المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الزواج العرفي


yacine414
2011-02-05, 15:57
خلق الله الإنسان وجعله خليفة في الأرض إلى أمد لا يعلمه إلا هو ، وسن لهذا الهدف وسيلة الزواج ، ومنه جعل إستمرار الجنس البشري في إطار شرعي يحفظ للزوجين نفسيهما ودينهما .
ولذلك فقد أجلته كل الأديان وإعتبرته رباط ديني مقدس ذو فوائد دينية ودنيوية ، فإعتبره اليهود فرضا على كل قادر وأن من يحجم عنه مع القدرة عليه يستحق القتل، وأن العزاب هم سبب غضب الله على بني إسرائيل ، وإعتبره المسيحيون رغم تفضيلهم للرهبانية والعبادة والتبتل ضرورة لبقاء النوع الإنساني وصيانة الفرد من الفاحشة .
أما الإسلام فقد أمر الشباب بالزواج لأنه يتماشى مع الطبع الإنساني والقيم الدينية و النفسية والاجتماعية ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : " تناكحوا تناسلوا أباهي بكم الأمم يوم القيامة " .
وقد حاولت المجتمعات البشرية منذ القدم جعل الزواج في إطار محدد وذو صبغة موحدة تفرقه عن باقي العلاقات غير الشرعية الأخرى ، وجعلت من إنعقاده مناسبة سارة يفرح لها الأهل و المقربون ومن انحلاله نكبة تلحق بطرفي العقد وأهليهما ، وحرصت في ذلك على إتباع إجراءات معينة تعطي لهذا العقد الهيبة والقوة الدينية ، فمثلا إشترط المسيحيون أن يتم هذا الزواج في كنيسة وبين أيدي رجل دين وبعد صلاة الإكليل وأن يسجل في دفتر قيد عقود الزواج الذي يمسكه رئيس كل كنيسة .
بينما يشترط الإسلام ضرورة توافر الرضا ، الولي ،الصداق والشهود لإنعقاده ،وقد جاءت القوانين الوضعية في الدول الإسلامية ،وأمرت بتسجيل عقد الزواج لأهداف عملية تحفظ الحقوق من الضياع .
وقد صب قانون الأسرة الجزائري في هذا المصب وإستوجب قيد الزواج في سجلات الحالة المدنية ، غير أنه ورغم صراحة النصوص القانونية بضرورة تسجيل عقد الزواج إلا أن بعض الأفراد يغفلون هذا الشرط ويعقدون زيجاتهم دون تسجيلها
وهو ما يعرف بالزواج العرفي ، وقد لاحظنا خلال تربصنا الميداني لدى مجلس قضاء الجلفة إنتشار هذه الظاهرة التي ترجع لعدة أسباب من بينها :
أسباب دينية : تتمثل في إكتفاء الأفراد بما ينص عليه الدين الإسلامي من توافر أركان عقد الزواج واعتباره زواجا صحيحا لا يحتاج إلى تأكيده بموجب عقد إداري وفقا لإجراءات روتينية لا فائدة منها .
أسباب إجتماعية : منها إنعدام الثقافة القانونية والتوعية بالمخاطر الناجمة عن عقد الزواج غير الموثق ، كما أن انعزال بعض البلديات يجعل الأفراد ينظرون إلى التنقل لتسجيل عقد الزواج على أنه عبء ثقيل لا طائلة منه .
أسباب قانونية : التي يستوجبها القانون ولم تستلزمها الشريعة الإسلامية ومنها شرط السن المحدد بـ 18 سنة بالنسبة للبنت و21 سنة بالنسبة للذكر ، وكذلك شرط وجوب رخصة مسبقة لبعض الفئات من الموظفين مثل فئة سلك الأمن و العسكريين ،وكذلك وجوب علم الزوجة الأولى واللاحقة في حالة تعدد الزوجات ، ولهذا يرى الأفراد أنه وما دام هذا العقد صحيحا من الناحية الدينية فلا داعي لتعقيد الأمور بإتباع الإجراءات الإدارية.

وقد طرح هذا الموضوع عدة إشكاليات من الناحية القانونية والعملية ، من حيث تحديد تعريف له و أركانه وشروط صحته و جزاء تخلف هذه الأركان والشروط ،وكذلك من حيث آثار المترتبة عنه ، هل هي تنحصر في طرفي العقد أم تتعداها إلى أطراف أخرى؟ ومن حيث طرق إثباته ، هل نلجئ إلى طرق الإثبات المقررة في الشريعة الإسلامية فقط أم النظرية العامة للإثبات ؟ وهل يكفي في إثباته دليل واحد أم لابد من تقديم عدة أدلة ؟ وماهي الدعاوى التي يمكن أن تعرض أمام القضاء بمناسبة تسجيل هذا العقد ؟ وما هي إجراءات تسجيله ؟
سنحاول معاجلة موضوع الزواج العرفي ونبين معالمه من خلال هذا البحث إنطلاقا مما لاحظناه خلال تربصنا الميداني لدى مجلس قضاء الجلفة ووفقا للخطة التالية :



الفصـــل الأول :
مفهــــوم عقـــــد الـــــــزواج العرفـــــــي وآثـــــاره

إن الزواج بصفة عامة هو إقتران المرأة بالرجل بموجب عقد , إشترط فيه الشارع الإعلان ليكون بمثابة التوثيق , حيث قال شيخ الإسلام إبن تيمية:" لا ريب في أن النكاح مع الإعلان يصح , وإن لم يشهد شاهدان , وأما مع الكتمان والإشهاد فهذا مما ينظر فيه, وإذا إجتمع الإشهاد والإعلان فهذا لا نزاع في صحته ، وإذا إنتفى الإشهاد والإعلان فهو باطل عند عامة العلماء " .
أما في الشريعة الإسلامية فهو عقد يتم دون شكليات , ويكون صحيحا متى توافرت أركانه الشرعية ، غير أنه يستوجب إعلان الزواج وإشهاره ، لقوله عليه الصلاة والسلام: " أفشوا النكاح وأضربوا عليه بالدف " ، ولا يشترط لصحة العقد تحرير الوثيقة المثبتة له في مجلس العقد بل الوثيقة جعلت دليلا كتابيا على وجود الزواج .
وعليه يمكن القول مبدئيا بأن الزواج العرفي هو زواج تم وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية والقانون يتوافر على جميع أركانه وشروطه الشرعية والقانونية ,غير أنه لم يتم شهره وتسجيله بسجلات الحالة المدنية خلال المهلة المحددة قانونا ، وهي في القانون الجزائري ثلاثة أيام تبدأ من تاريخ إنعقاد العقد عندما يبرم الزواج داخل التراب الوطني ، و مدة سنة عندما يبرم الزواج بين الجزائريين مقيمين في بلاد أجنبي (1) ،والزواج العرفي لا يرتب كل آثاره القانونية إلا بعد تسجيله ، وعليه سنتطرق في المبحث الأول إلى مفهوم الزواج العرفي وفي مبحث ثان إلى آثاره .


(1) بداوي علي ، مقال عقود الزواج العرفية ، مجلة قضائية ، 2002 ، العدد 02 ، ص 154 .


المبحـــــث الأول
مفهــــوم عقـــد الــــزواج العرفــــي

لكون الزواج العرفي يشترك مع الزواج الرسمي في جميع الأركان والشروط بإستثناء التسجيل فإنه يتعين علينا التعرض لتعريف عقد الزواج العرفي من خلال تعريف عقد الزواج الرسمي لغة وفقها وقانونا في المطلب الأول ، وتبيان أركان وشروط عقد الزواج في مطلب ثان وجزاء تخلف هذه الأركان والشروط في مطلب ثالث .

المطلـــــب الأول
تعريــــف الـــــزواج العرفــــــي

01/ تعريف عقد الزواج لغة:
هو الإقتران والإزدواج , وشاع إستعماله في إقتران الرجل بالمرأة على سبيل الدوام والإستمرار , ولقد جاء في القرآن ما يرادف هذا المعنى في قوله تعالى :"وزوجناهم بحور عين " أي قرناهم بهن ، وقوله:"وإذا النفوس زوجت." أي إقترنت بأبدانها وأعمالها .
أما النكاح فيعني الدخول والإختلاط والضم والعقد والوطء (1) ، ومن إستعماله في الوطء قوله صلىالله عليه وسلم:" ولدت من نكاح." أي من وطء حلال (2) .
2/ تعريف عقد الزواج فقها :
رغم إختلاف التعاريف التي جاء بها الفقهاء لعقد الزواج ، فإن التباين في أغلبيته لفظي مع تقارب في المعنى ، وكل هذه التعاريف تنتهي إلى أن القصد من عقد الزواج هو: ملك المتعة أوحلها، حيث أنه في الإصطلاح الشرعي

(1) د/محمد محدة ، سلسلة فقه الأسرة الخطبة والزواج ،الجزء الأول ، الطبعة الثانية , شهاب، الجزائر، 2000 ، ص 85 .
(2) د/ محمد كمال الدين إمام ، الزواج والطلاق في الفقه الإسلامي، الطبعة الأولى ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، بيروت، لبنان ،1992 ، ص 26 .
عقد يرد على إستمتاع كل من العاقدين بالآخرعلى الوجه المشروع،أو هو عقد وضعه الشارع يرد على حل المتعة على الوجه المشروع وعلى سبيل القصد(1).
ويعرفه صاحب الكنز بأنه:" عقد يرد على ملك المتعة قصدا " والتعريف على هذا النحو يشير إلى حق الرجل في الإستمتاع بزوجته دون غيره، أما المرأة فيحل لها الإستمتاع بزوجها وقد تشاركها زوجة أخرى في ذلك ، لأن الشارع أباح للرجل تعدد الزوجات ومنع ذلك على النساء .
وعيب هذا التعريف أنه يكاد يجعل من الإستمتاع أساس الزواج، مع أن مقاصده كثيرة ، ومنها ما يكون في الحياة الدنيا ، ومنها ما يمتد إلى الآخرة (2) .
وعرفه مصطفى شلبي بأنه:" عقد وضعه الشارع ليفيد بطريق الأصالة إختصاص الرجل في التمتع بإمرأة لم يمنع مانع شرعي من العقد عليها ، وحل إستمتاع المرأة به " ، وهو التعريف الذي كان صاحبه يتوقع منه الإلمام بخصائص عقد الزواج لكنه يعاب عليه أنه جعل المرأة محلا للعقد ، وهذا ما لا يصدقه العقل فلو كانت موضوعا للعقد، فلماذا يشترط فيها المشرع شروط طرفي العقد كالأهلية والحرية والعقل والإسلام (3) .
وقد اتجه بعض المعاصرين إلى تعريف شامل للزواج ، فعرفه الشيخ محمد أبوزهرة بأنه : "عقد يفيد حل العشرة بين الرجل والمرأة وتعاونهما ويحدد لكليهما ما له من حقوق وما عليه من واجبات" ، ذلك أن الغرض الأسمى في الشرع وعند أهل الفكر والنظم كما يقول الإمام أبوزهرة هو : التناسل وحفظ النوع الإنساني وأن يجد كل واحد من العاقدين في صاحبه الإنس الروحي وسط متاعب الحياة، لقوله تعالى :" ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" (4) .


(1) د/العربي بلحاج ، الوجيز في شرح قانون الأسرة الجزائري ، الجزء الأول ، طبعة 2002 ، ديوان المطبوعات الجامعية ، بن عكنون ، الجزائر ، ص 30 .
(2) المرجع السابق ، ص 31 .
(3) المرجع السابق ، ص 31 .
(4) سورة الروم ، الآية 04 .
وهو أسلم التعاريف لأنه يحدد الطبيعة القانونية لعقد الزواج ، إذ أن جميع العقود تتداخل فيها إرادة الأطراف وتجعل لها أركانا وشروطا ماعدا هذا العقد الذي وضعه الله سبحانه وتعالى وهذا ما أشار إليه الإمام أبوزهرة في تعريفه : " … ويحدد لكليهما ما له من حقوق وما عليه من واجبات " .
لقد تنازع الفقهاء في تحديد الطبيعة القانونية للزواج ، فمنهم من إعتبره عقدا يتم بتلاقي إرادة كل من الزوج والزوجة وهذا الإتفاق يرتب الكثير من الآثار القانونية ، وأنتقد هذا الرأي على أساس أن هذه الأخيرة تترتب على العقد بمعناه التقليدي ، والتي يقوم بتحديدها وترتيبها أطراف العلاقة طبقا للقاعدة العامة " العقد شريعة المتعاقدين " .
أما الآثار المترتبة على الزواج فالقانون هو الذي يحددها بنصوص آمرة لا يجوز الإتفاق على ما يخالف حكمها ، ولا يمكن الإنقاص من أهمية هذا النقد بحجة أنه توجد الكثير من العقود التي تتضمن شروطا أساسية ، ذلك أنه في مثل هذه العقود يقوم أحد الأطراف بوضع هذه الشروط ، و يتعين على الطرف الآخر قبولها، أما في عقد الزواج فالقانون هو الذي يحدد آثاره وشروطه ، و إعتبر أصحاب هذا النقد الزواج نظاما قانونيا خاصا يختلف مفهومه عن المفهوم التقليدي للعقد (1).
ويرى الدكتور محمد كمال الدين إمام أن كلاً من النظرية التعاقدية وفكرة النظام تعتبر غير كافية ،إذا أخذت كل منهما على حدى ففكرة النظام القانوني تكمل تلك النظرية التي تعتبر الزواج عقد ، فالزواج بحكم كونه نظام يكشف الصفة الآمرة للقواعد القانونية التي تحكمه فهو في نفس الوقت عقد رضائي (2).





(1) أحمد محمود خليل ، عقد الزواج العرفي أركانه وشروطه وأحكامه ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 2002 ، ص 36 .
(2) د/ محمد كمال الدين إمام ، المرجع السا بق ، ص 55

3/ تعريف عقد الزواج قانونا :
منذ بداية القرن الحالي بدأت الدول الإسلامية تفكر في إصدار تشريع للأحوال الشخصية يلم شتاتها ويحل مشكلاتها الفقهية والإجتماعية ، ويستمد من مصادر الإسلام وآراء المذاهب على تنوعها ضمانا للتوفيق بين الفقه والواقع ، فقد أبرزت الممارسة مدى الحرج الذي يمكن أن تقع فيه الأمة نتيجة الإلتزام بمذهب معين لا يجوز لها أن تتعداه.
ولقد كانت الجمهورية السورية أسبق الدول العربية لإصدار تشريع كامل للأحوال الشخصية بحيث جاء تعريف الزواج في مادته الأولى بقولها:" الزواج عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعا ، غايته إنشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل " .
أما التشريع العراقي فقد نقل المادة بألفاظها وإلى قريب من ذلك نص التشريع الكويتي في المادة الأولى منه على أن عقد الزواج هو :"عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعا ،غايته السكنى والإحصان وقوة الأمة " .
بينما نص التشريع اليمني في مادته الأولى :" الزواج هو إرتباط بين الزوجين بميثاق شرعي تحل به المرأة للرجل شرعا وينشآن معا أسرة قوامها حسن المعاشرة " .
أما مشروع القانون المصري للأحوال الشخصية للمسلمين والذي أقره مجمع البحوث الإسلامية فقد فضل عدم تعريف عقد الزواج.
ونصت المادة الأولى من المدونة المغربية الصادرة سنة 1957، على أن الزواج :" ميثاق ترابط وتماسك شرعي بين رجل وامرأة على وجه البقاء، غايته الإحصان و العفاف مع تكثير سواء الأمة بإنشاء أسرة تحت رعاية الزوج على أسس مستقرة تكفل للمتعاقدين تحمل أعبائها في طمأنينة وسلام وود " .
وبالنسبة للتشريع الجزائري فقد نصت المادة الرابعة منه :" الزواج هوعقد يتم بين رجل وامرأة على الوجه الشرعي من أهدافه تكوين أسرة أساسها المودة والرحمة والتعاون وأحصان الزوجين والمحافظة على الأنساب " .

ما يلاحظ على هذا التعريف أن المشرع ذكر طرفي عقد الزواج وهما الرجل والمرأة ، كما نص على ضرورة إحترام الشروط الشرعية، وذكر الغاية من عقد الزواج ، وبذلك فإن المشرع لم يتعرض إلى موضوع عقد الزواج وآثاره القانونية لكنه ذكر الغاية منه ، ولعل عذر المشرع في هذا الإغفال هو الخشية من الظن بأن عقد الزواج موضوع في الإسلام لمجرد الإستمتاع فعدل عن ذلك إلى ذكر الغاية (1) .
أما مشروع القانون العربي الموحد للأحوال الشخصية والذي أعدته لجنة خبراء مجلس وزراء العدل العرب ، فقد نص في مادته الخامسة على أن الزواج :" ميثاق شرعي بين رجل وامرأة ، غايته إنشاء أسرة مستقرة برعاية الزوج على أساس التكفل بها وتحمل أعبائها بمودة ورحمة ".
وميزة هذه القوانين كما جاء في المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 51 لسنة 1984 في شأن الأحوال الشخصية الكويتي ، أنها إستبعدت ما شاع بين الفقهاء في أن الزوجة محل الإستمتاع وأظهرت ما للزواج من مقاصد سامية في بناء المجتمع ولكن يعاب على هذه التعاريف أنها أغفلت عن عنصر جوهري هو موضوع العقد ، ولم تتعرض لآثاره الشرعية.
أما القانون الفرنسي حسب كولين وكابيتون فقد نص : "عقد الزواج هو عقد مدني إحتفالي ، والذي بواسطته يتحدى الرجل والمرأة من أجل العيش معا ، ومن أجل التعاون والمساعدة تحت إشراف الزوج رئيس العائلة " (2) ، كما نص القانون الحديث بأن :" الزواج يخلق جمعية بين الزوجين اللذان لهما واجبات متبادلة ، وهدفه الأساسي هو خلق عائلة " (3).
ونظرا لكون عقد الزواج العرفي هو عقد زواج كامل الأركان والشروط المطلوبة في الشريعة الإسلامية غير أنه لم يسجل فعلينا أن نتطرق إلى أركان وشروط عقد الزواج العرفي .



(1) د/العربي بلحاج ، المرجع السابق ، ص 31 .
(2) Dr /GHAOUTI BENMELLHA , éléments du droit algérien de la famille, tome premier , le mariage et sa dissolution , office de publications universitaires , publisud , Paris ,1985 , P 42 .
(3) Déjà cité , P 42 .

المطلـــب الثانـــــي :
أركــان وشــــروط عقـــد الـــزواج العرفـــــي

إن عقد الزواج كعقد شرعي له أركان تقومه وتحقق ماهيته وشروط لابد منها لأجل الاعتداد به ، وقبل بياننا لهذه الأركان والشروط وأثر كل منهما على عقد الزواج نوضح الفرق بين الركن والشرط .
فالركن لغة هو الجانب القوي في الشيء ،لقوله الله تعالى:"أو أوى إلى ركن شديد" (1).
و الركن إصطلاحا هو ما يتوقف الشيء على وجوده وكان جزءا من حقيقته ، وقيل ركن الشيء ما يتم به وهو داخل فيه بخلاف شرطه فهو خارج عنه .
و الشرط فهو ما يتوقف عليه الشيء الذي جعل شرطا له ولم يكن جزءا في حقيقته.
ونظرا لما لعقد الزواج من خاصية تميزه عن غيره من العقود ذلك لأن لكل ركن من أركانه شروطا لايمكن دراسة هذه الأركان بمعزل عن الشروط .
والفقهاء المسلمون تطرقوا إلى أركان عقد الزواج وشروطه وتحدثوا عنه كثيرا وسلكوا بشأنهما طرق شتى ، وإذا كان الفقهاء لم يختلفوا في اعتبار الرضا ركن من أركان عقد الزواج ، فقد إختلفوا بشأن حضور الشهود في جلسة إنعقاد الزواج وفي الولي والصداق (2) .
في التشريع الجزائري فإن الأمر 274‌-59 الصادر بتاريخ 04/02/1959 والمتعلق بعقود الزواج التي يعقدها الجزائريون الذين يخضعون إلى نظام الأحوال الشخصية المحلية في عمالات (الولايات) الجزائر وولايتي الساورة والواحات(ورقلة-بشار حاليا) نص في مادتها الثانية على أن :" الزواج لا ينعقد إلا برضا الزوجين ، ويجب أن يصدر الرضا شخصيا وعلنيا ومن صاحب الشأن شخصيا وبحضور شاهدين بالغين ، وذلك أمام القاضي أو الموثق أو ضابط الحالة المدنية وإلا كان العقد باطلا " .



(1) سورة هود ، الآية 40 .
(2) محمد مصطفى شلبي ،أحكام الأسرة في الإسلام،الطبعة الثانية، دار النهضةالعربية ، لبنان ، 1977 ، ص 40 .

وهذا يعني أن هذا القانون لم يكن يقيم وزنا للتعبير عن الرضا بالوكالة ، ولم يشر إلى الصداق ولا إلى الولي ، ولم يجعل من أي منهما ركنا ولا شرطا لإنعقاد الزواج أو لصحته ، كما لم يجعل من فقدانهما أو فقدان أحدهما سببا من أسباب الفسخ أو البطلان (1) .
أما قانون الأسرة الحالي وتحت عنوان أركان الزواج نص في المادة التاسعة على أنه: " يتم عقد الزواج برضا الزوجين وبولي وشاهدين و صداق" ،جاعلة من هذه العناصر الأربعة أركانا لقيام عقد الزواج ، ولذا سنتحدث عن كل منهما على حدى ووفقا للترتيب الذي سار عليه قانون الأسرة.
1/رضــــــــا الزوجيــــــــن:
لما كان عقد الزواج عقدا إراديا يقوم على تراضي المتعاقدين، كان الرضا ركنا من أركانه، وهذا الرضا أو التراضي يوجد بوجود إرادتين متوافقتين ومتطابقتين متجهتين إلى إحداث أثر شرعي معين وهو حلّية إستمتاع في الزواج مع تحمل باقي آثار العقد الشرعي ، ومظهر ذلك كله هو الإيجاب و القبول .
وقال البخاري :" لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاهما ، كما أنه ليس للأب جبر البكر على الزواج بمن أراد إذا إمتنعت " .
وذهب المالكية إلى القول بأن المرأة لو قالت بعد العقد "ما علمت من أن صمتي إذن" بطل العقد لإعتبارهم ذلك عيبا في الرضا.
وقد جاء في المذكرة التوضيحية لمشروع القانون العربي الموحد للأحوال الشخصية أن " عقد الزواج عقد لابد فيه من الرضا ".
ونصت المادة العاشرة من قانون الأسرة في فقرتها الأولى أن :" الرضا بإيجاب من أحد الطرفين وقبول من الطرف الآخر بكل لفظ يفيد معنى النكاح شرعا " .
ثم نصت فقرتها الثانية أن :" يصح الإيجاب والقبول من العاجز بكل ما يفيد معنى النكاح لغة أو عرفا كالكتابة والإشارة " .



(2) عبدالعزيز سعد ، الزواج والطلاق في قانون الأسرة الجزائري ، الطبعة الثانية ، دار البعث ، قسنطينة ، 1989 ، ص115 .


وهذا ما يتعين معه التطرق لكل من الإيجاب والقبول وإلى صيغة كل منهما وإلى إيجاب و قبول العاجز عن الكلام.
1.1 – الإيجــــاب والقبـول:
فالإيجاب :هو ما صدر من أحد العاقدين أولا دالا على ما يريده من إنشاء العقد ، ويسمى الشخص الذي صدر منه الإيجاب موجبا.
والقبول : هو ما صدر ثانيا من الطرف الآخر دليلا على موافقته على ما أوجبه الأول ويسمى الشخص الذي صدر منه القبول قابلا.
فأول الكلام إيجابا سواء صدر من جانب الزوج أو من جانب الزوجة ، وسمي إيجابا لأنه أوجد الإلتزام ، ويسمى الثاني قبولا لأنه رضا بما في الأول من إلتزام.
والأصل في تحقيق الإيجاب والقبول في عقد الزواج أن يكون بالعبارة وقد يوجد أحدهما أو كلاهما بالإشارة أو الكتابة ، في بعض صوره ولما كان الأصل فيه هو الألفاظ عني الفقهاء ببيان الألفاظ التي ينعقد بها وهو ما يعرف بصيغة عقد الزواج .
2.1 – الصيغـــــــــة:
وقد إتفق الفقهاء على أن العقد ينعقد بكل لفظ مأخوذ من مادتي الزواج والنكاح لأن أكثر النصوص الواردة فيه جاءت بهما ، وأنه لا ينعقد بألفاظ الإباحة والإحلال والإيداع والإعارة والرهن لأنها لا تفيد الأبدية ، والزواج من العقود الأبدية لأنه يفيد ملك المتعة للزوج .
وكذلك لا ينعقد بلفظ الوصية لأنها وإن أفادت التمليك إلا أنه تمليك مضاف إلى ما بعد الموت ، والزواج يفيد التمليك في الحال ، وكذلك لفظ الإيجارة لأنها و إن أفادت ملك المنفعة في الحال إلا أنها ملكية مؤقتة والزواج شرع على الدوام والتأبيد،فصيغة الزواج يجب ألا تكون دالة على التأقيت، وألا يقترن بها ما يدل على هذا التأقيت صراحة ، لأن مقتضى عقد الزواج حل العشرة ودوامها .


وذهب الإمام أبوزهرة إلى القول :" ولا ينعقد عقد الزواج إلا بالألفاظ الدالة عليه سواء كانت لغوية في دلالتها عليه أم كانت مجازا مشهورا وصل إلى درجة الحقيقة اللغوية أم كانت مجازا وضعت فيه القرينة وإستبان المعنى حتى صار الكلام صريحا في إرادة الزواج " (1) و المادة العاشرة من قانون الأسرة أكدت ذلك بحيث جعلته بكل لفظ يفيد النكاح شرعا.
وبما أن الزواج مشروط فيه الشهادة فلابد أن يكون اللفظ الذي يعقد به صريحا، حتى يعرف الشهود ما شهدوا عليه ، فالحنفية صححوا إستعمال الألفاظ غير الصريحة مع القرينة الدالة على أن المتكلم أراد بها الزواج كذكر المهر معها وإحضار الشهود وما شابه ذلك ، أما المالكية فقد أجازوا التزويج بلفط الهبة والصدقة والتمليك إذا ذكر معها الصداق ليكون قرينة على إرادة الزواج من هذه الألفاظ كأن يقول طالب الزواج :" هب لي إبنتك بمهر كذا " ويقول الآخر:" قبلت " (2) .
إن هـذه الأراء تتعلـق بالإيجـاب فقـط أمـا القبـول فيتحقـق بـأي لفـظ يـدل علـى الـموافقـة والرضـا .

* كما أنه ليس شرطا أن يعبر عن الإيجاب والقبول باللغة العربية سواء كان العاقدان يحسنان اللغة أم لا ، لأن المقصود هو التعبير الواضح عن الإرادة ، لكن الشافعية ذهبت إلى أنه لا ينعقد الزواج بغير العربية إذا كان العاقدان يفهمانها ، كما أن الشيعة ذهبت إلى عدم جواز الترجمة مع القدرة على النطق بالعربية و إلى جوازها مع العذر كالأعجم (03).



(1) الغوثي بن ملحة ، محاضرات قانون الأسرة بالمعهد الوطني للقضاء ، 2002 .
(2) د/ العربي بلحاج ، المرجع السابق ، ص 67 .
(3) المرجع السابق ، ص 65 .


* أما في إنعقاد الزواج بغير الكلام ، فقد ميز الفقه بين حالتين ، فإذا كان العاقدان حاضرين معا في مجلس العقد وكانا قادرين على النطق ، فلا يصح الزواج بينهما بالكتابة لأن اللفظ هو الأصل في التعبير عن الإرادة ولأن الكتابة كناية ، و النكاح لا ينعقد بالكناية ، أما إذا كان العاقدان غائبين ، فقد ذهب جمهور العلماء من المالكية و الشافعية و الحنابلة إلى المنع من إجراء عقد الزواج بالكتابة بين غائبين وأجاز ذلك الحنفية، حيث يجيزون للرجل الغائب عقد الزواج بالمراسلة و التعبير عن الرضا بواسطة الرسائل المكتوبة عندما تتضمن هوية الزوجة وتتم قراءة الرسالة علانية بحضور الشهود وتعلن المرسل إليها قبولها أمامهم ولو لم تكن الرسالة قد تضمنت مقدار و نوع الصداقة (1) .

أما المشرع الجزائري فقد ذهب من خلال نص المادة العاشرة من قانون الأسرة إلى ما ذهب إليه المانعون من إنعقاد الزواج بالكتابة حيث حصر التعبير عن الإرادة في اللفظ ولم يستثنى الغائبين كما فعل بالنسبة للعاجز ، في حين نجد أن بعض قوانين الأحوال الشخصية لبعض الدول العربية قد حددت موقفها بوضوح ، حيث أن القانون المصري مثلا في مادته السادسة ينص على أنه : " يجوز أن يكون الإيجاب عن الغائب بكتاب أو بواسطة رسول " .
أما القانون السوري للأحوال الشخصية فقد نص في مادته السابعة على أنه : " يجوز أن يكون الإيجاب و القبول بالكتابة إذا كان أحد العاقدين غائبا عن المجلس " (2) .

* ومما تجدر الإشارة إليه أن الزواج لا ينعقد بواسطة الهاتف لأن الشاهدان يسمعان كلام أحد العاقدان فقط وسماعهما الإيجاب وحده أو القبول وحده غير كاف لصحة العقد وكذلك لوشهد إثنان على كلام أحدهما وآخران على كلام الآخر لا يعتد بذلك لأن الشهادة لم تكن على كامل العقد .


(1) عبد العزيـز سعـد ، المرجـع السابـق ، ص 119 .
(2) خالد محمود طلال حمادة ، عقد الزواج بالكتابة عن طريق الإنترنيت ، الطبعة الأولى ، دار النفاس ، الأردن ، 2002 ، ص 89 .
وأما عند من لم يشترط الشهادة فيمكن أن يقال أنه ينعقد متى تأكد كل من الطرفين من شخص الآخر و من وضوح عبارته ، و التأكد من ذلك عسير لإشتباه الأصوات و إمكانية تقليدها (1) .

* وأما العاجز عن الكلام كالأخرس فإن كان لا يحسن الكتابة ، فيعبر عن إرادته بإشارته المعروفة لأنه لا سبيل له في التعبير عن إرادته إلا بها ولا يزوجه وليه إن كان بالغا ، لأن الأخرس كالأصم لا يحجر عليه ، والأخرس إذا كان يحسن الكتابة فالأرجح أن لا يقبل منه التعبير عن إرادته بالإشارة ، لأن الكتابة أقوى بيانا من الإشارة حيث يعرفها كل من يقرأ بخلاف الإشارة التي لا يعرفها إلا القليل ، وهذا ما أخذ به القانون المصري حيث ينص في المادة 128 على أن : " إقرار الأخرس بإشارته المعهودة ولا يعتد بإقراره بالإشارة إذا كان يمكنه الإقرار بالكتابة ... " (2) .
وقد لاحظنا أن المشرع الجزائري عندما نص في المادة العاشرة من قانون الأسرة على أنه : " ... ويصح الإيجاب والقبول من العاجز بكل ما يفيد النكاح لغة أو عرفا كالكتابة و الإشارة " و لم يعط الأولوية للتعبير بالكتابة عنه بالإشارة ، ويفهم من ذلك أنه يمكن للأخرس التعبير عن الإرادة بالإشارة حتى ولو كان يعرف الكتابة المهم أن تكون الإشارة لديها دلالة معروفة خصوصا لدى شهود العقد .

* أما عن مدى صلاحية السكوت للتعبير عن الإرادة في عقد الزواج فقد أجاز الفقهاء ذلك بالنسبة للبكر فقد استنادا لقوله صلى الله عليه وسلم : "ليس للولي من الثيب أمر " وقوله :" الأيم أحق بنفسها من وليها و البكر تستأذن و إذنها صمتها " .



(1) محمد مصطفى شلبي ، المرجع السابق ، ص 70 .
(2) المرجع السابق ، ص 65 .


* أما عن إنعقاد الزواج بالأفعال فقد اتفق الفقهاء على أن الزواج لا ينعقد بالأفعال ، كأن تقول إمرأة لرجل زوجتك نفسي بمائة دينار مثلا ، فيدفعها إليها من غير أن يتكلم حتى ولو كان أمام شهود فليس في هذه الصورة إلا الإيجاب و الزواج لا يتحقق بالإيجاب وحده (1).

* وعقد الزواج من بين العقود التي يمكن أن يتولاها عاقد واحد يقوم مقام عاقدين وتقوم عبارته مقام عبارتين ، وذلك يكون إذا كانت ولاية إنشاء العقد في كلا الجانبين لنفس الشخص ، وتكون له الولاية من الجانبين في الحالات التالية :
1 – إذا كان وكيلا عن الرجل والمرأة .
2 – إذا كان وكيلا من جانب و أصيلا من جانب ، كأن توكله المرأة في أن يزوجها من نفسه.
3 – أن يكون وليا من جانبين ، كأن يزوج حفيدته من إبن عمها الذي هو حفيده أيضا وكلايهما في ولايته .
4 – أن يكون وليا من جانب و وكيلا من جانب آخر كأن يوكله رجل آخر في أن يزوجه من إبنته التي هي في ولايته .
5 – أن يكون وليا من جانب و أصيلا من جانب آخر كأن يزوج نفسه من إبنة عمه التي هي في ولايته .

* أما الوكالة في الزواج فقد أجازها الفقهاء وذلك لأن الواقع المعتاد في أكثر عقود الزواج أن لا يباشر الرجل و المرأة العقد بنفسهما لغلبة الحياء ، ومن هنا نص المشرع في المادة 20 من قانون الاسرة على أنه " يصح أن ينوب عن الزوج وكيله في إبرام عقد الزواج بوكالة خاصة " أو بورقة رسمية معدة لهذا الشأن ،إذا فالزواج بالوكالة جائز لكن ليس للوكيل أن يجاوز حدود الوكالة في نقل رضا وشروط الزوج الذي ينوب عنه ، أما إذا جاوز الوكيل حدود وكالته كان تصرفه موقوفا على إجازة الأصيل (2) .


(1) المرجع السابق ، ص 69 .
(2) د/ العربي بلحاج ، المرجع السابق ، ص 74 .

* كما أنه يشترط في عقد الزواج أن يكون منجزا وذلك بخلوه من التعليق على الشرط يحتمل أن يتحقق أو لا يتحقق وصيغته غير مضافة لأجل في المستقبل ، أما إذا إقترن الزواج بشرط يتماشى ومقتضيات العقد ويساير ما تأمر به الشريعة الاسلامية فهذا جائز ، كاشتراط تعجيل بعض الصداق و تأجيل بعضه، وهو ما أشارت إليه المادة 19 من قانون الأسرة بقولها :" للزوجين أن يشترطا في عقد الزواج كل الشروط التي يريانها ما لم تتناف مع هذا القانون ".
أما إذا كان الشرط مخالفا لقانون الأسرة ولأحكام التشريع الإسلامي ولا يتفق مع مقتضيات العقد فالشرط هنا باطل بإتفاق العلماء و العقد يبقى صحيحا، وهو ما ذهب إليه المشرع الجزائري في المادة 35 من قانون الأسرة بقوله :"إذا إقترن عقد الزواج بشرط ينافيه كان ذلك الشرط باطلا والعقد صحيحا "، وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا " .
* 1. 3 . شــــروط الرضــا :
أما عن الشروط التي يجب أن تتحقق في ركن الرضا فهي كالآتي :
1 – أن لا يكون أحد العاقدين فاقد الأهلية أو ناقص الأهلية : ويعد السفيه كامل الأهلية ، ولذلك يصح وينعقد عقد زواجه إذ لا حجر عليه في الزواج و آثاره (1) .
وقد حدد الأمر رقم 274-59 في مادته الخامسة سن الزواج بالنسبة للرجل بـ 16 سنة و بالنسبة للمرأة بـ 15 سنة ، أما القانون رقم 224-63 الصادر بتاريخ 29/06/1963 فقد حدده بالنسبة للرجل بـ 18 سنة للرجل و 16 سنة بالنسبة للمرأة ، و أهلية الزواج في قانون الأسرة الحالي حددتها المادة السابعة بقولها : " تكتمل أهلية الرجل في الزواج بتمام 21 سنة والمرأة بتمام 18 سنة " .
و المشرع أجاز لرئيس المحكمة إعفاء الزوجين من شرط السن إذ رأى أسباب جدية تدعو إلى ذلك .
و هذا التحديد لم يكن معروفا عند المسلمين الأوائل وذلك لعدم ورود نص في القرآن و السنة .

(1) الإمام محمد أبو زهرة ، محاضرات في عقد الزواج و آثاره ، دار الفكر العربي ، جمهورية مصر العربية ، ص 20 .
والدكتور محمد محدة يرى أن تحديد حد أدنى للزواج كإجراء تنظيمي يجوز للسلطة التشريعية بإعتبارها تحافظ بقوانينها على سلامة الفرد و المجتمع ، غير أنه إذا كان المشرع قد وضع نصب عينيه مصلحة الفرد و المجتمع عند تحديده تلك السن فإنه من جهة أخرى لم يعطيها القيمة القانونية اللازمة ذلك أن نهيا دون جزاء قد لا يجدي نفعا لدى البعض خاصة عند علمهم بما تنص عليه المادة 22 من إمكانية تسجيل العقد بحكم أمام القضاء إذا إكتملت أركانه (1) .
وعلى العكس من ذلك فإن القانون رقم 224-63 الذي نص في مادته الثانية :" يعاقب كل من ضابط الأحوال المدنية و القاضي و الزوجين وممثليهما و الشركاء الذين لم يراعوا شرط السن المنصوص عليها في المادة الأولى ، بالحبس من 15 يوما إلى 03 أشهر و بغرامة من 400 إلى 1000 فرنك جديد أو بإحدى هاتين العقوبتين " .
وعلى العموم فإن تحديد السن لم يأت على إطلاقه ذلك أن المشرع لم يأخذ الناس جميعا مأخذا واحدا سواء كانوا ذكورا أو إناثا و إنما أعطى للقاضي السلطة التقديرية في السماح والإذن بالزواج (2) .
2 – أن يكون الإيجاب حازما : أي ينطوي على إرادة الموجب في إبرام العقد بمجرد إقتران القبول به ، وعلى أساس توافر هذه النية أو إنتفاءها يفرق الفقهاء بين الإيجاب و بين الدعوة إلى التعاقد مع مراعاة أن القول بذلك من مسائل الواقع التي لا يخضع فيها قاضي الموضوع لرقابة المحكمة العليا (3) .
3 – أن يكون الإيجاب كاملا : أي أن تتوفر فيه العناصر الرئيسية للعقد المراد إبرامه ، بحيث ينعقد العقد بمجرد إقتران القبول به (4) .


