yacine414
2011-02-05, 16:11
عنوان هذه المذكرة الرهن الحيازي الوارد على العقار في التشريع الجزائري
مقدمة :
المفروض أن يقوم المدين بوفاء حق الدائن اختيارا ،فإن امتنع عن ذلك أو تأخر كان للدائن أن يقتضي حقه جبرا عنه ، عن طريق التنفيد الجبري على أموال المدين، فجميع أموال المدين ضامنة لحقوق دائنه.
غير أن الضمان العام لا يكفي لتأمين حق الدائن إذ يظل الدائن معرضا لعدم كفاية أموال المدين للوفاء بحقه و مزاحمة الدائنين الآخرين له في استيفاءه لحقه من هذه الأموال. لهذا كان لابد من وجود تأمين خاص لحق الدائن لجانب الضمان العام(1) .
و قد اتخدت التأمينات الخاصة لحق الدائن إحدى الصورتين فقد تكون تأمينات شخصية Sûretés Personnelles و قد تكون عينية Sûretés Réelles التي بموجبها يتقدم الدائن الذي ينتفع بها على الدائن العادي و بالإضافة لحق التقدم Droit de préférence له أيضا حق التبع Doit de suite و قد كان ظهور التأمينات العينية متأخر عن التأمينات الشخصية و يرجع ذلك لأن التأمينات العينية تقوم في أساسها على العقار الذي كان ملك للأسرة جميعها حيث كان يمثل الثروة الحقيقية و يمثل الأسرة رئيسها فهو وحده الذي يحوز العقار و لا يملكه أما بقية أفراد الأسرة فكانوا يلجؤون للتأمينات الشخصية و يساعدهم على ذلك قيام روابط الأسرة و التضامن فيما بين أفرادها فكان النظام الاجتماعي للقبيلة السبيل المهيئ لهيمنة التأمينات الشخصية لما يوفر من تضامن و تكافل.
وقد كانت الحقوق العينية في القانون الروماني القديم مقصورة على الملكية فلم يكن في وسع المدين إذ أراد تقديم تامين عيني للدائن على مال له إلا نقل ملكية المال لهذا الأخير على أن يتعهد الدائن بإعادة نقل ملكية هذا المال عند وفاء المدين بالدين و إلا قام بيعه و استيفاء حقه من ثمنه دون مقاسمة باقي الدائنين(2) .
وبعدما تفطن الرومان إلى عيوب التصرف التأميني هذا فكروا في وسيلة أخرى أقل خطورة على المدين و هي رهن الحيازة حيث يكون بمقتضاه للدائن حيازة المال موضوع التأمين و تبقى ملكية للمدين ،و شاع استعماله على العقار و على المنقول ،و لم يكن في بداية ظهوره يخول للدائن سوى حق حبس المرهون لحين الوفاء مما يشكل أداة ضغط على إرادة المدين دون حق البيع عند حلول أجل الدين و عدم الوفاء .
(1) د/عبد الناصر توفيق العطار - التأمينات العينية - دار الفكر العربي - 1980 - ص 1
(2) د/محمود جمال الدين زكي - التأمينات الشخصية و العينية - دار الكتاب الحديث - الطبعة الثالثة لسنة 1979 بند 72 - ص 146
وحرم بند تملك الدائن العين المرهونة في حالة عدم الوفاء عند حلول الدين و استبدل ببند آخر يجيز للدائن إذا لم يف المدين بالدين شراء العين المرهونة بثمن عادل ،ليتم في النهاية أدراج بند آخر بحيز للدائن عند عدم الوفاء حق بيع العين المرهونة و استيفاء حقه من ثمنها بالإضافة إلى حق الدائن المرتهن حياز يا في استرداد الحيازة إذا سلبها منه المدين أو الغير.
و من ذلك فان الرهن الحيازي بعبر عن مرحلة قديمة حيث كانت العقلية القانونية لا تتصور رهن الدائن لشيء دون انتقال حيازته .و قد كان المقرض من يمنح جزافا دخل العقار المرهون و كان المدين يخصص دخل عقاره لدفع فوائد الدين و كان يخفي في معظم الأحوال فوائد ربوية أعلى من الفوائد المعتادة في عقد القرض .و كان يعرف في القانون الفرنسي القديم Le mort-gage أي الرهن الميت إذ كان الدائن المرتهن حياريا يقبض ثمار الرهن و لا يخصمها من الدين و كان دخل العقار المرهون مخصص للوفاء بالفوائد فقط مهما كان مقدار هذا الدخل ، أما في القانون الفرنسي الحالي فان الدائن يلتزم بخصم الفوائد ثم الأصل من دخل العقار و لم يعد بترك دخل العقار جزافا للدائن و يسمى باسم Le vif –gage أي الرهن الحي(1).
و قد نظم القانون المدني الجزائري الرهن الحيازي و أفرد للرهن الحيازي الوارد على العقار أحكاما خاصة به في ثلاث مواد تحت عنوانLe nantissement immobilier الرهن العقاري حيث يخضع في أحكامه إلى الأحكام العامة للرهن الحيازي من جهة و في بعض أحكامه لأحكام الرهن الرسمي.
و من هذا الجانب تظهر أهمية دراسة الرهن الحيازي العقاري و هي التسمية التي سنعتمدها في دراسة هذا الموضوع و ذلك للبحث في بعض الإشكاليات القانونية المترتبة على التنظيم المزدوج له فإلى أي مدى وفق المشرع الجزائري في تنظيم أحكامه ؟
سنكتفي في بحثنا لهذا الموضوع بالتركيز على التشريع الجزائري مع مقارنته قدر الإمكان مع بعض التشريعات الأخرى كالتشريع المصري و الفرنسي لما لهما من ارتباط تاريخي بتشريعنا وذلك بالتطرق لدراسة مضمونه و آثاره والتنفيذ عليه وانقضاءه
و قسمنا بحثناهذا إلى فصلين إثنين :
الفصل الأول :
ندرس فيه مفهوم الرهن الحيازي العقاري و تكوين عقد الرهن و نتناول فيه أركانه و شروط نفاذه.
الفصل الثاني :
ندرس فيه ما يرتبه الرهن الحيازي العقاري من آثار بين المتعاقدين و في مواجهة الغير و التنفيذ على العقار و انقضاء الرهن.
(1) Henri Et Léon Mazeaud et Jean(M) et François(C) – leçon de droit civil – Tome 3 – 1er volume – sûretés ,publicité foncière .Edition Montchrestien .Paris – 1968 page 176
خطة البحث
الفصل الأول : إنشاء الرهن الحيازي العقاري
المبحث الأول : مفهوم الرهن الحيازي العقاري
المطلب الأول : تعريف الرهن الحيازي العقاري و طبيعته القانونية
الفرع الأول : تعريف الرهن الحيازي العقاري
الفرع الثاني : الطبيعة القانونية للرهن الحيازي العقاري
المطلب الثاني : خصائص الرهن الحيازي العقاري
الفرع الأول : خصائصه بإعتباره حقا
الفرع الثاني : خصائصه بإعتباره عقدا
المبحث الثاني : تكوين الرهن الحيازي العقاري
المطلب الأول : أركان الرهن الحيازي العقاري
الفرع الأول : أطراف عقد الرهن الحيازي العقاري
الفرع الثاني : العقار المرهون
الفرع الثالث : الدين المضمون
المطلب الثاني : نفاذ الرهن الحيازي العقاري
الفرع الأول : الرسمية كخطوة أولية لقيد الرهن
الفرع الثاني : القيد
الفرع الثالث :الحيازة
الفصل الثاني : آثار الرهن الحيازي العقاري و انقضائه
المبحث الأول : آثار الرهن الحيازي العقاري
المطلب الأول : آثار الرهن الحيازي العقاري فيما بين المتعاقدين
الفرع الأول : التزامات المدين الراهن
الفرع الثاني : التزامات الدائن المرتهن
المطلب الثاني : آثار الرهن الحيازي العقاري بالنسبة للغير
الفرع الأول : الحق في الحبس
الفرع الثاني : حق الأفضلية
الفرع الثالث : حق التتبع
المبحث الثاني : التنفيذ على العقار المرهون حيازيا و انقضائه
المطلب الأول : التنفيذ على العقار المرهون حيازيا
الفرع الأول : بطلان شرط التملك عند عدم الوفاء و شرط البيع دون إجراءات
الفرع الثاني : إجراءات التنفيذ على العقار المرهون حيازيا
المطلب الثاني : انقضاء الرهن الحيازي العقاري
الفرع الأول : انقضاء الرهن الحيازي العقاري بصفة تبعية
الفرع الثاني : انقضاء الرهن الحيازي العقاري بصفة أصلية
تحديد و تقسيم:
نص المشرع الجزائري على الأحكام المشتركة لعقد الرهن الحيازي في المواد من 948 إلى 965 و أفرد بالنسبة للرهن الحيازي العقاري المواد من 966 إلى 968 من القانون المدني محيلا في بعض مواده إلى أحكام الرهن الرسمي.
لذلك سنتناول بالدراسة في هذا الفصل مفهوم الرهن الحيازي الوارد على العقار و تكوينه في المبحثين الآتيين :
• المبحث الأول: مفهوم الرهن الحيازي العقاري
• المبحث الثاني:تكوين الرهن الحيازي العقاري
المبحث الأول: مفهوم الرهن الحيازي العقاري :
أورد المشرع الجزائري بعض النصوص المتعلقة بالرهن الحيازي العقاري دون أن يعرف أو يحدد طبيعته بخلاف بعض التشريعات الأخرى(1) و ترك ذلك لاجتهاد الفقهاء.
و سنتناول بالدراسة تحت عنوان المبحث الأول : تعريف الرهن الحيازي العقاري و خصائصه في المطلبين التاليين :
• المطلب الأول: تعريف الرهن الحيازي العقاري و طبيعته القانونية.
• المطلب الثاني: خصائص الرهن الحيازي العقاري.
المطلب الأول : تعريف الرهن الحيازي العقاري طبيعته القانونية:
أورد المشرع الجزائري نصا واحدا عرف بموجبه الرهن الحيازي جاعلا منه مفهوما عاما على كل أنواع الرهن الحيازي(2) فلم يخص الرهن الحيازي العقاري بتعريف و لم يحدد طبيعته لذلك سنخصه بالدراسة في :
• الفرع الأول: تعريف الرهن الحيازي العقاري.
• الفرع الثاني:طبيعة الرهن الحيازي العقاري.
الفرع الأول: تعريف الرهن الحيازي العقاري.
نصت المادة 948 (3) من القانون المدني الجزائري على أن «الرهن الحيازي عقد يتلزم به شخص ضمانا لدين عليه أو على غيره ،أن يسلم إلى الدائن أو إلى أجنبي يعينه المتعاقدان شيئا يرتب عليه الدائن حقا عينيا يخوله حبس الشيء إلى أن يستوفي الدين و أن يتقدم الدائنين العاديين و التالين له في المرتبة في أن يتقاضى حقه من ثمن هذا الشيء في أي يد يكون».
و لعبارة الرهن ثلاث معان فقد يكون المقصود منه العقد الذي ينشأ عنه الحق العيني للمرتهن و قد يقصد منه الحق نفسه المتولد عن الرهن و قد يقصد منه الشيء المرهون الضامن للدين,
و الملاحظ أن المشرع الجزائري عند تعريفه للرهن الحيازي بأنه عقدا يكون بذلك قد غلّب فكرة العقد على فكرة الحق الذي ينشأ عن العقد.
(1) عرف المشرع اللبناني الرهن الحيازي العقاري في المادة 101 من قانون الملكية العقارية بأنه«عقد يضع بموجبه المديون عقارا في يد دائنه أو في يد عدل و يخول الدائن حق حبس العقار إلى يدفع له دينه تماما ،و إذا لم يدفع الدين فله الحق بملاحقته نزع ملكية المديون بالطرق القانونية»
(2) يلاحظ أن مقابل الرهن الحيازي في التشريع الفرنسي يسمى Nantissement فإذا ورد على عقار يسمى antichrèse و إذا ورد على منقول يسمى Gage تنص المادة 2027 مدني فرنسي.
«Le Nantissement d’une chose mobilière s’appelle gage, celui d’une chose immobilière s’appelle antichrèse »
(3) و تقابلها المادة 1096 من القانون المدني المصري
و قد يقال ردا على هذه الملاحظة أن كلمة«الرهن» في القانون تطلق على عقد الرهن كما تطلق على حق الرهن كما تطلق على الرهن نفسه أو على الشيء المرهون. و لكننا عندما نتكلم عن الرهن إنما ينصرف القصد إلى حق الرهن و ليس للعقد المنشئ له .و تستوحى هذه الملاحظة من عنوان الكتاب الرابع«الحقوق العينية التبعية» ،لذلك كان من الأولى تعريف الرهن الحيازي باعتباره حقاعلى أنه«حق عيني تبعي يقوم على نقل حيازة المال الذي يترتب عليه إلى الدائن المرتهن الذي يستطيع بمقتضاه حبس هذا المال حتى استيفاء حقه و تكون الأولوية على ثمنه في أي يد يكون ،فتخلي الراهن عن حيازة المال المرهون هي جوهر هذا الرهن و لذلك يطلق عليه اسم الرهن الحيازي»(1)
و الملاحظ في التشريع الجزائري أن التسليم لا يعتبر ركنا في العقد بل هو مجرد التزام يتولد من العقد بعد تمامه في ذمة المدين كون أن العقد ينعقد بمجرد تبادل الإيجاب والقبول دون حاجة إلى التسليم(2) حيث تنص المادة 948 من القانون المدني«الرهن الحيازي عقد يلزم به الشخص ... أن يسلم إلى الدائن ... شيئا ». وفي ذلك يتفق التشريع الجزائري مع التشريع المصري الجديد حيث كان القانون المدني المصري قبل تعديله يعتبر الرهن الحيازي عقد عينيا(3).
ولأن الضمان في الرهن الحيازي يقتضي تسليم الراهن الشيء المرهون لدائنه المرتهن فإن المشرع الجزائري بموجب المادة 966 من القانون المدني قد ألزم الراهن في الرهن الحيازي الوارد على العقار بأن يسلم العقار المرهون إلى الدائن الدائن المرتهن أو إلى شخص يرتضيه المتعاقدان
و ذلك لنفاذه في حق الغير و ليترتب الحق العيني الذي يعطي للدائن المرتهن حق حبس العقار المرهون إلى غاية استيفاء دينه تماما ،و حق التقدم على غيره من الدائنين العاديين و الداتئين التالين في المرتبة في استفاء حقه من ثمن المرهون في أي يد يكون.
و بناءا علي كل ما سبق و استنادا للتعريف الوارد بالمادة 948 من القانون المدني نعرف الرهن الحيازي الوارد على العقار بأنه حق عيني على عقار يضعه المدين في يد دائنه أو في يد شخص يتفق عليه المتعاقدان، ضمانا للوفاء بدين الدائن و يخول هذا الأخير حق حبس العقار إلى أن يدفع له دينه كاملا، وفي حال عدم الدفع حق له التنفيذ على العقار بالطرق القانونية و استيفاء دينه من ثمنه بالأفضليــة على غيره من الدائنين العاديين و الدائنين التاليين له في المرتبة في أي يد يكون(4) .
(1)- د/- محمود جلال الدين زكي : نفس المرجع السابق – ص 359
(1) بخلاف المشرع الفرنسي الذي يعتبر التسليم ركنا في العقد
(2) – د/- عبد الرزاق أحمد السنهوري – الوسيط في شرح القانون المدني –الجزء 10 في التأمينات الشخصية و العينية – دار النهضة العربية – القاهرة –الطبعة الثانية – 1994 ص 859
(3)« L’antichrèse est un nantissement immobilier. Le constituant se dessaisit, au profit du créancier de l’immeuble qu’il lui donne en garentie, et c’est le créancier qui perçoit les fruits avec obligation de les imputer d’abord sur les intérêts de la créance, puis sur le capital ». H.Mazeaud – J. Mazeaud - F.Chabas – Op.cit-p174.
الفرع الثـــاني: الطبيــعة القانونيــة للرهن الحيــازي العقاري:
يعتبر الرهن الحيازي العقاري نوع من الضمان الذي يهدف إلى تأمين الدائن من خطر عدم الوفاء بالدين بحبس العقار إلى حين استيفاء الدين، فتخوله في حال امتناع المدين أو عجزه عن الوفاء بالمطالبة ببيع العقار المرهون بالطرق القانونية و استيفاء دينه من ثمنه بالأفضلية على غيره من الدائنين العاديين و التالين له في المرتبة و هو ما تشير له المادة 948 من القانون المدني.
لذلك يعتبر من عقود الضمان(1) و هو عقد ضمان عيني على العقار المرهون و يفترض دائما وجود دين يضمنه سواء كان هذا الدين سابقا لعقد الرهن أو معاصرا له، و هو لا يوجد مستقلا، بل يتبع دائما نشوء الدين المضمون به، بحيث يكون هناك تقابل بين نشوء الدين و نشوء الرهن فيجعل كلا منهما سببا للآخر.
المطلب الثــــاني: خصائــص الرهن الحيـــازي العقــاري:
انطلاقا من أن الرهن يطلق على حق الرهن كمـا يطلق على العقد فنبين خصائصه باعتباره حقا ثم باعتباره عقدا في الفرعين التاليين:
• الفرع الأول: خصائصه باعتباره حقا.
• الفرع الثاني: خصائصه باعتباره عقدا.
الفرع الأول: خصائص الرهن الحيـازي العقاري باعتباره حقا:
يتميـز الرهن الحيازي العقاري باعتباره حقا بالخصائص التالية:
أولا: ينشأ الرهن الحيازي الوارد على العقار بواسطة عقد مثله مثل باقي أنواع الرهن الحيازي مثل
الرهن الرسمي. ولا ينشأ بنص القانون كالامتياز و لا بحكم قضائي كحق التخص.
ثانيـا: يعتبر حق عيني عقاري لأنه يخول الدائن سلطة مباشرة على العقار المرهون فيخوله الحق في حبسه إلى أن يدفع له دينه. كما يستطيع في حال عدم الدفع التنفيذ عليه و آستيفاء دينه من ثمنه بالأفضلية على غيره من الدائنين العاديين و الدائنين المرتهنين التالين له في المرتبه في أي بد يكون (2) .
و هو كغيره من الحقوق العينية العقارية طبقا للمادة 966 من القانون المدني يخضع للقيد في السجل العقاري، و لا يكون نافذا إلا من تاريخ هذا القيد، و على هذا فإن الحقوق العينية المكتسبة على العقار المرهون و المسجلة قبل تسجيل الرهن تكون ملزمة للدائن المرتهن.
ثالثا: هو حق عيني تبعي ذلك أنه يوجد لضمان حق آخر هو الدين المضمون به فيقوم بقيام هذا الدين و يتبعه في وجوده و عدمه فيبطل ببطلانه و ينقضي بانقضائه . فإذا تقرر بطلان الدين المضمون بطل الرهن تبعا لذلك، و إذا انقضى الدين المضمون بالوفاء أو بغيره انقضى الرهن تبعا له.
(1)-آ/حسن عبد اللطيف حمدان: لتأمينات العينية- الطبقة الأولى –الدار الجامعية بيروت بند 96- صفحة 142
(2) أ/حسن عبد اللطيف حمدان – نفس المرجع السابق ص 1135 بند 90
و قد أحال المشرع الجزائري بمقتضى المادة 950 على المادة 893 من القانون المدني المتعلقة بالرهن الرسمي و التي تنص على أنه «لا ينفصل الرهن عن الدين المضمون بل يكون تابعا له في صحته و في انقضاضه ما لم ينص القانون على خلاف ذلك».
و بذلك يجوز للراهن أن يتمسك في مواجهة المرتهن بكل الدفوع التى تؤثر في وجود الحق المضمون، و إذا كان الراهن غير المدين أي الكفيل العيني جاز له فوق تمسكه تجاه المرتهن بالدفوع التى تؤثر في صحة الرهن كنقص الأهلية، أو عيوب الرضا أن يتمسك بها للمدين من الدفوع المتعلقة بالدين ولو نزل عنه المدين (1) .
هذا و إن الإلتزام الأصلي الذي يضعه الرهن الحيازي يصح أن يكون محله كما هو الغالب مبلغ من النقود، و لكن يصح أيضا أن يكون محله التزام بعمل أو الإمتناع عن عمل أو نقل حق عيني.
كما يصح أن يكون الإلتزام الأصلي مقرونا بأجل أو معلق على شرط و عند ذلك يكون الرهن الحيازي ذاته مقرونا بنفس الأجل أو معلق على نفس الشرط (2) .
وقد يضمن الرهن الحيازي التزاما أصليا و هو التزام مستقبلي أو احتمالي كالالتزام الناتج عن فتح اعتماد. وقد نصت المادة 891 من القانون المدني و التي تنطبق على الرهن الحيازي بموجب المادة 950 من نفس القانون « يجوز أن يترتب الرهن ضمانا لدين معلق على شرط أو دين مستقبلي أو دين احتمالي كما يجوز أن يترتب ضمانا لاعتماد مفتوح أو لفتح حساب جار على أن يتحدد في عقد الرهن مبلغ الدين المضمون أو الحد الأقصى الذي ينتهي إليه هذا الدين».
و يتخذ الرهن صفة الدين المضمون فإذا كان الدين تجاريا اعتبر الرهن تجاريا أيضا و في هذه الحالة تكون المنازعات الخاصة به من اختصاص القسم التجاري بالمحكمة (3).
رابعا: يعتبر كذلك حق لا يتجزأ مع أن المشرع الجزائري لم ينص بشأن الرهن الحيازي على ذلك لا صراحة و لا بالإحالة على أحكام الرهن الرسمي (4) إلا أنه لا يوجد ما يمنع تطبيقها على الرهن الحيازي عموما ما في ذلك الرهن الحيازي العقاري.
لأن عدم التجزئة مرتبط بالضمان وهي خاصة تقررت لصالح الدائن المرتهن لتدعيم الإئتمان.
و عدم التجزئة يعني أن كل جزء من العقار المرهون ضامن لكل الدين، و أن كل جزء من الدين مضمون بالعقار كله، غير أن عدم قابلية الرهن للتجزئة قد تستبعد باتفاق الأفراد على تجزئة الرهن، وفي حال عدم وجود الإتفاق يفترض أن الأطراف أرادوا عدم التجزئة.
(1) د/عبد الرزاق أحمد السنهوري - نفس المرجع السابق ص 864
(2) د/عبد الرزاق أحمد السنهوري – نفس الموضع
(3) أ/حسن عبد اللطيف حمدان –نفس المرجع السابق –ص 136
(4) في القانون المصري أحالت المادة 1098على أحكام المادة 1041 المتعلقة بعدم تجزئة الرهن الرسمي ، وفي القانون المدني الفرنسي نصت المادة 2083 على عدم التجزئة صراحة
و بما أن القاعدة تقررت لمصلحة فإنه يجوز للدائن المرتهن بعد انعقاد الرهن أن يتنازل عن حقه في عدم تجزئة الرهن.
و إذا مات المدين الراهن فليس لأحد الورثة أن يدعي أن الجزء من العقار الذي ورثه قد تخلص من الدين، و إذا مات الدائن المرتهن فليس لأحد ورثته أن يسلم العقار المرهون إلى المدين الراهن بدعوى أنه قد استوفى حصته ما دام أن باقي الورثة لم يستوفوا حصصهم (1).
الفرع الثاني: خصائص الرهن الحيازي العقاري باعتباره عقــدا:
يتميز الرهن الحيازي العقاري بوصفه عقدا بالخصائص التــالية:
أولا: أنه يعتبر عقد شكلي أو رسمي يلزم توثيقه ذلك أن المادة 12 من قانون التوثيق الصادر بموجب الأمر 70-91 تنص بأن العقود التي تتضمن نقل حقوق عقارية يجب تحت طائلة البطلان أن تحرر في شكل رسمي. و لم يفرق قانون التوثيق بين نقل الحقوق العقارية الأصلية و التبعية ففي الحالتين يلزم التوثيق(2).
بينما الرهن الحيازي العقاري في القانون المصري هو عقد رضا ئي لا يشترط لانعقاده شكل خاص(3)
و يعتبر التسليم أثر للعقد لا شرط لانعقاده.و هو في القانون الفرنسي(4).و اللبناني عقد عيني يشترط لانعقاده أن يتم تسليم العقار المرهون للدائن طوال فترة العقد.
ثانيـا: أنه عقد ضمان عيني فهو من عقود الضمان لكونه يسعى لضمان استيفاء الدائن المرتهن لحقه من دخل العقار المرهون.
ثالثا:عقد ملزم لمجانبين(5). حيث يلتزم الدائن المرتهن بالمحافظة على العقار المرهون و استثماره و رده عند انقضاء الرهن، و تقديم حساب عن ذلك، أما المدين الراهن فيلتزم بتسليم العقار المرهون إلى الدائن المرتهن.
رابعا: أنه عقد بمقابل لأن الراهن لا يتبرع بالرهن بل يقدمه في مقابل ما يحصل عليه من مال أو أجل و لأن الدائن المرتهن لا يقرض المدين أو يمنحه أجل إلا مقابل الرهن الذي يوفر له الضمان.
(1) أ/حسن عبد اللطيف حمدان –نفس المرجع السابق –ص 137
(2) د/-محمد حسنين –الوجيز في التأمينات الشخصية و العينية في القانون المدني الجزائري – المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائري –سنة 1986-ص 101
(3) د/ محمد جمال الدين زكي –نفس المرجع السابق ص 359
(4) H.Mezeaud. J.Mazeaud .F Chabas . op.cit.p 176
(5) أما القوانين التي تعتبر التسليم ركن في العقد فإن العقد يعتبر ملزم لجانب واحد.
المبحث الثانـــي:تكويــن الرهن الحيــازي العقاري:
يخضع الرهن الحيازي العقاري باعتباره عقد للمبادئ العامــة في نظرية العقد من ضرورة توافر تراضي طرفيه و محل و سبب التزام كليهما.
و يتضمن تكوين الرهن الحيازي العقاري على الأركان التي يقوم عليها من أطراف عقد الرهن و العقار المرهون و هو المحل الذي ينصب عليه العقد و الإلتزام المضمون الذي من أجله أنشئ الرهن و لا يكفي أن ينشأ الرهن الحيازي العقاري صحيحا بين المدين الراهن و الدائن المرتهن بل يجب أن يكون نافذا في مواجهة الغير للإحتجاج به.
و سندرس ذلك في المطلبين الآتيين:
المطلب الأول: أركان الرهن الحيازي العقاري.
المطلب الثاني: نفاذ الرهن الحيازي العقاري.
المطلب الأول: أركان الرهن الحيازي العقاري:
من خصائص الرهن الحيازي العقاري أنه ينشأ عن عقد لذلك وجب توافر أركانه. و بذلك نصت المادة 948 من القانون المدني على أن الرهن الحيازي هو عقد.و نصت المادة 949 من نفس القانون على انه لا يجوز أن يكون محلا للرهن الحيازي إلا ما يمكن بيعه استقلالا بالمزاد العلني.
و أحالت المادة 950 من القانون المدني إلى أحكام الرهن الرسمي فيما يخص الإلتزام المضمون بالرهن و هو السبب في العقد.
و سنأتي على شرح ذلك تباعا في الفروع التالية:
الفرع الأول: أطراف عقد الرهن الحيازي العقاري.
الفرع الثـاني:العقار المرهون.
الفرع الثالث: الدين المضمون.
الفرع الأول: أطراف عقد الرهن الحيازي العقاري:
تنص المادة 948 من القانون المدني على ما يأتي«الرهن الحيازي عقد يلتزم به شخص ضمانا لدين عليه أو على غيره...». و بذلك فإن طرفا العقد هما الراهن و المرتهن و هذا الأخير هو دائن يريد بالرهن ضمان الوفاء بحقه أما الراهن فقد يكون مدينا أو قد يكون كفيلا عينيا.
و لا داعي للخوض في ركن الرضا و ما يستلزمه من تطابق الإرادتين ،وخلوهما من العيوب حيث يطبق في شأنها القواعد العامة.
و المهم هو أن يكون الراهن مالكا للعقار المرهون و أن يكون أهلا للتصرف فيه هذان الشرطان لم ينص عليهما المشرع الجزائري عندما عالج أحكام الرهن الحيازي لاصراحة و لا بالإحالة على أحكام الرهن الرسمي.فقد نص في المادة 884 من القانون المدني على ما يلي «يجوز أن يكون الراهن هو المدين نفسه أو شخصا آخر يقدم رهن لمصلحة المدين.
و في كلتا الحالتين يجب أن يكون الراهن مالكا للعقار المرهون و اهلا للتصرف فيه»
فهل يعني ذلك أن الراهن في الرهن الحيازي للعقار لا يتقيد بشرطي الملكية و الأهليـــة؟
إن القول بهذا يؤدي لعدم انسجام الرهن بالأهداف التى يرمي إليها من حماية مصلحة الدائن المرتهن من تصرفات الراهن. و على المشرع أن يتدارك ذلك بالنص عليهما أو بالإحالة لأحكام المادة 884 من القانون المدني، لكن لا يمنع عدم النص على شرطي امتلاك الراهن للشيء المرهون و توافر الأهلية اللازمة من تطبيق نص المادة المادة 884 مدني المتعلقة بالرهن الرسمي عن طريق القياس.
وسنتناول بالدراسة الأهلية تحت عنوان هذا الفرع و ما يطرأ عليها و نرجئ دراسة شرط الملكية إلى الفرع الثاني.
أولا: الأهلية(1):
قبل أن نتطرق لأهلية المتعاقدين نشير أولا أن الأهلية مراتب: أهلية إدارة، أهلية تصرف و أهلية تبرع. فكل تصرف في أصل الشيء هو من أعمال التصرف، و كل تصرف في ثمارالشيء هو من أعمال الإدارة.
و التصرف له معنيان إما نعني به التصرفات الدائرة بين النفع و الضرر، أو التصرفات الضارة ضررا محضا أي يقصد به التبرع. و أن من توفرت فيه أهلية الإدارة قد لا يكون له غيرها، و من كانت له أهلية التصرف كانت له أهلية الإدارة. و على هذا قد يتطلب القانون أهلية في الراهن لا يتطلبها في المرتهن وأهلية يتطلبها في الراهن غير المدين دون أن يشترطها في المدين الراهن.
1 –أهلية الراهن : في أغلب الأحيان يكون هو نفسه المدين الذي يرهن عقاره رهن حيازة تأمينا لقرض حصل عليه أو لأي التزام آخر ثبت في ذمته وقد يكون الراهن غير المدين الذي يرهن عقاره ضمانا لالتزام ليس في ذمته هو بل في ذمة شخص آخر يقوم مقامه و يسمى في هذه الحالة الكفيل العيني.
أ-أهلية المدين الراهن: يعتبر الرهن الحيازي عملا من أعمال التصرف لذلك يجب أن يكون الراهن أهلا للتصرف في المال المرهون، و بالنسبة للمدين الراهن يعتبر الرهن الحيازي العقاري تصرفا دائرا بين النفع و الضرر إذ أن المدين الراهن لا يتبرع برهن عقاره بل يبغي من وراء رهنه الحصول على موعد أو مد أجل الدين أو بوجه عام ضمان التزامه و على ذلك يجب أن يكون بالغا سن الرشد غير محجوز عليه(2).
(1) تكتمل الأهلية طبقا للمادة 40 من القانون المدني ببلوغ سن الرشد المحدد يتسعة عشر سنة كاملة مع التمتع بالقوى العقلية و عدم الحجر.
(2)- د/ عبد الرزاق أحمد السنهوري- نفس المرج السابق- ص 882
و بذلك فإن العقد الذي يبرمه الصبي غير المميز و من في حكمه كالمجنون و المعتوه(1) يكون باطلا بطلانا مطلقا. أما العقد الذي يبرمه الصبي المميز أو من كان سفيها أو ذا غفلة (2) يكون قابلا للإبطال.
و يعود الحق في طلب الإبطال إلى الراهن بعد اكتمال أهليته أو لممثله الشرعي قبل ذلك أو لورثته من بعده،ويسقط الحق في إبطال الرهن الحيازي العقاري بالتقادم فيصبح الرهن صحيحا بأثر رجعي من وقت نشوئه و يحتج به على من كسب حقا عينيا على العقار المرهون كدائن مرتهن آخر كسب حقه بعد نفاذ الرهن الأول ولو كان ذلك قبل تمام التقادم (3)
و حق الإبطال مقرر لمصلحة الراهن فلا يحق للمرتهن التمسك به إلا أنه يمكن لدائن المدين الراهن التمسك بالبطلان النسبي عن طريق الدعوى غير المباشرة.
و ليس للقاصر المأذون له بالإدارة أن يرهن لأن له مجرد أعمال الإدارة أما القاصر المأذون له بالتجارة فإن الرهن الصادر عنه يعتبر صحيحا و نافذا. ذلك أن أعمال القاصر المميز المأذون له بإدارة أمواله تكون ممارسته للأعمال الإدارية المحضة صحيحة أما ممارسته لأعمال التصرف قابلة للإبطال و ممارسته للأعمال التبرعية باطلا بطلانا مطلقا(4).
