yacine414
2011-02-05, 15:08
عنوان هذه المذكرة العود بين حكم القانون والممارسة القضائية
مــقــدمــة
أولت العلوم الجنائية إهتماما كبيرا بالجريمة، باعتبارها ظاهرة إجتماعية لها وجودها الحتمي في كل مجتمع، وفي كل زمان ومكان، فسعت إلى تفسير العوامل التي أدت لإرتكابها من أجل الوصول إلى افضل الوسائل والأساليب فاعلية لمكافحتها، أو على الأقل الحد منها، فكانت هذه الأبحاث المصدر الأساسي للعديد من التشريعات، أين تم وضع نظام عقابي مضبوط بكيفية تحقق الغرض الذي وجد من أجله، فنجد أن غالبية التشريعات قد سنت عقوبات تدور في عمومها بين حد أدنى وحد أقصى وتركت سلطة الموازنة بين الحدين للقاضي الجزائي بناءا على مبدأ تفريد العقوبة، هذا الأخير الذي سيتوجب منح القاضي سلطة تقدير العقوبة بحسب ما يراه مناسبا لكل مجرم، ذلك أن العقوبة لا تحدد فقط على أساس الركن المادي للجريمة، وإنما تمتد إلى الركن المعنوي للجاني والذي يكمن في خطورته الإجرامية ، بحث تعد هذه الأخيرة إحدى المعايير الجوهرية لتقدير العقوبة المناسبة من طرف القاضي الجزائي، إذ كثيرا ما تظهر من خلال عودة الجاني للإجرام، الأمر الذي يستوجب إحاطته بمعاملة خاصة تختلف عن معاملة المجرم المبتدئ، وهو ما عمل المشرع على تجسيده على غرار التشريعات الأخرى، أين وضع نظام خاص بالعائدين للإجرام مانحا بذلك القاضي الجزائي سلطة تشديد العقوبة لهذه الفئة من المجرمين من اجل وضع حد لها في حالة تفشيها وإستفحالها في المجتمع.
وإذا عدنا لواقع المجتمع الجزائري، للمسنا عن قرب موجة الإجرام الخطيرة المتفشية، والتي أصبحت تهدد يوميا أمن وسكينة المواطن، بحيث يظهر ذلك جليا من خلال واقع القضاء الجزائري الذي اصبح يشهد في الآونة الأخيرة إكتضاضا كبيرا بالقضايا والملفات الجزائية، تعود في مجملها لفئة العائدين للإجرام، الأمر الذي اصبح يعكس حقيقة فرضت وجودها جعلتنا نتساءل عن:
وللإجابة عن هذه الإشكالية، تم إعتماد منهجية مزدوجة تجمع بين التحليل والمقارنة، فأما التحليل خصصناه للنصوص القانونية الواردة في قانون العقوبات والقوانين المكملة له، بما يكشف عن كيفية معالجة المشرع للعود، وكذا المقارنة بما عليها الوضع في التطبيق القضائي من خلال عرض قرارات المحكمة العليا باعتبارها المصدر الأساسي الذي يعكس مدى تكريس وإحترام قواعد القانون من طرف القضاء.
هذه المنهجية تفرض علينا تناول موضوع العود من زاويتين:
الأولى تتعلق بماهية العود (الفصل الأول) بما يحدد مفهومه وتمييزه عن باقي المفاهيم كلإعتياد والتعدد.
أما الثانية تتعلق بأحكام العود بين النظرية والتطبيق (الفصل الثاني) لقد خصصنا المبحث الأول لبيان شروطه أثار تطبيقه في قانون العقوبات والقوانين الخاصة، ثم تطرقنا في المبحث الثاني في كيفية إثباته وبيان الجهة القضائية المنوط بها ذلك،بل وعليه ستظهر الخطة مفصلة كما يلي:
الخـــطـــة
مــقــدمــة
الفصل الأول: مـاهـية العـود.
المبحث الأول: مفهوم العود.
المطلب الأول: تعريف العود.
المطلب الثاني: صور العود.
المبحث الثاني: تمييز العود عن المفاهيم المشابهة له.
المطلب الأول: تمييز العود عن الاعتياد.
المطلب الثاني: تمييز العود عن التعدد.
الفصل الثاني: أحكام العـود بين النظرية والتطبيق.
المبحث الأول : شروط العود وآثاره.
المطلب الأول: شروط العود وتطبيقاته.
المطلب الثاني: أثار تطبيق العود.
المبحث الثاني: طرق إثبات العود:
المطلب الأول: صحيفة السوابق القضائية.
المطلب الثاني: الأحكام القرارات القضائية. .
خــاتــمــة
الــفــصــل الأول: مـــاهــيــة الــعــود
الفصل الأول: ماهية العود
يقتضي البحث في موضوع ما، ودراسة الإشكاليات القانونية والعملية التي يطرحها أن يتم التعريف به،وبيان ماهيته، حتى يسهل فهم تفاصيله والتعمق في أحكامه، وبما أن الموضوع الذي نحن بصدد معالجته، محل غموض وإلتباس للعديد من الطلبة والقضاة، إرتأينا في هذا الفصل وقبل الدخول في شرح أحكامه المقررة قانونا، أن نخصصه لبيان مفهوم العود في المبحث الأول، وتمييزه عن المفاهيم المشابهة له في مبحث ثاني، قياسا إلى ما وصل إليه إجتهاد القضاء الجزائري في تطبيقه لقواعد العود.
المبحث الأول: مفهوم العود:
إن المشرع الجزائري و على غرار التشريعات الأخرى نظم أحكام العود في قانون العقوبات من دون أن يعطي تعريفا له، وإكتفى بذكر الحالات القانونية التي يعتبر فيها الجاني عائدا، تاركا بذلك مهمة تعريفه للفقه بناءا على ما توصل إليه علماء الإجرام والعقاب من الدراسات المعمقة لظاهرة العود إلى الجريمة، لذا إرتأينا تخصيص هذا المبحث لتوضيح مفهوم العود، وماذا يقصد به في المطلب الأول، ومن أجل توضيح اشمل وأوسع، سنعالج في المطلب الثاني الصور المختلفة للعود التي توصل إليها الفقه واقرها القانون في سنه لقواعد العود
المطلب الأول: تعريف العود:
لقد حظيت ظاهرة العود بإهتمام كبير من طرف علماء الإجرام والعقاب، باعتبارها تشكل معضلة الماضي والحاضر في مختلف المجتمعات، ولعل التعاريف التي توصل إليها علم العقاب وكذا علم الإجرام تكاد لا تختلف، لذلك إرتأينا أن نعطى تعريفا شاملا له دون الدخول في تفاصيل الظاهرة وأبعادها. فما المقصود بالعود؟
- يقصد بالعود الوصف القانوني الذي يلحق بشخص عاد إلى الإجرام بعد الحكم عليه بعقوبة بموجب حكم سابق) (، فهو ظرف شخصي لتشديد العقوبة كونه يتعلق بشخص الجاني بصرف النظر عن ماديات الجريمة أو الجرائم التي وقعت منه) (.
ذلك على عكس الظروف المشددة الخاصة، والتي تلحق بالجريمة فتزيد من جسامتها كان تكون الجريمة جنحة لاقترانها بظروف مشددة كالكسر، أو ظرف الليل، فإذا ما دخلت هذه الظروف على الجريمة وجب تشديد العقوبة على الجاني، في حين أن العود، التشديد فيه أمر إختياري خاضع للسلطة التقديرية للقاضي، وذلك بالنظر إلى خطورة الجاني الإجرامية والتي تظهر في حالة عدم إستجابته للإنذار السابق، حيث أنه رغم الحكم على الجاني بإدانته عن جريمة سابقة، فلم يرتدع، وعاد لمواصلة إجرامه باقترافه جريمة جديدة أو جرائم أخرى، وهو ما يستوجب تشديد عقوبته للقضاء على خطورته الإجرامية، هذه الأخيرة لا يتوقف دفعها على إشتراط كون الجاني متعمدا فيما يقع منه من جرائم، وإنما كونها تتم عن خطورة إجرامية للجاني تهدد أمن المجتمع وسكينته، مما يستوجب القضاء عليها ومكافحتها سواء كانت عمدية أو غير عمدية، وسواء جنايات أو جنح أو مخالفات دون الاستهانة بأي منها، بل ما يفرزه الواقع الجزائري هو أن الجرائم الغير عمدية وإن كانت غير جسيمة كالمخالفات، أصبحت أشد ضررا على سلامة أفراد المجتمع، وخير دليل على ذلك مخالفات المرور وما ينتج عنها من حوادث يومية تفوق في كيفها وكمها ما يقع من جنايات وجنح عمدية( ).
وعليه فإن العود يعد سببا عاما لتشديد العقوبة وعلة التشديد فيه ترجع لشخص الجاني، على أساس أن العقوبات السابقة لم تكن كافية لردعه وأنه ممن يستهينون بمخالفة القانون، فهو أخطر من الجاني الذي يجرم لأول مرة وبالتالي فهو سبب شخصي لتشديد لا ينتج أثره إلا فيمن توافر فيه دون أن يتعدى أثره إلي غيره(1).
المطلب الثاني: صور العود:
يرتبط بيان مفهوم العود بشرح صوره المختلفة والتي تنقسم لإعتبارات عديدة نعالجها كما يلي:
أولا: صور العود بإعتبار المماثلة بين الجريمة السابقة واللاحقة:
وينقسم إلى عود عام وعود خاص:
1- العود العام: والذي لا يشترط القانون فيه أن تكون الجريمة اللاحقة من نفس نوع الجريمة السابقة أو من مثيلاتها، وإنما يتطلب فقط عودة الجاني إلى إرتكاب أية جريمة جديدة.
2- العود الخاص: يشترط أن تكون الجريمة الجديدة مماثلة للجريمة السابقة، والتماثل قد يكون حقيقي كعودة إرتكاب الجاني لنفس الجريمة السابقة كالسرقة، وقد يكون تماثل حكمي أي بحكم القانون وذلك وفق ما نصت عليه المادة 57 من قانون العقوبات(1) بنصها:" تعتبر من نفس النوع لتحديد العود الجرائم التي تشملها إحدى الفقرات التالية:
1- إختلاس أموال الدولة والسرقة والنصب وخيانة الأمانة وإساءة إستعمال التوقيع على بياض وإصدار شيكات بدون رصيد والتزوير وإستعمال المحررات المزورة والإفلاس بالتدليس و إخفاء الأشياء المتحصلة من جناية أو جنحة التشرد.
2- القتل الخطأ والجرح الخطأ وجريمة الهرب والقيادة في حالة سكر.
3- هتك العرض بدون عنف والإخلال العلني بالحياء وإعتياد التحريض على الفسق والمساعدة على البغاء.
4- العصيان والعنف والتعدي على رجال القضاء والأعضاء المحلفين و رجال القوة العمومية.
وفي هذا الصدد قد يتساءل البعض عن الدافع الذي أدى بالمشرع الجزائري إلى النص على هذه الجرائم دون غيرها،فإن الدافع المنطقي والأكيد في رأينا هو كثرة وقوع هذا النوع من الجرائم في المجتمع الجزائري، وتفشيه بشكل سريع ورهيب والذي مس الجانب الإجتماعي والإقتصادي للبلاد، لذلك أحسن المشرع الجزائري بنصه على التماثل بين هذه الجرائم رغم إختلاف عناصرها.
ثانيا: صور العود باعتبار الفاصل الزمني بين الجريمتين:
وينقسم إلى عود مؤبد وعود مؤقت.
1- العود المؤبد: وهو الذي لا يشترط القانون فيه مدة معينة تفصل بين صدور الحكم السابق أو إنقضاء العقوبة وبين إرتكاب الجاني الجريمة اللاحقة، وذلك ما ذهب إليه المشرع الجزائري في نص المادة 54 من قانون العقوبات والتي سيأتي شرحها في حينها.
2- العود المؤقت: والذي يشترط فيه مدة زمنية معينة ما بين الحكم السابق أو بعد تنفيذ العقوبة وبين وقوع الجريمة الثانية، فإذا وقعت بعد إنقضاء هذه المدة فلا يتوفر العود، وقد أخذ به المشرع الجزائري في نص المادة 55 من قانون العقوبات.
ثالثا: صور العود باعتبار عدد الجرائم السابقة على الجريمة الجديدة:
وينقسم إلى عود بسيط وعود متكرر.
1- العود البسيط: وهي حالة وجود حكم سابق تلاه إرتكاب الجاني لجريمة جديدة.
2- العود المتكرر: ويطلق عليه أيضا تسمية العود المركب، والذي يتطلب إرتكاب جريمة جديدة بعد حكمين سابقين أو أكثر.
- وتجدر الإشارة إلى أن التداخل بين هذه الصور وارد، فقد يكون العود عام وفي نفس الوقت مؤبد وبسيط أو خاص، وفي نفس الوقت مؤبدا أو مؤقتا وبسيطا أو متكررا وهكذا، وسنبين هذا التداخل عند التطرق لحالات العود أين يظهر ذلك جليا.
المبحث الثاني: تمييز العود عن المفاهيم المشابهة له:
كثيرا ما يخلط القضاة بين أحكام العود وبعض ما يشبهه من مفاهيم قانونية لاسيما مسألة الإعتياد والتعدد، وذلك يرجع في رأينا لعدم تحكمهم وإلمامهم بالشروط والأحكام المقررة لتطبيق كل منها، الأمر الذي يؤدي بهم إلى الوقوع في أخطاء عديدة أثناء تطبيق العقوبة على معتادي الإجرام، مما يجعل قراراتهم محل نقض من المحكمة العليا لخرقها القواعد المقررة قانونا.
هذا الواقع العملي الذي تعكسه قرارات المحكمة العليا دفعنا إلى تخصيص هذا المبحث لتوضيح المفاهيم بالتمييز بين قواعد العود والإعتياد في المطلب الأول، أما في المطلب الثاني سوف نتطرق إلى التمييز بين قواعد العود والتعدد مع التركيز على مسألة ضم ودمج العقوبات، مدعمين ذلك بأهم التطبيقات القضائية التي جاءت في هذا الصدد كمحاولة بسيطة منا لرفع اللبس والغموض الواقع في هذه المسألة.
المطلب الأول: تمييز العود عن الإعتياد:
إن مصطلح الإعتياد في قانون العقوبات الجزائري له مدلول مزدوج سوف نوضحه من خلال تمييزه مع العود كما يلي :
يشترك الإعتياد مع العود في عنصر تكرار الحدث الإجرامي، غير أن حالة العود يشترط فيها أن يمثل كل فعل من الأفعال جريمة في حد ذاتها، وأن يصدر حكم بات قبل وقوع الجريمة الجديدة عكس جرائم الإعتياد، والتي يقصد بها الإعتياد على أفعال يعد تكرارها جريمة قائمة بذاتها، فالفعل الواحد في جريمة الإعتياد لا يمثل في حد ذاته جريمة يعاقب عليها القانون، وإنما يعاقب على إرتكاب الجاني هذه الأفعال عدة مرات، ومن الأمثلة التي نضربها على ذلك، الإعتياد على ممارسة التسول المنصوص والمعاقب عليه بنص المادة 195 من قانون العقوبات(1) :
"يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر كل من اعتاد ممارسة التسول في أي مكان كان وذلك رغم وجود وسائل العيش لديه أو إمكانه الحصول عليها بالعمل أو بأية طريقة مشروعة أخرى".
فالمجرم المعتاد هو المجرم المحترف، أي الذي يعتمد على الجريمة في كسب عيشه ويعتبرها مهنته الأساسية.