(1) د/ محمد محدة ، المرجع السابق ، ص 130 .
(2) المرجع السابق ، ص 132 .
(3) د/ العربي بلحاج ، النظرية العامة للإلتزام في القانون المدني الجزائري ، الجزء الأول ، طبعة 1999 ،ديوان المطبوعات الجامعية ، بن عكنون ، الجزائر ، ص 60 .
(4) الإمام محمد أبو زهرة ، المرجع السابق ، ص 23 .

4 – أن لا يرجع الموجب في إيجابه قبل قبول الآخر : لأنه إذا رجع الموجب في إيجابه قبل القبول ألغي الإيجاب ، فإذا جاء القبول بعد ذلك فقد جاء على غير إيجاب ويجوز للموجب الرجوع في الإيجاب ما لم يرتبط بقبوله لأن الإلتزام لا يتم قبل الإرتباط بين الإيجاب و القبول .
وعلى العموم يجب أن يصدر القبول قبل سقوط الإيجاب و سقوط الإيجاب يكون :
- إما بالرفض الصادر ممن وجه إليه الإيجاب .
- وإما بإنقضاء المهلة التي إلتزم فيها الموجب بالبقاء على إيجابه .
- إذا كان معلقا على شرط وتخلف الشرط .
كما يسقط الإيجاب غير الملزم في التعاقد بين حاضرين إذا إنقضىمجلس العقد ولم يكن الموجب قد عدل عنه ، أو إذا لم يقترن بتحديد ميعاد صريح للقبول ولم يستخلص من الظروف ميعاد ضمني لرجوع الموجب في إيجابه قبل قبوله ممن وجه إليه .
و إذا سقط الإيجاب لأي سبب من الأسباب المذكورة سابقا ، ثم جاء القبول بعد ذلك فإن هذا القبول يعتبر إيجابا جديدا إذا قبله الطرف الآخر إنعقد العقد .
5 – يجب أن يكون القبول مطابقا للإيجاب : ومعنى ذلك صدور القبول بالموافقة على كل المسائل التي تضمنها الإيجاب ، ومن ثم إذا إقترن القبول بما يزيد أو يعدل فيه إعتبر رفضا يتضمن إيجابا جديدا .
والإمام أبو زهرة له رأي مخالف بالنسبة لضرورة مطابقة الإيجاب للقبول ، حيث أنه يقول : "كأن تقول هي تزوجتك على مهر قدره 100 فيقول قبلت بـ 200 فإن العقد صحيح وتلزم المئة الثانية ، وإذا قال هو تزوجتك على 100 وقالت هي قبلت على 50 صح العقد على 50 " (1) وهو ما أيده الأستاذ الغوثي بن ملحة
6 – أن يكون الرضا سليما من كل العيوب : وهي الإكراه و الغلط و التدليس وهناك من يضيف الإستغلال ، وقد نصت المادة 13 من قانون الأسرة أنه " لا يجوز للولي أبا كان أو غيره أن يجبر من في ولايته على الزواج ، ولا يجوز له أن يزوجها بدون موافقتها " .



(1) الغويثي بن ملحة ، محاضرات في قانون الأسرة ، المعهد الوطني للقضاء ، سنة 2002 .

وفي ذلك صدر قرار عن مجلس مستغانم الغرفة المدنية بإبطال عقد زواج إمرأة أكرهت على الزواج من طرف وليها (1) .

أما إذا ورد الإكراه بمعنى المنع وليس الإجبار ، فقد ذهبت المحكمة العليا إلى أنه في هذه الحالة للقاضي أن يأذن بالزواج ، حيث قضت غرفة الأحوال الشخصية و المواريث بأنه :"من المقرر قانونا أنه لا يجوز للولي أن يمنع من في ولايته من الزواج إذا رغبت فيه وكان أصلح لها ، وإذا وقع المنع فللقاضي أن يأذن به مع مراعاة أحكام المادة 09 من هذا القانون "(2) .

و السؤال يطرح بالنسبة لزواج المخطوفة أو المبعدة ، حيث أنه ورد في الفقرة الأولى من المادة 326 من قانون العقوبات على أن :" كل من خطف أو أبعد ، أو حاول إختطاف أو إبعاد قاصر لم يكمل الثامنة عشر من عمره بغير عنف أو تهديد أو تحايل يعاقب بالحبس من سنة إلى خمسة سنوات وبغرامة من 500 إلى 2000 دينار .
وعندما تتزوج القاصر المخطوفة أو المبعدة من خاطفها أو مبعدها لا تتخذ إجراءات المتابعة ضده إلا بناءا على شكوى من الأشخاص الذين لهم صفة في طلب بطلان عقد الزواج " .
فالمشرع بعد أن جرم فعل الإختطاف أو الإبعاد تراجع إلى الوراء بقصد حماية مصلحة الضحية المخطوفة أو المبعدة ذلك أنه في حالة زواج القاصرة من خاطفها فلا يمكن أن تتخذ ضده إجراءات المتابعة الجزائية إلا بناءا على شكوى ممن لهم صفة في طلب بطلان




(1) مجلة العلوم القانونية و السياسية ، سنة 1968 ، رقم 04 ، ص 50 .
(2) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ،30/03/1993 ، المجلة القضائية ، العدد الخاص ، 2001 ، ص 35 .



عقد الزواج ، ثم تراجع خطوة ثانية إلى الوراء وقال لا يجوز الحكم على الخاطف إلا بعد القضاء ببطلان العقد ، وكأن إعلان رغبة المخطوفة في الزواج من خاطفها و إبرام عقد الزواج بينهما عمل يزيل الصفة الجرمية (1).

فالمتمعن في رضا الطرفين يجده معيبا ، فالزوج الخاطف يعلن إجابه بالزواج بمخطوفته تهربا من المتابعة الجزائية وربما قصد إبرام زواج مؤقت ، والزوجة المخطوفة تعلن قبولها قصد التستر على نفسها ، فكلا الطرفين وقعا في إكراه معنوي و زواجهما معرض للإبطال في كل لحظة .

* أما في الغلط قد صدر قرارعن المحكمة العليا جاء فيه :" تعتبر الكفاءة كشرط لصحة الزواج ومعناها المساواة في المركز و الأخلاق " .
ولذا اعتبرت الكفاءة في صالح المرأة ،وحسب الفقهاء فإن الكفاءة تتصل بالمال والجمال بالنسبة للمرأة ، والكفاءة تتصل كذلك بخلو الزوج من العيوب المخلة بمقاصد الزواج ، و إذا غابت الكفاءة كان غيابها من أسباب عدم لزوم العقد لعدم وجود الرضا عند الزوجة (2) .
إذن لإنعقاد الزواج لابد من إرادة واعية وجدية ، كما أن أساس الزواج هو الرضا والإختيار ، وعليه فلا ينعقد الزواج بالإكراه المادي أو المعنوي .




(1) عبد العزيز سعد ، المرجع السابق ، ص 66 -68.
(2) مجلة العلوم القانونية و السياسية ، سنة 1968 ، عدد 04 ، ص 52 .



2- الولـــــــــــــــــــي :
شرعت الولاية في الإسلام حفاظا لحقوق العاجزين عن التصرف ، بسبب من أسباب فقد الأهلية أو نقصها ، ورعاية لمصالحهم وشؤونهم ، حتى لا تضيع وتهدر ذلك أن الإسلام يعتبر المجتمع وحدة متماسكة ، ومن عجز عن رعاية مصلحته أقام له الشارع من يتولى أمره ، ويحقق له النفع ويدفع عنه الضرر .

ويشترط الإسلام فيمن يتولى إنشاء عقد الزواج أن تكون له حق الولاية والقدرة على إنشائه ، وقد أجمع الفقهاء على أن المرء مادام بالغا عاقلا فله الحق في هذه الولاية ، وله أن يزوج نفسه بمن يشاء من النساء بدون أي إعتراض عليه سواء تزوج بمهر المثل أو بأكثر منه ، وسواء تزوج بمن تساويه منزلة أو لا تساويه ، هذا ما يراه الإسلام في شأن تولي الرجل عقد زواجه ، فما هو الحكم في شأن المرأة ؟ وهذا ما سنتطرق إليه من خلال ما يأتي :

1.2- تعريف الولاية و أقسامها :
الولاية لغة : بكسر الواو هي المحبة و النصرة (1) .
الولاية في الإصلاح الشرعي : هي تنفيذ القول على الغير و الإشراف على شؤونهم أو هي القدرة على إنشاء العقد نافذا غير موقوف على إجازة أحد ، ويقصد بالغير هنا القاصر والمجنون و البالغة في ولاية الإختيار(2) .




(1) د/ العربي بلحاج ، الوجيز في شرح قانون الأسرة الجزائري ، ص 118 .
(2) عبد العزيز سعد ، المرجع السابق ، ص 120 .



وقسم الفقهاء الولاية إلى ثلاثة أقسام ، هي :
الولاية على النفس ، الولاية على المال ، والولاية على النفس والمال معا ، وما يهمنا في موضوعنا هي الولاية على النفس التي تشمل من جملة ما تشمل الولاية في زواج الفتيات والتي قسمها الفقهاء إلى قسمين أساسيين ولاية إجبار وولاية إختيار .

- ولاية الإجبار la contrainte matrimoniale فهي ولاية الأب أو الجد على الفتاة البكر و الصغير و المجنون ، فيها يستبد الولي بإنشاء العقد على المولى عليها و لا يشاركه أحد لعدم توفر في المولى عليها شرط العقل و البلوغ و أهلية الزواج (1) .

- ولاية الإختيار la contrainte facultative وتسمى ولاية المشاركة وهي تثبت للولي على المرأة البالغة العاقلة فالخيار لها ، غير أنه يستحسن أن تستشير وليها ، وأن يقوم هو بإجراء عقد زواجها حتى لا توصف المرأة بالخروج عن التقاليد و الأعراف (2) .

2.2 - دليل شرعية الولاية وحكمها :

هناك خلاف ظاهر في الرأي بين الأئمة ، فالإمام مالك و الشافعي وأحمد متفقون على أن المرأة البالغة مهما تكن درجتها من الرشد ، فليس لها أن تنفرد بأمر زواجها بل لوليها سلطان ، وأن النساء لا يتولين إنشاء العقد ، بل لابد من إذن الولي و إشراكه في الإختيار ، ودليلهم في ذلك قوله تعالى :"فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن " ، وقوله صلى الله عليه وسلم :" لا نكاح إلا بولي " ، وقوله أيضا :"أيما إمرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها ، فنكاحها باطل باطل باطل و إن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها " (3) .




(1) د / العربي بلحاج ، المرجع السابق ، ص 119 .
(2) المرجع السابق ، ص 119 .
(1) د/ وهبة الزحيلي ، الفقه الإسلامي وأدلته ، الجزء السابع ، دار الفكر ، 1996 ، ص 82 .

وقد خالف الإمام أبو حنيفة سائر الفقهاء وقال : " أن للمرأة الحق أن تنفرد بإختيار الزوج من غير إشراك وليها ، ولها أن تنشئ عقد زواجها بعباراتها ، ولكن يستحسن أن يتولى ذلك وليها وأن يكون راضيا بحالة الزوج " ، وإستدل بقوله تعالى :" فإن طلقتها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره " (1) ، وقوله أيضا :"وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن "(2) ، وقوله صلى الله عليه وسلم "الأيم أحق بنفسها من وليها " (3) ، فالشرع أسند للمرأة البالغة العاقلة العقد .

وقد اعتبر الإمام أبو زهرة الولاية شرطا للنفاذ وليس شرط للصحة ويقول :"يشترط لنفاذ العقد أن يكون الذي يتولى إنشائه له ولاية إنشائه فإذا كان الذي تولى عقد الزواج كامل الأهلية وعقد لنفسه فعقده صحيح (ولاية الإنشاء بالأصالة) ، وكذلك إذا عقد لمن هو في ولايته (الولاية الشرعية ) أو من وكله ( الوكالة ) ، وإن لم يكن للعاقد ولاية الإنشاء ، إما لأنه ليس كامل الأهلية أو لأنه كامل الأهلية لكن عقد لغيره من غير إنابة بحكم الشارع أو بتوكيل صاحب الشأن فإن العقد لا يكون نافذا بل يكون موقوفا " (4) ، ويقصد ولاية الإجبار و الإختيار و الوكالة .

وقد إعتبر الدكتور الغوثي بن ملحة حضور الولي و الشاهدين شروط شكلية وليست أركانا في عقد الزواج (5) .





(1) سورة البقرة ، الآية 230 .
(2) سورة البقرة ، الآية 232 .
(3) الأيم من لا زوج لها بكرا كانت أوثيبا .
(4) محاضرات الدكتور الغوثي بن ملحة .
(5) محاضرات الدكتور الغوثي بن ملحة .

ومقارنة بالمشرع التونسي فإنه لم يعتبر الولي ركنا من أركان عقد الزواج ونص في الفصل الثالث من مدونة الأحوال الشخصية " لا ينعقد الزواج إلا برضا الزوجين " ، ولكن أتى في الفصل السادس من المدونة وسمح للقاصر الذي لم يبلغ 20 سنة و القاصرة التي تبلغ 17 سنة بالزواج بشرط أن يرخص لها الولي و الأم (1) .

وقد اعتبر المشرع الجزائري الولاية في عقد الزواج ركن من أركانه حسب المادتين 09 و 11 من قانون الأسرة ، وعليه لا يمكن للمرأة أن تزوج نفسها والذي يزوجها هو وليها بتفويض منها بمراعاة رضاها ، ثم أتى في النصوص الموالية ليقلل من دور الولي فرتب على تخلفه في الزواج إستمراره إذا حصل الدخول حسب المادة 33 من قانون الأسرة ، فالمشرع جعل الولي ركنا ولكنه رتب على تخلفه ما يترتب على تخلف الشرط مما جعل الأحكام غير متناسقة وغامضة .

فلو أبرم عقد زواج عرفي بدون حضور ولي وحضر الزوجين لتثبيت الزواج العرفي الواقع بينهما أمام المحكمة ، فإن المحكمة تتأكد من توافر أركان عقد الزواج حسب المادة التاسعة من قانون الأسرة ، فإن ثبت تخلف الولي ولم يحصل الدخول حكمت المحكمة بفسخ العقد ولا صداق فيه ، أما إن ثبت تخلف الولي وحصل الدخول حكمت المحكمة بتثبيت الزواج العرفي .

ولو أبرم عقد الزواج العرفي بدون حضور ولي ولم يسم فيه الصداق وحضر الزوجين لتثبيته ، فإن المحكمة تحكم ببطلان العقد لتخلف ركني الولي و الصداق سواء حصل الدخول أو لم يحصل بناء على المادة 33 من قانون الأسرة .

وبما أن قانون الأسرة قد إلتزم بذكر الولي ضمن أركان عقد الزواج في المادة التاسعة ، فما هي الشروط التي يجب أن تتوفر في الولي كي يمارس ولايته في الزواج ؟



(1) مجلة مغاربيات ، مواطنات حتى تتمتعن بحقوقكن ، ص 24 .


3.2 - شروط الولــي :
لا ينال الولاية على النفس إلا من توافرت فيه الشروط القانونية التي تجعل منه وليا رحيما بمن في ولايته ، وذلك أن الولاية بوصفها سلطة يمنحها القانون لشخص على آخر لقيام أسبابها فإنه قد قصرها على الذين إستوفوا الشروط التالية :

* الأهليــــــــــــــة : وهي صلاحية الشخص قانونا لتلقي الحقوق وتحمل الواجبات أي أن يكون بالغا و عاقلا وراشدا .
ولما كانت أهلية الآداء هي مناط تكليف الولي بالولاية على غيره فإن الذين يفتقروا لها يجب أن يحرموا من سلطة الولاية على الغير حتى لو تمسكوا بها قضائيا (1) .
فعلى القاضي عندما يريد تثبيت واقعة الزواج العرفي أن يتحقق من توافر أركان عقد الزواج و الشروط الواجبة في ركن الولي ، فلو كان الولي كامل الأهلية وقت إبرام العقد ثبت الزواج العرفي ولوفقدها في الفترة بين إبرام الزواج و تثبيته ، فالعبرة بكمال الأهلية يوم الإبرام .

لكن ما يلاحظ أن المشرع حدد سن أهلية الزواج للرجل بتمام 21 سنة ، وللمرأة بتمام 18 سنة ، في حين أنه سهى عن تحديد سن الرشد بالنسبة للولي في الزواج ، وبالرجوع للقواعد العامة حسب المادة 40 من القانون المدني و المادة 86 من قانون الأسرة نجدها 19 سنة ، فإن أخذنا بالقاعدة العامة قد يكون سن الزوج أكثر من سن وليه كأن يكون الزوج يتيم الأب وعمره 20 سنة فتكون الولاية لأخيه الذي سنه 19 سنة ، فيكون الشخص كامل الأهلية لأن يكون وليا وناقص الأهلية للزواج ، فهل هذا منطقي ؟ فكيف يزوج غيره ولا يستطيع تزويج نفسه ؟ .
فعلى المشرع أن يساوي بين السن في الأهلية للزواج و الولاية على الزواج .




(1) كناقص الأهلية (سفيه و المميز الذي لم يبلغ 19 سنة ) أو عديم الأهلية (لمن لم يبلغ 16 سنة أو المجنون أو المعتوه ) طبقا للمواد 40 ، 42 ، 43 من القانون المدني .


* الذكـــورة :
أي أن يكون الولي في الزواج ذكرا ، فالمرأة لا تستطيع تزويج نفسها مستدلين بنهيه عليه السلام أن تزوج المرأة المرأة أو المرأة نفسها ، فقال عليه السلام بأن الزانية هي التي تزوج نفسها ، وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من مالكية وشافعية وحنابلة ، أما الحنفية فقد أثبتوا للأم ولاية الإجبار للبنت وبنت الإبن والأخت وغيرهن من النساء ، إذا لم يكن عصبات من الرجال ، وذلك بناء على ماذهبوا إليه من أن الولاية تكون لعامة الأقارب ذكورا و إناثا أما ولاية الإختيار فلا تثبت عندهم لأنه لا ولاية بعد البلوغ .

والمشرع قد أخذ بما ذهب إليه جمهور الفقهاء في المادة 11 ، ولكن ألا يتعارض هذا مع تولي المرأة القاضي تزويج إمرأة أخرى بإعتبار أن القاضي ولي من لا ولي له ؟
نحن نرى أن مثل هذا الزواج صحيح بإعتبار أن المرأة القاضي تتولى زواج المرأة بحكم وظيفتها ليس إلا.

فرغم أن قانون الأسرة نص في المادة 11 أن :"يتولى الزواج المرأة وليها وهو أبوها ، فأحد أقاربها الأولين " ، ولكن من غير أن يرتب هؤلاء الأقارب ، ودون ذكرهم بصفاتهم ، ودون أن يشترط وفاة أو غياب أو عجز الأب أو من يليه لإنتقال الولاية الشرعية من الأب إلى من يليه درجة من الأقارب ، وعليه يتعين اللجوء لقواعد الشريعة الإسلامية حسب المادة 222 من قانون الأسرة .

فالمذاهب الثلاثة التي تشترط الولي تختلف في ترتيب الأولياء ، حيث أن المالكية يقدمون الإبن على الأب و الأخ على الجد ، والحنفية يقدمون الجد على الإبن ، والشافعية يقولون بأن الولاية للأب قبل غيره ولوصي الأب عند وفاته أو للجد عند وفاة الأب أو عجزه أو غيابه غياب بعيدا أو طويلا وعند عدم وجود الأب ووصيه والجد تنتقل للأخ ثم للعم ثم للإبن .






فأي مذهب نتبع لترتيب هؤلاء الأقارب ؟ فلو أخذنا بالمذهب المالكي فنرتبهم بجعل الإبن قبل الأب فهذا يناقض المادة 11 التي جعلت الولاية للأب أولا، وفي هذا الموضوع رتب فضيل سعد المستحقين للولاية حسب درجة الميراث ( المادة 154 قانون الأسرة ) :

1 – قرابة الأبوة ( الأب والجد ) .
2 – قرابة البنوة (الإبن وإبن الإبن و إن نزل ) .
3 – قرابة الأخوة (الأخ الشقيق أقرب من الأخ لأب ) .
4 – قرابة العمومة ( العم الشقيق أقرب من العم لأب الذي هو أقرب
من العم لأم) (1).
أما عبد العزيز سعد يميل للأخذ بالمذهب الشافعي (2) .

لكن ما حكم تزويج الولي الأبعد الذي لم يأت دوره مع وجود الولي صاحب الحق ؟ كأن يتولى زواج المرأة عرفيا أخوها في حين أن أباها موجود ؟ وهل تتحقق المحكمة قبل تثبيت الزواج من درجة القرابة أم لا ؟ .
إن ما رأيناه عمليا أن أغلب المحاكم لا تتحقق من قرابة الولي للزوجة وفي غياب نص صريح في قانون الاسرة يعطي حكم هذا الزواج ، فيرجع للشريعة الإسلامية حسب المادة 222 من قانون الاسرة .

فيرى المالكية أنه يصح عقد النكاح بالولي الأبعد مع وجود الأقرب لكن هذا في الولي غير مجبر أما الولي المجبر فإنه لا يصح أن يباشر العقد غيره مع وجوده (3)، ويرى الحنفية أنه يصح العقد إذا باشره الأبعد مع وجود الأقرب موقوفا على إيجازته فإن أجازه نفذ و إلا فلا .



(1) فضيل سعد ، شرح قانون الأسرة الجزائري في الزواج والطلاق ، الجزء الأول ، المؤسسة الوطنية للكتاب ، 1986 ، ص 74.
(2) عبد العزيز سعد ، المرجع السابق ، ص 124 .
(3) عبد الرحمان الجزيري ، كتاب الفقه ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، 1969 ،ص27 .

لكن متى تسقط الولاية عن صاحبها وتنتقل إلى القريب الموالي له ؟ ويكون ذلك إذا خلا الولي من الشروط القانونية منها :
1 – عجز الولي عن القيام بهذه الولاية .
2 – الحجر عليه لإنعدام أهليته .
3 – وتسقط بقوة القانون إذا مات .
و إذا سقطت عن الولي الولاية بوفاته مثلا ولا يوجد ولي آخر بعده فإن قانون الأسرة أخذ بمبدأ " القاضي ولي من لا ولي له " في المادة 11 منه ، أليس من الجائز أن نتساءل من هو هذا القاضي ، وكيف يمكنه أن يمارس ولايته ؟.
غالبا ما نكون أمام إبنة زنا أو مجهولة الأبوين ويتقدم شخص لخطبتها ولإتمام الزواج لابد من ولي ليتولى أمر زواجها فهنا إذا كانت لها أهلية التقاضي ترفع الطلب مباشرة إلى رئيس المحكمة لتطلب تعيين ولي لها ، أما إذا لم تكن لها أهلية التقاضي فيرفع الطلب إما مدير المركز الموجودة به ، أو كفيلها إذا كانت تحت نظام الكفالة ( الملحق رقم 01) ويقوم القاضي بدراسة الملف و بأمر بتعيين ولي للمعنية (غالبا ما يعيين القاضي نفسه ) ليتولى عقد زواجها .

* الإســـــلام :
الإسلام شرط أساسي متفق عليه بين الفقهاء ، لقوله سبحانه وتعالى :"ولا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين " ، هذا الشرط خاص بزواج المسلمة بالمسلم ، أما إذا كانت المرأة غير مسلمة ، فالمطلوب هو إتحاد الدين بين المولي والمولى عليها لقوله تعالى :" والذين كفروا بعضهم أولياء لبعض ".

* العــــدل : لقد إشترط كثير من الفقهاء العدالة في الولي ، ذلك لأنه مطلوب منه البحث والسعي عن مصلحة المولى عليها ، وأما الإمام مالك وغيره فقد ذهبوا إلى أن العدالة ليست مشروطة في الولي لعدم تصريح النص بها كما هو بالنسبة للشهادة إذا يقول عليه السلام :" لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل " .




ويرى الأستاذ فضيل سعد أن المشرع الجزائري أخذ برأي الجمهور عندما سكت عن شرط العدل في الولي فقال بعموم اللفظ في المادة 11 دون أي إضافة أخرى (1) .

4.2 - دور الولي ووظيفته :
* الإعتراض على زواج المولى عليها :
جاء في المادة 12/1 : " لايجوز للولي أن يمنع من في ولايته من الزواج إذا رغبت فيه وكان أصلح لها و إذا وقع المنع فللقاضي أن يأذن به " .
فالمشرع الجزائري في هذا النص لم يفرق بين الولي إذا كان الأب أو غيره و إنما جعل الحكم عاما ، فأباح لكل من عارضها وليها في الزواج بمن ترغب فيه أن ترفع أمرها إلى القاضي ليأذن لها بالزواج رغم معارضة الولي بغض النظر عن صلة القرابة التي تصله بها سواء كان أبا أو جدا أو أخا أو غيره .
والمشرع أيضا لم يميز بين البكر و الثيب على السواء ، أي كل فتاة بلغت سن أهلية الزواج ، وأرادات أن تتزوج من شخص أهل للزواج وكان في زواجها مصلحة لها أن تتزوج دون موافقة وليها .
وقد يحصل ذلك عندما ترغب الفتاة في شاب مثقف و يرغب وليها في تاجر ، فهي تستطيع رفع أمرها إلى القاضي لتطلب إلغاء قرار وليها وليأذن لها بالزواج .
لكن المشرع لم يحدد من هو القاضي الذي يصدر هذا الإذن ؟ هل هو قاضي الأحوال الشخصية أم القاضي رئيس المحكمة أم غيرهما ؟ فمفهوم القاضي عام قد يشمل قضاة النيابة و الحكم ، قضاة المجلس أو المحكمة ؟ ولم يحدد المشرع إجراءات إستصدار هذا الإذن ؟ وكيف ينسجم المنع مع ضرورة مراعاة أحكام المادة التاسعة من قانون الأسرة التي تجعل من فقدان الولي في العقد سببا من أسباب فسخه أحيانا وسببا مكملا من أسباب بطلانه أحيانا أخرى ؟ .




(1) فضيل سعد ، المرجع السابق ، ص 76 .



إن ما يجري عمليا أن تقوم المعنية (الفتاة التي منعها وليها من الزواج ) برفع طلب من أجل تعيين ولي لها إلى رئيس المحكمة ، ويقوم هذا الأخير بسماع الأطراف (الولي و المعنية ) ، ويفصل في الطلب إما برفضه و إما بقبوله عن طريق إستصدار أمر بتعيين ولي ، وهنا إما يعيين لها ولي من العصبات أو يعيين لها قاضي ليحل محل وليها في العقد، وبهذا يحل إشكال فقدان الولي في العقد و يصبح العقد كامل الأركان رغم إمتناع الولي عن تزويج إبنته ( ملحق رقم 02) .
ولقد سارت المحكمة العليا على هذا المسار في قرارها المؤرخ في 30/03/1993 أنه : " لما ثبت من - قضية الحال - أن البنت راشدة ، وعبرت عن رضاها وأن الراغب في زواجها معلم وله مسكن ، فإن والدها ( الطاعن ) لم يثر الأسباب التي دفعت به لمنع هذا الزواج ، لذا فإن قضاة الموضوع كانوا على صواب عندما رخصوا للمطعون ضدها بالزواج ، مما يتعيين رفض الطعن لعدم تأسسيه (1) .

* منع الأب المولى عليها من الزواج :
ولقد أباح المشرع في المادة 12/2 للأب أن يمنع من في ولايته من الزواج وبذلك يحرم المرأة من حق الطعن ضد قرار وليها إذا كان هذا القرار مستوفيا للشروط القانونية :
1 – أن تكون بكرا فلو كانت ثيبا جاز لها أن تطعن ضد قرار الولي أبا كان أو غيره .
2 – أن يصدر قرار المنع من الأب ضد رغبة إبنته البكر فلو كان الولي أخا أو عما أو أي
قريب آخر فإنها تستطيع الطعن فيه .
3 – أن يكـون فـي قرار المنـع مصلحـة للبنـت فقـط ، لكـن مـا هـي المصلحة
المقصودة هنا ؟
وإذا كان قانون الأسرة منع الولي من إجبار البنت على الزواج في المادة 13 ومنعه من تزويجها بدون موافقتها ، وكان قد سمح في المادة السابعة بتزويج الفتيات الصغار الأقل من 18 سنة و الفتيان الأقل من 21 سنة للمصلحة أو الضرورة ، دون أن يحدد حدا أدنى للسن ولا يسمح بالنزول عنه ، فهل يعتبر موفقا في ذلك ؟


(1) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية، 30/03/1993 ، مجلة قضائة ، 1994 ، العدد 3 ، ص66
إن إستعمال كلمتي مصلحة وضرورة كلمتين عامتين جدا وجعلهما كسببين لجواز تزويج الصغار يجعلهما غير كافيتين لآداء الغرض و يختلف القضاة في تحديدهما لمنح الرخصة بالزواج ،وما المقصود بالقاضي هنا أيضا هل هو قاضي الأحوال الشخصية أم القاضي المكلف برئاسة المحكمة ؟ وما هو هذا الإذن أو الترخيص بالزواج وما إجراءات إستصداره ؟ .
يرفع طلب الإعفاء من شرط السن في الزواج من ولي المعنية إلى القاضي المكلف برئاسة المحكمة ، ويتم إستدعاء الأطراف (ولي ) وسماعهم ويفصل القاضي المكلف برئاسة المحكمة بعد الإطلاع على الملف إما برفض الطلب و إما بقبوله مع إذنه بالإعفاء من شرط السن في الزواج (ملحق رقم 03) .
بعد أن تطرقنا لأهم النقاط المتعلقة بالولي سننتقل للصداق .

3 . الصـــــــــــــــــداق :

للفقهاء المسلمين أبحاث كثيرة في الصداق من حيث كونه واجبا أو غير واجب ، ومن حيث كونه ركنا من أركان عقد الزواج أو شرط صحة أو فقط أثر من آثاره ، ونحن وإن كنا لا نحاول أن نستعرق في تحليل هذه الأبحاث فإننا سنكتفي بالحديث عن الصداق من جوانب قليلة تهم موضوع بحثنا ومعتمدين أساسا على أحكام قانون الأسرة .
1.3 - مفهوم الصداق و حكمته :
الصداق لغـــة : إسم مصدر لأصدق وهو بفتح الصاد مهر المرأة ، وكذا الصداقة وهو يجمع على صدقات .
الصداق إصطلاحـا : عرفه المالكية أنه ما يجعل للزوجة نظير الاستمتاع بها ،وعرفه الشافعية أنه ما وجب بنكاح أو وطء ، وعرفه الحنابلة أنه العوض في النكاح سواء سمي في العقد أو فرض بعده بتراضي الطرفين أو الحاكم أو العوض في نحو النكاح كوطء الشبهة ووطء المكرهة .
وعرفه بعض الفقهاء أنه المال الذي يدفعه الرجل للمرأة رمزا لرغبته في الإقتران بها ،
وعرف أيضا أنه المال الذي تستحقه الزوجة على الزوج العقد عليها (1) .


(1) والأصح العقد معها وليس العقد عليها لأنها ليست محل العقد بل طرفا فيه .

الصداق قانونـــا :
عرفته المادة 14 من قانون الأسرة الجزائري أنه : "ما يدفع نحله للزوجة من نقود أو غيرها من كل ما هو مباح شرعا وهو ملك لها تتصرف فيه كما تشاء ".
وعرفه الفصل 16 من مدونة الأحوال الشخصية المغربية أنه : "ما يبذله الزوج من المال المشعر بالرغبة في عقد الزواج لإنشاء أسرة وتثبيت أسس المودة والعشرة " (1) .
وعرفه الفصل 12 من مجلة الأحوال الشخصية التونسية بأنه :" كل ما كان مباحا و مقوما بمال " .
وعرفته المادة 54 فقرة 2 من قانون الأحوال الشخصية السوري أنه : "كل ما صح إلتزامه شرعا " .
والحكمة من الصداق هو رمز لإكرام المرأة وعربون على إظهار الرغبة في الزواج بها و البناء خلال زمن لا حق ، وليس ثمنا يقدمه الزوج مقابل الزوجة أو مقابل رضاها بزواجه (2) .
وللصداق عدة أسماء منها : النحلة ، المهر ، الفريضة و الأجر .

2.3 – طبيعـــــــــة الصــــداق و شرعيتــــــــه :
يذهب الأحناف و الشافعية و الحنابلة إلى أن المهر هو أثر من آثار عقد الزواج ، وليس ركنا من أركانه و لاشرطا من شروط صحة العقد (3) ، واستدلوا على قوله تعالى :" لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة " أي الطلاق صحيح مع عدم تسمية المهر و الطلاق لا يكون إلا بالزواج الصحيح بالتالي عدم تسمية المهر لا يمنع صحة عقد الزواج ، ويجب للزوجة على زوجها مهر المثل بمجرد العقد إذا لم يسم لها مهرا وإذا سمي لها مهر في العقد فيقوم مقام مهر المثل لأنه هو المتفق عليه بالتراضي بين الزوجين .


(1) مجلة مغاربيات ، مواطنات حتى تتمتعن بحقوقكن ، ص 34 .
(2) عبد العزيز سعد ، المرجع السابق ، ص 133 .
(3) د/لعربي بلحاج ، المرجع السابق ، ص 101 .

ويذهب رأي من المالكية أن الصداق ركن من أركان العقد و استدلوا بقوله تعالى :" وأتوا النساء صدقاتهن نحلة " ، أي لا يصح إشتراط إسقاطه ومنه لا يصح عقد الزواج عند النص على نفي الصداق ، فلو تزوجها بشرط ألا صداق لها فقبلت ، لا يصح العقد لأنه عقد معاوضة ملك متعة بملك صداق ، فيفسد بشرط نفي العوض كما يفسد البيع بشرط نفي الثمن .

وقول الملكية أن الصداق كالثمن في عقد البيع هو فقط لإبراز الصداق كركن من أركان العقد ، بإعتبار أن عقد البيع هو عقد نموذجي في الفقه الإسلامي وليس معنى المقارنة بالبيع كما فهم بعض المستشرقين فهو رمز الوئام و المودة و الشعرة (1) ، ويعتبر الأستاذ الغوثي بن ملحة الصداق كعنصر مادي في العقد (2) .

أما المشرع الجزائري فلقد نص في المادة التاسعة عن الصداق وعده ركنا ، ثم أتى تحت عنوان النكاح الفاسد و الباطل في المادة 33 ورتب على فقدان الصداق فسخ العقد قبل الدخول ولا صداق فيه و تثبيته بعد الدخول بصداق المثل ، ورتب على تخلف الصداق وركن آخر معه كالولي أو الشاهدين بطلان العقد ، وكأن المشرع لم يرد التأكيد على ركنية الصداق و الإستمرار فيها ، فكأنه جمع بين الأراء و المذاهب وهذا لا يتماشى مع المقصود بالركن و لا ينطبق عليه من حيث الأثر .

فلو أبرم زواج عرفي وأراد الطرفين تثبيته فإن المحكمة تتأكد من مدى توافر الأركان التي ذكرتها المادة التاسعة من قانون الأسرة ومنها الصداق ومقداره فإن سمي الصداق أثناء إبرام العقد ثبت الزواج وإن لم يسم الصداق أثناء إبرام عقد الزواج فسخ إن لم يحصل الدخول ولا صداق فيه ، أما إذا حصل الدخول فيثبت الزواج العرفي بصداق المثل .




(1) الإمام خليل، المختصر ، الجزء الثاني ، دار الفكر ، بيروت ، ص 44 .
(2) GHAOUTI BENMELHA , Déjà cité , P 64 .


3.3 – مقـدار الصــداق ، أنواعــــه و حـالاتـــــــه :

لقد إختلف الفقهاء في تحديد المقدار الأدنى للمهر ، لعدم ورود نص في القرآن أو السنة في ذلك ، وإتفق الأئمة إلى أنه كل ما صلح عليه إسم المال جاز أن يكون مهرا، بقوله تعالى :" وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتعوا بأموالكم محصنين غير مسافحين " وقوله صلى الله عليه وسلم :" إلتمس ولو خاتما من حديد " .

لقد ذهب الأحناف أن أقل مهر هو عشرة دراهم وذهب مالك أنه ربع دينار من ذهب أو ثلاثة دراهم من فضة ، وذهب الشافعي و إبن حنبل أن لا حد لأقله متى كان شيئا له قيمة و كل مال قل أو كثر يجوز أن يسمى صداقا .

وليس للمهر حد أعلى بإتفاق الفقهاء (1) لقوله تعالى : "وإن أردتم إستبدال زوج مكان زوج و أتيتم إحداهن قنطارا ، فلا نأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا و إثما مبينا ".
وعلى هذا فلم يذهب المشرع الجزائري مذهب تحديد مقدار المهر الأعلى والأدنى و إن هو أوجب ذكره و إكتفى بإباحة الإتفاق على أي شيء له قيمة مالية متى كان هذا الشيء لا تمنعه القوانين الوضعية و السموية ( مباح ) وهذا في المادة 14 من قانون الأسرة .

والصداق نوعين أساسيين وهما : الصداق المسمى وصداق المثل .
فأما الصداق المسمى وهو المتفق عليه و المعين أثناء إنعقاد العقد الصحيح أو فرض بعده بالتراضي بأوصافه و قيمته وصنفه ، فإن لم يفعل ذلك كان الواجب هو صداق المثل ، وهو ما جاء بالمادتين 09 و 15 من قانون الأسرة على وجوب تحديد الصداق في العقد سواء كان معجلا أو مؤجل ، كأن يزوج فلان إبنته فلانة لشخص أخر بصداق يتمثل في عشرة آلاف دينار جزائري فهذا صداق مسمى لأنه حدد يوم إبرام العقد بقيمته .
ويعتبر من الصداق ما جرى عليه العرف بتقديم الزوج لزوجته قبل الزفاف من ثياب ومصوغ وهو ما يعرف عندنا بالجهاز (2) .


(1) الإمام محمد أبو زهرة ، الأحوال الشخصية ، الطبعة الثانية ، دار الفكر العربي ، القاهرة 1950 ، ص 172 .
(2) محاضرات الأستاذ الغوثي بلملحة .