ب- أهلية الكفيل العيني: في هذه الحالة ينعقد الرهن الحيازي بين الدائن المرتهن و المدين الراهن الذي هو كفيل عيني و إلى جانبهما يوجد المدين هذا الأخير ليس طرفا في عقد الرهن بل طرفاه هما الدائن المرتهن و الراهن أي الكفيل العيني و ما المدين إلا شخص أجنبي عن الرهن الحيازي العقاري و قد ثبث في ذمته الدين الأصلي الذي يضمنه العقار المرهون.
و بذلك فإن الرهن الحيازي العقاري بالنسبة للكفيل العيني تختلف الأهلية المطلوبة فيه باختلاف نوع التصرف الذي قام به، فإذا كان بالمقابل فلا يطلب منه إلا التمتع بأهلية التصرف، أما إذا كانت كفالته تبرعية فيجب أن تكون للمدين أهلية التبرع. لأن التصرف هنا من التصرفات الضارة ضررا محضا(5)، ومن ثمه إذا كان الكفيل العيني قاصرا، مميز، أو غير مميز، أو كان محجور عليه ولولسفه أو غفلة و رهن ماله ككفيل عيني كان الرهن باطلا لا قابلا للإبطال.
(1)- تنص المادة 42 من القانون المدني بعد التعديل الأخير للقانون المدني بموجب القانون 05-10 المؤرخ في 20 يونيو سنة 2005 المعدل و المتمم للأمر 75/58 المتضمن القانون المدني المعدل و المتمم«لا يكون أهلا لمباشرة حقوقه المدنية من كان فاقدا التمييز لصغر في السن، أو عته، أو جنون».
يعتبر غير مميز من لم يبلغ ثلاث عشرة سنة حيث أصبح سن التميز 13 سنة بدلا من 16 سنة.
(2)- تنص المادة 43 من القانون المدني دائما بعد التعديل الجديد للقانون المدني بنفس القانون«كل من بلغ سن التمييز و لم بيلغ سن الرشد و كل من بلغ سن الرشد و كان سفيها أو ذا غفلة يكون ناقص الأهلية وفقا لما يقرره القانون» و الملاحظ أن بعد التعديل صحح المشرع الخطأ الذي كان واردا بالنص القديم حيث كان يستعمل المشرع لفظ معتوه و قرر أنه ينقص الأهلية بينما العته يعدم الأهلية و حسنا فعل فالأصح هو لفظ ذا الغفلة مع الإشارة أن النص الفرنسي صحيح لإستعماله لفظ «Frappé d’imbécillité»
(3) د/ عبد الرزاق أحمد السنهوري- نفس المرج السابق- ص883
(4) أ/العربي بن قسمية – نظام الرهن الحيازي الوارد على الديون العادية في التشريع الجزائري- بحث لنيل شهادة الماجستير في القانون – جامعة الجزائر كلية الحقوق – السنة الجامعية 2000-2001 – ص 26
(5) أ /حسين عبد اللطيف حمدان – نفس المرجع السابق – ص 149 وعبد الرزاق أحمد السنهوري - نفس المرجع السابق ص883
2-أهلية الدائن المرتهن: لا تختلف الأهلية في المرتهن عن الأهلية المطلوبة في الراهن، ذلك لأن الرهن الحيازي يرتب على المرتهن التزاما بصيانة العقار المرهون و المحافظة عليه و بإدارته و استثماره وخصم الغلة من الدين المضمون طبقا للمادبين 955 و 956 و 968 من القانون المدني، و هو ما يـفترض فيه أن يكون أهلا للتصرف أي بالغا سن الرشد غير محجور عليه لأن الرهن الحيازي فيه معنى استيفاء الدين(1) .
و من ثمه يكون الرهن الحيازي العقاري بالنسبة للدائن المرتهن عقدا دائرا بين النفع و الضرر. و عليه إذا كان الدائن المرتهن ناقص الأهلية كالصبي المميز فإن الرهن يكون قابلا للإبطال بناءا طلبه بعد بلوغه سن الرشد أو بناءا على طلب ممثله الشرعي أو ورثته من بعده.
أما إذا كان الدائن المرتهن عديم الأهلية كالمجنون و المعتوه والصغيرغير المميز فإن الرهن يكون باطلا بطلانا مطلقا.
و يستوي في ذلك أن يكون الدائن المرتهن قد تعاقد مع المدين الراهن أو تعاقد مع راهن غير المدين أي تعاقد مع الكفيل العيني.
ثانيــا: النيــابة :
طبقا للقواعد العامة فإن من يقوم بعمل لحساب نفسه يجب أن تتوفر فيه الأهلية للقيام بهذا العمل و انه إن قام به لحساب غيره يجب أن تكون له السلطة و الولاية للقيام به. و النيابة قد تكون بحكم القانون و قد تكون اتفاقية
1-النيابة القانونية: فإذا كان المدين الراهن قاصرا غير مميز و من في حكمه كالمجنون و المعتوه و القاصر المميز و من في حكمه كالمحجور عليه لسفه أو غفلة(23) يجوز أن ينوب عنهما الولي أو الوصي أو القيم في ابرام عقد الرهن باعتباره تصرفا دائرا بين النفع و الضرر.
أما إذا كان الرهن الذي يعقده الولي أو الوصي أو القيم بالنيابة عن القاصر أو المحجوز عليه ضمانا لدين على غير القاصر أو المحجور عليه أي بأعتبار هذا الأخير كفيلا عينيا فإن الرهن يقع باطلا بطلانا مطلقا ولو كان بإذن المحكمة، فليس للمحكمة أن تأذن به لأن الرهن في هذه الحالة يعتبر من أعمال التبرع و النائب لا يستطيع التبرع بمال من هو تحت ولايته.
حيث أن المادة 88/1 من قانون الأسرة تنص على أن الولي يجب أن يكون حريصا على مال من هو تحت ولايته و ليس من الحرص إنشاء رهن لضمان دين الغير أي على سبيل التبرع.
(1) د/ محمود جمال الدين زكي –نفس المرجع السابق ص 367 و أيضا أ /حسين عبد اللطيف حمدان نفس المرجع السابق ص 154 و د/عبد الرزاق أحمد السنهوري - نفس المرجع السابق ص 873
(2) تنص المادة 44 من القانون المدني على أنه«يخضع فاقدوا الأهلية أو ناقصوها ،بحسب الأحوال لأحكام الولاية ،أو الوصاية ،أو القوامة ، ضد الشروط ووفقا للقواعد المقررة في القانون»
و تشترط الفقرة الثانية من نفس المادة طلب الإذن من القضاء في التصرفات الدائرة بين النفع و الضرر التي يعقدها الولي كالبيع و الإيجار و أن يراعي القاضي في هذا الإذن حالة الضرورة و المصلحة حسب المادة 80 من قانون الأسرة فإن كان القانون يشترط الإذن و في حالة الضرورة في بعض التصرفات المحددة حصرا في المادة 88 في فقرتها الثانية من قانون الأسرة فإنه من باب أولى أن لا تصح الكفالة العينية التي يعقدها الولي على مال القاصر أو المحجور عليه(1).
2- الوكالـــة: يجوز أن يعقد الشخص رهنا حيازيا على العقار بواسطة نائب اتفاقي على أن تكون الوكالة خاصة، سواء كانت صادرة عن الراهن أو المرتهن و ذلك طبقا للمادة 574 من القانون المدني في فقرتها الأولى تنص على أنه «لا بد من وكالة خاصة في كل عمل ليس من أعمال الإدارة لا سيما في البيع والرهن و...» و بذلك تكون هذه المادة قد أخرجت الرهن من أعمال الإدارة و كيفته على أنه من أعمال التصرف.
و إذا كانت الوكالة صادرة عن كفيل عيني يجب أن تكون الوكالة وكالة خاصة لعمل من أعمال التبرع يبين فيها المال المرهون بيانا كافيا نافيا للجهالة. بأن يكون التوكيل الخاص الصادر من الكفيل العيني مذكورا فيه العقار المراد رهنه و الدين الذي يرهن العقار ضمانا للوفاء به.و إلا كان التوكيل باطلا لأن الوكيل يقوم بعمل من أعمال التبرع.
ثالثـا: إجازة عقد الرهن الحيازي العقاري:
سبقت الإشارة إلى أن عقد الرهن الحيازي العقاري يعتبر من العقود الدائرة بين النفع و الضرر بالنسبة للمدين الراهن و الدائن المرتهن و على ذلك يجب توافر أهلية التصرف. فإن كان أحدهما أو كلاهما قاصرا فيكون العقد صحيحا لكن يكون قابلا للإبطال و يبقى كذلك مهددا بالإبطال حتى ترد عليه الإجازة. كما يمكن أن يزول التهديد بالإبطال بسقوط الحق في ذلك بالتقادم المسقط الذي نصت عليه المادة 101 من القانون المدني(2) و هي 5 سنوات. و يكون الحق في الإجازة للأشخاص التالية:
1-القاصر عند البلوغ و لوكيل عنه بوكالة خاصة طبقا للمادة 100 من القانون المدني(3).
2- الولي أو الوفي أو الجد طبقا للمادة 83 من قانون الأسرة أما بالنسبة للجد فلم تشر إليه المادة لكن يستفاد من نص المادة 92 من نفس القانون التي تنص على أنه «يجوز للأب أو الجد تعيين وصي لولده القاصر» و بما أن للولي حق الإجازة بنص المادة 83 الذي قد يقع تعيينه من الجد فإنه من باب أولى أن يثبث هذا الحق للجد.
(1) أنظر في ذلك أ/إبراهيم بن غانم – نظام الرهن الحيازي الوارد على المنقول في التشريع المدني و التجاري الجزائري –بحث لنيل شهادة الماجستير في العقود و المسؤولية – جامعة الجزائر – معهد العلوم القانونية و الإدارية جانفي 1985 – صفحة 21 و أ/العربي بن قسمية – نفس المرجع السابق – ص 29-30 – هامش رقم 7
(2) وفقا للتعديل الأخير للقانون المدني القانون 05-10 المؤرخ في 20يونيو 2005 المعدل و المتمم للأمر 75/58 في 26 سبتمبر 1975 عدلت المادة 101 من القانون المدني لتصبح مدة التقادم 5 سنوات بدلا من 10 سنوات حيث كان يعاب على المدة السابقة طوال هذه المدة التي يضر بالدائن الذي يظل تصرفه مهدد طول هذه المدة مع الإشارة أن المشرع المصري حددها ب3 سنوات في المادة 140 مدني مصري
(3) تنص المادة 100 من القانون المدني الجزائري على أنه«يزول حق إبطال العقد بالإجازة الصريحة أو الضمنية تستند الإجازة إلى التاريخ الذي تم فيه العقد ،دون إخلال بحقوق الغير»
رابعـا: المنع من التصرف:
قد يكون المنع من التصرف مصدره القانون و ذلك ما نصت عليه المادة 244 من القانون التجاري التي تمنع التاجر بمقتضاها في حالة توقفه عن الدفع وشهر افلاسه إدارة أو التصرف في أمواله و قد حددت المادة 247 من القانون التجاري الأعمال التي تهدف إلى الإضعاف من الضمان العام لمجموعة الدائنين و جعلها غير سارية في حقهم و من بينها تقرير حقوق الرهن على بعض أمواله.
ولا يقتصر الأمر على شخص التاجر بل يشمل أيضا غير التاجر مثلما نصت عليه المواد 191 و 196 في فقرتها الأولى من القانون المدني التي جعلت تصرفات الأشخاص المعسرين غير سارية في اتجاه مجموعة الدائنين متى كانت قد أبرمت في فترة الإعسار.
أما كون المنع من التصرف مصدره الاتفاق أو الإرادة المنفردة فإن المشرع الجزائري على عكس التشريعات العربية(1) التي أقرت شرط المنع من التصرف بشرط أن يكون له باعث مشروع أو مقصور على مدة معقولة و يثير سكوت المشرع على مثل هذا الشرط غموضا لا يفهم منه إن كان يأخد بهذا الشرط أم لا. و يرى في هذا الشأن الأستاذ أحمد وحيد الدين سوار أن إغفال النص على هذا الموضوع و السكوت عليه يفيد بأن المشرع يريد الأخذ بما انتهى إليه الفقه الإسلامي الذي يقر هذا الشرط(2).
و السؤال الذي يطرح هو: ما هو أثر المنع في أهلية الراهن، هل يؤدي لاعتبار الراهن عديم الأهلية، فيقع الرهن الذي قرره باطلا؟
لا يترتب على ذلك زوال التصرف و إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كان عليها قبل العقد، بل هو نوع من عدم نفاذ التصرف في حق جماعة الدائنين مع بقائه صحيحا بين المفلس و من تصرف إليه. فتوقف التاجر عن الدفع أو شهر إفلاسه لا يؤثر في أهليته في إبرام الرهن و لا يجعل الرهن باطلا، إنما يجعله غير نافذ في حق جماعة الدائنين(3).
فالمنع من التصرف سواء كان مصدره الإتفاق أو القانون لا يؤثر في أهلية المالك لأن الذي يؤثر في الأهلية هو العارض الذي يؤثر في التمييز فيعدمه أو ينقص منه، و عوارض الأهلية حددها القانون في الجنون و العته و السفه و الغفلة، أما المنع من التصرف فليس بعارض يعيب الشخص في تمييزه فيؤثر في أهليته لأن الشخص يكون كامل الأهلية فتنشأ ظروف تفرض منعه من التصرف بمال يملكه. ثم لو فرضنا أنه يؤثر في أهلية المالك فمعنى ذلك أنه يمكن أن ينوب عنه نائب يباشر عنه حقه الممنوع و هذا يهدد الحكمة من قيام هذا الشرط(4).
(1) نصت المادة 823 مدني المصري«إذا تضمن العقد أو الوصية شرط يقضي بمنع التصرف في مال فلا يصح هذا الشرط ما لم يكن مبنيا على باعث مشروع أو مقصور على مدة معقولة»
(2) أشار لهذا الرأي أ/إبراهيم بن غانم – نفس المرجع السابق - ص 28
(3) أ/حسين عبد اللطيف حمدان – نفس المرجع السابق - ص 87
(4) أ/حسين عبد اللطيف حمدان – نفس الموضع
الفرع الثاني: العقار(1) المرهون:
العقار و هو محل الرهن الحيازي و في ذلك تنص المادة 949 (2) من القانون المدني«لا يكون محلا للرهن الحيازي إلا ما يمكن بيعه استقلالا بالمزاد العلني من منقول أو عقار» و يلاحظ على هذا النص أن المشرع إقتصر فيه على ذكر شرط واحد وهوأن يكون الشئ المرهون مما يمكن بيعه استقلالا بالمزاد العلني و لم يتطرق إلى شرطي التعيين الكافي للعقار و الملكية أسوة بالرهن الرسمي.
و لمزيد من التفصيل سنتعرض بالدراسة إلى للشروط التالية:
أولا: يجب أن يكون العقار قابلا للبيع:
و مفاد هذا الشرط ألا يكون خارجا من دائرة التعامل بحكم القانون طبقا للمادة 682 من القانون المدني، و على ذلك لا يمكن رهن العقار المصنف ضمن الأملاك العامة لأنه لا يمكن التصرف فيه.و الحكمة من اشتراط كون العقار قابلا للبيع بالمزاد العلني هو تمكين الدائن المرتهن في حال عدم الوفاء بالدين في بيع العقار المرهون و استيفاء دينه من ثمنه(3).
فإذا كان العقار غير جائز التعامل فيه فإنه يتعذر التنفيذ عليه و بيعه بالمزاد العلني فتتعطل بذلك الغاية من الرهن.
و لذلك لا يجوز إنشاء الرهن على العقارات التي لا تقبل البيع كالعقارات التابعة لأملاك الدولة أو العقارات الموقوفة. و لما كانت قابلية العقار المرهون للبيع بالمزاد العلني شرط في المال المرهون فإن إنشاء الرهن على العقارات بالتخصيص(4) غير جائز، و ذلك برهنها مستقلة عن العقار الذي خصصت له، أما إذا كان هذا العقار غير مرهون جاز للمالك أن يفصل العقارات بالتخصيص و يرهنها مستقلة رهن حيازي.و إذا كان العقار الأصلي قد رهن رسميا و رهن العقار بالتخصيص رهنا حيازيا كان لمرتهن العقار رهنا رسميا أن يتتبع العقار بالتخصيص مالم يتسلمه المرتهن.
ثانيـا: يجب أن يكون العقار معينا تعينا كافيا:
لم يرد ضمن أحكام الرهن الحيازي نص على وجوب تعيين العقار المرهون كنص المادة 886 من القانون المدني المتعلقة بالرهن الرسمي، حيث جاء في المادة 886 «... و يجب أن يكون العقار المرهون...معينا بالذات تعيينا دقيقا...». و هذا الحكم يقرر مبدأ تخصيص الرهن من حيث العقار المرهون، و الهدف من تقرير التخصيص هو القضاء على الرهن العام الذي يرد على أموال المدين برهن كل عقاراته لكن مع تخصيص كلا منها. فيذكر في عقد الرهن الحيازي كل عقار يرهنه بالذات(5) .
(1) عرف المشرع الجزائري العقار بنص المادة 683/1 قانون مدني«كل شيء مستقر بحيزه و ثابت فيه و لا يمكن نقله معه دون تلف فهو عقار ، و كل ما عدا ذلك من شيء فهو منقول»
(2) تقابلها المادة 1097 من القانون المدني المصري
(3) أ/ حسين عبد الطيف حميدان - نفس المرجع السابق ص 156
(4) عرف المشرع الجزائري العقار بالتخصيص بنص المادة 683/2 قانون مدني«غير أن المنقول الذي يضعه صاحبه في عقار يملكه ،رصدا على خدمة هذا العقار أو استغلاله يعتبر عقارا بالتخصيص»
(5) أ/ محمدي سليمان - مجموعة محاضرات ألقيت على طلبة الليسانس - السنة الثالثة كلية الحقوق و العلوم الإدارية –بن عكنون- الجزائر السنة الدراسية 2000- 2001
و تعيين العقار يجب أن يكون دقيقا من حيث طبيعته و موقعه و في ذلك تنص المادة 93 في فقرتها الخامسة من المرسوم 63-76 المتعلق بتأسيس السجل العقاري اشترطت تعيين العقار طبقا للمادة 66 من نفس المرسوم التي نصت على مايلي «كل عقد أو قرار قضائـي موضوع إشهار في محافظة عقارية يجب أن يبين فيه بالنسبة لكل عقار يعينه النوع و البلدية التي تقع فيها و تعيين القسم و رقم المخطط و المكان المذكور...».
و إذا أغفل أحد البيانات و لم يمنع هذا من اعتبار العقار معينا تعينا دقيقا فلا أثر لهذا الإغفال، إذ الفكرة بتعيين العقار. و التعيين هو من طبيعة الرهن الحيازي لأن الرهن لا ينفذ في حق الغير إلا بتسليم العقار المرهون و بقيده في السجل العقاري طبقا لنص المادة 966 من القانون المدني.
و يشمل رهن العقار رهنا حيازيا ملحقاته و ثماره كذلك استنادا إلى أن تسليم الشيء المرهون تسري عليه أحكام تسليم الشئ المبيع طبقا للمادة 951 في فقرتها الثانية من القانون المدني، و تسليم الشيء المبيع يشمل تسلم ملحقاته و هي كل ما أعد بصفته دائمة لاستعمال هذا الشئ.
و يأخذ على المشرع الجزائري عدم النص عليها في أحكام الرهن الحيازي(1) أو الإحالة على نص المادة 887 من القانون المدني المتعلقة بالرهن الرسمي و التي تنص على «يشمل الرهن ملحقات العقارالمرهون التي تعتبر عقارا و يشمل بوجه خاص حقوق الإرتفاق و العقارات بالتخصص و كافة التحسينات و الإنشاءات التي تعود بالمنفعة على المالك، ما لم يتفق على غير ذلك مع عدم الإخلال بامتياز المبالغ المستحقة للمقاولين و المهندسين المعماريين المنصوص عليه في المادة 997 » و لكننا نرى أنه ليس هناك ما يمنع من تطبيقها على الرهن الحيازي العقاري.
ففيما يتعلق بالملحقات فإنه يشملها الرهن الحيازي العقاري وتكون مرهونة رهنا حيازيا كالعقارالأصلي و يجب تسليمها للدائن المرتهن رهنا حيازيا. و يقصد بشمول الرهن لملحقات العقار المرهون أن الدائن عند اتخاذ إجراءات التنفيذ على العقار فإنه ينفذ أيضا على ملحقاته و يستوفي حقه من ثمن العقار و من ثمن الملحقات. و لقد أعطى المشرع أمثلة لما يعتبر من ملحقات العقار في نص المادة 887 من القانون المدني و منها العقارات بالتخصيص، حقوق الإرتفاق، التحسينات و المنشآت، و يلاحظ أن الملحقات المشار إليها في هذا النص ليست واردة على سبيل الحصر كما أن هذا النص ليس من النظام العام فيجوز للمتعاقدين استبعاد البعض منها أو كلها من ضمان الدائن، و إذا وجد اتفاق من هذا القبيل فالإتفاق هو الذي يطبق و إن لم يوجد طبق نص المادة 887 من القانون المدني(2) و يعتبر من ملحقات العقار:
(1) و في ذلك جارى المشرع الجزائري المشرع المصري على عكس المشرع الأردني الذي نص على ذلك بموجب المادة 383 من القانون المدني الأردني«يشمل الرهن الحيازي كل ما يشمله البيع من ملحقات متصلة بالمرهون» و كذا المشرع الكويتي نص بالمادة 1031 من القانون المدني الكويتي«يشمل الرهن الحيازي ملحقات الشيء المرهون»
(2) أ/ محمدي سليمان – نفس المرجع السابق
1-حقوق الإرتفاق: يشمل الرهن الحيازي حقوق الارتفاق المقررة لخدمة العقار المرهون سواء نشأت هذه الحقوق قبل الرهن أو بعده، مع الملاحظة أنه لا يمكن رهنها مستقلة عن العقار المخدوم.
فحق الإرتفاق يتبع العقار الذي يخدمه ولا ينفصل عنه فتكون حقوق الإرتفاق مرهونة رهن حيازة مع العقار الأصلي(1) .
2-العقارات بالتخصيص: و هي منقولات بطبيعتها رصدت لخدمة العقار، ولاكتساب هذه المنقولات صفة العقار يجب أن يكون تخصيصها تخصيص عيني أي تخصيص لخدمة العقار و ليس تخصيص شخصي لصاحب العقار ،و يجب كذلك أن يكون مالك العقار المرهون هو نفسه مالك المنقول(2)
و يستوي أن يكون العقار بالتخصيص موجودا وقت رهن الحيازة أو وجد بعد ذلك ،و إذا فصل العقار بالتخصيص عن الرهن الحيازي بعدما كان مرهون ثم فصله الراهن و باعه و سلمه للمشتري ،قإن المشتري إذا كان حسن النية تملك العقار بالتخصيص الذي أصبح منقول . و لكن يجوز للدائن المرهون رهن حيازة أن يحجز على الثمن و هو في يد المشتري إذا كان هذا لم يدفعه بعد ،و يستطيع الدائن المرتهن رهن حيازة أن يعارض في تسليم العقار بالتخصيص للمشتري إذا كان هذا الأخير لم يستلمه بعد(3).
3-التحسينات و المنشآت : و يقصد بها كل ما يلحق العقار المرهون من زيادة مادية بفعل الإنسان أو بفعل الطبيعة كتراكم الطمي الذي يزيد في مساحة الأرض و ما يقوم به مالك العقار بنفسه كتوسيع غرف المنزل أو أعداد حديقة له أو بناء طابق جديد. فكل ذلك يعتبر إنشاءات تتبع الشيء المرهون و تدخل في الرهن الحيازي. و الرهن يمتد ليشمل هذه المنشآت بقوة القانون حتى و لو أنشأت بعد قيد الرهن ،و تصبح مرهونة أيا كانت قيمتها و لو فاتت قيمة العقار المرهون في الأصل شريطة أن يكون مالك المنشآت هو مالك العقار المرهون.
4-الثمار: أما فيما يتعلق بالثمار فإن الدائن المرتهن رهن حيازة للعقار يستلم العقار المرهون و متى استولى عليه فإنه يستولي أيضا على ثماره و الثمار إما أن تكون مستحدثة بفعل الإنسان كالمحصولات الزراعية و غيرها ،و إما أن تكون طبيعية كنتاج الحيوانات أو مدنية. و تدخل هذه الثمار ضمن ما قبضه المرتهن رهن حيازة ويحاسب الراهن عليها.
و تلحق هذه الثمار بمجرد تسليم هذا العقار إلى الدائن أو الغير الذي أختاره المتعاقدين فيكون له قانونا أن يحبسها و يستوفي الدائن حقه منها ،و في هذا يختلف الرهن الحيازي العقاري عن الرهن الرسمي الذي لاتلحق فيه ثمار العقار المرهون به إلا من وقت من وقت تسجيل تنبيه نزع الملكية(4) .
(1) د/عبد الرزاق أحمد السنهوري - نفس المرجع السابق ص 895 بند 520 و محمدي سليمان – نفس المرجع السابق - ص 16
(2) أ/ محمدي سليمان – نفس المرجع السابق
(3) د/عبد الرزاق أحمد السنهوري - نفس المرجع السابق ص 895 بند 520
(4) عبد الناصر توفيق العطار نفس المرجع السابق – ص 195
و قد يحدث و أن يحل الدين المضمون قبل أن يستوفي الدائن المرتهن على الثمار .عند ذلك يرى الأستاذ الدكتور أحمد عبد الرزاق السنهوري «يترتب على تسجيل تنبيه نزع ملكية العقار الأصلي المرهون أن يلحق بالعقار ما يغله من ثمار و إيراد عن المدة التي أعقبت التسجيل و يجري في توزيع هذه الغلة ما يجري في توزيع ثمن العقار ،فإذا كانت الثمار مدنية فما يستحق منها عن المدة اللاحقة لتسجيل التنبيه إلى وقت رسو المزاد يلحق بالعقار و يوزع كما يوزع ثمن العقار المرهون نفسه. أما إذا كانت الثمار مستحدثة أو طبيعية فلا تلحق بالعقار إلا بنسبة المدة التي أعقبت التسجيل إلى كل المدة التي بقيت فيها الثمار في الأرض ذلك أنه لا مبرر للتفرقة بين الثمار المدنية و بين الثمار المستحدثة أو الطبيعية ،و ما دامت هذه الثمار المستحدثة أو الطبيعية بقيت في الأرض قبل التسجيل فإن ما يقابل هذه المدة يكون من حق الراهن(1)»
ثالثا: أن يكون العقار مملوكا للراهن :
باعتبار الرهن الحيازي العقاري بمثابة التصرف في العقار لذلك يشترط فيمن يتصرف فيه أن يكون مالكه أو صاحب حق عيني عليه كحق الانتفاع(2) سواء كان الراهن مدينا أو كفيلا عينيا ،انطلاقا من قاعدة عدم جواز التصرف في ملك الغير ، كما أنه لا يمكن له إعطاء حق عليه لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
هذا و أن الرهن يتأثر بكل الخالات التي هي عليها ملكية الراهن ،فأن كان الراهن حيازة مالك تحت شرط فاسخ Condition Résolutoire و لم يتحقق الشرط فإن الراهن يصبح مالكا بشكل بات لعدم تحقيق الشرط ،و رهنه يصبح باتا أيضا . أما إذا تحقق الشرط فإن الراهن يزول ملكيته بأثر رجعي ،و يعتبر غير مالك للمال من أول الأمر و يزول رهنه بأثر رجعي للشرط الفاسخ.
أما إذا كان الراهن مالك تحت شرط واقف Condition Suspensiveو لم يتحقق الشرط ،فإن الراهن يعتبر غير مالك أصلا لعدم تحقق الشرط فيزول رهنه بأثر رجعي ،أما إذا تحقق الشرط الواقف فإن الراهن يعتبر مالك بأثر رجعي من أول الأمر و يعتبر رهنه صحيحا كذلك من أول الأمر(3).
و على ذلك فأن تحقق الشرط الفاسخ أو عدم تحقق الشرط يؤديان إلى زوال الملكية بأثر رجعي عن المالك و بالتالي يزول رهنه بأثر رجعي كذلك.
1- رهن العقار المملوك على الشيوع :
طبقا للمادة 714 في فقرتها الأولى من القانون المدني تنص على أنه«كل شريك في الشيوع يملك حصته ملكا تاما و له أن يتصرف فيها....» و قد نص المشرع الجزائري على الرهن العقاري المملوك رسميا في المادة (4)890 من القانون المدني بينما لم يحل على تلك الأحكام فيما يتعلق بالرهن الحيازي العقاري.
(1) د/عبد الرزاق أحمد السنهوري - نفس المرجع السابق ص 896 بند 520
(2) H.Mezeaud. J.Mazeaud .F Chabas . op.cit.p 174
(3) د/عبد الرزاق أحمد السنهوري - نفس المرجع السابق ص 875 بند 520
(4) أنظر المادة 890 من القانون المدني الجزائري
و على ذلك فإننا نرى بإمكانية تطبيق هذه الأحكام مع مراعاة خصوصيات الرهن الحيازي العقاري ما دام أن الشريك يعتبر مالكا لحصته و له حق التصرف فيها و بالتالي فإن الرهن الصادر عنه يعتبر رهنا صحيحا بشرط ألا يلحق ضررا بباقي الشركاء الآخرين.
و يأخذ رهن العقار المملوك الشيوع ثلاث فرضيات أو حالات و هي :
أ- أذا كان الرهن صادر من جميع الشركاء : فهو رهن صحيح لأنه صادر من ملاك إلا أن مصيره يتوقف على نتيجة القسمة .فإذا وقع العقار المرهون كله في نصيب أحد الشركاء أو بعضهم نفذ الرهن بنسبة حصصهم الأصلية و أعتبر بالنسبة لحصص باقي الشركاء و اردا على ملك الغير و هو رأي من لا يقر بفكرة الحلول العيني في هذا المجال حيث يرى الأستاذ سليمان مرقس«أن حكم المادة 1039 في فقرتها الأولى من القانون المدني هو خاص بالرهن الرسمي و لا يطبق إلا عليه لأنه ورد استثناء من القواعد العامة وورد في نصوص الرهن الرسمي و لم ترد الإحالة عليه لتطبيقه على الرهن الحيازي فيتعين قصره على الرهن الرسمي»(1).
و نحن لا نرى في هذا الحل مبررا طالما أن الرهن منذ البداية صادر من جميع الشركاء على الشيوع و عليه ينبغي إكمال فكرة الحلول العيني و هو مذهب الكثير من شراح القانون المصري الذي تتفق فيه أحكام المادة 1039 في فقرتها الثانية مدني المصري مع المادة 890 في فقرتها الثانية مدني جزائري حيث يرون سريان الحلول العيني في رهن الحيازة تطبيقا للقواعد العامة ،و قد أورد السنهوري نصا للأستاذ محمد كمال مرسي جاء فيه «و نرى الأخذ بالأحكام المقررة في الرهن الرسمي في المادة 1039 لاستعمال حق الحلول العيني ،في رهن الحيازة وهي أولا : أن سيتصدر الدائن المرتهن أمرا على عريضة يعين به القاضي القدر الذي يقع عليه الرهن. ثانيا: أن يقوم الدائن باجراء قيد جديد يبين القدر الذي انتقل إليه الرهن حلال تسعين يوما من الوقت الذي يخبره فيه أي ذي شأن بتسجيل القسمة»(2).
ب- إذا كان الرهن صادر من شريك على الشيوع لجزء مفرز : و يعتبر كذلك رهنا صحيحا و لا ينفذ في حق غيره إلا إذا حاز المرتهن الجزء المفرز و تمت القسمة ووقع الجزء المفرز في نصيب الراهن.
و تنص المادة 714 في فقرتها الثالثة من القانون المدني«و للمتصرف إليه إبطال التصرف إذا كان يجهل أن المتصرف لا يملك العين المتصرف فيها مفرزة». فإذا لم يكن المرتهن يعلم بحالة الشيوع حيازة له طلب الإبطال.
(1) د/عبد الرزاق أحمد السنهوري - نفس المرجع السابق بند 518 ص 891
(2) د/عبد الرزاق أحمد السنهوري - نفس الموضع
و إذا وقع عند القسمة الجزء المرهون في نصيب شريك آخر لا ينفذ في مواجهته و إنما حق الدائن المرتهن ينتقل إلى الجزء الذي وقع في نصيب الراهن طبقا لما تنص عليه المادة 890 في فقرتها الثانية «وإذا رهن أحد الشركاء حصته الشائعة في العقار أو جزءا مفرزا من هذا العقار ،ثم وقع في نصيبه عند القسمة أعيان غير التي رهنها انتقل الرهن بمرتبة إلى الأعيان المخصصة له بقدر يعادل العقار الذي كان مرهونا في الأصل ،و يبين هذا القدر بأمر على عريضة ،ويقوم الدائن المرتهن بإجراء قيد جديد يبين فيه القدر الذي انتقل إليه الرهن خلال تسعين يوما من الوقت الذي يخطر فيه أي ذي شأن بتسجيل القسمة و لا يضر انتقال الرهن على هذا الوجه برهن صدر من جميع الشركاء و لا بامتياز المتقاسمين».
