطية القضائية بذلك , فممارسة هذا العمل بالنسبة إليه جوازي عكس الفئات المتبقية و المنصوص عليها في المادة نفسها فهي ملزمة بالقيام بأعمال البحث و التحري , و يسألون عن عدم القيام بها أو الإهمال في ممارستهم لها .
و لم يكن قانون الإجراءات الجزائية السابق يمنح رؤساء المجالس الشعبية البلدية صفة مأموري الضبط القضائي, حتى جاء تعديل سنة 1982, حيث خول لهم هذه الصفة و ذلك في المادة 15/6 من هذا القانون المعدل، كما جاء في القانون رقم 85/06
الصنف الثاني:و يتكون من ذوي الرتب في الدرك و رجال الدرك الذين أمضوا في سلك الدرك ثلاث سنوات على الأقل و الذين تم تعينهم بقرار مشترك صادر عن وزير العدل
ووزير الدفاع الوطني تم مفتشو الأمن الوطني الذين قضوا في خدمتهم بهذه الصفة ثلاث سنوات على الأقل و عينوا بموجب قرار مشترك صادر عن وزير العدل ووزير الداخلية بعد
موافقة لجنة خاصة و قد اشترط القانون في هذه الفئة ثلاثة شروط لكي تتمتع بصفة ضابط الشرطة القضائية و هي:
1- أن يكون المعني بالأمر قد قضى ثلاث سنوات على الأقل في الخدمة.
2- أن توافق اللجنة الخاصة على قبوله.
3-أن يمنح هذه الصفة بقرار مشترك بين الوزارتين المعنيتين.
الصنف الثالث: يتكون من ضباط, ضباط الصف تابعين للأمن العسكري الذين تم تعينه خصيصا بموجب قرار مشترك صادر عن وزير العدل وزير الدفاع الوطني دون الأخذ بعين اعتبار بأي معيار آخر كالأقدمية و موافقة اللجنة الخاصة2.
و تجدر الإشارة إلى أن القانون عندما حدد طوائف الموظفين المخولين صفة ضابط الشرطة القضائية اشترط أن يكون ذلك التخويل وفقا للقانون – سواء كان بصفة مباشرة بإصباغه تلك الصفة أو بتخويله هذه المكانة التقنية للوزرين المختصين -.
و إذا كان القانون قد أورد تعداد ضابط الشرطة القضائية على سبيل الحصر فإن التعديل في هذا التعداد سواء بالإضافة أو بالحذف يجب أن يكون بقانون أيضا و هذا يعد ضمانا قويا للحقوق و الحريات الفردية لأن التوسع في منح هذه الصفة من شأنه أن يقلل من ضمانات المشتبه فيه لصعوبة التحكم في تكوينهم و معرفتهم نظرا لسلطاتهم الواسعة التي تتصرف في جميع الجرائم, ما يتصل بحرية الأفراد.
2-أعوان الشرطة القضائية:
حدد قانون الإجراءات الجزائية أعضاء الشرطة القضائية الذين يتمتعون بصفة عون الشرطة القضائية و ذلك في المادة 19 منه حيث جاء أنه : «يعد من أعوان الضبط القضائي موظفو مصالح الشرطة و ذوو الرتب في الدرك الوطني , و رجال الدرك و مستخدمو الأمن العسكري الذين ليست لهم صفة ضباط الشرطة القضائية» من خلال نص هذه المادة , و المهيآت التي ينتمي إليها هؤلاء الأعوان يمكن تصنيفهم إلى صنفين:
الصنف الأول: موظفو مصالح الشرطة أي أعوان الأمن الوطني الذين ليست لهم صفة ضباط الشرطة القضائية.
الصنف الثاني: ذوو الرتب في الدرك الوطني و رجال الدرك أي ضباط الصف الذين ليست لهم صفة ضابط الشرطة القضائية.
و ضباط الصف هم العسكريون الذين يحملون رتبة رقيب ( دركي ) , رقيب أول مساعد و مساعد أول , و هؤلاء قد تلقوا تكوينا مهنيا أكسبهم هذه الصفة , ولا يعتبر رجال الصف الذين هم من رتبة عريف أو عريف أول من ضباط الصف و ذوي الرتب الذين يتمتعون بصفة الضبط القضائي ( ضابط أو عون ) لأن هذا الصنف من رجال الدرك يختص أساسا في مهام حفظ النظام و يعرفون بالدركيين الأعوان, إن هذه الطوائف تباشر أعمالها في إطار اجراءات التحريات بالنسبة لجميع الجرائم و ذلك تحت إشراف ضباط الشرطة القضائية لذلك فإن دور هذه الفئة ينحصر في معاونة فئة الضباط و تلبية طلباتها و فق ما هو مقرر في المادة 20 من قانون الإجراءات الجزائية .
و لعل السبب في ذلك أن عون الشرطة القضائية يكون عادة قليل الخبرة و المعرفة القانونية و ليس لديه من الكفاءة المطلوبة و الصفات التي تؤهله للقيام بإجراءات التحريات التي يقوم بها ضابط الشرطة القضائية.
و الفرق بين ضباط الشرطة القضائية و أعوان الضبط القضائي في الأهمية التي تتجلى فيما يلي:
1- الإنابة القضائية لا تكون إلا لضباط الشرطة القضائية دون الأعوان .
2- ضباط الشرطة القضائية لهم و حدهم سلطة حجز الشخص تبعا لمقتضيات التحقيق الأولي.
3- خص القانون ضباط الشرطة القضائية ببعض السلطات في حالة التلبس في جرائم الجنح و الجنايات.
4- يملك ضابط الشرطة القضائية مساعدة القوة العمومية في حالة التلبس .
5- رغم أن غرفة الاتهام تراقب الضبط القضائي فإن ضباط الشرطة القضائية , وحدهم الخاضعون للمساءلة الإدارية أمامها فضلا عن مساءلة الجهة التي يتبعونها ، أما أعوان الضبط القضائي فيخضعون للمراقبة من رؤسائهم التدريجيين .
الفرع الثاني:أعضاء الشرطة القضائية ذوي الاختصاص الخاص
قد يعجز أصحاب الاختصاص الأصيل من ضباط و أعوان الشرطة القضائية المنوط بهم مباشرة إجراءات التحريات عن مكافحة الظاهرة الإجرامية مما استدعى إنشاء أجهزة إضافية للتخفيف من ذلك لعبئ الملقى على عاتق أعضاء الشرطة القضائية ذوي الاختصاص العام ( الضابط و الأعوان ) , و من أجل ذلك عمل المشرع على إيجاد فئة أخرى من الموظفين و الأعوان العاملين في بعض القطاعات و خول لهم مهمة الضبط القضائي في إطار إجراء التحريات طبقا لما ورد في المادة 14 من قانون الإجراءات الجزائية و هؤلاء الأشخاص يكون اختصاصهم مقصورا على جرائم معينة تحددها لهم طبيعة وظائفهم , و هي الحكمة التي لأجلها أصبغ القانون عليهم و على الهيآت التي ينتمون إليها كيانا خاصا يميزهم عن غيرهم .
و لا يمكن اعتبار موظف مأمور من مأموري الضبطية القضائية إلا بقانون, و لا يكفي لذلك قرار وزاري لأن بعض المصالح الإدارية قد تميل إلى الإكثار من تخويل موظفيها صفة مأموري الضبطية القضائية فتصبح هذه الصفة القاعدة بالنسبة لجميع الموظفين بدلا من تكون الاستثناء.
و لقد حدد القانون الإجراءات الجزائية هذا الصنف من الموظفين و الأعوان في المواد من 21 إلى 27.
و باستقراء هذه النصوص يمكن لنا أن نقسم هذه الفئة من أعوان الشرطة القضائية الى صنفين:
الصنف الأول:الموظفون و الأعوان المختصون في الغابات و حماية الاراضي و استصلاحها
لقد حدد المشرع هذا الصنف و بين اختصاصاته في المواد 21 الى 25 من قانون الإجراءات الجزائية , فجاء في المادة 21 : « يقوم رؤساء الأقسام و المهندسون و الأعوان الفنيون و التقنيون المتخصون في الغابات و حماية الأراضي و استصلاحها بالبحث و التحري و معاينة جنح و مخالفات قانون الغابات و تشريع الصيد و نظام السير و جميع الأنظمة التي عينوا فيها بصفة خاصة و إثباتها في محاضر ضمن الشروط المحددة في النصوص الخاصة ».
و كما يتضح من هذا النص فإن مجال عمل هذا الصنف من أعضاء الشرطة القضائية ينحصر من الناحية النوعية على مجرد البحث و التحري على الجنح و المخالفات التي يرتكبها
الأشخاص إخلالا بالأحكام القانونية و التنظيمية التي تحكم وظيفتهم و إثبات تلك الجنح و المخالفات في محاضر فلا يتعدى اختصاصهم إلى جرائم أخرى .
و من هؤلاء الموظفين و الأعوان الذين يدرجون تحت هذا الصنف نجد المهندسين و رؤساء الأقسام و الأعوان التقنين و التقنين المختصين في المياه و الغابات و مخالفات الصيد و نظام السير و حراس الأراضي الزراعية.
و يجب أن لا يتبادر إلى الذهن أن المشرع يعتبر أعضاء هذا الصنف بمثابة ضباط الشرطة القضائية , بل هم أعوان لا غير , و هذا ما يستفاد من نصوص المواد 25.24.23.22 من قانون الإجراءات الجزائية التي تتضمن إلزام هؤلاء الموظفين الأعوان بتنفيذ مهامهم في إطار التحريات و تسليم محاضرهم إلى ضباط الشرطة القضائية باعتبارهم أعوان الشرطة القضائية.
الصنف الثاني: الموظفون و أعوان الإدارات و المصالح العمومية
حدد المشرع أعضاء هذا الصنف من أعضاء الشرطة القضائية في المادة 27 من قانون الإجراءات الجزائية التي تنص على أنه: « يباشر الموظفون و أعوان الإدارات و المصالح العمومية بعض سلطات الضبط القضائي التي تناط بهم بموجب قوانين خاصة وفق الأوضاع و في الحدود المبينة لتلك القوانين, و يكونوا خاضعين في مباشرة مهام الضبط القضائي الموكلة إليهم لأحكام المادة 13 من هذا القانون».
و هؤلاء الموظفون و الأعوان الذين يتمتعون بصفة عون الشرطة القضائية و الذين يدرجون تحت هذا الصنف منصوص عليهم في قانون الصيد, قانون المياه, قانون حماية البيئة , قانون الأسعار , قانون الجمارك , قانون الضرائب .
و ما يمكن الإشارة إليه أن المشرع عند ما خول هذا الصنف من أعضاء الشرطة القضائية صلاحيات القيام بإجراءات التحريات التي تندرج ضمن مهام الضبط القضائي فإنه أخصها بموجب المادة 27/2 من قانون الإجراءات الجزائية إلى أحكام المادة 13 من قانون الإجراءات الجزائية التي تنص على أنه: « و إذا ما افتتح التحقيق فإن على الضبط القضائية تنفيذ تفويضات جهات التحقيق و تلبية طلباتها», و هم بذلك يتمتعون ببعض صلاحيات ضباط الشرطة القضائية ذوي الاختصاص العام المذكورين في المادة 15 من قانون الإجراءات
الجزائية و إن كانت صفة «ضابط الشرطة القضائية» الممنوحة لهم مقصورة على جرائم محددة تحددها النصوص القانونية و التنظيمية التي تحكم الهيئة التابعيين لها.
الفرع الثالث: سلطات الوالي ورجال القضاء في مجال الضبطية القضائية
إذا كان المبدأ العام أن إجراءات التحريات يباشرها أشخاص مؤهلون قانونا و مكونون خصيصا لذلك الغرض باعتبارها تندرج ضمن مهامهم الأصلية في ظل جهاز يدعى الشرطة القضائية فإنه يمكن و بصفة استثنائية و جوازيه منح بعض السلطات سواء كانت تابعة للجهاز القضائي أو للجهاز الإداري القيام ببعض مهام الضبط القضائي رغم عدم انتمائهم لجهاز الشرطة القضائية و دون أن تكون لها صلاحيات القيام بإجراءات التحريات التي يجريها أعضاء الشرطة القضائية بصفة أصلية.
1- سلطات الوالي:
يعتبر الوالي من مأموري الضبط القضائي إلا أنه أقلهم صلاحيات و أكثر رجال الضبطية القضائية تقيدا حيث لم يمنح تلك الصفة إلا في الأحوال استثنائية محددة جدا و مقيدة و قد أعطت المادة 28 من قانون الإجراءات الجزائية للوالي سلطة مباشرة الضبط القضائي في حالات محددة حيث تنص على أنه: « يجوز لكل والي في حالة وقوع جناية أو جنحة ضد أمن الدولة و عند الاستعجال فحسب, إذا لم يكن قد وصل إلى علمه أن السلطة القضائية قد أخطرت بالحادث أن يقوم بنفسه باتخاذ الإجراءات الضرورية لإثبات الجنايات و الجنح الموضحة آنفا أو يكلف بذلك كتابة ضباط الشرطة القضائية المختصين.