أما صداق المثل هو صداق من يماثل الزوجة من أسرة أبيها مع مراعاة تساوي المرأتين وقت العقد من حيث السن و الجمال و الثقافة و البكارة و الثيوبة (1) .
ويجب مهر المثل إذا :
1– خلا العقد من تسمية الصداق أو تحديده و حصل الدخول بناء على هذا العقد الفاسد .
2– سمي المهر في العقد تسمية فاسدة أو مبهمة فكأن المهر لم يسم وحصل الدخول وهذا ما يستشف من المادة 33 من قانون الأسرة .
فلو أبرم زواج عرفي ، ولم يسم الصداق فيه (أي لم يذكر الصداق ) أثناء إبرام العقد ، فهنا يجب صداق المثل إذا تم الدخول فالقاضي يثبت الزواج العرفي بصداق المثل .

أما حالات الصداق فهي ثلاثة فقط ، كونه مؤجلا كله أو معجلا كله أو كونه مؤجلا في بعضه ومعجلا في البعض الآخر .
فيذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يشترط تعجيل المهر كله قبل الدخول ، بل يجوز تأجيله كله أو بعضه إلى ما بعد الدخول أو إلى ما بعد الطلاق أو إلى ما بعد الوفاة ، بشرط أن يكون معلوما ، وعند عدم النص في العقد على التأجيل أو التعجيل فإن العرف الجاري في البلاد هو الذي يتبع .
كأن يتفق أثناء إبرام العقد على صداق قدره خمسون ألف دينار جزائري ولم يحدد إن كان معجلا أو مؤجلا ،فإذا كان عرف المنطقة هو دفع المهر قبل الدخول فيكون المهر معجلا في هذه الحالة ويدفع قبل الدخول .
أما إذا إتفق على تاريخ معين فإن دفع المؤجل من الصداق يجب الوفاء به بحلول هذا التاريخ ، وإن المادة 15 من قانون الأسرة توجب تحديد مقدار الصداق سواءا أكان معجلا أو مؤجلا فلو أبرم زواج عرفي وتم تحديد الصداق بسيارة من نوع بيجو 406 على أن تسلم مؤجلا بعد الدخول بشهرين ولم يقم الزوج بدفع الصداق فرفعت الزوجة دعوى لإثبات زواجها ودفع الصداق المؤجل فإن المحكمة تتأكد من توفر أركان العقد ومن تاريخ دفع مؤخر الصداق وتحكم بتثبيت العقد ودفع مؤخر الصداق .


(1) أحمد محمود خليل، المرجع السابق ، ص 33 .
ولكن هل يجوز للزوجة المتزوجة عرفيا أن تطالب بمؤخر الصداق أمام القضاء ، قبل أن تثبت زواجها العرفي ؟
هناك رأيين مختلفين ، فرأي يقول بعدم قبول دعواها لعدم ثبوت صفتها كزوجة فعليها إثبات الزواج ثم المطالبة بمؤخر الصداق ، وهناك من يرى بقبول دعواها والحكم بمؤخر الصداق إذا أقر الزوج بوجود زواج ووجود مؤخر صداق .
ويجوز الزيادة في الصداق إذا تراضيا بها و الحط منه إذا رضيت به لقوله تعالى :" ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد فريضة … " (1) وأعتبر ذلك ملحقا بأصل العقد .
والصداق ملك الزوجة تتصرف فيه كما تشاء حسب المادة 14 ، وقد تعارف الناس على أن يسلم لولي الزوجة ، فيكون بذلك نافذا عليها إلا إذا أعلنت صراحة رفضها لأن يستلمه وليها ، وبذلك إذا رفعت دعوى بعد ذلك لطلب رد الصداق فإنها ترفعها ضد مالكة الصداق ، وليس ضد وليها أو من إستلم الصداق نيابة عنها أي ضد المعني الأصلي ، وليس ضد ممثله أو نائبه الذي إنتهت مهمته بمجرد إستلام الصداق و تسليمه إلى مالكته .
و إذا نازعت الزوجة في إستلام الصداق فإن عليها أن تنازع وليها أو نائبها وليس لها أن تنازع زوجها الذي يكون قد دفعه إلى وليها .

4.3 – إستحـقــــاق الصـــــداق و أوضـــــاعـــه :

أ – وجوب كامل الصداق : تستحق الزوجة الصداق كاملا إذا كان عقد الزواج صحيحا ، فإن الصداق المسمى يجب لها كاملا ويصبح حقا من حقوقها ، وتستحقه بمجرد الدخول بها ، أو بوفاة الزوج سواء قبل الدخول بها أو بعده حسب المادة 16، لكن هل تستطيع الزوجة المطالبة بكامل الصداق قبل إثبات زواجها العرفي رغم أن عقدها صحيح ؟ فهناك من يرى أنه عليها إثبات زواجها العرفي قبل المطالبة بالصداق ، وهنا من يرى أن النزاع لا ينصب على إثبات الزوجية وإنما على الصداق فدعواها مقبولة ولها الصفة في رفعها .



(1) سورة النساء ، الآية 24 .

لقد سكت قانون الأسرة على إعتبار الخلوة الصحيحة بين الزوجين كحالة من حالات إستحقاق الزوجة للصداق المسمى ، فإن الفقهاء متفقون على أن الخلوة التامة والصحيحة (1) تشكل حالة من حالات إستحقاق الزوجة للصداق مثلها مثل الدخول بالزوجة .
وهذا ما أكدته المحكمة العليا في العديد من قراراتها أنه : " من المقر شرعا وقانونا إذا أبرم عقد الزواج صحيح و تأكدت الخلوة بين الزوجين ، أصبح للزوجة الحق في جميع توابع العصمة و كامل صداقها ، حتى ولو لم يقع إحتفال بالدخول ومن ثم فإن النعي على الحكم المطعون فيه بمخالفة القانون غير سديد " (2) .

وفي قرار آخر أنه : " من المتفق عليه فقها أن الخلوة الصحيحة توجب جميع الصداق المسمى ، ومن ثم فإن النعي على القرار المطعون فيه بما يثيره الطاعن بعدم إتمام الدخول بزوجته ، غير مبرر ويستوجب رفضه ، ولما كان ثابتا من وقائع الدعوى أن الطرفين عاشا كزوجين في الخارج أثناء قضاء شهر العسل وفي الداخل بمحل الزوجية لمدة طويلة في فراش واحد ، والأمر الذي يتقرر به كامل الصداق ويترتب عليه توابع العصمة وبما أن قضاة المجلس إعتبروا الزواج بين الطرفين صحيحا و صرحوا بالطلاق بينهما فأنهم بقضائهم كما فعلوا سببوا قرارهم وخولوه أساسا شرعيا ومتى كان كذلك إستوجب رفض الطعن " (3) .
وعليه فلو تم عقد زواج عرفي وتمت الخلوة الصحيحة فإن الزوجة تستحق الصداق المسمى كاملا .
ب- وجوب نصف الصداق : تستحق الزوجة نصف الصداق المسمى عند قيام عقد زواج صحيح ووقوع الطلاق قبل الدخول حسب المادة 16 من قانون الأسرة وهو ما يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية إستنادا لقوله تعالى " وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم " (4) .


(1) الخلوة الصحيحة هي أن يجتمع الزوجان بعد عقد الزواج في مكان منفردين يأمنان دخول الغير عليهم ولا يوجد بالزوجة مانع حسي أو شرعي أو طبيعي يمنع من مقاربة الزوج لها و إلا كانت الخلوة فاسدة .
(2) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، 18/06/1991 ، مجلة قضائية 1993 ،العددا 01 ، ص61 .
(3) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، 19/11/1984 ، مجلة قضائية ، 1990 ،العدد 02 ، ص 55
(4) سورة البقرة ، الآية 237 .

ج – وجوب صداق المثل : يجب صداق المثل إذا لم تقع تسمية الصداق مطلقا أو سمي تسمية فاسدة ( غير مباح أومجهول ) وحصل الدخول حسب المادة 33 من قانون الأسرة .
فلو أبرم عقد زواج عرفي وكان الصداق فيه محل لبيع الخمور وحصل الدخول ورفعت الزوجة دعوى لإثبات زواجها العرفي فإن المحكمة تحكم بإثبات الزواج العرفي بعد التحقيق من أركانه ، وبما أن الصداق سمي تسمية فاسدة فإن المحكمة تحكم لها بصداق المثل .
د – سقوط كل المهـر : إذا وقع عقد الزواج فاسدا (بدون ولي أو شاهدين أو صداق ) يفسخ قبل الدخول ولا صداق فيه حسب المادة 33 من قانون الاسرة .
كأن يبرم عقد زواج عرفي بدون حضور شاهدين ولم يحصل الدخول فإن هذا الزواج لا يثبت وإنما يفسخ ولا صداق فيه .

3 . 5 - النزاع حول الصـــداق :
لقد نصت المادة 17 من قانون الاسرة أنه :" في حالة النزاع في الصداق بين الزوجين أو ورثتهما وليس لأحدهما بينة وكان ذلك قبل الدخول فالقول للزوجة أو ورثتهما مع اليمين وإذا كان بعد الدخول فالقول للزوج أو ورثته مع اليمين " فالمشرع فرق بين حالتين وهذا ما طبقته المحكمة العليا من خلال قرارها المؤرخ في 12/01/1987 أنه : " متى كان من المقرر شرعا أنه في حالة نشوب خلاف بين الزوجين على مؤخر الصداق يؤخذ بقول الزوجة مع يمينها إذا لم يدخل بها وبعد البناء يكون القول للزوج مع يمينه " (1) .
وهذا ما قضت به المحكمة عندما ألزمت المدعي عليه أن يدفع للمدعية مؤخر صداقها لم تستلمه بعد الدخول وأثبتت وجود مؤخر صداق وعدم دفعه من خلال شهادة الشهود وبذلك فبوجود البينة لا يلجأ لليمين ( الملحق رقم 04) .



(1) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، 12/11/1987 ، مجلة قضائية ، 1989 ، العدد 02 ، ص 97


أ – حالة قيام النزاع قبل الدخول : حول ما إذا كان الزوج أو ممثله قد دفع للزوجة الصداق كله أو بعضه وما إذا كانت قد أنكرت بأنها قد استلمته مباشرة أو بالواسطة نقدا أو بدلا . ولم يكن للزوج بينة عن ما قاله أو ما زعمه فإن القول قول الزوجة مع آدائها اليمين أمام القاضي المطروح عليه موضوع النزاع لتؤدي اليمين القانونية أنها لم تستلم الصداق لا شخصيا ولا بالواسطة ويحكم لها بالمسمى أو بالمثل .

وكذلك إذا كان هذا النزاع قد نشأ في نفس الموضوع بين الزوجة وورثة زوجها عندما يكون قد مات قبل الدخول أو بين الزوج وورثة الزوجة عندما تكون توفيت قبل الدخول ،وهذا ما طبقته المحكمة العليا في قرارها المؤرخ في 05/06/1989 عندما نقضت قرار المجلس الذي أيد الحكم المستأنف القاضي على الطاعن بآدائه للمطعون ضدها مؤخر الصداق دون مراعاة القاعدة المتعلقة بالخلاف بين الزوجين على الصداق خرقا للقواعد الشرعية والقانونية (1) .

ولو أردنا اسقاط هذه القاعدة على الزواج العرفي وإدعت الزوجة عدم دفع الصداق المؤجل ، ولم يكن للزوج بينة على دفعه ولم يحصل الدخول فإن الزوجة تؤدي اليمين القانونية على عدم تسلمها للصداق ويحكم لها بالمسمى ، ولكن يبقى نفس الاشكال دائما مطروح حول صفتها في هذه الدعوى ، فهل عليها إثبات الزوجية ثم المطالبة بمؤخر الصداق أم يمكنها المطالبة بمؤخر الصداق رغم عدم إثباتها لزواجها العرفي ؟

ب- حالة قيام النزاع بعد الدخول : حول نفس الموضوع أو غيره مما يتعلق بالصداق وكان أحدهما ناكرا والآخر متمسكا وليس له أية بينة قانونية فإن القول هنا قول الزوج أو ورثته مع أداء اليمين على صدق مايدعيه ويحكم القاضي الذي يوجد أمامه النزاع لصالح الزوج .





(1) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، 05/06/1989 ، مجلة قضائية ، 1990 ، العدد 04 ، ص 80


وهذا ماقضت به المحكمة العليا في قرارها المؤرخ في 18/06/1991 لما نقضت قرار جهة الاستئناف جزئيا لما " ثبت أن قضاة الموضوع الذين منحوا المصوغ بإعتباره صداق للزوجة دون القيام بما هو واجب شرعا في هذه المسالة خالفوا القانون فالنزاع فيه كان بعد الدخول فالقول للزوج مع يمينه " (1) .
وهنا أيضا يطرح نفس الاشكال هل يجوز للزوجة المتزوجة عرفيا أن تطالب أمام القضاء بمؤخر صداقها الذي لم تستلمه حتى بعد الدخول قبل أن تثبت زواجها العرفي ؟

4 – الشاهديــــــــــــــن :
4 .1 تعريف الشهادة وحكمتها :
- الشهادة مأخوذة من المشاهدة وهي أن يخبر الانسان بما رأى أو أدرك بأحد حواسه ، وتعد من ضمن وسائل الاثبات والبينات عند حصول التناكر والتجاحد (2).
- وللشهادة عدة حكم منها إخراج النكاح من السرية واحتياط الأبضاع وصيانة للانكحة من الجحود وإثبات لنسب المولود وإثبات للحقوق والواجبات الزوجية .
4 .2 - حكم الإشهاد على الزواج :
لقد إختلف الفقهاء في الشهود وتأثيرهم على وجود العقد أوعدمه ، فقال مالك أن وجودهما ضروري لنفاذ العقد وترتيب أثاره ، بينما إنعقاد الزواج لا يكفي فيه مجرد وجود الشهود بل يجب إذاعة خبر الزواج ، وفي حالة سكوت الشاهدين كما لو توصيا بالكتمان فان العقد لا ينعقد لعدم توفر شرط الاعلان الذي هو الغاية من حضور الشاهدين ،مستدلين بقوله عليه الصلاة والسلام " أعلنو النكاح ولو بالدف " (3)
وتكون شهادة الشهود مطلوبة عند مالك لتحقيق شرط حلية المرأة للرجل ، أما إنعقاد العقد فإنه لا يتم إلا بالإعلان ، لذلك فإن تأخر الشهود عن مجلس العقد يجعله عقدا موقوفا لا ينتج أثره إلا بالاشهاد عليه .


(1) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ،18/06/1991 ، مجلة قضائية ، 1992 ، العدد 4 ، ص 69 .
(2)د/ محمد محده ، المرجع السابق ، ص 284
(3)د / بدران أبو العينين بدران ، أحكام الزواج والطلاق في الاسلام ، الطبعة الثالثة،دارالمعارف ، الاسكندرية، 1966، ص 82 .

فقال الحنفية أن الشهادة لإعلان العقد ، فيتحقق ذيوع الخبر بمجرد حضور الشاهدين ، وهذا الخلاف على ما يبدو أنه كان بسبب قوله عليه السلام " لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل " ، و تجدر الملاحظة أن الخلاف لا يدور حول الشهادة في ذاتها وإنما إختلف الأئمة في أثار الشهادة هل مجرد حضور الشاهدين يكفي أم لابد من الاعلان عما تم الإشهاد عليه ؟
ولقد إعتبر المشرع الجزائري الشهادة في المادة التاسعة من قانون الاسرة ركنا من أركان عقد الزواج . ولكن لم يرتب على تخلف هذا الركن البطلان بعد الدخول طبقا لنص المادة 33 من قانون الاسرة ، فلو تخلف الشاهدين في عقد الزواج العرفي ولم يحصل الدخول فسخ العقد أما لو حصل الدخول ثبتت المحكمة الزواج العرفي إذا توافرت أركانه الأخرى .
4 . 3 – شـــروط الشـهــــــود :
إذا كان قانون الأسرة قد جمع أركان الزواج كما سماها في نص المادة التاسعة ثم تناول عناصر تكوين الرضا في المادة العاشرة ، وتناول أحكام الولاية في المادة 11 وما بعدها ، ثم تناول أحكام الصداق في المادة 13 وما يليها دون أن يشير إطلاقا إلى ما يتعلق بالشروط الواجب توافرها في الشهود ، وقد ورد في المادة 33 من قانون الحالة المدنية أنه :" يجب أن يكون الشهود المذكوريين في وثائق الحالة المدنية بالغيين سن 21 سنة على الأقل سواء كانوا من الأقارب أو من غيرهم دون تمييز من حيث الجنس ويختارهم الأشخاص المعنيون " (1) وبالإضافة إلى هذا فإن المادة 222 من قانون الاسرة نفسه نصت على أنه :" كل ما لم يرد النص عليه في هذا القانون يرجع فيه إلى أحكام الشريعة الاسلامية " .
- فهل نرجع لأحكام الشريعة الاسلامية أم نرجع لقانون الحالة المدنية رغم أن قانون الأسرة لم يحلنا إليه ، أونعتبر المادة 33 من قانون الحالة المدنية معطلة أو ملغاة ضمنيا بموجب قانون الأسرة ونرجع في تحديد شروط الشهود للشريعة الاسلامية ؟




(1) أمر رقم 70 –20 المؤرخ في 19/02/1970 المتضمن قانون الحالة المدنية .

لقد إعتبر عبد العزيز سعد أنه مادام قانون الأسرة قد نص على أن حضور الشاهدين ضروري و يشكل ركنا من أركان الزواج ينتج عن تخلفه فسخ العقد تارة وبطلانه تارة أخرى فإنه يجب الإعتماد على أحكام الشريعة و الإلتزام بأن يكون الشاهد في عقد الزواج راشدا بالغا ومن دين المشهود له وعادلا وطبيعي أن يتم إختيارهم من الأطراف المعنيين سواء من العروسين أو من ممثليهما الشرعيين ، أما المادة 33 من قانون الحالة المدنية فتكون قد ألغيت ضمنيا بالإحالة على أحكام الشريعة في كل مالم يرد ذكره في قانون الأسرة حول ما يتعلق بالقواعد و الأحكام دون الإحالة على قانون الحالة المدنية الذي كان قد صدر قبل قانون الأسرة بعدة سنوات (1) ، ونحن نرى أنه تطبيقا لمبدئين أساسيين في القانون وهما ، مبدأ تدرج القوانين ومبدأ الأثر الفوري فإن قانون الحالة المدنية صدر بموجب أمر في سنة 1970 أما قانون الأسرة فقد صدر بموجب قانون سنة 1984 وعليه فهو يسمو على الأمر الذي تضمن قانون الحالة المدنية من جهة وهو يطبق بأثر فوري من جهة أخرى ، بالتالي نرجع في تحديد شروط الشهود لأحكام قانون الأسرة التي تحيلنا على الشريعة الإسلامية حسب المادة 222 .
أ – التعـــدد :
لقد إتفق الحنابلة و الشافعية و المالكية على إشتراط شاهدين من الذكور ، أما الحنفية فقالوا بعدم إشتراط الذكورة فيصح بشهادة رجل و إمرأتين ولكن لا يصح بإمرأتين وحدهما بل لابد من وجود رجل معهما وتصح بشهادة رجلين .
وبالرجوع للمادة التاسعة من قانون الأسرة نجدها تنص على وجود شاهدين وهو ماذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها المؤرخ في 22/03/1994 الذي قضى برفض الطعن لخرق المادة التاسعة من قانون الأسرة و بأن قضاة الموضوع لم يعطوا تفسيرا خاطئا للمادة التاسعة بل عملوا بأحكامها نصا وروحا لأن المادة تشير أن الزواج يتم برضا الزوجين وبولي الزوجة وشاهدين وصداق و أن الطاعنة لم تقدم لقضاة الموضوع شاهدين حضرا إبرام عقد زواجها بالمطعون ضده ، وأن وجود شاهد واحد شهد لصالح الطاعنة لا يكفي للقضاء بصحة الزواج العرفي الذي تدعيه الطاعنة (2) .

(1) عبد العزيز سعد ، المرجع السابق ، ص 38 ، 39 .
(2)المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، 22/03/1994 ، نشرة القضاة ، العدد 50 ، ص 85.


ب . أن يكون الشاهد مكلفا : أي بالغا وراشدا ، يعني غير فاقد للتمييز بسبب صغر سنه أو لجنونه أو لعته ، و يتأهل ببلوغه 19 سنة متمتعا بقواه العقلية .
جـ . الإسلام : لا تصح شهادة الكافر بعد أن نظر الفقهاء إلى الشهادة على أنها ولاية وذلك لأن ولاية الكافر على المسلم ممنوعة في الإسلام ، أما لو كان الزواج بين مسلم وغير مسلمة كالكتابية فتكون الشهادة أيضا للمسلمين عند الجمهور أما أبوحنيفة فذهب لجواز تزوج مسلم بذمية بشهادة ذميين (1) .
د – العدالة : وهي الإستقامة و إتباع تعاليم الدين ولو في الظاهر بأن يكون مستور الحال غير مجاهر بالفسق و الإنحراف ، وهذا هو رأي الجمهور عدا الحنفية ، إستنادا لقوله صلى الله عليه وسلم :" لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل " فالعدالة مطلوبة في الشهود لكي لا ينكروا مستقبلا وجود الزواج ويشهدوا زورا عند النزاع فيه .
لكن ما لاحظنا عمليا أن القضاة عندما يريدون إثبات واقعة الزواج العرفي ، فلو وجدوا الشاهد مجنون أو معتوه وظهر حاله أثناء سماعه لا يعتد بشهادته لإثبات هذا الزواج ، أما كون الشاهد غير عادل وغير مسلم لا يتحقق منه القضاة إطلاقا .
5- خلـو المـــرأة مـن مــوانـع الــــــزواج :
لقد أوردتها المواد 30 و 31 من قانون الأسرة لذا سنتطرق إلى :
1.5 خلو المرأة من المحرمات الشرعية :
من شروط إنعقاد الزواج أن تكون المعقود عليها محلا للعقد أي لا يكون بين الزوجين من موانع الزواج لقوله تعالى :" وأحل لكم ما وراء ذلك أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين ".
والمحرمات من النساء من الأحكام التي لا تختلف بإختلاف الزمان والمكان ، فهي لا تقبل التغيير ولا التبديل ، وليس فيها مجال للإجتهاد ولقد أوردها المشرع في باب موانع الزواج في قانون الاسرة من المادة 23 إلى 31 .
وحسب المادة 23 فإن المحرمات من النساء تنقسم إلى قسمين هما : المحرمات المؤبدة والمحرمات المؤقتة .


(1) د/ محمد محده ، المرجع السابق ، ص 296 .

أ – المحرمات المؤبدة : هي ما كان سبب التحريم قائما ودائما لا يزول وتنحصر كما جاء في المادة 24 من قانون الأسرة في ثلاثة أسباب رئيسية وهي : القرابة ، المصاهرة ، الرضاع .
فالمحرمات بالقرابة طبقا للمادة 25 هي : الأمهات ، البنات ، الأخوات ،العمات ،الخالات، بنات الأخ و بنات الأخت .
ونصت المادة 24 على المحرمات بالمصاهرة وهم : أصول الزوجة بمجرد العقد عليها وفروعها إن حصل الدخول بها وأرامل أومطلقات أصول الزوج إن علوا وأرامل أومطلقات فروع الزوج وإن نزلوا .
كما نصت المادة 27 على أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب .
ب – المرحمات المؤقتة : نصت عليها المادة 30 من قانون الأسرة فيحرم الزواج معهن بصفة مؤقتة فقط ، ولسبب شرعي قائم يتعلق بالزوجة ، وبمجرد أن يزول السبب يحل الزواج معها وهي :

المحصنـــة : وهي المرأة التي ماتزال مرتبطة مع زوج آخر بعقد زواج رسمي وشرعي فهي محرمة على كل رجل إلى أن يطلقها الزوج الأول وبه تحل لغيره .

المطلقـة ثلاث : وهي المرأة التي طلقها زوجها ثلاث مرات وأصبح طلاقها بائنا فإن الزواج منها يحرم مؤقتا وأنها لم تعد تحل له إلا إذا تزوجت رسميا مع رجل آخر ودخل بها ثم طلقها وإنقضت عدتها .

المرأة التي تزيد على العدد المرخص به شرعا : وهي المرأة التي يكون زوجها المستقبل متزوج مع أربعة نساء أخريات زواجا شرعيا ورسميا ، فإن هذا الرجل يحرم عليه الزواج بها مؤقتا ولا تحل له شرعا وقانونا إلا إذا طلق إحدى زوجاته الموجودات في عصمته وإنقضت عدتها .



المرأة المعتدة من طلاق أو وفاة : وهي المرأة التي طلقها زوجها أو توفي عنها ، إن هذه المرأة لا يجوز لرجل أن يتزوج معها وتحرم عليه مؤقتا إلىأن تنقض مدة عدتها الشرعية وهي ثلاثة أشهر بالنسبة للمطلقة وأربعة أشهر وعشرة أيام بالنسبة للمتوفي عنها زوجها .

أخت الزوجــــة : فلا يجوز للرجل أن يتزوج أخت زوجته التي في عصمته ، ويحرم عليه الزواج معها إلا بعد أن تكون قد توفيت أو طلقها وإنقضت عدتها بإعتبار أنه لا يجوز الجمع بين الأختين في عصمة رجل واحد سواء كانت أختين شقيقتين أو أختين لأب أو لأم أو أختين من الرضاع .

الجمع بين الزوجة وعمتها أو خالتها : وهو جمع يعني أن يتزوج الرجل على زوجته عمتها أو خالتها وهي لا تزال حية وفي عصمته فمثل هذا الزواج حرام مؤقتا شرعا وقانونا ولا يكون حلالا إلا بعد وفاة الزوجة الأصلية أو طلاقها (1) .

5 .2 تحريم زواج المسلمة بغير مسلم :
لقد نصت المادة 31 من قانون الأسرة على أنه :" لايجوز زواج المسلمة بغير مسلم " وقال سبحانه وتعالى : " لاتنكحوا المشركين حتى يؤمنوا " .
فالقانون والشرع كلاهما ينهيان زواج المسلمة بغير المسلم ، فأي عقد زواج بين إمرأة مسلمة وأي رجل لا يؤمن بالإسلام يعتبر عقدا باطلا ، لا يرتب أي أثرمن آثار عقد الزواج الصحيح ، ولقد حرم على المسلمة أن تتزوج غير المسلم وذلك لما للزوج من سلطات على زوجته شرعا وعرفا وقد يحاول أن يفتنها عن دينها وقد تستجيب له ضعفا وخوفا أو خضوعا .
أما فيما يخص زواج المسلم بغير ذات الدين فنجد أنه لا يحل للمسلم أن يتزوج إمرأة لا تدين بدين سماوي ولا تؤمن برسول الله ، ولا بكتاب إلاهي بأن تكون مشركة لقوله تعالى :" ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ، ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم " .



(1) عبد العزيز سعد ، المرجع السابق ، ص 107 .


والمرتدة تأخذ حكم المشركة فلا يحل الزواج بها ، أما الكتابية التي تؤمن برسل الله وتقر بالكتاب السماوي سواء كانت يهودية أو نصرانية فيحل للمسلم التزوج منها على رأي الجمهور ، لقوله تعالى :"اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ، وطعامهم حل لكم ، والمحصنات من المؤمنات و المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " .
5. جـــــزاء تخلـــــــف أركـان وشـــــروط عقـد الــزواج العرفــي :
إن عقد الزواج العرفي يكون صحيحا إذا إستوفى أركانه وشروطه المطلوبة في المادة التاسعة من قانون الأسرة و إستكمل العاقدان فيه شروط الأهلية طبقا للمادة السابعة من قانون الأسرة ، وكان كل من الزوجين خاليا من الموانع الشرعية المؤبدة و المؤقتة ( المادة 23 قانون الأسرة ) .
ولقد رتب المشرع على تخلف أركان وشروط عقد الزواج كلية أو بعضها إما وصف البطلان و إما وصف الفساد ، متأثرا بأحكام التشريع الإسلامي فإستعمل مصطلحي الباطل و الفاسد وهو ما جاء في الفصل الثالث من الباب الأول للكتاب الأول في قانون الأسرة ، فلقد ذهب المشرع إلى أن البطلان أقوى من الفساد في السبب ، وكلما قوى السبب كان الزواج باطلا ولكن متى يترتب جزاء البطلان وكذا الفساد على عقد الزواج ؟

1- عقــــد الــــزواج الفاســـــــد :
1.1 – تعريفـه وحالاتـه : إن عقد الزواج الفاسد هو كل عقد وجد فيه الإيجاب و القبول ، ولكنه فقد شرطا من شروطه الأساسية الواردة في المادة التاسعة من قانون الأسرة (1)، كأن يكون العقد بدون ولي أو بغير شهود أو بدون تسمية صداق ، فالزواج الفاسد هو الذي يختل فيه شرط من شروط الصحة بمعنى الذي توافر فيه سبب من أسباب الفسخ أو البطلان و تبين أمره قبل الدخول .
إن الزواج الفاسد ينتهي بالفسخ أو الإبطال وهو ما قصده المشرع في المواد 32،33و34 من قانون الأسرة رغم الخلط الذي وقع فيه في توضيح المفاهيم و الأحكام ومن ثم نجد أن الفسخ يترتب في الحالات التالية :

(1) أو كما جاء في المادة التاسعة ركنا من الأركان .
1- إذا كان الزواج فاقدا لركن واحد من الأركان كما لو تم بدون ولي أو شاهدين أوصداق أو شاب الإرادة عيب من عيوب الرضا كأن تكون المرأة مجبرة مثلا وتبين أمر هذا الزواج قبل الدخول .
2- إذا إشتمل الزواج على مانع شرعي أو قانوني سواء كان المانع مؤبدا أو مؤقتا فإنه يفسح قبل الدخول أو بعده طبقا لما قررته المادة 34 قانون الأسرة .
3-إشتمال العقد على شرط يتنافى و مقتضياته أو يتنافى مع أحكام قانون الأسرة غير أن المشرع صححه بالدخول حيث قرر بطلان الشرط وبقاء العقد صحيحا طبقا للمادة 35 قانون الأسرة .
4-ردة الزوج فإذا ثبتت ردة الزوج بعد أن إنعقد العقد صحيحا ، وكانت هذه الردة قبل الدخول فسد عقد الزواج وفسخ في الحال طبقا لما قررته المادة 32 قانون الأسرة وذلك لأن زواج الكافر بالمسلمة غير جائز شرعا وقانونا .
2.1 – آثــار العقـد الفاسـد :
إن الفسخ هو الجزاء الذي قرره المشرع على العقد الفاسد الذي لم يستوف الشروط المنصوص عليها في القانون ، فإذا ما تبين سبب من أسباب الفساد قبل الدخول فسخ الزواج دون الصداق .
أما إذا تبين بعد الدخول فالقانون إما يصححه للإستمرار فيه إذا إختل ركن واحد من أركان العقد أو إشتمل على شرط ينافى مقصود العقد حماية للأسرة والمجتمع ، وإما يبطله بطلانا مطلقا إذا إختل أكثر من ركن واحد في العقد .
إن الزواج الفاسد قبل الدخول يعتبر كالباطل لا أثر له وحكمه وجوب التفريق بين الزوجين ، أما بعد الدخول فتترتب بعض الآثار وهي :
1- تستحق الزوجة بالزواج الفاسد بعد الدخول صداق المثل .
2- ثبوت النسب رعاية لحقوق الولد ومنعا لإختلاط الأنساب ويثبت نسب الولد من أبيه إذا جاءت به أمه في مدة الحمل أقلها ستة أشهر من تاريخ الدخول وأكثرها عشرة أشهر من تاريخ التفريق أو الإنفصال .

3- ثبوت حرمة المصاهرة حيث يحرم على الزوج بالزواج الفاسد بعد الدخول أن يتزوج أمها أو إبنتها كما لا يجوز للزوجة أن تتزوج أباه أو إبنه .
4- وجوب العدة لمعرفة براءة الرحم من الحمل .
5- تستحق الزوجة نفقة العدة إذا كانت تجهل سبب فساد النكاح غير أنها لا تستحق النفقة الزوجية و لا الميراث ولو تم الدخول لأنهما أثران من آثار الزواج الصحيح .
6- إعتبار العقد الفاسد شبهة بعد الدخول بالزوجة فلا يطبق حد الزنا على الزوجين لقوله صلى الله عليه وسلم :"إدرءوا الحدود بالشبهات "، فالشبهة ترفع وصف الزنا في العقد الفاسد .
2 – عقــــد الــــــزواج البــــــــاطل :
1.2 – تعريفه وحالاته :
إن عقد الزواج الباطل هو كل عقد فقد ركنا من أركانه الأساسية أو الذي إختل فيه ركنا من الأركان التي إعتبرها المشرع من شروط الصحة ، فإن هذا العقد يكون باطلا لا وجود له في نظر القانون الذي قرر بطلانه ولو بعد الدخول ، وعليه فإن البطلان يترتب في الحالات التالية :
1- فقدان عقد الزواج لركنه الأساسي و المتعلق برضا الزوجين وهو ما يقصده المشرع في المادة 32 التي تقضي أنه " يفسخ النكاح إذا إختل أحد أركانه ... " ،وعليه فإنه إذا حصل خلل في الصيغة أو في أهلية العاقد يمنع إنعقاد العقد .
2-فقدان عقد الزواج لأكثر من ركن من الأركان التي إعتبرها القانون من شروط الصحة وهو ما تنص عليه المادة 33 بقولها "ويبطل إذا إختل أكثر من ركن واحـــد " ، كـأن يتم الزواج بدون ولي أو شاهدين أو بدون صداق سواء تبين أمره قبل الدخول أو بعده .
3-كل زواج بإحدى المحرمات يفسخ قبل الدخول وبعده ، ويترتب عليه ثبوت النسب ووجوب العدة ، وينصرف البطلان أيضا إلى زواج المسلمة بغير المسلم وكذلك إذا كان أحد الزوجين مرتدا .

2.2 – آثار عقد الزواج الباطل :
إن عقد الزواج الباطل لا يترتب عليه شيء من آثار عقد الزواج الصحيح ولو حصل فيه دخول وحكمه أنه لا يترتب عليه أثر ما قبل الدخول بل يعتبر وجوده كعدمه ويجب على كل من الزوجين أن يفترقا في الحال وإذا دخل الرجل بمن عقد عليها عقدا باطلا كان دخوله بمنزلة الزنا ، وهذا ما قضت به المحكمة العليا في قراراتها .
إن عقد الزواج الباطل على حد قول الأستاذ فضيل سعد لا يرتب إلا أحكاما عرضية بوصفه واقعة مادية تستوجب التنظيم في نظر الإسلام و الشريعة الإسلامية بخلاف العقد الفاسد الذي يقوم غير مستوفي لشروط النكاح الشرعي .
وعليه فإنه من الآثار المترتبة عليه نجد :
- لا توارث بين الزوجين .
- ثبوت النسب رعاية لحقوق الطفل .
- لا يترتب على العقد الباطل الصداق للزوجة كما أنه لا ينشأ للزوج على زوجته أي حق ولا للزوجة على زوجها .
- إذا كان البطلان واضحا قبل الدخول وثبت العلم بالتحريم وسببه وتم الدخول عد بمنزلة الزنا .
وتجدر الملاحظة أن المشرع في المواد 34،33،32 و 35 من قانون الأسرة إستعمال الركن للدلالة على كل من شروط الصحة والإنعقاد غير أنه في المادة 32 يجعل كل الأركان في درجة واحدة من القوة بلا تفرقة بين الأركان ، ويقرر فسخ النكاح إذا إختل أحد أركانه ويعود في المادة 33 قانون الأسرة ليفرق بين ما يعتبره ركنا وما يعتبره شرط صحة رغم أنه يسميه ركنا حيث نص :" إذا تم الزواج بدون ولي أو شاهدين أو صداق ، يفسخ قبل الدخول ولا صداق فيه ، ويثبت بعد الدخول بصداق المثل إذا إختل ركن واحد ويبطل إذا إختل أكثر من ركن واحد " .



ودون أن نتطرق إلى ذكر التناقض الذي وقع فيه المشرع في المواد السالف ذكرها ، لذا سنقتصر على القول أن حالات البطلان وفقا لقانون الأسرة يكون في حالة تخلف ركن الرضا ، وحالة الزواج الذي إختل فيه أكثر من ركن واحد (المادة 33 قانون الأسرة) وحالة الزواج بإحدى المحرمات (المادة 34 قانون الأسرة ) وأما بقية حالات عقد الزواج غير الصحيح في مفهوم المشرع يعتبر العقد فيها فاسدا (1) .
فقد قضت المحكمة العليا في قرار لها صدر بتاريخ 28 نوفمبر 1982 أنه :" يعتبر صحيحا كل زواج توافرت أركانه وتترتب عليه آثاره وكافة الحقوق " (2 ) .
وفي قرار آخر لها صدر بتاريخ 02/01/1989 قضت أن :" للنكاح أربعة أركان وهي الرضا والولي والصداق و الشاهدين بالإضافة إلى خلو الزوجين من الموانع الشرعية وأنه إذا إختل ركنان من أركان الزواج غير الرضا يبطل الزواج " (3) .
كما قضت في قرار صادر لها بتاريخ 03/11/1986 أن :" الزواج الصحيح المنعقد شرعا وقانونا لا يفسخ ولو قبل البناء إلا للأسباب المحددة قانونا " (4) .
هكذا وبعد أن عرفنا عقد الزواج العرفي و أركانه نتساءل الآن عن الآثار التي يرنبها الزواج العرفي ، هذا ما سنحاول نوضيحه في المبحث الثاني .












(1) د/ بلحاج العربي ، المرجع السابق ، ص ، 153-155
(2) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، المجلة القضائية ، 1989 ، العدد 02 ، ص 32 .
(3) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، المجلة القضائية ، سنة 1992 ، العدد 03 ، ص 53 .
(4) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، المجلة القضائية، سنة 1989 ، العدد 02 ، ص 94 .



