yacine414
2011-02-05, 11:01
عنوان هذه المذكرة المستفيد من الغش في التشريع الجمركي
المقدمـــــــــــة
الأصل أن المنازعات الجمركية الجزائية جزء من المنازعات الجزائية التي تعرض على القضاء و تطبق عليها ذات القواعد الإجرائية ، غير أن قانون الجمارك تضمن بعض الأحكام المتميزة التــي تخرج عن نطاق و أحكام القانون العام ، مما أضفى عـليها طابعا مميزا جعلها توصف بقانون عقوبـات خاص (1) و تنـصب بالخصوص على قواعد التجريم كالتوسع في تحديد الركن المادي ، و إسهـام السلطة التنفيذية في تحديده و كذا التضييق من نـطاق الشروع في الجريمة و ضعف الركن المعنوي و كذلك من حيث الإثبات و تحديد المسؤولية الجزائية التي تقع أساسا على الفاعل الظاهر في القانـون الجمركي؛ و هـو إما حائز البضاعة محل الغش و إما ناقلها و إما المصرح بها أو الوكيل لدى الجمارك.
و نتيجة لذلك كثيرا ما يفلت من العقاب الجناة الحقيقيون ، و يحل محلهم مجرد وسطاء غالبـا ما تكون مسؤوليتهم دون خـطأ لعدم الاعتداد بالنية في الجرائم الجمركية ، و لقد لطف المـشرع من حدة هذه المسؤولية بحصر نطاقها في المجال الجبائي و اشترط لتطبيق عقوبات الحبس ارتكاب خطأ شخصـي.
إن ما يـضفي هذا الطابع المتميز و الخصوصي للمنازعات الجمركية ؛ سـواء من حيث التجريـم أو من حيث العقاب أو المسؤولية و عبء الإثبات يرجعه الباحثون في هذا المجال إلى سببين أحدهمــا بسيكولوجي و الآخر تقني(2).
أما السبب البسيكولوجي فهو أن الرأي العام لا يستهجن الجريمة الجمركية بقدر ما يستهجن جرائـم القانون العام، و أن مرتكبها يجد تعاطفا بين الناس وحتى في الوسط القضائي لتعلقها بالحقوق و الرسوم المستحقة للدولة في ظل سواد عقلية البايلك.
و أما السبب التقني فيعود إلى تميز الجرائم الجمركية لاسيما التهريب بالسرعة و بالتـالي زوالـها و عدم ثباتها و صعوبة اكتشافها في تلك اللحظة.
و هناك من الدارسين من يضيف(3) أن القانون الجمركي يستمد أسس تشدده في المنازعات الجزائية من أسباب اجتماعية؛ فالرأي العام يتأثر و يتألم من العنف الممارس ضد السلامة الجسدية أكثر من تأثره من الجنحة الضريبية أو الجمركية، و قد ظهر الميل إلى التشدد في العقاب عندما صار المساس الخفـي أو الظاهر بالاقتصاد و الإضرار به من خلال الجرائم الجمركية كبيرا.
أما على صعيد الاعتبارات المحضة للجريمة الجمركية، و زيــادة على كون الغـش الضـريبي يمتـاز بالسرعة ، فإن أولئك الذين يتصرفون بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، بحسن أو بسوء نيـة في إطـار مخطط الغش، يجب أن يتأكدوا من أنهم سيعاقبون على إتيانهم تصرفا من تصرفات الغش.
و لما كان نظام الاشتراك المنصوص عليه في القانون العام، لا يتسع لاحتواء نطـاق المسؤوليـة الجزائية الجمركية بسبب اشتراطه توافر القصد الجزائي لدى الشريك، لجأ المشرع إلى إحداث نظــام للاشتراك بدون قصد جزائي خاص بالمنازعات
--------------------------
(1)- احسن بوسقيعة – خصوصيات المنازعات الجمركية – دراسة منشورة في المجلة القضائية – العدد 2 / 2000 – ص 15 .
(2)- احسن بوسقيعة – المنازعات الجمركية – الطبعة الثانية 2001 – ص39..