- كما أخذ المشرع الجزائري بالإعتياد كظرف مشدد، في حالة توافره يؤدي إلى تشديد العقوبة، وهي الحالة التي يعد كل فعل فيها معاقب عليه قانونا لأنه يمثل جريمة في حد ذاته، فإذا ما تكررت هذه الجرائم شدد القانون العقوبة على مرتكبيه ، كما هو الأمر بالنسبة لحالة الإعتياد على ممارسة الإجهاض أو على المساعدة عليه وفق ما ذهبت إليه المادة 305 من قانون العقوبات، بنصها :
" إذا ثبت أن الجاني يمارس عادة الأفعال المشار إليها في المادة 304 فتضاعف عقوبة الحبس في الحالة المنصوص عليها في الفقرة الأولى وترفع عقوبة السجن المؤقت إلى الحد الأقصى"(1)
وما يمكن إستنتاجه مما سبق شرحه أن الإشكال لا يطرح بشكل كبير بين أحكام العود والإعتياد لعدم وجود صعوبات في تطبيق العقوبات المقررة لجرائم الإعتياد، أو في الحالة التي يعد فيها الإعتياد ظرفا مشددا للعقوبة، وهذا على العكس من تطبيق أحكام العود والتعدد، إذ كثيرا ما تتداخل المفاهيم بينها، الأمر الذي تعكسه الممارسة القضائية في المحاكم والمجالس القضائية وسنحاول بيان ذلك في المطلب الثاني.
المطلب الثاني: تمييز العود عن التعدد:
يعتبر تعددا في الجرائم أن ترتكب في وقت واحد أو في أوقات متعددة عدة جرائم لا يفصل بينها حكم نهائي(1)، فتعدد الجرائم يتفق مع العود في أن كل منهما يلزم لتوافره تكرار الجريمة من الجاني نفسه، إلا أن أهم الإختلافات الموجودة بين الأحكام المقررة لكل منهما ما يلي:
- أن العود لا يتحقق إلا بصدور حكم بات في جريمة سابقة قبل إرتكاب جريمة لاحقة، في حين أن التعدد لا يتطلب وجود مثل هذا الحكم بل تتم محاكمة الجاني عن كافة الجرائم التي إرتكبها.
- إن العود سبب لتشديد العقوبة في حالة توافر شروطه، في حين أن التعدد في ذاته لا يبرر تشديد العقوبة إذ يحكم في كل منها كقاعدة عامة بعقوبتها دون تشديد.
- كما أن التمييز بين العود والتعدد لا يمكن أن يتضح إلا بعرض مبسط وإجمالي لقواعد التعدد بإعتبار أن الفائدة العملية من التمييز بين هذه الأحكام تكمن بالخصوص في العقوبة الواجب تطبيقها من طرف القاضي الجزائي، ذلك أن العود ظرف شخصي لصيق بالجاني، فإن تشديد العقوبة فيه يكون حسب الحالات المقررة قانونا والتي سيأتي شرحها في الفصل الثاني، في حين أن التعدد صفة تلحق نشاط الجاني وسلوكه وتطبيق العقوبة فيه يختلف بحسب ما إذا كنا بصدد تعدد صوري أو حقيقي.
فأما التعدد الصوري : نعني به إحتمال جريمة واحدة لأكثر من وصف قانوني واحد، كمن يرتكب جريمة هتك عرض في مكان عام، فهذه الجريمة تقبل هذا الوصف المعاقب عليه بالسجن من خمس إلى عشر سنوات بنص المادة 336 من قانون العقوبات، كما قد يحتمل وصفها بجريمة الفعل العلني المخل بالحياء، المعاقب عليها بالحبس من شهرين إلى سنتين بنص المادة 333 من قانون العقوبات، وفي هذا الصدد أخذ المشرع الجزائري بالوصف الأشد من بينها(1)، وبالتالي فإن عقوبة الجريمة الأشد هي التي تطبق، وعليه ففي المثال السابق فإن الوصف الأشد هو هتك العرض والعقوبة الواجبة التطبيق هي السجن من خمس إلى عشر سنوات بإعتبارها العقوبة الأشد.
وهذا ما أكدته المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 12/04/1988 ملف رقم
51759(2) ، والذي انتهى إلى ما يلي:
"من المقرر قانونا أنه يجب أن يوصف الفعل الواحد الذي يحتمل عدة أوصاف بالوصف الأشد من بينها، ومن ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خطأ في تطبيق القانون.
ولما كان من الثابت في قضية الحال أن محكمة الجنايات وصفت جريمة واحدة بوصفين مختلفين، فإنها تكون بقضائها كما فعلت خالفت القانون.
ومتى كان كذلك أستوجب نقض الحكم المطعون فيه".
أما التعدد الحقيقي : والذي يقصد به أن يرتكب الجاني عدة جرائم تستقل الواحدة منها عن الأخرى دون أن يفصل بينها حكم قضائي. وهنا نفرق بين حالتين:
الحالة الأولى :وحدة المتابعة: أي إحالة الجرائم كلها إلى نفس المحكمة، فيطبق نص المادة 34 من قانون العقوبات والتي تنص على الحكم بعقوبة واحدة سالبة للحرية وفي حدود الحد الأقصى المقرر للجريمة الأشد.
الحالة الثانية: تعدد المتابعات : أي خضوع المتهم لعدة محاكمات وجب أن تنفذ عقوبة واحدة من هذه الأحكام وهي العقوبة الأشد بناءا على ما نصت عليه المادة 35 الفقرة الأولى من قانون العقوبات(1)، وقد صدر قرار من المحكمة العليا يؤكد ذلك، بتاريخ 24/07/2001 ملف رقم 269986 (2)والذي انتهى إلى:
"من المقرر قانونا أنه إذا صدرت عدة أحكام سالبة للحرية بسبب تعدد المحاكمات فإن العقوبة الأشد وحدها هي التي تنفذ.
وما دام طلب الطاعن جاء واضحا فإنه كان يتعين على غرفة الإتهام مراعاة أحكام المادة 35 فقرة 1 من قانون العقوبات المشار إليها والتي تطبق على قضية الحال".
ومن بين التطبيقات القضائية لهذه المادة في مجلس قضاء وهران نجد قرار صادر عن الغرفة الجزائية بتاريخ 28/08/2005 ملف رقم 6898(3)أين قضى المجلس برفض طلب دمج العقوبات على أساس أن ما جاء في الفقرة الأولى من المادة 35 قانون العقوبات ينفذ بقوة القانون دون حاجة لتدخل قاضي الموضوع في ذلك، وهذا ما نستخلصه من حيثيات القرار:
"حيث أنه لا يوجد نص قانوني يسمح للمحكوم عليه بتقديم طلب جب العقوبات المحكوم بها عليه إلى جهة قضائية معينة.
حيث أنه في حالة صدور عدة أحكام سالبة للحرية نافدة في حق محكوم عليه فإن العقوبة الأشد وحدها هي التي تنفد بقوة القانون.
ولا دخل لقاضي الموضوع في ذلك و لا سلطة له في دمج العقوبات عملا بأحكام الفقرة الأولى من المادة 35 من قانون العقوبات".
ونجد أن ما ذهب إليه قضاة المجلس صائب وسليم كون أن دمج العقوبات يطبق بقوة القانون دون أي تدخل من طرف قاضي الحكم وهذا ما أقرته المحكمة العليا في القرار الصادر بتاريخ 01/07/2003 ملف رقم 277123 في إحدى حيثياته كما يلي: "حيث أن الحالة الأولى التي تخص الدمج تكون في حالة تعدد المحاكمات وصدور عدة أحكام سالبة للحرية بعدد القضايا المحالة على المحكمة ففي هذه الحالة وطبقا للقانون وبقوة القانون يجب تنفيذ عقوبة واحدة من بين هذه العقوبات وهي العقوبة الأشد التي صدرت في كل هذه الأحكام، وهذه العملية هي التي تسمح دمج العقوبات، وتطبق بقوة القانون ولا دخل لقاضي الحكم فيها ولا سلطة لها بالأمر بدمجها لأنها تدمج بقوة القانون كما أسلفنا، هذه هي الحالة المطروحة في قضية الحال فيكون إذن قضاة المجلس قد أصابوا فيما قضو برفض الطلب"(1)
وتجدر الإشارة إلى أن تنفيذ العقوبة الأشد لا يمحى العقوبات الأقل شدة إذ تعتبر قد نفذت فعلا بعد تنفيذ العقوبة الأشد ويبقى لها تأثيرها كسابقة في العود،لذلك أطلق عليها مصطلح الجب كذلك بإعتبار أن العقوبة المطبقة تجب العقوبات الأخرى.
ويعد تطبيق دمج العقوبات المنصوص عليها بالمادة 35 الفقرة الأولى بقوة القانون نقطة الاختلاف مع ضم العقوبات إذ لا يجوز كقاعدة عامة ضم العقوبات، ولكن كاستثناء
أجاز، المشرع للقاضي الجزائي ضم العقوبات السالبة للحرية للمحكوم عليه في عدة محاكمات إذا كانت من طبيعة واحدة وذلك بقرار مسبب بضمها في نطاق الحد الأقصى المقرر قانونا للجريمة الأشد، وهو ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 35 قانون العقوبات(2)، وهذا ما أقرته المحكمة العليا في القرار الصادر بتاريخ 22/01/2002 ملف رقم 85942:
"لا يجوز لمحكمة الجنايات أن تقضي بضم عقوبتين جنائيتين مختلفة من حيث النوع ما دام الأمر متعلق بتنفيذ العقوبة الأشد وهي السجن المؤبد"(1).
إلا أن تطبيق الفقرة الثانية من المادة 35 قانون العقوبات في الواقع العملي مغاير لما نص عليه المشرع نتيجة التفسير الخاطئ للمادة من طرف القضاة رغم وضوح النص.
إذ أن الفقرة الثانية تشير إلى جواز الضم شرط أن تكون العقوبات المحكوم بها من طبيعة واحدة وليس الجرائم التي توبع من أجلها طالب الضم، إلا أن التفسير الخاطئ أدى بالقضاة إلى رفض الكثير من طلبات الضم المقدمة على أساس أن الجرائم المدان من أجلها طالب الضم ليست من طبيعة واحدة، في حين أن الشرط الذي جاءت به المادة يخص بالذكر العقوبات وليس الجرائم، وهذا ما لا حظنا تطبيقه أثناء تربصنا بمجلس قضاء وهران إذ صدرت العديد من القرارات التي تم رفض طلب الضم فيها أو قبولها بالنظر إلى وحدة طبيعة الجرائم دون العقوبات، وقبل أن نعرض هذه القرارات تجدر بنا الإشارة إلى قرارات المحكمة العليا في هذا الصدد حتى ندعم تفسيرنا للفقرة الثانية من المادة 35 من قانون العقوبات وإن كانت واضحة لا تحتاج إلى تفسير، ولا بأس أن نشير إلى القرار الصادر عن المحكمة العليا بتاريخ 29/10/1985 رقم 43950(2) والذي أقر بما يلي:
"لا يسمح بضم العقوبات السالبة للحرية إلا إذا كانت العقوبات لا الجرائم من طبيعة واحدة طبقا للمادة 35 من قانون العقوبات" وقد أسست المحكمة العليا قرارها بالحيثية التالية:
"حيث أن المادة المذكورة والتي اعتمدت عليها غرفة الاتهام في قرارها لا تسمح بضم العقوبات السالبة للحرية إلا إذا كانت العقوبات لا الجرائم من طبيعة واحدة أي من نوع واحد.
وحيث أن في قضية الحال فالعقوبتان المحكوم بهما على الطاعن صارتا نهائيتين وهما ليستا من نوع واحد بل مختلفتين إذ الأولى جنحة (أربع سنوات حبس) والثانية جناية (عشرة أعوام سجن).
وحيث إذن فإدماجهما أصبح وجوبي بحكم القانون".
وكذا القرار الصادر بتاريخ 24/07/2001 ملف رقم 269984(1) والذي أشار في إحدى حيثياته إلى ما يلي:
"حيث أن المادة المذكورة تفرض في فقرتها الأولى أن تطبق العقوبة الأشد وحدها في حالة تعدد المحاكمات على وقائع لا يفصل بينها حكم نهائي، وهو ما وقع في دعوى الحال، وإستثناءا من هذه القاعدة، يجوز للقاضي إذا كانت العقوبات المقضي بها من طبيعة واحدة أن يقضي بضمها كلها أو بعضها في حدود الحد المقرر قانونا للجريمة الأشد، وأن هذا الضم ليس إجباريا بل جوازيا وعلى القاضي تعليله، وأما إذا لم تكن العقوبات من طبيعة واحدة أي أن بعضها جنحية وبعضها جنائية فإنها تدمج وتنفذ جميعها في نفس الوقت في حدود العقوبة الأشد".
وإذا عدنا إلى الممارسة القضائية وما تعكسه القرارات القضائية في هذا الصدد نجد القرار الصادر عن الغرفة الجزائية بمجلس قضاء وهران بتاريخ 18/04/2004 تحت رقم 2487 أين قضى بضم العقوبات في شق منه كون أن الجرائم المدان من أجلها طالب الضم من طبيعة واحدة، ورفض باقي العقوبات لنفس السبب وهذا ما يستفاد من حيثيات القرار:
"حيث أنه يتعين ضم العقوبات المحكوم بها بموجب الحكم المؤرخ في 26/10/2003 فهرس رقم 5325/03 والقرار المؤرخ في 17/11/2003 فهرس رقم 5858/03 كون أن الجريمة هي من طبيعة واحدة أي السرقة، أما الأحكام الأخرى فإن الجريمة هي السرقة لكنها مقترنة بجرائم أخرى مما يستوجب رفض طلب الضم بشأنها" ونفس الأمر بالنسبة للقرار الصادر بتاريخ 18/04/2004 تحت رقم 2485(1).
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع الجزائري جعل ضم العقوبات في مواد المخالفات وجوبي طبقا لنص المادة 38 من قانون العقوبات.
وقد لاحظنا من خلال ما سبق طرحه من أحكام التعدد وذلك بصفة مجملة ومبسطة مدعمين ذلك بقرارات المحكمة العليا، الصعوبة التي يتلقاها القضاة في تطبيق أحكامه، فكيف الأمر إن تداخلت هذه الأحكام مع قواعد العود؟ .
برجوعنا للواقع العملي، لاسيما التطبيقات القضائية نلمس عن قرب الأخطاء التي يقع فيها القضاة وذلك بمجرد الإطلاع على قرارات المحكمة العليا والتي أقرت وصرحت في العديد من المرات عن الخلط الحاصل بين القواعد التي تحكم العود والتعدد، وهذا ما يستفاد خاصة من القرار الصادر بتاريخ 01/07/2003 ملف رقم 277123(2) والذي إنتهى إلى:
"إن اعتماد قضاة المجلس لرفض طلب ضم العقوبات وإعتبارها حالة عود مشددة لا يؤدي إلى نقض القرار المطعون فيه مادامت النتيجة قانونية حتى ولو أسست على تعليل غير كاف ".
فبالرجوع لهذا القرار نجد أن قضاة الغرفة الجزائية لمجلس قضاء المسيلة إعتبروا مبالغة الجاني في جرائم إصدار شيك دون رصيد أنه في حالة عود رغم عدم وجود حكم فاصل بين هذه الجرائم، في حين يعد في قضية الحال تعدد للجرائم وليس عود، كما أنهم من جهة أخرى أخلطوا بين الفقرة الأولى والثانية من نص المادة 35 من قانون العقوبات وهذا ما يستفاد من حيثيات القرار الذي انتهت إليه المحكمة العليا وذلك كما يلي: "الوجه الثاني: المأخوذ من الخطأ في تطبيق القانون:
وذلك بدعوى أن القرار المطعون فيه سبب قضاءه على أن الموضوع يتعلق بدمج العقوبات المحكوم بها على الطالب وأضاف بأن ضم العقوبات جوازي و مادام أن الطالب بالغ في جرائم إصدار شيك بدون رصيد فان المجلس يعتبر ذلك ظرفا مشددا ويقضى تبعا لذلك برفض الطلب وهذا التعليل مخالف للقانون و خطأ في تطبيقه"
الوجه الثالث : المأخوذ من قصور الأسباب: "حيث أنه كما أسلفنا فان قضاة المجلس بالفعل جاءوا بأسباب مخالفة للقانون فزيادة على خلطهم بين الحالتين المذكورتين بالمادة 35 من قانون العقوبات كما سبق شرحه قد اعتمدوا على تعدد الجرائم واعتبروها حالة عود مشددة وعلى أساسه رفضوا الطلب".