المبحــــث الثانــــــــــي :
آثــــــــــــــار عقــــــد الـــــــــــزواج العــــــــــرفي

إذا كانت القاعدة العامة في العقود هي العقد شريعة المتقاعدين وتسمح لهما بإشتراط ما يشاءا من الشروط وتغيير اتفاقهما متى شاءا غير أن الزواج يربط طرفاه بشروط محددة وليس لهما أن يشترطا من الشروط ما لا يتفق مع ما يقرره الشارع ، و الحكمة من ذلك هي الحفاظ على الحياة الزوجية من أن تتعرض لعوامل الفساد بما يشترط العاقدان من شروط قد تكون منافية لمقاصد الشارع و مرماه من ذلك العقد المقدس ، وعليه فإن أي شرط يشترطه العاقدان لا يرتب آثاره إلا إذا كان الشارع يقره ولا ينافي مقاصده .
ويذهب إلى ذلك المشرع الجزائري إذا جعل عقد الزواج يرتب حقوق وواجبات متبادلة لكلا الطرفين ناشئة عن العقد و ملزمة للطرفين .
غير أن الزواج العرفي و نظرا لطابعه الخاص ،إذ أنه يفتقد إلى شرط شكلي يستوجبه القانون يجعل آثاره متميزة لا تنحصر فقط في الزوجين و لكن تمتد إلى أطراف أخرى، وسنتناول في هذا المبحث الآثار التي يرتبها عقد الزواج العرفي بوصفه واقعة مادية و قانونية معترف بها بالنسبة للزوجين في المطلب الأول وبالنسبة للأبناء الناتجين عن هذا الزواج في المطلب الثاني ثم نتطرق إلى امتداد آثار هذا الزواج بالنسبة للمجتمع في مطلب ثالث .










المطلـــــــــب الأول :
آثــــــــارا لــــــزواج العرفــــي بالنسبـــــة للزوجيــــــن

إن عقد الزواج من أهدافه الأساسية صيانة الزوجين ، وإحصانهما ، و الحفاظ على بقاء الجنس البشري ، ومنع الأنساب من الاختلاط ، وهو إذا انعقد صحيحا بكافة أركانه وشروطه يرتب آثارا تتمثل في حقوق وواجبات الزوجين وعليه نتطرق أولا لمعرفة هذه الآثار بالنسبة لعقد الزواج الرسمي ثم نتطرق إلى ما إذا كانت هذه الآثار هي نفسها التي تترتب على عقد الزواج العرفي .
وقد نظم المشرع آثار عقد الزواج بعد إكتمال أركانه وشروطه في المواد من 36 إلى 39 من قانون الأسرة وجعل بعضها مشتركا بين الزوجين وخص بعضها بزوج واحد.

1. الواجبــــــات المشتــــركة :
إن الواجبات التي تقع على عاتق الزوجين من أجل إنجاح العلاقة الزوجية واجبات كثيرة ومتنوعة نظرا لأهمية هذا العقد وحساسيته في بناء المجتمع ، وقد ذكر المشرع هذه الآثار في نص المادة 36 من قانون الأسرة حيث جاء أنه : " يجب على الزوجين :

1- المحافظة على الروابط الزوجية وواجبات الحياة المشتركة .
2- التعاون على مصلحةالأسرة ورعاية الأولاد وحسن تربيتهم .
3- المحافظة على روابط القرابة و التعاون مع الوالدين والأقربين بالحسنى والمعروف" .

ويمكن تلخيص هذه الواجبات في ضرورة المعاشرة بالمعروف بما يحقق السكن والمودة والرحمة ، وذلك عن طريق الإحترام المتبادل ، وتقاسم الأعباء من أجل صيانة مصلحة الأسرة ، و الإشراف على تربية الأبناء التربية الإسلامية الصحيحة ، والمحافظة على الروابط الإجتماعية والأسرية التي تربط بين أسرتي الزوج والزوجة ، وأن يسعى كل منهما إلى التعاون من أجل خلق الإنسجام لهما ولأسرتيهما (1) .


(1) عبد العزيز سعد ، المرجع السابق ، ص 198 .

وتقابل ذلك حقوق ناتجة عن طبيعة عقد الزواج وتناولها المشرع في نصوص متفرقة (1) :
1- حل المعاشرة بين الزوجين وإستمتاع كل منهما بالآخر في إطار ما أذن به الشرع و في ذلك إحصان للزوجين و عصمة لهما من إرتكاب الزنا المحرم شرعا وقانونا .
2- التوارث بين الزوجين ، فمن توفي منهما حقيقة أو حكما ورثه الزوج الآخر لقوله تعالى :» ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين و لهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين « (2) .
كما نصت المادة 130 من قانون الأسرة على : » يوجب النكاح التوارث بين الزوجين ولو لم يقع بناء « .
3- حرمة المصاهرة فلا يجوز للزوج التزوج بأصول الزوجة و بفروعها إذا حصل الدخول بها ولا يمكنها الزواج بأصوله وفروعه .

2. الحقــــوق والواجبــــات المستقلــــــة :
وهي الحقوق و الواجبات التي يستقل بها كل طرف فلا تثبت هذه الحقوق إلا إذا قام الطرف الآخر بواجباته لذلك سنتطرق إلى حقوق الزوجة ثم إلى حقوق الزوج بإعتبار حقوق الزوجة واجبات على عاتق الزوج والعكس صحيح .
أ- حقوق الزوجة :
نصت على هذه الحقوق المادتين 37 و38 من قانون الأسرة وهذه الحقوق هي :



(1) العربي بلحاج ، المرجع السابق ، ص 161 .
(2) سورة النساء ، الآية 12 .

* النفقـة :
عرفت المادة 78 من قانون الأسرة النفقة على أنها تشمل : »الغذاء والكسوة والعلاج والسكن أو أجرته وما يعتبر من الضروريات في العرف والعادة « .
وشروط وجوب النفقة نصت عليها المادة 74 من قانون الأسرة وهي الدخول بالزوجة والعقد الصحيح على المرأة و يضيف الفقهاء شرطا آخر و هو صلاحية المرأة للمتعة .
الدخول بالزوجة ويرتب حق الزوجة على زوجها في النفقة بالخلوة الصحيحة سواء تمت المخالطة الجنسية أم لا ، متى كان العجز يعود لضعف الرجل (1).
العقد الصحيح أي أن يكون العقد كامل الأركان القانونية والشرعية وعليه فإن النفقة لا تستحق إذا كان العقد باطلا أو فاسدا .
صلاحية المرأة للمتعة بأن لا تكون صغيرة ، وإن كان هذا الشرط لا يمكن إثارته إذ أن قانون الأسرة نص على سن الزواج بالنسبة للمرأة هو18 سنة و أن لا تكون مريضة مرضا يمنع الزوج من مخالطتها .
والنفقة تستحق من تاريخ عقد الزواج و هي خدمة يومية واجبة على الزوج ولا تسقط إلا بأحد الأسباب التالية :
- نشوز الزوجة
- الطلاق
- موت الزوج
وتجب النفقة في إطار المستوى العام للحياة الاجتماعية و في حدود طاقة الزوج .
* العدل في حالة الزواج بأكثر من واحدة :
فإن كانت الشريعة والقانون قد خولا للرجل حق الزواج بأكثر من امرأة فإنه أوجب مراعاة شروط هذا التعدد و المتمثلة في خضوعه إلى أحد المبررات الشرعية كأن تكون الزوجة مريضة أو أن لاتكون قادرة على الإنجاب لعقم أو مرض أو غيره كما يجب إعلام الزوجة السابقة و اللاحقة .

(1) فضيل سعد ، المرجع السابق ، ص 179 .
وحق الزوجة هو عدل الزوج بينها وبين باقي زوجاته في المبيت و النفقة و أن يسعى لمعاملتهم نفس المعاملة دون تمييز لأن التمييز يؤدي إلى النفور بينهن .
* زيارة أهلها من المحارم وإستضافتهم بالمعروف :
مع مراعاة أن تكون هذه الزيارة في حدود ما يتطلبه العرف والعادة فيجب أن يكون ذهابها إلى زيارة أهلها ومجيؤهم لزيارتها بما يوافق عليه الزوج وبما يتوافق مع احتياجاته واحتياجات الأبناء ، و في هذه الزيارات تقوية للروابط العائلية و الأسرية ، و تقوية لصلة الرحم .
* حرية التصرف في مالها :
وهذا الحق ضمنته لها الشريعة الإسلامية لقوله تعالى :» للرجال نصيب مما اكتسبوا و للنساء نصيب مما اكتسبن « وهو ما أكدته المادة 38 من قانون الأسرة .
ب-حقـوق الـزوج :
لقد نصت المادة 39 على حقوق الزوج بإعتبارها واجبات الزوجة نحوه ونحو أبناءه وهذه الحقوق هي :
- طاعة الزوج ومراعاته باعتباره رئيس العائلة .
- إرضاع الأولاد عند الاستطاعة و تربيتهم .
- إحترام والدي الزوج و أقاربه.
* حق الطاعة :
فعلى الزوجة طاعة زوجها في غير معصية ، وأن تحفظه في ماله و في نفسها والاعتراف له بأنه الشخص المؤهل لتحمل المسؤولية لإدارة الأسرة ورعايتها .
* إرضاع الأولاد عند الاستطاعة وتربيتهم :
فالرضاعة هي المصدر لغذاء الصبي ، وعليه فإن الزوجة ملزمة به إلا إذا كان هناك مانع يحول دون قيامها بذلك ، كما أنها ملزمة على تهذيب وتربية الأبناء و الإشراف على ذلك وهذا واجب عليها دون أن يربط بالاستطاعة (1) .



(1) فضيل سعد ، المرجع السابق ، ص 202 .

* إحترام والدي الزوج وأقاربه :
فعلى الزوجة أن تؤدي لوالدي زوجها وأقاربه واجب الاحترام و التقدير واستضافتهم و زيارتهم من أجل المحافظة على الروابط الأسرية على أحسن ما يوفر الحياة الهادئة بينها وبين زوجها وأسرته .
و إذا كانت هذه الحقوق قد أقرها القانون فإن هناك حقوق أخرى أقرتها الشريعة الإسلامية للزوج و هذه الحقوق هي :
* حق الاحتباس :
هو قرار الزوجة في بيت زوجها لقوله تعالى : » وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى « (1)، ذلك أن من واجبات الزوجة الأساسية الإشراف على بيت الزوجية وإدارة شؤونه الداخلية ورعاية الأولاد وإرضاعهم عند القدرة على ذلك ، غير أن هذا الحق يمكن للزوج التنازل عنه بأن يسمح لزوجته بالعمل خارج المنزل.
* حق التأديب :
هي إجراءات ورد نص عليها في قوله تعالى :» واللاتي تخافون نشوزهن فعضوهن واهجروهن في المضاجع واضروبهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا « (3) ، وهذه الإجراءات مقررة لإعادة الانسجام إلى الأسرة من خلال توعية الزوجة و تبصيرها بخطئها وذلك عن طريق وعضها أولا ، وتوضيح خطئها ، ومساوئ ما ارتكبته بأسلوب ملائم فإن لم تستجب فإن الشريعة منحت للزوج طريقة أخرى وهي الهجر في المضجع ، و أخيرا اللجوء إلى الضرب على أن يكون هذا الضرب خفيفا ولا يؤذي جسم الزوجة أو يشوهه ، وإلا فإن لها الحق في اللجوء إلى القضاء إذا تعسف الزوج في استعمال هذا الحق وأدى بالإضرار بجسدها .




(1) سورة الاحزاب ، الآية 33 .
(2) سورة النساء ، الآية 33 .


فهذه الحقوق والواجبات تمثل آثار عقد الزواج الصحيح الرسمي وهي نفسها التي يرتبها عقد الزواج العرفي الكامل الأركان وهذا ما إتجهت إليه المحكمة العليا في قرارها الصادر في 22/11/1986 بأنه :" إن كل زواج عرفي يعتبر صحيحا متى توافرت أركانه حتى ولو كان غير مسجل بالحالة المدنية وتترتب عليه كافة آثار عقد الزواج وكافة الحقوق الزوجية " (1) .
غير أنه ومن الناحية العملية نجد أن الزواج العرفي غير المسجل لا يعتد به إذا أخل أحد الزوجين بالتزامه وطالبه الزوج الآخر بتنفيذه إلا بعد تسجيل عقد الزواج فإن كانت آثار عقد الزواج تثبت من حيث أن الزواج واقعة مادية من يوم قيام العقد صحيحا إلا أن ممارستها من الناحية القانونية لا تكون إلا بعد تسجيل عقد الزواج في سجلات الحالة المدنية وهذا ما قد يهدر بعض الحقوق ويؤثر على مراكز الأفراد .

وعليه فإن للزواج العرفي آثار سلبية على الزوجين يمكن حصرها فيما يلي :
أولا : بالنسبة للحقوق المالية :
إن حق الزوجة في النفقة كما سبق ذكره يكون مستحقا من يوم الدخول ، غير أنه وفي حالة إمتناع الزوج عن أداء النفقة لزوجته ، وتقدمت إلى العدالة للمطالبة بحقها فإن عليها أولا أن تثبت العلاقة الزوجية القائمة بينها وبين المدعى عليه ، وإلا فإن دعواها لا تقبل لإنعدام صفتها والصفة من النظام العام فحتى ولو أقر الزوج بعقد الزواج العرفي وأعترض على طلب النفقة فإن المحكمة لا تحكم لها بالنفقة حتى ولو أنها فعلا لم تتحصل عليها، وهذا ما نصت عليه المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 07/02/1987 أنه : " طالما
لم تثبت الزوجة علاقة الزوجية فإنها تبقى بدون صفة ومطالبتها بحقوقها المالية تكون غير مؤسسة إذا طالبت بإثبات علاقة الزوجية والنفقة و فشلت في إثبات عقد زواجها " (2) .

(1) بداوي علي ، مقال عقود الزواج العرفية ،موسوعة الفكر القانوني ، دار الهلال للخدمات الإعلامية ، العدد 02 ، ص 39 .
(2) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، 07/02/1987 ، المجلة القضائية ،1990 ، العدد03 ، ص 65 .



إن الإدارات العمومية المخول لها أداء المنح و التعويضات العائلية تستوجب عقد الزواج لمنح الزوجة حقها ، وفي حالة عدم تقديم الزوج لعقد الزواج أو عدم إمكان الزوجة إثباته ، فإنها لا تستطيع الحصول على هذه الحقوق كذلك الأمر بالنسبة لصناديق الضمان الاجتماعي وشركات التأمين .

فمثلا لو توفي شخص كان متزوج عرفيا عن زوجته في حادث مرور أو حادث عمل فإنها لا تستطيع المطالبة بالتعويضات المالية طالما لم تثبت علاقة الزوجية إذ لا تكون صاحبة صفة في رفع دعوى للحصول على التعويض .

وهو الأمر نفسه بالنسبة لقضايا الميراث فإن عقد الزواج – كما سبق القول - يعطي للزوج حق الميراث دون أن يسقط أو يحجب ، غير أنه إذا كان الزواج عرفيا فإنه من الممكن أن يضيع حق الزوج إذا لم يستطع إثبات هذا الزواج .
كأن يتوفي رجل متزوج زواجا رسميا وزواجا عرفيا فتتقدم الزوجة من الزواج العرفي بطلب حقها من الميراث وتصدم بإنكار باقي الورثة لها ، ومع عدم إمكانية إثبات الزواج فإنها تحرم من حقها المخول لها شرعا ، كما أن مركز الزوجة المتزوجة عرفيا يبقى عرضة للتجريح من طرف الورثة محاولة منهم حرمانها من الميراث .
ومثال ذلك وقائع القضية التي فصل فيها بموجب قرار صادر في 05/06/2004 رقم16/2004 الذي فيه حاولت زوجتي المتوفي من زواج رسمي التشكيك في عقد الرجعة للزوجة الثالثة من عقد عرفي (ملحق رقم 05) .

وكذا قرار صادر عن مجلس قضاء الجلفة القاضي بالتحقيق بعد إعتراض الغير خارج عن الخصومة في إبطال عقد الزواج العرفي لإنعقاده دون رضى الزوجة الأولى .






أما بالنسبة للصـداق فإنه ركن من أركان عقد الزواج وتستحقه الزوجة بالدخول وبالخلوة الصحيحة فإذا كان مؤجلا وطالبت به الزوجة فلا بد أولا من إثبات علاقة الزوجية وإثبات عدم تسلمها له هذا ما جاء في القضية رقم 54 /902 والتي تتلخص وقائعها في وجود عقد زواج عرفي أثبت بموجب حكم قضائي ، ثم إثبات الطلاق العرفي
دون التطرق لمؤخر الصداق ، وبما أن المدعية أثبتت صداقها عن طريق الشهود مما تعين معه إلزام المدعي عليه بادائه لها ( ملحق رقم 06).

ثانيا : الحقـوق غيـر الماليـة :

إن عدم الحصول على وثيقة تثبت العلاقة الزوجية تجعله عرضة للإنكار إذ يمكن لأحد الزوجين أن ينكر العلاقة الزوجية ويطمس آثارها وكل ما من شأنه تسهيل إثباتها ويمنع بذلك الطرف الأخر من الإحتجاج بها ليس فقط بالمطالبة بالحقوق المالية بل حتى المتابعات الجزائية ، فلو تزوج شخص عرفيا ثم ترك مقر الزوجية لمدة أكثر من شهرين فهل يمكن للزوجة متابعته بجريمة ترك مقر الزوجية وفقا للمادة 330 من قانون العقوبات وإذا كانت هذه الزوجة حامل فهل يمكن لها متابعته بجريمة إهمال الزوجة الحامل ؟ وإذا علمت أنه على علاقة غير شرعية فهل يمكن متابعته بجريمة الزنا ؟
يشترط لأي متابعة قضائية من هذا النوع وجود عقد زواج شرعي وقانوني صحيح يربط بين الزوجين وترفق نسخة منه بالشكوى وإلا رفضت ، وعليه يجب أولا على الزوجة أن تثبت عقد زواجها .
بالنسبة للعدة هي فترة محددة من الزمن تتربصها المرأة في مسكن الزوجية بعد وقوع الفرقة بينها وبين زوجها أو بعد وفاته وتمنع خلالها من التزوج بغيره والهدف منها هو :
- التأكد من براءة الرحم حتى لا تختلط الأنساب .

- تهيئة الفرصة لتمكين الزوج من مراجعة زوجته .
- إعلان حزن الزوجة على زوجها المتوفي .

والعـــدة تحســب كـالأتي :
- إذا كانت الزوجة حامل فعدتها وضع حملها .
- إذا كانت غير حامل ومن ذوات الحيض فعدتها ثلاثة قروء .
- إذا لم تكن من ذوات الحيض فعدتها ثلاثة أشهر .
- إذا كانت الزوجة قد توفي عنها زوجها فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام .

والعدة تحسب من يوم النطق بحكم الفرقة أو من يوم الوفاة هذا في عقد الزواج المسجل فكيف يمكن حسابها في عقد الزواج العرفي الغير مسجل ؟
إن على الزوجة أولا أن تتبع إجراءات التسجيل أمام قاضي الأحوال الشخصية ثم تثبت قيام الطلاق بينها وبين زوجها ونظرا لأن الواقعتين غير مسجلتين فقد تطرح الإشكاليات التالية :
- قد ينفي الزوج واقعة الطلاق و يؤكد واقعة الزواج ويراجع زوجته دون عقد جديد .
- قد ينكر الزوج واقعة الزواج وواقعة الطلاق مع وجودهما من الناحية الفعلية دون أن يسعى أحد من الزوجين لتثبيته وقد تتزوج الزوجة من أخر دون مراعاة مهلة العدة .
إذا توفي الزوج ، فإن الزوجة تلجأ أولا لإثبات واقعة الزواج ، ثم تنتظر صدور الحكم لإعتداد عدة المتوفى عنها زوجها وهذا ما يتطلب فترة زمنية طويلة قد لا تستطيع معها الزوجة إثبات واقعة الزواج وبذلك تفوت عليها بعض المنافع كإعادة الزواج مثلا .








المطلــب الثانــــي :
آثـــار عقـد الـزواج العرفـي بالنسبـــة للأولاد

إن الزواج العرفي عقد مشروع رتب له المشرع آثار تتعدى أطرافه الأصليين لتمس الأبناء فتترتب عليه حقوق للأولاد تطرق لها المشرع في مواد قانون الأسرة ، حيث تناولت المادة 36 من قانون الأسرة حق تربية الأولاد وهذا من خلال الإهتمام بتكوين الطفل من الناحية النفسية والعاطفية ونشأته بصفة سليمة ، إضافة لحق الرضاعة الذي بينته المادة 39 من قانون الاسرة وقد حددت المحكمة العليا مدتها القصوى بعامين في إحدى قراراتها ، وحق الحضانة الذي جاء ت به المادة 62 من قانون الأسرة وعرفته بأنه :
" رعاية الولد وتعليمه والقيام بتربيته على دين أبيه والسهر على حمايته وحفظه صحة وخلقا "، وحق النفقة والذي تناولته المواد 75 ، 76 و 77 من قانون الأسرة ، والحق في النسب الذي بينته المادة 40 من قانون الأسرة .

وإذا كانت هذه الحقوق الواجبة على الوالدين تؤدى بصفة تلقائية للأولاد وبمنطلق الفطرة ، فإن حق الولد في النسب وفي أن يلحق لأبيه قد تعترضه في الزواج العرفي العديد من العوائق ، حيث في كثير من الأحيان يكون عرضة للإنكار أكثر مما هو عليه الحال في الزواج الرسمي ، ولذلك سنتناول هذا الحق و نحاول أن نبين سلبية الزواج العرفي عليه .

1- أثار الزواج العرفي في إثبات النسب :
إذا كان نسب الولد لأمه ثابت بسبب الحمل المرئي و الولادة وذلك بقطع النظر عن كونه ولدا شرعيا أوولد زنا ، فإن نسبه إلى والده ليس دائما سهلا .






والشريعة الإسلامية حصرت طرق إثبات النسب في : الزواج الصحيح ، الزواج الفاسد أو الوطء بشبهة أو الإقرار أو البينة ، وهذا ما أخذ به المشرع الجزائري حيث نص في المادة 40 من قانون الأسرة :
" يثبت النسب بالزواج الصحيح وبالإقرار وبالبينة وبنكاح الشبهة وبكل نكاح ثم فسخه بعد الدخول طبقا للمواد 32 ،33 و34 من هذا القانون " ، وقبل التطرق إلى هذه الطرق نتناول مفهوم النسب .

عرف القضاء النسب بأنه القرابة الناشئة عن صلة الدم بالتناسل وهو يكسب المقر به حقوق و يرتب عليه واجبات كالنفقة على ذوي قرباه المحتاجين ويمكنه من مزاحمة الورثة في الإرث ويجري عليه ما يجري عليهم من موانع الزواج الناشئة عن القرابة .

والنسب حق لكل من الزوجين لأنه يضمن التناسل الذي يعتبر من أغراض الزواج الرئيسية و يثبت بـ :

yacine414
2011-02-05, 16:00
أ – إثبات النسب بالزواج الصحيح :
إن الولد يمكن أن ينسب إلى والده من الزواج الصحيح متى كان الزواج شرعيا ومتى أمكن الإتصال بين الزوجين ولم يكن الزوج قد نفاه بالطرق المشروعة - كالملاعنة - ومتى حصلت ولادته خلال أقل مدة للحمل وأقصاها ، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام :" الولد للفراش وللعاهر الحجر ".

وهذا ما أكدته المحكمة العليا في قرار لها إذ جاء فيه :
" من المقرر شرعا أن نسب يثبت بالفراش الصحيح ومن ثم فإن القضاء بإثبات النسب حال قيام الزوجية ودون تطبيق قواعد اللعان في المدة المحددة شرعا يعد قضاءا صحيحا ".





وإذا كان تحديد الفاصل الزمني بين تاريخ الزواج وتاريخ الولادة لا يثير أي إشكال بالنسبة للزواج الرسمي أين تكون التواريخ مضبوطة نتيجة التسجيل فإن الأمر قد يكون دون ذلك بالنسبة للزواج العرفي فالتواريخ تحدد بصفة تقريبية يعتمد فيها على ذاكرة الشهود مما قد يؤدي إلى ضياع الأنساب خصوصا في حالة الإنكار .

كما أنه قد يحدث أن يكون هناك زواجا عرفيا قام الزوجين بتسجيله بعد مدة من الدخول على أساس أنه زواج رسمي وبعد أن تكون الزوجة قد حملت بالمولود ، وإن حدث وأنجبت بعد ثلاثة أو أربع شهور من تاريخ العقد الرسمي المسجل فهنا لا يمكن إسناد نسب الإبن لأبيه أمام ضابط الحالة المدنية لأنه لم يولد في الفترة المحددة قانونا مما يؤدي بالزوجين إلى اللجوء لوكيل الجمهورية عن طريق تقديم طلب يلتمسان من خلاله الحكم بتصحيح تاريخ واقعة الزواج العرفي وتسجيله بأثر رجعي ، حتى يتمكنان من تسجيل ميلاد المولود و إثبات نسبه بصفة قانونية لوالديه وهنا لا يتوان الكثيرمن وكلاء الجمهورية في متابعة الزوجين جزائيا بجنحة الإدلاء بقرارات كاذبة و معاقبتهم وفقا للمادة 223 من قانون العقوبات و التي تقرر لمثل هذه الجريمة عقوبة بدنية تتراوح بين 3 أشهر وثلاث سنوات وعقوبة مالية تتراوح مابين 500 و5000 دج .

فإذا كانت ولادة المولود أثناء قيام الرابطة الزوجية بين أدنى و أقصى مدة للحمل وبعد الدخول تبعا لعقد صحيح تكون قرينة شرعية وقانونية على أن الولد للفراش وينسب الولد إلى أبيه ، وهذه القرينة قد لا يستفيد منها الطرف الذي يريد إثبات نسب الولد في حالة العجز عن إثبات الرابطة الزوجية الشرعية حتى وإن كان الدخول تبعا لعقد صحيح وهنا يضيع نسب الولد .







وقد يحدث أن يكون الزوج متأكدا بأن الولد الذي أنجبته زوجته من زواج عرفي ليس ابنه ولا يقوم بنفيه بالطرق الشرعية (الملاعنة ) ويتغاضى عن ذلك ظننا منه أنه غير ممكن لزوجته أن تثبت زواجه العرفي منها ولكن إذا سعت الزوجة و أثبتت الزواج
هنا ينسب له الولد وهو ليس منه لأنه فوت مواعيد الملاعنة لأن دعوى اللعان لا يعتد بها خارج الآجال القانونية المحددة شرعا وقانونا .

حيث جاء في قرار للمحكمة العليا : " من المقرر قانونا أنه ينسب الولد لأبيه متى كان الزواج شرعيا وأمكن الإتصال ولم ينفه بالطرق المشروعة .
ومن المستقر عليه قضاءا أن مدة نفي الحمل لا تتجاوز 08 أيام و متى تبين في قضية الحال أن المطعون ضده لم يبادر بنفي الحمل من يوم علمه به و خلال المدة المحددة شرعا وتمسكه بالشهادة الطبية التي لا تعتبر دليلا قاطعا ، ولأن الولد ولد بعد مرور أكثر من ستة أشهر على البناء .
فإن قضاة الموضوع بقضائهم بصحة الزواج العرفي مع رفض إلحاق نسب الولد لأبيه عرضوا قرارهم لتناقض مع أحكام المادتين 41 و 42 من قانون الأسرة وأخطؤا في تطبيقها ومتى كان ذلك إستوجب نقض القرار " (1) .

كما جاء في قرار آخر أنه : "من المقرر قانونا أن أقل مدة للحمل هي 06 أشهر وأن الولد ينسب لأبيه متى كان الزواج شرعيا ، وأمكن الإتصال ولم ينفه بالطرق المشروعة ، ومن المستقر عليه قضاءا أنه يمكن نفي النسب عن طريق اللعان في أجل محدد لا يتجاوز 08 أيام من يوم العلم بالحمل .
ومن الثابت في قضية الحال أن الولد ولد في مدة حمل أكثر من ستة أشهر ، وأن قضاة الموضوع أخطؤا كثيرا عندما إعتمدوا على الخبرة ووزن الولد ، فإنهم بقضائهم بفسخ عقد الزواج و إلحاق النسب للأم أخطؤا في تطبيق القانون وخالفوا أحكام المادتين 41 و42 من قانون الأسرة مما يستوجب نقض القرار " (2).

(1) المحكمة العليا،غرفة الأحوال الشخصية،03/12/1984 ، مجلة قضائية ، 1990 ، العدد 01 ، ص 83 .
(2) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، 28/10/1997 ، مجلة قضائية ، العدد الخاص ، 2001 ، ص 70 .

أما في حالة وقوع الولادة بعد إنقضاء الرابطة الزوجية بالطلاق أو بالوفاة و إتيان الزوجة لولد ليس بين أقل و أكثر مدة للحمل وإنما بعد مضي أكثر من عشر شهور أي بعد إنقضاء أقصى مدة للحمل التي حددها القانون فأنه لا يمكن إسناد نسبه إلى هذا الزوج المتوفى أو المطلق .

بمعنى آخر لا يثبت نسب الولد إلى أبيه إلا إذا جاءت به الزوجة لأكثر من عشرة أشهر من تاريخ العقد أو إمكان الوطء ، ولأقل من ستة أشهر بعد الطلاق فإن مجيئها به في غير هذه المواعيد يدل على أنها حملت به قبل أن تكون فراشا لهذا الزوج أوحملت به بعد طلاقها أو وفاة زوجها من رجل آخر .

لكن الإشكال الذي يطرح في الزواج العرفي هو صعوبة إثبات النسب عند وقوع الطلاق عرفيا ، وتحديد تاريخه بدقة مما يجعل إمكانية إثبات نسب الولد الذي يولد بعد أكثر من 10 أشهر من تاريخ الطلاق واردة ، وقد تتزوج المرأة زواجا شرعيا ومسجل ويدخل بها زوجها و يعاشرها معاشرة الأزواج ثم يغيب عنها لسبب شرعي أو غير شرعي ويدوم غيابه أكثر من عشرة أشهر وكانت الزوجة قد أتت بمولود في هذه الفترة فإن هذا المولود يعتبر للفراش مالم يثبت هذا الزوج عدم تلاقيه مع زوجته و إتصاله بها وهذا ما ينطبق على الزواج العرفي بإعتباره زواج شرعيا متى تم إثباته ، وهذا ما أكدته المحكمة العليا في قرارها الذي جاء فيه :
" إثبات النسب – وضع الولد بعد 16 شهرا من غيبة الطاعن – الحكم بإثبات النسب لعدم نفيه بالطرق المشروعة .
من المستقر عليه قضاء أن المدة القانونية لنفي النسب لا تتجاوز 08 أيام ومتى تبين في قضية الحال أن ولادة الطفل قد تمت و الزوجية قائمة بين الزوجين وأن الطاعن لم ينف نسب الولد بالطرق المشروعة وأن لا تأثير لغيبة الطاعن مادامت العلاقة الزوجية قائمة وأن القضاة بقضائهم بإثبات نسب الولد طبقوا صحيح القانون ومتى كان كذلك إستوجب رفض الطعن " (1) .

(1) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، 23/11/1993 ، مجلة قضائية ، عدد خاص ، 2001 ، ص 64 .


وقد حدث أن وردت بمحكمة الجلفة قضية تتلخص وقائعها في أن إمرأة كانت متزوجة عرفيا ثم طلقت أيضا عرفيا وأعادت الزواج ثانية عرفيا في مكان آخر دون علم زوجها الثاني بزواجها الأول وطلاقها وقد أنجبت هذه المرأة ولدا بعد 06 أشهر من زواجها الثاني ولم ينكر الزوج الثاني نسب الولد لأنه مولود في الفترة القانونية و أن زواجه بهذه المرأة قد ثبته وسجل لدى مصالح الحالة المدنية لكن حدث وأن نازع الزوج الأول في نسب الولد بأنه إبنه و أنه لم يطلق هذه الزوجة ، لكن الحكم كان بتثبيت النسب للزوج الثاني لأن القانون يعتد بالفترة القانونية للحمل و الزواج الرسمي .

ب – ثبوت النسب بالزواج الفاسد :
بما أننا فرقنا بين عقود الزواج التي تبرم قبل صدور قانون الأسرة و أخضعناها لأحكام الشريعة الإسلامية ، وبين العقود المبرمة بعد صدور قانون الأسرة وتطرقنا إلى مفهوم فساد العقد وفقا للشريعة الإسلامية ثم وفقا للقانون وخلصنا أن النسب في الزواج الفاسد يثبت للأب حسب الشريعة الإسلامية ووفقا للقانون وقد جاء في المادة 40 من قانون الأسرة :
" يثبت النسب بكل نكاح تم فسخه بعد الدخول طبقا للمواد 32،33و34 من قانون الأسرة " فالمادة 32 نصت على فسخ النكاح أي فساده إذا أختل أحد أركانه أو إشتمل على مانع أو شرط يتنافى و مقتضيات العقد أو ثبتت ردة الزوج ، أما المادة 33 فنصت على أنه إذا تم الزواج بدون ولي أو صداق أو شاهدين يفسخ قبل الدخول ولا صداق فيه و المادة 34 نصت على أن الزواج بإحدى المحرمات يفسخ قبل الدخول وبعده .

وجاء في قرار للمحكمة العليا : " المحصنة تحرم على الزوج الثاني وأن هذا الزواج يفسخ قبل الدخول وبعده ويترتب عليه ثبوت النسب " (1) .

وحسب هذه المواد إذا تبين الفساد قبل الدخول فسخ الزواج دون صداق ويعتبر كالعقد الباطل لا أثر له ، أما بعد الدخول فالمرأة تستحق صداق المثل ويثبت به النسب .



(1) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، 24/02/1986 ، غير منشور .



والعقـد الباطـل يبطـل قبـل أو بعـد الدخـول و يترتـب عليـه ثبـوت النسـب أيضـا (1) .

ولقد جاء في إحدى قرارات المحكمة العليا " ولا يحكم بفسخ عقد النكاح إلا إذا كان هذا النكاح فاسدا شرعا " (2) .

وقد قضت محكمة النقض المصرية أنه : "وحيث أن هذا النعي في محله ذلك أن شروط صحة الزواج محلية المرأة وأن لا يقوم بها سبب من أسباب التحريم ومنها الجمع بين أختين والمحققون من الحنفية ذهبوا إلى أنه إذا تزوج إحداهما بعد الآخر جاز زواج الأولى وفسد زواج الثانية وعليه أن يفارق أو يفرق القاضي بينهما فإن فارقا قبل الدخول فلا مهر ولا عدة ولا تثبت بينهما حرمة المصاهرة ولا النسب ولا التوارث وإن فارقها بعد الدخول فلها المهر وعليها العدة ويثبت النسب ويعتزل من إمرأته حتى تنقضي عدة أختها " .

وبالتالي نقول أن الإشكاليات التي يمكن طرحها في حالة الزواج العرفي هي الزواج بالمحرمات فلا نتصور وقوع الجمع بين أختين مثلا في الزواج الرسمي الذي يعتمد فيه على وثائق الطرفين لإثبات هويتهما .

كما أن الزواج مع المرأة المحصنة يمكن تصوره في الزواج العرفي بالنسبة للزوجة التي تترك زوجها وتذهب إلى مكان آخر وتعيد الزواج مع أنها تعتبر شرعا في ذمة الزوج الأول ، والزواج العرفي قد يكون فاسدا نتيجة عدم توفر ركن من أركانه ، كعدم توفر الشروط المطلوبة في شروط العقد وذلك لعدم مراقبتها من طرف موظف مختص .

وجاء في قرار صادر عن محكمة النقض المصرية : " المقرر في الفقه الحنفي أن الزواج الذي لا يحضره شهود هو زواج فاسد يترتب عليه آثار الزواج الصحيح ومنها النسب بالدخول الحقيقي " .



(1) العربي بلحاج ، المرجع السابق ، ص 153 .
(2) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، 25/06/1984 ، غير منشور




وجاء أيضا في قرار آخر لمحكمة النقض المصرية : " أن زواج المطعون عليها المسلمة بالطاعن المسيحي وهي تعلم ذلك ، الزواج فاسد ومؤداه جواز إثبات النسب " (1) .

والزواج العرفي قد يكون في كثير من الأحيان مصدرا للنكاح الفاسد خصوصا ما بين المحرمات ، فقد تتزوج المرأة أو الرجل عدة مرات عرفيا وفي مناطق مختلفة وينجبون أولاد ويلتقي هؤلاء الأولاد ويعقدون زواجهم وهم يجهلون وجه التحريم ، و عندما يتبين فساد هذا الزواج يفسخ قبل الدخول وبعده لكن إذا ترتب عنه أبناء فإنه يثبت به النسب مع التفريق بين الأزواج مما يؤدي إلى حرمانهم من الرعاية العائلية وهذا رغم حسن نية الزوجين ، أما إذا كان هؤلاء الأولاد على علم بوجه التحريم ولكن كانوا من الذين لا يردعهم وازع ديني ولا أخلاقي والناس لا يعلمون بأمرهم عادة ، فالزواج فيما بينهم في هذه الحالة لا يثبت به النسب ذلك أنه عند العلم يعتبر الزواج باطل وغير شرعي والأولاد يعتبرون أولاد زنا لا نسب لهم .

ونلاحظ خطورة إثبات النسب بالزواج الفاسد ، في حالة ما إذا تزوجت المرأة المطلقة عرفيا أو المتوفى عنها زوجها زواجا ثانيا في فترة عدتها دون أن يكون للزوج الثاني علما بزواجها الأول أو بكونها ما تزال في فترة عدتها فهذه المرأة إن ولدت مولودا في الفترة الممتدة بين ستة أشهرو عشرة أشهر من تاريخ زواجها الثاني فإن الولد ينسب للزوج الثاني رغم إحتمال كونه من الزوج الأول كأن تكون قد أنجبته بعد سبعة أو ثمانية أشهر من تاريخ الزواج الثاني ، وهذا ما جاء به القرار الصادر عن المحكمة العليا :
" من المقرر شرعا أن الزواج في العدة باطل ، ومن المقرر قانونا أن أقل مدة الحمل ستة أشهر وأقصاها عشرة أشهر .



(1) المستشار محمد عزمي البكري ، الأحوال الشخصية ، الجزء الخامس ، دار النشر محمود ، جمهورية مصر العربية ، ص 150 .


ومتى تبين في قضية الحال أن الزواج وقع على إمرأة مازالت في عدتها وأن الحمل وضع بعد أربع أشهر من تاريخ الزواج الثاني ، وأن قضاة الموضوع بقضائهم بإعتبار الطاعنة بنت للزوج الثاني إعتمادا على قاعدة الولد للفراش مع أن الزواج الثاني باطل شرعا ، فإنهم بقضائهم كما فعلوا خالفوا القانون وخرقوا أحكام الشريعة الإسلامية ، ومتى كان كذلك إستوجب نقض القرار المطعون فيه بدون إحالة " (1) .