ج- أما إذا رهن أحد الشركاء على الشيوع حصة شائعة: فإن هذا الرهن أيضا يعتبر صحيحا بإعتبار أن كل شريك يملك حصته ملكا تماما، و لكنه لا ينفذ في حق الغير إلا إذا أمكن الدائن المرتهن أن يحوز الحصة الشائعة، و لكن إذا وقع في نصيبه بعد القسمة جزء مفرز مساوي للحصة الشائعة المرهونة فإن حق الدائن المرتهن يرد على هذا الجزء بمقتضى فكرة الحلول العيني، أما إذا وقع بعد القسمة كل العقار من نصيب الشريك فحق الدائن أيضا يبقى مضمون.
و لكن إذا وقع بعد القسمة في نصيب الراهن عقار آخر غير الذي رهنه أو جزء مفرز من عقار غير العقار الذي رهنه فإن المشرع قرر انتقال حق الدائن المرتهن إلى ما وقع في نصيب الراهن.
أما إذا لم يقع في نصيب الراهن أي جزء من العقار و إنما كان نصيبه بعد القسمة مبلغ من النقود فالمنطق و حماية الدائن المرتهن يقتضيان أن يستوفي حقه بالأفضلية من تلك النقود رغم انقضاء حق التتبع.
- الرهن الصادر من المالك الظاهر: هو الشخص الذي لا يملك العقار حقيقة و لكن توفرت له مظاهر الملكية، فما هو مصير الرهن الذي يعقده مثل هذا المالك؟
انقسم الفقه إلى قسمين(1):
رأي 1: الرهن لا ينفذ في حق الملك الحقيقي و هو قابل للإبطال.
رأي 2: وجوب حماية الدائن المرتهن الذي أطمأن للوضع الظاهر فقبل الرهن و هو يعتقد صحته.
وهذا الرأي الأخير جدير بالتأييد لأنه يوفر الأمن في التعامل و الثقة في المعاملات لاسيما اعتماد الدائن المرتهن في رقابة ملكية المدين للعقار إلى القيد في السجل العقاري وبهذه الاعتبارات أخذ المشرع الجزائري بمبدأ حماية الأوضاع الظاهرة(2).
هذا و توجد ثلاث فئات للمالك الظاهر و هي:
(1)- أشار لهذين الرأيين الأستاذ حسن عبد الطيف حمدان – نفس المرجع السابق – بند 117 - ص 163 .
(2)- أنظر المواد 76 و198 و268 من القانون المدني الجزائري.
أ-الوارث الظاهر: و هو من يعتقد في نفسه و يعتقد الناس فيه أنه وارث حقيقي للمورث ثم تبين أنه ليس كذلك لوجود وارث آخر يحجبه حجب حرمان، و الرهن الذي أبرمه الوارث الظاهر يكون رهنا صحيحا و يجوز للمرتهن أن يتمسك بهذا الرهن إن كان حسن النية بأن أعتقد وقت التعاقد أن الوارث هو وارث حقيقي للعقار، و له في هذه الحالة التمسك بالرهن ضد الوارث الظاهر و ضد الوارث الحقيقي(1).
ب- المالك الظاهر بسند صوري:و سند ملكيته هو عقد صوري كبيع أو هبة كأن يبيع شخص لآخر عقار بعقد صوري متخذ ورقة ضد في العقد الحقيقي فالمشتري بعقد صوري يظهر أمام الجميع أنه اشترى بعقد حقيقي و أن العقار المبيع أصبح ملكا له مادام قد أشهر. فإذا رهن العقار كان رهنه صحيحا إذا كان الدائن المرتهن حسن النية أي يعتقد أن الراهن هو المالك الحقيقي و له أن يتمسك بهذا الرهن ضد المالك الظاهر و المالك الحقيقي.
ج-المالك الظاهر باسم مستعار: و هو من يشتري باسمه مالا لحساب شخص آخر كأن يشتري الوكيل باسمه هو لا باسم موكله عقارا متفقا مع موكله على ذلك، فيكون في نظر الناس هو المالك لهذا العقار.
فإذا رهن العقار كان رهنه صحيحا إذا كان حسن النية و له التمسك به في مواجهة الاسم المستعار و في مواجهة المالك الحقيقي.
3- رهن ملك الغيـر:و يقصد به الرهن الصادر من شخص لا يملك العقار المرهون و في هذا الصدد لم يحلنا المشرع الجزائري على نص المادة 884(2) من القانون المدني كما يعاب عليه عدم تنظيمه لرهن ملك الغير رهنا حيازيا مثلما فعل في بيع ملك الغير و الذي لم يحلنا إلى أحكامه .لذلك يطرح التساؤل حول حكم هذا الرهن ،ففي حالة وقوعه كيف سيتسنى للدائن المرتهن عند حلول أجل الدين و عدم استيفاءه الدين الحق في بيع العقار المرهون بالمزاد العلني و من تمة نقل الملكية من المدين إلى الراسي عليه المزاد إذا كان هذا العقار غير مملوك له؟
إن الرهن باعتباره من أعمال التصرف فهو يتحد مع البيع في هذه الطبيعة ،لكننا لايمكننا أن نقيس الأحكام الواردة في بيع ملك الغير(3) على رهن ملك الغير و عليه لايمكن القول أنه من حق الدائن المرتهن المطالبة بإبطال العقد على أساس عدم ملكية الراهن للعقار المرهون.
و عليه و إعمالا لقاعدة لابطلان إلا بنص فإننا نرى أنه إذا رهن المدين أو الكفيل العيني عقارا لا يملكه فإن العقد لا يكون نافذا في حق المالك و إن كان صحيحا بين الطرفين طالما مكن المدين الدائن المرتهن من حيازة العقار المرهون. إلا انه و في حالة عدم تنفيذ الراهن التزامه بتسليم العقار المرهون إلى الدائن المرتهن هنا نرى بإمكانية إعمال الفسخ لعدم تنفيذ المدين التزامه و بالتالي يحل أجل الدين.
(1) – أ/ حسن عبد الطيف حمدان – نفس المرجع السابق – بند 116 - ص 156 و د/عبد الرزاق أحمد السنهوري - نفس المرجع السابق بند 513 ص 881 .
(2) –تنص المادة 884 من القانون المدني«يجوز أن يكون الراهن هو المدين نفسه أو شخص آخر يقدم رهنا لمصلحة المدين و في كلتا الحالتين يجب أن يكون الراهن مالكا للعقار المرهون و أهلا للتعرف فيه»
(3) تنص المادة 1023 مدني المصري«إذا كان الراهن غير مالك للعقار المرهون فإن عقد الرهن يصبح صحيحا إذا أقرد المالك الحقيقي»
لكن إذا وقعت الإجازة من المالك الحقيقي فإنها تجعل الرهن صحيحا و يصبح الراهن في هذه الحالة هو المالك الحقيقي الذي يكون حينئذ بمثابة كفيل عيني.
4-زوال ملكية الراهن بأثر رجعي: قد يحدث بعد الرهن أن تزول ملكية الراهن للعقار المرهون بأثر رجعي بسبب إبطال عقد شرائه أو إلغائه أو بغير ذلك من الأسباب المؤدية لزوال الملكية بأثر رجعي.
و في هذا الصدد تنص المادة 885 من القانون المدني «يبقى صحيحا لمصلحة الدائن المرتهن الرهن الصادر من المالك الذي تقرر إبطال سند ملكيته أ و فسخه أو إلغاؤه أو زواله لأي سبب آخر إذا ثبث أن الدائن كان حسن النية وقت إبرام عقد الرهن». و الملاحظ على هذا النص أنه يخالف القواعد العامة إذ يصحح رهنا صدر من غير مالك فالراهن قد أبطل سند ملكيته أو فسخ بأثر رجعي لذلك يجب قصر هذه المادة على الرهن الرسمي و عدم تعميمها على الرهن الحيازي العقاري(1) .
و لا يوجد نص يجعل هذا النص ينطبق أيضا في حال الرهن الحيازي العقاري .إلا أنه بالرجوع للمادة 86 من المرسوم 76/63 المتعلق بتأسيس السجل العقاري التي تنص على أنه «إن فسخ الحقوق العينية العقارية أو إبطالها أو إلغائها أو نقضها عندما ينتج أثرا رجعيا لا يحتج به على الخلف الخاص لصاحب الحق المهدر...».
و باعتبار الدائن المرتهن رهنا حيازيا خلفا خاصا للمدين الراهن فإنه لا يؤثر زوال ملكية الرهن بأثر رجعي في بقاء الرهن الحيازي.
5- رهن الملك المستقبل: كما أذا رهن شخص ما يؤول إليه من عقار عن طريق الميراث أو العقار الذي ينوي شراءه في وقت لاحق.
و في هذا الصدد تنص المادة 1098 من القانون المدني المصري«....على الرهن الحيازي أحكام المادة 1033...المتعلقة بالرهن الرسمي» و تنص المادة 1033 في فقرتها الثانية«...ويقع باطلا رهن المال المستقبل» وبذلك يكون المشرع المصري قد حسم الموقف.
أما بالنسبة للتشريعات التي يعتبر التسليم فيها ركن في العقد كالتشريع اللبناني و الفرنسي فإن جزاء رهن الملك المستقبل هو البطلان المطلق لأن من مقتضيات الرهن أن يسلم الراهن العقار المرهون للدائن المرتهن و إن تعذر التسليم كان الرهن باطلا بطلانا مطلقا لتخلف ركن من أركانه.
(1) د/عبد الرزاق أحمد السنهوري - نفس المرجع السابق بند 519 ص 893
أما بالنسبة للمشرع الجزائري فلم يحسم الموقف بنص قانوني لذلك نسترشد بتطبيق القواعد العامة ،و في هذا الصدد تنص المادة 392 في فقرتها الأولى من القانون المدني«يجوز أن يكون محل الالتزام شيء مستقبلا محقا» فطبقا لهذا النص الأصل هو صحة التصرف في الأموال المستقبلية و الاستثناء هو البطلان، ومن شروط محل الرهن الحيازي أن يكون قابلا للبيع بالمزاد العلني طبقا للمادة 949 من القانون المدني و من شروط المحل القابل للبيع بالمزاد أن يكون معينا تعيينا دقيقا هذا من جهة و من جهة أخرى المادة 93 في فقرتها الخامسة من المرسوم 76/63 المتعلق بتأسيس السجل العقاري اشترطت تعيين العقار طبقا للمادة 66 من نفس المرسوم التي تنص «كل عقد أو قرار قضائي موضوع اشهار بالمحافظة العقارية يجب أن يبين فيه بالنسبة لكل عقار يعينه النوع و البلدية التي يقع فيها و تعيين القسم و رقم المخطط و المكان...»
و على ذلك لا يمكن تصور رهن عقار رهنا حيازيا لازال لم يبنى بعد لعدم إمكانية تعيينه تعيينا دقيقا كما حددته المواد السابقة الذكر أعلاه إعمالا لقاعدة تخصيص الرهن و على ذلك يقع باطلا.
الفرع الثالث: الدين المضمون
يعتبر عقد الرهن الحيازي عقد تبعي أنشئ لضمان الوفاء بالدين و أن وجود الدين المضمون ليس شرطا لوجود الرهن و حسب بل هو أيضا عنصر لتكييفه إن كان مدنيا أم تجاريا.
و قد أحالت المادة 950 من القانون المدني إلى المادة 891 من القانون المدني المتعلقة بالرهن الرسمي التي تنص على أنه«يجوز أن يترتب الرهن ضمانا لدين معلق على شرط أو دين مستقبلي أو دين احتمالي كما يجوز أن يترتب ضمانا لاعتماد مفتوح أو لفتح حساب جار على أن يتحدد في عقد الرهن مبلغ الدين المضمون أو الحد الأقصى الذي ينتهي إليه هذا الدين»
فيصح أن يعقد الرهن لضمان الإلتزامات أيا كان أوصافها سواء كان الالتزام منجزا أو معلق على شرط أو مقترنا بأجل أو مستقبلي أو احتمالي ،على أنه عملا بمبدأ تخصيص الرهن يجب أن يذكر في عقد الرهن أو في وثيقة لاحقة مبلغ الدين المضمون أو الحد الأقصى الذي ينتهي إليه الدين.
أولا: شروط الدين المضمون بالرهن:
يشترط في الدين المضمون بالرهن أن يكون موجودا و صحيحا قابلا للتنفيذ الجبري و محددا.
1-يجب أن يكون الدين المضمون موجودا و صحيحا: سبق التقديم أن الدين هو سبب الرهن لذلك فإن الدين لازم لوجود الرهن، فالرهن حق تابع ينشأ لضمان الوفاء فلا يتصور وجود الرهن دون وجود الحق المضمون به، و لا يتوافر هذا الشرط إلا إذا كان الدين المضمون قد تشأ صحيحا قبل الرهن و بقي قائما إلى حين انعقاد الرهن، فإذا كان الدين غير موجود وقت الرهن وقع الرهن باطلا و على هذا لا يجوز عقد الرهن لضمان دين نشأ عن عقد باطل لأنه في حكم غير الموجود و لا من أجل دين انقضى قبل الرهن لأي سبب من أسباب الإنقضاء كالوفاء(1) على أنه لا يشترط في وجود الدين المضمون أن يكون منجزا، بل يجوز أن يكون دينا معلق على شرط أو دين مستقبلي أو دين إحتمالي كما في تقرير الرهن لفتح إعتماد أو من أجل حساب جار.
2- يجب أن يكون الدين المضمون قابلا للتنفيذ الجبري:و هو ما يدفعنا للبحث في مسألة نوع الإلتزام الذي يصلح أن يكون مضمونا بالرهن.
الأصل أن كل التزام صالح أن يكون مضمونا بالرهن إذ لا يهم فيما إذا كان الإلتزام المضمون هو التزام بدفع مبلغ من النقود أم التزام بالقيام بعمل أو الإمتناع عنه.
و لا يهم أن يكون مصدره تصرف قانوني أو واقعة قانونية، ولا يهم أيضا أن يكون العقد منجزا أو مقترنا بأجل أو بات أو معلق على شرط واقف أم فاسخ، و يصح أن يكون الرهن ضامنا لألتزام مستقبلي، كفتح إعتماد كما يصح أن يكون الإلتزام المضمون مجرد احتمالي كفتح حساب جاري ففي جميع هذه الأحوال
يصح أن يكون محلا للضمان.
(1) أ/عبد اللطيف حمدان – نفس المرجع السابق بند 123 – ص 184
أما الإلتزام الطبيعي فلا يصلح أن يكون الرهن ضمانا له، لأنه يشترط في الدين المضمون أن يكون من الديون التي يمكن إجبار المدين على تنفيذها، و على ذلك لا يمكن تقرير الرهن لضمان إلتزام طبيعي لأن هذا الأخير لا يقبل التنفيذ الجبري.
3-يجب أن يكون محددا: إن نص المادة 891 من القانون المدني التي أحالت إليها المادة 950 من القانون المدني تقضي بجواز ورود الرهن على ضمان التزام مستقبلي أو مجرد احتمالي مما يوحي للوهلة الأولى أن الإلتزام المضمون غير خاضع لمبدأ التخصيص. لكن بقراءة النص بتأني نجد أنه في آخر المادة جاء فيها «...على أن يتحدد في عقد الرهن مبلغ الدين المضمون أو الحد الأقصى الذي ينتهي إليه هذا الدين».
لذلك فإننا نقول بوجوب اخضاع الإتزام المضمون لمبدأ التخصيص في عقد الرهن و في القيد. فحرص المشرع في المادة 891 من القانون المدني لا يفيد تخصيص الإلتزام و لو في حده الأقصى، لأنه من الناحية العملية إذا حدد الإلتزام المضمون في حده الأقصى ثم تبين أن العقار المرتهن أكثر بكثير من الدين المضمون فلا يحق تخفيض هذا الرهن بل يبقى الدين مضمون بالرهن كله و إن تبين العكس أن العقار المرهون أقل بكثير من الدين المضمون فلا يضمن إلا به، و معنى ذلك أن الدين ثابتا معروفا منذ البداية كل ما في الامرأنه قد يناسب قيمة المرهون، أو قد لا يناسبه كأن يكون أقل منه أو أكثر منه قيمة (1)
إذن فتحديد الحد الأقصى الذي ينتهي إليه هذا الدين لا يفيد في الحقيقة التخصيص و بذلك فلا يجوز أن يعقد الرهن الحيازي لضمان كل الديون التي تثبت في ذمة المدين في أية مدة . وعلى ذلك يجب أن يتحدد الدين المضمون بـ:
أ- مقداره: و ذلك بتحديد الدين المضمون أو بتحديد الحد الأقصى الذي يصل إليه إذا كان الدين مستقلا كاعتماد مفتوح في مصرف فلم يسحب منه المدين شيئا، أو كان دينا احتماليا كفتح حساب جار يحتمل أن يكون رصيده دائنا أو مدينا و إذا كان الدين المضمون بالرهن الحيازي هو تعويض عن عمل غير مشروع لم يتحدد مقداره بعناصره أما في القيد فيجب تحديد مبلغ تقريبي ينتهي إليه الدين و هذا المبلغ هو الذي يطلع عليه الغير و يحتج عليه به.
ب- مصدره: بتحديد ما إذا كان عقد أو عمل غير مشروع أو إثراء بلا سبب أو إرادة منفردة أو القانون فقد يكون قرضا مثلا.
ت- بأوصافه: فقد يكون الدين المضمون معلق على شرط واقف أو فاسخ أو منجز و قد يكون مستقبلا أو محتملا.
و جزاء عدم تحديد الدين المرهون بالرهن الحيازي على الوجه السالف الذكر هو بطلان عقد الرهن الحيازي و البطلان هنا بطلان مطلق و يستطيع أن يتمسك به كل ذي مصلحة فيتمسك به المدين و الدائن المرتهن وورثة كل منهما و الخلف الخاص و الدائنون المرتهنون المتأخرون في المرتبة(2).
(1) إبراهيم بن غانم – نفس المرجع السابق - ص 57
(2) د/عبد الرزاق أحمد السنهوري - نفس المرجع السابق بند 523 ص 900
ثانيا : توابع الدين المضمون
لا يقتصرالرهن الحيازي العقاري على ضمان أصل الحق و إنما يضمن أيضا و في نفس المرتبة طبقا للمادة 963 من القانون المدني :
- المصاريف الضرورية التي أنفقت للمحافظة على الشيء.
- مصاريف العقد الذي أنشأ الدين و مصاريف عقد الرهن الحيازي و قيده عند الاقتضاء.
- المصاريف التي اقتضاها تنفيذ الرهن الحيازي.
حيث أنه و كما سنأتي على شرحه في الفصل الثاني أنه يقع على الدائن المرتهن للعقار حيازيا التزاما بصيانة العقار و قيامه بالنفقات اللازمة لحفظه و أن يدفع ما يستحق سنويا على العقار من ضرائب و تكاليف على أن يستنزل من الثمار التي يحصلها قيمته ما أنفق .أو يستوفي هذه القيمة من ثمن العقار في المرتبة التي يخولها القانون طبقا للمادة 968 من القانون المدني.
إذا فالرهن لا يضمن الدين الثابت في ذمة الراهن عند إبرام عقد الرهن فحسب و إنما يضمن ما أنفقه المرتهن على العقار المرهون أيضا.
المطلب الثاني : نفاذ الرهن الحيازي العقاري
تنص المادة 966 من القانون المدني على أنه«يشترط لنفاذ الرهن العقاري في حق الغير إلى جانب تسليم الملك للدائن ،أن يقيد عقد الرهن العقاري ،و تسري على هذا القيد الأحكام الخاصة بقيد الرهن الرسمي».
و بذلك فإنه و لنفاذ الرهن الحيازي العقاري في حق الغير الذي يعرف بأنه« كل من تضره ميزة التقدم أو ميزة التتبع كمن انتقلت إليه ملكية الشيء المرهون أو كسب حقا عينيا أصليا آخر عليه و كالدائن الذي له حق عيني تبعي على الشيء المرهون و كالدائن العادي»(1)
و على ذلك فإنه و لنفاذ الرهن الحيازي العقاري في حق الغير يجب تسليم الملك للدائن بمعنى انتقال الحيازة و أن يتم قيده في السجل العقاري و الذي يقتضي توثيقه في عقد رسمي قبل ذلك و عليه فسنتناول تباعا في الفروع التالية ما يلي :
الفرع الأول: الرسمية كخطوة أولية لقيد الرهن في تشريعنا
الفرع الثاني: القيد
الفرع الثالث: الحيازة
(1) عبد الناصر توفيق العطار – المرجع السابق – بند 104 ص 205
الفرع الأول: الرسمية كخطوة أولية لقيد الرهن في تشريعنا
سبق التوضيح أن عقد الرهن الحيازي العقاري تأمين اتفاقي بين الدائن المرتهن و الراهن مصدره العقد ،و في القانون الجزائري هو عقد رسمي أو شكلي يجب توثيقه لأن المادة 12 من قانون التوثيق الصادر بالأمر 70-91 تقضي بأن العقود التي تتضمن نقل حقوق عقارية يجب تحت طائلة البطلان أن تحرر في شكل رسمي و لم يفرق قانون التوثيق بين نقل الحقوق العقارية الأصلية و التبعية ففي الحالتين يلزم التوثيق.
لكن ينبغي التوضيح أن الكتابة الرسمية ليست ركنا في العقد كالرهن الرسمي بل هي مجرد خطوة أولية لإتخاذ إجراءات الشهر للاحتجاج بالرهن العقاري على الغير(1).
ذلك أنه و ليتسنى إشهار عقد الرهن الحيازي لابد من توثيقه إذ تنص المادة 61 من المرسوم 76/63 المتعلق بتأسيس السجل العقاري على أن كل عقد يكون موضوع إشهار في محافظة عقارية يجب أن يقدم على الشكل الرسمي.
و قد عرف المشرع الجزائري العقد في المادة 324 من القانون المدني على أنه«العقد الرسمي عقد يثبت فيه موظف أو ضابط عمومي أو شخص مكلف بخدمة عامة ،ما تم لديه أو ما تلقاه من ذوي الشأن و ذلك طبقا الأشكال القانونية و في حدود سلطته و اختصاصه».
و عليه فالكتابة الرسمية في تشريعنا هي مجرد خطوة أولية فقط لقيد الرهن العقاري بالسجل العقاري لنفاذه في حق الغير(2). كما أنها تسمح فيما بعد الدائن المرتهن حيازيا أن يكسب سندا تنفيذا يستطيع به التنفيذ على العقار عند حلول أجل الدين و عدم استيفائه.
الفرع الثاني: القيد
تنص 966 من القانون المدني على أنه«يشترط النفاذ الرهن العقاري في حق الغير ....أن يقيد عقد الرهن العقاري و تسري على هذا القيد الأحكام الخاصة بقيد الرهن الرسمي».
و بالرجوع لأحكام الرهن الرسمي و على وجه الخصوص لنص المادة 904 من القانون المدني التي تنص على أنه«لا يكون الرهن نافذا إلا إذا قيد العقد أو الحكم المثبت للرهن قبل أن يكسب هذا الغير حقا عينيا على العقار...»
(1) محمد حسنين نفس المرجع السابق – ص 100 و ما بعدها
(2) تنص المادة 2085 من القانون المدني الفرنسي في فقرتها الأولى على أن الرهن الحيازي العقاري لا يثبت إلا بالكتابة
«L’antichrèse ne s’établie que par écrit» و قد أتنقد الفقه هذه المادة و اعتبرها بدون فائدة«ذلك أن العقد الرسمي يعتبر بمثابة خطوة أولية لازمة للشهر حسب نص المادة 68 من المرسوم الصادر في 14 أكتوبر 1955 من جهة و من جهة أخرى أن نص المادة 2085 لم يلغي الطرق الأخرى للإثبات و أن أهميته تكمن فقط في وجوب الإثبات بالكتابة إذا كانت قيمة الثمار أو العفار تقل عن 5000 فرنك فرنسي و هي قيمة ضئيلة جدا» H.Mezeaud. J.Mazeaud .F Chabas . op.cit.p178
أولا: إجراءات القيد
و بذلك و حتى يكون نافذا في حق الغير يجب القيام بإجراءات خاصة تسمى القيد L’inscription و يكون الغرض منها إعلان الغير بوجود رهن يثقل العقار ،كمن يقدم على شرائه أو من يتلقاه على سبيل الهبة أو من يتقرر له عليه حق انتفاع أو غير ذلك من الحقوق العينية الأصلية أو التبعية .
أولا: إجراءات القيد
و بذلك و حتى يكون نافذا في حق الغير يجب القيام بإجراءات خاصة تسمى القيد L’inscription و يكون الغرض منها إعلان الغير بوجود رهن يثقل العقار ،كمن يقدم على شرائه أو من يتلقاه على سبيل الهبة أو من يتقرر له عليه حق انتفاع أو غير ذلك من الحقوق العينية الأصلية أو التبعية .
فإذا تم القيد قبل أن يشهر صاحب الحق حقه كان الرهن نافذا في حق هذا الغير و أكتسب الدائن المرتهن حق التقدم عليه أو حق التتبع.
و تقضي المادة 905 من القانون المدني بأنه«تسري على اجراء القيد و تجديده و شطبه وإلقاء الشطب والآثار المترتبة على ذلك كله ،الأحكام الواردة في قانون تنظيم الإشهار العقاري».
و بالرجوع الأمر 75/74 المِؤرخ في 12/11/1975 المتعلق بإعداد مسح الأراضي العام و تأسيس السجل العقاري و كذلك المرسوم 76/63 المؤرخ في 25/03/1976 المتعلق بتأسيس السجل العقاري و على وجه الخصوص المادة 93 و منه التي تشترط تقديم الأصل أو الصورة الرسمية للعقد المنشئ للرهن و يجب عليه أن يودع جدولين موقعين و مصححين بدقة و يكونان محرران لزوما على استمارة تقدمها المحافظة العقارية و يتضمن الجدولان البيانات التالية :
1- تعين الدائن و المدين بذكر هويتهما و لقب و موطن و تاريخ و مكان الازدياد.
2- اختيار الموطن من قبل الدائن في إطار اختصاص المجلس القضائي لموقع الأملاك.
3- أن يذكر تاريخ و نوع السند أي العقد الرسمي المحرر من الموثق مع ذكر سبب الدين المضمون بعقد الرهن.
4- ذكر رأس مال الدين الذي وجد الرهن لأجل ضمانه ولواحقه و تاريخ استحقاقه.
5- تعيين العقار الذي طلب التسجيل لأجله وفقا لنص المادة 66 من نفس المرسوم.
و يحتفظ الدائن المرتهن بأحد الجدولين مؤشرا عليه من المحافظ العقاري و يبقى الثاني في المحافظة العقارية.
إذا فبعد تأكد المحافظ العقاري من جميع الوثائق المشترط إيداعها من أجل القيد و بعد الفحص و التحقيق طبقا لما تنص عليه المادتين 100و105 من المرسوم 76/63 يقوم بالتأشير في النهاية على البطاقة العقارية للعقار المرهون.
فإذا أتبع الدائن المرتهن حيازيا هذه الإجراءات اعتبر الرهن نافذا في حق الغير ،أما إذا لم يتم القيد فالرهن الحيازي لا يكون باطلا و أنما صحيحا منتجا لآثاره فيما بين المتعاقدين ولكن يخول الدائن المرتهن لاحق التقدم لا حق التتبع.
مع الإشارة أن المشرع الجزائري لم يحدد ميعادا للقيد و ذلك مراعاة منه من أن من مصلحة الدائن المرتهن أن يبادر في القيام به في أقرب وقت للمحافظة على مرتبته لأن في كل تأخير تتأخر فيه مرتبته و يتقدم غيره عليه في التنفيذ ،و قد يضيع عليه حق الرهن إذا قام الراهن بالتصرف في العقار المرهون و أشهر المتصرف له حقه قبل قيد الدائن له كما قد يعرضه هذا التأخير لخطر شهر إفلاس الراهن لأنه لا يجوز له القيام بهذا القيد بعد شهر الإفلاس و هو ما تنص عليه المادة 247 من القانون التجاري بأنه«لا يصح التمسك قبل جماعة الدائنين ابتداءا من تاريخ التوقف عن الدفع بكل رهن عقاري اتفاقي أو قضائي يترتب على أموال المدين لديون سبق التعاقد عليها» و مؤدى ذلك أنه يجوز للقاضي أن يحكم بطلان القيد الذي يتم حتى في تاريخ سابق شهر الإفلاس و لكن واقع في فترة الريبة(1) La période suspecte و هي الفترة التي تفصل بين التوقف عند الدفع و تاريخ شهر الإفلاس
ثانيا: تجديد القيد و شطبه :
حسب المادة 96 من المرسوم 76/63 إذا قيد الرهن لمدة 10 سنوات وجب تجديده عند انتهاء المدة ،فإذا لم يجدد لا يفقد الراهن الرهن و إنما بفقد المرتبة و تفاده في حق الغير و حقه في التقدم و التتبع(2)
و منه نستنتج أنه لا يكفي لنفاذ الرهن في حق الغير قيدا واحدا إنما يجب بعد انقضاء هذه المدة بالضرورة تجديده لكي يبقى نافذا في حق الغير.
و لا يشترط انتهاء العشر سنوات لتجديد القيد بل يمكن أن يجدده قبل انتهاء هذه المدة حينئذ تحسب مدة العشر سنوات الجديدة من تاريخ إجراء التجديد و ليست من تاريخ إنهاء القيد الأول.
و التجديد لا يفقد الرهن مرتبته الأولى بل يبقى محتفظا بها ما دام التجديد قد تم في ميعاد 10سنوات أما إذا لم يتم التجديد في هذا الميعاد فإن القيد يسقط و لكن الرهن يبقى صحيحا فيما بين الطرفين و لكن لا يكون نافذا في الغير و يبقى من حق الدائن أن يعيد القيد متى شاء لكن في هذه الحالة يكتسب القيد مرتبة جديدة ابتداء من التاريخ الذي تم فيه و يفقد المرتبة التي أكتسبها بموجب القيد الأول .
و إذا انقضى الرهن بصفة أصلية أو تبعيته وجب شطب القيد لأنه لا فائدة من بقاءه بعد انقضاء الرهن و يتم الشطب عن طريق التأشير على هامش القيد بعبارة تدل على ذلك.
(1) أ/موالك بختة - محاضرات ألقيت على طلبة اليسانس السنة الثالثة - كلية الحقوق و العلوم الإدارية - بن عكنون - السنة الدراسية 1999-2000
(2) أ/موالك بختة - نفس المرجع السابق
ثالثا: مصاريف القيد
إن المادة 906 من القانون المدني تحمل المصاريف على الراهن سواء كان مدينا أصليا أو كفيلا عينيا. فالمدين هو الذي تقع على عاتقه المصاريف لأنه المسؤول عن الدين و عن الرهن و يستوي في ذلك حتى و إن كان كفيلا عينيا .
ثالثا: مصاريف القيد
إن المادة 906 من القانون المدني تحمل المصاريف على الراهن سواء كان مدينا أصليا أو كفيلا عينيا. فالمدين هو الذي تقع على عاتقه المصاريف لأنه المسؤول عن الدين و عن الرهن و يستوي في ذلك حتى و إن كان كفيلا عينيا .
و لا يعتبر حكم المادة 906 من القانون المدني من النظام العام لذلك يمكن للأفراد اقتسام مصاريف القيد و يمكن أن يتحملها الدائن نفسه .
الفرع الثالث: الحيازة
تشترط المادة 966 من القانون المدني لنفاذ الرهن في حق الغير أن يكون العقار في حيازة الدائن المرتهن ، فتسليم العين و نقل حيازتها للدائن المرتهن حيازيا هو ما يميز الرهن الحيازي عن الرهن الرسمي و إذا لم يتم نقل الحيازة فلا ينفذ الرهن في حق الغير لا يحتج المرتهن بحقه على الغير الذي يكسب حقا عينيا على العقار المرهون قبل نفاذ الرهن في مواجهته.
أولا: مفهوم الحيازة : تعرف الحيازة«واقعة مادية تنشأ عن سيطرة الشخص على شيء أو حق بصفته مالك لهذا الشيء أو صاحب حق عليه»(1)
و بذلك فالحيازة هي السيطرة الفعلية على الشيء و تتجسد بمباشرة الأعمال المادية على النحو الذي تقتضيه طبيعة الشيء محل الحيازة.
1- أركان الحيازة :
و تقوم الحيازة على ركنين الركن المادي و الركن المعنوي
أ- بالنسبة للركن المادي :
و يتكون من مجموعة الأعمال المادية التي يقوم بها الحائز سواء كان مالك أو صاحب حق عيني آخر ،و حتى تتحقق الحيازة يجب أن يكون الشيء محل الحيازة تحت السيطرة الفعلية أي بالاستحواذ الفعلي عليه.
ب- الركن المعنوي :
و هو قصد الحائز في استعماله الحق العيني وهو نية المالك في الظهور بمظهر مالك الشيء أو صاحب حق عيني عليه.