(3)- عمرو شوقي جبارة– الإقتناع الشخصي للقضاة على محك القانون الجمركي – ترجمة قسم الوثائق بالمحكمة العليا –المجلة القضائية – عدد خاص – الجزء الثاني -2002 – ص 58 و59.
الجـمركية و هو ما يسمى بالاستفادة من الغش ؛ و الذي يطبق في أوسـع نطاق ممكن لما يتيحه من مـزايا عملية لا يمكن أن تتحقق في ظل اشتراك القواعـد العامة.
فما هي يا ترى مميزات هذا النظام بالمقارنة مع الشريك في القانون العام؟ و كيف تطـور مفهـوم المستفيد من الغش عبر الحقب الزمنية للسياسة التشريعية في المجال الجمركي؟
و ما هي الآثار و النتائج المترتبة عن قيام المسؤولية عن الاستفادة من الغش؟
هذا ما سنحاول الإجابة عنه في هذه الدراسة؛ من خلال التعرض إلى القواعد العامة للاشتراك فـي فصل تمهيدي باعتبار أن الاستفادة من الغش ما هي إلا تطبيق خاص لاشتراك القواعد العامة ، و عليـه ارتأينا أن نبدأ من العام إلى الخاص، و هذا حتى تتضح الفوارق الجوهرية بين المفهوميـن وفي نفـس الوقت لكثرة الإحالة إلى مفهوم الشريك عند دراسة المستفيد من الغش.
أما في الـفصل الأول من هذه الدراسة فنتحدث فيه عن تـطور مفهوم المستفيد من الغـش؛ بـدءا بما جاء في الـنظام التشريعي الفرنسي باعتباره الرائد في هذه النظريـة، وصولا إلى التشريع الجمـركي الجزائري عبر مختلف مراحله، كون هذا الأخير مقتبس من الأول نظرا للاعتبارات التاريخية.
و في الفصل الثاني نتطرق إلى المسؤولية عن الاستفادة من الغش بإبراز أسس قيامها، و تأثيـرها على الغير و النتائج المترتبة عن قيامها من جزاء و تضامن.
كل هذا على ضوء القانون و الآراء الفقهية للمختصين في هذا المجال، و في كنف الممارسات القضائية على أعلى مستوياتها مبرزين في ذلك المزايا من استحداث هذه المؤسسة، سواء الفعالية فـي تحصيل الحقوق و الرسوم المستحقة للخزينة العامة و هي الغاية المباشـرة، أو مرد وديتها فـي قمـع الجرائم خاصة مع الاتجاهات الحديثة لمكافحة التهريب و كل ما له صلة به كالجريمة المنظمة بتأثيراتها السلبية على الصعيد العالمي، خاصة مع توجه الجـزائر إلى الانفتاح على السـوق العالمية بالانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة، و ما يفرضه من تشدد في القمع على كل المستويات و منها الجمركي.
و محاولين في نفس الوقت تقريب وجهات النظر بين المفارقات التي قد تحصل عند تطبيق مفهوم المستفيد من الغش، و هذا أمام المحاكم الفاصلة في القضايا الجزائية خاصة مع قصر معرفة القضـاة بالمجال الجمركي هذا من جهة ،و قصر معرفة المهنيين الجمركيين بالمجال القانوني من جهة أخرى.
الفصــل التمهيــدي
القواعــد العامــة للاشتراك
سنقسم دراستنا لهذا الفصل التمهيدي إلى مبحثين
1- مفهوم الاشتراك
2- شروط معاقبة الشريك
المبحــث الأول مفهــوم الإشتــرااك
لقد ورد تعريف الشريك في الفصل الأول من الباب الثاني من قانون العقوبات، تحـت عنـوان المساهمون في الجريمة؛ فعندما ترتكب الجريمة الواحدة من عدة أشخـاص نكون بصدد المساهمة الجنائية.