- وتجدر الإشارة إلى أن المحكمة العليا سبق لها وأن عالجت هذه النقطة في كثير من قراراتها سابقا كالقرار الصادر بتاريخ 12/04/1992 ملف رقم 92861(1) والذي صرحت المحكمة العليا في إحدى حيثياتها على الخطأ في تطبيق أحكام العود والتعدد كما يلي:
"حيث أن قضاة الاستئناف أخلطوا بين قواعد المنصوص عليها في المادتين 33 و35 من قانون العقوبات مع قواعد العود المنصوص عليها في المادتين 55 و56 من قانون العقوبات" وكذا القرار الصادر عن المجلس الأعلى سابقا بتاريخ 24/12/1981 ملف رقم 25870(1) أين طبق قضاة المجلس قواعد العود في حين كان عليهم تطبيق قواعد الضم وهي النتيجة التي توصل إليها المجلس الأعلى في حيثيات قراره كالتالي:
الوجه الثاني: المأخوذ من انعدام الأساس القانوني لتصريح مجلس قضاء جيجل أن المتهم هو في وضعية العود ويخضع لأحكام المادة 57 من قانون العقوبات بينما الوقائع التي كانت السبب في إصدار العقوبة الثانية، إرتكبت قبل منطوقة العقوبة الأولى وبكيفية كان من المفروض على مجلس قضاء جيجل التصريح بضم العقوبات وليس الإلتجاء لتطبيق العود".
- ونخلص بعد هذه الدراسة البسيطة لأحكام التعدد ومقارنتها بما هو جاري به العمل النقص الكبير الموجود لدى قضاة المحاكم والمجالس القضائية في التمييز بين القواعد السابق شرحها، نظرا لعدم تمكنهم الإلمام والفهم السليم لأحكامها، وفصلها عما يشبهها من قواعد، الأمر الذي جعل تطبيق قواعد العود من طرف القضاة قليل إن لم يكن منعدم، خاصة وأن المشرع قد ترك أمر تطبيقه جوازي للقاضي، وحتى وإن تم تطبيقه فكثيرا ما يتم خرق أحكامه وقواعده، نظرا لعدم مراعاة شروطه لذا سنحاول في الفصل الثاني أن نشرح القواعد التي تحكم العود كمحاولة بسيطة لتوضيح هذا الموضوع بناءا على أهم القرارات التي عالجت أحكامه.
الفصل الثاني: أحكام العود بين النظرية والتطبيق.
لقد أفرد المشرع الجزائري للعود قسما خاصا وهو القسم الثالث من الفصل الثالث الوارد تحت عنوان شخصية العقوبة من الباب الثاني المعنون بمرتكبي الجريمة تحت الكتاب الثاني والذي ورد تحت عنوان "الأفعال والأشخاص الخاضعون للعقوبة"، وذلك في ستة مواد من المادة 54 إلى غاية المادة 59 من قانون العقوبات، تكلم فيها عن حالات العود، أدرج ضمنها شروط خاصة بها، متى تحققت جاز للقاضي تطبيق العود، وبالتالي تشديد العقوبة على العائد، إلا أن ذلك لا يتأتى إلا بعد إثبات عودة الجاني للإجرام بطرق معينة، أدرجت بعضها في قانون الإجراءات الجزائية، لذلك ارتأينا في هذا الفصل، أن نوضح شروط العود وآثار تطبيقه في المبحث الأول، بناءا على ما أقره القانون، وما جرى عليه التطبيق في المحاكم والمجالس القضائية.ثم نتطرق في المبحث الثاني إلى طرق إثباته.
المبحث الأول: شروط العود وآثاره:
ينبغي لقيام ظرف العود كسبب مشدد للعقوبة توافر شروط عامة لتطبيقه إلى جانب الشروط الخاصة بكل حالة، وتعد هذه الشروط قواعد عامة بانعدامها ينعدم تطبيق العود على الجاني، إلا أننا برجوعنا للقوانين الخاصة، نجد أن المشرع لم يغفل النص على حالة العود فيه، لذلك إرتأينا أن نخص هذه القوانين بالدراسة لبيان ما إذا كانت أحكامها تختلف عن القواعد العامة للعود أم أنها تخضع لنفس الأحكام وذلك بتسليط الضوء على ما ذهب إليه قضائنا ببيان مدى مراعاته لما أقره القانون.
المطلب الأول: شروط العود وتطبيقاته:
أولا: الشروط العامة للعود:
يعد من الشروط الجوهرية لتطبيق العود صدور حكم سابق بالإدانة على الجاني، وإرتكاب نفس الجاني لجريمة لاحقة، إلا أن هذه الشروط على بساطتها كما تبدو تتخللها تفاصيل دقيقة لا يستهان بها والتي جعلت العديد من قرارات القضاة محل طعن بالنقض نظرا لإعفالها من طرفهم وهذا ما سوف نوضحه من خلال التطبيقات القضائية لشروط العود من طرف القضاء الجزائري وذلك كما يلي:
الشرط الأول: صدور حكم سابق بالإدانة على الجاني:
1- إن ظرف العود لا يعد سببا للتشديد إلا إذا صدر حكم بالإدانة بعد الجريمة الأولى وقبل إرتكابه الجريمة الثانية، فلا إنذار بصدور حكم بالبراءة أيا كان سببها سواء لعدم وقوع جريمة أصلا أو لعدم مساءلة الجاني عنها مساءلة جنائية(1)، كما لا يعتد بالأحكام السابقة الصادرة بأحد التدابير الإحترازية كالأحكام الصادرة ضد الأحداث لإعتبارها سابقة في العود، أو كأن تكون صادرة بإحدى العقوبات التكميلية مثل المصادرة الجزئية للأموال أو تحديد الإقامة وفق نص المادة 9 من قانون العقوبات(2) ولا يشترط أن تنفذ العقوبة المقررة فعلا على الجاني، فالحكم بالإدانة يعد سابقة في العود سواء نفذ أو لم ينفذ كهروب المحكوم عليه مثلا.
2- يحب أن يكون الحكم الذي يعد سابقة في العود حكم بات مستنفدا كل طرق الطعن وأصبح نهائيا حائزا لقوة الشيء المقضي فيه، كما يشترط في الحكم الصادر بالإدانة أن يكون قائما قانونيا ومنتجا لآثاره، فإذا سقط بالعفو الشامل أو برد الإعتبار أو بوقف التنفيذ إذا تم إلغاءه، فيصبح الحكم كأنه لم يكن ولا يمكن إعتباره سابقة في العود.
* وفي هذا الصدد يتبادر إلى ذهننا سؤال على قدر من الأهمية:
هل يستفيد العائد من عقوبة مع وقف التنفيذ؟ الجواب يكون ببساطة، لا يمكن ذلك، لأن المشرع الجزائري إشترط لإفادة المتهم من عقوبة مع وقف التنفيذ أن لا يكون قد سبق عليه الحكم بالحبس لجناية أو جنحة من جرائم القانون العام، إلا أننا قد لا حظنا في الواقع العملي وأخص بالذكر على مستوى محكمة ومجلس قضاء وهران تطبيقا مخالفا لما أقره القانون، وذلك بمجرد إلقاء نظرة بسيطة على صحيفة السوابق القضائية لعينة من المتعودين على الإجرام، إذ كثيرا ما تتم إفادتهم بعقوبة مع وقف التنفيذ بالرغم من وجود أحكام سابقة بالإدانة، وهذا يعد خرقا لأحكام المواد 592، 594 من قانون الإجراءات الجزائية(1)، وقد أشارت المحكمة العليا في العديد من قراراتها لذلك لاسيما القرار الصادر بتاريخ 04/04/2000 ملف رقم 210789 (2) والذي انتهى إلى:
"الواضح من القرار المطعون فيه أن المتهم متعود على اقتراف نفس الأفعال المنسوبة إليه وسبق الحكم عليه بالحبس، وبالتالي فإن القضاء بإفادته بأحكام وقف التنفيذ يعد خرقا لمقتضيات المادة 592 من قانون الإجراءات الجزائية مما ينجر عنه النقض"
وكذا القرار الصادر بتاريخ 24/06/2003 ملف رقم 307264((1)والذي إنتهى:
"إن القضاء بعقوبة موقوفة التنفيذ على متهم مسبوق قضائيا يعرض الحكم للنقض"، وقد أسس قضاة المحكمة العليا قرارهم بناءا على الحيثية التالية:
"حيث أجازت المادة 592 ق.إج للمحاكم والمجالس القضائية منح وقف التنفيذ العقوبة الأصلية المحكوم بها، إذا لم يكن المحكوم عليه مسبوق قضائيا ولم يحكم عليه بالحبس لجناية أو جنحة بينما المتهم في هذه القضية مسبوق قضائيا فضلا عن ذلك فقد نصت المادتين 55 و56 على أحكام العود وتشديد العقوبة على المحكوم عليه وهو ما لم تلتزم به محكمة الجنايات مما يعرض حكمها للنقض بشأن المتهم (م.ع)"، ونفس ما ذهب إليه قضاة المحكمة العليا في القرار الصادر بتاريخ 05/01/2004 ملف رقم 274189(2)
وقد أصدر المجلس الأعلى سابقا قرار ذهب فيه إلى عدم جواز الحكم بعقوبة مع وقف التنفيذ للمحكوم عليه العائد في القرار الصادر بتاريخ 17/05/1983 ملف رقم 30252(3) إذ جاء في إحدى حيثياته.
"الوجه الوحيد بشطريه المأخوذ من خرق القانون لعدم إعتبار مجلس قضاء لعقوبة سابقة لتطبيق عقوبات العود، فكان بذلك خارقا المادة 56 الفقرة الثانية من قانون العقوبات من جهة وكونه من جهة أخرى أن المتهم استفاد من إجراء إيقاف التنفيذ بينما كان محكوما عليه بعقوبة سجن خلال فترة خمس سنوات فكان هذا الإجراء خرقا لأحكام المادة 592 من قانون الإجراءات الجزائية".
فبمجرد إطلاعنا على هذه القرارات نجد أن قضاة المحكمة العليا يؤكدون على وجوب تطبيق قواعد العود على معتادي الإجرام وليس إفادتهم بعقوبات مع وقف التنفيذ، ورغم ذلك يبقى الواقع العملي يعكس تطبيقا مخالفا تماما لما أقره القانون، إذ أننا نجد الأحكام التي تصدر بعقوبات مع وقف التنفيذ تحتل الصدارة الأولى من بين الأحكام والقرارات الصادرة، وذلك سواء بوجود صحيفة السوابق القضائية في الملف الجزائي أو بإنعدامها، إذ يتم إفادة معظم المتهمين بعقوبات مع وقف التنفيذ بالرغم من كونهم عائدين للإجرام، وهذا راجع في رأينا لعدم منح أهمية لصحيفة السوابق القضائية من طرف بعض القضاة، وكذا قراءتهم السطحية لنصوص مواد قانون الإجراءات الجزائية لا سيما المواد 592-594 وإن كانت واضحة وصريحة لا تستدعي أي تحليل أو تفسير.
- ويلزم القانون أن يكون الحكم الصادر بالإدانة مصرح به من قبل المحاكم الجزائرية لإحتسابه كسابقة في العود، إذ لا يعتد بالأحكام الأجنبية من ناحية عدم إحتسابها سوابق في العود حتى ولو كانت نهائية سواء بالنسبة للأجانب أو الجزائريين وهذا ما إستقر عليه العرف الدولي(1)، وفي هذا الصدد يشترط القانون أن يصدر الحكم السابق بالإدانة من المحاكم العادية أو المحاكم العسكرية شرط أن تكون ضد الجرائم المعاقب عليها طبقا للقوانين الجزائية العادية وليس العسكرية وهذا ما جاءت به المادة 51 من قانون العقوبات، وما أكدته المادة 232 من أمر رقم 73-04 المؤرخ في 5 يناير سنة 1973 الذي يتضمن إكمال المادة 224 من الأمر 71-28 المؤرخ في 22 أفريل 1971 المتعلق بقانون القضاء العسكري كما يلي:
"إن العقوبات الصادرة عن جناية أو جنحة عسكرية لا يمكن أن تجعل المحكوم عليه في حالة العود.
وتطبق المحاكم العسكرية أحكام المادة 54 وما يليها من قانون العقوبات على الحكم في الجرائم التابعة للقانون العام(1).
الشرط الثاني: إرتكاب نفس الجاني جريمة لاحقة
يقصد بإرتكاب نفس الجاني جريمة لاحقة، إرتكابه لجريمة ثانية بعد الحكم الأول البات، على أن تكون الجريمة الثانية مستقلة عن الجريمة الأولى المحكوم فيها، فلا يطبق ظرف العود إذا كانت الجريمة الجديدة مرتبطة بالجريمة الأولى، أو أن تكون الغاية منها التخلص من آثار الجريمة الأولى كالهروب من السجن ، فلا يطبق ظرف العود عليه لكونه كان مستحيلا عليه إرتكاب الجريمة الثانية لولى الأولى(2).
هذه القواعد أقرنها وأكدتها المحكمة العليا في العديد من قراراتها أتناء بسط رقابتها على القرارات القضائية القليلة والتي طبق فيها القضاة أحكام العود، وهذا ما نجده في القرار الصادر بتاريخ 12/04/1992 ملف رقم 92861(3).
"من المقرر قانونا وطبقا لأحكام المادة 56 التي تحيل على المادة 55 من قانون العقوبات، فإن حالة العود متوقفة على شرط وحيد يتمثل في أن تكون الجريمة الثانية المتابع من أجلها مرتكبة بعد الجريمة الأولى التي حكم فيها بعقوبة نهائية حائز على قوة الشيء المقضي فيه.
ولما ثبت في قضية الحال أن الأفعال التي تسببت في العقوبة الثانية، إرتكبت قبل أفعال العقوبة الأولى، فإن قضاة الموضوع لما طبقوا على المتهم قواعد العود، يكونون قد أساءوا تطبيق القانون لأن المتهم لا يوجد قانونا في حالة العود".
وكذا القرار الصادر بتاريخ 29/09/1980 عن مجلس قضاء جيجل أين طبق القضاة العود على المتهم دون التأكد من الطابع النهائي للعقوبة السابقة وإكتفوا بالإشارة إلى نص المادة 57 من قانون العقوبات، دون مراعاة شروطها لاسيما المتعلقة بالمدة الزمنية مما جعل قرارها محل إلغاء من طرف المحكمة العليا والتي أصدر قرارها بتاريخ 24/12/1981 ملف رقم 25870(1)، أين إنتهت فيه
"أن اكتفاء قضاة المجلس في قرارهم بالإشارة إلى السوابق القضائية المتهم والإشارة للمادة 57 من قانون العقوبات دون معاينة الطابع النهائي للعقوبة الأولى ولا إلى شروط الزمن المنصوص عليه في المادتين 55 و56 من قانون العقوبات لتطبيق أحكام العود لا يبرر تطبيق العود".
هذا وقد صدر قرار بتاريخ 17/07/1980 عن مجلس قضاء البليدة والذي حاول القضاة تطبيق العود فيه، إلا أنهم أخطؤا في ذلك مما جعل قرارهم محل طعن بالنقض أين أصدرت المحكمة العليا قرارها بتاريخ 5 مارس 1981 ملف رقم 25575(2) والذي يستفاد منه أن قضاة المجلس طبقوا العود مسـتـندين في ذلك على عقـوبات وقعت بـتاريخ 09/07/1977 و 13/05/1978، في حين أن الوقائع المؤاخذ عليها المدعي إرتكـبت بتاريخ 27/03/1976 و 09/03/1976 أي أنها إرتكبت قبل العقوبات المدان بها المتهم في القرار الحالي وليست لاحقة لها مما لا يجعله عائدا في قضية الحال، الأمر الذي جعل المحكمة العليا تنتهي إلى ما يلي:
"بحيث أن الوقائع المؤاخذ عليها المتهم والمستند عليها للإحتفاظ بالعود كانت سابقة على العقوبات المشار إليها في القرار المطعون فيه. ونتيجة لذلك فالتصريح بتطبيق أحكام المواد 54 والتي تليها من قانون العقوبات دون معاينة وجود العناصر المشترطة لتشخيص حالة العود يكون بذلك مجلس قضاء غير مبرر لقراره".
وإذا تمعنا في القرارات السابق ذكرها نجد أن المحكمة العليا أو المجلس الأعلى سابقا لم يكتفي بمراقبة مدى مراعاة أحكام العود وشروطه من طرف القضاة فقط، بل توسع أكثر وشرح للقضاة معنى العود وشروطه، وهذا ما يعكس عدم تحكم معظم القضاة بشروط العود وعدم إلمامهم بأحكامه، الأمر الذي يجعلهم ينصرفون عن تطبيقه.