(1) الأستاذ القاضي المستشار بالمحكمة العليا - زودة عمر - مجموعة محاضرات ألقيت على الطلبة القضاة المدرسة العليا للقضاء - السنة الدراسية 2004-2005
و الجدير بالملاحظة أن الركن المعنوي للحيازة تتناوله نظريتان : النظرية الشخصية والنظرية المادية ، الأولى تعتبر أن الحيازة الصحيحة هي تلك الحيازة القائمة على ركنين السيطرة المادية وبنية الحائز في التملك للشيء محل الحيازة ،بأن تنصرف نية الحائز لإضافة هذا الشيء في ذمته المالية باستعماله لحساب نفسه ،لذلك فإن هذه النظرية لا تحمي حيازة المرتهن رهن حيازة باعتبارها عرضية.
أما الثانية فتعتبر أن الركن المادي يتضمن بالضرورة الركن المعنوي و أن هذا الأخير غير مستقل عن الأول و تتحقق النية في الأعمال المادية التي يقوم بها الحائز لتجسيد سيطرته المادية على الشيء بأعمال إرادية ،لذلك فإن السيطرة المادية في نظر هذه النظرية هي الحيازة بعينها و بالنتيجة فإن حيازة المرتهن رهن حيازي محل حماية قانونية(1).
2- شروط الحيازة
يكمن الغرض الأساسي من انتقال الحيازة إلى الدائن المرتهن إعلام الغير بما أصبح على المرتهن من حق لذلك يجب أن يكون:
أ- انتقال الحيازة ظاهرا:
إن الغرض الأساسي من انتقالها إلى المرتهن هو إعلام الغير بما أصبح على العقارالمرهون من حق لذلك يجب أن تكون ظاهرة لا لبس فيها.
ب- أن تكون مستمرة :
و ذلك إلى غاية استيفاء الدين المضمون على لأنه من مقتضيات استثمار الدائن المرتهن للشيء المرهون أن يتخلى المرتهن عن حيازته لشخص آخر كما لو أجره لغير المدين الراهن حيث تنص المادة 952(2) من القانون المدني«إذا رجع المرهون إلى حيازة الراهن انقضى الرهن،إلا إذا أثبت الدائن المرتهن أن الرجوع كان بسبب لا يقصد به انقضاء الرهن كل هذا دون ،إخلال بحقوق الغير». و على ذلك :
ب-1 رجوع العقار المرهون لحيازة الراهن:الأصل أن تبقى حيازة العقار المرهون للدائن المرتهن دون الراهن طوال مدة الرهن برضا الدائن المرتهن صراحة أو ضمنا بعلمه بذلك فكان ذلك قرينة على تنازله عن الرهن وانقضى الرهن تبعا لذلك ، إلا أنها قرينة بسيطة يدحضها الدائن المرتهن بإثبات أنه لم يقصد بإرجاعه انقضاء الرهن بل أنه سلمه للراهن على سبيل الإيجار أو الوديعة أو العارية فيبقى قائما في الحالتين الأخيرتين ومواجهة الراهن ولكنه لا يكون ساريا في مواجهة الغير بحيث إذا تم التنفيذ على العقار المرهون من قبل دائنين آخرين لا يكون للمرتهن حيا زيا ميزة التقدم عليهم وان له أن يشترك معهم في توزيع ثمن العقار المرهون عند بيعه وإذا عاد و تسلم الدائن المرتهن العقار المرهون من جديد عاد الرهن ساريا في مواجهة الغير .
(1) أ/زودة عمر – نفس المرجع السابق .
(2) و تقابل المادة 952 من القانون المدني الجزائري المادة 1100 مدني المصري ، و قد أورد السنهوري فقرة في مربعه السابق فقرة لتقرير لجنة مجلس الشيوخ في هذا الصدد جاء فيه«و قد آثرت اللجنة أن تقرر أن الأصل هو انقضاء الرهن متى رجع الشيء المرهون إلى حيازة الراهن على غرار ما هو مقرر في القانون الحالي استنادا إلى قرينة تنازل الدائن أو استيفائه لحقه و هي قرينة تستخلص من خروج الحيازة من يده و لكنها لم تجر هذا الأصل على إطلاقه ،بل جعلت للدائن أن ينفي هذه القرينة ‘إذا أقام الدليل على أن الحيازة خرجت من يده بسبب لا يقصد به انقضاء الرهن و بديهي أن الحكم قاصر على صلة الراهن بالمرتهن ،فهو بهذا التحديد لا يؤثر في حقوق الغير»
وإذا كسب الغير حقوق على العقار المرهون في الفترة ما بين خروجه من حيازة الدائن المرتهن و عودته إلى حيازته ، كأن يتصرف الراهن في العقار بأن يرهنه مرة ثانية لدائن مرتهن حسن النية أو يِِؤجره لمستأجر، فإن لهم الاحتجاج بحقهم على الدائن المرتهن الأول حيازيا بعد عودة العقار المرهون إلى حيازته.
ب-2-تخلي الدائن المرتهن عن الحيازة لغير الراهن:وهو أمر جائز ولا يبطل الرهن ويبقى صحيحا نافذا في حق الغير لأن الحيازة لم تنتقل للراهن و إنما انتقلت لغير الراهن ، بحيث يجوز للمرتهن أن يؤجر العقار المرهون لمستأجر غير الراهن ، كما يجوز له أن يعيره لشخص غير الراهن حيث يضع المستأجر أو المستعير يده على العقار المرهون نيابة عن الدائن المرتهن و يبقى الرهن قائما صحيحا(1) وإذا سلبت الحيازة من الدائن المرتهن فله أن يرفع دعوى منع التعرض أو دعوى استرداد الحيازة .
-3-أهمية الحيازة:إن الحيازة أمر جوهري في الرهن الحيازي العقاري لنفاذه في حق الغير، هذا وإن كان المشرع قد اشترط في المادة 966 من القانون المدني إلى جانب التسليم القيد إلا أن هذا الإجراء لا يعني عن الحيازة ، ويرجع السبب في ذلك إلى إثنين :
أ-بالنسبة للدائن المرتهن:متى انتقلت الحيازة للدائن المرتهن تمكن هذا الأخير من حبس العقار المرهون لحين استفاء حقه و تمكن من مباشرة دوره كدائن مرتهن بالمحافظة على العقار المرهون وإدارته و استثماره و محاسبة الراهن على كل ذلك لحين انتهاء الرهن فيرده للراهن
ب-بالنسبة للمدين الراهن:يكمن في إعلام الرهن بالنسبة للغير الذي سيعلم أن مادامت الحيازة قد انتقلت من الراهن أن العقار المرهون لم يعد من أملا ك الراهن الحرة الخالية من حقوق الغير عليها فلا يطمئن إلى التعامل بهذه العين مع الراهن.
ثانيا – لمن تنتقل الحيازة:الأصل أن تنتقل الحيازة للدائن المرتهن الذي جعل انتقال الحيازة لحمايته و ضمان مصالحه لكن ليس هناك ما يمنع من أن يتفق المتعاقدان الراهن و الدائن المرتهن على أجنبي يسمى «عدلا» في الفقه الإسلامي يتسلم الشيء المرهون و يحتفظ به نيابة عن الدائن المرتهن.
حيث أن المادة 948 من القانون المدني تنص على أن"الرهن الحيازي عقد يلتزم به شخص أن يسلم إلى الدائن المرتهن أو إلى أجنبي يعينه المتعاقدان ، شيئا..."
و المادة 951من القانون المدني التي تنص على أنه«ينبغي على الراهن تسليم الشيء المرهون إلى الدائن أو إلى الشخص الذي عينه المتعاقدان لتسليمه»
وكذا المادة 961في فقرتها الثانية«يجب لنفاد الرهن في حق الغير أن يكون الشيء المرهون في يد الدائن أو الأجنبي الذي ارتضاه المتعاقدان»
(1) د/عبد الرزاق أحمد السنهوري - نفس المرجع السابق بند 541 ص 921
إلا أن المادة 966 مدني تشترط لنفاذ الرهن العقاري في حق الغير تسليم الملك للدائن دون الإشارة إلى الأجنبي الذي قد يعينه المتعاقدان على خلاف المشرع المصري في نص المادة 1114المقابلة للمادة966مدني جزائري اشترط لنفاذ الرهن العقاري في حق الغير انتقال الحيازة، حيث جاء النص عاما دون تحديد الطرف الذي تنقل له الحيازة مما يعني سريان الأحكام العامة للرهن الحيازة على العقاري ، ولذلك فإننا نرى أن المشرع يكون قد سهى عن ذكر الأجنبي الذي يعينه المتعاقدان لانتقال حيازة العقار له. و لا يمنع نفاد الرهن على الغير بانتقال الحيازة لهذا العدل طالما أن المتعاقدان هما من سيعينانه طبقا للأحكام العامة للرهن الحيازي الوارد في المواد 948 و951و961في فقرتها الأولى من القانون المدني السابق ذكرها ، خاصة و أن المشرع نفسه في المادة 966في فقرتها الثانية نص على أنه"يجوز أن يكون الشيء المرهون ضامنا لعدة ديون"
مما سيؤدي بالضرورة إلى اتفاق المتعاقدين على أن يكون العقار في حيازة عدل واحد.
ويتبين مما سبق أن العدل يجب أن يتفق عليه المتعاقدان الراهن و الدائن المرتهن الذي يجب أن يقبل مهمته برضا سابق أو لاحق وأن يكون أهلا للتعهد ، ولا يشترط في الاتفاق أي شرط خاص، أما إذا عهد الدائن المرتهن وحده بغير اتفاق مع الراهن بحيازة العقار المرهون لشخص آخر فلا يعتبر هذا الشخص عدلا بل نائبا عن الدائن أو تابع له .
هذا ويصح أن يكون العدل دائنا مرتهنا سابقا فيحوز العقار المرهون بصفته دائنا مرتهنا و بصفته عدلا نائبا عن دائن مرتهن آخر . وإذا كان العقار المرهون في يد العدل قبل تقرير الرهن بصفة أخرى كمودع عنده ثم تقرر الرهن و اتفق برضاه على أن يكون هو العدل فلا يكفي أن يعلنه الدائن المرتهن بعقد رهنه بل إقرار من العدل أنه أصبح يحوز العقار كعدل نيابة عن الدائن المرتهن .
و للحيازة بواسطة العدل فوائد كثيرة تخلي الدائن المرتهن من التزامه بإدارة واستثمار العقار المرهون و يسهل للراهن رهنه لأكثر من دائن و ليس للعدل تمكين الراهن أو الدائن المرتهن من حيازته إلا برضا الاثنين معا . وإلا كان للآخر طلب استرداده (1).
إلا أن المشرع الجزائري بالنسبة للرهن الحيازي العقاري أجاز أن يكون نقل حيازة العقار حكيما فقط و ذلك بإيجار العقار المرهون حيازة للراهن بأن يبقى العقار المرهون في حيازة الدائن الراهن بصفته مستأجرا مع ذكر ذلك في القيد أو التأشير به على الهامش و هو ما نص عليه المشرع بالمادة 967من القانون المدني " يجوز للدائن المرتهن لعقار أن يؤجر العقار إلى الراهن دون أن يمنع ذلك من نفاد الرهن حق الغير فإذا اتفق عليه بعد الرهن وجب أن يؤشر به في هامش القيد ولا يكون هذا التأشير ضروريا إذا جدد الإيجار تجديدا ضمنيا"
(1)- د- / عبد الرزاق أحمد السنهوري – نفس المرجع السابق – ص 951 وما بعدها .
فبموجب هذا النص لا يفقد الدائن المرتهن ميزتي التقدم والتتبع لأن الرهن يظل نافدا في حق الغير ، الذي حتى لا يظن انقضاء الرهن اشترط المشرع شهر الإيجار بقيده إذا اتفق عليه في عقد الرهن أو التأشير به في هامش القيد إذا اتفق عليه بعد عقد الرهن دون حاجة لتكرار القيد إذا جدد ضمنيا .
ثالثا: الحيازة المطلوبة في الحائز:
سبق التوضيح أن حيازة العقار المرهون قد تنتقل إما للدائن المرتهن أو إلى الأجنبي الذي يتفق عليه المتعاقدان ، و تختلف طبيعة الحيازة بحسب ما إذا كان الحائز هو الدائن المرتهن أو العدل.
-1- الحيازة المطلوبة في الدائن المرتهن:
المقصود بالحيازة الازمة لنفاد الرهن في مواجهة الغير هي الحيازة القانونية المتكونة من السيطرة الفعلية على العقار المرهون بقصد ممارسة حق الرهن عليه مع الإشارة أن النية المطلوبة في الرهن ليست نية التملك ، و من تمة فلا يتملك الدائن المرتهن العقار المرهون مهما طالت مدة الحيازة أن لا يسري عليه التقادم ذلك أن حيازته هي حيازة عرضية و التي تعرف أنها "حيازة مادية يتوافر فيها الركن المادي ويتخلف فيها الركن المعنوي"(1)
و في ذلك صدر قرار عن المحكمة العليا بتاريخ 25/03/1993 ملف رقم 81688 جاء فيه "حيث أن قضاه الموضوع لم يبيّنوا كيف أن عقد الرهن المؤرخ في 16/11/1951قد تحول إلى عقد ملكية علما بأن الرهن لا يعد طريقا من طرق التملك و لا يمكن صاحبه من تملك الشيء المرهون وغاية ما هناك أنه إتخذه كضمان لاستيفاء دينه في حالة امتناع المدين عن ذلك و هذا يبيع المرهون بالمزاد العلني مما يجعلهم قد أساءوا فعلا تطبيق القانون و اشابوا قرارهم بالغموض و القصور في التسبيب و عرضوه للنقض"(2).
وعلى ذلك فإن الدائن المرتهن لا يحوز العقار لحساب نفسه بل يحوزه لحساب غيره حيث أنه لا يتوافر القصد في التملك عند المرتهن بل عند الراهن الذي يباشر العنصر المادي للحيازة بواسطة الدائن المرتهن حيث ينقل السيطرة المادية للحائر العرضي أي الدائن المرتهن في حين يبقى محتفظ بالركن المعنوي.
و على ذلك فإن الحيازة المطلوبة لنفاذ الرهن في حق الغير هي الحيازة القانونية لحق الرهن و يكون للدائن المرتهن الحيازة العرضية (3) المتميزة بخاصيتين:
(1) أ/زودة عمر نفس المرجع السابق
(2) قرار غير منشور
(3) - د/ عبد الناصر توفيق العطار – نفس المرجع السابق – نبذة 105 –ص 207
- أ –وجود سند قانوني لدى الحائز:فحيازة الحائز العرضي(1) أي الدائن المرتهن تكون استنادا إلى سند قانوني و هذا السند القانوني و هو عقد الرهن الحيازي هو الذي يجعل حيازته عرضية لأنه يتضمن إقرار منه على أنه يحوز لحساب غيره . وبهذا الصدد صدر قرار عن المحكمة العليا بتاريخ 13/03/1991 ملف رقم 27 672 مما جاء فيه" من المقرر قانونا انه ليس لأحد أن يكسب بالتقادم على خلاف سنده كما أنه لا يستطيع أحد أن يغير بنفسه لنفسه سبب حيازته ولا الأصل الذي تقوم عليه ، و من تم فإن النعي على القرار المطعون فيه بمخالفة القانون غير سديد ..." (2)
- ب- التزام الحائز برد العقار:لأن حيازته له لا تعدو أن تكون مجرد حيازة مادية استنادا للسند الذي بحوله حيازته و هذا السند يلزمه برد العقار و لا يخوله التمسك بحيازته لتملك العقار المرهون حيا زيا بالتقادم و في هذا الشأن أيضا صدر قرار عن المحكمة العليا بتاريخ 25/11/1998ملف رقم 410 182 مما جاء فيه " من المقرر قانونا بالمادة 948 من القانون المدني أن الرهن الحيازي عقد يلتزم به شخص ضمانا لدين عليه أو على غيره أن يسلم إلى الدائن أو إلى أجنبي يعينه المتعاقدان ، شيئا يترتب عليه للدائن حقا عينيا يخوله حبس الشيء إلى أن يستوفي الدين.
و لما كان ثابتا – في قضية الحال –قضاة المجلس لما أيدوا حكم المحكمة القاضي برفض دعوى الطاعنين الرامية إلى إلزام المطعون ضده برفع يده على القطعة الأرضية المتنازع عليها على أساس أنهما مالكين لها موجب سند رهن حيازيا ، فإن قضائهم جاء سليما لأن الرهن الحيازي لا يشكل وسيلة من وسائل اكتساب الملكية و لا يمكن اعتباره سند الملكية ، و متى كان كذلك استوجب رفض الطعن"(3)
– الحيازة المطلوبة في العدل:بأن يحوز العقار لحساب الدائن المرتهن في حق الرهن و لحساب الراهن بالنسبة للملكية(4)
هذا ويعتبر العدل حائزا عرضيا سواء بالنسبة لحق الراهن أو حق المرتهن و ليست له أية حرية في التصرف في العقار محل الحيازة فهو يباشر السيطرة المادية على العقار المرهون و المرتهن فحيازته له تعد مجرد احراز(5)
(1) - الحيازة العرضية كأصل عام لا يحميها القانون و لا يترتب عليها أي أثر و استثناءا يحميها المشرع في حال استنزافها بالقوة حيث يمكن للحائز العرفي حماية حيازته استناد القاعدة عدم جواز اقتضاء الشخص لحقه بنفسه .
(2) - مجلة قضائية سنة 1991عدد 04 صفحة 35
(3) - مجلة قضائية سنة 1999 عدد 01 صفحة85
(4) أ / سمير عبد السيد تتاغو – التأمينات الشخصية و العينية – منشأة المعارف – الإسكندرية – سنة 1970 – ص 384 سند 141
(5) أ - / العربي بن قسمية – نفس المرجع السابق – نقلا عن أشرف مهدي مصطفى – ص281
تحديد و تقسيم:
بعد ما تناولنا مفهوم الرهن الحيازي العقاري و بينا خصائصه و تكوينه فرأينا أنه عقد رضائي ملزم للجانبين بمقتضاه يلتزم الراهن بتقرير حق عيني تبعي على العقار المرهون لصالح الدائن المرتهن, بحيث يكون لهذا الأخير التنفيذ على العقار عند حلول أجل الدين باعتباره دائنا مرتهنا لا دائنا عاديا. غير أنه لا يتقرر له حق التقدم و حق التتبع إلا بعد انتقال الحيازة و القيد في السجل العقاري.
و باعتباره من العقود الملزمة للجانبين فقد رتب المشرع على عاتق كل من المدين الراهن و الدائن المرتهن الالتزامات التالية:
- فالراهن يلتزم بتسليم العقار المرهون ( م 951 و 966 مدني) و يضمن سلامة الرهن و نفاذه ( م 953 مدني) كما يضمن هلاك العقار المرهون عندما لا يكون للدائن المرتهن يد في هلاكه (م 954 مدني).
- أما الدائن المرتهن فيلتزم بدوره بالمحافظة على العقار و أن يقوم بصيانته و بالنفقات اللازمة لحفظه (م 986 مدني) و بادارته و استثماره (م 956 و 958/1 مدني)،وبرده إلى الراهن عندما تنتفي الحكمة من الرهن (م959 مدني)
و لذلك فان التزامات أحد الأطراف تعتبر في حد ذاتها حقوق بالنسبة للطرف الآخر. لذلك سنتناولها في المبحث الأول : تحت عنوان آثار الرهن الحيازي العقاري بين أطرافه و في حق الغير.
المبحث الثاني : سنتعرض إلى طرق إنقضاء الرهن الحيازي.
المبحث الأول: آثار الرهن الحيازي العقاري
الرهن الحيازي العقاري إذا انعقد صحيحا, ينتج آثار معينة فيما بين المتعاقدين و بالنسبة للغير أيضا و سنعالج كل من الموضوعين في المطلبين التاليين:
المطلب الأول: آثار الرهن الحيازي العقاري فيما بين المتعاقدين
المطلب الثاني: آثار الرهن الحيازي العقاري بالنسبة للغير
المطلب الأول: آثار الرهن الحيازي العقاري فيما بين المتعاقدين:
إن الرهن الحيازي العقاري ينشئ حقا عينيا و التزامات على عاتق كل من الطرفين. حيث أن الحق العيني الذي للدائن المرتهن هو حق عيني عقاري يمكن وضع اليد عليه في مواجهة المالك وحمايته بدعوى استرداد الحيازة كما أنه يخول للمرتهن حق التمتع الذي يسمح له بالاستيلاء على الثمار(1) و استغلال العقار و تقديم حساب سنوي على الثمار لأن الثمار تخصم من الفوائد حيث يسمح القانون بالفوائد ثم من أصل رأس المال أو الدين(2) .
و في المقابل تقع التزامات على عاتق المدين الراهن لذلك نقسم المطلب إلى الفرعين التاليين:
الفرع الأول: التزامات المدين الراهن.
الفرع الثاني: التزامات الدائن المرتهن.
الفرع الأول: التزامات المدين الراهن:
مع افتقار الرهن الحيازي العقاري إلى أحكام خاصة بالتزامات الراهن نرجع للأحكام العامة في الرهن الحيازي, نجد أنه يقع على عاتق الراهن ثلاث التزامات أساسية أوردتها المواد 951, 953, 954 من القانون المدني نتعرض لها تباعا.
أولا: الالتزام بالتسليم:
إن الالتزام بالتسليم(3) ينشأ عن عقد الرهن لتمكين المرتهن من حيازة العقار المرهون و هو في نفس الوقت شرط لنفاذ الرهن في مواجهة الغير طبقا لما نصت عليه المادة 966 مدني و تنص الفقرة الأولى من المادة 951 من القانون المدني" ينبغي على الراهن تسليم الشيء المرهون إلى الدائن أو إلى الشخص الذي عينه المتعاقدان لتسليمه". أما الفقرة الثانية منها فأحالتنا إلى الأحكام الخاصة بتسليم الشيء المبيع بنصها:" و يسري على الالتزام بتسليم الشيء المرهون أحكام الالتزام بتسليم الشيء المبيع".
(1) للمرتهن الحق في الاستيلاء على الثمارFruits دون الحاصلاتProduits و للثمار صفة الدورية أما الحاصلات فهي جزء من رأس المال
(2) د/ محمد حسنين- نفس المرجع السابق- ص 105
(3) طبقا للقواعد العامة للالتزام بالتسليم يكون بمجرد انعقاد العقد إذا كان هذا الشيء معينا بالذات و عليه إذا حدث أن تقاعس الراهن في تنفيذ الالتزام الذي على عاتقه طوعا أجبر على التنفيذ العيني أو عن طريق التعويض أو كلاهما في حالة التأخر طبقا للقواعد العامة في تنفيذ الالتزام.
فبموجب هذه الإحالة فان أحكام البيع في التسليم تنطق من حيث زمان التسليم و مكانه و كيفيته, مع مراعاة الأحكام الخاصة للرهن الحيازي العقاري.
فبالنسبة لزمان التسليم يجب أن يسلم الراهن العقار المرهون حيازيا للدائن المرتهن أو إلى العدل بعد إبرام العقد لأن التسليم التزام ينشأ من ذلك العقد, و يمكن أن يتم التسليم بعد عقد الرهن بزمن و يحتج به على الغير, إلا إذا حصل الغير قبل التسليم على حقوق متعارضة مع المرتهن على العقار المرهون(1).
أما كيفية التسليم فتكون بوضع العقار المرهون تحت تصرف الدائن المرتهن أو العدل بحيث يتمكن من حيازته و الانتفاع به دون عائق أو بأن يكون حكميا كما إذا أجر الدائن المرتهن العقار المرهون إلى المدين الراهن و هو الامر الذي تجيزه المادة 967 قانون مدني.
و ينجر عن عدم التسليم أنه يمكن للدائن عند حلول أجل الدين أن ينفذ على العقار المرهون قبل تسلمه باعتباره دائنا مرتهنا, و لكن لا يكون له الحق في أن يتقدم أو يتتبع لأن الرهن لا ينفذ في حق الغير قبل التسليم و القيد معا, أما إذا تعنت المدين في التسليم جاز إجباره على التنفيذ العيني و إن تعذر ذلك كان للمرتهن طلب فسخ العقد مع التعويض إن كان له محل و بفسخ العقد يسقط أجل الدين المضمون لعدم تقدم المدين ما وعد به من تأمين.
ثانيا: الالتزام بضمان سلامة الرهن و نفاذه:
تنص المادة 953 من القانون المدني:" يضمن الراهن سلامة الرهن و نفاذه, و ليس له أن يأتي عملا ينقص من قيمة الشيء المرهون أو يحول دون استعمال الدائن لحقوقه المستمدة من العقد, و الدائن المرتهن في حالة الاستعجال أن يتخذ على نفقة الراهن كل الوسائل التي تلزم للمحافظة على الشيء المرهون" و يقابل نص المادة 953 من القانون المدني الجزائري نص المادة 1101 مدني مصري حيث جاء في مذكرة المشروع التمهيدي للقانون المدني المصري« يلزم الراهن أيضا بضمان الرهن, فليس له أن يأتي عملا ينقص من قيمة الشيء المرهون, أو يحول دون استعمال الدائن لحقوقه المستمدة من عقد الرهن, كأن يخرب العين قبل تسليمها, أو يعطي عليها للغير حقا عينيا يكون نافذا في حق الدائن المرتهن, و للدائن أن يتخذ على نفقة الراهن كل الوسائل التي تلزم للمحافظة على الشيء المرهون, كما لو كان المرهون مضمونا برهن, فيقيده الدائن المرتهن أو يجدد قيده, و يرجع بالمصاريف على الراهن و هذا يرجع بها على من رهن المرهون له" (2)
و يلاحظ أن ضمان الراهن سلامة الرهن و نفاذه شبيه بضمان البائع للتعرض لذلك سنتناول تباعا ضمان الراهن لتعرضه الشخصي ثم ضمانه لتعرض الغير.
(1) د/ عبد الرزاق أحمد السنهوري- نفس المرجع السابق- ص 922- بند 543 .
(2) مجموعة الأعمال التحضيرية صفحة 206 أشار لها السنهوري في هامش رقم 2 صفحة 962.
1- ضمان الراهن لتعرضه الشخصي: لا يجوز أن يقوم الراهن لمصلحة شخص آخر ترتيب حق على العقار المرهون يشهر قبل قيد الرهن أو أن يقوم بأي عمل يترتب عليه تخريب العقار المرهون أو الإنقاص منه, حيث عليه أن يضمن قيمة الرهن و ليس له أن يأتي عملا ينقص من قيمة الرهن كما لو قطع ما فيه من غراسه أو نزع شيء منه أو من ملحقاته كأن يبيع الأنقاض بعد هدم جزء من المباني فتقع في يد مشتر حسن النية فيملكها خالصة من الرهن كان للدائن المرتهن الرجوع على الراهن بالضمان, حيث يسقط حق المدين الراهن في الأجل و حق للدائن المرتهن المطالبة بدينه فورا(1) .
أما إذا لم يستلم المشتري الأنقاض أو تسلمها و هو سيء البنية فإنها تبقى مثقلة بحق الرهن و للدائن المرتهن حال الاستعجال أن يتخذ على نفقة الراهن كل الوسائل التي تلزم للمحافظة على العقار المرهون.
2- ضمان الراهن لتعرض الغير: حيث يكون ملزما بدفع كل ادعاء للغير بحق على العين المرهونة من شأنه المساس بحق الدائن المرتهن كأن يدعي الغير أنه دائن مرتهن قيد حق رهنه أولا, أو يدعي أن له حق ارتفاق على العقار المرهون حيازيا و كان الدائن المرتهن قد رتب ح رهنه على أن حق الارتفاق هذا لا يوجد, فان لم يستطع كان للدائن المرتهن حيازة أن يطالب تأمين كاف أو بتكملة التأمين المقدم أو سقوط أجل الدين و دفعه فورا بعد طلب الفسخ طبقا للمادة 119 من القانون المدني.
ثالثا: ضمان هلاك العقار المرهون أو تلفه:
تنص المادة 954 من القانون المدني على ما يلي:" يضمن الراهن هلاك الشيء المرهون أو تلفه إذا كان الهلاك أو التلف راجعا لخطئه أو ناشئا عن قوة قاهرة.
و يسري على الرهن الحيازي أحكام المادتين 899 و 900 المتعلقة بهلاك الشيء المرهون رهنا رسميا أو تلفه, و بانتقال حق الدائن من الشيء المرهون إلى ما حل محله من حقوق
لذلك علينا التمييز بين ثلاث حالات لأسباب هلاك العقار المرهون أو تلفه فإما أن يكون بخطأ الراهن نفسه أو بخطأ المرتهن و إما أن يكون بسبب أجنبي و تظهر أهمية التفرقة بين هذه الحالات في حق الاختيار المقرر بنص المادة 899 من القانون المدني.
1- هلاك العقار المرهون أو تلفه بخطأ الراهن: كقيامه مثلا بهدم العقار المرهون فيكون للدائن المرتهن الخيار بين تقديم تأمين كافيا بدلا من التأمين الهالك أو التالف أو أن يسقط أجل الدين فيصبح الدين حالا فيتقاضاه فورا.
(1) أ/ حسين عبد اللطيف حمدان- بند 139-ص193-و د/ عبد الرزاق أحمد السنهوري نفس المرجع السابق- بند 967- ص 548
2- هلاك العقار المرهون أو تلفه بخطأ الدائن المرتهن: فلا يجوز له أن يطلب في هذه الحالة من الراهن شيئا لأن الهلاك بخطئه هو, بل يجب عليه دفع تعويضا عما أتلفه بخطئه طبقا لقواعد المسؤولية التقصيرية و يحل هذا التعويض محل ما هلك من العقار أو تلف و هذا مثل من أمثال الحلول العيني ذلك لأن المرتهن مسؤول عن العقار المرهون إذا لم يبذل قدرا معينا من العناية في حفظ العقار و صيانته, و التزامه هذا هو التزام ببذل عناية الرجل العادي(1)
3- هلاك العقار المرهون بسبب أجنبي: بأن لا يكون للراهن و لا للمرتهن يدا فيه و من أمثلته هلاك العقار بسبب الطبيعة أو بفعل الغير, كان للراهن الخيار بين إسقاط أجل الدين و دفع الدين فورا للدائن المرتهن أو تقديم تأمين كاف بدلا من التأمين الهالك أو التالف.
و بذلك فان الراهن يضمن هلاك العقار المرهون أو تلفه سواء حدث ذلك قبل تسليمه إلى المرتهن أو بعد التسليم, و هو يضمن الهلاك أو التلف إذا نشأ عن خطئه هو أو عن سبب أجنبي, فإذا حدث الهلاك قبل التسليم فلا يطالب المرتهن بإثبات شيء. أما إذا حدث بعد التسليم فتقوم قرينة بسيطة على أن الدائن المرتهن هو المخطئ بحيث يكفي أن ينفي المرتهن تقصيره في المحافظة على العقار و أنه بذل عناية الرجل العادي حتى تنشأ مسؤولية الراهن, فلازالت فكرة الضمان في الرهن الحيازي بذاتها في الرهن الرسمي و هي أنه حق للدائن و التزام على الراهن(2)
و إذا وقعت أعمال من شأنها أن تعرض العقار المرهون للهلاك أو التلف أو تجعله غير كاف للتأمين و لم يكن للراهن يدا في هذه الأعمال كما إذا شرع في القيام ببناء من شأنه لو تم أن يشكل اعتداء على العقار المرهون أو على حقوق ارتفاق هذا العقار فان للدائن المرتهن أن يتخذ من الوسائل ما يمنع ذلك, فيجوز له دون وساطة الراهن أن يطلب من القاضي أن يحكم بوقف هذه الأعمال, فيمنع مثلا هذا الجار من إقامة البناء في وضع يشكل اعتداء على العقار المرهون(3). وفقا لما نصت عليه المادة 899 في فقرتها الثالثة من القانون المدني بنصها:" و في جميع الأحوال إذا كان من شأن الأعمال الواقعة أن تعرض العقار المرهون للهلاك أو للتلف أو جعله غير كاف للضمان, كان للدائن المرتهن أن يطلب من القاضي وقف هذه الأعمال و الأمر باتخاذ الوسائل التي تمنع وقوع الضرر".
و إذا ترتب على الهلاك أو التلف حلول قيمة أخرى محل العقار كمبلغ تعويض أو تأمين أو تمت نزع ملكية العقار للمنفعة العامة فان حق الدائن المرتهن ينتقل بمرتبته إلى هذه القيمة تطبيقا لنظرية الحلول العيني و هو ما نصت عليه المادة 900 من القانون المدني المحال عليها بموجب المادة 954 من القانون المدني و عليه فقد يكون هلاك العقار نتيجة لزلزال فتقدم الدولة تعويضا للمنكوبين فيحل التعويض مخل العقار, و قد يهدم الراهن المبنى المرهون و يبيعه أنقاضا للمشتري, فيحل الثمن محل العقار.
(1) (2) د/ سمير عبد السيد تناغو – نفس المرجع السابق- بند 138- ص374.