إن المتمعن في الأسباب القانونية التي يترتب عليها فساد العقد يدرك بأنه من النادر أن تكتشف قبل الدخول وذلك لكون أن هذا العقد لا يبرم أمام موظف مختص يعرف الشروط الواجب توافرها في عقد الزواج ، لذا فإن سبب فساد العقد عادة مايكتشف بعد الدخول ، وقد جاء في قرار المحكمة العليا أنه :
"متى كان الزواج العرفي متوفرا على أركانه التامة والصحيحة فإن القضاء بتصحيح هذا الزواج وتسجيله في الحالة المدنية وإلحاق نسب الأولاد لأبيهم يكون قضاءا موافقا للشرع والقانون ومتى كان كذلك إستوجب رفض الطعن " .

ومما سبق يتضح أن الزواج الفاسد وإن كان يثبت به النسب فإنه قد يكون في حالة الزواج العرفي سببا لضياع الأنساب وإختلاطهم ولوجود فئة من الأولاد محرومة من الرعاية العائلية .

جـ - ثبوت النسب بنكاح الشبهة :
نكاح الشبهة هو نكاح يقع خطأ بسبب غلط يقع فيه الشخص ، وهو الإتصال الجنسي غير الزنا ، وليس بناءا على عقد زواج صحيح أو فاسد مثل وطء إمرأة يجدها الرجل على فراشه فيظنها زوجته ،و مثله أيضا وطء المطلقة طلاقا ثلاثا أثناء العدة على إعتقاد أنها تحل له .
فإن أتت المرأة بولد ما بين ستة و عشرة أشهر من وقت الوطء ثبت نسبه من الواطئ لتأكد أن الحمل منه وإذا أتت به في مدة أقل من ستة أشهر لا يثبت النسب منه ويكون وطؤها قبل ذلك بشبهة أخرى هذا هو موقف الفقه من نكاح الشبهة .


(1) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، 19/05/1998 ، العدد الخاص ، 2001 ،ص 73



أما موقف القانون فيتضح من خلال نص المادة 40 من قانون الأسرة ، فالقانون ذهب إلى ماذهب إليه الفقه ورتب على نكاح الشبهة ثبوت النسب ، وهذا ما يتأكد من خلال القرار الصادر عن المحكمة العليا والذي جاء فيه :
"من المقرر قانونا أن يثبت النسب بالزواج الصحيح وبالإقرار وبنكاح الشبهة ومن ثم فإن القضاء بهذا المبدأ يعد تطبيقا سليما للقانون .
ولما كان من الثابت في قضية الحال أن الطاعنة لم تثبت أية حالة من الحالات التي نص عليها قانون الأسرة فإن قضاة الموضوع برفضهم لطلبها الرامي إلى تسجيل الزواج و إثبات نسب البنت قد طبقوا صحيح القانون " (1) .

إن النكاح بشبهة يمكن تصور وجوده في حالة الزواج العرفي ، إذا لم تحضر الزوجة مجلس العقد وناب عنها وليها أو وكيلها ثم بعد ذلك زفت إليه إمرأة أخرى فيعاشرها معاشرة الأزواج ظنا منه أنها المرأة التي أبرم العقد معها ، وعليه فإن مثل هذا النكاح إن ترتب عنه ولد يثبت لأبيه .

كما أنه يمكن تصور هذه الوضعية في الزواج الرسمي وذلك لكون قانون الأسرة يجيز الوكالة في الزواج حيث نصت المادة 20 من قانون الأسرة :
" يصح أن ينوب عن الزوج وكيله في إبرام عقد الزواج بوكالة خاصة " كما سبق توضيحه ، وذلك على خلاف قانون 274-59 الذي كان لا يجيزها ، ونحن نؤيد رأي الدكتور بلحاج العربي الذي يميل إلى إلغاء الوكالة في الزواج وذلك نظرا للتغيرات الكبيرة التي يعرفها المجتمع ونظرا لما قد يترتب عن ذلك من سلبيات .

وعلى العموم نكاح الشبهة إن كان يحتمل وجوده قبل سنين طويلة فإنه من النادر وقوعه اليوم إلا في المناطق النائية ، والأرياف الصغيرة ، التي تكون فيها العائلات مجتمعة في مقر عائلي واحد .


(1) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، 21/05/1991 ، مجلة قضائية ، 1994 ، العدد 02 ، ص 56 .



د – ثبوت النسب بالإقرار :
قد نصت المادة 44 من قانون الأسرة على أنه :" يثبت النسب بالإقرار بالبنوة أوالأبوة أو الأمومة لمجهولي النسب " .
وللإقـرار شـروط منهـا :
1 - أن يكون الولد مجهول النسب .
2 – أن يكون الولد أتي من علاقة شرعية ، سواء أكان نكاح صحيح أو فاسد أو نكاح شبهة .
3 - أن لا يكذبه العقل أو العادة .
4 - أن يصدقه المقر له على إقراره إن كان أهلا لذلك وضرورة تصديق المحمول عليه النسب .

وقد جاء في نص المادة 45 من قانون الأسرة أن الإقرار بالنسب على الغير لا يملكه المقر ولا يلزم غيره إلا بالتصديق له ، كما أن الآثار الناتجة عن هذا الإقرار منصرفة إليه دون غيره من الأقارب ، وبناء عليه إذا كان المقر ببنوة الغلام هي الزوجة أو المعتدة فيشترط مع ما ذكر أن يوافق زوجها على الإعتراف ببنوته له أيضا أو أن تثبيت ولادتها له من ذلك الرجل لأن فيه تحميل النسب على الغير ، فلا يقبل إلا بتصديقه أو ببينة .

ويبطل الإقرار إذا صرح المقر بأن الولد إبنه من الزنا لأن الزنا لا يصلح سببا لإثبات النسب .

وهذا الإقرار بالبنوة أو الأبوة حالة نادرة على مستوى محاكمنا لأن الإقرار وحده لإلحاق النسب من الأمور الخطيرة والتي تتيح الفرصة أمام العلاقات المشبوهة والمحرمة التي ينتج عنها أولاد غير شرعيين ويكون من السهل بمجرد الإقرار أن يثبتوا نسب هؤلاء الأولاد ويصبح ولد الزنا ولدا شرعيا يتمتع بحقوق ليست له ، وهذا ما دفع المشرع إلى وضع قيد على رفع هذه الدعاوى يتمثل في ضرورة إثبات قيام العلاقة الزوجية .

وبالتالي في الزواج العرفي لا يمكن إثبات النسب بالإقرار إلا بعد تثبيت الزواج ، فرغم عدم وجود نزاع حول نسب هذا الولد فلا يمكن أن تثبت النسب قبل أن نثبت العلاقة الزوجية بين الزوجين ، أي البحث أولا عن شرعية وقانونية الزواج قبل أن نبحث في قضية إثبات نسب الأولاد ، بالتالي يبقى الإقرار في النسب لا يقبل على مستوى محاكمنا إلا إذا قدم المدعي مع طلبه عقد زواج مسجل لدى الحالة المدنية .

وقد جاء في إحدى قرارات المحكمة العليا أنه : " أن الإقرار بالولد يجب أن يكون بدون تردد ولا تراجع مع توافر شروط صحة الزواج ، حيث أن الزواج المزعوم وقع بين الطرفين بالفاتحة في 20 أوت 1965 رغم أن المطعون ضده كان محبوسا بمؤسسة إعادة التربية بالحراش منذ 23/11/1963 إلى غاية 25 جويلية 1967 ، كما أن الطلاق المزعوم وقع بين الطرفين في 1966 وأن الولد المسمى "وحيد" المتنازع عنه ولد في 28/06/1966 و أن هذه الوقائع لم تثبت ولم تعرض البينة لإثبات صحتها لأن الزواج يثبت فقها وقضاءا بقراءة الفاتحة وتحديد الصداق وحضور الشهود والولي وإن إعتراف المطعون ضده أمام القاضي الأول وقع بالتردد وتراجع عليه ، ومن ثم فإن القرار المطعون فيه سليم ولم يخطأ في تطبيق القانون " (1) .

هـ – إثبات النسب بالبينة ( الشهادة ) :
ونوع البينة التي يثبت بها النسب هي شهادة رجلين أو رجل وإمرأتين عند أبي حنيفة ، وشهادة رجلين فقط عند المالكية وجميع الورثة عند الشافعية والحنابلة ، والشهادة تكون بمعاينة المشهود به أو سماعه ، وقد إتفق فقهاء المذاهب الأربعة على جواز إثبات النسب بشهادة السماع (2) .
وقد ورد النص على إثبات النسب عن طريق البينة في المادة 40 ، وعليه فإذا إدعت إمرأة أنها حملت من زوجها وولدت في غيابه مثلا أو في حضوره فأنكر الزوج واقعة الولادة في ذاتها ، أو إعترف بالولادة كواقعة مادية و أنكر أن يكون الولد الذي بين يديها هو نفسه الذي ولدته ، ففي هذه الحالة يحق للزوجة أن تثبت بالشهود ما ينكره الزوج ، والإثبات هنا ليس إثبات نسب لأن النسب يثبت بالفراش ولكن النزاع الحقيقي قائم على حصول الولادة

(1) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، 24/02/1986 ، غير منشور
(2) د/ وهبة الزحيلي ، المرجع السابق ، ص 426 .



فبالإمكان شرعا وقانونا إثبات واقعة الولادة عن طريق شهادة النساء اللاتي حضرن عملية الولادة أو الأطباء أو الممرضات أو القابلات إذا وضعت حملها في المستشفى وكذلك إلى إثبات الولد نفسه .
ويذهب أبو حنيفة إلى أنه يكفي لإثبات هذا الأمر شهادة إمرأة واحدة تتوفر فيها شروط الشهادة ولا يشترط نصاب الشهادة المفروض في سائر الأمور .
وإذا أثبتت الولادة وثبت المولود أمكن حينئذ نسبه إلى الزوج وتسجيله على لقب و إسم أبيه في سجلات الحالة المدنية إستنادا إلى الحكم الذي يقضي بثبوت النسب .
وإثبات النسب بالبينة لا يمكن تصوره إلا في الحالة التي يكون فيها الزوج و الزوجة قد جمع بينهما عقد زواج صحيح أو فاسد .
أما بالنسبة للزواج العرفي نعتقد أن هذه الوضعية قد تكون نتيجة عزوف المتزوجات عرفيا إلى اللجوء للمستشفيات من أجل الولادة بها لأنها تكون غير قادرة على إثبات زواجها أمام المصالح الإستشفائية و تكون وضعيتها كوضعية الأمهات العازبات ،واللجوء نتيجة ذلك إلى الولادة بالبيت وخصوصا في المناطق الريفية والنائية قد يحول دون توفر شاهدة على هذه الواقعة المادية لأن القابلة ترفض الإدلاء بشهادتها خوفا من المتابعة على أساس ممارسة مهنة دون رخصة مما يؤدي لضياع نسب الولد ليس لسبب إلا أن زواج ولديه كان عرفيا .

2 – دعـوى إثبات النسـب :

نعلم أن دعوى إثبات النسب أو إلحاق نسب شخص إلى آخر هي في الأساس دعوى مثل غيرها من الدعاوى المدنية العادية التي ترفع أمام المحاكم للفصل فيها لكن كيف يلجأ المدعين إلى القضاء لإثبات النسب ؟

بما أن الزواج العرفي هو زواج صحيح قائم بكل أركانه ينقصه فقط التسجيل لدى الحالة المدنية وهذا التسجيل يمكن الزوجين من إستخراج وثائق تثبت صفتهما ، بالتالي فالمرأة المتزوجة عرفيا لما تتقدم إلى المستشفى من أجل الولادة ، تطلب منها وثيقة تثبت الـزواج


كالعقد أو الدفتر العائلي وبما أن زواجها غير مسجل فهي بالضرورة لا تملك ما يثبت زواجها ، فلما يولد المولود سوف يقيد على إسم والدته وهنا لما تستخرج شهادة ميلاد هذا الولد نجدها بإسم أمه ولأب مجهول هذا رغم إقرار الأب و تصريحه بأن الولد منه لكن لا يقبل منه ذلك ، وما نعيبه في هذه الإجراءات سواء على مستوى المستشفيات أو لدى ضابط الحالة المدنية بالبلدية أن المشرع لم يضع نصوص تحد من هذه الطريقة ، لأننا إذا سجلنا الولد بإسم أمه ناتج عن علاقة زواج شرعية فإننا نعرض سمعته و سمعة والدته للأقاويل إضافة للعراقيل التي تعترضه أمام أية جهة إدارية لذلك من المستحسن جعل الأصل هو تثبيت النسب ولكل ذي مصلحة في إسقاطه أن يسقطه ، لأن إستخراج شهادة ميلاد لأب مجهول مساس بشرف الإبن و عائلته وسوف يصحهها بعد ذلك بحكم قضائي مما يجعله يبقى مدى الحياة يتحمل نتيجة عمل خارج عن إرادته .

ولو لا حظنا قانون الحالة المدنية في المادة 62 نجد أن المشرع نص على قبول التصريح سواء من الأب أو الأم أو من له مصلحة ، لكن على مستوى البلديات لا يقبلون سوى تصريح الأب .

ولاحظنا عمليا أن المعني بشهادة الميلاد لأب مجهول يتجه عادة بطلب إلى وكيل الجمهورية من أجل تصحيح لقبه ، وهذا طبعا بعد أن يكون قد أثبت الزواج العرفي بين والديه .

لكن ما لاحظناه على مستوى محكمة التربص أن وكيل الجمهورية يقبل الطلب و يرسل الملف إلى مصلحة الحالة المدنية من أجل التصحيح القضائي بإضافة اللقب ، وأمر ضابط








الحالة المدنية بتسجيله في شهادة ميلاد المعني ، لكن على مستوى بعض المحاكم الموجودة في حدود الولاية ، فإن وكلاء الجمهورية يرفضون الطلب و يوجهونه إلى قسم الأحوال الشخصية .

لكن حسب رأينا ، أن الأمر لا يوجد فيه نزاع والمحاكم مختصة بالفصل في النزاعات مما يجعلنا نؤكد على ضرورة إجراء تصحيح قضائي دون رفع دعوى قضائية .
و هناك إختلاف بين القضاة أنفسهم في قسم الأحوال الشخصية عند ورود مثل هذه القضايا إليهم ، إذ أن بعض القضاة يؤكدون على عدم وجود نزاع فيفصلون بعدم الإختصاص ، أما البعض الآخر فيفصل بإثبات النسب بحكم ، ويكون المنطوق يتضمن اللقب وأمر ضابط الحالة المدنية بقيده في سجلات الميلاد (ملحق رقم 07).

وبما أننا أكدنا أن دعوى إثبات النسب لا يمكن أن تكون إلا بإثبات الزواج فهل يمكن الجمع بين دعوى إثبات الزواج و دعوى إثبات النسب وإن كان الامر كذلك فكيف يكون الحكم فيها ؟

نقول أن دعوى إثبات النسب قد تكون دعوى أصلية منفردة ، تهدف أساسا إلى إثبات النسب ذاته ، فهنا تكون الدعوى بوضع عريضة عادية لدى كتابة ضبط المحكمة مع إرفاق الدعوى بعقد زواج رسمي سجل لدى مصالح الحالة المدنية ، وهذا لإثبات صفة المدعي وعدم تعرض الدعوى لعدم القبول لإنعدام الصفة .

وقد تكون دعوى النسب دعوى تبعية لدعوى أخرى فإذا كانت تابعة لدعوى إثبات الزواج فهنا القاضي يفصل في إثبات الزواج ، ويرفض الطلب المتعلق بإثبات النسب لعدم إرتباط الطلبات وهذا ما لاحظناه في محكمة التربص .







المطلـــــب الثالــــث :
آثــار عقــد الــزواج العرفـــي بالنسبــة للمجتمـــع:

إن طرفي عقد الزواج العرفي يعتبران زوجين من الناحية الشرعية و القانونية ، بالتالي تنتفي عن العلاقة القائمة بينهما صفة العقد الباطل أو الفاسد أو العلاقة المحرمة ، غير أنه بالرغم من ذلك فإن لهذا العقد آثار خطيرة تمس بالمجتمع يمكن إيجازها في مجموعة من النقاط .
1- بالنسبــة للعدالـة :
إن كثرة الزواج العرفي في المنطقة جعل عدد القضايا الناظرة فيها المحكمة عديدة خاصة فيما يتعلق بإثبات عقد الزواج العرفي ونظرا لسهولة إثباته و غياب الوازع الديني و الخلقي لدى بعض الأشخاص فإنهم قد يلجؤون إلى الغش لإثبات العقد و متى توفرت أركان عقد الزواج شكليا فإنه لا يسع المحكمة إلا الأمر بتثبيته ، وبالتالي إعطاء مراكز قانونية لأشخاص وترتيب حقوق لغير مستحقيها ، كأن يكون شخص على علاقة غير شرعية بإمرأة وبعد وفاته تدعي أنها متزوجة منه عرفيا وتقدم للمحكمة شهود زور وعلى أساسها تثبت علاقة الزواج فالمحكمة تقرر علاقات غير شرعية بحكم الظاهر وتعطيها صفات لاتتوافق في الحقيقة مع الشرع والقانون في الوقت الذي تعجز فيه الزوجة الحقيقية عن إثبات عقد زواجها . كالحكم الجزائي الصادر عن محكمة الجلفة بتاريخ 26/05/2004 رقم 2368/2004 إذ استطاعت المتهمة عن طريق التحايل من الحصول على حكم صادر عن قسم الأحوال الشخصية يقضي بإثبات علاقة زواج بينها وبين شخـص متوفـى دون
وقوع هذا الزواج فعلا كما استطاعت إلحاق نسب بنتين أحضرتهما من المستشفى وتمكنت بواسطة هذا العقد من الحصول على مستحقات من صندوق الضمان الإجتماعي تتعلق بتعويض عن حادث مرور باسم الزوج المزعوم (ملحق رقم 08).

كما أن الإشكال الذي يثور في تكييف الجرائم خاصة التي تكون فيها صفة الجاني و المجني عليه محل إعتبار ، كما هو الحال في جريمة ضرب وقتل الأصول أو الفروع .
فهنا يتغير الوصف الجزائي وتصبح هذه الصفة ظرفا مشددا في العقوبة ، لكن عدم تحديد الأنساب في الزواج العرفي قد يعطل ذلك ، كأن يتعدى الإبن على أبيه بالضرب لكن لا يقدم أمام العدالة أي وثيقة تثبت هذه العلاقة فتكيف الجريمة على أنها ضرب وجرح عمدي ويعاقب على هذا الأساس بالعقوبة المقررة لهذه الجريمة في حين أن تكييفها الصحيح هو ضرب وجرح الأصول و التي تكون عقوبتها أكثر تشديدا .

2 – التزويـــر :
من بين الأثار التي يرتبها الزواج هي إنجاب الأبناءالذين يحتاجون خلال حياتهم إلى وثائق إدارية خاصة إذ تعلق الأمر بالتسجيل في المؤسسات التعليمية أو الحصول على التعويضات و المنح العائلية ، فيلجأ الأفراد إلى الطرق الإحتيالية لاسيما التزوير والتي عادة ما يؤدي إكتشاف أمرها إلى جر الأفراد إلى المحاكمة بسبب التزوير و إستعمال المزور والإدلاء بإقرارات كاذبة .
قضية رقم 767/03 إذا المدعية طالبت بإسقاط نسب البنت بعد ما قام والدها بتسجيلها على زوجته المتوفاة حتى تتحصل على ميراثها منها(ملحق رقم 09) ، وكذلك القضية رقم 1824/04 حيث قام الزوج بتسجيل زواجه العرفي في سجلات الحالة المدنية بإسم أخت زوجته و بصمت زوجته و حصول هذه الأخيرة على بطاقة تعريف و بطاقة الناخب و حساب بريدي بإسم أختها و قد تقاضت منح زوجها على ذلك الأساس ، والقضية رقم 1510/04 وقرار رقم 1824/04 الصادر عن مجلس قضاء الجلفة (ملحق رقم10) والقضية 1805 المتعلق بشهادة الزور (ملحق رقم 11) .




3 - زواج المحرمـات :
الزواج العرفي قد ينتج عنه أبناء و بنات و قد يفترق الزوجان دون أن يسعى أحدهما لتسجيل الزواج و تحديد النسب و مع مرور السنوات قد يجتمع هؤلاء الأبناء ويتزوج بعضهم بعضا و هذا التزاوج بين المحارم محرم شرعا و قانونا فمن المسؤول عن إرتكاب مثل هذه المحرمات ؟ و في حالة إكتشاف الجريمة من يتابع ؟ و هل تسقط الجريمة بالتقادم ؟و نذكر في هذا السياق المثال التالي :" رسالة جاءت إلى لجنة الفتوى بالأزهر من سيدة تقول فيها ،أنها تزوجت من رجل عرفيا و بعقد غير موثق إنتظرت لتحسن ظروفه المادية و بعد عشرة استمرت خمس سنوات أنجبت خلالها طفلا إختفى الزوج فجأة و هرب تركها وحدها مع إبنها ،و بعد فترة تقدم إليها رجل كريم للزواج منها و أخبرته أن هذا الطفل (إبنها من الزواج العرفي) إبن أختها التي توفيت هي وزوجها في حادث ، ووافق الرجل على تقبل الطفل إبنا له ونسبه لنفسه وكبر الإبن ودخل الجامعة وجاء يعرض الزواج من زميلة له بالجامعة ووافقته على ذلك ، وفي زيارتي لبيت زميلة إبني رأيت صورة أبيها وكانت المفاجاة التي لا يتوقعها بشر إذ أنه والد إبني الذي تزوجني عرفيا وهرب ، ورفضت هذه الزيجة بدون إبداء الأسباب وأمام إصرار إبني وافقت وتزوج زميلته التي هي كانت أخته وأنجب منها طفلة … " (1) .
وإن كانت هذه الواقعة قد حدثة في مصر غير أنه ليس هناك ما يمنع وقوعها في مجتمعنا خاصة مع توافر كامل الظروف لحصولها إذ أنه ليس هناك أي عقوبات ردعية توجب تسجيل عقود الزواج والميلاد .



(1) فارس محمد عمران ، الزواج العرفي وصور أخرى للزواج غير الرسمي ، دار الجامعة الجديدة ، جمهورية مصر العربية، 2001 ، ص 36 – 37 .


4 - الإحصائيات :
حيث أنه وعلى مستوى البلديات والمستشفيات توجد مصلحة الحالة المدنية التي تقوم بالإحصائيات الدورية والتي تتعلق بالميلاد والزواج والوفاة وهذه الإحصائيات تسجل في السجلات الخاصة بكل فرع ، غير أن عدم التصريح وتسجيل عقد الزواج العرفي يجعل هذه الإحصائيات تتناقض مع الواقع ، وبالتالي تعطل الأهداف التي من أجلها اجريت هذه الإحصائيات والتي من بينها وضع ميزانية الدولة ، وإحصاء نسبة النمو الديمغرافي ، وتعداد الكثافة السكانية ، وإكتشاف الأمراض .

5- الإحتجاج بالعقد العرفي :
إن هذا العقد المعترف به من الناحية القانونية والشرعية ، غير أنه لا يمكن الإحتجاج به من طرف الزوجين إلا بعد تسجيله- كما سبق القول - لكن هل يمكن للغير الإحتجاج به وطلب تثبيته ؟
كأن يتزوج شخص زواجا رسميا ثم بعد ذلك يتزوج زواجا عرفيا، دون أن يعلم زوجته الأولى كما يستوجب القانون في المادة الثامنة من قانون الأسرة ، وحيث أن الزواج دون إعلام الزوجة يخول لها الحق في طلب التطليق .
فهل لهذه الزوجة حق المطالبة بإثبات عقد الزواج وهي طرف أجنبي عن هذا العقد للحصول على حقها في التطليق ؟ أم أن هذا الحق مخول فقط لطرفي العقد وهل يمكن للزوجة أن تتقدم بدعوى التطليق مؤسسة دعواها على هذا الزواج أم أن دعواها ترفض لعدم تأسيسها ؟
هذه بعض الآثار التي تنتج عن الزواج العرفي الذي يغفل فيه التسجيل في سجلات الحالة المدنية ، وهذا الإجراء على بساطته يمكنه أن يغني الأفراد عن اللجوء إلى إجراءات أخرى أكثر تعقيدا من أجل تسجيل زواجهم خاصة عندما يتعرضون إلى مشكلة ما سببها تقديم نسخة من شهادة عقد الزواج ، ولهذا فإنهم يلجؤون إلى إثباته وتسجيله وهو ماسنتطرق إليه في الفصل الموالي .




الفصــــل الثانـــــي :
إثبــات عقــــد الــزواج العرفــي وإجــراءات تسجيلـــه



إذا كان الزواج قد إنعقد بطريقة رسمية ، مستوفيا بذلك الإجراءات الشكلية من حيث تسجيله ، فإنه بهذه الطريقة لا يطرح أي إشكال من حيث إثباته ، إذ يثبت بواسطة مستخرج من سجل الحالة المدنية ، لكن الإشكال يطرح إذا ما تم عقد الزواج عرفيا ووفقا للأحكام الشريعة الإسلامية فكيف يثبت هذا الزواج ؟ وماهي إجراءات تسجيله وهو ماسنتطرق إليه من خلال مبحثين نعالج في الأول الطرق المتبعة لإثبات عقد الزواج العرفي ، أما المبحث الثاني سنتطرق فيه للإجراءات المتبعة في تسجيله .

المبحـــــث الأول :
إثبات عقــد الـــزواج الـعــــرفي

إذا كانت ضرورة تسجيل عقد الزواج قد فرضتها المشاكل المتعددة الناتجة عن الزواج العرفي ، فإن الزواج في الحالات العادية يثبت بمستخرج من سجل الحالة المدنية وهو ما نصت عليه المادة 22 من قانون الأسرة أنه : " يثبت الزواج بمستخرج من سجل الحالة المدنية وفي حالة عدم تسجيله يثبت بحكم إذا توافرت أركانه وفقا لهذا القانون ، ويتم تسجيله بالحالة المدنية " .





إذن وحسب هذه المادة فإن الزواج يثبت في الحالات العادية بمستخرج من سجل الحالة المدنية ،لكن الإشكال الذي يطرح هو إنعقاد الزواج بطريقة عرفية بمجرد توفر الأركان المتطلبة شرعا و دون تسجيله في السجلات المعدة لذلك فكيف يتم إثبات هذا الزواج ؟

بإعتبار أن عقد الزواج يعد من أخطر العقود التي يبرمها الإنسان في حياته و من أهم التصرفات ذات الشأن العظيم لما يشتمل عليه من تكاليف و إلتزامات و ما ينتج عنه من آثار ، لدى فقد خصته كل من الشريعة الإسلامية، و المشرع الجزائري بقواعد تنظمه . لذلك نتطرق في هذا المبحث إلى القواعد التي تنظم عقد الزواج العرفي من حيث إثباته ، و ذلك من خلال زاويتين :
زاوية الشريعة الإسلامية ، و كيف نظرت إلى إثبات واقعة الزواج إذا ما أنكرها أحد الطرفين .
وزاوية المشرع الجزائري في القانون المدني المنظم لوسائل الإثبات المدنية ، وكيفية تعامل القضاة عمليا مع مسائل إثبات الزواج العرفي مع تدعيم كل ذلك بأهم القرارات الصادرة عن المحكمة العليا في هذا الشأن .
فمـن ناحيـة الشريعـة الإسلاميـة فـإن وسـائل و أدلـة الإثبــات تعـرف عـدة تقسيمـات :
فتنقسم الأدلة إلى عامة وخاصة ، فالعامة هي التي تثبت بها كافة الوقائع ، ومنها الشهادة والإقرار والكتابة والمعاينة والخبرة فهذه الأدلة تثبت بها الحقوق المالية والأحوال الشخصية والحدود .
أما الأدلة الخاصة فتقبل في حالات معينة دون غيرها ، فاليمين مثلا لا يقبل في الحدود والقرائن لاتقبل في الحدود والقصاص وهكذا .
وتنقسم الأدلة إلى مباشرة وغير مباشرة ، فالمباشرة هي التي تؤدي إلى الإثبات المطلوب مباشرة كالإقرار والشهادة واليمين .
غير المباشرة وهي التي تؤدي إلى الإثبات عن طريق غيرها من الأدلة كاليمين المردودة مثلا .
كما تنقسم إلى ملزمة وغير ملزمة ( بالنسبة للقاضي ) ، فالملزمة هي التي حدد لها الشارع قوتها من حيث الإثبات فإذا تحققت أمام القاضي وجب الأخذ بها ، ومن أمثلتها الشهادة والإقرار واليمين .
أما الوسائل غير الملزمة ، فهي وسائل يكون فيها للقاضي حرية تحليل واسعة لإستنباط الحقيقة من الدليل ، ومن أمثلتها القرائن والمعاينة .
وتنقسم الأدلة أيضا إلى متعدية وقاصرة بالنظر إلى مدى حجيتها ، فالمتعدية تكون حجة على الكافة كالكتابة والشهادة والقرائن والمعاينة والخبرة .
أما القاصرة فلا تكون حجة إلا بالنسبة لشخص معين صدرت عنه ومنها الإقرار واليمين .
وتنقسم الأدلة إلى وسائل حقيقية وأخرى مجازية ، فالحقيقية كالكتابة والشهادة والمعاينة والخبرة تؤكد الواقعة المتنازع عليها .
أما المجازية فهي لا تثبت الواقعة مباشرة ، وإنما تعفي المدعي من الإثبات أو تنقل عبئه إلى الطرف الأخر كالقرائن واليمين .

فإذا كانت الشريعة الاسلامية تعتمد في إثبات الزواج على واحدة من الطرق الثلاثة التالية وهي : الإقرار والبينة والنكول عن اليمين (أي الإمتناع عنه) ، فإن إدعى أحد الزوجين الزواج أو أمر يتعلق به كالمهر والنفقة مثلا ، فإن أقر الطرف الآخر ثبت لأن الإقرار حجة على المقر فإن لم يقر طولب المدعي بالبينة ، فإن أتى بشهود يشهدون على دعواه ثبت العقد فإن عجز المدعي عن إقامة البينة وجهت اليمين إلى الطرف الأخر المنكل فإن حلفها أعتبرت الدعوى مرفوضة لكن يصح تجديدها إذا وجد المدعي شهودا يشهدون له ، أما إذا إمتنع المنكل عن اليمين قضى بثبوت الزواج لإن النكول إقرار .
لكن إتجاه محاكمنا ومجالسنا القضائية بما في ذلك إتجاه المحكمة العليا لم يتبع هذا التدرج بل جعل سيدة الأدلة في إثبات وجود واقعة الزواج العرفي هي البينـــــة ( شهادة الشهود Preuve testimoniale ) سواء كانت شهادة عيان أو شهادة سماع .


وسنرى فيما يلي كل دليل من الأدلة السابقة في مطلب مستقل وإتجاه كل من الشريعة الإسلامية و القضاء الجزائري حيالها .

المطلــــــــب الأول :
الإقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرار

الإقرار بوجه عام هو واقعة مادية تنطوي على تصرف قانوني مفادها إعتراف شخص بحق عليه لآخر ، سواء قصد ترتيب هذا الحق أو لم يقصد (1) .
أما الإقرار حسب المادة 341 من القانون المدني الجزائري :" الإقرار هو اعتراف الخصم أمام القضاء بواقعة قانونية مدعى بها عليه وذلك أثناء سير الدعوى المتعلقة بها الواقعة "
أما الإقرار حسب الإمام أبو زهرة هو حجة قاصرة على المقر لا تتعداه إلى من يتعدى إليه الحكم بالبينة ، بل لابد من إثبات آخر ، وهو نفس التعريف الذي ذهب إليه فارس عمران محمد عمران .
وينقسم الإقرار حسب القواعد العامة للإثبات إلى نوعين : إقرار غير قضائي وإقرار قضائي .

1 - الإقرار غير القضائي : هو ذلك الإقرار الذي تم خارج مجلس القضاء كأن يقر فلان أن فلانة زوجته خارج مجلس القضاء سواءا أكان ذلك كتابة أم شفاهة ، وسلطة التقدير لمثل هذا الإقرار موكلة للقاضي ، يقدرها وفقا لظروف الدعوى و ملابساتها .
ويظهر مثل هذا النوع من الإقرار في الزواج العرفي ، عند تحرير الموثق لما يسمى بعقد لفيف الزواج في الحالة التي يكون فيها أحد الزوجين على قيد الحياة ويتم تحريره بناءا على طلب أحد الزوجين أو الأبناء أو الآباء أومن له مصلحة .



(1) عبد الرزاق أحمد السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني ، الجزء الثاني ، المجلد الأول ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1982 ، ص 410 .

كمـا يظهر الإقرار غير القضائي أثناء تحرير الموثق لما يسمى بعقد الإقرار بزواج بناءا على طلب الزوجين معا وبالإرادة الحرة لكل منهما ، وليس بالإرادة المنفردة لأحدهما .
وعمليا نجد أن محاكمنا تعتمد على ما جاء في هذه العقود من إقرارات لتدعم بها التحقيق الذي تهدف من خلاله لتثبيت واقعة الزواج العرفي ، وسنرى الإجراءات المتبعة في هذا الشأن لاحقا، لكن السؤال المطروح هو كيف يعتد بمثل هذه التصريحات والتي تمت أمام الموثق خبير وليس أمام القاضي ؟ بينما تعتبر المحكمة العليا كل تحقيق لم يجره القاضي ليس بمثابة تحقيق قضائي أي أنها لا تعتد في إثبات الزواج العرفي بالإقرارات غير القضائية التي تم التصريح بها خارج مجلس القضاء وهذا بقرار صادر في 11/12/1989.


2 – الإقـرار القضائي : فهو إعتراف الخصم أمام القضاء بواقعة قانونية مدعى بها عليه ، كأن يقف الزوج أمام القاضي ويقر بقيام علاقة زوجية بينه وبين المدعى عليها ، فما حجية هذا الإقرار وما مدى قوته الثبوتية في إثبات الزواج العرفي ؟

3 – حجيـة الإقرار : سنعالـج هـذه الحجيـة مـن الناحيـة الفقهيـة ومـن الناحيــة القانونيــة :
أما من الناحية الفقهية : فإن جمهور الفقهاء إعتبره حجة قاصرة على المقر وحده ولا تتعداه إلى غيره ، إلا أنهم إعتبروه وسيلة كافية في حد ذاته لإثبات الزواج إذا ما أقر به أحد الطرفين .
فيقول الإمام أبو زهرة : " إذا تداعى شخصان رجل وإمرأة بشأن وجود الزواج ، فإدعى الرجل وجوده تسأل المرأة فإن أقرت قضى بالزواج وثبت بتصادقهما ، وإن أنكر فإن عجز عن البينة وجهت اليمين إلى المرأة على رأي الصاحبين" (1) .


(1) الإمام أبوزهرة ، الأحوال الشخصية ، ص 17 .
ويقول فارس محمد عمران وهو يتحدث عن إثبات الزواج العرفي :" الإثبات يكون بواحدة من ثلاث وسائل كما هو مقرر في الفقه الحنفي :البينة - الإقرار - النكول على اليمين "(1) .
وقد إختلـف الفقهاء حـول إقرار ولي القاصر ، فـنهم من أجاز إقرار الـولي على النفس بالزواج إن كان هو الذي تولاه ، وذهبت طائفة أخرى منهم وجعلت إقرار الولي بزواج القاصر موقوف إلى غاية بلوغ القاصر، إن صدقه ينفذ إقراره ، وإن أنكره أبطل إقراره (2).
نستنتج مما سبق ذكره أن الفقه الإسلامي رغم إعتباره أن حجية الإقرار قاصرة على المقر وحده ولا تتعدى لغيره إلا أنه إعتبره وسيلة كافية في حد ذاتها لإثبات واقعة الزواج العرفي ، فإن رفض أحد الطرفين الإقرار يكون الاتجاه للبينة ، فإن عجزت البينة وجهت اليمين .
في حين نجد أن المشرع الجزائري قد نص صراحة في المادة 342 الفقرة الأولى من القانون المدني على أن : " الإقرار حجة قاطعة على المقر " .
معنى ذلك أن الواقعة التي أقر بها الخصم تصبح في غير حاجة إلى الإثبات ، لكن على من تقتصر هذه الحجية ؟
إن الإقرار هو حجة على المقر والخلف العام ولا تتعداه إلى غيرهما :
فإذا كان الإقرار تصرف قانوني يقتصر أثره على المقر و يتعدى إلى ورثته بصفتهم خلفا عاما له ، فإن الإقرار بواقعة الزواج يكون صحيحا و ملزما لكل من الزوج والزوجة وورثتهما حتى يقيموا الدليل على عدم صحته ، ولا يتعداهم إلى الغير .
لذلك فإن محاكمنا ومجالسنا القضائية لا تعتد بالإقرار كوسيلة كافية في حد ذاتها لإثبات واقعة الزواج العرفي ، وذلك لما يتميز به هذا العقد من خصوصية و طابع إجتماعي لانكاد نلتمسه في باقي العقود الأخرى .

(1) فارس محمد عمران ، المرجع السابق ، ص 41 .
(2) الإمام أبو زهرة ، المرجع السابق ، ص 18 .


فما فائدة إثبات الزواج العرفي إعتمادا على وسيلة الإقرار ، ولا يكون بعدها إلا حجة على المقر وورثته ؟ في حين أن الزواج في حد ذاته يتطلب الإعلان والإشهار، وعلم الناس به لغلق منافذ الظن والخوض في الأعراض ، والتقول على المتزوجين عرفيا ورميهم بالزنا من طرف الناس الذين لم يصل إلى علمهم زواج هؤلاء كون الإقرار لا يتعداهم .
فالطرفين وهما يلجآن إلى القضاء لإثبات الزواج هدفهما في ذلك هو إعلانه وإشهاره للكافة والإقرار غير كاف ليؤدي هذه المهمة ، وهو ما أخذت به محكمة الجلفة في حكم لها صادر بتاريخ 06/12/1997 رقم 602/97 أهم ما جاء في وقائع القضية كون المدعي متزوج عرفيا بالمدعى عليها ، وقد أقر الطرفان بواقعة الزواج العرفي التي تمت سنة 1995 و إلتمس كل منهما من المحكمة الحكم بتسجيل عقد الزواج لدى مصالح الحالة المدنية وقد كان تسبيب الحكم ومنطوقه كالتالي : " … حيث أن المحكمة أجلت القضية لعدة جلسات من أجل إحضار الشهود لإجراء تحقيق على واقعة الزواج العرفي المبرم بين المدعي والمدعى عليها ولم يحضرا .
حيث أن طلب المدعي بالإشهاد على الزواج العرفي غير مؤسس كونه لم يقدم للمحكمة ما يثبت الواقعة من شهود مما يتعين معه رفض الطلب .
وعليه قضت المحكمة برفض الدعوى لعدم التأسيس " (ملحق رقم 12) .