ثانيا: الشروط الخاصة لحالات العود:
الحالة الأولى: العود من عقوبة جنائية إلى جناية:
هي الحالة المنصوص عليها في المادة 54 من قانون العقوبات بنصها: "كل من حكم عليه نهائيا بعقوبة جنائية أو إرتكب جناية ثانية معاقب عليها بعقوبة أصلية هي السجن المؤبد يجوز الحكم عليه بالإعدام إذا كانت الجناية قد أدت إلى موت إنسان.
- إذا كانت الجناية الثانية معاقب عليها بالسجن المؤقت جاز رفع العقوبة إلى السجن المؤبد"(1)، فأهم الشروط الواجب توفرها في هذه الحالة إلى جانب الشروط العامة ما يلي:
-وجود حكم سابق بعقوبة جنائية والمنصوص عليها في المادة 05 من قانون العقوبات والمتمثلة في الإعدام، السجن المؤبد، السجن المؤقت لمدة تتراوح بين خمس سنوات وعشرين سنة، فالعبرة بالعقوبة وليس بالتهمة المنسوبة إلى الجاني فلا يعتد بعقوبة الحبس نتيجة الظروف المخففة لكون العقوبة ذات طابع جنحي.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الحالة يعتبر العود فيها عام لعدم إشتراطه التماثل بين الجناية التي سبق الحكم بها والجناية الجديدة كما أنه مؤبد لعدم إشتراط مدة معينة بين الحكم السابق والجريمة الجديدة(2).
الحالة الثانية: العود من جناية إلى جنحة معاقب عليها بالحبس:
نصت على هذه الحالة المادة 55 من قانون العقوبات:
"كل من حكم عليه لجناية بحكم نهائي بالحبس مدة سنة أو أكثر وإرتكب خلال الخمس سنوات التالية لإنقضاء هذه العقوبة أو سقوطها بالتقادم جنحة أو جناية يعاقب عليها بالحبس فإنه يحكم بالحد الأقصى المقرر قانونا"(1).
- من خلال المادة السالفة الذكر نستنج أن تحقق هذه الحالة لا يكون إلا بتوافر الشروط التالية:
1- أن يكون الحكم الأول صادر لإرتكاب جناية.
2- أن تكون العقوبة المقضى بها عقوبة جنحية بسبب وجود عذر قانوني أو ظروف مخففة طبقا لنص المادة 53من قانون العقوبات على أن لا تقل مدة الحبس عن سنة أو تكون بسنة، ويلاحظ من خلال نص المادة أن المشرع لم يأخذ بعقوبة الغرامة كسابقة لتطبيق العود.
3- أن تكون الجريمة الجديدة جنحة، وهنا العود عام لا يشترط التماثل بين الجريمة السابقة واللاحقة.
4- أن تقع الجريمة الجديدة قبل مضي خمس سنوات من تاريخ إنقضاء العقوبة الأولى أو سقوطها بالتقادم، وحالة العود هنا مؤقتة(2).
وتحسب مدة إنقضاء العقوبة وبدأ السنوات الخمس التالية من تاريخ تنفيذ العقوبة إذا كانت قد نفذت، ولا يعد الإفراج الشرطي منهيا لتنفيذ العقوبة، إلا بعد إنتهاء المدة المتبقية من العقوبة، أما في حالة سقوط العقوبة بالتقادم فإن مدة الخمس سنوات التالية، تحسب من تاريخ اليوم التالي لاكتمال مدة التقادم(3).
- وتجدر الإشارة في هذا الصدد أن نص المادة 55 السالف ذكرها يكتنفها بعض الغموض، الأمر الذي جعلها محل تفسير من طرف العديد من الفقهاء، وذلك بنصها على عودة الجاني لإرتكاب جنحة أو جناية يعاقب عليها بالحبس ،في حين أننا نعلم أن الجناية لا يعاقب عليها بالحبس بل بالسجن طبقا لنص المادة 5 من قانون العقوبات، فقد ذهب البعض إلى تفسير صياغة المادة 55 من قانون العقوبات على أنها خاصة بالجنح دون الجنايات بالنسبة للحكم الجنائي الأول(1).
- وذهب البعض الآخر إلى إقتراح نص جديد للمادة 55 كالتالي: "كل من حكم عليه بحكم نهائي لمدة سنة أو أكثر وإرتكب خلال الخمس سنوات التالية لإنقضاء هذه العقوبة أو سقوطها بالتقادم جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس فإنه يحكم عليه بالحد الأقصى المقرر قانونا ويجوز رفع هذه العقوبة إلى الضعف"(2).
في حين نرى على العكس من ذلك ، إذ أن المادة 55 يكتفها الغموض في الشطر الثاني من الفقرة الأولى بإعتبار أن الشطر الأول من المادة والذي ينص على: "كل من حكم عليه لجناية بحكم نهائي بالحبس مدة سنة أو أكثر" يمكن تفسيره على أن الحكم النهائي الذي قضى بعقوبة الحبس لجناية لا يفسر إلا على أساس أن الجاني قد إستفاد من الظروف المخففة طبقا لنص المادة 53 من قانون العقوبات الأمر الذي جعل بعقوبة الجناية تنزل للحبس لمدة سنة أو أكثر، إلا أن نص المادة على أن:
"وإرتكب خلال الخمس سنوات التالية لإنقضاء هذه العقوبة أو سقوطها بالتقادم جنحة أو جناية يعاقب عليها بالحبس".
فلا نجد في القانون العقوبات على جنايات يعاقب عليها بالحبس بل بالسجن، وهو الخطأ الذي وقع فيه المشرع الجزائري عندما نص على جناية يعاقب عليها بالحبس، ولعل
قصد المشرع قد انصرف إلى الحديث عن كل من إرتكب جناية أو جنحة عوقب عليها بالحبس لمدة سنة أو أكثر يحكم نهائي ثم إرتكب خلال الخمس سنوات من إنقضاء العقوبة أو تقادمها جنحة معاقب عليها بالحبس فقط دون الجناية.
الحالة الثالثة: العود من جنحة كانت محل عقوبة حبس لمدة تفوق سنة إلى جنحة مماثلة:
ذكر المشرع هذه الحالة في الفقرة الأولى من نص المادة 56 كالتالي:
"الأمر كذلك بالنسبة للمحكوم عليهم لجنحة بالحبس مدة تزيد على سنة إذا ثبتت إدانتهم في نفس الأجل بالجنحة نفسها أو بجناية يعاقب عليها بالحبس"(1).
لتحقق هذه الحالة يجب توافر الشروط التالية:
1- أن يكون الحكم الأول قد صدر لإرتكاب جنحة.
2- أن يحكم على الجاني بعقوبة لمدة تزيد عن سنة.
3- أن يرتكب الجاني نفس الجنحة التي سبق له أن إرتكبها، وفي هذا الصدد نشير على أن المشرع الجزائري قد وقع في نفس الخطأ الوارد في نص المادة 55 بنصه على عودة الجاني للإرتكاب جناية يعاقب عليها بالحبس.
4- أن يرتكب الجريمة التالية في خلال خمس سنوات اللاحقة لإنقضاء العقوبة السابقة، أو سقوطها بالتقادم فهو عود مؤقت(2).
وتجدر الإشارة إلى أن العود في هذه الحالة خاص لإشتراطه أن تكون الجريمة الثانية اللاحقة هي نفس الجنحة التي صدر فيها الحكم الأول البات وهو ما يطلق عليه مصطلح التماثل والذي قد يكون حقيقي أو حكميا على نحو ما سبق شرحه في الفصل السابق.
وقد صدر قرار عن المحكمة العليا بتاريخ 04/04/1989 رقم 52717 والذي أقرت فيه أنه:
"من المقرر قانونا أنه لا تطبق أحكام العود إلا على الجرائم التي تعتبر من نفس النوع والواردة على سبيل الحصر في القانون، ومن تم فان القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خطأ في تطبيق القانون(1) ذلك أن قضاة الغرفة الجزائية طبقوا أحكام المادة 56 من قانون العقوبات إلا أنهم لم يوضحوا الجريمة التي إرتكبت بعد الجريمة الأولى والتي تعتبر من نفس النوع لتحديد العود".
الحالة الرابعة: العود من جنحة محل عقوبة حبس لمدة لا تتجاوز سنة إلى جنحة مماثلة:
جاء ذكر هذه الحالة في الفقرة الثانية من نص المادة 56:
"ومن سبق الحكم عليهم بالحبس مدة أقل من سنة وإرتكبوا نفس الجنحة في نفس الظروف الزمنية، فإنهم يعاقبون بالحبس الذي لا يجوز أن تقل مدته عن ضعف المدة السابقة الحكم عليهم بها على أن لا تتجاوز مع ذلك ضعف الحد الأقصى للعقوبة المقررة"(2).
- ينبغي لتطبيق ما ورد في نص المادة 56 الفقرة الثانية توافر الشروط التالية :
1- أن يصدر حكم في جنحة بعقوبة الحبس لمدة سنة أو أقل.
2- أن تكون الجريمة الثانية جنحة فلا عود إن كانت جناية.
3- أن تكون الجنحة الجديدة مماثلة للجنحة السابقة سواء تماثلا حقيقيا أو حكميا.
أن تقع الجريمة الجديدة قبل مصي خمس سنوات من تاريخ إنقضاء العقوبة الأولى أو سقوطها بالتقادم، فالعود في هذه الحالة خاص ومؤقت.
الحالة الخامسة : العود في مواد المخالفات:
- نص قانون العقوبات على العود إلى المخالفة في المادة 58(1) منه، على عكس بعض التشريعات كالقانون المصري، الذي إستثنى المخالفات من تطبيق أحكام العود عليها بحجة أنها لا تنبئ عن خطورة تستحق تغليظ العقوبة بشأنها.
نستنتج من خلال نص المادة أن أهم الشروط التي يجب أن تتحقق ما يلي :
1- يجب أن تكون المدة الفاصلة بين الحكم الأول البات والمخالفة الجديدة أقل من سنة.
2- يجب أن يكون تماثل بين المخالفة الثانية والمخالفة الأولى التي سبق الحكم بها.
3- أن يرتكب المخالفة الثانية في نفس دائر ة إختصاص نفس المحكمة التي أصدرت الحكم السابق.
وعليه فإن العود يتميز في هذه الحالة بأنه عود مؤقت وخاص و محلي في نفس الوقت، وتجدر الإشارة إلى أن الشرط الأخير ينعدم بالنسبة للمخالفات التي تكون عقوبتها الحبس لمدة تزيد على 10 أيام أو غرامة تتجاوز 200 دينار جزائري، وهي مخالفات الفئة الأولى المنصوص والمعاقب عليها بنص المواد 440 إلى 445 من قانون العقوبات، وكذا مخالفات الدرجة الأولى من الفئة الثانية ( المادتان 449-450 قانون العقوبات)
وبعض المخالفات الدرجة الثانية من نفس الفئة (المادة 451 والمواد من 455 إلى 457 من قانون العقوبات(2).
ثالثا:: شروط العود في القوانين الخاصة:
نظم المشرع الجزائري أحكام العود في قوانين خاصة إلى جانب ما هو مقرر في القواعد العامة، وبدراسة معمقة لهذه القوانين، نجد أن معظمها نصت على العود كظرف مشدد عام إلا أن البعض منها جاءت بشروط وأثار مغايرة للقواعد السابق شرحها، لذلك سنسلط الضوء في هذا المطلب على أهم هذه القوانين والتي يكثر بها العمل في الميدان القضائي أو بالأحرى يكثر إنتشار جرائمها في المجتمع.
من بين أهم القوانين التي جاءت بشروط مغايرة للقواعد العامة، نجد قانون المنافسة الذي نص على مدة أقصر للفصل بين الحكم الأول البات والجريمة الثانية أين تم تحديدها بسنة واحدة(1)، مخالفا بذلك القواعد العامة التي تنص على مدة 5 سنوات من تاريخ إنقضاء العقوبة الأولى أو سقوطها بالتقادم، وهذا يتضح من خلال نص المادة 76 من الأمر 95-06 مؤرخ في 25/01/1995 بنصها.
"يعتبر في حالة عود في مفهوم هذا الأمر، التاجر الذي يقوم بمخالفة جديدة رغم صدور عقوبة في حقه منذ أقل من سنة سواء من قبل السلطة الإدارية أو من قبل القاضي" كما جعلت هذه المادة إجراء المصالحة التي تجريه الإدارة مع مرتكب الجنحة سواء شخص طبيعي أو معنوي بمثابة حكم بات يؤخذ به كسابقة في العود(2).
وقد جاء المرسوم التنفيذي رقم 97-258 المؤرخ في 14/07/1997 المحدد لشروط إجراء المصالحة في مجال مخالفة التشريع والتنظيم الخاصين بالصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج، هي نص في المادة 3 منه بما يلي:
"لا تمنح المصالحة في الحالات الآتية: أ) عندما يكون مرتكب المخالفة واقعا تحت طائلة حكم نهائي بسبب مخالفة من نفس النوع أو سبق له أن إستفاد بسبب هذه المخالفة من إجراء المصالحة" وتطبق هذه المادة سواء على الشخص الطبيعي أو المعنوي.
وتجدر الإشارة إلى أن المادة 3 قد جاءت مطبقة لحكم المادة 9 من الأمر 96-22 المؤرخ في 09/07/1996 المتعلق بقمع جرائم الصرف، وقد جاءت المادة 10 من الأمر السالف الذكر تنص على أنه في حالة العود تحال مباشرة على وكيل الجمهورية المختص إقليميا محاضر معاينة مخالفة التشريع والتنظيم الخاصين بالصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج قصد إجراء المتابعات القضائية.
كما إعـتـبر المشرع المصالحة سابقة في العود في قانون 90/11 المؤرخ في 21/04/1990 المعدل والمتمم المنظم لعلاقات العمل الفردية في المادة 155 منه والتي نصت في فقرتها الثانية:
"لا يزيل دفع غرامة الصلح طابع العود في المخالفة المتكررة ويحدد التنظيم إجراءات وكيفيات دفع غرامة الصلح المذكورة" (1)، إلا أن ما يلاحظ في الواقع العملي أنه رغم كثرة المخالفات المرتكبة للقوانين السابقة الذكر، نجد أن ساحة القضاء تفتقر لأحكام أو قرارات تطبق فيها أحكام العود رغم تكريسها قانونا.
المطلب الثاني: آثار تطبيق العود.
إن الأثر الأساسي الذي يترتب في حالة قيام إحدى حالات العود تشديد العقوبة على العائد،إلا أن المشرع قد جعل ذلك جوازا يخضع لسلطة القاضي، كما نجده في أحيان أخرى وجوبيا،وقد روعي في ذلك تمكين القاضي من توقيع العقوبة التي يراها ملائمة لظروف كل متهم وملابسات كل جريمة،وفيما يلي سنوضح آثار تطبيق العود لكل حالة من حالات السابق شرحها.
أولا: الآثار المتعلقة بالعود من عقوبة جنائية إلى جناية :
بالرجوع لنص المادة 54 نجدها قد نصت على فرضيتين كما يلي:
الفقرة الأولى من المادة 54: إذا إرتكب شخص جناية وحكم عليه بعقوبة جنائية وإرتكب جناية ثانية أدت إلى موت إنسان وكانت عقوبتها السجن المؤبد فيجوز الحكم عليه بالإعدام، كمن يرتكب جريمة هتك العرض وحكم عليه بخمس سنوات سجن وبعد 30 سنة إرتكب جناية القتل العمد(1).
الفقرة الثانية من المادة 54: إذا إرتكب شخص جناية وحكم عليه بعقوبة جنائية ثم إرتكب جناية أخرى معاقب عليها بالسجن المؤقت فيجوز رفع العقوبة إلى السجن المؤبد، كمن يرتكب جناية هتك العرض وعوقب بـ 5 سنوات سجن وبعد 20 سنة إرتكب جناية السرقة الموصوفة المنصوص والمعاقب عليها بالمادة 353 بالسجن من 10 إلى 20 سنة.
وتجدر الإشارة إلى أن أمر تشديد العقوبة يبقى في كلتى الحالتين جوازي للقاضي يخضع لسلطته التقديرية.