(3) د/ عبد الرزاق أحمد السنهوري- نفس المرجع السابق- بند 554- ص 932.
مقدمة :
المفروض أن يقوم المدين بوفاء حق الدائن اختيارا ،فإن امتنع عن ذلك أو تأخر كان للدائن أن يقتضي حقه جبرا عنه ، عن طريق التنفيد الجبري على أموال المدين، فجميع أموال المدين ضامنة لحقوق دائنه.
غير أن الضمان العام لا يكفي لتأمين حق الدائن إذ يظل الدائن معرضا لعدم كفاية أموال المدين للوفاء بحقه و مزاحمة الدائنين الآخرين له في استيفاءه لحقه من هذه الأموال. لهذا كان لابد من وجود تأمين خاص لحق الدائن لجانب الضمان العام(1) .
و قد اتخدت التأمينات الخاصة لحق الدائن إحدى الصورتين فقد تكون تأمينات شخصية Sûretés Personnelles و قد تكون عينية Sûretés Réelles التي بموجبها يتقدم الدائن الذي ينتفع بها على الدائن العادي و بالإضافة لحق التقدم Droit de préférence له أيضا حق التبع Doit de suite و قد كان ظهور التأمينات العينية متأخر عن التأمينات الشخصية و يرجع ذلك لأن التأمينات العينية تقوم في أساسها على العقار الذي كان ملك للأسرة جميعها حيث كان يمثل الثروة الحقيقية و يمثل الأسرة رئيسها فهو وحده الذي يحوز العقار و لا يملكه أما بقية أفراد الأسرة فكانوا يلجؤون للتأمينات الشخصية و يساعدهم على ذلك قيام روابط الأسرة و التضامن فيما بين أفرادها فكان النظام الاجتماعي للقبيلة السبيل المهيئ لهيمنة التأمينات الشخصية لما يوفر من تضامن و تكافل.
وقد كانت الحقوق العينية في القانون الروماني القديم مقصورة على الملكية فلم يكن في وسع المدين إذ أراد تقديم تامين عيني للدائن على مال له إلا نقل ملكية المال لهذا الأخير على أن يتعهد الدائن بإعادة نقل ملكية هذا المال عند وفاء المدين بالدين و إلا قام بيعه و استيفاء حقه من ثمنه دون مقاسمة باقي الدائنين(2) .
وبعدما تفطن الرومان إلى عيوب التصرف التأميني هذا فكروا في وسيلة أخرى أقل خطورة على المدين و هي رهن الحيازة حيث يكون بمقتضاه للدائن حيازة المال موضوع التأمين و تبقى ملكية للمدين ،و شاع استعماله على العقار و على المنقول ،و لم يكن في بداية ظهوره يخول للدائن سوى حق حبس المرهون لحين الوفاء مما يشكل أداة ضغط على إرادة المدين دون حق البيع عند حلول أجل الدين و عدم الوفاء .
(1) د/عبد الناصر توفيق العطار - التأمينات العينية - دار الفكر العربي - 1980 - ص 1
(2) د/محمود جمال الدين زكي - التأمينات الشخصية و العينية - دار الكتاب الحديث - الطبعة الثالثة لسنة 1979 بند 72 - ص 146
وحرم بند تملك الدائن العين المرهونة في حالة عدم الوفاء عند حلول الدين و استبدل ببند آخر يجيز للدائن إذا لم يف المدين بالدين شراء العين المرهونة بثمن عادل ،ليتم في النهاية أدراج بند آخر بحيز للدائن عند عدم الوفاء حق بيع العين المرهونة و استيفاء حقه من ثمنها بالإضافة إلى حق الدائن المرتهن حياز يا في استرداد الحيازة إذا سلبها منه المدين أو الغير.
و من ذلك فان الرهن الحيازي بعبر عن مرحلة قديمة حيث كانت العقلية القانونية لا تتصور رهن الدائن لشيء دون انتقال حيازته .و قد كان المقرض من يمنح جزافا دخل العقار المرهون و كان المدين يخصص دخل عقاره لدفع فوائد الدين و كان يخفي في معظم الأحوال فوائد ربوية أعلى من الفوائد المعتادة في عقد القرض .و كان يعرف في القانون الفرنسي القديم Le mort-gage أي الرهن الميت إذ كان الدائن المرتهن حياريا يقبض ثمار الرهن و لا يخصمها من الدين و كان دخل العقار المرهون مخصص للوفاء بالفوائد فقط مهما كان مقدار هذا الدخل ، أما في القانون الفرنسي الحالي فان الدائن يلتزم بخصم الفوائد ثم الأصل من دخل العقار و لم يعد بترك دخل العقار جزافا للدائن و يسمى باسم Le vif –gage أي الرهن الحي(1).
و قد نظم القانون المدني الجزائري الرهن الحيازي و أفرد للرهن الحيازي الوارد على العقار أحكاما خاصة به في ثلاث مواد تحت عنوانLe nantissement immobilier الرهن العقاري حيث يخضع في أحكامه إلى الأحكام العامة للرهن الحيازي من جهة و في بعض أحكامه لأحكام الرهن الرسمي.
و من هذا الجانب تظهر أهمية دراسة الرهن الحيازي العقاري و هي التسمية التي سنعتمدها في دراسة هذا الموضوع و ذلك للبحث في بعض الإشكاليات القانونية المترتبة على التنظيم المزدوج له فإلى أي مدى وفق المشرع الجزائري في تنظيم أحكامه ؟
سنكتفي في بحثنا لهذا الموضوع بالتركيز على التشريع الجزائري مع مقارنته قدر الإمكان مع بعض التشريعات الأخرى كالتشريع المصري و الفرنسي لما لهما من ارتباط تاريخي بتشريعنا وذلك بالتطرق لدراسة مضمونه و آثاره والتنفيذ عليه وانقضاءه
و قسمنا بحثناهذا إلى فصلين إثنين :
الفصل الأول :
ندرس فيه مفهوم الرهن الحيازي العقاري و تكوين عقد الرهن و نتناول فيه أركانه و شروط نفاذه.
الفصل الثاني :
ندرس فيه ما يرتبه الرهن الحيازي العقاري من آثار بين المتعاقدين و في مواجهة الغير و التنفيذ على العقار و انقضاء الرهن.
(1) Henri Et Léon Mazeaud et Jean(M) et François(C) – leçon de droit civil – Tome 3 – 1er volume – sûretés ,publicité foncière .Edition Montchrestien .Paris – 1968 page 176
خطة البحث
الفصل الأول : إنشاء الرهن الحيازي العقاري
المبحث الأول : مفهوم الرهن الحيازي العقاري
المطلب الأول : تعريف الرهن الحيازي العقاري و طبيعته القانونية
الفرع الأول : تعريف الرهن الحيازي العقاري
الفرع الثاني : الطبيعة القانونية للرهن الحيازي العقاري
المطلب الثاني : خصائص الرهن الحيازي العقاري
الفرع الأول : خصائصه بإعتباره حقا
الفرع الثاني : خصائصه بإعتباره عقدا
المبحث الثاني : تكوين الرهن الحيازي العقاري
المطلب الأول : أركان الرهن الحيازي العقاري
الفرع الأول : أطراف عقد الرهن الحيازي العقاري
الفرع الثاني : العقار المرهون
الفرع الثالث : الدين المضمون
المطلب الثاني : نفاذ الرهن الحيازي العقاري
الفرع الأول : الرسمية كخطوة أولية لقيد الرهن
الفرع الثاني : القيد
الفرع الثالث :الحيازة
الفصل الثاني : آثار الرهن الحيازي العقاري و انقضائه
المبحث الأول : آثار الرهن الحيازي العقاري
المطلب الأول : آثار الرهن الحيازي العقاري فيما بين المتعاقدين
الفرع الأول : التزامات المدين الراهن
الفرع الثاني : التزامات الدائن المرتهن
المطلب الثاني : آثار الرهن الحيازي العقاري بالنسبة للغير
الفرع الأول : الحق في الحبس
الفرع الثاني : حق الأفضلية
الفرع الثالث : حق التتبع
المبحث الثاني : التنفيذ على العقار المرهون حيازيا و انقضائه
المطلب الأول : التنفيذ على العقار المرهون حيازيا
الفرع الأول : بطلان شرط التملك عند عدم الوفاء و شرط البيع دون إجراءات
الفرع الثاني : إجراءات التنفيذ على العقار المرهون حيازيا
المطلب الثاني : انقضاء الرهن الحيازي العقاري
الفرع الأول : انقضاء الرهن الحيازي العقاري بصفة تبعية
الفرع الثاني : انقضاء الرهن الحيازي العقاري بصفة أصلية
تحديد و تقسيم:
نص المشرع الجزائري على الأحكام المشتركة لعقد الرهن الحيازي في المواد من 948 إلى 965 و أفرد بالنسبة للرهن الحيازي العقاري المواد من 966 إلى 968 من القانون المدني محيلا في بعض مواده إلى أحكام الرهن الرسمي.
لذلك سنتناول بالدراسة في هذا الفصل مفهوم الرهن الحيازي الوارد على العقار و تكوينه في المبحثين الآتيين :
• المبحث الأول: مفهوم الرهن الحيازي العقاري
• المبحث الثاني:تكوين الرهن الحيازي العقاري
المبحث الأول: مفهوم الرهن الحيازي العقاري :
أورد المشرع الجزائري بعض النصوص المتعلقة بالرهن الحيازي العقاري دون أن يعرف أو يحدد طبيعته بخلاف بعض التشريعات الأخرى(1) و ترك ذلك لاجتهاد الفقهاء.
و سنتناول بالدراسة تحت عنوان المبحث الأول : تعريف الرهن الحيازي العقاري و خصائصه في المطلبين التاليين :
• المطلب الأول: تعريف الرهن الحيازي العقاري و طبيعته القانونية.
• المطلب الثاني: خصائص الرهن الحيازي العقاري.
المطلب الأول : تعريف الرهن الحيازي العقاري طبيعته القانونية:
أورد المشرع الجزائري نصا واحدا عرف بموجبه الرهن الحيازي جاعلا منه مفهوما عاما على كل أنواع الرهن الحيازي(2) فلم يخص الرهن الحيازي العقاري بتعريف و لم يحدد طبيعته لذلك سنخصه بالدراسة في :
• الفرع الأول: تعريف الرهن الحيازي العقاري.
• الفرع الثاني:طبيعة الرهن الحيازي العقاري.
الفرع الأول: تعريف الرهن الحيازي العقاري.
نصت المادة 948 (3) من القانون المدني الجزائري على أن «الرهن الحيازي عقد يتلزم به شخص ضمانا لدين عليه أو على غيره ،أن يسلم إلى الدائن أو إلى أجنبي يعينه المتعاقدان شيئا يرتب عليه الدائن حقا عينيا يخوله حبس الشيء إلى أن يستوفي الدين و أن يتقدم الدائنين العاديين و التالين له في المرتبة في أن يتقاضى حقه من ثمن هذا الشيء في أي يد يكون».
و لعبارة الرهن ثلاث معان فقد يكون المقصود منه العقد الذي ينشأ عنه الحق العيني للمرتهن و قد يقصد منه الحق نفسه المتولد عن الرهن و قد يقصد منه الشيء المرهون الضامن للدين,
و الملاحظ أن المشرع الجزائري عند تعريفه للرهن الحيازي بأنه عقدا يكون بذلك قد غلّب فكرة العقد على فكرة الحق الذي ينشأ عن العقد.
(1) عرف المشرع اللبناني الرهن الحيازي العقاري في المادة 101 من قانون الملكية العقارية بأنه«عقد يضع بموجبه المديون عقارا في يد دائنه أو في يد عدل و يخول الدائن حق حبس العقار إلى يدفع له دينه تماما ،و إذا لم يدفع الدين فله الحق بملاحقته نزع ملكية المديون بالطرق القانونية»
(2) يلاحظ أن مقابل الرهن الحيازي في التشريع الفرنسي يسمى Nantissement فإذا ورد على عقار يسمى antichrèse و إذا ورد على منقول يسمى Gage تنص المادة 2027 مدني فرنسي.
«Le Nantissement d’une chose mobilière s’appelle gage, celui d’une chose immobilière s’appelle antichrèse »
(3) و تقابلها المادة 1096 من القانون المدني المصري
و قد يقال ردا على هذه الملاحظة أن كلمة«الرهن» في القانون تطلق على عقد الرهن كما تطلق على حق الرهن كما تطلق على الرهن نفسه أو على الشيء المرهون. و لكننا عندما نتكلم عن الرهن إنما ينصرف القصد إلى حق الرهن و ليس للعقد المنشئ له .و تستوحى هذه الملاحظة من عنوان الكتاب الرابع«الحقوق العينية التبعية» ،لذلك كان من الأولى تعريف الرهن الحيازي باعتباره حقاعلى أنه«حق عيني تبعي يقوم على نقل حيازة المال الذي يترتب عليه إلى الدائن المرتهن الذي يستطيع بمقتضاه حبس هذا المال حتى استيفاء حقه و تكون الأولوية على ثمنه في أي يد يكون ،فتخلي الراهن عن حيازة المال المرهون هي جوهر هذا الرهن و لذلك يطلق عليه اسم الرهن الحيازي»(1)
و الملاحظ في التشريع الجزائري أن التسليم لا يعتبر ركنا في العقد بل هو مجرد التزام يتولد من العقد بعد تمامه في ذمة المدين كون أن العقد ينعقد بمجرد تبادل الإيجاب والقبول دون حاجة إلى التسليم(2) حيث تنص المادة 948 من القانون المدني«الرهن الحيازي عقد يلزم به الشخص ... أن يسلم إلى الدائن ... شيئا ». وفي ذلك يتفق التشريع الجزائري مع التشريع المصري الجديد حيث كان القانون المدني المصري قبل تعديله يعتبر الرهن الحيازي عقد عينيا(3).
ولأن الضمان في الرهن الحيازي يقتضي تسليم الراهن الشيء المرهون لدائنه المرتهن فإن المشرع الجزائري بموجب المادة 966 من القانون المدني قد ألزم الراهن في الرهن الحيازي الوارد على العقار بأن يسلم العقار المرهون إلى الدائن الدائن المرتهن أو إلى شخص يرتضيه المتعاقدان
و ذلك لنفاذه في حق الغير و ليترتب الحق العيني الذي يعطي للدائن المرتهن حق حبس العقار المرهون إلى غاية استيفاء دينه تماما ،و حق التقدم على غيره من الدائنين العاديين و الداتئين التالين في المرتبة في استفاء حقه من ثمن المرهون في أي يد يكون.
و بناءا علي كل ما سبق و استنادا للتعريف الوارد بالمادة 948 من القانون المدني نعرف الرهن الحيازي الوارد على العقار بأنه حق عيني على عقار يضعه المدين في يد دائنه أو في يد شخص يتفق عليه المتعاقدان، ضمانا للوفاء بدين الدائن و يخول هذا الأخير حق حبس العقار إلى أن يدفع له دينه كاملا، وفي حال عدم الدفع حق له التنفيذ على العقار بالطرق القانونية و استيفاء دينه من ثمنه بالأفضليــة على غيره من الدائنين العاديين و الدائنين التاليين له في المرتبة في أي يد يكون(4) .
(1)- د/- محمود جلال الدين زكي : نفس المرجع السابق – ص 359
(1) بخلاف المشرع الفرنسي الذي يعتبر التسليم ركنا في العقد
(2) – د/- عبد الرزاق أحمد السنهوري – الوسيط في شرح القانون المدني –الجزء 10 في التأمينات الشخصية و العينية – دار النهضة العربية – القاهرة –الطبعة الثانية – 1994 ص 859
(3)« L’antichrèse est un nantissement immobilier. Le constituant se dessaisit, au profit du créancier de l’immeuble qu’il lui donne en garentie, et c’est le créancier qui perçoit les fruits avec obligation de les imputer d’abord sur les intérêts de la créance, puis sur le capital ». H.Mazeaud – J. Mazeaud - F.Chabas – Op.cit-p174.
الفرع الثـــاني: الطبيــعة القانونيــة للرهن الحيــازي العقاري:
يعتبر الرهن الحيازي العقاري نوع من الضمان الذي يهدف إلى تأمين الدائن من خطر عدم الوفاء بالدين بحبس العقار إلى حين استيفاء الدين، فتخوله في حال امتناع المدين أو عجزه عن الوفاء بالمطالبة ببيع العقار المرهون بالطرق القانونية و استيفاء دينه من ثمنه بالأفضلية على غيره من الدائنين العاديين و التالين له في المرتبة و هو ما تشير له المادة 948 من القانون المدني.
لذلك يعتبر من عقود الضمان(1) و هو عقد ضمان عيني على العقار المرهون و يفترض دائما وجود دين يضمنه سواء كان هذا الدين سابقا لعقد الرهن أو معاصرا له، و هو لا يوجد مستقلا، بل يتبع دائما نشوء الدين المضمون به، بحيث يكون هناك تقابل بين نشوء الدين و نشوء الرهن فيجعل كلا منهما سببا للآخر.
المطلب الثــــاني: خصائــص الرهن الحيـــازي العقــاري:
انطلاقا من أن الرهن يطلق على حق الرهن كمـا يطلق على العقد فنبين خصائصه باعتباره حقا ثم باعتباره عقدا في الفرعين التاليين:
• الفرع الأول: خصائصه باعتباره حقا.
• الفرع الثاني: خصائصه باعتباره عقدا.
الفرع الأول: خصائص الرهن الحيـازي العقاري باعتباره حقا:
يتميـز الرهن الحيازي العقاري باعتباره حقا بالخصائص التالية:
أولا: ينشأ الرهن الحيازي الوارد على العقار بواسطة عقد مثله مثل باقي أنواع الرهن الحيازي مثل
الرهن الرسمي. ولا ينشأ بنص القانون كالامتياز و لا بحكم قضائي كحق التخص.
ثانيـا: يعتبر حق عيني عقاري لأنه يخول الدائن سلطة مباشرة على العقار المرهون فيخوله الحق في حبسه إلى أن يدفع له دينه. كما يستطيع في حال عدم الدفع التنفيذ عليه و آستيفاء دينه من ثمنه بالأفضلية على غيره من الدائنين العاديين و الدائنين المرتهنين التالين له في المرتبه في أي بد يكون (2) .
و هو كغيره من الحقوق العينية العقارية طبقا للمادة 966 من القانون المدني يخضع للقيد في السجل العقاري، و لا يكون نافذا إلا من تاريخ هذا القيد، و على هذا فإن الحقوق العينية المكتسبة على العقار المرهون و المسجلة قبل تسجيل الرهن تكون ملزمة للدائن المرتهن.
ثالثا: هو حق عيني تبعي ذلك أنه يوجد لضمان حق آخر هو الدين المضمون به فيقوم بقيام هذا الدين و يتبعه في وجوده و عدمه فيبطل ببطلانه و ينقضي بانقضائه . فإذا تقرر بطلان الدين المضمون بطل الرهن تبعا لذلك، و إذا انقضى الدين المضمون بالوفاء أو بغيره انقضى الرهن تبعا له.
(1)-آ/حسن عبد اللطيف حمدان: لتأمينات العينية- الطبقة الأولى –الدار الجامعية بيروت بند 96- صفحة 142
(2) أ/حسن عبد اللطيف حمدان – نفس المرجع السابق ص 1135 بند 90
و قد أحال المشرع الجزائري بمقتضى المادة 950 على المادة 893 من القانون المدني المتعلقة بالرهن الرسمي و التي تنص على أنه «لا ينفصل الرهن عن الدين المضمون بل يكون تابعا له في صحته و في انقضاضه ما لم ينص القانون على خلاف ذلك».
و بذلك يجوز للراهن أن يتمسك في مواجهة المرتهن بكل الدفوع التى تؤثر في وجود الحق المضمون، و إذا كان الراهن غير المدين أي الكفيل العيني جاز له فوق تمسكه تجاه المرتهن بالدفوع التى تؤثر في صحة الرهن كنقص الأهلية، أو عيوب الرضا أن يتمسك بها للمدين من الدفوع المتعلقة بالدين ولو نزل عنه المدين (1) .
هذا و إن الإلتزام الأصلي الذي يضعه الرهن الحيازي يصح أن يكون محله كما هو الغالب مبلغ من النقود، و لكن يصح أيضا أن يكون محله التزام بعمل أو الإمتناع عن عمل أو نقل حق عيني.
كما يصح أن يكون الإلتزام الأصلي مقرونا بأجل أو معلق على شرط و عند ذلك يكون الرهن الحيازي ذاته مقرونا بنفس الأجل أو معلق على نفس الشرط (2) .
وقد يضمن الرهن الحيازي التزاما أصليا و هو التزام مستقبلي أو احتمالي كالالتزام الناتج عن فتح اعتماد. وقد نصت المادة 891 من القانون المدني و التي تنطبق على الرهن الحيازي بموجب المادة 950 من نفس القانون « يجوز أن يترتب الرهن ضمانا لدين معلق على شرط أو دين مستقبلي أو دين احتمالي كما يجوز أن يترتب ضمانا لاعتماد مفتوح أو لفتح حساب جار على أن يتحدد في عقد الرهن مبلغ الدين المضمون أو الحد الأقصى الذي ينتهي إليه هذا الدين».
و يتخذ الرهن صفة الدين المضمون فإذا كان الدين تجاريا اعتبر الرهن تجاريا أيضا و في هذه الحالة تكون المنازعات الخاصة به من اختصاص القسم التجاري بالمحكمة (3).
رابعا: يعتبر كذلك حق لا يتجزأ مع أن المشرع الجزائري لم ينص بشأن الرهن الحيازي على ذلك لا صراحة و لا بالإحالة على أحكام الرهن الرسمي (4) إلا أنه لا يوجد ما يمنع تطبيقها على الرهن الحيازي عموما ما في ذلك الرهن الحيازي العقاري.
لأن عدم التجزئة مرتبط بالضمان وهي خاصة تقررت لصالح الدائن المرتهن لتدعيم الإئتمان.
و عدم التجزئة يعني أن كل جزء من العقار المرهون ضامن لكل الدين، و أن كل جزء من الدين مضمون بالعقار كله، غير أن عدم قابلية الرهن للتجزئة قد تستبعد باتفاق الأفراد على تجزئة الرهن، وفي حال عدم وجود الإتفاق يفترض أن الأطراف أرادوا عدم التجزئة.
(1) د/عبد الرزاق أحمد السنهوري - نفس المرجع السابق ص 864
(2) د/عبد الرزاق أحمد السنهوري – نفس الموضع
(3) أ/حسن عبد اللطيف حمدان –نفس المرجع السابق –ص 136
(4) في القانون المصري أحالت المادة 1098على أحكام المادة 1041 المتعلقة بعدم تجزئة الرهن الرسمي ، وفي القانون المدني الفرنسي نصت المادة 2083 على عدم التجزئة صراحة
و بما أن القاعدة تقررت لمصلحة فإنه يجوز للدائن المرتهن بعد انعقاد الرهن أن يتنازل عن حقه في عدم تجزئة الرهن.
و إذا مات المدين الراهن فليس لأحد الورثة أن يدعي أن الجزء من العقار الذي ورثه قد تخلص من الدين، و إذا مات الدائن المرتهن فليس لأحد ورثته أن يسلم العقار المرهون إلى المدين الراهن بدعوى أنه قد استوفى حصته ما دام أن باقي الورثة لم يستوفوا حصصهم (1).
الفرع الثاني: خصائص الرهن الحيازي العقاري باعتباره عقــدا:
يتميز الرهن الحيازي العقاري بوصفه عقدا بالخصائص التــالية:
أولا: أنه يعتبر عقد شكلي أو رسمي يلزم توثيقه ذلك أن المادة 12 من قانون التوثيق الصادر بموجب الأمر 70-91 تنص بأن العقود التي تتضمن نقل حقوق عقارية يجب تحت طائلة البطلان أن تحرر في شكل رسمي. و لم يفرق قانون التوثيق بين نقل الحقوق العقارية الأصلية و التبعية ففي الحالتين يلزم التوثيق(2).
بينما الرهن الحيازي العقاري في القانون المصري هو عقد رضا ئي لا يشترط لانعقاده شكل خاص(3)
و يعتبر التسليم أثر للعقد لا شرط لانعقاده.و هو في القانون الفرنسي(4).و اللبناني عقد عيني يشترط لانعقاده أن يتم تسليم العقار المرهون للدائن طوال فترة العقد.
ثانيـا: أنه عقد ضمان عيني فهو من عقود الضمان لكونه يسعى لضمان استيفاء الدائن المرتهن لحقه من دخل العقار المرهون.
ثالثا:عقد ملزم لمجانبين(5). حيث يلتزم الدائن المرتهن بالمحافظة على العقار المرهون و استثماره و رده عند انقضاء الرهن، و تقديم حساب عن ذلك، أما المدين الراهن فيلتزم بتسليم العقار المرهون إلى الدائن المرتهن.
رابعا: أنه عقد بمقابل لأن الراهن لا يتبرع بالرهن بل يقدمه في مقابل ما يحصل عليه من مال أو أجل و لأن الدائن المرتهن لا يقرض المدين أو يمنحه أجل إلا مقابل الرهن الذي يوفر له الضمان.
(1) أ/حسن عبد اللطيف حمدان –نفس المرجع السابق –ص 137
(2) د/-محمد حسنين –الوجيز في التأمينات الشخصية و العينية في القانون المدني الجزائري – المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائري –سنة 1986-ص 101
(3) د/ محمد جمال الدين زكي –نفس المرجع السابق ص 359
(4) H.Mezeaud. J.Mazeaud .F Chabas . op.cit.p 176
(5) أما القوانين التي تعتبر التسليم ركن في العقد فإن العقد يعتبر ملزم لجانب واحد.
المبحث الثانـــي:تكويــن الرهن الحيــازي العقاري:
يخضع الرهن الحيازي العقاري باعتباره عقد للمبادئ العامــة في نظرية العقد من ضرورة توافر تراضي طرفيه و محل و سبب التزام كليهما.
و يتضمن تكوين الرهن الحيازي العقاري على الأركان التي يقوم عليها من أطراف عقد الرهن و العقار المرهون و هو المحل الذي ينصب عليه العقد و الإلتزام المضمون الذي من أجله أنشئ الرهن و لا يكفي أن ينشأ الرهن الحيازي العقاري صحيحا بين المدين الراهن و الدائن المرتهن بل يجب أن يكون نافذا في مواجهة الغير للإحتجاج به.
و سندرس ذلك في المطلبين الآتيين:
المطلب الأول: أركان الرهن الحيازي العقاري.
المطلب الثاني: نفاذ الرهن الحيازي العقاري.
المطلب الأول: أركان الرهن الحيازي العقاري:
من خصائص الرهن الحيازي العقاري أنه ينشأ عن عقد لذلك وجب توافر أركانه. و بذلك نصت المادة 948 من القانون المدني على أن الرهن الحيازي هو عقد.و نصت المادة 949 من نفس القانون على انه لا يجوز أن يكون محلا للرهن الحيازي إلا ما يمكن بيعه استقلالا بالمزاد العلني.
و أحالت المادة 950 من القانون المدني إلى أحكام الرهن الرسمي فيما يخص الإلتزام المضمون بالرهن و هو السبب في العقد.
و سنأتي على شرح ذلك تباعا في الفروع التالية:
الفرع الأول: أطراف عقد الرهن الحيازي العقاري.
الفرع الثـاني:العقار المرهون.
الفرع الثالث: الدين المضمون.
الفرع الأول: أطراف عقد الرهن الحيازي العقاري:
تنص المادة 948 من القانون المدني على ما يأتي«الرهن الحيازي عقد يلتزم به شخص ضمانا لدين عليه أو على غيره...». و بذلك فإن طرفا العقد هما الراهن و المرتهن و هذا الأخير هو دائن يريد بالرهن ضمان الوفاء بحقه أما الراهن فقد يكون مدينا أو قد يكون كفيلا عينيا.
و لا داعي للخوض في ركن الرضا و ما يستلزمه من تطابق الإرادتين ،وخلوهما من العيوب حيث يطبق في شأنها القواعد العامة.
و المهم هو أن يكون الراهن مالكا للعقار المرهون و أن يكون أهلا للتصرف فيه هذان الشرطان لم ينص عليهما المشرع الجزائري عندما عالج أحكام الرهن الحيازي لاصراحة و لا بالإحالة على أحكام الرهن الرسمي.فقد نص في المادة 884 من القانون المدني على ما يلي «يجوز أن يكون الراهن هو المدين نفسه أو شخصا آخر يقدم رهن لمصلحة المدين.
و في كلتا الحالتين يجب أن يكون الراهن مالكا للعقار المرهون و اهلا للتصرف فيه»
فهل يعني ذلك أن الراهن في الرهن الحيازي للعقار لا يتقيد بشرطي الملكية و الأهليـــة؟
إن القول بهذا يؤدي لعدم انسجام الرهن بالأهداف التى يرمي إليها من حماية مصلحة الدائن المرتهن من تصرفات الراهن. و على المشرع أن يتدارك ذلك بالنص عليهما أو بالإحالة لأحكام المادة 884 من القانون المدني، لكن لا يمنع عدم النص على شرطي امتلاك الراهن للشيء المرهون و توافر الأهلية اللازمة من تطبيق نص المادة المادة 884 مدني المتعلقة بالرهن الرسمي عن طريق القياس.
وسنتناول بالدراسة الأهلية تحت عنوان هذا الفرع و ما يطرأ عليها و نرجئ دراسة شرط الملكية إلى الفرع الثاني.
أولا: الأهلية(1):
قبل أن نتطرق لأهلية المتعاقدين نشير أولا أن الأهلية مراتب: أهلية إدارة، أهلية تصرف و أهلية تبرع. فكل تصرف في أصل الشيء هو من أعمال التصرف، و كل تصرف في ثمارالشيء هو من أعمال الإدارة.
و التصرف له معنيان إما نعني به التصرفات الدائرة بين النفع و الضرر، أو التصرفات الضارة ضررا محضا أي يقصد به التبرع. و أن من توفرت فيه أهلية الإدارة قد لا يكون له غيرها، و من كانت له أهلية التصرف كانت له أهلية الإدارة. و على هذا قد يتطلب القانون أهلية في الراهن لا يتطلبها في المرتهن وأهلية يتطلبها في الراهن غير المدين دون أن يشترطها في المدين الراهن.
1 –أهلية الراهن : في أغلب الأحيان يكون هو نفسه المدين الذي يرهن عقاره رهن حيازة تأمينا لقرض حصل عليه أو لأي التزام آخر ثبت في ذمته وقد يكون الراهن غير المدين الذي يرهن عقاره ضمانا لالتزام ليس في ذمته هو بل في ذمة شخص آخر يقوم مقامه و يسمى في هذه الحالة الكفيل العيني.
أ-أهلية المدين الراهن: يعتبر الرهن الحيازي عملا من أعمال التصرف لذلك يجب أن يكون الراهن أهلا للتصرف في المال المرهون، و بالنسبة للمدين الراهن يعتبر الرهن الحيازي العقاري تصرفا دائرا بين النفع و الضرر إذ أن المدين الراهن لا يتبرع برهن عقاره بل يبغي من وراء رهنه الحصول على موعد أو مد أجل الدين أو بوجه عام ضمان التزامه و على ذلك يجب أن يكون بالغا سن الرشد غير محجوز عليه(2).
(1) تكتمل الأهلية طبقا للمادة 40 من القانون المدني ببلوغ سن الرشد المحدد يتسعة عشر سنة كاملة مع التمتع بالقوى العقلية و عدم الحجر.
(2)- د/ عبد الرزاق أحمد السنهوري- نفس المرج السابق- ص 882
و بذلك فإن العقد الذي يبرمه الصبي غير المميز و من في حكمه كالمجنون و المعتوه(1) يكون باطلا بطلانا مطلقا. أما العقد الذي يبرمه الصبي المميز أو من كان سفيها أو ذا غفلة (2) يكون قابلا للإبطال.
و يعود الحق في طلب الإبطال إلى الراهن بعد اكتمال أهليته أو لممثله الشرعي قبل ذلك أو لورثته من بعده،ويسقط الحق في إبطال الرهن الحيازي العقاري بالتقادم فيصبح الرهن صحيحا بأثر رجعي من وقت نشوئه و يحتج به على من كسب حقا عينيا على العقار المرهون كدائن مرتهن آخر كسب حقه بعد نفاذ الرهن الأول ولو كان ذلك قبل تمام التقادم (3)
و حق الإبطال مقرر لمصلحة الراهن فلا يحق للمرتهن التمسك به إلا أنه يمكن لدائن المدين الراهن التمسك بالبطلان النسبي عن طريق الدعوى غير المباشرة.
و ليس للقاصر المأذون له بالإدارة أن يرهن لأن له مجرد أعمال الإدارة أما القاصر المأذون له بالتجارة فإن الرهن الصادر عنه يعتبر صحيحا و نافذا. ذلك أن أعمال القاصر المميز المأذون له بإدارة أمواله تكون ممارسته للأعمال الإدارية المحضة صحيحة أما ممارسته لأعمال التصرف قابلة للإبطال و ممارسته للأعمال التبرعية باطلا بطلانا مطلقا(4).