و إذا استعمل الوالي هذا الحق المخول له فإنه يتعين عليه أن يقوم فورا بتبليغ و كيل الجمهورية خلال 48 ساعة التالي لبدء هذه الإجراءات و أن يتخلى عنها للسلطة القضائية و يرسل الأوراق لوكيل الجمهورية و يقدم له جميع الأشخاص المضبوطين.
- يتعين على كل ضابط من ضباط الشرطة القضائية تلقي طلبات من الوالي حال قيامه بالعمل بموجب الأحكام السابقة و على كل موظف بلغ بحصول الأخطار طبقا لهذه الأحكام ذاتها أن يرسل الأول هذه الطلبات و أن يبلغ الثاني هذه الإخطارات بغير تأخير إلى وكيل الجمهورية».
و بناء على ما جاء في نص المادة 28 من قانون الإٌجراءات جزائية يكون للوالي سلطات الضبط القضائي في الحالات و ضمن الشروط التالية:
1- أن تكون هناك جريمة ( جناية أو جنحة ) ضد أمن الدولة, و بالتالي يخرج من اختصاص الوالي الجرائم غير المتعلقة بأمن الدولة.
2- أن يكون هناك استعجال فإذا فقد هذا الوصف فإنها تبقى من اختصاص مأموري الضبط القضائي الاصليين
3- ألا تكون السلطة القضائية قد أخطرت بالحادث و إن علمها – أي النيابة أو الضبطية القضائية – يسقط على الوالي تلك الصفة و تنزع منه تلك الصلاحيات مادام قد علم بذلك لأن القانون اشترط لمباشرته هذا الحق أن لا يكون قد وصل الى عمله أن السلطة القضائية قد علمت بالحادث .
4- أن يتخلى عن هذه الإجراءات لسلطة القضائية خلال 48 ساعة التالية , و أن يرسل بتلك الأوراق كلها لوكيل الجمهورية , و أن يقدم له جميع الأشخاص المضبوطين .
هذه هي الشروط التي يجب ويتعين على كل وال قد باشر سلطات الضبط القضائي طبقا للمادة 28 من ق ا ج ان يحترمها,و يتعين على كل ضباط من الشرطة القضائية تلقى طلبات من الوالي طبقا لهذه المادة,و كذا كل موظف بلغ بحصول الاخطار طبقا لهذه الاحكام ذاتها ان يرسلها و يبلغها بغير تاخير الى وكيل الجمهورية.
فإذا توافرت هذه الشروط الاربعة امكن للوالي القيام بسلطات الضبط القضائي في اطار اجراء التحريات,و عليه ان يبلغ وكيل الجمهورية في مهلة لا تزيد عن 48 ساعة بدء من اول اجراء يباشره الوالي , أو ضابط الشرطة القضائية الذي يكلفه .
و الجدير بالذكر أن الوالي رغم منحه بعض السلطات في مجال الضبط القضائي فهو لم يكن و لن يصبح من ضباط الشرطة القضائية , و لا يخضع لإشراف النائب العام و لا لرقابة الإتهام تفاديا للإخلال بمبدأ الفصل بين السلطات و الوظائف , كما أن حصر اختصاصه في الجرائم ضد أمن الدولة يرجع الى كونه محاط بمصالح الأمن , غير أن المتمعن بدقة في النصوص القانونية , و الناظر لمهام النيابة يجد أن إطفاء صفة مأمور الضبطية القضائية عليهم ليس بالأمر المستبعد و هذا انطلاقا من المادة 12في فقرتها الأولى التي تسند مهمة الضبط القضائي لرجال القضاء و الضباط و الأعوان و كذلك المادة الأولى من قانون الإجراءات الجزائية بالنص على أن : « الدعوى العمومية يباشرها رجال القضاء أو الموظفين المعهود
إليهم بمقتضى هذا القانون , فوكلاء الدولة و أعضاء النيابة يعدون من رجال القضاء , و عبارة رجال القضاء الواردة في المادة 12/1 و المادة 1/1 من قانون الإجراءات الجزائية استعملها أيضا المشرع في القانون الأساسي للقضاء الصادر بمقتضى الأمر رقم 69/27 المؤرخ في 13 ماي 1969 حيث تضمنت مادتها الاولى مايلي:"قضاة النيابة وقضاة التحقيق وقضاة الحكم" كما يفهم ذلك من المادة 36من ق.ا.ج التي تنص على انه:"يقوم وكيل الدولة بتلقي المحاضر و الشكاوي والبلاغات ويقرر ما يتخذ بشانها و يباشر بنفسه او يامر باتخاد جميع الاجراءات اللازمة للبحث و التحري عن الجرائم المقررة و المتعلقة بقانون العقوبات و المتمعن في هذه المادة يرى أن هذه الأعمال هي أعمال الضبطية القضائية الموضحة في المادتيين 12و 13 من قانون الإجراءات الجزائية.
و ما يستلزم القول بهذا أيضا نص المادة 56 من قانون الإجراءات الجزائية « ترفع يد المأمور الضبط القضائي على التحقيق بوصول وكيل الدولة لمكان الحادث , و يقوم و كيل الدولة بإتمام جميع أعمال الضبطية القضائية في مجال التحقيقات» , , و من هنا يتضح أنه لو لم يكن وكيل الدولة صاحب صفة ضبطية قضائية فكيف يستطيع أن يتم عمل المأمور الضبط القضائي المخالف له في الصفة ؟ و كيف يعتبر ذلك إتماما و إكمالا لعمله ؟ .
و عليه يمكن القول بأن أعضاء النيابة هم رجال الضبطية و بالتالي فهم يتبعون الجرائم بعد وقوعها , و لكن مع هذا لا يمكن إضفاء عليهم صفة الضبطية الإدارية أي الضبطية المانعة للجريمة .
2- قضاة التحقيق :
إن قاضي التحقيق أصلا هو من القضاء الجالس و مهمته الأساسية هي إصدار الأوامر و هذا ما قصرته عليه بعض التشريعات دون منحه سلطة الضبطية القضائية بينما فعندما يصل الى علمه أن جريمة ضد أمن الدولة قد ارتكبت فإنه يبادر الى إخطار و تبليغ المصالح التي تتدخل لمبادرة الإجراءات اللازمة لذلك .
3- سلطات رجال القضاء :
إذا كان المشرع لا يدرج رجال السلطة القضائية ضمن التعداد الوارد في المادة 14 من قانون الإجراءات الجزائية الخاص بأعضاء الشرطة القضائي, و لا حتى في المادة 28 من قانون الإجراءات الجزائيةالتي نصت على قائمة الأشخاص الذين يتمتعون بصفة ضباط الشرطة القضائية, فإن ذلك لا يمنع رجال الشرطة من القيام ببعض سلطات الضبط القضائي مادام المشرع قد خول لهم ذلك فلقد جاءت المادة 12/1 قانون الإجراءات الجزائية تنص على أنه: « يقوم بمهمة الضبط القضائي رجال القضاء و الضابط و الأعوان و الموظفون.
و المتمعن في نصوص قانون الإجراءات الجزائية لا يجدها تمنح صراحة قضاة النيابة و قضاة الحكم و قضاة التحقيق صفة الضبطية القضائبة حتى لا يقع خلط و لبس في الوظائف, لأن اعتبار أعضاء السلطة القضائية كذلك – أي من رجال الشرطة القضائية يؤدي الى الإخلال بمبدأ الفصل في الخصومة بين السلطات
و في هذا الصدد يوجد فرق بين وكلاء الدولة و أعضاء النيابة من جهة و قضاة التحقيق من جهة أخرى , أما عن قضاة الحكم فهم مجسدين فعليين للقضاء الجالس الذي مهمته الفصل في الخصومة .
4- وكلاء الدولة و أعضاء النيابة:
هذه الفئة من رجال القضاء لم يمنحها القانون صفة ضباط الشرطة القضائية, و ذالك و حتى يجتنب أعضاء النيابة العامة الخضوع في نشاطهم كرجال ضبطية قضائية لرقابة غرفة الإتهام حسبما تنص عليه المادة 12 قانون الإجراءات الجزائية على أنه: »« يتولى و كيل الدولة إدارة الضبط القضائي و يشرف النائب العام على الضبط القضائي بدائرة اختصاص كل مجلس و ذلك تحت رقابة غرفة الإتهام بذلك المجلس ».
نجد البعض الآخر وسع من صلاحيته و جعل من ضمن تلك الصلاحيات استطاعته القيام بمهام الضبطية القضائية.
أما القانون الجزائري فلم ينص صراحة على إضافة صفة الضبطية القضائية على قضاة التحقيق, و لم يذكره من ضمن مأموري الضبطية القضائية كما فعل بالنسبة لغيره حين نص في المادة 15 قانون الإجراءات الجزائية و لكن الدارس لمهام قاضي التحقيق و اختصاصاته, و
المتمتعن لشروط مباشرته للتحقيق يجد أنه قد خول له بعض مهام. مأموري الضبط القضائي فالمادة 12/1 من قانون الإجراءات الجزائية التي تنص على أنه : « يقوم بمهمته الضبط القضائي رجال القضاء و الضباط و الأعوان» , تحمل في طياتها أن قاضي التحقيق معني و مطالب بالقيام بتلك المهام لأنه يعتبر قاضيا , و كذلك المادة 38/1 قانون الإجراءات الجزائية التي تنص على أن : «يناط بقاضي التحقيق إجراءات البحث و لا يجوز له أن يشترك في الحكم في قضايا نظرها بصفته قاضيا للتحقيق و إلا كان ذلك الحكم باطلا » كما تنص المادة 60 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه : « إذا حضر القاضي التحقيق الى مكان الحادث فإنه يقوم بإتمام أعمال ضباط الشرطة القضائية المنصوص عليها في هذا الفصل .و له أن يكلف أحد ضباط الشرطة القضائية بمتابعة تلك الإجراءات و يرسل قاضي التحقيق عند انتهاء الإجراءات أوراق التحقيق الى وكيل الجمهورية ليتخذ اللازم بشأنها » .
فمن خلال هذه المواد يتضح أن لقاضي التحقيق نفس الصلاحيات و السلطات الممنوحة لضباط الشرطة القضائية في سبيل القيام بمهام الضبط القضائي و إجراء التحريات , و إن كانت سلطاته هذه تقل أهمية عن سلطاته الأصلية كقاضي للتحقيق القضائي الإبتدائي فقاضي
التحقيق لا يجوز له مباشرة التحقيق القضائي إلا بموجب طلب افتتاحي صادر من وكيل الجمهورية وفقا لما نصت عليه المادة 60/4 من قانون الإجراءات الجزائية أما قبل
توجيه هذا الطلب إليه فإن أعماله تعد بمثابة إجراءات تدخل ضمن مرحلة التحريات لأنه إذا وجد في هذه المرحلة و باشر أي عمل منها جاز له ذلك , و في ممارسته يعتبر قد مارس بعض مهام الضبطية القضائية.
المطلب الثاني: إختصاصات ضباط الشرطة القضائية
الفرع الأول: الإختصاصات العادية للضبطية القضائية
لقد حدد المشرع في قانون الإجراءات الجزائية مهمة ضابط الشرطة القضائية وواجباته المكلف بها أثناء تأديته وظيفته في الأحوال العادية و يتضح ذلك جليا من خلال نص المادة 17/1 من قانون الإجراءات الجزائية التي تنص على أنه : « يباشر ضباط الشرطة القضائية السلطات الموضحة في المادتين 12و 13 و يتلقون الشكاوى و البلاغات و يقومون بجمع الإستدلالات و إجراء التحقيقات الإبتدائية».
لكن و نظرا للظروف الطارئة للبلاد , تم بتعديل 1995 إتمام المادة 17/1 من قانون الإجراءات الجزائية فأصبحت كالتالي : « يباشر ضباط الشرطة القضائية السلطات الموضحة في المادتين 12 و 13 و يتلقون الشكاوى و البلاغات و يقومون بجمع الإستدلالات و إجراء التحقيات الإبتدائية و يمكن لضباط الشرطة القضائية بناء على رخصة من النائب العام لدى المجلس القضائي المختص اقليميا أن يطلبوا من أي عنوان أو لسان أو سند إعلامي نشر إشعارات أو أوصاف أو صور تخص أشخاصا يجري البحث عنهم أو متابعتهم لإرتكابهم جرائم موصوفة بأفعال إرهابية أو تخربية» .