من خلال هذا الحكم وغيره من الأحكام نستنتج عدم أخذ القضاة بالإقرار كوسيلة كافية في حد ذاتها لإثبات الزواج العرفي ، لهذا نتطرق إلى الوسيلة الثانية التي تراها المحاكم والمجالس القضائية أكثر أهمية ، وأنجح من حيث القوة الثبوتية ، وهي البينة أو ما يسمى بشهادة الشهود .







المطلـــب الثانـــــي :
الشهـــــــــــادة ( البينـــــــــة )

للبينة معنيان ، معنى عام وهو الدليل أيا كان كتابة أو شهادة أو قرائن ، فإذا قلنا البينة على من إدعى و اليمين على من أنكر فإنما نقصد هنا البينة بهذا المعنى العام .
أما المعنى الخاص ، فهو شهادة الشهود دون غيرها من الأدلة ، وقد كانت الشهادة في الماضي هي الدليل الغالب ، وكانت الأدلة الأخرى من الندرة إلى حد أنها لا تذكر إلى جانب الشهادة ، فإنصرف لفظ " البينة" إلى الشهادة دون غيرها.

1- أنـواع البينـة :
أ - الشهادة المباشرة : الأصل في الشهادة أن تكون شهادة مباشرة ، فيقول الشاهد ما وقع تحت بصره أو سمعه ، فالذي يميز الشاهد إذن هو أنه يشهد على وقائع عرفها معرفة شخصية إما لأنه رآها بعينه ، فجاء إلى مجلس القضاء ليشهد بما رأى، أو سمعها بأذنه فجاء إلى مجلس القضاء ليشهد بما سمع وإما لأنه رأى وسمع .
وتكون الشهادة عادة شفوية يستمدها الشاهد من ذاكرته ليقول ما رآه أو سمعه من الوقائع المتعلقة بالدعوى ، ومع ذلك قد يكتفي في ظروف إستثنائية بتلاوة شهادته المكتوبة أو بضم هذه الشهادة المكتوبة إلى ملف القضية للإعتداد بها .
إذا كانت الشهادة المباشرة هي الصورة الغالبة للشهادة ، كأن يدلي الشاهد بما عاينه بصورة شخصية ومباشرة أثناء إنشاء واقعة الزواج العرفي بما في ذلك معرفته لطرفي العقد من زوج وزوجة ومكان و زمان وظروف إبرام عقد الزواج من رضا الزوجين ووجود الولي وتسمية الصداق (1) .



(1) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية، 24/09/1984 ، مجلة قضائية.1984 ، العدد 01 ، ص 64 .

فإنه ومع ذلك يوجد إلى جانب هذه الشهادة المباشرة ، الشهادة السماعية (Temoignage Indirect ) والشهادة بالتسامع (commune renommée ).

ب - الشهادة السماعية : وتسمى أيضا بالشهادة من الدرجة الثانية ويشهد فيها الشاهد بما سمعه من غيره ، وتسمى في الفقه الإسلامي بالشهادة عن الشهادة ، فالشاهد هنا يشهد أنه سمع بواقعة يرويها له شاهد رآها بعينه وسمعها بأذنه ، كأن يشهد شخص أمام القاضي أنه سمع شخصا آخر يروي له أن فلان تزوج بفلانة .
والشهادة السماعية جائزة حيث تجوز الشهادة الأصلية ، وفي الفقه الإسلامي الشهادة على الشهادة لاتجوز إلا بالإنابة ، فإذا سمع شاهد فكانت شهادته سماعية فهي لا تقبل منه إلا إذا أشهده فيها الشاهد الأصلي ، ويقدر القاضي قيمة الشهادة السماعية ولا سلطان لأحد عليه في ذلك.

ج - الشهادة بالتسامع : هي شهادة بما يتسامعه الناس (OUI-DIRE) و هي عكس الشهادة السماعية التي يمكن تحري مصدر الصدق فيهاوتحميل صاحبها مسؤولية شخصية فيما سمعه بنفسه عن غيره ، فالشهادة بالتسامع صاحبها لا يروي عن شخص معين ولا عن الواقعة بالذات ، بل يشهد بما يتسامعه الناس عن هذه الواقعة وما شاع بين الجماهير في شأنها ، فهي غير قابلة للتحري ولا يتحمل صاحبها مسؤولية شخصية فيما شهد به ، كالقول مثلا :"قيل أن فلان تزوج فلانة " (1) .

وقد أجازت الشريعة الإسلامية هذه الشهادة لا سيما في مسألة إثبات الزواج لأنها ضرورة دعت إليها المصالح والحاجة الشديدة لا سيما إذا أثمر هذا الزواج إنجاب أطفال ، وهذا الإستحسان مرده أنها أمور يختص بمعاينة أسبابها خواص من الناس لا يطلع عليها إلا هم وقد تتعلق بأحكام تبقى على إنقضاء القرون كمسألة إثبات نسب الأبناء ومسائل الميراث .



(1) عبدالرزاق أحمد السنهوري ، المرجع السابق ، ص 413 .

أما بالنسبة للقضاء الجزائري فإن المحكمة العليا سارت في سياق أحكام الشريعة الإسلامية وأخذت بشهادة التسامع في العديد من قراراتها منها القرار الصادر بتاريخ 27/03/1989 الذي جاء فيه أنه :
"من المقرر شرعا أن الزواج لا يثبت إلا بشهادة العيان التي يشهد أصحابها أنهم حضروا قراءة الفاتحة أو حضروا زفاف الطرفين ، أو بشهادة السماع التي يشهد أصحابها أنهم سمعوا الشهود وغيرهم أن الطرفين كانا متزوجين ... فيما يتعلق بالسبب المستدل به على طلب نقض إثبات الزواج أو نفيه مما يستقل به قاضي الموضوع ويثبت إما بشهادة العيان وإما بشهادة السماع والطاعن لم يأت بأية واحدة من الشهادتين ، فلا هو أحضر رجالا حضروا قراءة الفاتحة و لا هو أحضر رجالا سمعوا قراءتها أو حضروا زفاف الطرفين ... كما أنه لم يأت ببينة إسماع يشهد أصحابها بأنهم سمعوا من الشهود أو غيرهم أنه كان زوج ( ب ز) ... لما كان من الثابت في قضية الحال أن الطاعن لم يأت بأي من شهادة العيان أو شهادة السماع لإثبات زواجه فإن قضاة الموضوع برفضهم دعوى إثبات الزواج العرفي أعطوا لقرارهم الأساس القانوني ومتى كان ذلك إستوجب رفض الطعن " (1) .

2 - شــروط آداء الشهادة :
1.2 - شروط ترجع إلى الشاهد :

* الولاية : يشترط الفقهاء أن يكون الشاهد من أهل دين المشهود عليه فلا ولاية لغير المسلم على مسلم .

* أن لا يكون الشاهد غير مقبول الشهادة شرعا : لقوله صلى الله عليه وسلم : " لا شهادة لمتهم " ، و التهمة إما أن تكون فسق الشاهد ، أو وجود صلة خاصة بينه وبين المشهود عليه ، النائحة ، المغنية ، مدمن الشرب و المخنث ومن يقامر بالنرد والشطرنج ... (2) ، أي كل من لا تفترض فيه العدالة ويكون معروفا بسوء السيرة وذهاب الأخلاق .

(1) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، 27/03/1989 ، مجلة قضائية ، 1990 ، العدد 03 ، ص 82
(2) عبد الحميد الشواربي ، الشهادة في المواد المدنية والتجارية والجنائية والأحوال الشخصية ، دار المطبوعات الجامعية ، الإسكندرية ، 1992 ، ص 357 .



* الأهلية : أي ينبغي أن يكون الشاهد بالغا وقت آداء الشهادة .
بالنسبة للمشرع الجزائري بالإضافة لإحالته لقواعد الشريعة الإسلامية فيما يخص شروط الشاهد ، فإنه وضح في المادة 64 من قانون الإجراءات المدنية من تجوز شهادتهم في إثبات الزواج العرفي فإنه بإستثناء الأبناء يجوز قبول شهادة أقارب الزوجين أو أصهارهم على عمود النسب أو أحد الزوجين ولو بعد الطلاق ، أو إخوة أو أخوات أو أبناء عمومة الخصمين للشهادة في الزواج العرفي .

لكن إتجاه المحكمة العليا في هذه النقطة كان متذبذبا فكانت في قرار لها ترفض شهادة الأقارب في الزواج والنسب وفي قرار آخر لها سلكت عكس الاتجاه الأول .

فأصدرت المحكمة العليا قرار قضت فيه : " من المقرر قانونا أنه لا يجوز سماع شهادة أقارب أحد الخصوم أو أصهارهم على عمود النسب ، ومن ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خرقا للقانون " (1) .

إلا أنه وفي نفس المسألة صدر قرار جديد عن المحكمة العليا بتاريخ 28/10/1997 يقضي بأنه " يجوز في الدعوى الخاصة بمسائل الحالة والطلاق إستدعاء إخوة الخصوم للشهادة لإثبات الزواج وليس سماعهم على سبيل الاستدلال فقط " (2) .

إذن وحسب المادة 64/3 من قانون الإجراءات المدنية فللقاضي أثناء التحقيق أن يعتمد على شهادة أقارب الزوجة كأشقائها للتأكد من زواجها بالمدعى عليه ، وهو الأمر الذي جعل المحكمة العليا تتراجع عن إتجاهها الأول في إستبعاد شهادة الأقارب وجعلها ضرورية ليست على سبيل الإستدلال فحسب بل وكدليل كاف لإثبات عقد الزواج العرفي.






(1) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، مجلة قضائية ، 1993 ، العدد 02 ، ص 37 .
(2) نشرة القضاة ، 1999 ، العدد 55 ، ص 175 .


ونحن من جهتنا نرجح الإتجاه الثاني الذي ذهبت إليه المحكمة العليا وذلك لسببين إثنين هما :
1 – أن المادة 223 من قانون الاسرة تنص على أن تلغى جميع الأحكام المخالفة لهذا القانون ، والمادة 64 الفقرة الثالثة من قانون الإجراءات المدنية لم تأت مخالفة لقانون الأسرة ، بل بالعكس فقد جاءت مدعمة له وموضحة لمن تجوز لهم الشهادة في مسألة من أهم مسائل الأحوال الشخصية وهي واقعة الزواج .
2 – أن الشريعة الإسلامية تقبل في أحكامها شهادة الأقارب وخاصة في مسألة إثبات النكاح .
2.2 - شروط ترجع إلى الشهادة :
* أن تكون الشهادة مطابقة للوقائع المادية .
* أن تكون الشهادة موافقة للدعوى : فلا تقبل الشهادة المنفردة عن الدعوى فإذا كنا بصدد دعوى لإثبات الزواج العرفي ، فيجب أن تنصب الشهادة على واقعة الزواج العرفي دون غيرها .
فلا يشهد الشاهد مثلا على وجود أولاد بين فلان وفلانة ، لأن ذلك ليس قرينة على حصول زواج شرعي مكتمل الأركان.
* أن تكون شهادة الشاهدين متوافقة ، لأن بإختلافهما لم يكتمل نصاب الشهادة ولا يجب أن تكون هذه الموافقة تامة بل يمكن أن تكون ضمنية ، كأن يشهد الشاهد الأول بأنه حضر زواج فلانة بفلان في شهر جويلية من سنة 1998 ، ويصرح الشاهد الثاني بنفس السنة دون ذكر الشهر ، أو كأن يشهد شاهد في عقد زواج عرفي أن فلانة زوّجها وليها لفلان على صداق قدره أربعين ألف دينار، ويشهد الثاني بنفس الشيء دون أن يحدد قيمة الصداق .
ففي الحالتين يقبل القاضي الشهادتين ما دام الفرق في قولهما لا يصل إلى حد التعارض، ويبقى فقط على القاضي تقدير مدى توافر الشهادة على الشروط المقررة شرعا ومدى كمالها ووضوحها ودقتها لإستخلاص الأركان الواجب توفرها لإبرام عقد الزواج العرفي ومن ثمة الأخذ بها لقبول تسجيل واقعة الزواج العرفي أو رفضها .


وقد جاء في قرارات المحكمة العليا أن الزواج العرفي لا يمكن إثباته بواسطة شهادة متناقضة ، وأهم ما جاء في هذا القرار :
" من المقرر شرعا أن التناقض في الشهادة يزيل أثرها ويمنع بناء الحكم عليها ومن ثمة فإن القضاء بخلاف ذلك يعد خرقا لأحكام الشريعة الإسلامية ... وإذا كان إثبات الزواج أو نفيه يرجع لسلطة قضاء الموضوع ، فإن ذلك يوجب أن تبقى على بينة لا يدخل فيها الشك ولا يحيط بها الإحتمال ، ليست متناقضة ولا ناقصة.
وبالرجوع إلى أقوال الشهود الذين إستمع المجلس لهم خاصة منهما (ب.س)و(د.س) واللذان شهدا بشيء مغاير لما شهدا به أمام المحكمة فشهادتهما لا تتضمن أنهما حضرا قراءة الفاتحة وبمحضر والد الطاعن وشخصين آخرين جاءا رفقته كما لم يشهدا بقدر الصداق بل لم يذكرانه أصلا ، بينما أمام المجلس جاءا بهذه الرواية وهذا التناقض بين شهادتهما في كل من المحكمة والمجلس يرفع عنهما الحجية ويستبعد العمل بها شرعا لإنعدامها، بذلك فالتناقض في الشهادة يزيل أثرها ويمنع بناء الحكم عليها لإحتمال صدقها و كذبها ومن إحتمال هذا وذلك سقط به الإستدلال.
لذا لم يبق من الشهود سوى (ع-ع) الذي تعد شهادته مقبولة ، لكن الزواج ليس مما يثبت بالشاهد الواحد مع اليمين ، وكان على المجلس أن يتعرف على الشخصين اللذين رافقا والد الطاعن إن لم يكونا من الأشخاص الذين استمعت المحكمة لهم فقد يجد في أقوالهما ما يزكي أقوال هذا الشاهد ، وبما أنه لم يفعل وإعتمد في إثبات الزواج على بينة ناقصة فإنه حاد على القانون وعرض بذلك قراره للنقض " (1).

3.2 - شروط ترجع إلى المشهود به:
يشترط أن يكون المشهود به معلوما للشاهد ، فلا يصلح للشاهد أن يشهد بشيء حتى يحصل له به علم ، لا بما شك فيه ولا بما يغلب الظن على معرفته لأن فائدة الشهادة إلزام المدعى عليه (2) .



(1) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، مجلة قضائية ، 1991 ، العدد 01 .
(2) عبد الحميد الشواربي، المرجع السابق ، ص 166 .


فلا يشهد الشاهد مثلا أن فلانة زوجة فلان بانيا إعتقاده هذا من خلال رأيته لهما وهما يسكنان نفس البيت ، ويتعاملان كما يتعامل الأزواج وهو ما إتجهت إليه المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 30/04/1990 الذي جاء فيه :
"من المقرر شرعا وقانونا أن الزواج الشرعي يقوم على العلانية والشهرة ومراعاة أركانه وشروطه ... والزواج العرفي ما يزال معمول به متى توافرت فيه الشروط والأركان ، والطاعنة عجزت عن إثبات زواجها رغم محاولات الشهود لها بالزواج وأدينوا معها في جريمة التزوير ، فمعاشرة رجل لإمرأة طالت مدتها أو قصرت ، ولو وقع الإشهاد بها لا تعد زواجا ... " (1).

4.2 – نصـاب الشهـادة :
إن نصاب الشهادة حسب الشريعة الإسلامية يختلف بإختلاف المشهود به وقد قسم فقهاء الشريعة الإسلامية المشهود به إلى أربعة أقسام نذكر منها ما يهم موضوعنا .
فإن كان المشهود به ما تثبت به الحقوق مع الشبهات سواء كان الحق مالا أو غير مال كالبيع ، النكاح ، الطلاق ، العدة ، النسب فنصاب الشهادة هنا رجلان أو رجل وإمرأتين، لقوله تعالى:" فإن لم يكونا رجلين فرجل وإمرأتان " (2) .

وقد أخذ القضاء الجزائري بهذا النصاب ، ونذكر في هذا الصدد قرار المحكمة العليا مؤرخ في 15/12/1986 أهم ما جاء فيه :

"من القواعد المقررة شرعا أن التنازع في الزوجية إذا إدعاها أحدهما وأنكرها الآخر فإن إثباتها يكون بالبينة القاطعة تشهد بمعاينة العقد أو السماع الفاشي ، والشهادة المعتبرة في الزواج هي شهادة عدلين ذكرين ومن ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد مخالفا لأحكام الشريعة الإسلامية ، حيث ثبت لها في القضية أن القرار المطعون فيه جاء خاليا



(1) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، 30/04/1990 ، مجلة قضائية ، 1992 ، العدد 02 ، ص64 .
(2) عبد الحميد الشواربي ، المرجع السابق ، ص 376 .


من أية بينة تدل على وجود الزواج سوى أقوال إمرأتين لا يعتد بشهادتهما في إثبات الزواج شرعا ، فإن تقريره بوجود الزواج يعد مخالفا لأحكام الشريعة الإسلامية ومخطأ في فهم أنواع الشهادات في الفقه مما استوجب النقض ." (1)

5.2 - آداء الشهـــادة :
إن سماع الشهود يكون أمام المحكمة ، طبقا للأوضاع المقررة قانونا لذلك ، فلا عبرة بأي شهادة يحصل الإدلاء بها خارج مجلس القضاء ولو كان ذلك أمام موظف عام مهما علت درجته طالما أنه ليست له ولاية القضاء ، وهذا ما إتجهت إليه المحكمة العليا في قرار لها صادر بتاريخ 11/12/1989 أهم ما جاء فيه :
" من المقرر شرعا أن الشهادة الشرعية في إثبات الحق أو نفيه عن الشخص هي التي تؤدى أمام القاضي ويتخذ في شأنها إجراءات نص القانون عليها كتحليفهم ومعرفة ما إذا كانوا أهلا للشهادة والتحقق من توفر شروط الآداء فيهم ، وهناك شهادة أخرى يشهد أصحابها أمام موظف مختص لتلقي شهادات معمول بها قضاءا ، ويحكم بناءا عليها ، ومن القضاة من يحضر أمامه أشخاص هذه البينة التي تلقاها الموثق ، ويحلفهم قبل أن يحكم بما شهدوا .

وعليه فإذا لم يكن في القضية سوى الإثبات بالبينة ، فالقاضي هو الذي يستمع للشهود ، فإن استمع إليهم غيره وبنى حكمه على شهادتهم كما هو الحال هنا فإن حكمه يكون قائما على غير أساس قانوني .

فالخبيـر ليـس مـن مهمتـه سمـاع الشهود أو إعطاء رأيه في شهادتهم و إلا فإنه يكون قد سلب سلطة القاضـي وحـل محلـه ، وهـذا غيـر جائـز قانـونا ، فالأمـر يتعلـق بالإقنـاع الـذي يكـون مـن الحجـج الشرعيـة أو البينـة الشرعيـة والقرار المطعون فيه جاء صـادر علـى الحكـم الـذي إعتمـد علـى أقـوال أشخـاص لـم يتخــذ فـي شأنهـا مـا هـو مطلـوب قانـونا وقبلــت بعيـدا عـن المحكمـة ،



(1) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، 15/12/1986 ، مجلة قضائية ، 1993 ، العدد 02 ، ص 57 .


فإنه خالف النصوص القانونية وإنتهك القواعد الشرعية وعرضوا قرارهم لعدم التأسيس القانوني ، ومتى كان كذلك استوجب نقض القرار المطعون فيه " .(1)

أما دور القاضي حيال الشهود فيتمثل في استفسارهم عما إذا حضروا مجلس العقد ويتأكد من عددهم حتى يحترم نصاب الشهادة ، ويتأكد من هوية الشاهد الكاملة من خلال بطاقة التعريف ، ودرجة القرابة بالخصوم ، ثم يتم تحليف الشاهد اليمين القانونية على أن لا يقول غير الحق ، ثم يتم سماعه على محضر سماع الشهود الذي يدون فيه هوية الشاهد الكاملة من إسم ولقب ومهنة وسن وموطن ودرجة قرابته بالخصوم مع الإشارة لتأدية اليمين القانونية .

بعدها يقوم القاضي باستفسار الشهود عن معرفتهم للخصوم ، وفيما إذا حضروا فاتحة الزواج أم حفل الزفاف ، ومن تولى العقد كولي للزوجة ، و يسألهم عن التاريخ أو السنة التي تم فيها الزواج العرفي لاسيما إن كانت الشهادة سماعية وعن مكان إبرام عقد الزواج العرفي ، كما يستفسرهم عن مقدار الصداق المقدم وهل هو مؤجل أو معجل .

وعلى القاضي وهو بصدد الاستماع للشهود أن يحكّم ذكاءه وخبرته ، وأن يدقق في كل كبيرة وصغيرة صرح بها الشاهد و يقارن بين تصريحات الشهود عساه يجد تعارضا في أقوالهم ، وعليه أن يربط بين كل تلك التصريحات ليستنبط منها أخيرا أركان الزواج المذكورة في المادة التاسعة من قانون الأسرة ليقرر تثبيت الزواج العرفي من عدمه .

لكن الإشكال المطروح هو أنه : إذا كان من المفترض توفر عنصر العدالة وحسن السيرة والأخلاق لدى الشاهد ، فكيف يتأكد القاضي من توفر هذه العناصر في كل شاهد خاصة بالنظر إلى كثافة الملفات المعروضة أمامه ؟



(1) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، 11/12/1989 ، مجلة قضائية ، 1993 ، العدد 02 ، ص 61 .

6.2 - هل يجوز للشاهد أن يرجع عن شهادته ؟

حسب الشريعة الإسلامية فإنه يجوز للشاهد أن يرجع عن شهادته، ورجوعه صحيح و مقبول بشرط أن يكون في مجلس القضاء ، وتبرير ذلك أن رجوع الشاهد عما أدلى به إن كان كذبا هو عودة إلى الحق ، وقد إستدلوا بذلك عن رواية حدثت مع علي- رضي الله عنه - أين شهد عنده رجلين خطأ على رجل بالسرقة فقطعت يده ثم عادا وتراجعا عن أقوالهما متهمين رجل آخر وليس الرجل الأول فقال لهما علي- رضي الله عنه - : » لا أصدقكما على هذا الأخير ، وأضمنكما يد الأول ، ولو أني أعلمكما ، فقلتما ذلك عمدا قطعت أيديكما « ففي هذه الرواية دليل أن الرجوع عن الشهادة صحيح في حق الشاهد (1) .

فإذا سلطنا الضوء في هذه النقطة – رجوع الشاهد عن شهادته – على مسألة الزواج العرفي ، وإفترضنا أن القاضي أثبت الزواج بين فلان و فلانة بناءا على شهادة سماعية ، وصدر الحكم وإستوفى طرق الطعن و أصبح نهائيا ، ثم أتى نفس الشاهد الذي شهد بواقعة الزواج العرفي ورجع عن شهادته مبررا ذلك بأنه قد تم إيهامه أن فلانة هي
حقا زوجة فلان ، فما هو موقف القاضي هنا ؟

إذا كان رجوع الشاهد قبل صدور الحكم بتثبيت الزواج العرفي الحالي يستبعد القاضي شهادته ولا يقضي بها لبطلانها بتراجعه عنها ، وإن لم يصبح الحكم نهائيا ، فيجوز تصحيح الوضع على مستوى درجات التقاضي الأخرى ، لكن كيف يكون الوضع إن صار الحكم نهائيا ، ورتب آثاره كاملة خاصة إن كان الزوجين متوفيين فهل يجوز في هذه الحالة طرح المسألة من جديد على القضاء ، والتحقيق في هذا الزواج من جديد ؟




(1) عبد الحميد الشواربي ، المرجع السابق ، ص 428 .


وكيف سيكون موقف القاضي حيال الشاهد الذي تراجع عن شهادته كونه وقع ضحية إيهام من الغير على أن فلانة زوجة فلان ، فهل تتابع النيابة هذا الأخير جزائيا بتهمة شهادة الزور ؟ و كيف يكون ذلك ونحن نعلم حسب الشريعة الإسلامية و القواعد العامة للإثبات أن الشهادة السماعية لا تحمّل صاحبها المسؤولية الشخصية عما أدلى به لأنه نقل كلام عن غيره من الناس ، ولم ينقل واقعة عاينها بسمعه وبصره هو شخصيا.

في هذه المسألة بالذات يمكن إستنتاج الحل من خلال موقف المحكمة العليا التي إستقرت على أن الحكم القاضي بإثبات واقعة الزواج له حجية مؤقتة ، على خلاف بقية الأحكام التي لها حجية مطلقة ، وذلك في قرار لها صادر بتاريخ 15/12/1998 ، أهم ما جاء فيه :

" حيث أن إثبات واقعة الزواج ليس لها حجية الشيء المقضي فيه حسب مفهوم المادة 338 من القانون المدني ، بإعتبار واقعة الزواج العرفي لها حجية مؤقتة " (1) .

من خلال هذا القرار يمكن إستنتاج أنه متى توفرت الأدلة التي تؤدي إلى خلاف ما إنتهى إليه الحكم الذي إستوفى طرق الطعن ، يمكن رفع دعوى جديدة لنفي ما إنتهى إليه الحكم الأول .







(1) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، 15/12/1998 ، المجلة القضائية ، عدد خاص ، 2001 ، ص 56 .




المطلــب الثالـــــــث :
النكــــــول عــــــــن اليميـــــــــــن

1 – تعريف اليمين والنكول عنها :

اليمين بوجه عام هو قول يتخذ فيه الحالف الله شاهدا على صدق ما يقول أو على إنجاز ما يعد و يستنزل عقابه إذا ما حنث وهي عمل مدني وديني في نفس الوقت .
أما النكول عن أدائها فهو رفض من وجهت إليه اليمين حلفها ، فإذا نكل عنها خسر دعواه، وهو ما نصت عليه المادة 247 من القانون المدني : » كل من وجهت إليه اليمين فنكل عنها ... خسر دعواه « .

والنكول عن اليمين في الشريعة الإسلامية لا يعتد به عموما باستثناء بعض الفقهاء منهم الصاحبين الذين يتخذون النكول عن اليمين وسيلة كافية بحد ذاتها لإثبات واقعة الزواج العرفي .

حيث يقول الإمام أبو زهرة أنه : "عند فشل إثبات الزواج بكل من وسيلتي الإقرار و البينة ، توجه اليمين إلى المرأة - ويبين أن ذلك رأي الصاحبين – فإن حلفت رفضت دعوى الزوج ؛ وإن نكلت عن اليمين قضي عليها بالزواج ؛ لأن النكول إقرار على مذهب الصاحبين المفتى به في الفقه الحنفي " (1) .

ويؤكد الأستاذ فارس محمد عمران في إثبات الزواج العرفي أن النكول عن اليمين يوجه في الزواج عند الصاحبين (2) .


(1) الإمام أبو زهرة ،الأحوال الشخصية ، ص17.
(2) فارس محمد عمران ، المرجع السابق ، ص31.



2 – حجيــة اليميـن :

إن حجية اليمين في القواعد العامة للإثبات كالإقرار قاصرة على الحالف وورثته بصفتهم خلفا عاما له سواء كان ذلك عند الحلف أو عند النكول ولا تتعدى إلى الغير .

لذلك فإن موقف القضاء حيال اليمين هو عدم إعتبارها وسيلة كافية في حد ذاتها لإثبات واقعة الزواج العرفي .

ففي محاكمنا و مجالسنا القضائية لا يكون الإعتداد باليمين إلا في حالة وفاة أحد الزوجين أو وفاتهما معا ، ويتعين على القاضي توجيهها إلي المدعي بالإضافة إلى سماع شهادة الشهود الذين يؤكدون صحة إنعقاد الزواج العرفي وفقا للشريعة الإسلامية مع بيان توفر أركان المادة التاسعة من قانون الأسرة.

فإذا مات أحد الزوجين و إدعى الحي منهما الزوجية وليس له إلا شاهد واحد يشهد بالزوجية شهادة مفصلة قطعية يحدد فيها مبلغ الصداق المسمى و تأجيله أو تعجيله ، ومن تولى العقد فإن الزواج يثبت لكن مع يمين المدعي ، و هو الأمر الذي إستقرت عليه المحكمة العليا في قرار لها صادر بتاريخ : 23/09/1988 أهم ما جاء فيه :

» إذا كان من المبادئ الشرعية السائدة فقها وقضاء أن إثبات عقد الزواج في حالة وفاة أحد الزوجين يكون مؤسسا على شهادة شهود يؤكدون صحة إنعقاده وفقا للشريعة الإسلامية ، وأن الاكتفاء بشهادة ثلاثة أشخاص كان أفضل من شهد منهم أنه حضر الفاتحة ، فهي شهادة في غاية الإجمال ، و ليست مما يثبت بها عقد الزواج إذ لما كانت شهادة الآخرين أضعف منها ، فإن الإثبات على هذا النحولا يكفي وحده إلا مع يمين المدعية ، لذا يستوجب نقض القرار القاضي لإثبات عقد زواج المدعية بشخص متوفي تأسيسا على شهادة ثلاثة أشخاص ليست كافية لهذا الإثبات ودون تحليف المدعية اليمين "(1) .


(1) المحكمة العليا، غرفة الأحوال الشخصية ، 23/09/1985 ، مجلة قضائية ، 1990 ، العدد 01 ، ص95 .


و قضت كذلك في قرار آخر صادر بتاريخ : 22/09 / 1998 أهم ما جاء فيه :

» يثبت الزواج العرفي بعد موت أحد الأزواج بشهادة الشهود ويمين ، وهذا طبقا لقول خليل في باب أحكام الشهادة " لا نكاح بعد الموت " ، و من ثم فإن قضاة الموضوع بقضائهم بتوجيه اليمين للمطعون ضدها حول إعادة زواجها العرفي من الهالك إضافة إلى سماع شهادة الشهود طبقوا صحيح القانون « (1) .

وخلاصة القول فإنه إذا كانت الشريعة الإسلامية تعتمد على كل من الإقرار ، والبينة والنكول عن اليمين لإثبات الزواج العرفي فإن القضاء الجزائري يركز على شهادة الشهود بالدرجة الأولى ، أما اليمين فيلجأ إليها لتدعيم وتأكيد شهادة الشهود في حالة وفاة أحد الزوجين ، أما الإقرار القضائي فلا يعتد به إطلاقا عكس الإقرار غير القضائي الذي يتم التصريح به أمام الموثق ، والذي تعتد به محاكمنا ومجالسنا القضائية في إثبات واقعة الزواج العرفي غير المتنازع عليه ، رغم أن المحكمة العليا إستبعدت مثل هذا التحقيق الذي يجريه الموثق و الذي إعتبرته من الصلاحيات المميزة والأساسية للقاضي والتي يجب أن لا يفوضها للموثق .











(1) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، 22 / 09 / 1998 ، مجلة قضائية ، 2000 ، العدد 02 ، ص 173 .


المبحــــث الثانـي :
إجـــــراءات تسجيــــل عقـــد الـزواج العرفـــي

تأكيدا لما سبق ذكره فإن الإشكالية في الزواج العرفي تنصب على مسألة تسجيله ،
والتسجيل يقتضي إتباع إجراءات خاصة ، بإختلاف مكان إنعقاد العقد وبإختلاف الفترة الزمنية التي أبرم فيها ، ولذلك حاول المشرع في كل مرحلة معالجة عقود الزواج العرفية عن طريق سنّه لمجموعة من النصوص القانونية ، والتي تلزم المواطنين المتزوجين عرفيا أن يتقدموا إلى المحاكم لإستصدار أمر أو حكم لتسجيل عقودهم في سجلات الحالة المدنية وفقا للإجراءات المنصوص عليها في تلك القوانين ، وعليه سنتطرق إلى هذه النصوص القانونية .

المطلــب الاول :
النصــوص التـي تنـاولت تسجيل عقــد الـزواج العرفي

بداية من سنة 1882 تاريخ إنشاء نظام الحالة المدنية في الجزائر ، وإلى غاية سنة 1984 تاريخ صدور قانون الأسرة ، صدرت عدة قوانين ومراسيم نصت على تسجيل عقود الزواج العرفية ، منها ما صدر قبل الإستقلال ومنها ما صدر بعده .

1- القوانين الصادرة قبل الاستقلال :

إن أول تنظيم لقانون الحالة المدنية في الجزائر كان على يد الإستعمار عندما أصدر قانون 23/03/1882 المتعلق بالحالة المدنية للأهالي المسلمين بالجزائر والمعدل بقانون 02/04/1930 ، ونصت المادة 16 منه على أن :





" وثائق الميلاد و الوفاة المتعلقة بالأهالي الجزائريين يجري تنظيمها و تسجيلها في سجلات الحالة المدنية وفقا للأشكال و الأوضاع المنصوص عليها في القوانين الفرنسية النافذة أما الوثائق المتعلقة بالزواج و التفريق و الطلاق الرضائي فإنها ستنظم وتسجل في سجلات الحالة المدنية بناءا على تصريح يقدمه الزوج إلى رئيس البلدية أو المحاكم العسكرية " (1) .

كما رتب هذا القانون على كل مخالفة لأحكام هذه المادة عقوبة بدنية تتراوح ما بين 6 أيام إلى 6 أشهر حبسا وعقوبة مالية تتراوح مابين 16 إلى 300 فرنك غرامة .

غير أن هذا القانون إنحصر تطبيقه في جهات معينة أهمها المناطق التي تركزت فيها مصالح الإستعماريين وإحتاجت فيها السلطة الفرنسية إلى التعامل مع بعض الجماعات من الجزائريين لإستخدامهم في إداراتها.

وظل هذا القانون هو المطبق في بلادنا إلى أن ألغي بموجب المادة 18 من الأمر رقم 66-307 المؤرخ في 14/10/1966 والمتضمن شروط تأسيس الحالة المدنية (2).

يمكن القول بأن إنفراد مناطق معينة بتطبيقها لهذا القانون جعل عقد الزواج في المناطق الأخرى خاضعا لأحكام الشريعة الإسلامية والتي لا تشترط تسجيله في سجلات الحالة المدنية ، ولا تخضعه لإجراءات معينة .

قانون 57-777 :
صدر هذا القانون خلال سنة 1957 ، ويتعلق بإثبات و تسجيل عقود الزواج السابقة له ، وقد نص في المادتين الثالثة والرابعة منه على :

(1) بداوي علي ، مقال عقود الزواج العرفية بين قصور أحكام القانون ومتطلبات المجتمع ، موسوعة الفكر القانوني ، العدد الثاني ، ص 33 .
(2) عبد الله شناح ، الزواج العرفي ، مذكرة نهاية التربص بالمعهد الوطني للقضاء ، سنة 1993 ، ص 05 .

" وجوب تسجيل عقود الزواج في سجلات الحالة المدنية بموجب حكم من رئيس المحكمة في غرفة المشاورة بناءا على طلب الزوجين أو طلب أحدهما ،وأن الحكم الصادر لا يقبل أي طريق من طرق الطعن " (1) .

هذا القانون تم إلغاؤه فيما بعد ، وقبل ذلك كان يطبق بأثر رجعي بالنسبة لجميع عقود الزواج المبرمة قبل صدوره ، بحيث تضمن إجراءات تسجيل عقود الزواج والتي تتم بناءا على طلب ينتهي بصدور حكم فيه ، خلافا للقانون السابق الذي يتم فيه التسجيل بناءا على تصريح يقدمه الزوج إلى رئيس البلدية أو المحاكم العسكرية .

وهذا يعني أن إجراءات التسجيل حسب هذا القانون ترفع أمام رئيس المحكمة بصفته الجهة المنوطة بالفصل في طلب تسجيل عقد الزواج .

الأمر 59-224 المؤرخ في 04/02/1959 ، والخاص بعقود الزواج التي يعقدها
الأشخاص الذين يخضعون للأحوال الشخصية المحلية وذلك في عمالات الجزائر ، والساورة و الواحات .
حيث نص هذا الأمر في المادة الثالثة منه على تسجيل عقود الزواج في سجلات الحالة المدنية ، غير أنه فرق بين إجراءات التسجيل بحسب الجهة التي يتم إبرام الزواج أمامها .

فإذا تم الزواج أمام ضابط الحالة المدنية ، وجب على هذا الأخير أن يسلم للزوجين دفترا عائليا يثبت إنعقاد الزواج ، أما إذا تم الزواج أمام القاضي وجب أن يثبت ذلك في وثيقة وأن يسلم إلى أصحابها شهادة بإنعقاد الزواج ، ثم يرسل إلى ضابط الحالة المدنية نسخة من عقد الزواج خلال 03 أيام ، وعلى هذا الأخير أن يسلم الزوجين دفترا عائليا (2) .




(1) عبد العزيز سعد ، المرجع السابق ، ص 20 .
(2) عبد الله شناح ، المرجع السابق ، ص 05 .

كما منعـت نفس المـادة إقامـة حفـل الـزواج إلا بعد الإطلاع على الشهادة و الدفتر العائلي ، وأضافت المادة السادسة من نفس الأمر أن إنحلال الزواج لا يكون إلا بقرار من القضاء فيما عدا حالات الموت (1).

إن هذا الأمر كان يهدف إلى القضاء على الزواج العرفي و الطلاق العرفي الذي يتم أمام الجماعة ، كما أن الإستعمار الفرنسي كان يهدف من وراء ذلك إلى إحكام قبضته على الأسرة الجزائرية و إحصاء كل تصرفاتها .

وخلاصة القول أن هذا الأمر إنحصر تطبيقه في مناطق معينة على سبيل الحصر ، مما يجعل عقد الزواج في غير هذه المناطق خاضعا لأحكام الشريعة الإسلامية ، كما أنه نص على إجراءات تسجيل عقود الزواج المبرمة بعد صدوره ، ولم يتحدث عن كيفية تسوية عقود الزواج المبرمة قبله ، والأهم أنه فرق بين الزواج الذي يتم أمام ضابط الحالة المدنية والذي يتم أمام القاضي من حيث إجراءات تسجيله ، وخلص في النهاية إلى أن قيام الزواج يثبت بشهادة إنعقاد الزواج و بالدفتر العائلي ، وأن إنحلاله يكون بقرار من القضاء ، ومنه فلا يمكن الإحتجاج بخلاف ذلك .