ب- أهلية الكفيل العيني: في هذه الحالة ينعقد الرهن الحيازي بين الدائن المرتهن و المدين الراهن الذي هو كفيل عيني و إلى جانبهما يوجد المدين هذا الأخير ليس طرفا في عقد الرهن بل طرفاه هما الدائن المرتهن و الراهن أي الكفيل العيني و ما المدين إلا شخص أجنبي عن الرهن الحيازي العقاري و قد ثبث في ذمته الدين الأصلي الذي يضمنه العقار المرهون.
و بذلك فإن الرهن الحيازي العقاري بالنسبة للكفيل العيني تختلف الأهلية المطلوبة فيه باختلاف نوع التصرف الذي قام به، فإذا كان بالمقابل فلا يطلب منه إلا التمتع بأهلية التصرف، أما إذا كانت كفالته تبرعية فيجب أن تكون للمدين أهلية التبرع. لأن التصرف هنا من التصرفات الضارة ضررا محضا(5)، ومن ثمه إذا كان الكفيل العيني قاصرا، مميز، أو غير مميز، أو كان محجور عليه ولولسفه أو غفلة و رهن ماله ككفيل عيني كان الرهن باطلا لا قابلا للإبطال.
(1)- تنص المادة 42 من القانون المدني بعد التعديل الأخير للقانون المدني بموجب القانون 05-10 المؤرخ في 20 يونيو سنة 2005 المعدل و المتمم للأمر 75/58 المتضمن القانون المدني المعدل و المتمم«لا يكون أهلا لمباشرة حقوقه المدنية من كان فاقدا التمييز لصغر في السن، أو عته، أو جنون».
يعتبر غير مميز من لم يبلغ ثلاث عشرة سنة حيث أصبح سن التميز 13 سنة بدلا من 16 سنة.
(2)- تنص المادة 43 من القانون المدني دائما بعد التعديل الجديد للقانون المدني بنفس القانون«كل من بلغ سن التمييز و لم بيلغ سن الرشد و كل من بلغ سن الرشد و كان سفيها أو ذا غفلة يكون ناقص الأهلية وفقا لما يقرره القانون» و الملاحظ أن بعد التعديل صحح المشرع الخطأ الذي كان واردا بالنص القديم حيث كان يستعمل المشرع لفظ معتوه و قرر أنه ينقص الأهلية بينما العته يعدم الأهلية و حسنا فعل فالأصح هو لفظ ذا الغفلة مع الإشارة أن النص الفرنسي صحيح لإستعماله لفظ «Frappé d’imbécillité»
(3) د/ عبد الرزاق أحمد السنهوري- نفس المرج السابق- ص883
(4) أ/العربي بن قسمية – نظام الرهن الحيازي الوارد على الديون العادية في التشريع الجزائري- بحث لنيل شهادة الماجستير في القانون – جامعة الجزائر كلية الحقوق – السنة الجامعية 2000-2001 – ص 26
(5) أ /حسين عبد اللطيف حمدان – نفس المرجع السابق – ص 149 وعبد الرزاق أحمد السنهوري - نفس المرجع السابق ص883
2-أهلية الدائن المرتهن: لا تختلف الأهلية في المرتهن عن الأهلية المطلوبة في الراهن، ذلك لأن الرهن الحيازي يرتب على المرتهن التزاما بصيانة العقار المرهون و المحافظة عليه و بإدارته و استثماره وخصم الغلة من الدين المضمون طبقا للمادبين 955 و 956 و 968 من القانون المدني، و هو ما يـفترض فيه أن يكون أهلا للتصرف أي بالغا سن الرشد غير محجور عليه لأن الرهن الحيازي فيه معنى استيفاء الدين(1) .
و من ثمه يكون الرهن الحيازي العقاري بالنسبة للدائن المرتهن عقدا دائرا بين النفع و الضرر. و عليه إذا كان الدائن المرتهن ناقص الأهلية كالصبي المميز فإن الرهن يكون قابلا للإبطال بناءا طلبه بعد بلوغه سن الرشد أو بناءا على طلب ممثله الشرعي أو ورثته من بعده.
أما إذا كان الدائن المرتهن عديم الأهلية كالمجنون و المعتوه والصغيرغير المميز فإن الرهن يكون باطلا بطلانا مطلقا.
و يستوي في ذلك أن يكون الدائن المرتهن قد تعاقد مع المدين الراهن أو تعاقد مع راهن غير المدين أي تعاقد مع الكفيل العيني.
ثانيــا: النيــابة :
طبقا للقواعد العامة فإن من يقوم بعمل لحساب نفسه يجب أن تتوفر فيه الأهلية للقيام بهذا العمل و انه إن قام به لحساب غيره يجب أن تكون له السلطة و الولاية للقيام به. و النيابة قد تكون بحكم القانون و قد تكون اتفاقية
1-النيابة القانونية: فإذا كان المدين الراهن قاصرا غير مميز و من في حكمه كالمجنون و المعتوه و القاصر المميز و من في حكمه كالمحجور عليه لسفه أو غفلة(23) يجوز أن ينوب عنهما الولي أو الوصي أو القيم في ابرام عقد الرهن باعتباره تصرفا دائرا بين النفع و الضرر.
أما إذا كان الرهن الذي يعقده الولي أو الوصي أو القيم بالنيابة عن القاصر أو المحجوز عليه ضمانا لدين على غير القاصر أو المحجور عليه أي بأعتبار هذا الأخير كفيلا عينيا فإن الرهن يقع باطلا بطلانا مطلقا ولو كان بإذن المحكمة، فليس للمحكمة أن تأذن به لأن الرهن في هذه الحالة يعتبر من أعمال التبرع و النائب لا يستطيع التبرع بمال من هو تحت ولايته.
حيث أن المادة 88/1 من قانون الأسرة تنص على أن الولي يجب أن يكون حريصا على مال من هو تحت ولايته و ليس من الحرص إنشاء رهن لضمان دين الغير أي على سبيل التبرع.
(1) د/ محمود جمال الدين زكي –نفس المرجع السابق ص 367 و أيضا أ /حسين عبد اللطيف حمدان نفس المرجع السابق ص 154 و د/عبد الرزاق أحمد السنهوري - نفس المرجع السابق ص 873
(2) تنص المادة 44 من القانون المدني على أنه«يخضع فاقدوا الأهلية أو ناقصوها ،بحسب الأحوال لأحكام الولاية ،أو الوصاية ،أو القوامة ، ضد الشروط ووفقا للقواعد المقررة في القانون»
و تشترط الفقرة الثانية من نفس المادة طلب الإذن من القضاء في التصرفات الدائرة بين النفع و الضرر التي يعقدها الولي كالبيع و الإيجار و أن يراعي القاضي في هذا الإذن حالة الضرورة و المصلحة حسب المادة 80 من قانون الأسرة فإن كان القانون يشترط الإذن و في حالة الضرورة في بعض التصرفات المحددة حصرا في المادة 88 في فقرتها الثانية من قانون الأسرة فإنه من باب أولى أن لا تصح الكفالة العينية التي يعقدها الولي على مال القاصر أو المحجور عليه(1).
2- الوكالـــة: يجوز أن يعقد الشخص رهنا حيازيا على العقار بواسطة نائب اتفاقي على أن تكون الوكالة خاصة، سواء كانت صادرة عن الراهن أو المرتهن و ذلك طبقا للمادة 574 من القانون المدني في فقرتها الأولى تنص على أنه «لا بد من وكالة خاصة في كل عمل ليس من أعمال الإدارة لا سيما في البيع والرهن و...» و بذلك تكون هذه المادة قد أخرجت الرهن من أعمال الإدارة و كيفته على أنه من أعمال التصرف.
و إذا كانت الوكالة صادرة عن كفيل عيني يجب أن تكون الوكالة وكالة خاصة لعمل من أعمال التبرع يبين فيها المال المرهون بيانا كافيا نافيا للجهالة. بأن يكون التوكيل الخاص الصادر من الكفيل العيني مذكورا فيه العقار المراد رهنه و الدين الذي يرهن العقار ضمانا للوفاء به.و إلا كان التوكيل باطلا لأن الوكيل يقوم بعمل من أعمال التبرع.
ثالثـا: إجازة عقد الرهن الحيازي العقاري:
سبقت الإشارة إلى أن عقد الرهن الحيازي العقاري يعتبر من العقود الدائرة بين النفع و الضرر بالنسبة للمدين الراهن و الدائن المرتهن و على ذلك يجب توافر أهلية التصرف. فإن كان أحدهما أو كلاهما قاصرا فيكون العقد صحيحا لكن يكون قابلا للإبطال و يبقى كذلك مهددا بالإبطال حتى ترد عليه الإجازة. كما يمكن أن يزول التهديد بالإبطال بسقوط الحق في ذلك بالتقادم المسقط الذي نصت عليه المادة 101 من القانون المدني(2) و هي 5 سنوات. و يكون الحق في الإجازة للأشخاص التالية:
1-القاصر عند البلوغ و لوكيل عنه بوكالة خاصة طبقا للمادة 100 من القانون المدني(3).
2- الولي أو الوفي أو الجد طبقا للمادة 83 من قانون الأسرة أما بالنسبة للجد فلم تشر إليه المادة لكن يستفاد من نص المادة 92 من نفس القانون التي تنص على أنه «يجوز للأب أو الجد تعيين وصي لولده القاصر» و بما أن للولي حق الإجازة بنص المادة 83 الذي قد يقع تعيينه من الجد فإنه من باب أولى أن يثبث هذا الحق للجد.
(1) أنظر في ذلك أ/إبراهيم بن غانم – نظام الرهن الحيازي الوارد على المنقول في التشريع المدني و التجاري الجزائري –بحث لنيل شهادة الماجستير في العقود و المسؤولية – جامعة الجزائر – معهد العلوم القانونية و الإدارية جانفي 1985 – صفحة 21 و أ/العربي بن قسمية – نفس المرجع السابق – ص 29-30 – هامش رقم 7
(2) وفقا للتعديل الأخير للقانون المدني القانون 05-10 المؤرخ في 20يونيو 2005 المعدل و المتمم للأمر 75/58 في 26 سبتمبر 1975 عدلت المادة 101 من القانون المدني لتصبح مدة التقادم 5 سنوات بدلا من 10 سنوات حيث كان يعاب على المدة السابقة طوال هذه المدة التي يضر بالدائن الذي يظل تصرفه مهدد طول هذه المدة مع الإشارة أن المشرع المصري حددها ب3 سنوات في المادة 140 مدني مصري
(3) تنص المادة 100 من القانون المدني الجزائري على أنه«يزول حق إبطال العقد بالإجازة الصريحة أو الضمنية تستند الإجازة إلى التاريخ الذي تم فيه العقد ،دون إخلال بحقوق الغير»
رابعـا: المنع من التصرف:
قد يكون المنع من التصرف مصدره القانون و ذلك ما نصت عليه المادة 244 من القانون التجاري التي تمنع التاجر بمقتضاها في حالة توقفه عن الدفع وشهر افلاسه إدارة أو التصرف في أمواله و قد حددت المادة 247 من القانون التجاري الأعمال التي تهدف إلى الإضعاف من الضمان العام لمجموعة الدائنين و جعلها غير سارية في حقهم و من بينها تقرير حقوق الرهن على بعض أمواله.
ولا يقتصر الأمر على شخص التاجر بل يشمل أيضا غير التاجر مثلما نصت عليه المواد 191 و 196 في فقرتها الأولى من القانون المدني التي جعلت تصرفات الأشخاص المعسرين غير سارية في اتجاه مجموعة الدائنين متى كانت قد أبرمت في فترة الإعسار.
أما كون المنع من التصرف مصدره الاتفاق أو الإرادة المنفردة فإن المشرع الجزائري على عكس التشريعات العربية(1) التي أقرت شرط المنع من التصرف بشرط أن يكون له باعث مشروع أو مقصور على مدة معقولة و يثير سكوت المشرع على مثل هذا الشرط غموضا لا يفهم منه إن كان يأخد بهذا الشرط أم لا. و يرى في هذا الشأن الأستاذ أحمد وحيد الدين سوار أن إغفال النص على هذا الموضوع و السكوت عليه يفيد بأن المشرع يريد الأخذ بما انتهى إليه الفقه الإسلامي الذي يقر هذا الشرط(2).
و السؤال الذي يطرح هو: ما هو أثر المنع في أهلية الراهن، هل يؤدي لاعتبار الراهن عديم الأهلية، فيقع الرهن الذي قرره باطلا؟
لا يترتب على ذلك زوال التصرف و إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كان عليها قبل العقد، بل هو نوع من عدم نفاذ التصرف في حق جماعة الدائنين مع بقائه صحيحا بين المفلس و من تصرف إليه. فتوقف التاجر عن الدفع أو شهر إفلاسه لا يؤثر في أهليته في إبرام الرهن و لا يجعل الرهن باطلا، إنما يجعله غير نافذ في حق جماعة الدائنين(3).
فالمنع من التصرف سواء كان مصدره الإتفاق أو القانون لا يؤثر في أهلية المالك لأن الذي يؤثر في الأهلية هو العارض الذي يؤثر في التمييز فيعدمه أو ينقص منه، و عوارض الأهلية حددها القانون في الجنون و العته و السفه و الغفلة، أما المنع من التصرف فليس بعارض يعيب الشخص في تمييزه فيؤثر في أهليته لأن الشخص يكون كامل الأهلية فتنشأ ظروف تفرض منعه من التصرف بمال يملكه. ثم لو فرضنا أنه يؤثر في أهلية المالك فمعنى ذلك أنه يمكن أن ينوب عنه نائب يباشر عنه حقه الممنوع و هذا يهدد الحكمة من قيام هذا الشرط(4).
(1) نصت المادة 823 مدني المصري«إذا تضمن العقد أو الوصية شرط يقضي بمنع التصرف في مال فلا يصح هذا الشرط ما لم يكن مبنيا على باعث مشروع أو مقصور على مدة معقولة»
(2) أشار لهذا الرأي أ/إبراهيم بن غانم – نفس المرجع السابق - ص 28
(3) أ/حسين عبد اللطيف حمدان – نفس المرجع السابق - ص 87
(4) أ/حسين عبد اللطيف حمدان – نفس الموضع
الفرع الثاني: العقار(1) المرهون:
العقار و هو محل الرهن الحيازي و في ذلك تنص المادة 949 (2) من القانون المدني«لا يكون محلا للرهن الحيازي إلا ما يمكن بيعه استقلالا بالمزاد العلني من منقول أو عقار» و يلاحظ على هذا النص أن المشرع إقتصر فيه على ذكر شرط واحد وهوأن يكون الشئ المرهون مما يمكن بيعه استقلالا بالمزاد العلني و لم يتطرق إلى شرطي التعيين الكافي للعقار و الملكية أسوة بالرهن الرسمي.
و لمزيد من التفصيل سنتعرض بالدراسة إلى للشروط التالية:
أولا: يجب أن يكون العقار قابلا للبيع:
و مفاد هذا الشرط ألا يكون خارجا من دائرة التعامل بحكم القانون طبقا للمادة 682 من القانون المدني، و على ذلك لا يمكن رهن العقار المصنف ضمن الأملاك العامة لأنه لا يمكن التصرف فيه.و الحكمة من اشتراط كون العقار قابلا للبيع بالمزاد العلني هو تمكين الدائن المرتهن في حال عدم الوفاء بالدين في بيع العقار المرهون و استيفاء دينه من ثمنه(3).
فإذا كان العقار غير جائز التعامل فيه فإنه يتعذر التنفيذ عليه و بيعه بالمزاد العلني فتتعطل بذلك الغاية من الرهن.
و لذلك لا يجوز إنشاء الرهن على العقارات التي لا تقبل البيع كالعقارات التابعة لأملاك الدولة أو العقارات الموقوفة. و لما كانت قابلية العقار المرهون للبيع بالمزاد العلني شرط في المال المرهون فإن إنشاء الرهن على العقارات بالتخصيص(4) غير جائز، و ذلك برهنها مستقلة عن العقار الذي خصصت له، أما إذا كان هذا العقار غير مرهون جاز للمالك أن يفصل العقارات بالتخصيص و يرهنها مستقلة رهن حيازي.و إذا كان العقار الأصلي قد رهن رسميا و رهن العقار بالتخصيص رهنا حيازيا كان لمرتهن العقار رهنا رسميا أن يتتبع العقار بالتخصيص مالم يتسلمه المرتهن.
ثانيـا: يجب أن يكون العقار معينا تعينا كافيا:
لم يرد ضمن أحكام الرهن الحيازي نص على وجوب تعيين العقار المرهون كنص المادة 886 من القانون المدني المتعلقة بالرهن الرسمي، حيث جاء في المادة 886 «... و يجب أن يكون العقار المرهون...معينا بالذات تعيينا دقيقا...». و هذا الحكم يقرر مبدأ تخصيص الرهن من حيث العقار المرهون، و الهدف من تقرير التخصيص هو القضاء على الرهن العام الذي يرد على أموال المدين برهن كل عقاراته لكن مع تخصيص كلا منها. فيذكر في عقد الرهن الحيازي كل عقار يرهنه بالذات(5) .
(1) عرف المشرع الجزائري العقار بنص المادة 683/1 قانون مدني«كل شيء مستقر بحيزه و ثابت فيه و لا يمكن نقله معه دون تلف فهو عقار ، و كل ما عدا ذلك من شيء فهو منقول»
(2) تقابلها المادة 1097 من القانون المدني المصري
(3) أ/ حسين عبد الطيف حميدان - نفس المرجع السابق ص 156
(4) عرف المشرع الجزائري العقار بالتخصيص بنص المادة 683/2 قانون مدني«غير أن المنقول الذي يضعه صاحبه في عقار يملكه ،رصدا على خدمة هذا العقار أو استغلاله يعتبر عقارا بالتخصيص»
(5) أ/ محمدي سليمان - مجموعة محاضرات ألقيت على طلبة الليسانس - السنة الثالثة كلية الحقوق و العلوم الإدارية –بن عكنون- الجزائر السنة الدراسية 2000- 2001
و تعيين العقار يجب أن يكون دقيقا من حيث طبيعته و موقعه و في ذلك تنص المادة 93 في فقرتها الخامسة من المرسوم 63-76 المتعلق بتأسيس السجل العقاري اشترطت تعيين العقار طبقا للمادة 66 من نفس المرسوم التي نصت على مايلي «كل عقد أو قرار قضائـي موضوع إشهار في محافظة عقارية يجب أن يبين فيه بالنسبة لكل عقار يعينه النوع و البلدية التي تقع فيها و تعيين القسم و رقم المخطط و المكان المذكور...».
و إذا أغفل أحد البيانات و لم يمنع هذا من اعتبار العقار معينا تعينا دقيقا فلا أثر لهذا الإغفال، إذ الفكرة بتعيين العقار. و التعيين هو من طبيعة الرهن الحيازي لأن الرهن لا ينفذ في حق الغير إلا بتسليم العقار المرهون و بقيده في السجل العقاري طبقا لنص المادة 966 من القانون المدني.
و يشمل رهن العقار رهنا حيازيا ملحقاته و ثماره كذلك استنادا إلى أن تسليم الشيء المرهون تسري عليه أحكام تسليم الشئ المبيع طبقا للمادة 951 في فقرتها الثانية من القانون المدني، و تسليم الشيء المبيع يشمل تسلم ملحقاته و هي كل ما أعد بصفته دائمة لاستعمال هذا الشئ.
و يأخذ على المشرع الجزائري عدم النص عليها في أحكام الرهن الحيازي(1) أو الإحالة على نص المادة 887 من القانون المدني المتعلقة بالرهن الرسمي و التي تنص على «يشمل الرهن ملحقات العقارالمرهون التي تعتبر عقارا و يشمل بوجه خاص حقوق الإرتفاق و العقارات بالتخصص و كافة التحسينات و الإنشاءات التي تعود بالمنفعة على المالك، ما لم يتفق على غير ذلك مع عدم الإخلال بامتياز المبالغ المستحقة للمقاولين و المهندسين المعماريين المنصوص عليه في المادة 997 » و لكننا نرى أنه ليس هناك ما يمنع من تطبيقها على الرهن الحيازي العقاري.
ففيما يتعلق بالملحقات فإنه يشملها الرهن الحيازي العقاري وتكون مرهونة رهنا حيازيا كالعقارالأصلي و يجب تسليمها للدائن المرتهن رهنا حيازيا. و يقصد بشمول الرهن لملحقات العقار المرهون أن الدائن عند اتخاذ إجراءات التنفيذ على العقار فإنه ينفذ أيضا على ملحقاته و يستوفي حقه من ثمن العقار و من ثمن الملحقات. و لقد أعطى المشرع أمثلة لما يعتبر من ملحقات العقار في نص المادة 887 من القانون المدني و منها العقارات بالتخصيص، حقوق الإرتفاق، التحسينات و المنشآت، و يلاحظ أن الملحقات المشار إليها في هذا النص ليست واردة على سبيل الحصر كما أن هذا النص ليس من النظام العام فيجوز للمتعاقدين استبعاد البعض منها أو كلها من ضمان الدائن، و إذا وجد اتفاق من هذا القبيل فالإتفاق هو الذي يطبق و إن لم يوجد طبق نص المادة 887 من القانون المدني(2) و يعتبر من ملحقات العقار:
(1) و في ذلك جارى المشرع الجزائري المشرع المصري على عكس المشرع الأردني الذي نص على ذلك بموجب المادة 383 من القانون المدني الأردني«يشمل الرهن الحيازي كل ما يشمله البيع من ملحقات متصلة بالمرهون» و كذا المشرع الكويتي نص بالمادة 1031 من القانون المدني الكويتي«يشمل الرهن الحيازي ملحقات الشيء المرهون»
(2) أ/ محمدي سليمان – نفس المرجع السابق
1-حقوق الإرتفاق: يشمل الرهن الحيازي حقوق الارتفاق المقررة لخدمة العقار المرهون سواء نشأت هذه الحقوق قبل الرهن أو بعده، مع الملاحظة أنه لا يمكن رهنها مستقلة عن العقار المخدوم.
فحق الإرتفاق يتبع العقار الذي يخدمه ولا ينفصل عنه فتكون حقوق الإرتفاق مرهونة رهن حيازة مع العقار الأصلي(1) .
2-العقارات بالتخصيص: و هي منقولات بطبيعتها رصدت لخدمة العقار، ولاكتساب هذه المنقولات صفة العقار يجب أن يكون تخصيصها تخصيص عيني أي تخصيص لخدمة العقار و ليس تخصيص شخصي لصاحب العقار ،و يجب كذلك أن يكون مالك العقار المرهون هو نفسه مالك المنقول(2)
و يستوي أن يكون العقار بالتخصيص موجودا وقت رهن الحيازة أو وجد بعد ذلك ،و إذا فصل العقار بالتخصيص عن الرهن الحيازي بعدما كان مرهون ثم فصله الراهن و باعه و سلمه للمشتري ،قإن المشتري إذا كان حسن النية تملك العقار بالتخصيص الذي أصبح منقول . و لكن يجوز للدائن المرهون رهن حيازة أن يحجز على الثمن و هو في يد المشتري إذا كان هذا لم يدفعه بعد ،و يستطيع الدائن المرتهن رهن حيازة أن يعارض في تسليم العقار بالتخصيص للمشتري إذا كان هذا الأخير لم يستلمه بعد(3).
3-التحسينات و المنشآت : و يقصد بها كل ما يلحق العقار المرهون من زيادة مادية بفعل الإنسان أو بفعل الطبيعة كتراكم الطمي الذي يزيد في مساحة الأرض و ما يقوم به مالك العقار بنفسه كتوسيع غرف المنزل أو أعداد حديقة له أو بناء طابق جديد. فكل ذلك يعتبر إنشاءات تتبع الشيء المرهون و تدخل في الرهن الحيازي. و الرهن يمتد ليشمل هذه المنشآت بقوة القانون حتى و لو أنشأت بعد قيد الرهن ،و تصبح مرهونة أيا كانت قيمتها و لو فاتت قيمة العقار المرهون في الأصل شريطة أن يكون مالك المنشآت هو مالك العقار المرهون.
4-الثمار: أما فيما يتعلق بالثمار فإن الدائن المرتهن رهن حيازة للعقار يستلم العقار المرهون و متى استولى عليه فإنه يستولي أيضا على ثماره و الثمار إما أن تكون مستحدثة بفعل الإنسان كالمحصولات الزراعية و غيرها ،و إما أن تكون طبيعية كنتاج الحيوانات أو مدنية. و تدخل هذه الثمار ضمن ما قبضه المرتهن رهن حيازة ويحاسب الراهن عليها.
و تلحق هذه الثمار بمجرد تسليم هذا العقار إلى الدائن أو الغير الذي أختاره المتعاقدين فيكون له قانونا أن يحبسها و يستوفي الدائن حقه منها ،و في هذا يختلف الرهن الحيازي العقاري عن الرهن الرسمي الذي لاتلحق فيه ثمار العقار المرهون به إلا من وقت من وقت تسجيل تنبيه نزع الملكية(4) .
(1) د/عبد الرزاق أحمد السنهوري - نفس المرجع السابق ص 895 بند 520 و محمدي سليمان – نفس المرجع السابق - ص 16
(2) أ/ محمدي سليمان – نفس المرجع السابق
(3) د/عبد الرزاق أحمد السنهوري - نفس المرجع السابق ص 895 بند 520
(4) عبد الناصر توفيق العطار نفس المرجع السابق – ص 195
و قد يحدث و أن يحل الدين المضمون قبل أن يستوفي الدائن المرتهن على الثمار .عند ذلك يرى الأستاذ الدكتور أحمد عبد الرزاق السنهوري «يترتب على تسجيل تنبيه نزع ملكية العقار الأصلي المرهون أن يلحق بالعقار ما يغله من ثمار و إيراد عن المدة التي أعقبت التسجيل و يجري في توزيع هذه الغلة ما يجري في توزيع ثمن العقار ،فإذا كانت الثمار مدنية فما يستحق منها عن المدة اللاحقة لتسجيل التنبيه إلى وقت رسو المزاد يلحق بالعقار و يوزع كما يوزع ثمن العقار المرهون نفسه. أما إذا كانت الثمار مستحدثة أو طبيعية فلا تلحق بالعقار إلا بنسبة المدة التي أعقبت التسجيل إلى كل المدة التي بقيت فيها الثمار في الأرض ذلك أنه لا مبرر للتفرقة بين الثمار المدنية و بين الثمار المستحدثة أو الطبيعية ،و ما دامت هذه الثمار المستحدثة أو الطبيعية بقيت في الأرض قبل التسجيل فإن ما يقابل هذه المدة يكون من حق الراهن(1)»
ثالثا: أن يكون العقار مملوكا للراهن :
باعتبار الرهن الحيازي العقاري بمثابة التصرف في العقار لذلك يشترط فيمن يتصرف فيه أن يكون مالكه أو صاحب حق عيني عليه كحق الانتفاع(2) سواء كان الراهن مدينا أو كفيلا عينيا ،انطلاقا من قاعدة عدم جواز التصرف في ملك الغير ، كما أنه لا يمكن له إعطاء حق عليه لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
هذا و أن الرهن يتأثر بكل الخالات التي هي عليها ملكية الراهن ،فأن كان الراهن حيازة مالك تحت شرط فاسخ Condition Résolutoire و لم يتحقق الشرط فإن الراهن يصبح مالكا بشكل بات لعدم تحقيق الشرط ،و رهنه يصبح باتا أيضا . أما إذا تحقق الشرط فإن الراهن يزول ملكيته بأثر رجعي ،و يعتبر غير مالك للمال من أول الأمر و يزول رهنه بأثر رجعي للشرط الفاسخ.
أما إذا كان الراهن مالك تحت شرط واقف Condition Suspensiveو لم يتحقق الشرط ،فإن الراهن يعتبر غير مالك أصلا لعدم تحقق الشرط فيزول رهنه بأثر رجعي ،أما إذا تحقق الشرط الواقف فإن الراهن يعتبر مالك بأثر رجعي من أول الأمر و يعتبر رهنه صحيحا كذلك من أول الأمر(3).
و على ذلك فأن تحقق الشرط الفاسخ أو عدم تحقق الشرط يؤديان إلى زوال الملكية بأثر رجعي عن المالك و بالتالي يزول رهنه بأثر رجعي كذلك.
1- رهن العقار المملوك على الشيوع :
طبقا للمادة 714 في فقرتها الأولى من القانون المدني تنص على أنه«كل شريك في الشيوع يملك حصته ملكا تاما و له أن يتصرف فيها....» و قد نص المشرع الجزائري على الرهن العقاري المملوك رسميا في المادة (4)890 من القانون المدني بينما لم يحل على تلك الأحكام فيما يتعلق بالرهن الحيازي العقاري.
(1) د/عبد الرزاق أحمد السنهوري - نفس المرجع السابق ص 896 بند 520
(2) H.Mezeaud. J.Mazeaud .F Chabas . op.cit.p 174
(3) د/عبد الرزاق أحمد السنهوري - نفس المرجع السابق ص 875 بند 520
(4) أنظر المادة 890 من القانون المدني الجزائري
و على ذلك فإننا نرى بإمكانية تطبيق هذه الأحكام مع مراعاة خصوصيات الرهن الحيازي العقاري ما دام أن الشريك يعتبر مالكا لحصته و له حق التصرف فيها و بالتالي فإن الرهن الصادر عنه يعتبر رهنا صحيحا بشرط ألا يلحق ضررا بباقي الشركاء الآخرين.
و يأخذ رهن العقار المملوك الشيوع ثلاث فرضيات أو حالات و هي :
أ- أذا كان الرهن صادر من جميع الشركاء : فهو رهن صحيح لأنه صادر من ملاك إلا أن مصيره يتوقف على نتيجة القسمة .فإذا وقع العقار المرهون كله في نصيب أحد الشركاء أو بعضهم نفذ الرهن بنسبة حصصهم الأصلية و أعتبر بالنسبة لحصص باقي الشركاء و اردا على ملك الغير و هو رأي من لا يقر بفكرة الحلول العيني في هذا المجال حيث يرى الأستاذ سليمان مرقس«أن حكم المادة 1039 في فقرتها الأولى من القانون المدني هو خاص بالرهن الرسمي و لا يطبق إلا عليه لأنه ورد استثناء من القواعد العامة وورد في نصوص الرهن الرسمي و لم ترد الإحالة عليه لتطبيقه على الرهن الحيازي فيتعين قصره على الرهن الرسمي»(1).
و نحن لا نرى في هذا الحل مبررا طالما أن الرهن منذ البداية صادر من جميع الشركاء على الشيوع و عليه ينبغي إكمال فكرة الحلول العيني و هو مذهب الكثير من شراح القانون المصري الذي تتفق فيه أحكام المادة 1039 في فقرتها الثانية مدني المصري مع المادة 890 في فقرتها الثانية مدني جزائري حيث يرون سريان الحلول العيني في رهن الحيازة تطبيقا للقواعد العامة ،و قد أورد السنهوري نصا للأستاذ محمد كمال مرسي جاء فيه «و نرى الأخذ بالأحكام المقررة في الرهن الرسمي في المادة 1039 لاستعمال حق الحلول العيني ،في رهن الحيازة وهي أولا : أن سيتصدر الدائن المرتهن أمرا على عريضة يعين به القاضي القدر الذي يقع عليه الرهن. ثانيا: أن يقوم الدائن باجراء قيد جديد يبين القدر الذي انتقل إليه الرهن حلال تسعين يوما من الوقت الذي يخبره فيه أي ذي شأن بتسجيل القسمة»(2).
ب- إذا كان الرهن صادر من شريك على الشيوع لجزء مفرز : و يعتبر كذلك رهنا صحيحا و لا ينفذ في حق غيره إلا إذا حاز المرتهن الجزء المفرز و تمت القسمة ووقع الجزء المفرز في نصيب الراهن.
و تنص المادة 714 في فقرتها الثالثة من القانون المدني«و للمتصرف إليه إبطال التصرف إذا كان يجهل أن المتصرف لا يملك العين المتصرف فيها مفرزة». فإذا لم يكن المرتهن يعلم بحالة الشيوع حيازة له طلب الإبطال.
(1) د/عبد الرزاق أحمد السنهوري - نفس المرجع السابق بند 518 ص 891
(2) د/عبد الرزاق أحمد السنهوري - نفس الموضع
و إذا وقع عند القسمة الجزء المرهون في نصيب شريك آخر لا ينفذ في مواجهته و إنما حق الدائن المرتهن ينتقل إلى الجزء الذي وقع في نصيب الراهن طبقا لما تنص عليه المادة 890 في فقرتها الثانية «وإذا رهن أحد الشركاء حصته الشائعة في العقار أو جزءا مفرزا من هذا العقار ،ثم وقع في نصيبه عند القسمة أعيان غير التي رهنها انتقل الرهن بمرتبة إلى الأعيان المخصصة له بقدر يعادل العقار الذي كان مرهونا في الأصل ،و يبين هذا القدر بأمر على عريضة ،ويقوم الدائن المرتهن بإجراء قيد جديد يبين فيه القدر الذي انتقل إليه الرهن خلال تسعين يوما من الوقت الذي يخطر فيه أي ذي شأن بتسجيل القسمة و لا يضر انتقال الرهن على هذا الوجه برهن صدر من جميع الشركاء و لا بامتياز المتقاسمين».