مــقــدمــة
أولت العلوم الجنائية إهتماما كبيرا بالجريمة، باعتبارها ظاهرة إجتماعية لها وجودها الحتمي في كل مجتمع، وفي كل زمان ومكان، فسعت إلى تفسير العوامل التي أدت لإرتكابها من أجل الوصول إلى افضل الوسائل والأساليب فاعلية لمكافحتها، أو على الأقل الحد منها، فكانت هذه الأبحاث المصدر الأساسي للعديد من التشريعات، أين تم وضع نظام عقابي مضبوط بكيفية تحقق الغرض الذي وجد من أجله، فنجد أن غالبية التشريعات قد سنت عقوبات تدور في عمومها بين حد أدنى وحد أقصى وتركت سلطة الموازنة بين الحدين للقاضي الجزائي بناءا على مبدأ تفريد العقوبة، هذا الأخير الذي سيتوجب منح القاضي سلطة تقدير العقوبة بحسب ما يراه مناسبا لكل مجرم، ذلك أن العقوبة لا تحدد فقط على أساس الركن المادي للجريمة، وإنما تمتد إلى الركن المعنوي للجاني والذي يكمن في خطورته الإجرامية ، بحث تعد هذه الأخيرة إحدى المعايير الجوهرية لتقدير العقوبة المناسبة من طرف القاضي الجزائي، إذ كثيرا ما تظهر من خلال عودة الجاني للإجرام، الأمر الذي يستوجب إحاطته بمعاملة خاصة تختلف عن معاملة المجرم المبتدئ، وهو ما عمل المشرع على تجسيده على غرار التشريعات الأخرى، أين وضع نظام خاص بالعائدين للإجرام مانحا بذلك القاضي الجزائي سلطة تشديد العقوبة لهذه الفئة من المجرمين من اجل وضع حد لها في حالة تفشيها وإستفحالها في المجتمع.
وإذا عدنا لواقع المجتمع الجزائري، للمسنا عن قرب موجة الإجرام الخطيرة المتفشية، والتي أصبحت تهدد يوميا أمن وسكينة المواطن، بحيث يظهر ذلك جليا من خلال واقع القضاء الجزائري الذي اصبح يشهد في الآونة الأخيرة إكتضاضا كبيرا بالقضايا والملفات الجزائية، تعود في مجملها لفئة العائدين للإجرام، الأمر الذي اصبح يعكس حقيقة فرضت وجودها جعلتنا نتساءل عن:
وللإجابة عن هذه الإشكالية، تم إعتماد منهجية مزدوجة تجمع بين التحليل والمقارنة، فأما التحليل خصصناه للنصوص القانونية الواردة في قانون العقوبات والقوانين المكملة له، بما يكشف عن كيفية معالجة المشرع للعود، وكذا المقارنة بما عليها الوضع في التطبيق القضائي من خلال عرض قرارات المحكمة العليا باعتبارها المصدر الأساسي الذي يعكس مدى تكريس وإحترام قواعد القانون من طرف القضاء.
هذه المنهجية تفرض علينا تناول موضوع العود من زاويتين:
الأولى تتعلق بماهية العود (الفصل الأول) بما يحدد مفهومه وتمييزه عن باقي المفاهيم كلإعتياد والتعدد.
أما الثانية تتعلق بأحكام العود بين النظرية والتطبيق (الفصل الثاني) لقد خصصنا المبحث الأول لبيان شروطه أثار تطبيقه في قانون العقوبات والقوانين الخاصة، ثم تطرقنا في المبحث الثاني في كيفية إثباته وبيان الجهة القضائية المنوط بها ذلك،بل وعليه ستظهر الخطة مفصلة كما يلي:
الخـــطـــة
مــقــدمــة
الفصل الأول: مـاهـية العـود.
المبحث الأول: مفهوم العود.
المطلب الأول: تعريف العود.
المطلب الثاني: صور العود.
المبحث الثاني: تمييز العود عن المفاهيم المشابهة له.
المطلب الأول: تمييز العود عن الاعتياد.
المطلب الثاني: تمييز العود عن التعدد.
الفصل الثاني: أحكام العـود بين النظرية والتطبيق.
المبحث الأول : شروط العود وآثاره.
المطلب الأول: شروط العود وتطبيقاته.
المطلب الثاني: أثار تطبيق العود.
المبحث الثاني: طرق إثبات العود:
المطلب الأول: صحيفة السوابق القضائية.
المطلب الثاني: الأحكام القرارات القضائية. .
خــاتــمــة
الــفــصــل الأول: مـــاهــيــة الــعــود
الفصل الأول: ماهية العود
يقتضي البحث في موضوع ما، ودراسة الإشكاليات القانونية والعملية التي يطرحها أن يتم التعريف به،وبيان ماهيته، حتى يسهل فهم تفاصيله والتعمق في أحكامه، وبما أن الموضوع الذي نحن بصدد معالجته، محل غموض وإلتباس للعديد من الطلبة والقضاة، إرتأينا في هذا الفصل وقبل الدخول في شرح أحكامه المقررة قانونا، أن نخصصه لبيان مفهوم العود في المبحث الأول، وتمييزه عن المفاهيم المشابهة له في مبحث ثاني، قياسا إلى ما وصل إليه إجتهاد القضاء الجزائري في تطبيقه لقواعد العود.
المبحث الأول: مفهوم العود:
إن المشرع الجزائري و على غرار التشريعات الأخرى نظم أحكام العود في قانون العقوبات من دون أن يعطي تعريفا له، وإكتفى بذكر الحالات القانونية التي يعتبر فيها الجاني عائدا، تاركا بذلك مهمة تعريفه للفقه بناءا على ما توصل إليه علماء الإجرام والعقاب من الدراسات المعمقة لظاهرة العود إلى الجريمة، لذا إرتأينا تخصيص هذا المبحث لتوضيح مفهوم العود، وماذا يقصد به في المطلب الأول، ومن أجل توضيح اشمل وأوسع، سنعالج في المطلب الثاني الصور المختلفة للعود التي توصل إليها الفقه واقرها القانون في سنه لقواعد العود
المطلب الأول: تعريف العود:
لقد حظيت ظاهرة العود بإهتمام كبير من طرف علماء الإجرام والعقاب، باعتبارها تشكل معضلة الماضي والحاضر في مختلف المجتمعات، ولعل التعاريف التي توصل إليها علم العقاب وكذا علم الإجرام تكاد لا تختلف، لذلك إرتأينا أن نعطى تعريفا شاملا له دون الدخول في تفاصيل الظاهرة وأبعادها. فما المقصود بالعود؟
- يقصد بالعود الوصف القانوني الذي يلحق بشخص عاد إلى الإجرام بعد الحكم عليه بعقوبة بموجب حكم سابق) (، فهو ظرف شخصي لتشديد العقوبة كونه يتعلق بشخص الجاني بصرف النظر عن ماديات الجريمة أو الجرائم التي وقعت منه) (.
ذلك على عكس الظروف المشددة الخاصة، والتي تلحق بالجريمة فتزيد من جسامتها كان تكون الجريمة جنحة لاقترانها بظروف مشددة كالكسر، أو ظرف الليل، فإذا ما دخلت هذه الظروف على الجريمة وجب تشديد العقوبة على الجاني، في حين أن العود، التشديد فيه أمر إختياري خاضع للسلطة التقديرية للقاضي، وذلك بالنظر إلى خطورة الجاني الإجرامية والتي تظهر في حالة عدم إستجابته للإنذار السابق، حيث أنه رغم الحكم على الجاني بإدانته عن جريمة سابقة، فلم يرتدع، وعاد لمواصلة إجرامه باقترافه جريمة جديدة أو جرائم أخرى، وهو ما يستوجب تشديد عقوبته للقضاء على خطورته الإجرامية، هذه الأخيرة لا يتوقف دفعها على إشتراط كون الجاني متعمدا فيما يقع منه من جرائم، وإنما كونها تتم عن خطورة إجرامية للجاني تهدد أمن المجتمع وسكينته، مما يستوجب القضاء عليها ومكافحتها سواء كانت عمدية أو غير عمدية، وسواء جنايات أو جنح أو مخالفات دون الاستهانة بأي منها، بل ما يفرزه الواقع الجزائري هو أن الجرائم الغير عمدية وإن كانت غير جسيمة كالمخالفات، أصبحت أشد ضررا على سلامة أفراد المجتمع، وخير دليل على ذلك مخالفات المرور وما ينتج عنها من حوادث يومية تفوق في كيفها وكمها ما يقع من جنايات وجنح عمدية( ).
وعليه فإن العود يعد سببا عاما لتشديد العقوبة وعلة التشديد فيه ترجع لشخص الجاني، على أساس أن العقوبات السابقة لم تكن كافية لردعه وأنه ممن يستهينون بمخالفة القانون، فهو أخطر من الجاني الذي يجرم لأول مرة وبالتالي فهو سبب شخصي لتشديد لا ينتج أثره إلا فيمن توافر فيه دون أن يتعدى أثره إلي غيره(1).
المطلب الثاني: صور العود:
يرتبط بيان مفهوم العود بشرح صوره المختلفة والتي تنقسم لإعتبارات عديدة نعالجها كما يلي:
أولا: صور العود بإعتبار المماثلة بين الجريمة السابقة واللاحقة:
وينقسم إلى عود عام وعود خاص:
1- العود العام: والذي لا يشترط القانون فيه أن تكون الجريمة اللاحقة من نفس نوع الجريمة السابقة أو من مثيلاتها، وإنما يتطلب فقط عودة الجاني إلى إرتكاب أية جريمة جديدة.
2- العود الخاص: يشترط أن تكون الجريمة الجديدة مماثلة للجريمة السابقة، والتماثل قد يكون حقيقي كعودة إرتكاب الجاني لنفس الجريمة السابقة كالسرقة، وقد يكون تماثل حكمي أي بحكم القانون وذلك وفق ما نصت عليه المادة 57 من قانون العقوبات(1) بنصها:" تعتبر من نفس النوع لتحديد العود الجرائم التي تشملها إحدى الفقرات التالية:
1- إختلاس أموال الدولة والسرقة والنصب وخيانة الأمانة وإساءة إستعمال التوقيع على بياض وإصدار شيكات بدون رصيد والتزوير وإستعمال المحررات المزورة والإفلاس بالتدليس و إخفاء الأشياء المتحصلة من جناية أو جنحة التشرد.
2- القتل الخطأ والجرح الخطأ وجريمة الهرب والقيادة في حالة سكر.
3- هتك العرض بدون عنف والإخلال العلني بالحياء وإعتياد التحريض على الفسق والمساعدة على البغاء.
4- العصيان والعنف والتعدي على رجال القضاء والأعضاء المحلفين و رجال القوة العمومية.
وفي هذا الصدد قد يتساءل البعض عن الدافع الذي أدى بالمشرع الجزائري إلى النص على هذه الجرائم دون غيرها،فإن الدافع المنطقي والأكيد في رأينا هو كثرة وقوع هذا النوع من الجرائم في المجتمع الجزائري، وتفشيه بشكل سريع ورهيب والذي مس الجانب الإجتماعي والإقتصادي للبلاد، لذلك أحسن المشرع الجزائري بنصه على التماثل بين هذه الجرائم رغم إختلاف عناصرها.
ثانيا: صور العود باعتبار الفاصل الزمني بين الجريمتين:
وينقسم إلى عود مؤبد وعود مؤقت.
1- العود المؤبد: وهو الذي لا يشترط القانون فيه مدة معينة تفصل بين صدور الحكم السابق أو إنقضاء العقوبة وبين إرتكاب الجاني الجريمة اللاحقة، وذلك ما ذهب إليه المشرع الجزائري في نص المادة 54 من قانون العقوبات والتي سيأتي شرحها في حينها.
2- العود المؤقت: والذي يشترط فيه مدة زمنية معينة ما بين الحكم السابق أو بعد تنفيذ العقوبة وبين وقوع الجريمة الثانية، فإذا وقعت بعد إنقضاء هذه المدة فلا يتوفر العود، وقد أخذ به المشرع الجزائري في نص المادة 55 من قانون العقوبات.
ثالثا: صور العود باعتبار عدد الجرائم السابقة على الجريمة الجديدة:
وينقسم إلى عود بسيط وعود متكرر.
1- العود البسيط: وهي حالة وجود حكم سابق تلاه إرتكاب الجاني لجريمة جديدة.
2- العود المتكرر: ويطلق عليه أيضا تسمية العود المركب، والذي يتطلب إرتكاب جريمة جديدة بعد حكمين سابقين أو أكثر.
- وتجدر الإشارة إلى أن التداخل بين هذه الصور وارد، فقد يكون العود عام وفي نفس الوقت مؤبد وبسيط أو خاص، وفي نفس الوقت مؤبدا أو مؤقتا وبسيطا أو متكررا وهكذا، وسنبين هذا التداخل عند التطرق لحالات العود أين يظهر ذلك جليا.
المبحث الثاني: تمييز العود عن المفاهيم المشابهة له:
كثيرا ما يخلط القضاة بين أحكام العود وبعض ما يشبهه من مفاهيم قانونية لاسيما مسألة الإعتياد والتعدد، وذلك يرجع في رأينا لعدم تحكمهم وإلمامهم بالشروط والأحكام المقررة لتطبيق كل منها، الأمر الذي يؤدي بهم إلى الوقوع في أخطاء عديدة أثناء تطبيق العقوبة على معتادي الإجرام، مما يجعل قراراتهم محل نقض من المحكمة العليا لخرقها القواعد المقررة قانونا.
هذا الواقع العملي الذي تعكسه قرارات المحكمة العليا دفعنا إلى تخصيص هذا المبحث لتوضيح المفاهيم بالتمييز بين قواعد العود والإعتياد في المطلب الأول، أما في المطلب الثاني سوف نتطرق إلى التمييز بين قواعد العود والتعدد مع التركيز على مسألة ضم ودمج العقوبات، مدعمين ذلك بأهم التطبيقات القضائية التي جاءت في هذا الصدد كمحاولة بسيطة منا لرفع اللبس والغموض الواقع في هذه المسألة.
المطلب الأول: تمييز العود عن الإعتياد:
إن مصطلح الإعتياد في قانون العقوبات الجزائري له مدلول مزدوج سوف نوضحه من خلال تمييزه مع العود كما يلي :
يشترك الإعتياد مع العود في عنصر تكرار الحدث الإجرامي، غير أن حالة العود يشترط فيها أن يمثل كل فعل من الأفعال جريمة في حد ذاتها، وأن يصدر حكم بات قبل وقوع الجريمة الجديدة عكس جرائم الإعتياد، والتي يقصد بها الإعتياد على أفعال يعد تكرارها جريمة قائمة بذاتها، فالفعل الواحد في جريمة الإعتياد لا يمثل في حد ذاته جريمة يعاقب عليها القانون، وإنما يعاقب على إرتكاب الجاني هذه الأفعال عدة مرات، ومن الأمثلة التي نضربها على ذلك، الإعتياد على ممارسة التسول المنصوص والمعاقب عليه بنص المادة 195 من قانون العقوبات(1) :
"يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر كل من اعتاد ممارسة التسول في أي مكان كان وذلك رغم وجود وسائل العيش لديه أو إمكانه الحصول عليها بالعمل أو بأية طريقة مشروعة أخرى".
فالمجرم المعتاد هو المجرم المحترف، أي الذي يعتمد على الجريمة في كسب عيشه ويعتبرها مهنته الأساسية.
- كما أخذ المشرع الجزائري بالإعتياد كظرف مشدد، في حالة توافره يؤدي إلى تشديد العقوبة، وهي الحالة التي يعد كل فعل فيها معاقب عليه قانونا لأنه يمثل جريمة في حد ذاته، فإذا ما تكررت هذه الجرائم شدد القانون العقوبة على مرتكبيه ، كما هو الأمر بالنسبة لحالة الإعتياد على ممارسة الإجهاض أو على المساعدة عليه وفق ما ذهبت إليه المادة 305 من قانون العقوبات، بنصها :
" إذا ثبت أن الجاني يمارس عادة الأفعال المشار إليها في المادة 304 فتضاعف عقوبة الحبس في الحالة المنصوص عليها في الفقرة الأولى وترفع عقوبة السجن المؤقت إلى الحد الأقصى"(1)
وما يمكن إستنتاجه مما سبق شرحه أن الإشكال لا يطرح بشكل كبير بين أحكام العود والإعتياد لعدم وجود صعوبات في تطبيق العقوبات المقررة لجرائم الإعتياد، أو في الحالة التي يعد فيها الإعتياد ظرفا مشددا للعقوبة، وهذا على العكس من تطبيق أحكام العود والتعدد، إذ كثيرا ما تتداخل المفاهيم بينها، الأمر الذي تعكسه الممارسة القضائية في المحاكم والمجالس القضائية وسنحاول بيان ذلك في المطلب الثاني.