2 – القوانين الصادرة بعد الإستقلال :

بعد الإستقلال إستمر العمل بالقوانين و المراسيم التي نظمت عقود الزواج والتي كانت سارية وقت الإستعمار ما عدا تلك التي تتعارض نصوصها مع السيادة الوطنية ، ثم صدرت عدة قوانين يمكن التطرق إليها كمايلي :

مرسوم 62-126 المؤرخ في 31/12/1962 نص هذا المرسوم في المواد الخمس الأولى منه على إمكانية وكيفية تقييد حالات الولادة و الزواج و الوفاة الواقعة داخل وخارج التراب الوطني خلال الفترة ما بين أول نوفمبر 1954 و خمسة جويلية 1962 .




(1) المرجع السابق ، ص 05 .


ونصت المادة السابعة منه على أن السجلات المتضمنة وثائق الزواج والولادة والوفاة والمحررة من قبل الهيئات التابعة لجبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني في الجزائر وتونس والمغرب تخضع إلى تأشيرة و موافقة وكلاء الدولة لدى المحاكم الإبتدائية الكبرى بالجزائر وقسنطينة ووهران الذين يأمرون بتقييد وثائق الميلاد والزواج والوفاة التي تضمنتها السجلات المذكورة في سجلات الحالة المدنية لبلديات الجزائر الكبرى وقسنطينة ووهران تبعا لآخر موطن في البلاد .

كما تنص المادة الثامنة على أن وثائق الولادة والزواج والوفاة المحررة في الخارج بشكل نظامي يمكن تقييدها في سجلات الحالة المدنية بمجرد طلب من وكيل الدولة المختص وبعد ذلك نصت المادة 14 على أن أحكام هذا المرسوم ستكون قابلة للتطبيق خلال مدة سنة إبتداءا من تاريخ دخولهم حيز التنفيذ (1) .

وبذلك يبقى الإشكال مطروح بالنسبة لعقود الزواج المبرمة قبل صدور هذا المرسوم و التي فاتها ميعاد السنة .

قانون 63-224 المؤرخ في 29 جوان 1963 والمتعلق بتعيين الحد الأدنى لسن الزواج ووجوب تسجيل عقود الزواج خلال أجل محدد ، وكان هدفه هو القضاء على الزواج العرفي أو التقليل منه .

بحيث نص في المادة الخامسة منه :" لا يجوز لأحد أن يدعي بأنه زوج و أن يطالب بما يترتب على ذلك من آثار ، مالم يقدم زواج مسجل بسجلات الحالة المدنية " (2).




(1) عبد العزيز سعد ، نظام الحالة المدنية في الجزائر ، الطبعة الثانية ، دار هومه ، الجزائر ، ص 26 –27 .
(2) عبد الله شناح ، المرجع السابق ، ص 06 .

yacine414
2011-02-05, 16:05
أما فيما يخص العقود غير المسجلة ، نصت الفقرة الثانية من المادة الخامسة على أنه :" يجب تسجيل عقود الزواج المبرمة قبل صدور هذا القانون خلال 3 سنوات " ، ثم مدد هذا الأجل إلى 03 سنوات أخرى بمقتضى الأمر المؤرخ في 22/02/1968 إلى غاية 31 ديسمبر 1969.

غير أن هذا النص لم يبين كيفية التسجيل ولا شروطه وبقيت المحاكم تطبق الإجراءات التي نص عليها قانون 57-777 المؤرخ في 11/07/1957 .

أهم ما يمكن قوله أن هذا القانون كان يطبق بأثر رجعي بالنسبة لجميع عقود الزواج المبرمة قبل صدوره ، وبذلك فإنه يحل مشكلة العقود المبرمة بعد سنة 1962 وحتى تلك التي أبرمت بين الفترة الممتدة بين 01/11/1954 و 05/07/1962 وفاتها ميعاد السنة طبقا لما نص عليه المرسوم 62-126 .

لكن الإشكالية التي خلقها قانون 63-224 هي عدم إعترافه بالزواج الذي أبرم وفقا لتعاليم الشريعة الإسلامية ولم يسجل بسجلات الحالة المدنية وذلك بالنسبة للفترة ما بين صدوره إلى غاية صدور الأمر 69-72 .

ولما كانت المادة 223 من قانون الأسرة تنص على إلغاء جميع الأحكام المخالفة له ، فإن النتيجة هي أن المادة الأولى من القانون 63-224 تكون قد ألغيت إلغاءا ضمنيا ، أما غيرها من المواد الأخرى فإن الإلغاء لم يشملها لا ضمنيا ولا صراحة بأنها لا تخالف قانون الأسرة ، فنص المادة الخامسة مازال مطبق حيث لا يمكن لشخص أن يثبت أنه زوج بدون مستخرج عقد الزواج من سجلات الحالة المدنية (1) .




(1) عبد العزيز سعد ، الزواج و الطلاق في قانون الأسرة الجزائري ، ص 29 .

كما أن الدكتور محمد محده و عبد العزيز سعد يذهبان إلى إمكانية معاقبة الزوجين وممثليهما الشرعيين وكل الأشخاص الذين يساهمون في إبرام عقد زواج لفتيان أو فتيات لم
يبلغوا السن المحددة في القانون ، وما يزال بالإمكان إعتبار زواجهما باطلا أو قابلا لإبطال
حسب الأحوال ، أو إعتباره زواجا صحيحا بعد البلوغ أو بعد حمل الزوجة ويمكن تسجيله هو نفسه كان قد أبرم خلال الفترة التي لم يبلغ الزوجان أو أحدهما فيها السن القانونية المحددة . (1)

الأمر 69-72 المؤرخ في 16/09/1969 قد تضمن هذا الأمر إستثناء لما نصت عليه المادة الخامسة من القانون 63-224 .

بحيث نص في المادة الأولى منه على : " إستثناء لما نصت عليه المادة الخامسة من القانون المذكور أعلاه ، ودون المساس بما قررته النصوص الجاري بها العمل ، فإن جميع عقود الزواج التي وقعت وفقا للشريعة الإسلامية قبل نشر الأمر الحالي ، والتي لم تقيد أو تسجل في سجلات الحالة المدنية ، يمكن تسجيلها بمجرد الإستظهار بحكم صادر عن رئيس المحكمة (2) .

وحسب المادة الثانية من هذا الأمر فإن إجراءات تسجيل عقد الزواج المبرم قبل صدوره تكون بتوجيه طلب من المعني أو ممن له مصلحة في ذلك ، إلى رئيس المحكمة التي تم في دائرة إختصاصها إنعقاد الزواج على أن يتضمن الطلب الإعتراف قضائيا بالزواج إبتداءا من تاريخ عقده ، وبعد أن تقوم المحكمة بإجراء التحقيقات المناسبة تبث في الدعوى خلال 03 أشهر من تاريخ تقديم العريضة ، على أن الحكم الصادر غير قابل للطعن .

وطبقا للمادة الرابعة من الأمر فإن أثر الزواج يبدأ من تاريخ اليوم الذي إعترف فيه الحكم بأنه تاريخ عقد الزواج ، إلا أن مسالة تسجيل عقود الزواج في سجلات الحالة المدنية ظلت



(1) المرجع السابق ، ص 30 .
(2) المرجع السابق ، ص 20 .



قائمة ولم تنته ، إما بسبب إهمال المواطنين وعدم الإهتمام بمصالحهم ، وإما بسبب إهمال المسؤولين وعدم إهتمامهم بالمصلحة العامة والنظام العام ، الأمر الذي حتم على السلطات المسؤولة أن تعيد النظر وذلك بعد إصدارها للأمر رقم 71-65 .

الأمر 71-65 المؤرخ في 22/09/1971 و المتعلق بإثبات كل زواج لم يكن موضوع عقد مدون في سجلات الحالة المدنية ، وقد تضمن هذا الأمر تسعة مواد ، كما أنه ألغى ضمنيا الأمر 69-72 .

ونص في المادة الأولى منه على أن :" كل قران إنعقد قبل صدور هذا الأمر ونتج عنه أولاد ولم يكن موضوعا لأي إجراء ولا لأي عقد محرر أو منسوخ في سجلات الحالة المدنية يمكن أن يقيد في سجلات الحالة المدنية "

وبينت المادة الثانية الإجراءات الواجب إتباعها حيث نصت على أنه :" يجوز لكل من يعنيه الأمر أن يوجه إلى رئيس المحكمة التي إنعقد القران في دائرة إختصاصها ، طلبا يرمي إلى جعل هذا القران معترفا به قضائيا ، وكذلك التاريخ الذي إنعقد فيه ".

ونفس الأمر نص على أنه إذا تعلق الأمر بقران بين الجزائريين أو بين الجزائريين و أجنبيات ليس لهم مسكن قار في الجزائر ، فإن الإختصاص بشأن الحكم بإثبات الزواج يعود إلى رئيس محكمة مدينة الجزائر ، وعلى المعني المقيم في بلد أجنبي إيداع طلبه لدى البعثات الدبلوماسية أو القنصلية الجزائرية التي يوجد المسكن في دائرة إختصاصها ، وفي هذه الحالة يقوم الأعوان الدبلوماسيين أو القنصوليين بإجراء تحقيق حول واقعة الزواج ، وإرسال الطلب مشفوعا برأيهم في خلال الشهر الموالي من إستلامهم للطلب إلى رئيس محكمة مدينة الجزائر .





والمحكمة التي يمكنها أن تأمر بجميع إجراءات التحقيق المفيدة تبث في القضية في ظرف الثلاثة أشهر الموالية ليوم تسليم الطلب ، والحكم الصادر غير قابل لأي طريق من طرق الطعن ، ثم ينسخ منطوق الحكم في سجلات الحالة المدنية التابعة لمكان الميلاد وفي سجلات القنصلية وذلك بطلب من وكيل الدولة .

وقد نص هذا الأمر على أنه يطبق بأثر رجعي بالنسبة لجميع عقود الزواج المبرمة قبل صدوره بشرط أن يكون قد نتج عنها أولاد ، وبذلك يكون هذا الأمر قد أغفل عقود الزواج العرفية التي لم ينتج عنها أولاد وهذا ما يعاب عليه .

الأمر 70-20 المؤرخ في 19/02/1970 المتضمن قانون الحالة المدنية ، والذي دخل حيز التطبيق خلال شهر جويلية 1972 ، فألغى جميع القوانين المخالفة له التي كانت مطبقة قبله .

هذا الأمر عالج جميع عقود الحالة المدنية بشكل شامل ومنها عقود الزواج التي تمت عرفيا و التي سماها " بالعقود المغفلة " ونص عليها في القسم الأول من الفصل الثاني تحت عنوان تعويض العقود المغفلة أو المتلفة (1) .

ويمكن تعريف العقود المغفلة بصفة عامة بأنها : العقود التي لا يصرح بها لضابط الحالة المدنية في الآجال المقررة أو تعذر قبولها ، أو عندما لا توجد سجلات أو فقدت لأسباب أخرى غير أسباب الكارثة أو العمل الحربي .
ومنه فإن عقد الزواج العرفي هو عقد مغفل لم يسع فيه الزوجين أو محرر العقد على تسجيله في الآجال المحددة قانونا .



(1) بداوي علي ، المرجع السابق ، ص 34 .



وقد نص الأمر 70-20 في المادة 39 منه على إمكانية تقييد كل عقود الزواج المبرمة بعد صدوره والتي لم تكن موضوع تسجيل أو تقييد في سجلات الحالة المدنية ، على أن التسجيل يتم بموجب أمر بسيط من رئيس المحكمة ، بناءا على طلب من وكيل الجمهورية ، إستنادا إلى طلب صاحب المصلحة و بالإعتماد على الوثائق و الإثباتات الماديـة .

هذا الأمر يطبق بأثر فوري و مستقبلي بالنسبة لجميع عقود الزواج المبرمة بعد دخوله حيز التطبيق .

و يمكن القول بأن المادة 39 من الأمر السابق ، أشمل مقارنة مع المادة الأولى من الأمر 71-65 إذ بأنها تضمنت تسجيل جميع حالات الزواج سواءا تلك التي نتج أو لم ينتج عنها أولاد .

بما أن الأمر 71-65 يطبق بأثر رجعي بالنسبة لجميع عقود الزواج العرفي المبرمة قبل صدوره ، وأن الأمر 70-20 يطبق بأثر فوري ومستقبلي بعد دخوله حيز التنفيذ في شهر جويلية 1972 ، فإننا نتساءل على كيفية تسوية وضعية العقود المبرمة بين الفترتين ؟
بالنسبة إلينا فإن تلك العقود تدخل ضمن العقود المغفلة و المنسية في مفهوم قانون الحالة المدنية ، وبذلك يمكن إخضاعها لأحكام المادة 39 من الأمر 70-20 .

قانون 84-11 المؤرخ في 09 جوان 1984 ، والمتضمن قانون الأسرة وهو آخر النصوص التي عالجت عقود الزواج ، حيث نص في المادة 22 على إمكانية تسجيل عقود الزواج العرفية ، وفيما يتعلق بإجراءات التسجيل فقد أحال على المادة 21 منه في تطبيق أحكام قانون الحالة المدنية .






وبذلك فإن قانون الأسرة يطبق بأثر فوري و مستقبلي بالنسبة لجميع العقود المبرمة بعد دخوله حيز التطبيق على أساس أنه لم ينص على تطبيقه بأثر رجعي ، وبالمقابل فإن المادة 39 من الأمر 70-20 تبقى سارية التطبيق بشأن تقييد وإثبات عقود الزواج التي أبرمت في الفترة ما بين صدور قانون الحالة المدنية وتاريخ صدور قانون الأسرة .

والملاحظ مبدئيا أن كل من قانون الأسرة وقانون الحالة المدنية تضمنا قواعد سبق وأن تضمنها الآخر ، ومنه تصبح النصوص والقواعد القانونية التي تضمنها الأول وشملها الثاني نصوص معدلة أو ملغاة ضمنيا بحيث تطبق قواعد قانون الحالة المدنية بشأن تحرير عقد الزواج وكيفية تسجيله أو تقييده في سجلات الحالة المدنية فيما لم يرد عليه نص مخالف في قانون الأسرة أو فيما يحيل عليه ، وتطبق نصوص قانون الأسرة فيما عدا ذلك من القواعد .
وأهـم نقطـة مـن نقـاط التلاقـي بيـن القانونيـن هي :
بيانات عقد الزواج تكون وفقا للمادتين 30-73 من قانون الحالة المدنية ويضاف إليها ما تضمنته المادة 15 من قانون الأسرة حيث جاء فيها وجوب تحديد مبلغ ونوع الصداق و إدراجه في وثيقة عقد الزواج سواءا كان معجلا أو مؤجلا ولكن عند تفحصنا لسجلات عقود الزواج ببلدية الجلفة لاحظنا بأنها مطبوعة وفق نموذج لا يسمح بإدراج مبلغ الصداق ضمن وثيقة عقد الزواج .

الخلاصة أن جميع النصوص القانونية التي تناولت عقود الزواج العرفية وعالجت كيفية تسجيلها وخاصة تلك التي صدرت بعد الاستقلال وإلى غاية صدور قانون الأسرة ، لم يستقر فيها المشرع حول الإجراءات الواجب إتباعها ، حيث نجده ينص في قانون على أن التسجيل يتم بموجب أمر ، وفي آخر يتم بموجب حكم .





والإشكال المطروح هو عدم تحكم المشرع في إستعماله للفظي الأمر و الحكم ، وهذا جعل تطبيق الإجراءات من الناحية الواقعية محل نقاش وجدال و إختلاف بين قضاة مختلف المحاكم وحتى بين قضاة المحكمة الواحدة ، فمنهم من يرى بأن إثبات الزواج وتسجيله يتم بموجب أمر بسيط من رئيس المحكمة ، ومنهم من يرى ضرورة صدور حكم عن قاضي الأحوال الشخصية يقضي فيه بإثبات الزواج العرفي .

وعليه فإن الإجابة عن هذا التساؤل تجعلنا نتعرض إلى الفرق بين العمل القضائي و العمل الولائي على أساس أن الأول ينتهي بصدور حكم و الثاني ينتهي بصدور أمر .

فالعمـل القضائـي : حسب ما يعرفه الأستاذ عمر زودة هو العمل الذي يهدف إلى إزالة العقبة المادية أمام تطبيق القاعدة القانونية ، هذا العمل يتضمن وجود نزاع فيه ، بحيث يمكن الطعن فيه بكافة طرق الطعن ، وكذلك الدفع فيه بسبق الفصل ، وأخيرا فهو يحوز حجية الشيء المقضي .
أما العمـل الولائـي : فهو يهدف إلى إزالة العقبة القانونية أمام إرادة الأفراد ، بحيث تنعدم فيه المنازعة ، كما أنه لا يخضع للطعن فيه ، غير أنه يمكن التظلم فيه ، أمام الجهة المصدرة له بدعوى البطلان المبتدأة ، وأخيرا لا يدفع فيه بسبق الفصل ولا يحوز حجية الشيء المقضي (1) .
من خلال ما تقدم يمكن القول بأن جميع إجراءات التسجيل الواردة في معظم القوانين الصادرة كانت تتم بموجب أوامر قضائية بدليل أن جميعها صدرت عن رئيس المحكمة وذلك رغـم أن المشرع إستعمل لفظي الأمر و الحكم معا، وذلك إلى غاية صدور قانـون



(1) الأستاذ عمر زودة ، محاضرات في قانون الإجراءات المدنية بالمعهد الوطني للقضاء ، 2003 .



الأسرة الذي فصل في الإشكال من خلال نصه في المادة 22 منه على أن :" الزواج يثبت بمستخرج من سجل الحالة المدنية ، وفي حالة عدم تسجيله يثبت بحكم إذا توافرت أركانه وفقا لهذا القانون ويتم تسجيله بالحالة المدنية " .

وعليه فإن معيار التمييز بين الأمر و الحكم يكمن في كون الزواج العرفي متنازع فيه أو غير متنازع فيه ، على أن النزاع في الزواج قد يتعلق بشأن وجوده كواقعة مادية أو بشأن صحته من الناحية القانونية أو الشرعية ، سواء بين الزوجين أو بين أحدهما وورثة الآخر ، أو بين ورثتهما بعد وفاتهما معا في وقت واحد أو في أوقات مختلفة .

وبذلك سنحاول التطرق إلى تسجيل عقد الزواج العرفي المتنازع فيه و الغير متنازع فيه .

المطلـــب الثانـي :
تسجيـل الـزواج العرفـي غيـر المتـنازع فيــه

لقد نصت المادة 18 من قانون الأسرة على أن:"عقد الزواج يتم أمام الموثق أو أمام موظف مؤهل قانونا " ، دون أن تذكر صراحة ضابط الحالة المدنية الذي ورد ذكره مع الموثق في المادة 71 من قانون الحالة المدنية .

وقبل الحديث عن تسجيل الزواج بسجلات الحالة المدنية يمكن الإشارة إلى أن المشرع في المادة 18 السابقة الذكر و بإستعماله لعبارة " يتـم عقد الزواج ... " أراد تبيان الكيفية المتبعة لتسجيل عقد الزواج ، وليس إلزام المواطنين بالتسجيل ، على خلاف قانون الأحوال الشخصية الأردني الذي نص في المادة 17 منه " يجـب على الخاطب مراجعة القاضي أونائبه لإجراء العقد ، على أن يجري عقد الزواج من مأذون القاضي بموجب وثيقة رسمية ، وللقاضي بحكم وظيفته في الحالات الإستثنائية أن يتولى ذلك بنفسه بإذن من قاضي القضاة " ، وأكدت هذه المادة وجوب تسجيل عقد الزواج عندما إعتبرت عدم تسجيله مخالفة لأحكام القانون ، ورتبت على ذلك عقوبة .



بالرجوع إلى المادة 18 من قانون الأسرة والمادة 71 من قانون الحالة المدنية نجد بأن المشرع قد أسند مهمة القيام بإجراءات تحرير وثيقة عقد الزواج المبرمة داخل الوطن والمتعلقة بزواج المواطنيين الجزائريين لشخصين دون غيرهما وهما ضابط الحالة المدنية والموثق الذي يوجد بدائرة إختصاصه مسكن الخطيبين أو أحدهما أو الذي يوجد بدائرة إختصاصه محل إقامة أحدهما (1) .

أما إذا تعلق الأمر بعقد زواج الأجانب فإن الموظف المختص يمكن أن يكون أيضا الموثق أو ضابط الحالة المدنية الذي أقام الخطيبان أو أحدهما بدائرة إختصاصه إقامة مستمرة مدة شهر على الأقل حتى تاريخ إنعقاد الزواج (2) .

وعليه فحسب ما جاء في المادة 72 من قانون الحالة المدنية فإنه إذا وقع إنعقاد الزواج أمام ضابط الحالة المدنية ، يتعين على الزوجين تحضير ملف يتكون من :
نسخة من شهادة الميلاد الأصلية للزوجين لا يتجاوز مدتها 03 أشهر - شهادة عزوبة للزوجين - شهادة طبية بعدم حمل الزوجة - نسخة من بطاقة تعريف الطرفين ، وبعد أن يتأكد ضابط الحالة المدنية من الهوية الكاملة للطرفين ومن رضا الزوجة وسماع وليها و الشهود المرافقين لهما ووجود الصداق ، يقوم بتسجيل هذا الزواج في سجلات الحالة المدنية فورا بعد توقيع الطرفين و الولي والشهود على السجل ، ثم يسلم الزوجين دفترا عائليا يؤكد ويثبت صحة وشرعية العقد وتسجيله .

أما إذا وقع إنعقاد الزواج أمام الموثق فإنه يجب على هذا الأخير أن يحرر عقدا بذلك ويسجله في سجلاته المعدة لذلك ، ثم يسلم الزوجين شهادة تثبت إنعقاد زواجهما أمامه وفقا للقانون ، بعدها يرسل ملخصا عن وثيقة عقد الزواج إلى ضابط الحالة المدنية وذلك خلال


(1) عبد العزيز سعد ، نظام الحالة المدنية في الجزائر ، ص 128 .
(2) المرجع السابق ، ص 128 .

03 أيام أين يجب عليه أن يقوم بتقييد ملخص هذا العقد في سجلات الحالة المدنية المتعلقة بعقود الزواج وذلك خلال مهلة 05 أيام إبتداءا من تاريخ إستلامه ، ثم يسلم الزوجين دفترا عائليا ، و عليه أيضا أن يؤشر بهذا الزواج على هامش سجل شهادات ميلاد كل من الزوج والزوجة .

غير أنه إذا تم إبرام الزواج ولم يسجل بسجلات الحالة المدنية ضمن الآجال المقررة قانونا ، ولم يكن موضوع نزاع أو خلاف سواء بين الزوجين أو ممن له مصلحة في ذلك ، ففي هذه الحالة يمكن تثبيته و بالنتيجة تسجيله في سجلات الحالة المدنية ، وذلك بعد إستيفاء جملة من الإجراءات الواجب إتباعها ، والتي تبتدأ بتقديم طلب يتضمن إثبات الزواج العرفي وتنتهي بصدور أمر يقضي بالتثبيت مع الأمر بالتسجيل .

وتجدر الإشارة إلى أن إجراءات تسجيل عقد الزواج العرفي الغير متنازع فيه ، تختلف بإختلاف مكان إبرام العقد .

وعليه سنحاول التطرق في مرحلة أولى إلى إجراءات تسجيل عقد الزواج العرفي غير المتنازع فيه والمبرم داخل التراب الوطني ، وفي مرحلة ثانية نتطرق إلى ذلك المبرم خارج التراب الوطني.

1-تسجيل عقد الزواج العرفي غير المتنازع فيه و المبرم داخل الوطن:

إن المتزوجين عرفيا ، غير المتنازعين حول واقعة الزواج في كثير من الأحيان يلجؤون إلى الموثق من أجل التصريح أمامه بقيام الرابطة الزوجية بينهما ، بعد إثبات توافر أركانها .
تلك التصريحات يدونها الموثق ضمن وثيقة تعرف بالإقرار بالزواج أو تقارر بالزواج (ملحلق رقم 13 و14) إن هـذا الإقرار لا يرقى إلى مرتبة العقد ولا يمكـن أن يكـون وسيلـة لإثبـات الـزواج فهو مجـرد إقـرار غيـر قضائـي



أو تصريحات تتم أمام جهة رسمية ، تلزم الطرفين فقط ولكن عادة ما يستند إليها هؤلاء للمطالبة بتثبيت عقد الزواج .

وتطبيقا لأحكام المادة 39 من قانون الحالة المدنية فإن الجهة المختصة بنظر طلبات تثبيت الزواج هي محكمة الدائرة القضائية التي سجلت فيها العقود أو التي كان يمكن تسجيلها فيها ، بمعنى دائرة إختصاص مقر أحد الزوجين أو كلاهما أو محل إقامتهما.

وعليه يمكن لأحد الزوجين أن يرفع طلبا إلى رئيس المحكمة ، وذلك عن طريق تقديم عريضة بدون مصاريف ، على أن يكون طلبه مكتوبا على ورقة عادية يوجهه إلى وكيل الجمهورية ، يتضمن البيانات المتعلقة بعقد الزواج وبدواعي تسجيله ، ومرفوقا بالوثائق و الإثباتات المادية و المتمثلة في : شهادتي ميلاد الزوجين – شهادة عدم تسجيل الزواج بالحالة المدنية – شهادة عزوبة بالنسبة للزوجين – شهادة طبية بحمل أو عدم حمل الزوجة – نسخة من بطاقتي تعريف الزوجين – ووثيقة الإقرار بالزواج ، ووجود هذه الأخيرة لا يحول دون ممارسة القاضي لسلطته في مراقبة المعلومات المدلى أو المصرح بها أمام الموثق ، على أساس أنه بعد تكوين الملف يقوم وكيل الجمهورية بإستدعاء الأطراف ، وسماع الشهود والتأكد من صحة الوثائق المقدمة .

وزيادة على أركان الزواج التي يتطلبها القانون وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية وكذلك المادة التاسعة من قانون الأسرة هناك شروط أخرى ، تتعلق بزواج فئة معينة من الأشخاص هذه الشروط منها ما نص عليها القانون ، ومنها ما نصت عليها تنظيمات داخلية .

بالنسبة لزواج القصر : فإن قانون الأسرة نص على أهلية الزواج وحدد سنه بالمـادة السابعة منه والتي جاء فيها بأن :" أهلية الرجل في الزواج تكتمل بتمام 21 سنـة





والمرأة بتمام 18 سنة " ، وبذلك فإنه من جهة لا يمكن إبرام عقود الزواج دون بلوغ السن القانونية ، ومن جهة أخرى أقر المشرع بإمكانية وقوعه قبل ذلك ، أين أجاز للقاضي أن يرخص بالزواج لمصلحة أو ضرورة .(1)

بالنسبة للزواج المبرم مع الأجانب : على أن الأجنبي في نظر القوانين الوطنية هو كل شخص لا يحمل الجنسية الجزائرية جتى ولو كان ينتسب إلى الشعب الجزائري في عروبته أو ينتمي إليه في إسلامه أو يشترك معه في حضارته وسائر مقوماته وقد صدر قرار من وزارة الداخلية بتاريخ 11/02/1980 تضمن أنه لا يجوز لضابط الحالة المدنية بالبلدية ولا للموثق بالمحكمة إبرام عقد زواج أجنبي إلا بعد الحصول على رخصة أوموافقة مكتوبة من الوالي (2) .

بالنسبة لزواج موظفي الأمن ونفس الشيء لأفراد الجيش الوطني الشعبي: وكل واحد من العسكريين العاملين ضمن هيئة الدرك الوطني أو المجندين ضمن نظام الخدمة الوطنية وبموجب مناشير ومراسيم خاصة سواء تلك الصادرة عن الأمن الوطني أو عن الدفاع الوطني فإنه لا يمكنهم عقد زواجهم مع أي شخص آخر سواء كان جزائريا أوأجنبيا إلا بعد الحصول على موافقة كتابية أو رخصة صادرة عن الإدارة المستخدمة ، و إذا كان الزوج الآخر أجنبيا وجب أن يحصل هو الآخر على رخصة أو إذن بالزواج من والي الولاية وذلك وفقا للإجراءات المتعلقة بزواج الأجانب (3) .

وإذا كان العسكري قد أخفى صفته العسكرية وعقد زواجه دون رخصة مسبقة فإنه سيعرّض نفسه إلى المتابعة الجزائية بتهمة إرتكاب جريمة الإدلاء بتصريحات كاذبة بالإضافة إلى الإجراءات التأدبية التي يمكن أن تسلطها عليه الهيئة المستخدمة .

(1) عبد العزيز سعد , الزواج و الطلاق في قانون الأسرة االجزائري, ص 53 .
(2) المرجع السابق ، ص 54 .
(3) المرجع السابق ،ص 60-61.



وعليه يمكن القول بأن الزواج المعلق على تقديم رخصة أو إذن بالزواج حسب الحالات السابقة الذكر ، زيادة على أركان العقد الشرعية والقانونية ، يمكن تسجيله بسجلات الحالة المدنية ، غير أن الطلب المرفوع أمام وكيل الجمهورية والمتضمن إثبات الزواج وتسجيله يختلف بين الحالتين وهما :
الحالة التي لا يعلق فيها الزواج على رخصة والحالة التي يعلق فيها على رخصة أو الإذن على أن تسجيلهما يختلف بين الحالتين .

فإذا أبرم الزواج مع توافر أركانه ولم يعلق على رخصة أو إذن مسبق ، وأن طرفيه لم يسعيا إلى تسجيله ضمن الآجال القانونية ، في هذه الحالة يقبل وكيل الجمهورية الطلب ويرفعه بموجب عريضة بطلب قيد زواج مع أمر إلى رئيس المحكمة ، فإذا تبين له بعد إطلاعه على العريضة المقدمة والمستندات المرفقة لها بأن الزواج المراد تسجيله كان قد تم وفقا للشرع و القانون فإنه يأمر بقيد الزواج المنعقد وتسجيله في سجل الزواج للسنة الجارية وذلك بالبلدية التي ينبغي أن يسجل فيها ( ملحلق رقم 15).

أما إذا تم الزواج بتوافر أركانه وعلق على رخصة أو إذن ، فإنه إذا توفرت هذه الأخيرة وكان غير مسجل ، يتم قبول الطلب من وكيل الجمهورية ، وبنفس الإجراءات السابقة يصدر رئيس المحكمة أمرا بتسجيله بسجلات الحالة المدنية .

أما إذا تم الزواج بدون رخصة رغم أن القانون نص صراحة على وجوب إستيفائها ولم يسعى الطرفين إلى تسجيله ، ففي هذه الحالة ورغم كون الزواج العرفي الواقع غير متنازع فيه من جهة ، ورغم صحة أركانه من جهة أخرى ، فإن وكيل الجمهورية يرفض الطلب المقدم إليه على أساس أن الطرفين خالفا أحكام تنظيمية علقت الزواج على شروط خاصة يتعين إحترامها . وهنا يوجه المعني إلى رفع دعوى أمام قاضي الأحوال الشخصية .




بعد صدور الأمر القاضي بتسجيل الزواج العرفي ، يظهر دور نيابة المحكمة (وكيل الجمهورية ) بصفته الهيئة المخول لها قانونا بتنفيذ الأوامر والأحكام القضائية الصادرة ، وتطبيقا لأحكام المادة 41 من قانون الحالة المدنية والتي تنص على أن يرسل وكيل الدولة فورا حكم رئيس المحكمة قصد نقل هذه العقود في سجلات السنة المطابقة لها ولجدولها إلى كل من رئيس المجلس الشعبي البلدي لبلدية المكان الذي سجلت فيها العقود أو كان ينبغي تسجيلها فيها ، وكذلك نسخة إلى كتابة ضبط المجلس القضائي التي تحتفظ بنسخة من هذه السجلات .

كما يشار فضلا عن ذلك بصفة ملخصة إلى الحكم في هامش السجلات في محل تاريخ العقد وهو ما إقتضته المادة 42 من قانون الحالة المدنية .

وفي نفس الإطار نصت المادة 60 قانون الحالة المدنية على أنه ينبغي على ضابط الحالة المدنية الذي يحرر العقد أو يسجله ، أن يشير إليه في السجلات الموجودة لديه خلال ثلاثة أيام إذا كان العقد تابعا للقيد ، وإذا كانت النسخة الثانية من السجل التي يجب أن يتم فيها التسجيل موجودة بكتابة الضبط فيرسل إشعار الى النائب العام .

وإذا كان العقد الذي يجب أن يكتب في هامشه هذا البيان قد حرر أو سجل في بلدية أخرى فيرسل الإشعار في أجل ثلاثة أيام إلى ضابط الحالة المدنية لهذه البلدية الذي يشعر على الفور النائب العام إذا كانت النسخة الثانية من السجل موجودة في كتابة الضبط .

2-تسجيل الزواج العرفي غير المتنازع فيه والمبرم خارج الوطن :

حسب المادة 99 من قانون الحالة المدنية و الخاصة بعقود الزواج التي تمت خارج الوطن بين جزائريين أو بين جزائريين وأجانب والتي لم يتم تسجيلها بسبب عدم التصريح بها أو إغفالها فإن الجهة القضائية المختصة في نظر طلبات إثبـات عقـود الـزواج هـو رئيس محكمـة مدينـة الجزائـر بحيث نصت على أنه :





" إذا لم يسجل العقد بسبب عدم التصريح به فإنه إما أن يسجل إذا كان القانون المحلي يقبل التصريحات المتأخرة أو الحصول على حكم من رئيس محكمة مدينة الجزائر يقضي بتسجيله في سجلات القنصلية " .

وبالنسبة لإجراءات التسجيل فإنه يتم تقديم طلب مكتوب من الزوج أو الزوجة أو الزوجين معا أو ممن له مصلحة إلى وكيل الجمهورية لدى محكمة الجزائر العاصمة على أن يرفق الطلب بشهادة ميلاد الزوجين ، و شهادة شاهدين بالغين ممن حضرا مجلس العقد أو حفل الزواج ويتولى وكيل الجمهورية لدى محكمة مدينة الجزائر إعداد عريضة يقدمها إلى رئيس نفس المحكمة بعد إجراء التحقيقات اللازمة والمشار إليها سابقا ، يقرر هذا الأخير إصدار أمر بتسجيل عقد الزواج بسجلات الحالة المدنية للقنصلية أو السفارة الجزائرية .

أين يتولى وكيل الجمهورية بنفس المحكمة إرسال نسخة من الأمر إلى وزارة الشؤون الخارجية وهو ما نصت عليه المادة 60 في فقرتها الثالثة من قانون الحالة المدنية والتي جاء فيها بأنه :" إذا كان العقد الذي يجب أن يكتب في هامشه البيان قد حرر أو سجل في الخارج فإن ضابط الحالة المدنية الذي حرر أو سجل العقد الواجب قيده يقوم بإشعار وزير الشؤون الخارجية خلال ثلاث أيام .

وتجدر الملاحظة أن المشرع في هذه الحالة وبموجب المادتين 100 و 101 من قانون الحالة المدنية منح الإختصاص إلى محكمة الجزائر العاصمة دون سواها لأن الحالة المدنية للجزائريين المقيمين في الخارج تصحح على مستوى مكتب الحالة المدنية بوزارة الشؤون الخارجية الموجودة في الجزائر العاصمة .







المطلـب الثالـث :
تسجيـل الـزواج العرفـي المتنـازع فيـه

إذا ما وقع نزاع حول واقعة الزواج بين الزوجين ، أو بين من لهم مصلحة شرعية وقانونية في ذلك ، وكان أحدهما يدعي قيام الزواج شرعا و قانونا ، والآخر يزعم نفيه ويطعن في قيامه أو في صحته ، فإن الطريق الوحيد لإثبات ما يدعيه المدعي هو إقامة دعوى إثبات الزواج أمام المحكمة المختصة ، وإذا تمكن المدعي من إثبات الزواج حكمت المحكمة بقيام الزواج وعندما يصبح الحكم نهائيا يستطيع الشخص المعني أن يستخرج نسخة من عقد الزواج من سجلات الحالة المدنية (1) .

وقد جاء في المادة 22 فقرتها الثانية من قانون الأسرة أنه : " في حالة عدم التسجيل يثبت بحكم إذا توافرت أركانه وفقا لهذا القانون ويتم تسجيله بسجلات الحالة المدنية " .

حيث ترفع دعوى إثبات عقد الزواج التي لاتختلف عن غيرها من الدعاوى المدنية الأخرى ، من حيث ما يتعلق بإجراءات رفع الدعوى ومن حيث ما يتعلق بأهلية المتنازعين وصفاتهم وإن كان قانون الأسرة على عكس الأمر رقم 70-20 لم يحدد صراحة الإجراءات الواجب إتباعها لإثبات واقعة الزواج العرفي والجهة القضائية المختصة.

فدعوى إثبات الزواج العرفي من دعاوى الأحوال الشخصية التي تتعلق بالنزاعات الناشئة بين أفراد الأسرة الواحدة بدءا من الزوجين إلى الأصول إلى الفروع .
وهي دعوى تقريرية يطلب فها المدعي تقرير وجود حق أو مركز قانوني دون إلزام الخصم بأداء معين .
وقد عرفها الأستاذ عمر زودة بأنها : دعوى تهدف إلى الحصول على حكم قضائي ، يؤكد في النهاية وجود أو عدم وجود الحق أو المركز القانوني ، وبهذا التأكيد يزول الشك حول



(1) عبد العزيز سعد ، الزواج والطلاق في قانون الأسرة الجزائري ، ص 369 .



هذا الوجود من عدمه .على أن هذه الدعوى لا تواجه إعتداء في شكل مخالفة لإلتزام ، وإنما تواجه إعتراض للحق أو المركز القانوني (1)

1 - إختصاص وإجراءات رفع دعوى إثبات الزواج :

القاعدة العامة أنه يؤول الإختصاص إلى المحكمة التي يقع في دائرة إختصاصها موطن المدعي عليه في جميع الدعاوى التي لم ينص فيها على إختصاص محلي خاص إذا لم يكن للمدعي موطن معروف يعود الإختصاص للجهة القضائية التي يقع في دائرتها محل إقامته حسب نص المادة الثامنة من قانون الإجراءات المدنية .

هذا وقد نصت المادة كذلك على أنه في دعاوى الطلاق أو العودة إلى مسكن الزوجية أمام المحكمة التي يقع في دائرة إختصاصها مسكن الزوجية وفي دعاوى الحضانة أمام المحكمة التي تقع في دائرة إختصاصها مكان ممارسة الحضانة.

وعليه فإن المشرع لم يحدد إختصاص محلي خاص لدعوى إثبات الزواج ومن ثمة بالرجوع إلى القاعدة العامة هي موطن المدعى عليه والإختصاص المحلي ليس من النظام العام وليس للقاضي إثارته تلقائيا ولأطراف النزاع الإتفاق على عرضه أمام أي جهة قضائية.