و هذه السلطات العادية يقوم بتنفيذها ضباط الشرطة القضائية و تحت إشرافه عون الشرطة القضائية , و كذلك من لهم صفة الضبط القضائي – ذو و الإختصاص الخاص – و الواردة ذكرهم في المادة 27 من قانون الإجراءات الجزائية بالإضافة الى ما نص عليه من سلوكات و اختصاصات أخرى في القوانين التي منحهتم هذه نصفته و من المهام العادية لضباط الشرطة القضائية :
1- البحث و التحري عن الجرائم .
2- جمع الأدلة .
3- تلقي البلاغات و الشكاوي .
4- تحرير محضر بإجراءات الإستدلال .
5- ضبط المنقولات المختلفة بعيدا عن المنازل عن الحيازة أصحابها .
6- ندب الخبراء .
الفرع الثاني: الإختصاصات الإستثنائية للضبطية القضائية
القاعدة العامة أن اختصاصات الضبطية القضائية تنحصر في جمع الإستدلالات و لا تمتد الى التحقيق ذلك أن التحقيق هو تحريك للدعوى العمومية إذا تبدأ بأول إجراء من إجراءاته و عليه كان طبيعيا أن يكون الإختصاص بالتحقيق هو فقط للسلطة التي تملك الدعوى العمومية و هي النيابة العامة.
غير أن المشرع راعى أن الضبطية القضائية هي جهاز يعاون النيابة العامة في تحقيق مهمتها بغية الوصول الى الحقيقة , فزود رجالها بجانب من سلطة التحقيق يباشرونها على سبيل الإستثناء في أحوال معينة , ووجه الإستثناء أن المهمة الأساسية لسطة الضبط القضائي هي جمع الإستدلالات لا جراء التحقيق و كان الأصل أن يقتصر نشاط رجالها على عملهم الأساسي , و أن يحال بينهم و بين مباشرة أي عمل من أعمال التحقيق لذلك راعى المشرع في اختيار أفرادها شروطا معينة تتناسب مع خطورة دورهم , أهمها الحيطة و القدرة الفنية على ادارة التحقيق كما حرص على حصر هذا الإستثناء أضيق الحدود و احاطه بعديد من الضمنات.
و كل هذا الحرص يرجع لما في اجراءات بببب من معنى الاعتداء على حرمة شخص المتهم او حرمة مسكنه.
و يستمد رجال الضبط القضائي سلطتهم في مجال التحقيق اما بنص القانون مباشرة,او بقرار يصدره القائم اصلا بالتحقيق و الاختصاصات الاستثنائية لضبطية القضائية المستمدة من القانون تتمثل في حالة التلبس, اما التي تكون بقرار يصدره القائم اصلا بالتحقيق فهي حالة الندب.
المطلب الثالث: مسؤولية ضباط الشرطة القضائية
إن القانون يحمي ضباط الشرطة القضائية للقيام بمهامه و في نفس الوقت يقرر مسؤوليته عما يمكن أن يصدر عنه من أخطاء مهنية أو ارتكابها لفعل يجرمه القانون:
لذلك فإن ضابط الشرطة القضائية و رجل الأمن عموما يكون مسؤولا مسؤولية تأدبية و جنائية و مدنية مما يقوم به من أفعال قد تؤدي الى الأضرار بحقوق و حريات المواطن جراء التعسف في استعمال القانون أو مخالفته:
* إذا ارتكب خطأ مهنيا جسيما .
* إذا اقترف جريمة جنائية.
1- المسؤولية التأديبية ( الخطأ المهني الجسيم ) : أثناء ممارسة مهامه قد يرتكب ضابط الشرطة القضائية التابع للدرك الوطني خطأ مهنيا ينتج عنه ضرر للغير , فيكون المخطئ مسؤولا تأديبية , و يقصد بالغير هنا الأشخاص الطبعيين أو المعنويين الذين لحقهم ضرارا ماديا أو معنويا نتيجة الخطأ المرتكب . يتعرض للجزاءات التأديبية المقررة في نظام الخدمة في
الجيش و اللوائح التنظيمية و النصوص القانونية و تلك الجزاءات تندرج تبعا لدرجة خطورةالخطأ و تبدأ بالإنذار – التوبيخ- التوقيف البسيط – التوقيف الشديد التقديم أمام مجلس التحقيق – أو مجلس التأديب – الشطب من صفوف الدرك الوطني, أما ضابط الشرطة القضائية التابع لمصالح الأمن الوطني فيتعرض للإجراءات المقررة في النصوص التشريعية و التنظيمية التي تحكم هذا الجهاز و لا سيما المرسوم التنفيذي 91-524 المؤرخ في 25 ديسمبر 1991 المتضمن القانون الأساسي الخاص بموظفي الأمن الوطني .
و تقسم العقوبات التأديبية الى ثلاثة درجات تشمل الدرجة الأولى الإنذار الشفوي و الإنذار الكتابي و التوبيخ و التوقيف عن العمل من يوم الى ثلاثة أيام و تشمل الدرجة الثانية التوقيف عن العمل من 4 الى 8 أيام و الشطب من جدول الترقية .
أما الدرجة الثالثة فتشمل النقل الإجباري و التنزيل في الرتبة و الفصل مع الإشعار المسبق و التعويضات و الفصل بدون إشعار مسبق ولا تعويضات
2- المسؤولية الجنائية : ( ارتكاب جناية ) : اذا كان ضباط الشرطة القضائية جناية أثناء ممارسة و ظيفته أو بمناسبة ممارستها و حتى أثناء العطل يتابع قضائيا , فمن يفشي سرالمستند ناتج عن التفتيش أو ينتهك حرمة منزل أو يتعدى على حرمة شخص بحبسه أو القبض عليه في غير الحالات القانونية ...الخ يخضع لتحقيق من طرف محقيقين حياديين و يحال أمام القضاء المختص ( القضاء العسكري بالنسبة للدرك الوطني و القضاء العادي بالنسبة لإعضاء الأمن الوطني) وذلك مع مراعاة الاجراءات التنظيمية الخاصة بكل هيئة كضرورة اصدار امر المتابعة من طرف قائد الهيئة او السلك الذي ينتمي اليه مرتكب الجريمة.يتولى القائد المؤهل الامر بتقديم من ارتكب جريمة من مرؤوسيه امام العدالة ليحاكم ويعاقب .ولا يمكن لضابط الشرطة القضائية أن يبرر ارتكاب الجريمة بكونه تلقى أمرا من رؤسائه , فالأوامر الصادرة عن الرؤساء لا تكون عذرا قانونيا مبرار اذا كانت غير قانونوية .
3- المسؤولية المدنية : يكون ضباط الشرطة القضائية و كل موظف مسؤولا مسؤولية مدنية عن الأضرار المادية و المعنوية التي يمكن أن تنتج عن الأفعال التي يرتكبها خارج حدود الشرعية الإجرامية و كذلك الدولة باعتباره يمثل السلطة العامة و يقوم بأعماله طبقا لما تخول له وظيفته و صفته , غير أن الدولة يكون لها الحق الرجوع على الفاعل الذي ترتكب جريمته
ترتب عناه ضرارا و ثبتت مسؤوليته عن تلك الجريمة – و هذا ما نصت عليه المادة 108 من قانون العقوبات " مرتكب الجنايات المنصوص عليها في المادة 107 مسؤول شخصيا مدنية و كذلك الدولة على أن تكون لها حق الرجوع على الفاعل ."
المبحث الثاني: القواعد التي تحكم جهاز الضبطية القضائية
لكي يتمكن أعضاء الشرطة القضائية من أداء المهام الموكلة إليهم في مجال القيام بإجراءات التحريات ضمن إطار الشرعية الإجرائية أوجب عليهم القانون الإلتزام أثناء
مباشرة مهامهم بمجموعة قواعد نص عليها قانون الإجراءات الجنائية, و يمكن إجمال هذه القواعد في قواعد الإختصاص, و قواعد الإشراف و التبعية .
المطلب الأول: قواعد الإختصاص
يقصد باختصاص ضابط الشرطة القضائية السلطات التي خوله إياها القانون لمباشرة المهام المنوطة به , وتدل لفظة اختصت في محتواها على معنين :
1- المعنى الشكلي: وينصرف الى تحديد المجال الإقليمي التي تمارس في اطاره صلاحيات الضبطية القضائية ,( الإخنصاص المحلي )
2- المعنى الموضوعي: و يشمل الصلاحيات و الواجبات ( الإختصاص النوعي ) , كما أن للفظة " إختصاص " مدلول زمني و آخر شخصي ( الإختصاص الزمني و الإختصاص الشخصي ).
الفرع الأول: الإختصاص المحلي
و يقصد بالاختصاص المحلي الحدود الخغرافية التي تباشر فيها ضابط الشرطة القضائية مهامه بعد تعينته رسميا في منصبه و هذا ما تنص عليه المادة 16 من قانون الإجراءات الجزائية على أن:" يمارس ضابط الشرطة القضائية اختصاصهم المحلي في الحدود التي يباشرون ضمنها وظائفهم المعتادة " إلا أنه يجوز لهم – في حالة الإستعجال – أن يباشروا مهمتهم في كافة دائرة اختصاص المجلس القضائي الملحقين به , و يجوز لهم أيضا – في حالة الإستعجال – أن يباشروامهمتهم على كافة تراب الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية إذا طلب منهم أداء ذلك من طرف أحد رجال القضاء المختصين قانونا , و ينبغي أن يساعدهم ضابط الشرطة القضائية الذي يمارس وظائفه في المجموعة السكنية المعنية و في حالات
المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين يتعين عليهم أن يخبروا مسبقا وكيل الجمهورية الذين يعملون في دائرة اختصاصه , و في كل مجموعة سكنية عمرانية , مقسمة الى دوائر الشرطة فإن محافظي و ضباط الشرطة القضائية الذين يمارسون وظائفهم في أحدها يشمل كافة المجموعة السكنية , و لا تطبق أحكام الفقرة الثانية و الثالثة و الرابعة و الخامسة من هذه المادة على ضباط الشرطة القضائية التابعين لمصالح الأمن العسكري الذين لهم الإختصاص على كافة التراب الوطني".
يتضح من نص هذه المادة أن القانون حد لمأمور الضبط القضائي اختصاصا مكانيا محددا يلزم لصحة الإجراءات التي تصدر منه أن تكون قد بوشرت في دائرة هذا الإختصاص و غالبا ما يكون هذا الإقليم عبارة عن مدينة أو قرية أو عدة مدن أو قرى أو ولاية بأكملها و يتعين الإختصاص المكاني لمأمور الضبط القضائي بأعمال أحد المعايير الثلاثة التالية : مكان وقوع الجريمة , محل إقامة المتهم و مكان ضبط المتهم , و الحكمة من تعدد أمكنة الإختصاص الجنائي هي تعذر تعيين مكان وقوع الجريمة في بعض الصور كما في حالة السرقة حافظة نقود من انسان كان يجوب المدينة كبيرة ولا يعرف مكان الذي سرق فيه وعلى كل حال فالمعايير الثلاثة متكافئة فلا أفضلية لسبب منها على آخر و إن جرى العمل على إتباع معيار مكان وقوع الجريمة سواء في شأن التحقيق الإبتدائي أم في شأن المحاكمة فالأصل هو إذن أن يباشر مأمور الضبط القضائي الإجراءات المخولة له قانونا في دائرة اختصاصه المكاني, لكن هذا الإختصاص قابل للأمتداد الى خارج هذه الدائرة, لما تتطلبه وظيفة الشرطة القضائية من حركة ومرونة للقضاء على الجرائم الخطيرة , و لهذا كاستثناء أول و في حالة الإستعجال – و يقاس على حالة الإستعجال حالة الضرورة - أن يمتد اختصاصهم الى دائرة المجلس القضائي الملحقين به وظيفيا كما يجوز لهم كاستثناء ثان في حالة الإستعجال القصوى مباشرة أعمالهم على مستوى التراب الوطني إذا طلب منهم أحد رجال القضاء المختصين قانونا و ينبغي في هذه الحالة أن يساعدهم ضابط من ضباط الشرطة القضائية المختصين محليا و الذين يمارسون وظيفتهم في المجموعة السكنية المعنية , كما يجب عليهم في الحالتين السابقتين أن يخبروا وكيل الجمهورية الذين سوف يباشرون عملهم في دائرة اختصاصه.و الذين يقوم بتحقيقاته بوجود
ضابط الشرطة القضائية للمكان الذي وصل إليه, مضافا الى ذلك تقديم العدد الكافي من طرف الفرق العاملة ضمن المصالح النشيطة في ميدان الأمن.
أما محافظو و ضباط الشرطة القضائية الذين يباشرون عملهم في مجموعات سكنية عمرانية مقسمة, فإن الذين يمارسون وظائفهم في إحداها يشمل كافة المجموعة السكنية.