المطلب الثاني: تمييز العود عن التعدد:
يعتبر تعددا في الجرائم أن ترتكب في وقت واحد أو في أوقات متعددة عدة جرائم لا يفصل بينها حكم نهائي(1)، فتعدد الجرائم يتفق مع العود في أن كل منهما يلزم لتوافره تكرار الجريمة من الجاني نفسه، إلا أن أهم الإختلافات الموجودة بين الأحكام المقررة لكل منهما ما يلي:
- أن العود لا يتحقق إلا بصدور حكم بات في جريمة سابقة قبل إرتكاب جريمة لاحقة، في حين أن التعدد لا يتطلب وجود مثل هذا الحكم بل تتم محاكمة الجاني عن كافة الجرائم التي إرتكبها.
- إن العود سبب لتشديد العقوبة في حالة توافر شروطه، في حين أن التعدد في ذاته لا يبرر تشديد العقوبة إذ يحكم في كل منها كقاعدة عامة بعقوبتها دون تشديد.
- كما أن التمييز بين العود والتعدد لا يمكن أن يتضح إلا بعرض مبسط وإجمالي لقواعد التعدد بإعتبار أن الفائدة العملية من التمييز بين هذه الأحكام تكمن بالخصوص في العقوبة الواجب تطبيقها من طرف القاضي الجزائي، ذلك أن العود ظرف شخصي لصيق بالجاني، فإن تشديد العقوبة فيه يكون حسب الحالات المقررة قانونا والتي سيأتي شرحها في الفصل الثاني، في حين أن التعدد صفة تلحق نشاط الجاني وسلوكه وتطبيق العقوبة فيه يختلف بحسب ما إذا كنا بصدد تعدد صوري أو حقيقي.
فأما التعدد الصوري : نعني به إحتمال جريمة واحدة لأكثر من وصف قانوني واحد، كمن يرتكب جريمة هتك عرض في مكان عام، فهذه الجريمة تقبل هذا الوصف المعاقب عليه بالسجن من خمس إلى عشر سنوات بنص المادة 336 من قانون العقوبات، كما قد يحتمل وصفها بجريمة الفعل العلني المخل بالحياء، المعاقب عليها بالحبس من شهرين إلى سنتين بنص المادة 333 من قانون العقوبات، وفي هذا الصدد أخذ المشرع الجزائري بالوصف الأشد من بينها(1)، وبالتالي فإن عقوبة الجريمة الأشد هي التي تطبق، وعليه ففي المثال السابق فإن الوصف الأشد هو هتك العرض والعقوبة الواجبة التطبيق هي السجن من خمس إلى عشر سنوات بإعتبارها العقوبة الأشد.
وهذا ما أكدته المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 12/04/1988 ملف رقم
51759(2) ، والذي انتهى إلى ما يلي:
"من المقرر قانونا أنه يجب أن يوصف الفعل الواحد الذي يحتمل عدة أوصاف بالوصف الأشد من بينها، ومن ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خطأ في تطبيق القانون.
ولما كان من الثابت في قضية الحال أن محكمة الجنايات وصفت جريمة واحدة بوصفين مختلفين، فإنها تكون بقضائها كما فعلت خالفت القانون.
ومتى كان كذلك أستوجب نقض الحكم المطعون فيه".
أما التعدد الحقيقي : والذي يقصد به أن يرتكب الجاني عدة جرائم تستقل الواحدة منها عن الأخرى دون أن يفصل بينها حكم قضائي. وهنا نفرق بين حالتين:
الحالة الأولى :وحدة المتابعة: أي إحالة الجرائم كلها إلى نفس المحكمة، فيطبق نص المادة 34 من قانون العقوبات والتي تنص على الحكم بعقوبة واحدة سالبة للحرية وفي حدود الحد الأقصى المقرر للجريمة الأشد.
الحالة الثانية: تعدد المتابعات : أي خضوع المتهم لعدة محاكمات وجب أن تنفذ عقوبة واحدة من هذه الأحكام وهي العقوبة الأشد بناءا على ما نصت عليه المادة 35 الفقرة الأولى من قانون العقوبات(1)، وقد صدر قرار من المحكمة العليا يؤكد ذلك، بتاريخ 24/07/2001 ملف رقم 269986 (2)والذي انتهى إلى:
"من المقرر قانونا أنه إذا صدرت عدة أحكام سالبة للحرية بسبب تعدد المحاكمات فإن العقوبة الأشد وحدها هي التي تنفذ.
وما دام طلب الطاعن جاء واضحا فإنه كان يتعين على غرفة الإتهام مراعاة أحكام المادة 35 فقرة 1 من قانون العقوبات المشار إليها والتي تطبق على قضية الحال".
ومن بين التطبيقات القضائية لهذه المادة في مجلس قضاء وهران نجد قرار صادر عن الغرفة الجزائية بتاريخ 28/08/2005 ملف رقم 6898(3)أين قضى المجلس برفض طلب دمج العقوبات على أساس أن ما جاء في الفقرة الأولى من المادة 35 قانون العقوبات ينفذ بقوة القانون دون حاجة لتدخل قاضي الموضوع في ذلك، وهذا ما نستخلصه من حيثيات القرار:
"حيث أنه لا يوجد نص قانوني يسمح للمحكوم عليه بتقديم طلب جب العقوبات المحكوم بها عليه إلى جهة قضائية معينة.
حيث أنه في حالة صدور عدة أحكام سالبة للحرية نافدة في حق محكوم عليه فإن العقوبة الأشد وحدها هي التي تنفد بقوة القانون.
ولا دخل لقاضي الموضوع في ذلك و لا سلطة له في دمج العقوبات عملا بأحكام الفقرة الأولى من المادة 35 من قانون العقوبات".
ونجد أن ما ذهب إليه قضاة المجلس صائب وسليم كون أن دمج العقوبات يطبق بقوة القانون دون أي تدخل من طرف قاضي الحكم وهذا ما أقرته المحكمة العليا في القرار الصادر بتاريخ 01/07/2003 ملف رقم 277123 في إحدى حيثياته كما يلي: "حيث أن الحالة الأولى التي تخص الدمج تكون في حالة تعدد المحاكمات وصدور عدة أحكام سالبة للحرية بعدد القضايا المحالة على المحكمة ففي هذه الحالة وطبقا للقانون وبقوة القانون يجب تنفيذ عقوبة واحدة من بين هذه العقوبات وهي العقوبة الأشد التي صدرت في كل هذه الأحكام، وهذه العملية هي التي تسمح دمج العقوبات، وتطبق بقوة القانون ولا دخل لقاضي الحكم فيها ولا سلطة لها بالأمر بدمجها لأنها تدمج بقوة القانون كما أسلفنا، هذه هي الحالة المطروحة في قضية الحال فيكون إذن قضاة المجلس قد أصابوا فيما قضو برفض الطلب"(1)
وتجدر الإشارة إلى أن تنفيذ العقوبة الأشد لا يمحى العقوبات الأقل شدة إذ تعتبر قد نفذت فعلا بعد تنفيذ العقوبة الأشد ويبقى لها تأثيرها كسابقة في العود،لذلك أطلق عليها مصطلح الجب كذلك بإعتبار أن العقوبة المطبقة تجب العقوبات الأخرى.
ويعد تطبيق دمج العقوبات المنصوص عليها بالمادة 35 الفقرة الأولى بقوة القانون نقطة الاختلاف مع ضم العقوبات إذ لا يجوز كقاعدة عامة ضم العقوبات، ولكن كاستثناء
أجاز، المشرع للقاضي الجزائي ضم العقوبات السالبة للحرية للمحكوم عليه في عدة محاكمات إذا كانت من طبيعة واحدة وذلك بقرار مسبب بضمها في نطاق الحد الأقصى المقرر قانونا للجريمة الأشد، وهو ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 35 قانون العقوبات(2)، وهذا ما أقرته المحكمة العليا في القرار الصادر بتاريخ 22/01/2002 ملف رقم 85942:
"لا يجوز لمحكمة الجنايات أن تقضي بضم عقوبتين جنائيتين مختلفة من حيث النوع ما دام الأمر متعلق بتنفيذ العقوبة الأشد وهي السجن المؤبد"(1).
إلا أن تطبيق الفقرة الثانية من المادة 35 قانون العقوبات في الواقع العملي مغاير لما نص عليه المشرع نتيجة التفسير الخاطئ للمادة من طرف القضاة رغم وضوح النص.
إذ أن الفقرة الثانية تشير إلى جواز الضم شرط أن تكون العقوبات المحكوم بها من طبيعة واحدة وليس الجرائم التي توبع من أجلها طالب الضم، إلا أن التفسير الخاطئ أدى بالقضاة إلى رفض الكثير من طلبات الضم المقدمة على أساس أن الجرائم المدان من أجلها طالب الضم ليست من طبيعة واحدة، في حين أن الشرط الذي جاءت به المادة يخص بالذكر العقوبات وليس الجرائم، وهذا ما لا حظنا تطبيقه أثناء تربصنا بمجلس قضاء وهران إذ صدرت العديد من القرارات التي تم رفض طلب الضم فيها أو قبولها بالنظر إلى وحدة طبيعة الجرائم دون العقوبات، وقبل أن نعرض هذه القرارات تجدر بنا الإشارة إلى قرارات المحكمة العليا في هذا الصدد حتى ندعم تفسيرنا للفقرة الثانية من المادة 35 من قانون العقوبات وإن كانت واضحة لا تحتاج إلى تفسير، ولا بأس أن نشير إلى القرار الصادر عن المحكمة العليا بتاريخ 29/10/1985 رقم 43950(2) والذي أقر بما يلي:
"لا يسمح بضم العقوبات السالبة للحرية إلا إذا كانت العقوبات لا الجرائم من طبيعة واحدة طبقا للمادة 35 من قانون العقوبات" وقد أسست المحكمة العليا قرارها بالحيثية التالية:
"حيث أن المادة المذكورة والتي اعتمدت عليها غرفة الاتهام في قرارها لا تسمح بضم العقوبات السالبة للحرية إلا إذا كانت العقوبات لا الجرائم من طبيعة واحدة أي من نوع واحد.
وحيث أن في قضية الحال فالعقوبتان المحكوم بهما على الطاعن صارتا نهائيتين وهما ليستا من نوع واحد بل مختلفتين إذ الأولى جنحة (أربع سنوات حبس) والثانية جناية (عشرة أعوام سجن).
وحيث إذن فإدماجهما أصبح وجوبي بحكم القانون".
وكذا القرار الصادر بتاريخ 24/07/2001 ملف رقم 269984(1) والذي أشار في إحدى حيثياته إلى ما يلي:
"حيث أن المادة المذكورة تفرض في فقرتها الأولى أن تطبق العقوبة الأشد وحدها في حالة تعدد المحاكمات على وقائع لا يفصل بينها حكم نهائي، وهو ما وقع في دعوى الحال، وإستثناءا من هذه القاعدة، يجوز للقاضي إذا كانت العقوبات المقضي بها من طبيعة واحدة أن يقضي بضمها كلها أو بعضها في حدود الحد المقرر قانونا للجريمة الأشد، وأن هذا الضم ليس إجباريا بل جوازيا وعلى القاضي تعليله، وأما إذا لم تكن العقوبات من طبيعة واحدة أي أن بعضها جنحية وبعضها جنائية فإنها تدمج وتنفذ جميعها في نفس الوقت في حدود العقوبة الأشد".
وإذا عدنا إلى الممارسة القضائية وما تعكسه القرارات القضائية في هذا الصدد نجد القرار الصادر عن الغرفة الجزائية بمجلس قضاء وهران بتاريخ 18/04/2004 تحت رقم 2487 أين قضى بضم العقوبات في شق منه كون أن الجرائم المدان من أجلها طالب الضم من طبيعة واحدة، ورفض باقي العقوبات لنفس السبب وهذا ما يستفاد من حيثيات القرار:
"حيث أنه يتعين ضم العقوبات المحكوم بها بموجب الحكم المؤرخ في 26/10/2003 فهرس رقم 5325/03 والقرار المؤرخ في 17/11/2003 فهرس رقم 5858/03 كون أن الجريمة هي من طبيعة واحدة أي السرقة، أما الأحكام الأخرى فإن الجريمة هي السرقة لكنها مقترنة بجرائم أخرى مما يستوجب رفض طلب الضم بشأنها" ونفس الأمر بالنسبة للقرار الصادر بتاريخ 18/04/2004 تحت رقم 2485(1).
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع الجزائري جعل ضم العقوبات في مواد المخالفات وجوبي طبقا لنص المادة 38 من قانون العقوبات.
وقد لاحظنا من خلال ما سبق طرحه من أحكام التعدد وذلك بصفة مجملة ومبسطة مدعمين ذلك بقرارات المحكمة العليا، الصعوبة التي يتلقاها القضاة في تطبيق أحكامه، فكيف الأمر إن تداخلت هذه الأحكام مع قواعد العود؟ .
برجوعنا للواقع العملي، لاسيما التطبيقات القضائية نلمس عن قرب الأخطاء التي يقع فيها القضاة وذلك بمجرد الإطلاع على قرارات المحكمة العليا والتي أقرت وصرحت في العديد من المرات عن الخلط الحاصل بين القواعد التي تحكم العود والتعدد، وهذا ما يستفاد خاصة من القرار الصادر بتاريخ 01/07/2003 ملف رقم 277123(2) والذي إنتهى إلى:
"إن اعتماد قضاة المجلس لرفض طلب ضم العقوبات وإعتبارها حالة عود مشددة لا يؤدي إلى نقض القرار المطعون فيه مادامت النتيجة قانونية حتى ولو أسست على تعليل غير كاف ".
فبالرجوع لهذا القرار نجد أن قضاة الغرفة الجزائية لمجلس قضاء المسيلة إعتبروا مبالغة الجاني في جرائم إصدار شيك دون رصيد أنه في حالة عود رغم عدم وجود حكم فاصل بين هذه الجرائم، في حين يعد في قضية الحال تعدد للجرائم وليس عود، كما أنهم من جهة أخرى أخلطوا بين الفقرة الأولى والثانية من نص المادة 35 من قانون العقوبات وهذا ما يستفاد من حيثيات القرار الذي انتهت إليه المحكمة العليا وذلك كما يلي: "الوجه الثاني: المأخوذ من الخطأ في تطبيق القانون:
وذلك بدعوى أن القرار المطعون فيه سبب قضاءه على أن الموضوع يتعلق بدمج العقوبات المحكوم بها على الطالب وأضاف بأن ضم العقوبات جوازي و مادام أن الطالب بالغ في جرائم إصدار شيك بدون رصيد فان المجلس يعتبر ذلك ظرفا مشددا ويقضى تبعا لذلك برفض الطلب وهذا التعليل مخالف للقانون و خطأ في تطبيقه"
الوجه الثالث : المأخوذ من قصور الأسباب: "حيث أنه كما أسلفنا فان قضاة المجلس بالفعل جاءوا بأسباب مخالفة للقانون فزيادة على خلطهم بين الحالتين المذكورتين بالمادة 35 من قانون العقوبات كما سبق شرحه قد اعتمدوا على تعدد الجرائم واعتبروها حالة عود مشددة وعلى أساسه رفضوا الطلب".