ج- أما إذا رهن أحد الشركاء على الشيوع حصة شائعة: فإن هذا الرهن أيضا يعتبر صحيحا بإعتبار أن كل شريك يملك حصته ملكا تماما، و لكنه لا ينفذ في حق الغير إلا إذا أمكن الدائن المرتهن أن يحوز الحصة الشائعة، و لكن إذا وقع في نصيبه بعد القسمة جزء مفرز مساوي للحصة الشائعة المرهونة فإن حق الدائن المرتهن يرد على هذا الجزء بمقتضى فكرة الحلول العيني، أما إذا وقع بعد القسمة كل العقار من نصيب الشريك فحق الدائن أيضا يبقى مضمون.
و لكن إذا وقع بعد القسمة في نصيب الراهن عقار آخر غير الذي رهنه أو جزء مفرز من عقار غير العقار الذي رهنه فإن المشرع قرر انتقال حق الدائن المرتهن إلى ما وقع في نصيب الراهن.
أما إذا لم يقع في نصيب الراهن أي جزء من العقار و إنما كان نصيبه بعد القسمة مبلغ من النقود فالمنطق و حماية الدائن المرتهن يقتضيان أن يستوفي حقه بالأفضلية من تلك النقود رغم انقضاء حق التتبع.
- الرهن الصادر من المالك الظاهر: هو الشخص الذي لا يملك العقار حقيقة و لكن توفرت له مظاهر الملكية، فما هو مصير الرهن الذي يعقده مثل هذا المالك؟
انقسم الفقه إلى قسمين(1):
رأي 1: الرهن لا ينفذ في حق الملك الحقيقي و هو قابل للإبطال.
رأي 2: وجوب حماية الدائن المرتهن الذي أطمأن للوضع الظاهر فقبل الرهن و هو يعتقد صحته.
وهذا الرأي الأخير جدير بالتأييد لأنه يوفر الأمن في التعامل و الثقة في المعاملات لاسيما اعتماد الدائن المرتهن في رقابة ملكية المدين للعقار إلى القيد في السجل العقاري وبهذه الاعتبارات أخذ المشرع الجزائري بمبدأ حماية الأوضاع الظاهرة(2).
هذا و توجد ثلاث فئات للمالك الظاهر و هي:
(1)- أشار لهذين الرأيين الأستاذ حسن عبد الطيف حمدان – نفس المرجع السابق – بند 117 - ص 163 .
(2)- أنظر المواد 76 و198 و268 من القانون المدني الجزائري.
أ-الوارث الظاهر: و هو من يعتقد في نفسه و يعتقد الناس فيه أنه وارث حقيقي للمورث ثم تبين أنه ليس كذلك لوجود وارث آخر يحجبه حجب حرمان، و الرهن الذي أبرمه الوارث الظاهر يكون رهنا صحيحا و يجوز للمرتهن أن يتمسك بهذا الرهن إن كان حسن النية بأن أعتقد وقت التعاقد أن الوارث هو وارث حقيقي للعقار، و له في هذه الحالة التمسك بالرهن ضد الوارث الظاهر و ضد الوارث الحقيقي(1).
ب- المالك الظاهر بسند صوري:و سند ملكيته هو عقد صوري كبيع أو هبة كأن يبيع شخص لآخر عقار بعقد صوري متخذ ورقة ضد في العقد الحقيقي فالمشتري بعقد صوري يظهر أمام الجميع أنه اشترى بعقد حقيقي و أن العقار المبيع أصبح ملكا له مادام قد أشهر. فإذا رهن العقار كان رهنه صحيحا إذا كان الدائن المرتهن حسن النية أي يعتقد أن الراهن هو المالك الحقيقي و له أن يتمسك بهذا الرهن ضد المالك الظاهر و المالك الحقيقي.
ج-المالك الظاهر باسم مستعار: و هو من يشتري باسمه مالا لحساب شخص آخر كأن يشتري الوكيل باسمه هو لا باسم موكله عقارا متفقا مع موكله على ذلك، فيكون في نظر الناس هو المالك لهذا العقار.
فإذا رهن العقار كان رهنه صحيحا إذا كان حسن النية و له التمسك به في مواجهة الاسم المستعار و في مواجهة المالك الحقيقي.
3- رهن ملك الغيـر:و يقصد به الرهن الصادر من شخص لا يملك العقار المرهون و في هذا الصدد لم يحلنا المشرع الجزائري على نص المادة 884(2) من القانون المدني كما يعاب عليه عدم تنظيمه لرهن ملك الغير رهنا حيازيا مثلما فعل في بيع ملك الغير و الذي لم يحلنا إلى أحكامه .لذلك يطرح التساؤل حول حكم هذا الرهن ،ففي حالة وقوعه كيف سيتسنى للدائن المرتهن عند حلول أجل الدين و عدم استيفاءه الدين الحق في بيع العقار المرهون بالمزاد العلني و من تمة نقل الملكية من المدين إلى الراسي عليه المزاد إذا كان هذا العقار غير مملوك له؟
إن الرهن باعتباره من أعمال التصرف فهو يتحد مع البيع في هذه الطبيعة ،لكننا لايمكننا أن نقيس الأحكام الواردة في بيع ملك الغير(3) على رهن ملك الغير و عليه لايمكن القول أنه من حق الدائن المرتهن المطالبة بإبطال العقد على أساس عدم ملكية الراهن للعقار المرهون.
و عليه و إعمالا لقاعدة لابطلان إلا بنص فإننا نرى أنه إذا رهن المدين أو الكفيل العيني عقارا لا يملكه فإن العقد لا يكون نافذا في حق المالك و إن كان صحيحا بين الطرفين طالما مكن المدين الدائن المرتهن من حيازة العقار المرهون. إلا انه و في حالة عدم تنفيذ الراهن التزامه بتسليم العقار المرهون إلى الدائن المرتهن هنا نرى بإمكانية إعمال الفسخ لعدم تنفيذ المدين التزامه و بالتالي يحل أجل الدين.
(1) – أ/ حسن عبد الطيف حمدان – نفس المرجع السابق – بند 116 - ص 156 و د/عبد الرزاق أحمد السنهوري - نفس المرجع السابق بند 513 ص 881 .
(2) –تنص المادة 884 من القانون المدني«يجوز أن يكون الراهن هو المدين نفسه أو شخص آخر يقدم رهنا لمصلحة المدين و في كلتا الحالتين يجب أن يكون الراهن مالكا للعقار المرهون و أهلا للتعرف فيه»
(3) تنص المادة 1023 مدني المصري«إذا كان الراهن غير مالك للعقار المرهون فإن عقد الرهن يصبح صحيحا إذا أقرد المالك الحقيقي»
لكن إذا وقعت الإجازة من المالك الحقيقي فإنها تجعل الرهن صحيحا و يصبح الراهن في هذه الحالة هو المالك الحقيقي الذي يكون حينئذ بمثابة كفيل عيني.
4-زوال ملكية الراهن بأثر رجعي: قد يحدث بعد الرهن أن تزول ملكية الراهن للعقار المرهون بأثر رجعي بسبب إبطال عقد شرائه أو إلغائه أو بغير ذلك من الأسباب المؤدية لزوال الملكية بأثر رجعي.
و في هذا الصدد تنص المادة 885 من القانون المدني «يبقى صحيحا لمصلحة الدائن المرتهن الرهن الصادر من المالك الذي تقرر إبطال سند ملكيته أ و فسخه أو إلغاؤه أو زواله لأي سبب آخر إذا ثبث أن الدائن كان حسن النية وقت إبرام عقد الرهن». و الملاحظ على هذا النص أنه يخالف القواعد العامة إذ يصحح رهنا صدر من غير مالك فالراهن قد أبطل سند ملكيته أو فسخ بأثر رجعي لذلك يجب قصر هذه المادة على الرهن الرسمي و عدم تعميمها على الرهن الحيازي العقاري(1) .
و لا يوجد نص يجعل هذا النص ينطبق أيضا في حال الرهن الحيازي العقاري .إلا أنه بالرجوع للمادة 86 من المرسوم 76/63 المتعلق بتأسيس السجل العقاري التي تنص على أنه «إن فسخ الحقوق العينية العقارية أو إبطالها أو إلغائها أو نقضها عندما ينتج أثرا رجعيا لا يحتج به على الخلف الخاص لصاحب الحق المهدر...».
و باعتبار الدائن المرتهن رهنا حيازيا خلفا خاصا للمدين الراهن فإنه لا يؤثر زوال ملكية الرهن بأثر رجعي في بقاء الرهن الحيازي.
5- رهن الملك المستقبل: كما أذا رهن شخص ما يؤول إليه من عقار عن طريق الميراث أو العقار الذي ينوي شراءه في وقت لاحق.
و في هذا الصدد تنص المادة 1098 من القانون المدني المصري«....على الرهن الحيازي أحكام المادة 1033...المتعلقة بالرهن الرسمي» و تنص المادة 1033 في فقرتها الثانية«...ويقع باطلا رهن المال المستقبل» وبذلك يكون المشرع المصري قد حسم الموقف.
أما بالنسبة للتشريعات التي يعتبر التسليم فيها ركن في العقد كالتشريع اللبناني و الفرنسي فإن جزاء رهن الملك المستقبل هو البطلان المطلق لأن من مقتضيات الرهن أن يسلم الراهن العقار المرهون للدائن المرتهن و إن تعذر التسليم كان الرهن باطلا بطلانا مطلقا لتخلف ركن من أركانه.
(1) د/عبد الرزاق أحمد السنهوري - نفس المرجع السابق بند 519 ص 893
أما بالنسبة للمشرع الجزائري فلم يحسم الموقف بنص قانوني لذلك نسترشد بتطبيق القواعد العامة ،و في هذا الصدد تنص المادة 392 في فقرتها الأولى من القانون المدني«يجوز أن يكون محل الالتزام شيء مستقبلا محقا» فطبقا لهذا النص الأصل هو صحة التصرف في الأموال المستقبلية و الاستثناء هو البطلان، ومن شروط محل الرهن الحيازي أن يكون قابلا للبيع بالمزاد العلني طبقا للمادة 949 من القانون المدني و من شروط المحل القابل للبيع بالمزاد أن يكون معينا تعيينا دقيقا هذا من جهة و من جهة أخرى المادة 93 في فقرتها الخامسة من المرسوم 76/63 المتعلق بتأسيس السجل العقاري اشترطت تعيين العقار طبقا للمادة 66 من نفس المرسوم التي تنص «كل عقد أو قرار قضائي موضوع اشهار بالمحافظة العقارية يجب أن يبين فيه بالنسبة لكل عقار يعينه النوع و البلدية التي يقع فيها و تعيين القسم و رقم المخطط و المكان...»
و على ذلك لا يمكن تصور رهن عقار رهنا حيازيا لازال لم يبنى بعد لعدم إمكانية تعيينه تعيينا دقيقا كما حددته المواد السابقة الذكر أعلاه إعمالا لقاعدة تخصيص الرهن و على ذلك يقع باطلا.
الفرع الثالث: الدين المضمون
يعتبر عقد الرهن الحيازي عقد تبعي أنشئ لضمان الوفاء بالدين و أن وجود الدين المضمون ليس شرطا لوجود الرهن و حسب بل هو أيضا عنصر لتكييفه إن كان مدنيا أم تجاريا.
و قد أحالت المادة 950 من القانون المدني إلى المادة 891 من القانون المدني المتعلقة بالرهن الرسمي التي تنص على أنه«يجوز أن يترتب الرهن ضمانا لدين معلق على شرط أو دين مستقبلي أو دين احتمالي كما يجوز أن يترتب ضمانا لاعتماد مفتوح أو لفتح حساب جار على أن يتحدد في عقد الرهن مبلغ الدين المضمون أو الحد الأقصى الذي ينتهي إليه هذا الدين»
فيصح أن يعقد الرهن لضمان الإلتزامات أيا كان أوصافها سواء كان الالتزام منجزا أو معلق على شرط أو مقترنا بأجل أو مستقبلي أو احتمالي ،على أنه عملا بمبدأ تخصيص الرهن يجب أن يذكر في عقد الرهن أو في وثيقة لاحقة مبلغ الدين المضمون أو الحد الأقصى الذي ينتهي إليه الدين.
أولا: شروط الدين المضمون بالرهن:
يشترط في الدين المضمون بالرهن أن يكون موجودا و صحيحا قابلا للتنفيذ الجبري و محددا.
1-يجب أن يكون الدين المضمون موجودا و صحيحا: سبق التقديم أن الدين هو سبب الرهن لذلك فإن الدين لازم لوجود الرهن، فالرهن حق تابع ينشأ لضمان الوفاء فلا يتصور وجود الرهن دون وجود الحق المضمون به، و لا يتوافر هذا الشرط إلا إذا كان الدين المضمون قد تشأ صحيحا قبل الرهن و بقي قائما إلى حين انعقاد الرهن، فإذا كان الدين غير موجود وقت الرهن وقع الرهن باطلا و على هذا لا يجوز عقد الرهن لضمان دين نشأ عن عقد باطل لأنه في حكم غير الموجود و لا من أجل دين انقضى قبل الرهن لأي سبب من أسباب الإنقضاء كالوفاء(1) على أنه لا يشترط في وجود الدين المضمون أن يكون منجزا، بل يجوز أن يكون دينا معلق على شرط أو دين مستقبلي أو دين إحتمالي كما في تقرير الرهن لفتح إعتماد أو من أجل حساب جار.
2- يجب أن يكون الدين المضمون قابلا للتنفيذ الجبري:و هو ما يدفعنا للبحث في مسألة نوع الإلتزام الذي يصلح أن يكون مضمونا بالرهن.
الأصل أن كل التزام صالح أن يكون مضمونا بالرهن إذ لا يهم فيما إذا كان الإلتزام المضمون هو التزام بدفع مبلغ من النقود أم التزام بالقيام بعمل أو الإمتناع عنه.
و لا يهم أن يكون مصدره تصرف قانوني أو واقعة قانونية، ولا يهم أيضا أن يكون العقد منجزا أو مقترنا بأجل أو بات أو معلق على شرط واقف أم فاسخ، و يصح أن يكون الرهن ضامنا لألتزام مستقبلي، كفتح إعتماد كما يصح أن يكون الإلتزام المضمون مجرد احتمالي كفتح حساب جاري ففي جميع هذه الأحوال
يصح أن يكون محلا للضمان.
(1) أ/عبد اللطيف حمدان – نفس المرجع السابق بند 123 – ص 184
أما الإلتزام الطبيعي فلا يصلح أن يكون الرهن ضمانا له، لأنه يشترط في الدين المضمون أن يكون من الديون التي يمكن إجبار المدين على تنفيذها، و على ذلك لا يمكن تقرير الرهن لضمان إلتزام طبيعي لأن هذا الأخير لا يقبل التنفيذ الجبري.
3-يجب أن يكون محددا: إن نص المادة 891 من القانون المدني التي أحالت إليها المادة 950 من القانون المدني تقضي بجواز ورود الرهن على ضمان التزام مستقبلي أو مجرد احتمالي مما يوحي للوهلة الأولى أن الإلتزام المضمون غير خاضع لمبدأ التخصيص. لكن بقراءة النص بتأني نجد أنه في آخر المادة جاء فيها «...على أن يتحدد في عقد الرهن مبلغ الدين المضمون أو الحد الأقصى الذي ينتهي إليه هذا الدين».
لذلك فإننا نقول بوجوب اخضاع الإتزام المضمون لمبدأ التخصيص في عقد الرهن و في القيد. فحرص المشرع في المادة 891 من القانون المدني لا يفيد تخصيص الإلتزام و لو في حده الأقصى، لأنه من الناحية العملية إذا حدد الإلتزام المضمون في حده الأقصى ثم تبين أن العقار المرتهن أكثر بكثير من الدين المضمون فلا يحق تخفيض هذا الرهن بل يبقى الدين مضمون بالرهن كله و إن تبين العكس أن العقار المرهون أقل بكثير من الدين المضمون فلا يضمن إلا به، و معنى ذلك أن الدين ثابتا معروفا منذ البداية كل ما في الامرأنه قد يناسب قيمة المرهون، أو قد لا يناسبه كأن يكون أقل منه أو أكثر منه قيمة (1)
إذن فتحديد الحد الأقصى الذي ينتهي إليه هذا الدين لا يفيد في الحقيقة التخصيص و بذلك فلا يجوز أن يعقد الرهن الحيازي لضمان كل الديون التي تثبت في ذمة المدين في أية مدة . وعلى ذلك يجب أن يتحدد الدين المضمون بـ:
أ- مقداره: و ذلك بتحديد الدين المضمون أو بتحديد الحد الأقصى الذي يصل إليه إذا كان الدين مستقلا كاعتماد مفتوح في مصرف فلم يسحب منه المدين شيئا، أو كان دينا احتماليا كفتح حساب جار يحتمل أن يكون رصيده دائنا أو مدينا و إذا كان الدين المضمون بالرهن الحيازي هو تعويض عن عمل غير مشروع لم يتحدد مقداره بعناصره أما في القيد فيجب تحديد مبلغ تقريبي ينتهي إليه الدين و هذا المبلغ هو الذي يطلع عليه الغير و يحتج عليه به.
ب- مصدره: بتحديد ما إذا كان عقد أو عمل غير مشروع أو إثراء بلا سبب أو إرادة منفردة أو القانون فقد يكون قرضا مثلا.
ت- بأوصافه: فقد يكون الدين المضمون معلق على شرط واقف أو فاسخ أو منجز و قد يكون مستقبلا أو محتملا.
و جزاء عدم تحديد الدين المرهون بالرهن الحيازي على الوجه السالف الذكر هو بطلان عقد الرهن الحيازي و البطلان هنا بطلان مطلق و يستطيع أن يتمسك به كل ذي مصلحة فيتمسك به المدين و الدائن المرتهن وورثة كل منهما و الخلف الخاص و الدائنون المرتهنون المتأخرون في المرتبة(2).
(1) إبراهيم بن غانم – نفس المرجع السابق - ص 57
(2) د/عبد الرزاق أحمد السنهوري - نفس المرجع السابق بند 523 ص 900
ثانيا : توابع الدين المضمون
لا يقتصرالرهن الحيازي العقاري على ضمان أصل الحق و إنما يضمن أيضا و في نفس المرتبة طبقا للمادة 963 من القانون المدني :
- المصاريف الضرورية التي أنفقت للمحافظة على الشيء.
- مصاريف العقد الذي أنشأ الدين و مصاريف عقد الرهن الحيازي و قيده عند الاقتضاء.
- المصاريف التي اقتضاها تنفيذ الرهن الحيازي.
حيث أنه و كما سنأتي على شرحه في الفصل الثاني أنه يقع على الدائن المرتهن للعقار حيازيا التزاما بصيانة العقار و قيامه بالنفقات اللازمة لحفظه و أن يدفع ما يستحق سنويا على العقار من ضرائب و تكاليف على أن يستنزل من الثمار التي يحصلها قيمته ما أنفق .أو يستوفي هذه القيمة من ثمن العقار في المرتبة التي يخولها القانون طبقا للمادة 968 من القانون المدني.
إذا فالرهن لا يضمن الدين الثابت في ذمة الراهن عند إبرام عقد الرهن فحسب و إنما يضمن ما أنفقه المرتهن على العقار المرهون أيضا.
المطلب الثاني : نفاذ الرهن الحيازي العقاري
تنص المادة 966 من القانون المدني على أنه«يشترط لنفاذ الرهن العقاري في حق الغير إلى جانب تسليم الملك للدائن ،أن يقيد عقد الرهن العقاري ،و تسري على هذا القيد الأحكام الخاصة بقيد الرهن الرسمي».
و بذلك فإنه و لنفاذ الرهن الحيازي العقاري في حق الغير الذي يعرف بأنه« كل من تضره ميزة التقدم أو ميزة التتبع كمن انتقلت إليه ملكية الشيء المرهون أو كسب حقا عينيا أصليا آخر عليه و كالدائن الذي له حق عيني تبعي على الشيء المرهون و كالدائن العادي»(1)
و على ذلك فإنه و لنفاذ الرهن الحيازي العقاري في حق الغير يجب تسليم الملك للدائن بمعنى انتقال الحيازة و أن يتم قيده في السجل العقاري و الذي يقتضي توثيقه في عقد رسمي قبل ذلك و عليه فسنتناول تباعا في الفروع التالية ما يلي :
الفرع الأول: الرسمية كخطوة أولية لقيد الرهن في تشريعنا
الفرع الثاني: القيد
الفرع الثالث: الحيازة
(1) عبد الناصر توفيق العطار – المرجع السابق – بند 104 ص 205
الفرع الأول: الرسمية كخطوة أولية لقيد الرهن في تشريعنا
سبق التوضيح أن عقد الرهن الحيازي العقاري تأمين اتفاقي بين الدائن المرتهن و الراهن مصدره العقد ،و في القانون الجزائري هو عقد رسمي أو شكلي يجب توثيقه لأن المادة 12 من قانون التوثيق الصادر بالأمر 70-91 تقضي بأن العقود التي تتضمن نقل حقوق عقارية يجب تحت طائلة البطلان أن تحرر في شكل رسمي و لم يفرق قانون التوثيق بين نقل الحقوق العقارية الأصلية و التبعية ففي الحالتين يلزم التوثيق.
لكن ينبغي التوضيح أن الكتابة الرسمية ليست ركنا في العقد كالرهن الرسمي بل هي مجرد خطوة أولية لإتخاذ إجراءات الشهر للاحتجاج بالرهن العقاري على الغير(1).
ذلك أنه و ليتسنى إشهار عقد الرهن الحيازي لابد من توثيقه إذ تنص المادة 61 من المرسوم 76/63 المتعلق بتأسيس السجل العقاري على أن كل عقد يكون موضوع إشهار في محافظة عقارية يجب أن يقدم على الشكل الرسمي.
و قد عرف المشرع الجزائري العقد في المادة 324 من القانون المدني على أنه«العقد الرسمي عقد يثبت فيه موظف أو ضابط عمومي أو شخص مكلف بخدمة عامة ،ما تم لديه أو ما تلقاه من ذوي الشأن و ذلك طبقا الأشكال القانونية و في حدود سلطته و اختصاصه».
و عليه فالكتابة الرسمية في تشريعنا هي مجرد خطوة أولية فقط لقيد الرهن العقاري بالسجل العقاري لنفاذه في حق الغير(2). كما أنها تسمح فيما بعد الدائن المرتهن حيازيا أن يكسب سندا تنفيذا يستطيع به التنفيذ على العقار عند حلول أجل الدين و عدم استيفائه.
الفرع الثاني: القيد
تنص 966 من القانون المدني على أنه«يشترط النفاذ الرهن العقاري في حق الغير ....أن يقيد عقد الرهن العقاري و تسري على هذا القيد الأحكام الخاصة بقيد الرهن الرسمي».
و بالرجوع لأحكام الرهن الرسمي و على وجه الخصوص لنص المادة 904 من القانون المدني التي تنص على أنه«لا يكون الرهن نافذا إلا إذا قيد العقد أو الحكم المثبت للرهن قبل أن يكسب هذا الغير حقا عينيا على العقار...»
(1) محمد حسنين نفس المرجع السابق – ص 100 و ما بعدها
(2) تنص المادة 2085 من القانون المدني الفرنسي في فقرتها الأولى على أن الرهن الحيازي العقاري لا يثبت إلا بالكتابة
«L’antichrèse ne s’établie que par écrit» و قد أتنقد الفقه هذه المادة و اعتبرها بدون فائدة«ذلك أن العقد الرسمي يعتبر بمثابة خطوة أولية لازمة للشهر حسب نص المادة 68 من المرسوم الصادر في 14 أكتوبر 1955 من جهة و من جهة أخرى أن نص المادة 2085 لم يلغي الطرق الأخرى للإثبات و أن أهميته تكمن فقط في وجوب الإثبات بالكتابة إذا كانت قيمة الثمار أو العفار تقل عن 5000 فرنك فرنسي و هي قيمة ضئيلة جدا» H.Mezeaud. J.Mazeaud .F Chabas . op.cit.p178
أولا: إجراءات القيد
و بذلك و حتى يكون نافذا في حق الغير يجب القيام بإجراءات خاصة تسمى القيد L’inscription و يكون الغرض منها إعلان الغير بوجود رهن يثقل العقار ،كمن يقدم على شرائه أو من يتلقاه على سبيل الهبة أو من يتقرر له عليه حق انتفاع أو غير ذلك من الحقوق العينية الأصلية أو التبعية .
أولا: إجراءات القيد
و بذلك و حتى يكون نافذا في حق الغير يجب القيام بإجراءات خاصة تسمى القيد L’inscription و يكون الغرض منها إعلان الغير بوجود رهن يثقل العقار ،كمن يقدم على شرائه أو من يتلقاه على سبيل الهبة أو من يتقرر له عليه حق انتفاع أو غير ذلك من الحقوق العينية الأصلية أو التبعية .
فإذا تم القيد قبل أن يشهر صاحب الحق حقه كان الرهن نافذا في حق هذا الغير و أكتسب الدائن المرتهن حق التقدم عليه أو حق التتبع.
و تقضي المادة 905 من القانون المدني بأنه«تسري على اجراء القيد و تجديده و شطبه وإلقاء الشطب والآثار المترتبة على ذلك كله ،الأحكام الواردة في قانون تنظيم الإشهار العقاري».
و بالرجوع الأمر 75/74 المِؤرخ في 12/11/1975 المتعلق بإعداد مسح الأراضي العام و تأسيس السجل العقاري و كذلك المرسوم 76/63 المؤرخ في 25/03/1976 المتعلق بتأسيس السجل العقاري و على وجه الخصوص المادة 93 و منه التي تشترط تقديم الأصل أو الصورة الرسمية للعقد المنشئ للرهن و يجب عليه أن يودع جدولين موقعين و مصححين بدقة و يكونان محرران لزوما على استمارة تقدمها المحافظة العقارية و يتضمن الجدولان البيانات التالية :
1- تعين الدائن و المدين بذكر هويتهما و لقب و موطن و تاريخ و مكان الازدياد.
2- اختيار الموطن من قبل الدائن في إطار اختصاص المجلس القضائي لموقع الأملاك.
3- أن يذكر تاريخ و نوع السند أي العقد الرسمي المحرر من الموثق مع ذكر سبب الدين المضمون بعقد الرهن.
4- ذكر رأس مال الدين الذي وجد الرهن لأجل ضمانه ولواحقه و تاريخ استحقاقه.
5- تعيين العقار الذي طلب التسجيل لأجله وفقا لنص المادة 66 من نفس المرسوم.
و يحتفظ الدائن المرتهن بأحد الجدولين مؤشرا عليه من المحافظ العقاري و يبقى الثاني في المحافظة العقارية.
إذا فبعد تأكد المحافظ العقاري من جميع الوثائق المشترط إيداعها من أجل القيد و بعد الفحص و التحقيق طبقا لما تنص عليه المادتين 100و105 من المرسوم 76/63 يقوم بالتأشير في النهاية على البطاقة العقارية للعقار المرهون.
فإذا أتبع الدائن المرتهن حيازيا هذه الإجراءات اعتبر الرهن نافذا في حق الغير ،أما إذا لم يتم القيد فالرهن الحيازي لا يكون باطلا و أنما صحيحا منتجا لآثاره فيما بين المتعاقدين ولكن يخول الدائن المرتهن لاحق التقدم لا حق التتبع.
مع الإشارة أن المشرع الجزائري لم يحدد ميعادا للقيد و ذلك مراعاة منه من أن من مصلحة الدائن المرتهن أن يبادر في القيام به في أقرب وقت للمحافظة على مرتبته لأن في كل تأخير تتأخر فيه مرتبته و يتقدم غيره عليه في التنفيذ ،و قد يضيع عليه حق الرهن إذا قام الراهن بالتصرف في العقار المرهون و أشهر المتصرف له حقه قبل قيد الدائن له كما قد يعرضه هذا التأخير لخطر شهر إفلاس الراهن لأنه لا يجوز له القيام بهذا القيد بعد شهر الإفلاس و هو ما تنص عليه المادة 247 من القانون التجاري بأنه«لا يصح التمسك قبل جماعة الدائنين ابتداءا من تاريخ التوقف عن الدفع بكل رهن عقاري اتفاقي أو قضائي يترتب على أموال المدين لديون سبق التعاقد عليها» و مؤدى ذلك أنه يجوز للقاضي أن يحكم بطلان القيد الذي يتم حتى في تاريخ سابق شهر الإفلاس و لكن واقع في فترة الريبة(1) La période suspecte و هي الفترة التي تفصل بين التوقف عند الدفع و تاريخ شهر الإفلاس
ثانيا: تجديد القيد و شطبه :
حسب المادة 96 من المرسوم 76/63 إذا قيد الرهن لمدة 10 سنوات وجب تجديده عند انتهاء المدة ،فإذا لم يجدد لا يفقد الراهن الرهن و إنما بفقد المرتبة و تفاده في حق الغير و حقه في التقدم و التتبع(2)
و منه نستنتج أنه لا يكفي لنفاذ الرهن في حق الغير قيدا واحدا إنما يجب بعد انقضاء هذه المدة بالضرورة تجديده لكي يبقى نافذا في حق الغير.
و لا يشترط انتهاء العشر سنوات لتجديد القيد بل يمكن أن يجدده قبل انتهاء هذه المدة حينئذ تحسب مدة العشر سنوات الجديدة من تاريخ إجراء التجديد و ليست من تاريخ إنهاء القيد الأول.
و التجديد لا يفقد الرهن مرتبته الأولى بل يبقى محتفظا بها ما دام التجديد قد تم في ميعاد 10سنوات أما إذا لم يتم التجديد في هذا الميعاد فإن القيد يسقط و لكن الرهن يبقى صحيحا فيما بين الطرفين و لكن لا يكون نافذا في الغير و يبقى من حق الدائن أن يعيد القيد متى شاء لكن في هذه الحالة يكتسب القيد مرتبة جديدة ابتداء من التاريخ الذي تم فيه و يفقد المرتبة التي أكتسبها بموجب القيد الأول .
و إذا انقضى الرهن بصفة أصلية أو تبعيته وجب شطب القيد لأنه لا فائدة من بقاءه بعد انقضاء الرهن و يتم الشطب عن طريق التأشير على هامش القيد بعبارة تدل على ذلك.
(1) أ/موالك بختة - محاضرات ألقيت على طلبة اليسانس السنة الثالثة - كلية الحقوق و العلوم الإدارية - بن عكنون - السنة الدراسية 1999-2000
(2) أ/موالك بختة - نفس المرجع السابق
ثالثا: مصاريف القيد
إن المادة 906 من القانون المدني تحمل المصاريف على الراهن سواء كان مدينا أصليا أو كفيلا عينيا. فالمدين هو الذي تقع على عاتقه المصاريف لأنه المسؤول عن الدين و عن الرهن و يستوي في ذلك حتى و إن كان كفيلا عينيا .
ثالثا: مصاريف القيد
إن المادة 906 من القانون المدني تحمل المصاريف على الراهن سواء كان مدينا أصليا أو كفيلا عينيا. فالمدين هو الذي تقع على عاتقه المصاريف لأنه المسؤول عن الدين و عن الرهن و يستوي في ذلك حتى و إن كان كفيلا عينيا .
و لا يعتبر حكم المادة 906 من القانون المدني من النظام العام لذلك يمكن للأفراد اقتسام مصاريف القيد و يمكن أن يتحملها الدائن نفسه .
الفرع الثالث: الحيازة
تشترط المادة 966 من القانون المدني لنفاذ الرهن في حق الغير أن يكون العقار في حيازة الدائن المرتهن ، فتسليم العين و نقل حيازتها للدائن المرتهن حيازيا هو ما يميز الرهن الحيازي عن الرهن الرسمي و إذا لم يتم نقل الحيازة فلا ينفذ الرهن في حق الغير لا يحتج المرتهن بحقه على الغير الذي يكسب حقا عينيا على العقار المرهون قبل نفاذ الرهن في مواجهته.
أولا: مفهوم الحيازة : تعرف الحيازة«واقعة مادية تنشأ عن سيطرة الشخص على شيء أو حق بصفته مالك لهذا الشيء أو صاحب حق عليه»(1)
و بذلك فالحيازة هي السيطرة الفعلية على الشيء و تتجسد بمباشرة الأعمال المادية على النحو الذي تقتضيه طبيعة الشيء محل الحيازة.
1- أركان الحيازة :
و تقوم الحيازة على ركنين الركن المادي و الركن المعنوي
أ- بالنسبة للركن المادي :
و يتكون من مجموعة الأعمال المادية التي يقوم بها الحائز سواء كان مالك أو صاحب حق عيني آخر ،و حتى تتحقق الحيازة يجب أن يكون الشيء محل الحيازة تحت السيطرة الفعلية أي بالاستحواذ الفعلي عليه.
ب- الركن المعنوي :
و هو قصد الحائز في استعماله الحق العيني وهو نية المالك في الظهور بمظهر مالك الشيء أو صاحب حق عيني عليه.