غير أن أحكام الفقرات السابقة من هذه المادة لا تطبق على ضباط الشرطة القضاتئية للأمن العسكري الذين لهم اختصاص شامل على كافة التراب الوطني.
و نظرا للظروف الطارئة التي عرفتها البلاد, جاء تعديل بموجب الأمر رقم 95/10 المؤرخ في 25 فيفري 1995 يتضمن تمديد اختصاص ضباط الشرطة القضائية الى كامل التراب الوطني فيما يتعلق بالقضايا الموصوفة بجرائم ارهاب أو تخريب , ويتم عملهم تحت رقابة النائب العام لدى المجلس القضائي المختص اقليميا.
أما في القانون المصري فإن لمأمور الضبط القضائي – اذا انعقد اختصاصه المكاني بجريمة معينة – أن يباشر كافة الإجراءات المتصلة بها قبل الفاعلين و الشركاء فيها و لو اقتضى الأمر مباشرة الإجراءات خارج دائرة اختصاصه, فالعبرة ليست بمحل الإجراء وإنما بالجريمة التي إتخد الإجراء فيها.
و يترتب على مخالفة قواعد الإختصاص الإقليمي وبالتالي إستبعاد الدليل المستمد من الدليل الباطل,غير أن هذا البطلان موضوعي لا يجوز التمسك به الأول مرة أمام المحكمة النقض مادام قد فات المتهم إثارته أمام المحكمة الموضوعية لتبدي رأيها فيه .
الفرع الثاني: الإختصاص النوعي
يقصد بالإختصاص النوعي تحديد الأعمال التي يقوم بها ضباط الشرطة القضائية من حيث موضوعها أو نوعها.
و تتولى جمع النصوص القانونية و التنظيمية من مراسيم و لوائح تنظيم و ضبط الأساليب العملية التي تسمح لأعضاء الشرطة القضائية تنفيذ المهام المنوطة بهم دون المساس بحقوق و حريات المشتبه فيهم .
و يتفاوت مأمور الضبط القضائي فيما بينهم و في داخل دوائر اختصاصهم من حيث مدى الجرائم التي يشملها هذا الإختصاص فبعهم ذوو اختصاص عام يشمل كافة الجرائم بغير تميز , و بعضهم ذوو اختصاص محدود يقتصر على فئة خاصة من الجرائم أو على ما يرتكبه أشخاص معينة, فيتخصيص بعض من مأمور الضبطية القضائية في أعمال متعلقة بطائفة معينة من فئات المجتمع كتخصيص شرطة عسكرية لتتبع الجرائم المتعلقة بأسلحة الجيش التي تقع من أفراد الجيش أو وحداث. كما قد يتخصص بعضهم الآخر في أعمال متعلقة بجرائم معنية بالنسبة لكافة الناس كجرائم المخدرات و جرائم الأحداث.
و يمكننا تقسيم الإختصاص النوعي لأعضاء الشرطة القضائية الى صلاحيات وواجبات .
أولا: صلاحيات الضبطية القضائية: و تتلخص فيما يلي:
1- تلقي الشكاوى و البلاغات المتعلقة بالجرائم المقررة في قانون العقوبات.
2- معينة الجرائم و البحث و التحري في ملابستها, و جمع الإستدلالات المختلفة الرامية لكشف الحقيقة و إلقاء القبض على المجرمين و تقديمهم أمام الجهات القضائية المختصة.
3- إجراء التحريات سواء في الجريمة المتلبي بها ( المادة 17/2 من قانون الإجراءات الجزائية و المواد من 41 الى 62 من قانون الإجراءات الجزائية).
ثانيا : الواجبات القضائية:
1- إخطار وكيل الجمهورية بالمعلومات التي تصل الى علم مأموري الضبط القضائي مع تنفيذ كافة التعليمات التي يتلقونها منه بشأنها بإعتباره وكيل الجمهورية مديرا للضبط القضائي ( المادة 18/1 من قانون الإجراءات الجزائية ) .
2- تحرير محاضر التحريات و ارسالها مرفقة بكل الأشياء و المستندات المضبوطة خلال مرحلة التحريات الى وكيل الجمهورية ( المادة 18/2 , 3 من قانون الإجراءات الجزائية.)
3- تقديم المشتبه فيهم الى النيابة العامة فور الإنتهاء من الإجراءات التحريات التي يجب أن تنفذ ضمن الآجال وطبقا للأشكال المنصوص عليها في القانون .
4- إبلاغ رؤسائهم عن الجرائم التي يعاينوا لها ولا سيما الخطيرة منها و تنفيذ تعليماتهم و توجيهاتهم في شأن سير التحريات.
الفرع الثالث الإختصاص الشخصي
و يتحدد بما تفرضه الوظيفة العامة على شخص معين بالذات من اختصاصت محددة و بالتالي لا يجوز له التفويض فيها إلا في الحدود التي يسمح بها القانون , فإذا كلف القانون ضابط الشرطة القضائية – مراعيا في ذلك صفته الشخصية – فلا يجوز له تفويض ذلك الإختصاص مالم يكن القانون يجيز له ذلك , فالإختصاص الشخصي مقتضاه أن هناك أشخاص لهم صفة تحدد اختصاص الموظف الذي يتحرى معه, فالعسكريون مثلا , يجب أن يجرى معهم التحريات ضابط الشرطة القضائية التابع للدرك الوطني أو الأمن العسكري و هم الصنف من ضابط الشرطة القضائية الذين يتصفون بصفة ضباط الشرطة القضائية العسكرية.
الفرع الرابع: الإختصاص الزمني
و يحدد بوقت معين يجب اتخاذ إجراءات التحريات خلاله فضابط الشرطة القضائية لا يمارس مهامه إلا بعد استنادها إليه قانونا و في أثناء المواعيد المقررة له رسميا و لا يجوز له ممارستها إذا كان موقوفا , أو في إجازة مرضية أو اعتبارية أو حالة نقله الى أي مكان آخر أو حالة إخطاره بالإستغناء عن خدماته و إلا تعرض للعقوبات المقررة في نص المادتين 141-142 من قانون العقوبات
المطلب الثاني: قواعد الإشراف و التبعية
مأمور الضبط القضائي – فيما عدا أعضاء النيابة العامة – لا يعتبرون من رجال القضاء و إنما من رجال السلطة التنفذية و هم بحكم وظائفهم يخضعون لإشراف رؤسائهم, غير أنهم بحكم قيامهم بأعمال الضبط القضائي يتبعون النائب العام أيضا و يخضعون لإشرافه فيما يتعلق بأعمال وظيفتهم , لأن النيابة العامة هي الرئيس الأعلى لسطة الضبط القضائي فأعضاء الشرطة القضائية هم موظفون عموميون إداريون و لكنهم منحوا الصفة القضائية لمساعدة رجال الهيئة القضائية و معاونتهم في الأعمال التحضيرية للدعوى القضائية .
ففي القانون الجزائري فإن أعضاء الشرطة القضائية يخضعون الى إشراف رئاسي و آخر قضائي حيث تنص المادة 12/2 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه :" يتولى وكيل الجمهورية إدارة الضبط القضائي و يشرف النائب العام على الضبط القضائي بدائرة اختصاص كل مجلس قضائي و ذلك تحت رقابة غرفة الإتهام بذلك المجلس.
من خلال هذه المادة يتضح ان ادارة الضبط القضائي موكلة الى وكبل الجمهورية وذلك بسبب ما هو مكلف به من مهام يباشرها بنفسه او يامر باتخاذ جميع الاجراءات اللازمة للبحث والتحري عن الجرائم المتعلقة بقانون العقوبات.كما انه مكلف بمباشرة الدعوى العمومية وعليه فانه إذا لم تكن لديه سلطة إدارة الشرطة القضائية لا يمكنه مباشرة المهام الملقاة على عاتقه يلاحظ أن تبعية مأمور الضبطية القضائية للنيابة ليست تبعية ادارية و إنما وظيفية . فهو من الناحية الإدارية مستقل عنها و يتبع مباشرة جهته الإدارية سواء كانت وزارة الداخلية وإدارتها أم غيرها , و بالتالي فإن المجازاة الإدارية و إحالتهم الى المحاكمة التأديبية كلها أمور تدخل في إطار التعبية الإدارية لرؤسائهم دون أن يكون للنيابة العامة اختصاص في هذا الصدد , إنما يكون للنيابة العامة عليهم سلطة للأشراف على أدائهم لمهامهم الوظيفية و لكن هذا لا يمنع النائب العام في أن يطلب من الجهة الإدارية التي يتبعها مأمور الضبط القضائي النظر في أمره إذا وقع منه إخلال بواجبه أو تقصير في عمله فإذا كانت المخالفة جسيمة جاز له رفع الدعوى التأديبية عليه , أما إذا كان ما وقع منه جناية فللنيابة العامة أن ترفع الدعوى الجنائية عليه سواء كانت الجهة التي يتبعها قد وقعت عليه جزاء إداريا أو لم توقع عليه أي جزاء .
أخيرا يمكن القول أن ضباط الشرطة القضائية يخضعون الى إشراف النائب العام و في نفس الوقت يتبعون لجهاتهم الإدارية و تجدر الإشارة الى أن قواعد الإختصاص لا يستطيع القاضي أن يثيرها من تلقاء نفسه, بل أن يدفع بها صاحب الشأن, و أن يثبت ما عليه
المبحث الثالث:الرقابة القضائية على الضبطية القضائية
إن الأعمال التي ينفذها أعضاء الشرطة القضائية في إطار إجراءات التحريات تتم تحت إدارة و إشراف النيابة العامة و رقابة غرفة الإتهام كما أن المحكمة السلطة التقديرية في مراقبة جدية لتلك الإجراءات
المطلب الاول: رقابة النيابة العامة و غرفة الإتهام على أعمال الضبطية القضائية
من خلال نص المادة 12/2 من قانون الإجراءات الجزائية يتبين أن الأعمال التي ينفذها أعضاء الشرطة القضائية تتم تحت إدارة و كيل الجمهورية و إشراف النائب العام و رقابة غرفة الإتهام .
الفرع الأول : رقابة النيابة العامة على أعمال الضبطية القضائية
إدارة الضبط القضائي موكلة الى وكيل الجمهورية حيث يراقب الأعمال الخاصة بالتحريات و كيفية التصرف فيها و يأمر بإتخاذ جميع الإجراءات اللازمة للبحث و التحري عن الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات , و هذا ما نجده في نص المادة 36 من قانون الإجراءات الجزائية.
كما يشرف النائب العام على الضبط القضائي بدائرة الإختصاص كل المجلس القضائي, كما خول القانون له أن يطلب من الجهة المختصة و التي هي غرفة الاتهام النظر في أمر كل ما من تقع منه مخالفة لوا جباته الوظيفية في إطار المهام المنوطة بأعمال الضبط القضائي.
أما عن المضمون الرقابة التي تمارسها النيابة العامة على أعمال الشرطة القضائية بما فيها إجراءات التحريات نجد وكيل الجمهورية يقم نشاط ضابط الشرطة القضائية بتنقيطهم بواسطة مذكرة استعلامات شخصية حول مستوى أدائهم فيما يتعلق بممارسة مهام الضبط القضائي, و بعد ذلك يرسلها إلى النائب العام.
و تتمثل الرقابة التي يمارسها النائب العام فيما يتعلق بأعمال الضبط القضائي في توجيه التنويه إلى من يقصر من أعضاء الشرطة القضائية في مهام المسندة إليهم و أخطار المرجع المختص بما يراه مناسبا من تدابير تأديبية.
و يباشر النائب العام بالمجلس القضائي مهمته بالرقابة عن طريق معاونيه من أعضاء النيابة العامة كل حدود اختصاصه المحلي شأنه في ذلك شأن باقي اختصاصاته الوظيفية العادية .
الفرع الثاني: رقابة غرفة الاتهام على أعمال الضبطية القضائية
تقوم غرفة الاتهام بمراقبة أعمال الشرطة القضائية و تنظر في الإخلالات و التجاوزات المنسوبة إليهم في مباشرة وظائفهم في إطار قيامهم بإجراءات التحريات و ذلك ضمن الشروط المحددة في القانون و المنصوص عليها في المادة 206 من قانون الإجراءات الجزائية.