- وتجدر الإشارة إلى أن المحكمة العليا سبق لها وأن عالجت هذه النقطة في كثير من قراراتها سابقا كالقرار الصادر بتاريخ 12/04/1992 ملف رقم 92861(1) والذي صرحت المحكمة العليا في إحدى حيثياتها على الخطأ في تطبيق أحكام العود والتعدد كما يلي:
"حيث أن قضاة الاستئناف أخلطوا بين قواعد المنصوص عليها في المادتين 33 و35 من قانون العقوبات مع قواعد العود المنصوص عليها في المادتين 55 و56 من قانون العقوبات" وكذا القرار الصادر عن المجلس الأعلى سابقا بتاريخ 24/12/1981 ملف رقم 25870(1) أين طبق قضاة المجلس قواعد العود في حين كان عليهم تطبيق قواعد الضم وهي النتيجة التي توصل إليها المجلس الأعلى في حيثيات قراره كالتالي:
الوجه الثاني: المأخوذ من انعدام الأساس القانوني لتصريح مجلس قضاء جيجل أن المتهم هو في وضعية العود ويخضع لأحكام المادة 57 من قانون العقوبات بينما الوقائع التي كانت السبب في إصدار العقوبة الثانية، إرتكبت قبل منطوقة العقوبة الأولى وبكيفية كان من المفروض على مجلس قضاء جيجل التصريح بضم العقوبات وليس الإلتجاء لتطبيق العود".
- ونخلص بعد هذه الدراسة البسيطة لأحكام التعدد ومقارنتها بما هو جاري به العمل النقص الكبير الموجود لدى قضاة المحاكم والمجالس القضائية في التمييز بين القواعد السابق شرحها، نظرا لعدم تمكنهم الإلمام والفهم السليم لأحكامها، وفصلها عما يشبهها من قواعد، الأمر الذي جعل تطبيق قواعد العود من طرف القضاة قليل إن لم يكن منعدم، خاصة وأن المشرع قد ترك أمر تطبيقه جوازي للقاضي، وحتى وإن تم تطبيقه فكثيرا ما يتم خرق أحكامه وقواعده، نظرا لعدم مراعاة شروطه لذا سنحاول في الفصل الثاني أن نشرح القواعد التي تحكم العود كمحاولة بسيطة لتوضيح هذا الموضوع بناءا على أهم القرارات التي عالجت أحكامه.
الفصل الثاني: أحكام العود بين النظرية والتطبيق.
لقد أفرد المشرع الجزائري للعود قسما خاصا وهو القسم الثالث من الفصل الثالث الوارد تحت عنوان شخصية العقوبة من الباب الثاني المعنون بمرتكبي الجريمة تحت الكتاب الثاني والذي ورد تحت عنوان "الأفعال والأشخاص الخاضعون للعقوبة"، وذلك في ستة مواد من المادة 54 إلى غاية المادة 59 من قانون العقوبات، تكلم فيها عن حالات العود، أدرج ضمنها شروط خاصة بها، متى تحققت جاز للقاضي تطبيق العود، وبالتالي تشديد العقوبة على العائد، إلا أن ذلك لا يتأتى إلا بعد إثبات عودة الجاني للإجرام بطرق معينة، أدرجت بعضها في قانون الإجراءات الجزائية، لذلك ارتأينا في هذا الفصل، أن نوضح شروط العود وآثار تطبيقه في المبحث الأول، بناءا على ما أقره القانون، وما جرى عليه التطبيق في المحاكم والمجالس القضائية.ثم نتطرق في المبحث الثاني إلى طرق إثباته.
المبحث الأول: شروط العود وآثاره:
ينبغي لقيام ظرف العود كسبب مشدد للعقوبة توافر شروط عامة لتطبيقه إلى جانب الشروط الخاصة بكل حالة، وتعد هذه الشروط قواعد عامة بانعدامها ينعدم تطبيق العود على الجاني، إلا أننا برجوعنا للقوانين الخاصة، نجد أن المشرع لم يغفل النص على حالة العود فيه، لذلك إرتأينا أن نخص هذه القوانين بالدراسة لبيان ما إذا كانت أحكامها تختلف عن القواعد العامة للعود أم أنها تخضع لنفس الأحكام وذلك بتسليط الضوء على ما ذهب إليه قضائنا ببيان مدى مراعاته لما أقره القانون.
المطلب الأول: شروط العود وتطبيقاته:
أولا: الشروط العامة للعود:
يعد من الشروط الجوهرية لتطبيق العود صدور حكم سابق بالإدانة على الجاني، وإرتكاب نفس الجاني لجريمة لاحقة، إلا أن هذه الشروط على بساطتها كما تبدو تتخللها تفاصيل دقيقة لا يستهان بها والتي جعلت العديد من قرارات القضاة محل طعن بالنقض نظرا لإعفالها من طرفهم وهذا ما سوف نوضحه من خلال التطبيقات القضائية لشروط العود من طرف القضاء الجزائري وذلك كما يلي:
الشرط الأول: صدور حكم سابق بالإدانة على الجاني:
1- إن ظرف العود لا يعد سببا للتشديد إلا إذا صدر حكم بالإدانة بعد الجريمة الأولى وقبل إرتكابه الجريمة الثانية، فلا إنذار بصدور حكم بالبراءة أيا كان سببها سواء لعدم وقوع جريمة أصلا أو لعدم مساءلة الجاني عنها مساءلة جنائية(1)، كما لا يعتد بالأحكام السابقة الصادرة بأحد التدابير الإحترازية كالأحكام الصادرة ضد الأحداث لإعتبارها سابقة في العود، أو كأن تكون صادرة بإحدى العقوبات التكميلية مثل المصادرة الجزئية للأموال أو تحديد الإقامة وفق نص المادة 9 من قانون العقوبات(2) ولا يشترط أن تنفذ العقوبة المقررة فعلا على الجاني، فالحكم بالإدانة يعد سابقة في العود سواء نفذ أو لم ينفذ كهروب المحكوم عليه مثلا.
2- يحب أن يكون الحكم الذي يعد سابقة في العود حكم بات مستنفدا كل طرق الطعن وأصبح نهائيا حائزا لقوة الشيء المقضي فيه، كما يشترط في الحكم الصادر بالإدانة أن يكون قائما قانونيا ومنتجا لآثاره، فإذا سقط بالعفو الشامل أو برد الإعتبار أو بوقف التنفيذ إذا تم إلغاءه، فيصبح الحكم كأنه لم يكن ولا يمكن إعتباره سابقة في العود.
* وفي هذا الصدد يتبادر إلى ذهننا سؤال على قدر من الأهمية:
هل يستفيد العائد من عقوبة مع وقف التنفيذ؟ الجواب يكون ببساطة، لا يمكن ذلك، لأن المشرع الجزائري إشترط لإفادة المتهم من عقوبة مع وقف التنفيذ أن لا يكون قد سبق عليه الحكم بالحبس لجناية أو جنحة من جرائم القانون العام، إلا أننا قد لا حظنا في الواقع العملي وأخص بالذكر على مستوى محكمة ومجلس قضاء وهران تطبيقا مخالفا لما أقره القانون، وذلك بمجرد إلقاء نظرة بسيطة على صحيفة السوابق القضائية لعينة من المتعودين على الإجرام، إذ كثيرا ما تتم إفادتهم بعقوبة مع وقف التنفيذ بالرغم من وجود أحكام سابقة بالإدانة، وهذا يعد خرقا لأحكام المواد 592، 594 من قانون الإجراءات الجزائية(1)، وقد أشارت المحكمة العليا في العديد من قراراتها لذلك لاسيما القرار الصادر بتاريخ 04/04/2000 ملف رقم 210789 (2) والذي انتهى إلى:
"الواضح من القرار المطعون فيه أن المتهم متعود على اقتراف نفس الأفعال المنسوبة إليه وسبق الحكم عليه بالحبس، وبالتالي فإن القضاء بإفادته بأحكام وقف التنفيذ يعد خرقا لمقتضيات المادة 592 من قانون الإجراءات الجزائية مما ينجر عنه النقض"
وكذا القرار الصادر بتاريخ 24/06/2003 ملف رقم 307264((1)والذي إنتهى:
"إن القضاء بعقوبة موقوفة التنفيذ على متهم مسبوق قضائيا يعرض الحكم للنقض"، وقد أسس قضاة المحكمة العليا قرارهم بناءا على الحيثية التالية:
"حيث أجازت المادة 592 ق.إج للمحاكم والمجالس القضائية منح وقف التنفيذ العقوبة الأصلية المحكوم بها، إذا لم يكن المحكوم عليه مسبوق قضائيا ولم يحكم عليه بالحبس لجناية أو جنحة بينما المتهم في هذه القضية مسبوق قضائيا فضلا عن ذلك فقد نصت المادتين 55 و56 على أحكام العود وتشديد العقوبة على المحكوم عليه وهو ما لم تلتزم به محكمة الجنايات مما يعرض حكمها للنقض بشأن المتهم (م.ع)"، ونفس ما ذهب إليه قضاة المحكمة العليا في القرار الصادر بتاريخ 05/01/2004 ملف رقم 274189(2)
وقد أصدر المجلس الأعلى سابقا قرار ذهب فيه إلى عدم جواز الحكم بعقوبة مع وقف التنفيذ للمحكوم عليه العائد في القرار الصادر بتاريخ 17/05/1983 ملف رقم 30252(3) إذ جاء في إحدى حيثياته.
"الوجه الوحيد بشطريه المأخوذ من خرق القانون لعدم إعتبار مجلس قضاء لعقوبة سابقة لتطبيق عقوبات العود، فكان بذلك خارقا المادة 56 الفقرة الثانية من قانون العقوبات من جهة وكونه من جهة أخرى أن المتهم استفاد من إجراء إيقاف التنفيذ بينما كان محكوما عليه بعقوبة سجن خلال فترة خمس سنوات فكان هذا الإجراء خرقا لأحكام المادة 592 من قانون الإجراءات الجزائية".
فبمجرد إطلاعنا على هذه القرارات نجد أن قضاة المحكمة العليا يؤكدون على وجوب تطبيق قواعد العود على معتادي الإجرام وليس إفادتهم بعقوبات مع وقف التنفيذ، ورغم ذلك يبقى الواقع العملي يعكس تطبيقا مخالفا تماما لما أقره القانون، إذ أننا نجد الأحكام التي تصدر بعقوبات مع وقف التنفيذ تحتل الصدارة الأولى من بين الأحكام والقرارات الصادرة، وذلك سواء بوجود صحيفة السوابق القضائية في الملف الجزائي أو بإنعدامها، إذ يتم إفادة معظم المتهمين بعقوبات مع وقف التنفيذ بالرغم من كونهم عائدين للإجرام، وهذا راجع في رأينا لعدم منح أهمية لصحيفة السوابق القضائية من طرف بعض القضاة، وكذا قراءتهم السطحية لنصوص مواد قانون الإجراءات الجزائية لا سيما المواد 592-594 وإن كانت واضحة وصريحة لا تستدعي أي تحليل أو تفسير.
- ويلزم القانون أن يكون الحكم الصادر بالإدانة مصرح به من قبل المحاكم الجزائرية لإحتسابه كسابقة في العود، إذ لا يعتد بالأحكام الأجنبية من ناحية عدم إحتسابها سوابق في العود حتى ولو كانت نهائية سواء بالنسبة للأجانب أو الجزائريين وهذا ما إستقر عليه العرف الدولي(1)، وفي هذا الصدد يشترط القانون أن يصدر الحكم السابق بالإدانة من المحاكم العادية أو المحاكم العسكرية شرط أن تكون ضد الجرائم المعاقب عليها طبقا للقوانين الجزائية العادية وليس العسكرية وهذا ما جاءت به المادة 51 من قانون العقوبات، وما أكدته المادة 232 من أمر رقم 73-04 المؤرخ في 5 يناير سنة 1973 الذي يتضمن إكمال المادة 224 من الأمر 71-28 المؤرخ في 22 أفريل 1971 المتعلق بقانون القضاء العسكري كما يلي:
"إن العقوبات الصادرة عن جناية أو جنحة عسكرية لا يمكن أن تجعل المحكوم عليه في حالة العود.
وتطبق المحاكم العسكرية أحكام المادة 54 وما يليها من قانون العقوبات على الحكم في الجرائم التابعة للقانون العام(1).
الشرط الثاني: إرتكاب نفس الجاني جريمة لاحقة
يقصد بإرتكاب نفس الجاني جريمة لاحقة، إرتكابه لجريمة ثانية بعد الحكم الأول البات، على أن تكون الجريمة الثانية مستقلة عن الجريمة الأولى المحكوم فيها، فلا يطبق ظرف العود إذا كانت الجريمة الجديدة مرتبطة بالجريمة الأولى، أو أن تكون الغاية منها التخلص من آثار الجريمة الأولى كالهروب من السجن ، فلا يطبق ظرف العود عليه لكونه كان مستحيلا عليه إرتكاب الجريمة الثانية لولى الأولى(2).
هذه القواعد أقرنها وأكدتها المحكمة العليا في العديد من قراراتها أتناء بسط رقابتها على القرارات القضائية القليلة والتي طبق فيها القضاة أحكام العود، وهذا ما نجده في القرار الصادر بتاريخ 12/04/1992 ملف رقم 92861(3).
"من المقرر قانونا وطبقا لأحكام المادة 56 التي تحيل على المادة 55 من قانون العقوبات، فإن حالة العود متوقفة على شرط وحيد يتمثل في أن تكون الجريمة الثانية المتابع من أجلها مرتكبة بعد الجريمة الأولى التي حكم فيها بعقوبة نهائية حائز على قوة الشيء المقضي فيه.
ولما ثبت في قضية الحال أن الأفعال التي تسببت في العقوبة الثانية، إرتكبت قبل أفعال العقوبة الأولى، فإن قضاة الموضوع لما طبقوا على المتهم قواعد العود، يكونون قد أساءوا تطبيق القانون لأن المتهم لا يوجد قانونا في حالة العود".
وكذا القرار الصادر بتاريخ 29/09/1980 عن مجلس قضاء جيجل أين طبق القضاة العود على المتهم دون التأكد من الطابع النهائي للعقوبة السابقة وإكتفوا بالإشارة إلى نص المادة 57 من قانون العقوبات، دون مراعاة شروطها لاسيما المتعلقة بالمدة الزمنية مما جعل قرارها محل إلغاء من طرف المحكمة العليا والتي أصدر قرارها بتاريخ 24/12/1981 ملف رقم 25870(1)، أين إنتهت فيه
"أن اكتفاء قضاة المجلس في قرارهم بالإشارة إلى السوابق القضائية المتهم والإشارة للمادة 57 من قانون العقوبات دون معاينة الطابع النهائي للعقوبة الأولى ولا إلى شروط الزمن المنصوص عليه في المادتين 55 و56 من قانون العقوبات لتطبيق أحكام العود لا يبرر تطبيق العود".
هذا وقد صدر قرار بتاريخ 17/07/1980 عن مجلس قضاء البليدة والذي حاول القضاة تطبيق العود فيه، إلا أنهم أخطؤا في ذلك مما جعل قرارهم محل طعن بالنقض أين أصدرت المحكمة العليا قرارها بتاريخ 5 مارس 1981 ملف رقم 25575(2) والذي يستفاد منه أن قضاة المجلس طبقوا العود مسـتـندين في ذلك على عقـوبات وقعت بـتاريخ 09/07/1977 و 13/05/1978، في حين أن الوقائع المؤاخذ عليها المدعي إرتكـبت بتاريخ 27/03/1976 و 09/03/1976 أي أنها إرتكبت قبل العقوبات المدان بها المتهم في القرار الحالي وليست لاحقة لها مما لا يجعله عائدا في قضية الحال، الأمر الذي جعل المحكمة العليا تنتهي إلى ما يلي:
"بحيث أن الوقائع المؤاخذ عليها المتهم والمستند عليها للإحتفاظ بالعود كانت سابقة على العقوبات المشار إليها في القرار المطعون فيه. ونتيجة لذلك فالتصريح بتطبيق أحكام المواد 54 والتي تليها من قانون العقوبات دون معاينة وجود العناصر المشترطة لتشخيص حالة العود يكون بذلك مجلس قضاء غير مبرر لقراره".
وإذا تمعنا في القرارات السابق ذكرها نجد أن المحكمة العليا أو المجلس الأعلى سابقا لم يكتفي بمراقبة مدى مراعاة أحكام العود وشروطه من طرف القضاة فقط، بل توسع أكثر وشرح للقضاة معنى العود وشروطه، وهذا ما يعكس عدم تحكم معظم القضاة بشروط العود وعدم إلمامهم بأحكامه، الأمر الذي يجعلهم ينصرفون عن تطبيقه.