(1) الأستاذ القاضي المستشار بالمحكمة العليا - زودة عمر - مجموعة محاضرات ألقيت على الطلبة القضاة المدرسة العليا للقضاء - السنة الدراسية 2004-2005
و الجدير بالملاحظة أن الركن المعنوي للحيازة تتناوله نظريتان : النظرية الشخصية والنظرية المادية ، الأولى تعتبر أن الحيازة الصحيحة هي تلك الحيازة القائمة على ركنين السيطرة المادية وبنية الحائز في التملك للشيء محل الحيازة ،بأن تنصرف نية الحائز لإضافة هذا الشيء في ذمته المالية باستعماله لحساب نفسه ،لذلك فإن هذه النظرية لا تحمي حيازة المرتهن رهن حيازة باعتبارها عرضية.
أما الثانية فتعتبر أن الركن المادي يتضمن بالضرورة الركن المعنوي و أن هذا الأخير غير مستقل عن الأول و تتحقق النية في الأعمال المادية التي يقوم بها الحائز لتجسيد سيطرته المادية على الشيء بأعمال إرادية ،لذلك فإن السيطرة المادية في نظر هذه النظرية هي الحيازة بعينها و بالنتيجة فإن حيازة المرتهن رهن حيازي محل حماية قانونية(1).
2- شروط الحيازة
يكمن الغرض الأساسي من انتقال الحيازة إلى الدائن المرتهن إعلام الغير بما أصبح على المرتهن من حق لذلك يجب أن يكون:
أ- انتقال الحيازة ظاهرا:
إن الغرض الأساسي من انتقالها إلى المرتهن هو إعلام الغير بما أصبح على العقارالمرهون من حق لذلك يجب أن تكون ظاهرة لا لبس فيها.
ب- أن تكون مستمرة :
و ذلك إلى غاية استيفاء الدين المضمون على لأنه من مقتضيات استثمار الدائن المرتهن للشيء المرهون أن يتخلى المرتهن عن حيازته لشخص آخر كما لو أجره لغير المدين الراهن حيث تنص المادة 952(2) من القانون المدني«إذا رجع المرهون إلى حيازة الراهن انقضى الرهن،إلا إذا أثبت الدائن المرتهن أن الرجوع كان بسبب لا يقصد به انقضاء الرهن كل هذا دون ،إخلال بحقوق الغير». و على ذلك :
ب-1 رجوع العقار المرهون لحيازة الراهن:الأصل أن تبقى حيازة العقار المرهون للدائن المرتهن دون الراهن طوال مدة الرهن برضا الدائن المرتهن صراحة أو ضمنا بعلمه بذلك فكان ذلك قرينة على تنازله عن الرهن وانقضى الرهن تبعا لذلك ، إلا أنها قرينة بسيطة يدحضها الدائن المرتهن بإثبات أنه لم يقصد بإرجاعه انقضاء الرهن بل أنه سلمه للراهن على سبيل الإيجار أو الوديعة أو العارية فيبقى قائما في الحالتين الأخيرتين ومواجهة الراهن ولكنه لا يكون ساريا في مواجهة الغير بحيث إذا تم التنفيذ على العقار المرهون من قبل دائنين آخرين لا يكون للمرتهن حيا زيا ميزة التقدم عليهم وان له أن يشترك معهم في توزيع ثمن العقار المرهون عند بيعه وإذا عاد و تسلم الدائن المرتهن العقار المرهون من جديد عاد الرهن ساريا في مواجهة الغير .
(1) أ/زودة عمر – نفس المرجع السابق .
(2) و تقابل المادة 952 من القانون المدني الجزائري المادة 1100 مدني المصري ، و قد أورد السنهوري فقرة في مربعه السابق فقرة لتقرير لجنة مجلس الشيوخ في هذا الصدد جاء فيه«و قد آثرت اللجنة أن تقرر أن الأصل هو انقضاء الرهن متى رجع الشيء المرهون إلى حيازة الراهن على غرار ما هو مقرر في القانون الحالي استنادا إلى قرينة تنازل الدائن أو استيفائه لحقه و هي قرينة تستخلص من خروج الحيازة من يده و لكنها لم تجر هذا الأصل على إطلاقه ،بل جعلت للدائن أن ينفي هذه القرينة ‘إذا أقام الدليل على أن الحيازة خرجت من يده بسبب لا يقصد به انقضاء الرهن و بديهي أن الحكم قاصر على صلة الراهن بالمرتهن ،فهو بهذا التحديد لا يؤثر في حقوق الغير»
وإذا كسب الغير حقوق على العقار المرهون في الفترة ما بين خروجه من حيازة الدائن المرتهن و عودته إلى حيازته ، كأن يتصرف الراهن في العقار بأن يرهنه مرة ثانية لدائن مرتهن حسن النية أو يِِؤجره لمستأجر، فإن لهم الاحتجاج بحقهم على الدائن المرتهن الأول حيازيا بعد عودة العقار المرهون إلى حيازته.
ب-2-تخلي الدائن المرتهن عن الحيازة لغير الراهن:وهو أمر جائز ولا يبطل الرهن ويبقى صحيحا نافذا في حق الغير لأن الحيازة لم تنتقل للراهن و إنما انتقلت لغير الراهن ، بحيث يجوز للمرتهن أن يؤجر العقار المرهون لمستأجر غير الراهن ، كما يجوز له أن يعيره لشخص غير الراهن حيث يضع المستأجر أو المستعير يده على العقار المرهون نيابة عن الدائن المرتهن و يبقى الرهن قائما صحيحا(1) وإذا سلبت الحيازة من الدائن المرتهن فله أن يرفع دعوى منع التعرض أو دعوى استرداد الحيازة .
-3-أهمية الحيازة:إن الحيازة أمر جوهري في الرهن الحيازي العقاري لنفاذه في حق الغير، هذا وإن كان المشرع قد اشترط في المادة 966 من القانون المدني إلى جانب التسليم القيد إلا أن هذا الإجراء لا يعني عن الحيازة ، ويرجع السبب في ذلك إلى إثنين :
أ-بالنسبة للدائن المرتهن:متى انتقلت الحيازة للدائن المرتهن تمكن هذا الأخير من حبس العقار المرهون لحين استفاء حقه و تمكن من مباشرة دوره كدائن مرتهن بالمحافظة على العقار المرهون وإدارته و استثماره و محاسبة الراهن على كل ذلك لحين انتهاء الرهن فيرده للراهن
ب-بالنسبة للمدين الراهن:يكمن في إعلام الرهن بالنسبة للغير الذي سيعلم أن مادامت الحيازة قد انتقلت من الراهن أن العقار المرهون لم يعد من أملا ك الراهن الحرة الخالية من حقوق الغير عليها فلا يطمئن إلى التعامل بهذه العين مع الراهن.
ثانيا – لمن تنتقل الحيازة:الأصل أن تنتقل الحيازة للدائن المرتهن الذي جعل انتقال الحيازة لحمايته و ضمان مصالحه لكن ليس هناك ما يمنع من أن يتفق المتعاقدان الراهن و الدائن المرتهن على أجنبي يسمى «عدلا» في الفقه الإسلامي يتسلم الشيء المرهون و يحتفظ به نيابة عن الدائن المرتهن.
حيث أن المادة 948 من القانون المدني تنص على أن"الرهن الحيازي عقد يلتزم به شخص أن يسلم إلى الدائن المرتهن أو إلى أجنبي يعينه المتعاقدان ، شيئا..."
و المادة 951من القانون المدني التي تنص على أنه«ينبغي على الراهن تسليم الشيء المرهون إلى الدائن أو إلى الشخص الذي عينه المتعاقدان لتسليمه»
وكذا المادة 961في فقرتها الثانية«يجب لنفاد الرهن في حق الغير أن يكون الشيء المرهون في يد الدائن أو الأجنبي الذي ارتضاه المتعاقدان»
(1) د/عبد الرزاق أحمد السنهوري - نفس المرجع السابق بند 541 ص 921
إلا أن المادة 966 مدني تشترط لنفاذ الرهن العقاري في حق الغير تسليم الملك للدائن دون الإشارة إلى الأجنبي الذي قد يعينه المتعاقدان على خلاف المشرع المصري في نص المادة 1114المقابلة للمادة966مدني جزائري اشترط لنفاذ الرهن العقاري في حق الغير انتقال الحيازة، حيث جاء النص عاما دون تحديد الطرف الذي تنقل له الحيازة مما يعني سريان الأحكام العامة للرهن الحيازة على العقاري ، ولذلك فإننا نرى أن المشرع يكون قد سهى عن ذكر الأجنبي الذي يعينه المتعاقدان لانتقال حيازة العقار له. و لا يمنع نفاد الرهن على الغير بانتقال الحيازة لهذا العدل طالما أن المتعاقدان هما من سيعينانه طبقا للأحكام العامة للرهن الحيازي الوارد في المواد 948 و951و961في فقرتها الأولى من القانون المدني السابق ذكرها ، خاصة و أن المشرع نفسه في المادة 966في فقرتها الثانية نص على أنه"يجوز أن يكون الشيء المرهون ضامنا لعدة ديون"
مما سيؤدي بالضرورة إلى اتفاق المتعاقدين على أن يكون العقار في حيازة عدل واحد.
ويتبين مما سبق أن العدل يجب أن يتفق عليه المتعاقدان الراهن و الدائن المرتهن الذي يجب أن يقبل مهمته برضا سابق أو لاحق وأن يكون أهلا للتعهد ، ولا يشترط في الاتفاق أي شرط خاص، أما إذا عهد الدائن المرتهن وحده بغير اتفاق مع الراهن بحيازة العقار المرهون لشخص آخر فلا يعتبر هذا الشخص عدلا بل نائبا عن الدائن أو تابع له .
هذا ويصح أن يكون العدل دائنا مرتهنا سابقا فيحوز العقار المرهون بصفته دائنا مرتهنا و بصفته عدلا نائبا عن دائن مرتهن آخر . وإذا كان العقار المرهون في يد العدل قبل تقرير الرهن بصفة أخرى كمودع عنده ثم تقرر الرهن و اتفق برضاه على أن يكون هو العدل فلا يكفي أن يعلنه الدائن المرتهن بعقد رهنه بل إقرار من العدل أنه أصبح يحوز العقار كعدل نيابة عن الدائن المرتهن .
و للحيازة بواسطة العدل فوائد كثيرة تخلي الدائن المرتهن من التزامه بإدارة واستثمار العقار المرهون و يسهل للراهن رهنه لأكثر من دائن و ليس للعدل تمكين الراهن أو الدائن المرتهن من حيازته إلا برضا الاثنين معا . وإلا كان للآخر طلب استرداده (1).
إلا أن المشرع الجزائري بالنسبة للرهن الحيازي العقاري أجاز أن يكون نقل حيازة العقار حكيما فقط و ذلك بإيجار العقار المرهون حيازة للراهن بأن يبقى العقار المرهون في حيازة الدائن الراهن بصفته مستأجرا مع ذكر ذلك في القيد أو التأشير به على الهامش و هو ما نص عليه المشرع بالمادة 967من القانون المدني " يجوز للدائن المرتهن لعقار أن يؤجر العقار إلى الراهن دون أن يمنع ذلك من نفاد الرهن حق الغير فإذا اتفق عليه بعد الرهن وجب أن يؤشر به في هامش القيد ولا يكون هذا التأشير ضروريا إذا جدد الإيجار تجديدا ضمنيا"
(1)- د- / عبد الرزاق أحمد السنهوري – نفس المرجع السابق – ص 951 وما بعدها .
فبموجب هذا النص لا يفقد الدائن المرتهن ميزتي التقدم والتتبع لأن الرهن يظل نافدا في حق الغير ، الذي حتى لا يظن انقضاء الرهن اشترط المشرع شهر الإيجار بقيده إذا اتفق عليه في عقد الرهن أو التأشير به في هامش القيد إذا اتفق عليه بعد عقد الرهن دون حاجة لتكرار القيد إذا جدد ضمنيا .
ثالثا: الحيازة المطلوبة في الحائز:
سبق التوضيح أن حيازة العقار المرهون قد تنتقل إما للدائن المرتهن أو إلى الأجنبي الذي يتفق عليه المتعاقدان ، و تختلف طبيعة الحيازة بحسب ما إذا كان الحائز هو الدائن المرتهن أو العدل.
-1- الحيازة المطلوبة في الدائن المرتهن:
المقصود بالحيازة الازمة لنفاد الرهن في مواجهة الغير هي الحيازة القانونية المتكونة من السيطرة الفعلية على العقار المرهون بقصد ممارسة حق الرهن عليه مع الإشارة أن النية المطلوبة في الرهن ليست نية التملك ، و من تمة فلا يتملك الدائن المرتهن العقار المرهون مهما طالت مدة الحيازة أن لا يسري عليه التقادم ذلك أن حيازته هي حيازة عرضية و التي تعرف أنها "حيازة مادية يتوافر فيها الركن المادي ويتخلف فيها الركن المعنوي"(1)
و في ذلك صدر قرار عن المحكمة العليا بتاريخ 25/03/1993 ملف رقم 81688 جاء فيه "حيث أن قضاه الموضوع لم يبيّنوا كيف أن عقد الرهن المؤرخ في 16/11/1951قد تحول إلى عقد ملكية علما بأن الرهن لا يعد طريقا من طرق التملك و لا يمكن صاحبه من تملك الشيء المرهون وغاية ما هناك أنه إتخذه كضمان لاستيفاء دينه في حالة امتناع المدين عن ذلك و هذا يبيع المرهون بالمزاد العلني مما يجعلهم قد أساءوا فعلا تطبيق القانون و اشابوا قرارهم بالغموض و القصور في التسبيب و عرضوه للنقض"(2).
وعلى ذلك فإن الدائن المرتهن لا يحوز العقار لحساب نفسه بل يحوزه لحساب غيره حيث أنه لا يتوافر القصد في التملك عند المرتهن بل عند الراهن الذي يباشر العنصر المادي للحيازة بواسطة الدائن المرتهن حيث ينقل السيطرة المادية للحائر العرضي أي الدائن المرتهن في حين يبقى محتفظ بالركن المعنوي.
و على ذلك فإن الحيازة المطلوبة لنفاذ الرهن في حق الغير هي الحيازة القانونية لحق الرهن و يكون للدائن المرتهن الحيازة العرضية (3) المتميزة بخاصيتين:
(1) أ/زودة عمر نفس المرجع السابق
(2) قرار غير منشور
(3) - د/ عبد الناصر توفيق العطار – نفس المرجع السابق – نبذة 105 –ص 207
- أ –وجود سند قانوني لدى الحائز:فحيازة الحائز العرضي(1) أي الدائن المرتهن تكون استنادا إلى سند قانوني و هذا السند القانوني و هو عقد الرهن الحيازي هو الذي يجعل حيازته عرضية لأنه يتضمن إقرار منه على أنه يحوز لحساب غيره . وبهذا الصدد صدر قرار عن المحكمة العليا بتاريخ 13/03/1991 ملف رقم 27 672 مما جاء فيه" من المقرر قانونا انه ليس لأحد أن يكسب بالتقادم على خلاف سنده كما أنه لا يستطيع أحد أن يغير بنفسه لنفسه سبب حيازته ولا الأصل الذي تقوم عليه ، و من تم فإن النعي على القرار المطعون فيه بمخالفة القانون غير سديد ..." (2)
- ب- التزام الحائز برد العقار:لأن حيازته له لا تعدو أن تكون مجرد حيازة مادية استنادا للسند الذي بحوله حيازته و هذا السند يلزمه برد العقار و لا يخوله التمسك بحيازته لتملك العقار المرهون حيا زيا بالتقادم و في هذا الشأن أيضا صدر قرار عن المحكمة العليا بتاريخ 25/11/1998ملف رقم 410 182 مما جاء فيه " من المقرر قانونا بالمادة 948 من القانون المدني أن الرهن الحيازي عقد يلتزم به شخص ضمانا لدين عليه أو على غيره أن يسلم إلى الدائن أو إلى أجنبي يعينه المتعاقدان ، شيئا يترتب عليه للدائن حقا عينيا يخوله حبس الشيء إلى أن يستوفي الدين.
و لما كان ثابتا – في قضية الحال –قضاة المجلس لما أيدوا حكم المحكمة القاضي برفض دعوى الطاعنين الرامية إلى إلزام المطعون ضده برفع يده على القطعة الأرضية المتنازع عليها على أساس أنهما مالكين لها موجب سند رهن حيازيا ، فإن قضائهم جاء سليما لأن الرهن الحيازي لا يشكل وسيلة من وسائل اكتساب الملكية و لا يمكن اعتباره سند الملكية ، و متى كان كذلك استوجب رفض الطعن"(3)
– الحيازة المطلوبة في العدل:بأن يحوز العقار لحساب الدائن المرتهن في حق الرهن و لحساب الراهن بالنسبة للملكية(4)
هذا ويعتبر العدل حائزا عرضيا سواء بالنسبة لحق الراهن أو حق المرتهن و ليست له أية حرية في التصرف في العقار محل الحيازة فهو يباشر السيطرة المادية على العقار المرهون و المرتهن فحيازته له تعد مجرد احراز(5)
(1) - الحيازة العرضية كأصل عام لا يحميها القانون و لا يترتب عليها أي أثر و استثناءا يحميها المشرع في حال استنزافها بالقوة حيث يمكن للحائز العرفي حماية حيازته استناد القاعدة عدم جواز اقتضاء الشخص لحقه بنفسه .
(2) - مجلة قضائية سنة 1991عدد 04 صفحة 35
(3) - مجلة قضائية سنة 1999 عدد 01 صفحة85
(4) أ / سمير عبد السيد تتاغو – التأمينات الشخصية و العينية – منشأة المعارف – الإسكندرية – سنة 1970 – ص 384 سند 141
(5) أ - / العربي بن قسمية – نفس المرجع السابق – نقلا عن أشرف مهدي مصطفى – ص281
تحديد و تقسيم:
بعد ما تناولنا مفهوم الرهن الحيازي العقاري و بينا خصائصه و تكوينه فرأينا أنه عقد رضائي ملزم للجانبين بمقتضاه يلتزم الراهن بتقرير حق عيني تبعي على العقار المرهون لصالح الدائن المرتهن, بحيث يكون لهذا الأخير التنفيذ على العقار عند حلول أجل الدين باعتباره دائنا مرتهنا لا دائنا عاديا. غير أنه لا يتقرر له حق التقدم و حق التتبع إلا بعد انتقال الحيازة و القيد في السجل العقاري.
و باعتباره من العقود الملزمة للجانبين فقد رتب المشرع على عاتق كل من المدين الراهن و الدائن المرتهن الالتزامات التالية:
- فالراهن يلتزم بتسليم العقار المرهون ( م 951 و 966 مدني) و يضمن سلامة الرهن و نفاذه ( م 953 مدني) كما يضمن هلاك العقار المرهون عندما لا يكون للدائن المرتهن يد في هلاكه (م 954 مدني).
- أما الدائن المرتهن فيلتزم بدوره بالمحافظة على العقار و أن يقوم بصيانته و بالنفقات اللازمة لحفظه (م 986 مدني) و بادارته و استثماره (م 956 و 958/1 مدني)،وبرده إلى الراهن عندما تنتفي الحكمة من الرهن (م959 مدني)
و لذلك فان التزامات أحد الأطراف تعتبر في حد ذاتها حقوق بالنسبة للطرف الآخر. لذلك سنتناولها في المبحث الأول : تحت عنوان آثار الرهن الحيازي العقاري بين أطرافه و في حق الغير.
المبحث الثاني : سنتعرض إلى طرق إنقضاء الرهن الحيازي.
المبحث الأول: آثار الرهن الحيازي العقاري
الرهن الحيازي العقاري إذا انعقد صحيحا, ينتج آثار معينة فيما بين المتعاقدين و بالنسبة للغير أيضا و سنعالج كل من الموضوعين في المطلبين التاليين:
المطلب الأول: آثار الرهن الحيازي العقاري فيما بين المتعاقدين
المطلب الثاني: آثار الرهن الحيازي العقاري بالنسبة للغير
المطلب الأول: آثار الرهن الحيازي العقاري فيما بين المتعاقدين:
إن الرهن الحيازي العقاري ينشئ حقا عينيا و التزامات على عاتق كل من الطرفين. حيث أن الحق العيني الذي للدائن المرتهن هو حق عيني عقاري يمكن وضع اليد عليه في مواجهة المالك وحمايته بدعوى استرداد الحيازة كما أنه يخول للمرتهن حق التمتع الذي يسمح له بالاستيلاء على الثمار(1) و استغلال العقار و تقديم حساب سنوي على الثمار لأن الثمار تخصم من الفوائد حيث يسمح القانون بالفوائد ثم من أصل رأس المال أو الدين(2) .
و في المقابل تقع التزامات على عاتق المدين الراهن لذلك نقسم المطلب إلى الفرعين التاليين:
الفرع الأول: التزامات المدين الراهن.
الفرع الثاني: التزامات الدائن المرتهن.
الفرع الأول: التزامات المدين الراهن:
مع افتقار الرهن الحيازي العقاري إلى أحكام خاصة بالتزامات الراهن نرجع للأحكام العامة في الرهن الحيازي, نجد أنه يقع على عاتق الراهن ثلاث التزامات أساسية أوردتها المواد 951, 953, 954 من القانون المدني نتعرض لها تباعا.
أولا: الالتزام بالتسليم:
إن الالتزام بالتسليم(3) ينشأ عن عقد الرهن لتمكين المرتهن من حيازة العقار المرهون و هو في نفس الوقت شرط لنفاذ الرهن في مواجهة الغير طبقا لما نصت عليه المادة 966 مدني و تنص الفقرة الأولى من المادة 951 من القانون المدني" ينبغي على الراهن تسليم الشيء المرهون إلى الدائن أو إلى الشخص الذي عينه المتعاقدان لتسليمه". أما الفقرة الثانية منها فأحالتنا إلى الأحكام الخاصة بتسليم الشيء المبيع بنصها:" و يسري على الالتزام بتسليم الشيء المرهون أحكام الالتزام بتسليم الشيء المبيع".
(1) للمرتهن الحق في الاستيلاء على الثمارFruits دون الحاصلاتProduits و للثمار صفة الدورية أما الحاصلات فهي جزء من رأس المال
(2) د/ محمد حسنين- نفس المرجع السابق- ص 105
(3) طبقا للقواعد العامة للالتزام بالتسليم يكون بمجرد انعقاد العقد إذا كان هذا الشيء معينا بالذات و عليه إذا حدث أن تقاعس الراهن في تنفيذ الالتزام الذي على عاتقه طوعا أجبر على التنفيذ العيني أو عن طريق التعويض أو كلاهما في حالة التأخر طبقا للقواعد العامة في تنفيذ الالتزام.
فبموجب هذه الإحالة فان أحكام البيع في التسليم تنطق من حيث زمان التسليم و مكانه و كيفيته, مع مراعاة الأحكام الخاصة للرهن الحيازي العقاري.
فبالنسبة لزمان التسليم يجب أن يسلم الراهن العقار المرهون حيازيا للدائن المرتهن أو إلى العدل بعد إبرام العقد لأن التسليم التزام ينشأ من ذلك العقد, و يمكن أن يتم التسليم بعد عقد الرهن بزمن و يحتج به على الغير, إلا إذا حصل الغير قبل التسليم على حقوق متعارضة مع المرتهن على العقار المرهون(1).
أما كيفية التسليم فتكون بوضع العقار المرهون تحت تصرف الدائن المرتهن أو العدل بحيث يتمكن من حيازته و الانتفاع به دون عائق أو بأن يكون حكميا كما إذا أجر الدائن المرتهن العقار المرهون إلى المدين الراهن و هو الامر الذي تجيزه المادة 967 قانون مدني.
و ينجر عن عدم التسليم أنه يمكن للدائن عند حلول أجل الدين أن ينفذ على العقار المرهون قبل تسلمه باعتباره دائنا مرتهنا, و لكن لا يكون له الحق في أن يتقدم أو يتتبع لأن الرهن لا ينفذ في حق الغير قبل التسليم و القيد معا, أما إذا تعنت المدين في التسليم جاز إجباره على التنفيذ العيني و إن تعذر ذلك كان للمرتهن طلب فسخ العقد مع التعويض إن كان له محل و بفسخ العقد يسقط أجل الدين المضمون لعدم تقدم المدين ما وعد به من تأمين.
ثانيا: الالتزام بضمان سلامة الرهن و نفاذه:
تنص المادة 953 من القانون المدني:" يضمن الراهن سلامة الرهن و نفاذه, و ليس له أن يأتي عملا ينقص من قيمة الشيء المرهون أو يحول دون استعمال الدائن لحقوقه المستمدة من العقد, و الدائن المرتهن في حالة الاستعجال أن يتخذ على نفقة الراهن كل الوسائل التي تلزم للمحافظة على الشيء المرهون" و يقابل نص المادة 953 من القانون المدني الجزائري نص المادة 1101 مدني مصري حيث جاء في مذكرة المشروع التمهيدي للقانون المدني المصري« يلزم الراهن أيضا بضمان الرهن, فليس له أن يأتي عملا ينقص من قيمة الشيء المرهون, أو يحول دون استعمال الدائن لحقوقه المستمدة من عقد الرهن, كأن يخرب العين قبل تسليمها, أو يعطي عليها للغير حقا عينيا يكون نافذا في حق الدائن المرتهن, و للدائن أن يتخذ على نفقة الراهن كل الوسائل التي تلزم للمحافظة على الشيء المرهون, كما لو كان المرهون مضمونا برهن, فيقيده الدائن المرتهن أو يجدد قيده, و يرجع بالمصاريف على الراهن و هذا يرجع بها على من رهن المرهون له" (2)
و يلاحظ أن ضمان الراهن سلامة الرهن و نفاذه شبيه بضمان البائع للتعرض لذلك سنتناول تباعا ضمان الراهن لتعرضه الشخصي ثم ضمانه لتعرض الغير.
(1) د/ عبد الرزاق أحمد السنهوري- نفس المرجع السابق- ص 922- بند 543 .
(2) مجموعة الأعمال التحضيرية صفحة 206 أشار لها السنهوري في هامش رقم 2 صفحة 962.
1- ضمان الراهن لتعرضه الشخصي: لا يجوز أن يقوم الراهن لمصلحة شخص آخر ترتيب حق على العقار المرهون يشهر قبل قيد الرهن أو أن يقوم بأي عمل يترتب عليه تخريب العقار المرهون أو الإنقاص منه, حيث عليه أن يضمن قيمة الرهن و ليس له أن يأتي عملا ينقص من قيمة الرهن كما لو قطع ما فيه من غراسه أو نزع شيء منه أو من ملحقاته كأن يبيع الأنقاض بعد هدم جزء من المباني فتقع في يد مشتر حسن النية فيملكها خالصة من الرهن كان للدائن المرتهن الرجوع على الراهن بالضمان, حيث يسقط حق المدين الراهن في الأجل و حق للدائن المرتهن المطالبة بدينه فورا(1) .
أما إذا لم يستلم المشتري الأنقاض أو تسلمها و هو سيء البنية فإنها تبقى مثقلة بحق الرهن و للدائن المرتهن حال الاستعجال أن يتخذ على نفقة الراهن كل الوسائل التي تلزم للمحافظة على العقار المرهون.
2- ضمان الراهن لتعرض الغير: حيث يكون ملزما بدفع كل ادعاء للغير بحق على العين المرهونة من شأنه المساس بحق الدائن المرتهن كأن يدعي الغير أنه دائن مرتهن قيد حق رهنه أولا, أو يدعي أن له حق ارتفاق على العقار المرهون حيازيا و كان الدائن المرتهن قد رتب ح رهنه على أن حق الارتفاق هذا لا يوجد, فان لم يستطع كان للدائن المرتهن حيازة أن يطالب تأمين كاف أو بتكملة التأمين المقدم أو سقوط أجل الدين و دفعه فورا بعد طلب الفسخ طبقا للمادة 119 من القانون المدني.
ثالثا: ضمان هلاك العقار المرهون أو تلفه:
تنص المادة 954 من القانون المدني على ما يلي:" يضمن الراهن هلاك الشيء المرهون أو تلفه إذا كان الهلاك أو التلف راجعا لخطئه أو ناشئا عن قوة قاهرة.
و يسري على الرهن الحيازي أحكام المادتين 899 و 900 المتعلقة بهلاك الشيء المرهون رهنا رسميا أو تلفه, و بانتقال حق الدائن من الشيء المرهون إلى ما حل محله من حقوق
لذلك علينا التمييز بين ثلاث حالات لأسباب هلاك العقار المرهون أو تلفه فإما أن يكون بخطأ الراهن نفسه أو بخطأ المرتهن و إما أن يكون بسبب أجنبي و تظهر أهمية التفرقة بين هذه الحالات في حق الاختيار المقرر بنص المادة 899 من القانون المدني.
1- هلاك العقار المرهون أو تلفه بخطأ الراهن: كقيامه مثلا بهدم العقار المرهون فيكون للدائن المرتهن الخيار بين تقديم تأمين كافيا بدلا من التأمين الهالك أو التالف أو أن يسقط أجل الدين فيصبح الدين حالا فيتقاضاه فورا.
(1) أ/ حسين عبد اللطيف حمدان- بند 139-ص193-و د/ عبد الرزاق أحمد السنهوري نفس المرجع السابق- بند 967- ص 548
2- هلاك العقار المرهون أو تلفه بخطأ الدائن المرتهن: فلا يجوز له أن يطلب في هذه الحالة من الراهن شيئا لأن الهلاك بخطئه هو, بل يجب عليه دفع تعويضا عما أتلفه بخطئه طبقا لقواعد المسؤولية التقصيرية و يحل هذا التعويض محل ما هلك من العقار أو تلف و هذا مثل من أمثال الحلول العيني ذلك لأن المرتهن مسؤول عن العقار المرهون إذا لم يبذل قدرا معينا من العناية في حفظ العقار و صيانته, و التزامه هذا هو التزام ببذل عناية الرجل العادي(1)
3- هلاك العقار المرهون بسبب أجنبي: بأن لا يكون للراهن و لا للمرتهن يدا فيه و من أمثلته هلاك العقار بسبب الطبيعة أو بفعل الغير, كان للراهن الخيار بين إسقاط أجل الدين و دفع الدين فورا للدائن المرتهن أو تقديم تأمين كاف بدلا من التأمين الهالك أو التالف.
و بذلك فان الراهن يضمن هلاك العقار المرهون أو تلفه سواء حدث ذلك قبل تسليمه إلى المرتهن أو بعد التسليم, و هو يضمن الهلاك أو التلف إذا نشأ عن خطئه هو أو عن سبب أجنبي, فإذا حدث الهلاك قبل التسليم فلا يطالب المرتهن بإثبات شيء. أما إذا حدث بعد التسليم فتقوم قرينة بسيطة على أن الدائن المرتهن هو المخطئ بحيث يكفي أن ينفي المرتهن تقصيره في المحافظة على العقار و أنه بذل عناية الرجل العادي حتى تنشأ مسؤولية الراهن, فلازالت فكرة الضمان في الرهن الحيازي بذاتها في الرهن الرسمي و هي أنه حق للدائن و التزام على الراهن(2)
و إذا وقعت أعمال من شأنها أن تعرض العقار المرهون للهلاك أو التلف أو تجعله غير كاف للتأمين و لم يكن للراهن يدا في هذه الأعمال كما إذا شرع في القيام ببناء من شأنه لو تم أن يشكل اعتداء على العقار المرهون أو على حقوق ارتفاق هذا العقار فان للدائن المرتهن أن يتخذ من الوسائل ما يمنع ذلك, فيجوز له دون وساطة الراهن أن يطلب من القاضي أن يحكم بوقف هذه الأعمال, فيمنع مثلا هذا الجار من إقامة البناء في وضع يشكل اعتداء على العقار المرهون(3). وفقا لما نصت عليه المادة 899 في فقرتها الثالثة من القانون المدني بنصها:" و في جميع الأحوال إذا كان من شأن الأعمال الواقعة أن تعرض العقار المرهون للهلاك أو للتلف أو جعله غير كاف للضمان, كان للدائن المرتهن أن يطلب من القاضي وقف هذه الأعمال و الأمر باتخاذ الوسائل التي تمنع وقوع الضرر".
و إذا ترتب على الهلاك أو التلف حلول قيمة أخرى محل العقار كمبلغ تعويض أو تأمين أو تمت نزع ملكية العقار للمنفعة العامة فان حق الدائن المرتهن ينتقل بمرتبته إلى هذه القيمة تطبيقا لنظرية الحلول العيني و هو ما نصت عليه المادة 900 من القانون المدني المحال عليها بموجب المادة 954 من القانون المدني و عليه فقد يكون هلاك العقار نتيجة لزلزال فتقدم الدولة تعويضا للمنكوبين فيحل التعويض مخل العقار, و قد يهدم الراهن المبنى المرهون و يبيعه أنقاضا للمشتري, فيحل الثمن محل العقار.
(1) (2) د/ سمير عبد السيد تناغو – نفس المرجع السابق- بند 138- ص374.
(3) د/ عبد الرزاق أحمد السنهوري- نفس المرجع السابق- بند 554- ص 932.