و في مجال مراقبة أعمال رجال الضبطية القضائية, فإن وكيل الجمهورية يبلغ النائب العام عن أي إخلال يرتكبه ضابط الشرطة القضائية, يقوم النائب العام بعد ذلك بإبلاغ غرفة الاتهام, كما يمكن أن يرفع لها الأمر من طرف رئيسها أو تنظر في الخطأ من تلقاء نفسها عندما تبث في قضية مطروحة أمامها و هذا ما نجده في نص المادة 207/1 من قانون الإجراءات الجزائية
غير أن الفقرة الثانية من نفس المادة أتت بحكم مؤداه منح الإختصاص إلى غرفة الاتهام في الجزائر العاصمة لنظر الإخلالات المنسوبة إلى ضابط الشرطة القضائية لمصالح الأمن العسكري, و تحال القضية إليها من طرف النائب العام بعد استطلاع رأي وكيل الجمهورية العسكري الموجود بالمحكمة العسكرية المختص إقليميا.
و للبث في هذا الإخلال المرفوع تأمر غرفة الاتهام بإجراء تحقيق و تسمع طلبات النائب العام وأوجه دفاع الشرطة القضائية المعني سواء أكان عاديا أو تابعا لمصالح الأمن العسكري و ذلك بعد تمكنيه من الإطلاع على ملفه المحفوظ لدى المجلس القضائي و هذا ما جاء في نص المادة 208/1 من قانون الإجراءات الجزائية و استحضار محامي للدفاع عنه كما ورد في الفقرة الثانية من نفس المادة.
و في مجال القرارات التي تصدرها غرفة الاتهام بعد دراسة الملف المتعلق بالإخلالات المنسوبة إلى ضابط الشرطة القضائية فإنه يحق لها توقيع عدة جزاءات تتمثل في :
- توجبه ملاحظات كتابية.
- التوقف المؤقت عن مباشرة أعمال وظيفته كضابط الشرطة القضائية.
- الإسقاط النهائي لصفته كضابط الشرطة القضائية.
و هذه الجزاءات تقررها غرفة الاتهام دون إخلال بما يتعرض له ضابط الشرطة القضائية من جزاءات تأديبية توقع عليه من طرف رؤسائه التدرجيين كما هو منصوص عليه في المادة 209 من قانون الإجراءات الجزائية, و إذا تعلق الأمر بجريمة من جرائم قانون العقوبات فإنها بالإضافة إلى الجزاءات السابقة المحددة في هذه المادة تقوم غرفة الاتهام بإحالة الملف إلى النائب العام .
و إذا تعلق الأمر بضابط الشرطة القضائية التابع لمصالح الأمن العسكري فإنها ترفع الأمر لوزير الدفاع لاتخاذ الإجراءات القانونية و المتابعة الجنائية وفقا لنص المادة 210 من قانون الإجراءات الجزائية.
و في كل حالات يبلغ الرؤساء التدرجيين بناء على طلب النائب العام بالقرارات المتخذة ضد ضابط الشرطة القضائية و هذا ما نصت عليه المادة 211 من قانون الإجراءات الجزائية.
المطلب الثاني: رقابة محكمة الموضوع على أعمال الضبطية القضائية
تتم هذه الرقابة من خلال تقدير كفاية التحريات وجديتها و ذلك بالنظر إلى المحاضر التي يحررها أعضاء الشرطة القضائية أثناء قيامهم بإجراء التحريات باعتبار أن المحاضر هي الوسائل الرئيسية التي يستعملها هؤلاء لتبليغ الجهات القضائية رسميا عن كل إجراءات التي يقومون بها.
الفصل الثاني: الضبطية القضائية و الإجراءات
المبحث الأول: الجريمة المتلبسة
نص القانون الجزائري على حالة التلبس في الباب الثاني "في التحقيقات "الفصل الأول "في الجناية و الجنحة المتلبس بها"و هناك بعض الفقهاء العرب و بعض التشريعات تعبر عن هذه الإجراءات ب"الجرم المشهود" وهو ما يقابل بالفرنسية flagrant-delit
المطلب الأول: تعريف التلبس و حالاته
تعريف: إجراءات الجريمة المتلبسة هي شكل من أشكال التحقيقات و التحريات. نص عليها المشرع بغرض الاستجابة للمستلزمات الردعية في حالات واردة في القانون على سبيل الحصر.
إن وضع هذا الشكل من الإجراءات يستهدف تمكين ضابط الشرطة القضائية من المعاينة الفورية للجريمة التي أحدثت صدمة في المجتمع وجمع الأدلة عنها قبل طمسها أو اختفائها و مواجهة مرتكبيها, غير أن المشرع في مقابل ذلك ألزم المحقق ضابط الشرطة القضائية بشكليات غاية في الصرامة و نظرا إلى أن المحقق مخير لإجراء تحرياته طبقا لإجراءات الجريمة المتلبسة أو اجراءات التحقيق الأولي _جمع الاستدلالات Enquête préliminaire فإن أغلب المحققين إن لم نقل كلهم يحبذون الشكل الأخير لمرونته على الصعيد العملي و تحلل المحقق من العديد من الشكليات الإجرائية
الحالات: توصف الجناية أو الجنحة بأنها متلبسة في الحالات التالية :
الحالة الأولى: ارتكاب الجريمة في الحال كأن يشاهد ضابط الشرطة القضائية شخصا و هو يطلق النار بواسطة مسدسه على شخص آخر فيرديه قتيلا_ أو يرى شخصا و هو يشعل النار في غابة أو يضبط لصا و هو يسرق مال غيره.
و تتحقق حالة التلبس هذه متى أدرك المحقق بإحدى حواسه ( البصر – السمع – الشم ) لواقعة الجريمة – سواء رأى الفاعل أم لا.
الحالة الثانية: مشاهدة الجريمة عقب ارتكابها – فتعتبر الجريمة متلبسة إذا علم المحقق بوقوعها بعد فترة زمنية قصيرة و هذا ما تدل عليه لفظة " عقب " في نص المادة 41 من قانون الإجراءات الجزائية و هناك بعض القانونين عبرت عن هذه الحالة بعبارة " عقب ارتكابها
ببرهة يسيرة " و مثال ذلك أن يصل ضابط الشرطة القضائية فيجد ضحية الجريمة و هو يتخبط في دمه من جراء طعنة خنجر و برغم من أن المشرع لم يحدد الفترة الزمنية التي تفصل بين لحظة ارتكاب الجريمة و لحظة حضور المحقق لمعاينتها إلا أن المعيار الذي يعتمد عليه يتمثل في " أن تكون آثار الجريمة لا تزال قائمة ودالة على وقوع الجريمة منذ وقت قصير بحيث يستطيع المحقق نظرا لملاءمة الظروف – جمع الأدلة و الآثار حديثة العهد و التمكن من اكتشاف و تعقب وضبط مرتكبيها " و مهما يكن من أمر فإن تقدير هذه الفترة يرجع لقاضي الموضوع .
الحالة الثالثة: تتبع المشتبه فيه بصياح العامة إثر وقوع الجريمة و تنص على هذه الحالة المادة 41 من قانون الإجراءات الجزائية بعبارة "... تعتبر الجريمة ( الجناية أو الجنحة ) متلبسا بها إذا كان الشخص المشتبه في ارتكابه إياها في وقت قريب جدا وقت وقوع الجريمة قد تبعه العامة بالصياح......".
و ليحقق التلبس في هذه الحالة يجب أن يهرب الجاني بعد ارتكابه لعمله الإجرامي و يتبعه الأشخاص الذين يشاهدونه بالصياح و سيان أن يكون ذلك بالصراخ الصوتي أو الإشارة الصادرة من المجني عليه أو أقاربه أو شهود الحادث أو الجيران أو أعضاء الشرطة القضائية .
-و يجب أن نفرق هنا بين الصياح العام و بين الإشاعة العامة – فالأول يتمثل في الإشارة الصوتية أو الحركية التي تصدر عن الأشخاص الذين شاهدوا ارتكاب الجريمة أما الثانية ( الإشاعة ) فتتمثل في الأحاديث التي بتداولها الناس بعد مرور وقت طويل عن وقوع الجريمة كأن يقال من قتل فلان قبل أسبوع كان اثنان ملثمان طويلا القامة أحدهما
مسلح بمسدس و يقال أنهما كانا قد فرا على متن سيارة بيضاء الخ... فهذه الإشاعات يمكن أن يستغلها المحقق و لكنها لا تعد صياحا عاما يحقق حال التلبس.
الحالة الرابعة: حيازة المشتبه فيه لأشياء أو وجود آثار ودلائل عليه تدل على احتمال مساهمته في الجريمة – و هذا ما نصت عليه المادة 41 من قانون الإجراءات الجزائية بعبارة ".... أو وجدت في حيازته أشياء أو وجدت أثار أو دلائل تدعو إلى افتراض مساهمته في الجناية أو الجنحة ..." و تتجسد هذه الحالة في :
1- حيازة المشتبه فيه الأشياء تكون قد استعملت في ارتكاب الجريمة أو متحصل منها كالآلات و الأسلحة و الأمتعة و الأوراق أو غيرها, فحيازة المشتبه فيه لسلاح أو خنجر في وقت قريب من وقت ارتكاب الجريمة يعتبر قرينة على احتمال مساهمته في ارتكابها – و هناك بعض التشريعات تشترط أن يكون المشتبه فيه حاملا لتلك الأشياء كالمشرع المصري و المشرع الليبي ( م 20/2 من قانون الإجراءات الليبي و المادة 30/2 من قانون الإجراءات المصري ).
2- وجود آثار أو دلائل على المشتبه فيه في وقت قريب جدا من لحظة ارتكاب الجريمة مما يدعو لإفتراض ارتكابه إياها أو مساهمته في ارتكابها و المقصود بالآثار و الدلائل (Traces et indices ) العلامات الملاحظة على ملابسه أو جسمه كالجروح و الكدمات و الخدشات و بقع الدم و تمزق ثيابه.
الحالة الخامسة: التبليغ عن جريمة ارتكبت بمنزل عقب اكتشافه.
نصت على هذه الحالة المادة 41/3 من قانون الإجراءات الجزائية بعبارة:"... و تتسم بصفة التلبس كل جناية أو جنحة وقعت و لو في غير الظروف المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين إذا كانت قد ارتكبت في منزل و كشف صاحب المنزل عنها عقب وقوعها و بادر في الحال باستدعاء أحد ضباط الشرطة القضائية لإثباتها "
إن هذه الحالة تعد تلبسا اعتباريا و حتى تعتبر هذه الحالة متلبسة يجب توفير ثلاثة شروط : 1- ارتكاب جناية أو جنحة بغض النظر عن المدة الزمنية التي مرت بشرط أن لا يكون أجل تحريك الدعوى العمومية قد انقضى ( 10 سنوات بالنسبة للجنايات – 03 سنوات بالنسبة للجنح – 02 سنتان للمخالفات ) و لقد استثنى المشرع بالجريمة المنظمة العابرة
للحدود الوطنية أو الرشوة أو اختلاس الأموال العمومية و الأمر سيان بالنسبة للدعوى المدنية .
2- أن ترتكب الجريمة ( جناية أو الجنح ) داخل المنزل – و يقصد بالمنزل كل مكان مسكون فعلا أو معد للسكن كالمبنى أو الغرفة أو الخيمة أو الكشك و لو منتقلا و يشمل المنزل كل توابعه كالأحراش و الحظائر و المخازن و الإسطبلات.
3- أن يلجأ صاحب المنزل ( و هو الشخص الذي يشغل المسكن سواء كان مالكا أو مستأجرا أو مسيرا – رب عائلة رسميا أو فعليا ) – إلى ضابط الشرطة القضائية و يسخره لمعاينة
الجريمة و يمكن أن يكون هذا التسخير الذي هو في حقيقة الأمر طلب و تبليغ لضابط الشرطة القضائية سواء مباشرة أو بواسطة الهاتف و لكن المشرع عبر عنه بلفظة استدعاء – باللغة العربية و الفرنسية ( Réquisition ) و هذه صياغة معينة و الأصح أن يعبر عن ذلك بطلب تدخل أو تبيلغ ضابط الشرطة القضائية.
حالة اكتشاف جثة: في حالة العثور على جثة يستطيع ضابط الشرطة القضائية إجراء تحرياته تبعا لإجراءات الجريمة المتلبسة أو التحريات الأولية و في الحالتين يجب عليه:
إخطار وكيل الجمهورية تم التنقل فورا إلى عين المكان و الشروع في مباشرة التحريات لمعرفة أسباب الوفاة ( عمل لإجرامي – انتحار – حادث .. الخ )و يجب عليه أن يسخر طبيا لمعاينة الوفاة سواء بتنقله إلى مكان الحادث أو بعد نقل الجثة إلى دار حفظ الجثث و تبعا لكل حالة فلوكيل الجمهورية أن يطلب فتح تحقيق قضائي – و يمكنه أن يطلب من ضابط الشرطة القضائية مواصلة تحرياته و يمكنه أن يسخر طبيبا لتشريح الجثة قصد تحديد الحقيقة للوفاة – و على ضابط الشرطة القضائية أن يبدأ بالتعرف على هوية الهالك –– و يسهر على مساعدة أهله للاستصدار رخصة الدفن و الإجراءات الإدارية ذلك أن عمله هذا فضلا عما ينطوي عليه من جانب إنساني فإنه يمكن المحقق من التقرب من محيط وعائلة الميت و طريقة عيشه و سيرته و سلوكه كل ذلك قد يساعده في الوصول إلى الحقيقة و يسهل التحريات التي يباشر ها و قد يتعرض المتهم على قيام حالة التلبس من عدمها لكن القانون لا يخوله ذلك فيعتبر ذلك من اختصاص النيابة
المطلب الثاني: سلطات ضابط الشرطة القضائية في حالة التلبس
إن المشرع حرصا منه على حماية حقوق و حريات الأفراد من جهة و حماية المجتمع من الجريمة من جهة أخرى وضع أحكاما قانونية يلتزم بها المحقق و هذا ما يعرف لدى فقهاء القانون بمبدأ شرعية الإجراءات الجنائية.