في حالة وجود عقد الزواج ويتعلق النزاع بصحته أو عدم صحته شرعا أو قانونا أو في حالة ما تعلق النزاع بعدم وجوده أصلا يعود الإختصاص إلى قاضي الأحوال الشخصية للمحكمة موطن المدعي عليه إذا لم يتفق طرفين على خلاف ذلك.
وإن كانت المحاكم تخلط بين الزواج المتنازع فيه وغير المتنازع فيه وترجعها جميعا إلى قاضي الأحوال الشخصية والذي يرفض عادة النظر في الدعاوى التي لا تتضمن نزاع لأن الحكم يفصل في النزاع القائم بين المدعي والمدعى عليه حول قيام الزوجية (ملحق رقم 16 و 17 ) .


(1) الأستاذ عمر زودة ، محاضرات قانون الإجراءات المدنية بالمعهد الوطني للقضاء ، 2003


ولإثبات الزواج العرفي أمام القضاء لابد من إتباع إجراءات حددها قانون الإجراءات المدنية لعدم وجود نص خاص بهذه الدعوى وكيفية رفعها و متابعتها وإصدار الحكم الفاصل فيها.

وتبدأ إجراءات رفعها بتقديم الطلب في شكل عريضة طبقا للمادة 12 من قانون الإجراءات المدنية مكتوبة ومؤرخة و موقعة من المدعي أو محاميه ومودعة لدى كاتب ضبط قسم الأحوال الشخصية مع مراعاة أحكام المادة 459 من قانون الإجراءات المدنية .

2 – شروط رفع دعوى إثبات الزواج :

يتعين على كل فرد يرغب في اللجوء إلى القضاء بدعوى معينة أن تتوافر فيه شروط محددة قانونا وهي شروط لابد من توافرها جملة وفي آن واحد فإذا تخلف شرط واحد فإن دعوى المدعى لا يمكن قبولها وتتمثل هذه الشروط فيما يلي :

1.2- الأهلية : وهي قدرة الشخص وصلاحيته لكسب الحقوق وتحمل الإلتزامات ومن لم يكن متمتعا بقواه العقلية أو كان صغير السن أو قد تم الحجر عليه فإن مثل هذه الفئات لا يجوز لها التقاضي بصفتها الشخصية .

وأهلية التقاضي تعني صلاحية الشخص لمباشرة الإجراءات أمام القضاء ، والقاعدة العامة أن يكون الشخص الطبيعي أهلا للتقاضي ببلوغه سن الرشد 19 سنة حسب المادة 40 القانون المدني ، ويجب أن تتوفر أيضا في الخصم الموجه إليه الإجراء لأنه يعرضه لمخاطر الحكم ضده مما يعني حرمانه نهائيا من حقه .

لكن الأهلية في التقاضي ورفع دعوى إثبات الزواج العرفي تختلف عن أهلية الزواج المحددة في قانون الأسرة بـ 21 سنة للرجل و18 سنة للمرأة وقد يرخص القاضي بالزواج قبل ذلك لمصلحة أو ضرورة .


بالرجوع للقواعد العامة فإن تخلف الأهلية يترتب عليها بطلان العمل القضائي فهي شرط لمباشرة الدعوى وليست شرطا لوجودها ويعد البطلان الناشئ عن تخلف أهلية التقاضي متعلقا بالنظام العام ، وقواعد الأهلية مقررة لحماية القصر وهذا لا ينفي إمكانية تصحيح هذا البطلان في أي مرحلة تكون عليها الإجراءات من الشخص المخول له ذلك فالأهلية ليست شرطا لقبول الدعوى وإنما لمباشرة إجراءاتها (1) .

وقد جاء في قرار المجلس الأعلى القاضي بنقض قرار صادر من مجلس قضاء المدية بتقريرها عدم جواز تأسيس قاصرة كطرف مدني بإسمها الخاص وعدم قبول إدعائها دون إدخال وليها في الدعوى (2) ، ومن ثمة وفي حالة نقص الأهلية أو إنعدامها فإن مباشرة الدعوى تكون من طرف من يمثل ناقص الأهلية أو فاقدها أو من ممثله القانوني .

2.2 - الصفة : صفة المتقاضي تتمثل في كونه على علاقة مباشرة بالشيء المدعى به فالدعوى ترفع من طرف أحد الزوجين ضد الآخر الذي ينكرها إذا كانا على قيد الحياة معا ، أو من الزوج الباقي على قيد الحياة ضد ورثة الزوج المتوفى ، أما في حالة وفاة الزوجين معا ترفع من ورثة أحد الزوجين ضد ورثة الزوج الآخر .

والصفة في دعوى إثبات الزواج وبإعتبارها دعوى تقريرية تثبت للورثة برمتهم وليس لأحدهم لأن تأكيد وجود الحق أو المركز القانوني لا يمكن أن يحدث آثاره إلا في مواجهة جميع أطراف الرابطة القانونية (الملحق رقم 18).

وإن كانت بعض المحاكم تقبل دعوى إثبات الزواج العرفي إذا رفعت من أحد الورثة فقط ، أو ضد أحد الورثة ولا تشترط أن تكون ضدهم أو من طرفهم جميعا لأنها تطرح العديد من الإشكاليات خاصة فيما يخص بالتبليغات وصعوبة جمع كل الورثة أطراف الرابطة القانونية .


(1) بوبشير محند آمقران ، قانون الإجراءات المدنية ، ديوان المطبوعات الجامعية ، بن عكنون ، الجزائر ، ص 76 – 79 .
(2) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، 10/01/1984 ، مجلة قضائية ، 1989 ، العدد04 ، ص 323-325 .


ونشير هنا أنه في حالة وفاة أحد الزوجين أو كلاهما غالبا ما ترفع هذه الدعاوى من صاحب المصلحة ضد النيابة العامة وهذا غير جائز ، لأنه لا يوجد أي نص قانوني يقضي برفع دعوى في مثل هذه الحالات ضد النيابة ، وكذلك فإن النيابة ليست طرفا في العقد المراد إثباته ومن ثمة لا يمكن قبول الدعوى المرفوعة ضد النيابة لأن الصفة في دعوى إثبات الزواج العرفي تحقق في كل من الزوجين أو ورثتهما أما النيابة فلا تكون لها الصفة في الإدعاء أمام القضاء المدني كطرف أصيل سواءا مدعية أو مدعى عليها إلا استثناء بنص خاص (1).

وبغياب نص خاص في دعاوى إثبات الزواج العرفي فإنه لا يجوز قانونا رفع دعوى ضد النيابة في إثبات الزواج العرفي .

دور النيابة في دعوى إثبات الزواج العرفي

إن النيابة تهدف بتدخلها في مثل هذه الدعاوى إلى حماية المصلحة العامة وتطبيق القانون تطبيقا سليما لتحقيق السير الحسن للعدالة هذا وقد نصت المادة 141 قانون الإجراءات المدنية على أنه :
"يجب إطلاع النائب العام على القضايا الآتية ... القضايا الخاصة بحالة الأشخاص ... " .

فيحق للنائب العام أن يطلب الإطلاع على تلك القضايا وإبداء رأيه بكل موضوعية وحياد دون أن ينحاز لأحد الأطراف .

والنيابة العامة عندما تعمل كطرف منظم فإنها تعمل كمستشار فني للقاضي فينبغي أن تبدي رأيها بما يتوافق مع التطبيق الصحيح للقانون دون أن تستهدف مصلحة أحد الطرفين .





(1) عمر زودة ، مقال دور النيابة العامة في الدعاوى المدنية ، مجلة قضائية ، 1991 ،ص 276 .


وهذا الرأي غير ملزم للقاضي ، وما يلزمه سوى تمكينها من إبداء رأيها و وجوب الإطلاع على هذا الرأي ، ويترتب على عدم تمكين النيابة العامة من إبداء رأيها أومن عدم الإطلاع على هذا الرأي من قبل القاضي بطلان العمل الإجرائي (1) .

وقد نص المشرع صراحة على إمكانية تدخل النيابة العامة أمام المجلس القضائي دون نيابة المحكمة ، وكان من باب أولى أن يجيز ذلك أمام درجة التقاضي الأولى .

وقد جرى العمل في بعض الجهات القضائية على قبول الدعوى التي ترفعها الزوجة على النيابة الممثلة في وكيل الجمهورية لإثبات عقد الزواج في حالة وفاة الزوج قبل تسجيل هذا العقد في الحالة المدنية و الصحيح أنه يجب أن ترفع هذه الدعوى على الورثة أصحاب الشأن ( ملحق رقم 19) .

وإن قبول الدعوى التي ترفع على النيابة في هذه الحالة يشكل خرقا لأحكام المادة 459 قانون الإجراءات المدنية فلا يوجد نص خاص يسمح برفع الدعوى ضد النيابة (2).

ومن ثم فإن دور النيابة في دعوى إثبات الزواج العرفي هو إبداء رأيها فيما أبداه الخصوم الأصليون من الطلبات والدفوع ، غير أن لها أن تتمسك بالدفوع التي تتعلق بالنظام العام ولا يجوز لها بذلك أن تطعن في الحكم سواء أكان حكم الصادر متفقا مع رأيها أو مخالفا له ، وإذا لم تتمكن النيابة من إستعمال حقها وصدر حكم مخالفا لأحكام المادة 141 قانون الإجراءات المدنية فهذا الحكم باطلا والبطلان يتعلق بالنظام العام ، أما إذا تم تبليغها ولم تبدي رأيها لا يترتب على ذلك البطلان .



(1) عمر زودة ، مقال تعليق حول التطبيقات القضائية للمادة 141 من قانون الإجراءات المدنية ، المجلة القضائية ، 2001 ، العدد 01 ، ص38 .
(2) المرجع السابق ، ص 39 .



3.2 - المصلحة : لا دعوى بغير مصلحة والمصلحة المقصودة هي حماية شخص لحق أعتدي عليه أو أغتصب منه وهو أساس المصلحة وهو الحق الثابت للمعتدى عليه ومتى إنتفت المصلحة رفضت الدعوى .
وتظهر المصلحة في دعوى إثبات الزواج العرفي من صاحب المصلحة : أحد الزوجين ، وفي حالة وفاة أحدهما أو كلاهما من طرف ورثتهم فمن لهم المصلحة .

وعليه لابد من توفر كل شرط من هذه الشروط وإلا رفضت الدعوى وللقاضي إثارتها تلقائيا لأنها مرتبطة بالنظام العام .
ميعـاد رفع إثبـات الزواج العرفـي

إن ميعاد رفع الدعوى لإثبات الزواج العرفي غير محددة بمهلة معينة على إعتبار أن الزواج وآثاره لا تقتصر على الزوجين فقط بل تمتد الى ورثتهما .

وعلاقة الزواج بين الطرفين تكون أبدية وآثارها مستمرة فلا تحدد مهلة معينة لرفع دعوى إثبات الزواج العرفي ليسمح لأطراف العلاقة أو أصحاب المصلحة من تثبيت العلاقة الزوجية مهما طال الزمن ولمنع ضياع الحقوق خاصة بوفاة أحد الزوجين أو كلاهما.

كما جاء في قرار المحكمة العليا الصادر بتاريخ 23/04/1991 أنه :
" إذا ثبت لها من القضية أن المطعون ضدها رفعت دعواها لإثبات الزواج بعد 20 سنة من إنعقاده و بعد وفاة الزوج وأن قضاة الموضوع الذين أثبتوا هذا الزواج بناءا على شهادة الشهود وتوفره لجميع أركان عقد الزواج وقرائن تسجيل الولدين بإسم أبيهما أثناء حياته دون أن يعترض يكونوا قد طبقوا صحيح القانون ومتى كان ذلك إستوجب رفض الطعن ".




3 - كيفية إجراء تحقيق حول وجود واقعة الزواج العرفي:

تقدم عريضة مرفقة بأدلة كافية لإثبات صحة عقد الزواج المتنازع حول وجوده أو صحته إلى كتابة ضبط قسم الأحوال الشخصية أين تسجل العريضة ويتم جدولتها في السجل العام للقضايا وتحدد لها جلسة للنظر فيها .

وبالجلسة يتأكد القاضي من الحضور الشخصي لكل من الخصوم والشهود وولي الزوجة ويبدأ في التحقيق في مكتبه ، لكن كيف يتم هذا التحقيق ؟ وما هي سلطة القاضي في تقدير أدلة الإثبات المقدمة ؟ وما هي القيمة القانونية في الإثبات لمحضر التحقيق ؟

قاضي الأحوال الشخصية يقوم بالتحقيق بمساعدة أمين الضبط فيتأكد أولا من هوية الخصوم وولي الزوجة والشهود من خلال بطاقة التعريف لكل واحد منهم وعن درجة القرابة بينهم .

يتم سماع كل واحد على حدى عن مدى توافر أركان الزواج وعن مكان وزمان إتمام الزواج وعن مقدار الصداق وفيما إذا كان معجلا أو مؤجلا وعن حضور الشهود مجلس العقد و ولي الزوجة و رضا الطرفين .

يتم سماع الشهود كل على حدى بعد التأكد من هوية الشاهد كاملة وبعد تأديته اليمين القانونية على محضر يدون فيه الهوية الكاملة للشاهد من إسم ولقب ومهنة وسن والموطن ودرجة قرابته بالخصوم والإشارة إلى تأديته اليمين القانونية ، وبعدها يستفسر عن ما إذا حضر مجلس عقد الزواج وحفل الزفاف ومن تولى العقد كولي للزوجة ، وعن حضور أشخاص آخرين مجلس العقد والتاريخ ، الذي تم فيه الزواج العرفي لا سيما إذا كانت الشهادة سماعية ، وكذا عن مقدار الصداق المقدم وعما إذا كان معجلا أو مؤجلا كما يستفسر عن رضا الزوجين وما إذا كانت الزوجة ما زالت على ذمته أم لا بعد ذلك يوقع الشاهد والقاضي وأمين الضبط على محضر التحقيق .







وإن كانت بعض المحاكم تتبع طريقة أخرى لسماع الشاهدين وذلك على محضر واحد وبعدها يطلب القاضي من الأطراف أن يقدموا الإضافات التي يرغبون فيها ، وفي حالة إكتفاء الأطراف يقوم القاضي بتحديد جلسة للنظر في الدعوى قصد تقدير أدلة الإثبات المقدمة، وقبل الفصل في الموضوع يعرض ملف القضية على النيابة لإبداء طلباتها طبقا للمادة 141 لقانون الإجراءات المدنية ، وهو إجراء جوهري يعد من النظام العام وهو المبدأ الذي إستقر عليه قضاء المحكمة العليا وقد جاء في قرارها الصادر بتاريخ 19/11/1984 أنه :
" لابد من إطلاع النيابة على الملفات المتعلقة بالأحوال الشخصية وهذا الإجراء جوهري من النظام العام " .

فقاضي الأحوال الشخصية له سلطة تقدير الأدلة المقدمة إما بالأخذ بها أو رفضها حسب كل حالة ، لأن إثبات الزواج أو نفيه يخضع لتقدير قضاة الموضوع .

وعليه فإن محضر التحقيق المتضمن شهادة الشاهدين حول قيام أركان الزواج هوأساس إثبات واقعة الزواج العرفي ، واليمين لا يرجع إليه إلا عند وفاة أحد الزوجين أين يوجهها القاضي للمدعي بالإضافة إلى سماع شهادة الشهود .

عندما يتأكد القاضي من صحة قيام العلاقة الزوجية بناء على الشروط والأركان الشرعية ينطق بالحكم في الجلسة علنية .

ولكن هل يمكن أن تقترن دعوى إثبات الزواج العرفي بدعوى الطلاق العرفي أو بدعوى الرجوع أو النفقة ؟

وللإجابة على هذه التساؤلات نستند إلى الإجتهاد القضائي وإلى ما جرى به العمل في المحاكم ، إذ جاء في قرار المحكمة العليا أن :




" الحكم بتثبيت الزواج العرفي والحكم بالتطليق -طعن بالنقض- لأن الحكم القاضي بتثبيت الزواج هو نفسه الذي قضى بالتطليق والأصح أن يكون التطليق في حالة وجود عقد زواج رسمي - رفض الطعن - .
إذا توفرت الأركان الشرعية للزواج يجوز لقضاة الموضوع أن يقضوا بتثبيت الزواج العرفي و أن يقضوا في نفس الحكم بالطلاق ، بإعتبار أن الزواج العرفي في حكم المسجل بالحالة المدنية بقوة القانون وذلك بناءا على تثبيته بموجب حكم قضائي (1).

وفي قرار آخر للمحكمة العليا غير منشور إن :
" المبدأ الذي إستقر عليه الإجتهاد القضائي هو أنه القضاء بإثبات عقد النكاح ثم فسخه بالطلاق في آن واحد وبحكم واحد " (2).
ويستخلص من هذه القرارات أن المحكمة العليا تجيز الجمع بين دعوى إثبات الزواج ودعوى الطلاق أو التطليق ، لكن نجد بعض المحاكم موقفها ما زال متذبذبا فأحيانا تقبل الجمع بين الدعويين وأحيانا أخرى تفضل الفصل بينهما على أساس عدم إرتباط الطلبين ، وأنه حتى يحكم بالطلاق أو التطليق لابد أن يكون الحكم بالزواج نهائي ( ملحق رقم 20).

كما أنه تقترن دعوى إثبات الزواج بدعوى رجوع الزوجة لبيت الزوجية فهنا لا يجوز قبول الدعويين معا ، لأن طلب الرجوع المصلحة فيه محتملة لعدم ثبوت العلاقة الزوجية أولا ، وحتى يتأكد حق الزوج في المطالبة بالرجوع ، فلا بد من أن يكون الحكم المثبت للزواج نهائي حتى ينتج آثاره ، ومن ثمة تتحقق الصفة والمصلحة لكل طرف في الدعوى (ملحق رقم 21).



(1) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، نشرة القضاة ، العدد 53 ، ص 56 .
(2)المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، 13/01/1986 ملف رقم 39600 ، غير منشور .


وقد جاء في قرار المحكمة العليا أنه :
" إذا كان الثابت أن القرار الذي أمر بتسجيل الزواج بين طرفي النزاع في الحالة المدنية طعن فيه بالنقض من قبل الطاعن وقد نقض فعلا من طرف المحكمة العليا ، فإن قضاة الموضوع بقضائهم في الدعوى بترجيع الزوجة إلى محل الزوجية ودفع النفقة لها دون وقف الفصل في هذه الدعوى لحين البت فيها من طرف المحكمة العليا ، يكونوا قد عرضوا قرارهم لإنعدام الأساس القانوني " (1) .

ومن ثمة لابد من أن يثبت الزواج العرفي بحكم ويسجل بالحالة المدنية حتى يتمكن من له مصلحة في رفع دعوى الرجوع أو النفقة .

بعد أن يتأكد القاضي من شروط قبول الدعوى ومن الأدلة المقدمة لتثبيت واقعة الزواج العرفي يصدر حكمه بالإشهاد على عقد الزواج العرفي، ويكون منطوقه محدد فيه تاريخ وقوع الزواج ويبين الهوية الكاملة لكل من الطرفين مع أمر ضابط الحالة المدنية بالبلدية المعنية بتسجيل الزواج في سجلات الحالة المدنية مع التأشير به على هامش عقدي ميلاد كل من الطرفين .

والحكم المثبت لواقعة الزواج العرفي ليس له حجية الشيء المقتضى فيه حسب مفهوم المادة 338 من القانون المدني ، بإعتبار أن إثبات واقعة الزواج لها حجية مؤقتة يمكن إثباتها متى توافرت الأدلة الكافية وهذا ما إستقرت عليه المحكمة العليا في قرار لها (قرار بتاريخ 15/12/1998 سبق ذكره) .
ويجري على هذا الحكم ما يجري على أحكام محاكم الدرجة الأولى وخاصة ما يتعلق بحضور و غياب الأطراف وتبليغهم الحكم ، وما يتعلق بالطعن فيه بطرق الطعن العادية وغير العادية .


(1) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، 02/04/1989 ، مجلة قضائية ، 1989 ،العدد 02 ، ص57 .


وطرق الطعن العادية هي التي تسمح للمتقاضين بطلب إعادة دراسة موضوع النزاع إما أمام نفس الجهة التي أصدرت الحكم المطعون فيه وذلك بالمعارضة أو أمام جهة قضائية تعلوها درجة ولعل الميزة الأساسية التي تميز طرق الطعن العادية في المسائل المدنية أن لها أثر موقف على تنفيذ الحكم المطعون فيه .

كما يجوز أيضا للغير الخارج عن الخصومة الأصلية أن يطعن في الحكم عن طريق إعتراض الغير الخارج عن الخصومة فيقبل إعتراضه رغم إنعدام صفته كخصم أصلي .

ومثال ذلك الحكم الصادر عن قسم الأحوال الشخصية محكمة الجلفة الصادر بتاريخ 01/09/2001 تحت رقم فهرس 668/01 جاء فيه :
" صدر حكم عن قسم الأحوال الشخصية بتاريخ 10/06/2000 تحت رقم فهرس 577-200 قضية 382-2000 قضي إبتدائيا علنيا غيابيا بإثبات صحة الزواج الحاصل بالجلفة خلال 1989 بين الطرفين.

والمعترضون الخارجون عن الخصومة أقاموا إعتراضهم ضد الحكم القاضي بتسجيل الزواج العرفي بين مورثهم والمعترض ضدها والقضاء بإلغائه ، كون مورثهم لم يخبرهم به كما أن الشهود المقدمين من طرف المعترض ضدها لإثبات صحة الزواج المبرم بين الطرفين لا يمتون بأي صفة للمرحوم " .

وإن كان إعتراض الغير الخارج عن الخصومة غير مؤسس قانونا إذا لم يستند على أي حجة كانت ، وأن دفعهم بأن الشهود المعتمد عليهم في إثبات الزواج المذكور لا يمتون بأي صلة لمورثهم ليس في محله ، كون أنه لا يشترط في الشهود الذين حضروا فاتحة الزواج أن يكون يمتون بصلة للزوج .





والقاعدة العامة أن بعد فوات آجال الطعن العادية أو بعد تأييد الحكم بقرار نهائي نكون أمام أحكام صادرة بصفة نهائية والتي تكون قابلة للتنفيذ ، والمبدأ أن الطعن بالنقض لا يوقف التنفيذ ، ولكن إستثناءا فإنه يوقف التنفيذ إذا ما تم الطعن بالنقض في حكم متعلق بحالة الأشخاص ، وهذا ما أكدته المحكمة العليا في قرار لها جاء فيه :
" متى كان مقررا قانونا أنه ليس للطعن بالنقض أثر موقف إلا إذا تعلق الأمر بحالة الأشخاص أو أهليتها فإن القرار القاضي بما يخالف هذا المبدأ يعد منعدم الأساس القانوني ، وأن قرار الذي أمر بتسجيل الزواج بين طرفي النزاع في الحالة المدنية طعن فيه بالنقض من قبل الطاعن وقد نقض فعلا من طرف المجلس الأعلى (المحكمة العليا ) ، وقد كان على قضاة الموضوع وقف تنفيذ القرار "(1) .
عندما يصبح الحكم المثبت للزواج العرفي نهائي يتم تسجيله لدى ضابط الحالة المدنية بالبلدية المعنية وتطبق في ذلك أحكام وقواعد قانون الحالة المدنية كما أشارت إليه المادتين 21 و22 قانون الأسرة .

وغالبا ما تكون الأحكام المثبتة للزواج العرفي مقترنة بأمر تسجيله ، وإن كانت لا توجد مادة في قانون الأسرة أو الحالة المدنية تلزم قاضي الأحوال الشخصية بأن يقرنها بالأمر ولكن ضابط الحالة المدنية إذا قدم له الحكم غير مقترن بأمرالتسجيل والتأشير به على هامش عقدي ميلاد الزوجين فإنه لا يقوم بتسجيله .

ويرى عبد العزيز سعد في هذه الحالة ، أن على الزوج صاحب المصلحة أن يأخذ نسخة من الحكم ويرسلها إلى رئيس المحكمة عن طريق وكيل الجمهورية ويطلب إستصدار أمر بتسجيل عقد الزواج في سجلات الحالة المدنية (2).



(1)المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، مجلة قضائية ، 1989 ، العدد 02 ، ص57.
(2) عبد العزيز سعد ، المرجع السابق ، ص 26 .


حسب رأينا و بما أن وكيل الجمهورية هو الساهر على تنفيذ الأحكام فإذا لم يقترن الحكم بأمر التسجيل فللمعني تقديم الطلب إلى وكيل الجمهورية لتنفيذ الحكم المثبت للزواج العرفي وتوجيه الأمر بالتسجيل إلى ضابط الحالة المدنية.
+
وبتمام تسجيل الحكم والتأشير به على هامش عقدي ميلاد المعنيين يكون لصاحب المصلحة الحصول على نسخة ملخصة لعقد الزواج.

ويسري الزواج بأثر رجعي من تاريخ توفر أركانه وليس من تاريخ رفع الدعوى أو الحكم المثبت لواقعة الزواج العرفي (ملحق رقم 22 ) .

ومن كل ما سبق يتبين لنا أن الزواج العرفي قد يتنازع في صحته أو وجوده بين الزوجين أو بين أحدهما وممن لهم مصلحة ، فنكون أمام خلاف لابد من اللجوء فيه للقضاء للفصل فيه متى توفرت شروط المطالبة القضائية ، فيتم إجراء تحقيق والتأكد من قيام العلاقة الزوجية ويتوج ذلك بحكم قضائي ويسجل بالحالة المدنية إذا أصبح نهائيا .

أما إذا كان الزوجين على قيد الحياة ولم يختلفا حول قيام العلاقة الزوجية فيلجأ للقضاء لتسجيل الزواج العرفي القائم على الأركان الشرعية والقانونية ، بتقديم طلب لوكيل الجمهورية الذي يحولها إلى رئيس المحكمة الذي يصدر أمرا بتسجيله بالحالة المدنية .


ولكن عمليا كثيرا ما نجد قاضي الأحوال الشخصية هو الفاصل في كل من الطلبين سواء وجد نزاع أم لا ، كحالة زواج الأشخاص اللذين يشترط لعقد زواجهم رخصة كأفراد الجيش أو الأجانب أو القصر فوكيل الجمهورية يحيلها إلى قاضي الأحوال الشخصية .

وإذا تفحصنا الإحصائيات المتعلقة بالأحكام الفاصلة في دعاوى إثبات الزواج العرفي بمحكمة الجلفة والمتعلقة بالفترة الممتدة ما بين 1999 وسنة 2000 نلاحظ أن قاضي الأحوال الشخصية كان يثبت الزواج سواءا كان متنازع فيه أو غير متنازع فيه ، حيث نجد متوسط عدد الأحكام لهذه الفترة وصل إلى 85 حكم شهريا ، لكن بعدما أصبحت الملفات التي لا تنطوي على نزاع لا تعرض على قاضي الأحوال الشخصية إنخفض عدد الأحكام وأصبح متوسطها خلال سنوات 2001 ، 2002 و 2003 إلى 23 حكم شهريا .






الخاتمـــــــة :

من خلال هذا البحث حاولنا إلقاء الضوء على أبعاد الزواج العرفي و خطورته ، والذي على الرغم من ذلك نجد أنه مازال منتشرا في مناطق عديدة من الوطن ، ولدى إطلعنا على الإحصائيات المجرات ببلدية الجلفة في السنوات السابقة نجد أن نسبة الزواج غير المسجل مرتفعة وقد تفوق في بعض السنوات نسبة الزواج الرسمي ( أنظر الجدول الصفحة الموالية ) .

وإذا كان الأمر خطيرا فإن مرد تلك الخطورة يرجع إلى عدم التوثيق و الذي أصبح الوسيلة الوحيدة لإثبات الحقوق والحفاظ عليها ، هذا الأمر الذي يجهله الكثيرون ممن يعقدون زيجاتهم وفقا لما إستلزمته الشريعة الإسلامية فقط ، وعليه فإن أول خطوة لابد من إتباعها هي توعية الأفراد بسلبيات الزواج العرفي و منافع تسجيله عقد الزواج و ذلك من خلال اللائحات الإشهارية ووسائل الإعلام السمعية والبصرية والمرئية والمكتوبة درءا للخطر والوقاية منه قبل حدوثه .

كما أن التوعية لا تكفي وحدها إذ أن هناك من يتغاضى عن تسجيل العقد على أساس أنه إجراء إداري فقط يمكن تداركه مستقبلا وعليه لابد من سن عقوبات بدنية و مالية صارمة على كل من يخالف هذه الإجراءات المقررة قانونا .

و إذا كان الأفراد يرون أن مصاريف التنقل للتسجيل هي الحائل ، فإنه من الممكن تذليل ذلك عن طريق تقريب مكاتب التسجيل من المواطنين خاصة في البلديات و القرى النائية .

في الأخير لا بد من القول أنه ورغم ما قد يتذرع به الأفراد من أسباب لتبرير عدم تسجيل زواجهم ، فإنه لابد من دق ناقوس الخطر و هذا ما يجعل إعادة النظر في قانون الأسرة وقانون الحالة المدنية وإجراءات تسجيل هذا الزواج خطوة حتمية لا بد منها .





إحصائيات بلدية الجلفة المتعلقة بالزواج


السنوات
زواج مسجـل بموجـب حكم (زواج عرفـي )
زواج رسمي
المجموع
1991 649 316 965
1992 1080 334 1414
1993 989 378 1367
1995 736 390 1126
1996 719 491 1210
1997 708 499 1207
1998 754 418 1172
1999 150 523 673
2000 311 569 880
2001 606 659 1265
جانفي ، ديسمبر2003
677
817
1475
جانفي ، سبتمبر2004
581
564
1145









قائمـــــة المــــــراجع
الكتــــــــــــــــــــــــب :
باللغــــة العربيــــــــة :

1- أحمد فراج حسين ، أحكام الزواج في الشريعة الإسلامية ، الدار الجامعية ، 1988 .
2- أحمد محمود خليل ، عقد الزواج العرفي أركانه وشروطه وأحكامه ، منشأة المعارف الإسكندرية ، 2002 .
3- أنور الخطيب ، الأحوال الشخصية خصائص الشخص الطبيعي ، الطبعة الأولى ، منشورات دار مكتبة الحياة ، بيروت .
4- أنور طلبة ، طرق وأدلة الإثبات في المواد المدنية والتجارية والأحوال الشخصية ، دار الفكر العربي ، 1993 .
5- د / العربي بلحاج ، الوجيز في شرح قانون الأسرة الجزائري ، الجزء الأول ، طبعة 2002 ، ديوان المطبوعات الجامعية ، بن عكنون ، الجزائر .
6- د/ العربي بلحاج ، النظرية العامة للإلتزام في القانون المدني الجزائري ، الجزء الأول ، طبعة 1999 ، ديوان المطبوعات الجامعية ، بن عكنون ، الجزائر .
7- بدران أبو العينين بدران ، أحكام الزواج والطلاق في الإسلام ، الطبعة الثالثة دار المعارف الإسكندرية 1966 .
8- بوبشير محند آمقران ، قانون الإجراءات المدنية ، ديوان المطبوعات الجامعية ، بن عكنون ، الجزائر .
09- خالد محمود طلال حمادة ، عقد الزواج بالكتابة عن طريق الانترنيت ، الطبعة الأول ، دار النفاس ، الأردن ، 2002 .
10- الإمام خليل ، المختصر ، دار الفكر ، الجزء الثاني ، بيروت .
11- سليمان مرقس ، أصول الإثبات وإجراءاته في المواد المدنية في القانون المصري ، الجزء الثاني ، الطبعة الرابعة ، دار الجيل للطباعة ،جمهورية مصر العربية ، 1986.
12- عامر عبد العزيز ، الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية فقها وقضاءا ، دار الفكر العربي ، القاهرة .
13- عبد الحميد الشواربي ، الشهادة في المواد المدنية والتجارية والجنائية والأحوال الشخصية ، دار المطبوعات الجماعية ، الإسكندرية ، 1992 .
14- عبد الرحمان الجزيري ، كاتب الفقه على المذاهب الأربعة ، الجزء الرابع ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، لبنان ، 1969.
15- عبد الرزاق أحمد السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني ، الجزء الثاني ، المجلد الأول ، دار النهضة العربية ، القاهرة، 1982
16- عبد العزيز سعد، الزواج والطلاق في قانون الأسرة الجزائري ، الطبعة الثانية ، دار البعث ، قسنطينة ، 1989 .
17- عبد العزيز سعد، نظام الحالة المدنية في الجزائر ، الطبعة الثانية ، دار هومه ، الجزائر .
18- عمر زودة ، طبيعة الأحكام بإنهاء الرابطة الزوجية وأثر الطعن فيها ، أنسكلوبيديا ، بن عكنون ، الجزائر ،2003 .
19- فارس محمد عمران ، الزواج العرفي وصورة أخرى للزواج غير رسمي ، دار الجامعة الجديدة ، جمهورية مصر العربية ، 2001.
20- فضيل سعد ، شرح قاون الاسرة الجزائري في الزواج والطلاق ، الجزء الأول ، المؤسسة الوطنية للكتاب ، الجزائر ، 1986 .
21- الإمام محمد أبو الزهرة ، الأحوال الشخصية ، الطبعة الثانية ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1950 .
22- الإمام محمد أبو زهرة ، محاضرات في عقد الزواج وأثاره ، دار الفكر العربي ، جمهورية مصر العربية .
23- محمد عزمي البكري ، الأحوال الشخصية ، الجزء الخامس، دار محمود للنشر والتوزيع .
24- محمد فتح الله النشار ، أحكام وقواعد عبء الإثبات في الفقه الإسلامي وقانون الإثبات طبقا لأحداث أحكام محكمة النقض ، دار الجامعة الجديدة للنشر ، الإسكندرية ، 2000
25- د/ محمد كمال الدين إمام ، الزواج والطلاق في الفقه الإسلامي ، الطبعة الأولى ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، بيروت ، لبنان ، 1992.
26- الإمام محمد متولي الشعراوي ، أحكام الزواج والطلاق والخلع ، المكتبة التوفيقية ، سيدنا الحسين ، جمهورية مصر العربية .
27- د/ محمد محده ، سلسة فقه الأسرة الخطبة والزواج ، الجزء الأول ، الطبعة الثاني ، شهاب ، الجزائر ، 2000.
28- محمد مصطفى شبلي ، أحكام الأسرة في الإسلام ، الطبعة الثانية ، دار النهضة العربية ، بيروت ، لبنان ، 1977.
29- معوض عبد التواب ، المستحدث في القضاء الأحوال الشخصية ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 1991.
30- معوض عبد التواب ، موسوعة الأحوال الشخصية ، الجزء الأول ، الطبعة الرابعة ،دار الوفاء ، المنصور ، جمهورية مصر العربية ، 1988 .
31- د/ وهبة الزحيلي ، الفقه الإسلامي وأدلته ، الجزء السابع ، إعادة للطبعة الثالثة ، دار الفكر ، سورية ، 1996 .
باللغـة الفرنسيـة :

Ghaouti Benmelha , Eléments du droit Algerien de la famille,le mariage et sa dissolution, tome premier,office de pulbications universtaires, publisud, Paris ,1985 .

القـــــــــوانين و الأوامـــــــــــــر و المراسيم :
- قانـــــون الأســـــــــــــرة .
- القانون المدني ، الديوان الوطني للأشغال التربوية ، 2002 .
- قانون الإجراءات المدنية ، الديوان الوطني للأشغال التربوية ، 2002 .
- قانون العقوبات ، الديوان الوطني للأشغال التربوية ، 2002 .
- الأمر رقم 70-20 المؤرخ في 19/02/1970 المتضمن قانون الحالة المدنية .
-الأمر رقم 71-65 المؤرخ في 22/09/1971 المتعلق بإثبات كل زواج لم يكن موضوع عقد مدون في سجلات الحالة المدنية .
- الأمر 69-72 المؤرخ في 16/09/1969 المتضمن إستثناء لما نص عليه القانون 63-224
- الأمر 66-307 المؤرخ في 14/10/1966 المتضمن شروط تأسيس الحالة المدنية .
- قانون 63-224 المؤرخ في 29/06/1963 المتعلق بتعيين الحد الأدنى لسن الزواج ووجوب تسجيل عقد الزواج خلال أجل محدد .
- مرسوم 62-126 المؤرخ في 31/12/1962 المتعلق بإمكانية وكيفية تقييد حالات الولادة والزواج و الوفاة
- أمر 59-224 المؤرخ في 04/02/1959 والخاص بعقود الزواج التي يعقدها الأشخاص الذين يخضعون للأحوال الشخصية المحلية وذلك في عملات الجزائر والساورة و الواحات .
- قانون 57-777 الصادر خلال سنة 1957 المتعلق بإثبات وتسجيل عقود الزواج السابقة له .
- قانون 23/03/1882 المتعلق بالحالة المدنية للأهالي المسلمين بالجزائر المعدل بقانون 02/04/1930 .

المـجـــــلات القضائيـــة :
المجلة القضائية ،1989 ، العدد02 .
المجلة القضائية ، 1990 ، العدد 01 .
المجلة القضائية ، 1990 .العدد 03 .
المجلة القضائية ،1991 ، العدد 01 .
المجلة القضائية ، 1992 ، العدد 02 .
المجلة القضائية ، 1992 ، العدد 03.
المجلة القضائية ، 1993 ، العدد 02.
المجلة القضائية ، 1994 ، العدد 02.
المجلة القضائية ، 1997 ، العدد 01.
المجلة القضائية ، 2000 ، العدد 02.
المجلة القضائية ، 2001 ، العدد الخاص.
المجلة القضائية ، 2002 ، العدد 02.
نشرة القضاة ، 1990 ، العدد 55 .
مجلة العلوم القانونية والسياسية سنة 1962 ، رقم 04.
المقـــالات ومجلات ومذكـرات :
- بداوي علي ، مقال عقود الزواج العرفية ، مجلة قضائية ، 2002 ، العدد 02 .
- بداوي علي ، مقال عقود الزواج العرفية بين قصور أحكام القانون و متطلبات المجتمع ، موسوعة الفكر القانوني ، دار الهلال للخدمات الإعلامية .
- عمر زودة ، مقال دور النيابة العامة في الدعاوى المدنية ، مجلة قضائية ، 1991 .
-عمر زودة ، مقال حول التعليق على التطبيقات القضائية للمادة 141 من قانون الإجراءات المدنية ، مجلة قضائية ، 2002 ، العدد 01 .
- مجلة مغربيات ، مواطنات حتى تتمتعن بحقوقكن .
- عبد الله شناح ، الزواج العرفي ، مذكرة نهاية التربص بالمعهد الوطني للقضاء ، 1993 .