ثانيا: الشروط الخاصة لحالات العود:
الحالة الأولى: العود من عقوبة جنائية إلى جناية:
هي الحالة المنصوص عليها في المادة 54 من قانون العقوبات بنصها: "كل من حكم عليه نهائيا بعقوبة جنائية أو إرتكب جناية ثانية معاقب عليها بعقوبة أصلية هي السجن المؤبد يجوز الحكم عليه بالإعدام إذا كانت الجناية قد أدت إلى موت إنسان.
- إذا كانت الجناية الثانية معاقب عليها بالسجن المؤقت جاز رفع العقوبة إلى السجن المؤبد"(1)، فأهم الشروط الواجب توفرها في هذه الحالة إلى جانب الشروط العامة ما يلي:
-وجود حكم سابق بعقوبة جنائية والمنصوص عليها في المادة 05 من قانون العقوبات والمتمثلة في الإعدام، السجن المؤبد، السجن المؤقت لمدة تتراوح بين خمس سنوات وعشرين سنة، فالعبرة بالعقوبة وليس بالتهمة المنسوبة إلى الجاني فلا يعتد بعقوبة الحبس نتيجة الظروف المخففة لكون العقوبة ذات طابع جنحي.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الحالة يعتبر العود فيها عام لعدم إشتراطه التماثل بين الجناية التي سبق الحكم بها والجناية الجديدة كما أنه مؤبد لعدم إشتراط مدة معينة بين الحكم السابق والجريمة الجديدة(2).
الحالة الثانية: العود من جناية إلى جنحة معاقب عليها بالحبس:
نصت على هذه الحالة المادة 55 من قانون العقوبات:
"كل من حكم عليه لجناية بحكم نهائي بالحبس مدة سنة أو أكثر وإرتكب خلال الخمس سنوات التالية لإنقضاء هذه العقوبة أو سقوطها بالتقادم جنحة أو جناية يعاقب عليها بالحبس فإنه يحكم بالحد الأقصى المقرر قانونا"(1).
- من خلال المادة السالفة الذكر نستنج أن تحقق هذه الحالة لا يكون إلا بتوافر الشروط التالية:
1- أن يكون الحكم الأول صادر لإرتكاب جناية.
2- أن تكون العقوبة المقضى بها عقوبة جنحية بسبب وجود عذر قانوني أو ظروف مخففة طبقا لنص المادة 53من قانون العقوبات على أن لا تقل مدة الحبس عن سنة أو تكون بسنة، ويلاحظ من خلال نص المادة أن المشرع لم يأخذ بعقوبة الغرامة كسابقة لتطبيق العود.
3- أن تكون الجريمة الجديدة جنحة، وهنا العود عام لا يشترط التماثل بين الجريمة السابقة واللاحقة.
4- أن تقع الجريمة الجديدة قبل مضي خمس سنوات من تاريخ إنقضاء العقوبة الأولى أو سقوطها بالتقادم، وحالة العود هنا مؤقتة(2).
وتحسب مدة إنقضاء العقوبة وبدأ السنوات الخمس التالية من تاريخ تنفيذ العقوبة إذا كانت قد نفذت، ولا يعد الإفراج الشرطي منهيا لتنفيذ العقوبة، إلا بعد إنتهاء المدة المتبقية من العقوبة، أما في حالة سقوط العقوبة بالتقادم فإن مدة الخمس سنوات التالية، تحسب من تاريخ اليوم التالي لاكتمال مدة التقادم(3).
- وتجدر الإشارة في هذا الصدد أن نص المادة 55 السالف ذكرها يكتنفها بعض الغموض، الأمر الذي جعلها محل تفسير من طرف العديد من الفقهاء، وذلك بنصها على عودة الجاني لإرتكاب جنحة أو جناية يعاقب عليها بالحبس ،في حين أننا نعلم أن الجناية لا يعاقب عليها بالحبس بل بالسجن طبقا لنص المادة 5 من قانون العقوبات، فقد ذهب البعض إلى تفسير صياغة المادة 55 من قانون العقوبات على أنها خاصة بالجنح دون الجنايات بالنسبة للحكم الجنائي الأول(1).
- وذهب البعض الآخر إلى إقتراح نص جديد للمادة 55 كالتالي: "كل من حكم عليه بحكم نهائي لمدة سنة أو أكثر وإرتكب خلال الخمس سنوات التالية لإنقضاء هذه العقوبة أو سقوطها بالتقادم جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس فإنه يحكم عليه بالحد الأقصى المقرر قانونا ويجوز رفع هذه العقوبة إلى الضعف"(2).
في حين نرى على العكس من ذلك ، إذ أن المادة 55 يكتفها الغموض في الشطر الثاني من الفقرة الأولى بإعتبار أن الشطر الأول من المادة والذي ينص على: "كل من حكم عليه لجناية بحكم نهائي بالحبس مدة سنة أو أكثر" يمكن تفسيره على أن الحكم النهائي الذي قضى بعقوبة الحبس لجناية لا يفسر إلا على أساس أن الجاني قد إستفاد من الظروف المخففة طبقا لنص المادة 53 من قانون العقوبات الأمر الذي جعل بعقوبة الجناية تنزل للحبس لمدة سنة أو أكثر، إلا أن نص المادة على أن:
"وإرتكب خلال الخمس سنوات التالية لإنقضاء هذه العقوبة أو سقوطها بالتقادم جنحة أو جناية يعاقب عليها بالحبس".
فلا نجد في القانون العقوبات على جنايات يعاقب عليها بالحبس بل بالسجن، وهو الخطأ الذي وقع فيه المشرع الجزائري عندما نص على جناية يعاقب عليها بالحبس، ولعل
قصد المشرع قد انصرف إلى الحديث عن كل من إرتكب جناية أو جنحة عوقب عليها بالحبس لمدة سنة أو أكثر يحكم نهائي ثم إرتكب خلال الخمس سنوات من إنقضاء العقوبة أو تقادمها جنحة معاقب عليها بالحبس فقط دون الجناية.
الحالة الثالثة: العود من جنحة كانت محل عقوبة حبس لمدة تفوق سنة إلى جنحة مماثلة:
ذكر المشرع هذه الحالة في الفقرة الأولى من نص المادة 56 كالتالي:
"الأمر كذلك بالنسبة للمحكوم عليهم لجنحة بالحبس مدة تزيد على سنة إذا ثبتت إدانتهم في نفس الأجل بالجنحة نفسها أو بجناية يعاقب عليها بالحبس"(1).
لتحقق هذه الحالة يجب توافر الشروط التالية:
1- أن يكون الحكم الأول قد صدر لإرتكاب جنحة.
2- أن يحكم على الجاني بعقوبة لمدة تزيد عن سنة.
3- أن يرتكب الجاني نفس الجنحة التي سبق له أن إرتكبها، وفي هذا الصدد نشير على أن المشرع الجزائري قد وقع في نفس الخطأ الوارد في نص المادة 55 بنصه على عودة الجاني للإرتكاب جناية يعاقب عليها بالحبس.
4- أن يرتكب الجريمة التالية في خلال خمس سنوات اللاحقة لإنقضاء العقوبة السابقة، أو سقوطها بالتقادم فهو عود مؤقت(2).
وتجدر الإشارة إلى أن العود في هذه الحالة خاص لإشتراطه أن تكون الجريمة الثانية اللاحقة هي نفس الجنحة التي صدر فيها الحكم الأول البات وهو ما يطلق عليه مصطلح التماثل والذي قد يكون حقيقي أو حكميا على نحو ما سبق شرحه في الفصل السابق.
وقد صدر قرار عن المحكمة العليا بتاريخ 04/04/1989 رقم 52717 والذي أقرت فيه أنه:
"من المقرر قانونا أنه لا تطبق أحكام العود إلا على الجرائم التي تعتبر من نفس النوع والواردة على سبيل الحصر في القانون، ومن تم فان القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خطأ في تطبيق القانون(1) ذلك أن قضاة الغرفة الجزائية طبقوا أحكام المادة 56 من قانون العقوبات إلا أنهم لم يوضحوا الجريمة التي إرتكبت بعد الجريمة الأولى والتي تعتبر من نفس النوع لتحديد العود".
الحالة الرابعة: العود من جنحة محل عقوبة حبس لمدة لا تتجاوز سنة إلى جنحة مماثلة:
جاء ذكر هذه الحالة في الفقرة الثانية من نص المادة 56:
"ومن سبق الحكم عليهم بالحبس مدة أقل من سنة وإرتكبوا نفس الجنحة في نفس الظروف الزمنية، فإنهم يعاقبون بالحبس الذي لا يجوز أن تقل مدته عن ضعف المدة السابقة الحكم عليهم بها على أن لا تتجاوز مع ذلك ضعف الحد الأقصى للعقوبة المقررة"(2).
- ينبغي لتطبيق ما ورد في نص المادة 56 الفقرة الثانية توافر الشروط التالية :
1- أن يصدر حكم في جنحة بعقوبة الحبس لمدة سنة أو أقل.
2- أن تكون الجريمة الثانية جنحة فلا عود إن كانت جناية.
3- أن تكون الجنحة الجديدة مماثلة للجنحة السابقة سواء تماثلا حقيقيا أو حكميا.
أن تقع الجريمة الجديدة قبل مصي خمس سنوات من تاريخ إنقضاء العقوبة الأولى أو سقوطها بالتقادم، فالعود في هذه الحالة خاص ومؤقت.
الحالة الخامسة : العود في مواد المخالفات:
- نص قانون العقوبات على العود إلى المخالفة في المادة 58(1) منه، على عكس بعض التشريعات كالقانون المصري، الذي إستثنى المخالفات من تطبيق أحكام العود عليها بحجة أنها لا تنبئ عن خطورة تستحق تغليظ العقوبة بشأنها.
نستنتج من خلال نص المادة أن أهم الشروط التي يجب أن تتحقق ما يلي :
1- يجب أن تكون المدة الفاصلة بين الحكم الأول البات والمخالفة الجديدة أقل من سنة.
2- يجب أن يكون تماثل بين المخالفة الثانية والمخالفة الأولى التي سبق الحكم بها.
3- أن يرتكب المخالفة الثانية في نفس دائر ة إختصاص نفس المحكمة التي أصدرت الحكم السابق.
وعليه فإن العود يتميز في هذه الحالة بأنه عود مؤقت وخاص و محلي في نفس الوقت، وتجدر الإشارة إلى أن الشرط الأخير ينعدم بالنسبة للمخالفات التي تكون عقوبتها الحبس لمدة تزيد على 10 أيام أو غرامة تتجاوز 200 دينار جزائري، وهي مخالفات الفئة الأولى المنصوص والمعاقب عليها بنص المواد 440 إلى 445 من قانون العقوبات، وكذا مخالفات الدرجة الأولى من الفئة الثانية ( المادتان 449-450 قانون العقوبات)
وبعض المخالفات الدرجة الثانية من نفس الفئة (المادة 451 والمواد من 455 إلى 457 من قانون العقوبات(2).
ثالثا:: شروط العود في القوانين الخاصة:
نظم المشرع الجزائري أحكام العود في قوانين خاصة إلى جانب ما هو مقرر في القواعد العامة، وبدراسة معمقة لهذه القوانين، نجد أن معظمها نصت على العود كظرف مشدد عام إلا أن البعض منها جاءت بشروط وأثار مغايرة للقواعد السابق شرحها، لذلك سنسلط الضوء في هذا المطلب على أهم هذه القوانين والتي يكثر بها العمل في الميدان القضائي أو بالأحرى يكثر إنتشار جرائمها في المجتمع.
من بين أهم القوانين التي جاءت بشروط مغايرة للقواعد العامة، نجد قانون المنافسة الذي نص على مدة أقصر للفصل بين الحكم الأول البات والجريمة الثانية أين تم تحديدها بسنة واحدة(1)، مخالفا بذلك القواعد العامة التي تنص على مدة 5 سنوات من تاريخ إنقضاء العقوبة الأولى أو سقوطها بالتقادم، وهذا يتضح من خلال نص المادة 76 من الأمر 95-06 مؤرخ في 25/01/1995 بنصها.
"يعتبر في حالة عود في مفهوم هذا الأمر، التاجر الذي يقوم بمخالفة جديدة رغم صدور عقوبة في حقه منذ أقل من سنة سواء من قبل السلطة الإدارية أو من قبل القاضي" كما جعلت هذه المادة إجراء المصالحة التي تجريه الإدارة مع مرتكب الجنحة سواء شخص طبيعي أو معنوي بمثابة حكم بات يؤخذ به كسابقة في العود(2).
وقد جاء المرسوم التنفيذي رقم 97-258 المؤرخ في 14/07/1997 المحدد لشروط إجراء المصالحة في مجال مخالفة التشريع والتنظيم الخاصين بالصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج، هي نص في المادة 3 منه بما يلي:
"لا تمنح المصالحة في الحالات الآتية: أ) عندما يكون مرتكب المخالفة واقعا تحت طائلة حكم نهائي بسبب مخالفة من نفس النوع أو سبق له أن إستفاد بسبب هذه المخالفة من إجراء المصالحة" وتطبق هذه المادة سواء على الشخص الطبيعي أو المعنوي.
وتجدر الإشارة إلى أن المادة 3 قد جاءت مطبقة لحكم المادة 9 من الأمر 96-22 المؤرخ في 09/07/1996 المتعلق بقمع جرائم الصرف، وقد جاءت المادة 10 من الأمر السالف الذكر تنص على أنه في حالة العود تحال مباشرة على وكيل الجمهورية المختص إقليميا محاضر معاينة مخالفة التشريع والتنظيم الخاصين بالصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج قصد إجراء المتابعات القضائية.
كما إعـتـبر المشرع المصالحة سابقة في العود في قانون 90/11 المؤرخ في 21/04/1990 المعدل والمتمم المنظم لعلاقات العمل الفردية في المادة 155 منه والتي نصت في فقرتها الثانية:
"لا يزيل دفع غرامة الصلح طابع العود في المخالفة المتكررة ويحدد التنظيم إجراءات وكيفيات دفع غرامة الصلح المذكورة" (1)، إلا أن ما يلاحظ في الواقع العملي أنه رغم كثرة المخالفات المرتكبة للقوانين السابقة الذكر، نجد أن ساحة القضاء تفتقر لأحكام أو قرارات تطبق فيها أحكام العود رغم تكريسها قانونا.
المطلب الثاني: آثار تطبيق العود.
إن الأثر الأساسي الذي يترتب في حالة قيام إحدى حالات العود تشديد العقوبة على العائد،إلا أن المشرع قد جعل ذلك جوازا يخضع لسلطة القاضي، كما نجده في أحيان أخرى وجوبيا،وقد روعي في ذلك تمكين القاضي من توقيع العقوبة التي يراها ملائمة لظروف كل متهم وملابسات كل جريمة،وفيما يلي سنوضح آثار تطبيق العود لكل حالة من حالات السابق شرحها.
أولا: الآثار المتعلقة بالعود من عقوبة جنائية إلى جناية :
بالرجوع لنص المادة 54 نجدها قد نصت على فرضيتين كما يلي:
الفقرة الأولى من المادة 54: إذا إرتكب شخص جناية وحكم عليه بعقوبة جنائية وإرتكب جناية ثانية أدت إلى موت إنسان وكانت عقوبتها السجن المؤبد فيجوز الحكم عليه بالإعدام، كمن يرتكب جريمة هتك العرض وحكم عليه بخمس سنوات سجن وبعد 30 سنة إرتكب جناية القتل العمد(1).
الفقرة الثانية من المادة 54: إذا إرتكب شخص جناية وحكم عليه بعقوبة جنائية ثم إرتكب جناية أخرى معاقب عليها بالسجن المؤقت فيجوز رفع العقوبة إلى السجن المؤبد، كمن يرتكب جناية هتك العرض وعوقب بـ 5 سنوات سجن وبعد 20 سنة إرتكب جناية السرقة الموصوفة المنصوص والمعاقب عليها بالمادة 353 بالسجن من 10 إلى 20 سنة.
وتجدر الإشارة إلى أن أمر تشديد العقوبة يبقى في كلتى الحالتين جوازي للقاضي يخضع لسلطته التقديرية.