لذلك فإن كل الأعمال و التحريات التي تنفذه ضابط الشرطة القضائية تجد لها سندا قانونيا فالإجراءات التي تفيد في تحريات الجريمة المتلبسة نص عليها المشرع الجزائري في الفصل الأول من الباب الثاني تحت عنوان في الجناية و الجنحة المتلبس بها من المادة 41 إلى 62 من قانون الإجراءات الجزائية.
و بمقتضى المواد 12و 13 و 17 فإن المهام التي يمارسها ضابط الشرطة القضائية تتمثل في البحث عن الجرائم و التحري في ملابستها و البحث عن مرتكبيها و القبض عليهم و تقديمهم أمام الجهات القضائية قبل مرحلة التحقيق القضائي.
و بعد فتح التحقيق القضائي ينفذ الإنابات القضائية و يلبي كل الطلبات التي يتلقاها من جهات التحقيق ( قاضي التحقيق- غرفة التحقيق- غرفة الاتهام- جهات التحقيق العسكري ) .
و لأداء هذه المهام فإن ضابط الشرطة القضائية يتلقى الشكاوى و يقوم بالتحقيقات في الجرائم سواء تبعا للتحقيق طبقا لإجـراءات التلـبس أو طبقا لإجـراءات التحـــقيق الأول ( الابتدائي ).
و لقد ألزم المشرع في المادة 17 من قانون الإجراءات الجزائية ضابط الشرطة القضائية عند القائم بالتحقيق في الجرائم أو بتنفيذ إنابة قضائي بعدم طلب أو تلقي أوامر و تعليمات إلا من الجهة القضائية التي يتبعها و ذلك توخيا لتفادي أي تأثير عليه و ضمانا للسير الحسن للتحقيق.
و نستعرض فيما يلي بإيجاز السلطات المخولة لضابط الشرطة القضائية قانونا في حالة تحريات الجريمة المتلبسة.
1- إخطار وكيل الجمهورية بوقوع الجريمة ( عادة يتم ذبك بواسطة الهاتف ) و يعلم رؤساء فورا بذلك ( المادة 42 من قانون الإجراءات الجزائية )
2- التنقل فورا و دون تمهل لمكان الجريمة بعد أن يجتمع كل المعدات و اللوازم الضرورية لإجراء المعاينات ( ... الوثائق – المتر – آلة التصوير الفوتوغرافي – عند اللزوم طلب مساعدة فرع الشرطة الفنية بالمجموعة الولائية ...) كما يمكن أن يستعان بالكلب البوليسي ( المادة 42 من قانون الإجراءات الجزائية ).
و لإجراء التحريات يمكن لضابط الشرطة القضائية أن يتولى إدارة عمليات التحقيق بنفسه أو يتولى ذلك تحت إمرة أحد رؤسائه إذا ما التحق بمكان الجريمة و يستطيع هذا الأخير إذا دعت ظروف و ملابسات الجريمة ذلك – تشكيل فريق من المحققين من ضباط و أعوان الشرطة القضائية – و يتولى بنفسه إدارة الأعمال و توزيع الأدوار و المهام على أعضاء الفريق المكلف بالتحريات.
كما يمكن لضابط الشرطة القضائية الذي يدبر إجراءات التحريات في حالة التلبس الاستعانة في أعماله بضباط شرطة القضائية من نفس الوحدة ( الفرقة أو محافظة الشرطة ) أو من وحدات قريبة يعينهم رؤسائهم .
- أما أعوان الشرطة القضائية فتوكل إليهم عادة الأعمال المادية كالسكرتارية و البحث عن الآثار و الأشياء و تنفيذ عمليات الاستيقاف و الإستعراف لدى مصلحة أوتاد و البطاقات المحلية و المركزية لمصالح الدرك الوطني و الأمن الوطني و على العموم كل ما يأمرهم به ضابط الشرطة القضائية ( الماد 20 من قانون الإجراءات الجزائية ) .
3- عند وصول ضابط الشرطة القضائية إلى مكان الجريمة يكون له الحق في :
أ- منع أي شخص من مغادرة مكان الجريمة ريثما ينتهي من إجراء التحريات ( م 50/1 من قانون الإجراءات الجزائية ) .
ب- التعرف على هوية أي شخص يرى في مجرى تحرياته – إن ذلك ضروري و على من يطلب منه الاستظهار بحقيقة هويته أن يتمثل لذلك تحت طائلة التعرض للعقاب ( م 50/2 من قانون الإجراءات الجزائية) .
ج- يسهر على المحافظة على الآثار و الدلائل التي يخشى طمسها و اخفائها و يضبط كل ما من شأنه أن يساهم في إظهار الحقيقة و يعرض الأشياء و المستندات التي ضبطت بحوزة المشتبه فيهم للتعرف عليها و معرفة مصدرها و سبب حيازتهم إياها ( م 43 من قانون الإجراءات الجزائية ).
4- بعد ذلك يشرع ضابط الشرطة القضائية في إجراء المعاينات و ليعلم المحقق ورجال الأمن أن المعاينات تعتبر أهم جزء في محضر التحريات لأن مهارته تبرز من خلال نوعية ودقة المعاينات التي يقوم بها و هي عادة مصدر الدلائل و القرائن التي يستدل بواسطتها عن الجريمة و مرتكبيها و منها يستخلص القاضي أدلة الإثبات أو النفي.
و تتعلق المعاينات أساسا بـــ :
- وصف جسم الجريمة ( الجثة – السن – الأوصاف – آثار الجروح و طبيعتها – الملابس – وضع الجثة.... الخ )
- وصف حالة الأماكن ( تحيد الموقع – أثار المعالجة – وضع تصميم ورسم بياني يبين موقع الجثة الإتجاه – و يكون عادة مدعم بصور فوتوغرافية ).
- ضبط أدوات الجريمة ( سلاح- خنجر – عصا.... الخ ).
- و يجب أن تعرض ذلك المضبوطات على المشتبه فيهم للتعرف عليها و يشار إلى كل ذلك في المحضر .
5- تسخير الأشخاص المؤهلين: قد يجد ضابط الشرطة القضائية نفسه أثناء مباشرته التحريات أمام حالات تتطلب معاينتها مهارات فنية أو عملية لا يستطيع القيام بها لفتح الخزائن المحكمة الأقفال أو معرفة طبيعة مادة كيميائية أو تشخيص .
الحالة الصحية للضحية أو سماع أجنبي لا يحسن التكلم بالغة العربية ففي هذه الحالات يلجأ المحقق إلى تسخير صانع أقفال أو طبيب أو كيميائي أو مترجم ( م 49 من قانون الإجراءات الجزائية ).
و لتسخير شخص مؤهل من طرف ضابط الشرطة القضائية يجب توفر شرطين:
أولهما: أن تكون هناك حالة استعجال, بحيث أن عدم تنفيذ العمل المطلوب من الشخص المؤهل لا يمكن تأجيله دون الإضرار بالسير الحسن لإجراءات التحقيق و التحريات.
ثانيهما: أن يحلف الشخص المؤهل المسخر اليمين كتابة على أن يبدي برأيه بما يمليه عليه الشرف و الضمير – ويثبت رأيه ذلك كتابة بواسطة تقرير, و ليس له إلا أن يمثل لتسخير ضابط الشرطة القضائية – و يجب أن يكون ذلك كله مثبتا بشكل واضح في المحضر .
6- تفتيش الأشخاص و المساكن :
أ- التفتيش الجسدي: هو العملية التي يقوم بها ضابط الشرطة القضائية سواء لشخص مشتبه فيه و هو ما يعرف بالتفتيش الشخصي أو التفتيش الجسدي و يستهدف عادة غرضين:
1- تفتيش جسدي أمني: لنزع أي شيء أو أداة كالسلاح و الخنجر ورابطة العنق التي من شأنها تشكل خطرا على أمن الشخص ذاته أو أمن رجال الأمن و ينفد هذا النوع من التفتيش عادة على الشخص الموقوف للقبض عليه و اقتياده أمام النيابة أو للشخص الذي أتخذ ضده ضابط الشرطة القضائية إجراء التوقيف للنظر و كل شخص مشتبه فيه.
2- تفتيش جسدي يجرى بغرض البحث عن الأشياء أو مستندات يمكن أن تشكل دليلا ماديا لارتكاب الجريمة أو تساهم على الأقل في معرفة جانب من الحقيقة.
غير أن البحث عن الدلائل و الآثار المادية للجريمة لا يقتصر على التفتيش الجسدي للمشتبه فيه بل يمتد ليشمل مسكنه و هذا ما يعرف بتفتيش المسكن ونظرا لأهمية هذا الإجراء و خطره على حماية حرمة المسكن الذي يعتبر حقا حماه الدستور و القانون سنتعرض له بشيء من التفصيل و الشرح.
ب: تفتيش المسكن: و نتعرض له في نقطتين.
1-تعريف المسكن و حمايته القانونية: المسكن هو كل مكان مسكون فعلا أو معدا للسكن سواء كان الشخص يقيم فيه بصفة دائمة أو مؤقتة كالفندق مثلا و يستوي أن يكون الساكن مالكا أو مستأجرا أو يقيم فيه برضاء صاحبه و لو بدون مقابل و تعتبر مسكن كل توابع المسكن من حظائر و حدائق و مخازن و غيرها.
و لقد عرفت المادة 355 من قانون العقوبات المسكن كما يلي :
يعد منزلا مسكونا كل مبنى أو دار أو غرفة أو خيمة أو كشك و لو متنقلا متى كان معدا للسكن و إن لم يكن مسكونا و قت ذالك و كافة توابعه مثل الأحواش و حضائر الدواجن و مخازن الغذاء و الإسطبلات و المباني التي توجد بداخلها مهما كان استعمالها حتى و لو كانت محاطة بسياج خاص داخل السياج أو السور العمومي .
و حرمة المسكن تحميها الشرائع السماوية و القوانين الوضعية على حد سواء قال تعالى في الآيتين 27 و 28 من سورة النور " ياأيها الذين أمنوا لا تدخلوا بيوتا حتى تستأنسوا و تسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون * فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم و إن قيل لكم أرجعوا فأرجعوا هو أزكى لكم و الله بما تعملون عليم « صدق الله العظيم .
و حرمة المسكن من حقوق و الحريات الدستورية التي تتكفل الدولة بضمانها و حمايتها و تتمثل الحماية في عدم إجراء تفتيش منزلا إلا بمقتضى القانون و في حدوده و بإذن مكتوب من السلطة القضائية. و ذلك ما نص عليه الدستور الجزائري لسنة 1996 على غرار الدساتير الأخرى في المادة 38 " تضمن الدولة عدم انتهاك حرمة المسكن فلا تفتيش إلا بمقتضى
القانون و في إطار احترامه و لا تفتيش إلا بأمر مكتوب صادر عن السلطة القضائية المختصة ".
2- إجراءات تفتيش المسكن: تفتيش مسكن هو البحث في حجرات و توابع ذلك المسكن عن الوثائق و الأشياء التي يمكن أن تشكل دلائل مادية ضرورية لإظهار الحقيقة بحيث تكون قد استعملت أو لها علاقة بالجريمة أو بالشخص المشتبه فير ارتكابه إياها أو
المساهمة فيها , و ذلك بغرض ضبط تلك الأشياء أو المستندات و تقديمها للعدالة في شكل أحزر مرقمة بالمحاضر للاعتماد عليها في استخلاص أدلة أو البراءة. و قد يجري تفتيش المسكن أحيانا بغرض البحث عن أشخاص فارين يشتبه في ارتكابهم للجريمة أو المساهمة في ارتكابها.
و هناك فريق من فقهاء القانون ميز بين مصطلحين:
تفتيش المسكن ( Perquisition) و زيارة المسكن أو معاينته(Visite Domiciliaire)
و يقتصد بالأول التفتيش المعمق و فحص الغرف و التوابع و الإحراز فحصا دقيقا و شاملا أما الثاني فينصرف معناه إلى التفتيش السريع و العابر و بالرغم من ذلك فإن المشرع الجزائري استعمل المصطلحين كما هو واضح من صياغة المادة 47 من قانون الإجراءات الجزائية.
" لا يجوز تفتيش المساكن و معاينتها ..." و لفظة معاينتها هي ترجمة للغة الفرنسية "Visiteّ "
من هم الأشخاص المؤهلين لتفتيش المساكن :
- قاضي التحقيق ( أنظر المواد 82-83-84 من قانون الإجراءات الجزائية ) .
- و كيل الجمهورية لأن ( المادة 36 من قانون الإجراءات الجزائية تخوله مباشرة الإجراءات اللازمة للبحث و التحري عن الجرائم ).
- ضابط الشرطة القضائية بموجب إذن كتابي من ( قاضي التحقيق أو وكيل الجمهورية المادة 44 من قانون الإجراءات الجزائية المادة 38 من الدستور ) .
و قد يجرى التفتيش من ضابط الشرطة القضائية بموجب تسخيره كتابية من والي في الحالات الاستثنائية ( حالة الطوارئ ) و حتى يعتبر إجراء تفتيش المسكن صحيحا و منتجا لأثره القانوني أي يكون شرعيا يجب أن يتم بمقتضى القانون و في إطار احترامه , معنى ذلك أن
ينفذ طبقا للشروط الشكلية التي تنص عليها القانون. و تلك الشروط منها ما يتعلق بالمكان و منها ما يتعلق بالزمان فضلا عن الشروط الشكلية المتعلقة بطريقة التنفيذ.
الشروط المتعلقة بالمكان: يتم تفتيش مسكن الشخص الذي يشتبه في أنه يكون قد ساهم في ارتكاب جناية أو جنحة أو مسكن الشخص الذي يشتبه في أنه يحوز أوراقا أو أشياءا لها علاقة بالجريمة حتى و لو كانت تلك الحيازة بحسن نية ( المادة 45 من قانون الإجراءات الجزائية ).
كما يتم التفتيش في الفنادق و المحلات المفتوحة للجمهور مدام الجمهور موجودا فيها و في كل الأماكن التي ينص القانون على تفتيشها و في حدود الشروط التي يحددها.
الشروط المتعلقة بالزمان: القاعدة العامة أن تفتيش المسكن لا يجوز البدء فيه قبل الساعة الخامسة صباحا و لا بعد الثامنة مساءا ( المادة 47 من قانون الإجراءات الجزائية ).
و لكن هذه القاعدة ترد عليها جملة من الاستثناءات هي:
1- عند طلب صاحب المنزل ( م 47 ق إ ج ) أي يمكن دخول المنزل ليلا. و يكون الإجراء صحيحا إذا تم التفتيش ليلا برضا صاحب المنزل.
2- عند توجيه نداءات استغاثة من داخل المنزل ( م 47 ق إ ج ) كما هو الشأن في حالة الزلازل و الفيضانات و الحرائق.
3- في مواد الجنايات يمكن دخول منزل المتهم ليلا من طرف قاضي التحقيق عندما يباشر بنفسه التفتيش شريطة أن يكون مر فوقا بوكيل الجمهورية ( م 82 ق إ ج ).
4- عند التحقيق في جرائم التي تعاقب عليها قوانين المخدرات و الجرائم المعاقب عليه في المواد من 342 إلى 348 من قانون العقوبات و هي المواد التي تنص و تعاقب على جرائم الفسق و الدعارة ولا سيما في النوادي و المراقص الليلية لغرض معاينة الجرائم الأخلاقية.
5- عند معاينة جرائم الإرهاب و التخريب (م 47 معدلة بالأمر التفتيش و الحجز ليلا أو نهارا عبر كامل التراب الوطني أو يأمر ضابط الشرطة القضائية بذلك.
و يلاحظ أن هذه الاستثناءات أملتها ضرورة تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة عندما يتعلق الأمر بجرائم خطيرة تمس المجتمع بحيث أصحاب تلك المساكن لم يراعوا حرمتها بلجوئهم لاتخاذ ستارا لإتيان جرائم خطيرة و ضارة بالأفراد و المجتمع.
الشروط الشكلية: قبل الشروع في تفتيش مسكن يجب على ضابط الشرطة القضائية الاستظهار بإذن التفتيش – الكتابي لصاحب المسكن , كما يجب أن يتم التفتيش بحضور الشخص المعني أو من يمثله وإلا استدعى ضابط الشرطة القضائية شاهدين لحضور عملية التفتيش شريطة ألا يكون من الأشخاص الخاضعين لسلطته و هذه الشروط تراعي في الظروف العادية دون الحالات التي يخول القانون للمحقق مخالفتها و التي أشرنا إليها أعلاه .
و إذا جرى التفتيش في مسكن شخص يشتبه في أنه يحوز أوراقا أو أشياء لها علاقة بالجريمة فإن حضوره عملية التفتيش لازمة و في حالة غيابة يتبع المحقق نفس الإجراءات المذكورة في الفقرة السابعة.
و لضابط الشرطة القضائية وحده الحق في الإطلاع على الأوراق و المستندات قبل ضبطها, و عندما يتم التفتيش في أماكن يشغلها شخص ملزم بالسر المهني فيجب اتخاذ كل التدابير اللازمة لاحترام ذلك السر و هذا الالتزام يجب مراعاته حتى في التفتيش الذي ينفذ في إطار معاينة جرائم الإرهاب و التخريب ( م47 ق إ ج ) المعدلة.
إن كل إخلال بالشروط السالفة الذكر يحيل عملية التفتيش من عمل و إجراء مشروع إلى انتهاك – لحرمة منزل و يكون جريمة يعاقب عليها القانون و يختلف وصف و تكييف هذه الجريمة حسب صفة الشخص.
- فبالنسبة لضباط الشرطة القضائية و موظف السلك الإداري أو القاضي أو أحد أفراد أو رجال القوة العمومية يعتبر ذلك جريمة إساءة استعمال السلطة و هي جريمة التي تنص و تعاقب عليها المادة 135 من قانون العقوبات المعدلة بموجب القانون رقم 82/04 المؤرخ في 13 فيفري 1982 و التي نصها: " كل موظف في السلك الإداري أو القضائي و كل ضابط شرطة و كل قائد أو أحد رجال القوة العمومية دخل بصفته المذكرة منزل أحد المواطنين بغير رضاه , و في غير الحالات المقررة في القانون و بغير الإجراءات المنصوص عليها فيه يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنة و بغرامة من 500 إلى 3000دج دون الإخلال بتطبيق المادة 107" .
و نلاحظ هنا أن المادة 107 من قانون العقوبات تجرم العمل التحكمي أو الذي يمس بالحرية الشخصية للفرد أو بالحقوق الوطنية ( كحق تولي الوظيفة و حق الانتخاب و الترشيح و كل الحقوق المنصوص عليها في المادة 08 من قانون العقوبات و في الدستور).
و يعتبر هذا العمل جناية يعاقب عليها القانون من 5 إلى 10 سنوات سجن.
و نصها " يعاقب الموظف بالسجن المؤقت من خمس إلى عشر سنوات إذا أمر بعمل تحكمي أو ماس سواء بالحرية الشخصية للفرد أو بالحقوق الوطنية لمواطن أو أكثر "
- و حري بنا أن نذكر أن دخول المنزل من طرف شخص عادي أي ليس ممن أشارت إليهم المادة 135 و في الحالات غير المنصوص عليها قانونا يعد جريمة انتهاك حرمة مسكن و هي الجريمة التي تنص و تعاقب عليها المادة 295 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون 82/04 المؤرخ في 13/02/1982 و التي نصها:
" كل من يدخل فجأة أو خدعة أو يقتحم منزل مواطن يعاقب بالحبس من سنة الى خمس سنوات و بغرامة من 1000 إلى 10000 دج .
وإذا ارتكب الجنحة بالتهديد أو العنف تكون العقوبة بالحبس من خمس سنوات على الأقل إلى عشر سنوات على الأكثر و بغرامة من 5000 إلى 20000دج .
7- سماع الأشخاص:
أ- سماع الشهود: يحق لضابط الشرطة القضائية استدعاء و سماع كل شخص يبدو له أن باستطاعته تقديم معلومات حول وقائع الجريمة أو حول المستندات و الأشياء المضبوطة كما يجب على الشخص المستدعي أن يمثل للاستدعاء و أن يدلي بأقواله دون أداء اليمين كما يجب على الشخص المعني أن يجيب عن كل الأسئلة التي يطرحها عليه ضابط الشرطة القضائية و بعد الإدلاء بما لديه من اقواله واجاباته على الأسئلة الموجهة إليه يقرأ تصريحه اذا كان يعرف القراءة والكتابة أو يقرأ عليه الضابط الشرطة القضائية اذا كان لا يعرف القراءة والكتابة.ويشار إلى دلك في نهاية التصريح ثم يوقع الشاهد على اقواله مع الضابط الشرطة القضائية اذا امتنع الشخص عن الإدلاء بشهادته يحظر وكيل الجمهورية بدلك ويمكن لهدا الأخير أن يجبر ان على الإدلاء بواسطة القوة العمومية .
ب-سماع الأشخاص المشتبه في أنهم ساهموا في ارتكاب الجناية أو الجنحة:إن أخد وتسجيل هؤلاء الأشخاص يتم بنفس الطريقة التي تأخذ بها أقوال وتصريحات الشهود ويمكن لضابط الشرطة القضائية ان يطرح عليهم أسئلة على شكل استجواب.اذا تقدم شخص من هؤلاء رفقة محامي فلا يجب على ضابط الشرطة القضائية أن ياخد تصريحه بل عليه أن يحظر بدلك وكيل الجمهورية وينفد تعليماته . وتجدر الإشارة بهذا الصدد أن المشروع منح بدلك وكيل الجمهورية وينفد تعليماته. وتجدر الإشارة بهذا الصدد أن المشرع منح المشتبه فيه حق الاستعانة بمحام أمام وكيل الجمهورية الذي يستجوبه بحضور محاميه.
و يمكن للمحقق أن يلجأ إلى مواجهة الشهود و المشتبه فيهم بغرض التحقيق من صحة وقائع معنية أو إزالة التناقضات و الأقوال غير المنطبقة و غير المنسجمة التي تظهر في مختلف التصريحات مثال ذلك تصريح شخص بعدم وجوده في ساعة معينة و مكان معين مع ذكر اسمه من طرف شخص يصرح عكس ذلك – فيمكن أن يستجوبا معا و التحقق من و جوده أو عدم وجوده.
8- التوقيف للنظر ( الوضع تحت المراقبة ) : إن التوقيف للنظر إجراء خطير لكونه يمس الحرية الشخصية للأفراد لكنه ضروري لإجراء التحريات التي يقوم بها المحققون ( ضابط الشرطة القضائية ) لإظهار الحقيقة و معرفة ملابسات و مرتكبيي الجرائم – و نظرا للأهمية القصوى فلقد نص عليه الدستور ( دستور 1996 ) في المادة 48 .
" يخضع التوقيف للنظر في مجال التحريات الجزائية القضائية للرقابة القضائية و لا يمكن أن يتجاوز مدة ثمانية و أربعين 48 ساعة ".
" يملك الشخص الذي يوقف حق الاتصال فورا بأسرته و لا يمكن تمديد مدة التوقيف للنظر إلا استثناء ووفقا للشروط المحددة بالقانون . و لذى انتهاء مدة التوقيف للنظر يجب أن يجرى فحص طبي على الشخص الموقوف إذا طلب ذلك على أن يعلم بهذه الإمكانية "
و لحماية الأفراد من أي تجاوز أو تعسف يمس حقوقهم و حرياتهم نص المشرع على ضرورة مراعاة إجراءات صارمة ووضع قواعد قانونية في قانون الإجراءات الجزائية يتحتم على ضابط الشرطة القضائية أن يلتزم بها و يحترمها, و إذا أخل بها تعرض الإجراء
للبطلان النسبي أو المطلق و قد يصل هذا الإخلال إلى حد اعتباره جريمة حبس شخص تعسفيا يترتب عنها متابعة المسؤول قضائيا.
و تتعلق القواعد القانونية التي تنظم إجراء التوقيف للنظر بمدة هذا الإجراء و أشخاص المؤهلين لاتخاذه و المكان الذي يودع فيه المحتجزون و الأسباب التي تخول أو تبرر توقيف الشخص للنظر و كذا الحقوق و الضمانات يتمتع بها كل من أتخذ ضده هذا الإجراء.
أ- من له الحق في اتخاذ إجراء التوقيف للنظر: حرصا على توفير ضمانات أكثر لحريات الأفراد, قصر المشرع حق تقرير تنفيذ هذا الإجراء على المشتبه فيه على ضابط الشرطة القضائية باعتباره يتمتع بتكوين مهني و قانوني و تجربة تساعده على تقدير الموقف و مدى ضرورة اللجوء لمثل هذا الإجراء و لا يستطيع أعوان الشرطة القضائية اتخاذ هذا الإجراء, فدورهم يقتصر على تنفيذ أوامر ضابط الشرطة القضائية و القيام بالأعمال التي يأمرهم بها كحراسة المحجوزين و مساعدته على تفتيشهم.
كما يجب على ضابط الشرطة القضائية الذي يقرر توقيف شخص للنظر أن يخطر بذلك فورا و كيل الجمهورية.
ب- مدة التوقيف للنظر: إن مدة وضع الشخص تحت المراقبة أو توقيفه للنظر حسب تعبير الدستور و قانون الإجراءات الجزائية المعدلة بالقانون رقم 01/08 المؤرخ في 26 يونيو 2001 ( المادة 48 من الدستور – المادة 51 من ق إ ج ) لا يجب أن تتجاوز ثمان و أربعين (48) ساعة و يمكن مضاعفة هذه المدة لتصبح 96 ساعة إذا تعلق الأمر بجرائم تمس أمن الدولة , أما في حالة جرائم الإرهاب و التخريب فإن مدة الحجز تحت المراقبة تمدد لتصبح اثنا عشر (12) يوما ( المادتان 51-65 من ق إ ج ) و نلاحظ أن المشرع هنا فسح المجال واسعا لمصالح الأمن و الهيئات التنفيذية كي تتمكن من إجراء تحرياتها التي غالبا ما تتطلب وقتا أطول نظرا لتورط عدد كبير من الأفراد في جرائم ( الإرهاب و التخريب أشخاص منظمون , أشخاص مخططون , أشخاص ممولون , أشخاص مكلفون بالتسليح , و أشخاص منفذون ) فالعمليات الإرهابية غالبا ما تتصل بتنظيم و شبكة تضم أشخاصا من مختلف الاختصاصات و منتشرين عبر التراب الوطني و أحيانا حتى في الخارج الأمر الذي يجعل استكمال التحريات و
تقضي الوقائع و التعريف على المنفذين و المخططين أمرا في غاية الدقة و الصعوبة و يتطلب وقتا طويلا و تحريات معقمة .
و من الناحية العملية يجب على المحقق أن يكون عارفا بلحظة بدء حساب مدة الحجز تحت المراقبة إذن فحساب المدة يبدأ من لحظة ضبط الشخص في حالة التلبس , أو من لحظة تبليغه بأنه موقوف للنظر , و إذا منع الشخص من مبارحة مكان الجريمة أو تبليغه بضرورة إخضاعه لإجراء فحص الهوية فإن حساب المدة يبدأ من لحظة التبليغ .
و بالنسبة للشخص الذي تؤخذ أقواله تم يرى ضابط الشرطة القضائية أن توقيفه للنظر ضروري لمجريات و مقتضيات التحقيق فإن المدة تحسب من لحظة بداية أخذ تصريحه, و يبدأ حساب هذه المدة من لحظة تقديم الشخص أمام ضابط الشرطة القضائية إذا أرغم على ذلك.
و يلاحظ من قراءة المادتين 51و65 من ق إ ج أن مدة التوقيف للنظر في حالة قيام دلائل قوية و متماسكة من شأنها التدليل على ضلوع الشخص المحجوز في ارتكاب الجريمة المتلبس بها هي 48 ساعة و يجب على ضابط الشرطة القضائية أن يقتاده أمام السيد و كيل الجمهورية دون أن تتجاوز مدة احتجاز 48 ساعة و ذلك ما تنص عليه الفقرة الرابعة من المادة 51 من ق إ ج و هي المادة التي تندرج تحت عنوان في الجناية أو الجنحة المتلبس بها ومما يستخلص من هذه المادة أنه يجوز تمديد مدة التوقيف للنظر في هذه الحالة على خلاف التوقيف للنظر المتخذ لمقتضيات التحقيق و المنصوص عليه في المادة 65 من ق إ ج و التي تندرج تحت عنوان في التحقيق الابتدائي " حيث تخول الفقرة الثانية لوكيل الجمهورية تمديد التوقيف للنظر لمدة 48 ساعة بعد تقديم المشتبه فيه أمامه و فحص ملف القضية .
أما الفقرة الثالثة من هذه المادة فلقد نصت على أن وكيل الجمهورية يمكنه بصفة استثنائية الإذن بتمديد مدة الحجز بقرار مسبب دون تقديم الموقوف للنظر أمامه و في الحالتين يكون قرار التمديد بإذن مكتوب .
و تنتهي هذه المدة ( أي نهاية حساب مدة التوقيف للنظر ) بتسريح الشخص أي إطلاق سراحه أو بتقديمه أمام النيابة ( وكيل الجمهورية ) .
و تجدر الإشارة إلى أن المادة 37 من القانون رقم 04-18 المؤرخ في 25/12/2004 تخول وكيل الجمهورية تمديد مدة التوقف للنظر 3 مرات ( 6 أيام ) بإذن كتـــابي, و باستجواب
الشخص و فحص ملف التحقيق في جرائم المخدرات مع الإشارة إلى أن المادة 51 مقترح تعديلها في قانون قيد الدراسة.
ج- أسباب أو حالات التوقيف للنظر: لضابط الشرطة القضائية الحق في وضع شخص تحت المراقبة لسببين أو في حالتين:
أولهما لمقتضيات التحقيق و ثانيها إذا قامت ضد شخص دلائل قوية و متناسقة من شأنها تدلل على اهتمامه, و تشمل الحالة الأولى خاصة الأشخاص الذين منعوا من مبارحة مكان الجريمة أو الذين يجب التحقق من هويتهم و كذلك الأشخاص الذين يمكنهم أن يقدموا معلومات هامة حول الجريمة و مرتكبيها.
و مهما يكن من أمر فإن ضابط الشرطة القضائية الذي يباشر تحرياته هو الوحيد الذي يقدر مدى ضرورة و فائدة اتخاذ إجراء التوقيف للنظر لمقتضيات التحقيق لكونه مطلعا على ملابسات القضية. كل ما في الأمر عليه أن يدرك أن هذا الإجراء, في طبيعته, يعد مساسا بحرية الأشخاص, لذلك لا يجب اللجوء إليه إلا عند الضرورة و في حدود الإجراءات التي حددها القانون تحت طائلة العقاب الجنائي عند تجاوز حدود تلك الإجراءات.
أما السبب الثاني فيتعلق بالأشخاص الذين تظهر التحريات ضدهم دلائل قوية و متناسقة ترجح احتمال إدانتهم و تجعل أمر تورطهم في ارتكاب الجريمة واردا .
د- مكان التوقيف للنظر :يحجز الشخص الموقوف للنظر في أحد الأماكن التالية :
مكان التحقيق ( منع الشخص من مبارحة مكان الجريمة و إبقائه في سيارة الخدمة أو في مكان التحقيق يعد وضعه تحت المراقبة ) .
-عادة و في غالب , يوضع الشخص الموقوف في حجرة الأمن بفرقة الدرك الوطني أو مركز الشرطة .
- يمكن حجز الشخص عند الضرورة في مقر البلدية .
- حذار – لا يجوز بأي حال من الأحوال قضاء مدة الحجز تحت المراقبة داخل مؤسسة عقابية – فمسؤول السجن لا يقبل إيداع شخص السجن إلا بمقتضى أمر إيداع صادر عن السلطة القضائية.
و يلاحظ أنه للمحافظة على أمن الشخص موضوع الوضع تحت المراقبة و أمن أفراد الدرك و الشرطة يخضع المعني لتفتيش جسدي ينزع منه كل شيء يمكن أن يشكل خطرا على سلامته الشخصية و حياة المحققين فتنزع منه سيور الحذاء و ربطة العنق و الحزام... الخ و يجب أن يتم تفتيش الأنثى من طرف امرأة يتم تسخيرها أو يلجأ إلى أحدى النساء كالمساعدة الاجتماعية و عند الضرورة زوجة ضابط الشرطة القضائية .
هـ - حقوق الشخص موضوع التوقيف للنظر : ( أنظر م 51 من ق إ ج ) :فور اتخاذ قرار توقيف شخص للنظر , فإن ضابط الشرطة القضائية ملزم قانونا بأن يمكن الشخص المحجوز من الاتصال فورا و مباشرة بعائلة و السماح لأقاربه بزيارته , و عادة ما يتم ذلك بواسطة الهاتف – و يجب في كل الحالات مراعاة التدابير التي تساعد على الاحتفاظ بسرية التحريات من جهة و ضمان أمن أفراد الوحدة من جهة أخرى .
ضرورة إخضاع الشخص الموضوع تحت المراقبة لفحص طبي في أي لحظة طيلة مدة الحجز إذا أمر بذلك وكيل الجمهورية أو إذا تطلبت حالته الصحية ذلك أو بطلب من أحد أفراد عائلته. عند نهاية مدة الحجز و لضمان حسن سير الإجراءات و عدم الطعن في مصداقيتها فإن الشخص المحجوز يبلغ بأن القانون يمنحه حق طلب فحصه من طرف طبيب يختاره هو أو محاميه أو أحد أفراد عائلته – و إذا لم يطلب الشخص إجراء الفحص فيوصى بإجرائه بمبادرة من ضابط الشرطة القضائية.
و هذا المسلك من شأنه أن يمنع على الشخص طريق التحاليل أو ادعاء بأن أقواله و تصريحاته المسجلة في محضر الضبط القضائي أدلى بها تحت التهديد أو الضرب من طرف المحققين.
يجري الفحص عادة في عيادة الطبيب أو المستشفى أو في مكتب الضابط الشرطة القضائية يجب عليه أن يتخذ كل الإجراءات و التدابير الوقاية لمنع فرار الشخص أو احتمال تعديه على الطبيب فيحظر بنفسه الفحص و يأمر بحراسة المعني و غلق الباب الخارجي.
إذا منع المحقق من حضور الفحص تحت ذريعة سرية الأعمال الطبية فيبلغ ضابط الشرطة القضائية وكيل الجمهورية و ينفذ تعليماته.
و قد يكون الشخص الموضوع تحت المراقبة ذا صحة هزيلة أو مصاب بمرض يتنافى و إمكانية حجزه و يكون ذلك بناءا على معاينة طبية.
فيجب إبلاغ النيابة و الرؤساء السلميين و الالتزام بتعليماتهم ( كنقل المريض إلى المستشفى و حراسته ...)
و لضمان احترام المحقق للإجراءات المشار إليها سلفا فإن القواعد القانونية و التنظيمية تلزمه بالإشارة الى جملة من البيانات في المحضر و في سجل الوضع تحت المراقبة الذي يفتح في كل مركز للشرطة أو الدرك يمكن أن يحتجز فيه الموقوف للنظر و تسجل فيه البيانات التالية:
- تاريخ و ساعة بداية سريان مدة التوقيف للنظر.
- اسم و لقب الشخص المحجوز.
- سبب اتخاذ إجراء التوقيف للنظر ( لمقتضيات التحقيق- وجود دلائل قوية و متنافسة تدلل على إمكانية اتهامه ).
- مدة التصريحات و الاستجوابات.
- تاريخ و ساعة نهاية مدة التوقيف للنظر و اقتياد الوقوف أمام النيابة.
و- اقتياد الموقوف للنظر أمام النيابة: بعد استكمال التحريات وإنهاء تحرير المحاضر يقتاد الشخص أمام النيابة مر فوقا بملف يتضمن أصل المحضر زائد نسخة طبق الأصل و كل المستندات و الأحراز الناتجة عن التحقيق و على ضابط الشرطة القضائية أن يتخذ كل التدابير التي من شأنها أن تمنع فرار الشخص أو اعتدائه على رجال الأمن ( عدد كافي من المرفقين وضع القيود...الخ ) و لا سيما في المحكمة و عند اقتياده إلى السجن
المبحث الثاني: التحقيق الأولي و الإنابة القضائية
المطلب الأول :التحقيق الأولي
الفرع الأول: تعريف التحقيق الأولي و خصائصه
1-التعريف: يقصد بالتحقيق الأولي ذلك الشكل من أشكال التحقيقات التي يقوم بها ضابط الشرطة القضائية و التي يعتبر الوسيلة المعتادة التي يبلغ بها النيابة عن الجرائم التي يعاينها . فهو يقابل تحقيق الجريمة المتلبسة, و هذا التحقيق أكثر سهولة من حيث الشكليات و ليس لضابط الشرطة القضائية حق استعمال الإجراءات القسرية بشكل واسع .