وإذا كان تعدد المساهمين لا يثير جدلا، فإن وحدة الجريمة تقتضي توافر ركنين، الأول هو الوحدة المادية للجريمة فتعدد أفعال المساهمين قد تختلف لكنها تلتقي لإحداث واقعة إجرامية واحدة، بحيث يؤدي كل فعل منها دوره في تحقيق النتيـجة من حيث وقوعها أو جسامتها أو وقت حدوثـها، أما الركن الثاني فهو الوحدة المعنوية للجريمة؛ و التي مؤداها أن يتحقق لدى الجناة رابطة ذهنية واحدة تجمعهـم على ارتكاب الجريمة، كالاتفاق السابق على ارتكابـها و التخطيط لتنفيـذها و توزيع الأدوار(4)، و عليه وجب التطرق إلى تعريف الشريك و تمييزه عن الفاعل الأصلي في مطلبين.
المطلــب الأول تعريــف الشريــك
تنص المادة 42 من قانون العقوبات على أنه يعتبر شريكا في الجريمة، من لم يشترك اشتراكا مباشرا و لكنه ساعد بكل الطـرق و عاون الفاعل أو الفاعليـن على ارتكاب الأفعال التحضيرية أو المسهلـة أو المنفذة لها مع علمه بذلك.
فـقد حصر المشرع عمل الشريك، في المساعدة أو المعاونة على ارتكاب الأفعـال التحضيريـة عرضية أو ثانوية(5)، و لقد اعتبرت المحكمة العليا أن العناصر المكونـة لجريمـة المشاركـة هي المساعدة بكافة الطرق على الأعمال التحضيرية أو المسهلة أو المنفذة، و إن خلو سؤال الإدانة من إبراز كيفية أو طريقة مساعدة الفاعلين يجعله غامضا يترتب عنه النقض(6)
-------------------------
(4)- عبد الله سليمان- شرح قانون العقوبات القسم العام- الجزء الأول- الجريمة- دار الهدى- عين مليلة- ص156 و 157.
(5)- احسن بوسقيعة- الوجيز في القانون الجزائي العام- الديوان الوطني للأشغال التربوية- طبعة2002- ص 148.
(6)- قرار المحكمة العليا-الغرفة الجنائية- بتاريخ 01/10/2002 ملف رقم 277625 – المجلة القضائية العدد 2/2002- قسم الوثائق 2004.
و تنص المادة 43 من نفس القانـون على أنه يأخـذ حكم الشريـك، من اعتاد أن يقدم مسكنا أو ملجــأ أو مكانا للاجتماع لواحد أو أكثر من الأشرار اللذين يمارسون اللصوصية أو العنف ضد أمن الدولة أو الأمن العام، أو ضد الأشخاص أو الأموال مع علمه بسلوكهم الإجرامي.
و لما كان عمل الشريك يقتصر على الأعمال التحضيرية و المساعدة، فهو فرعي غير مجـرم بذاته بل استمد الصفة الإجرامية لاتصاله بالفعل الإجرامي الذي ارتكبه الفاعل، و عليه سنميـز بينه و بين الفاعل الأصلي في المطلب الموالي.
المطلــب الثاني التمييــز بين الفاعل و الشريــك
لقد اختلفت التشريعات حول الوضعية القانونية للشريك مقارنة بالفاعل الأصلي، و أن المشـرع الجزائري أخذ بتبعية الشريك للفاعل الأصلي تبعية كاملة من حيث التجريم، و تبعية نسبية من حيث العقاب(7).
فـالفاعل هو من يقوم بالأعمال المادية المشكلة للجريمـة، و تتحقق في شخصه أركان الجريمـة كاملة، و قد يكون الفاعل الأصلي فاعلا ماديا مع غيـره و هو من قـام شخصيا بالأعمال الماديـة المكونة للجريمة، غير أنه لم يرتكبها بمفرده و إنما برفقة شخص آخر أو أكثر إذ يكون كلهم فاعلين ماديين للجريمة، و التمييز بين الفاعل المادي مع غيره و الشريك لها أهمية من حيث المسؤولية في التشريعات التي أخذت بنظام تبعية مسؤولية الشريك لمسؤولية الفاعل تبعية تامة كما في فرنسا إذ يمكن متابعة الفاعل الأصلي المساعد مستقلا عن باقي المساعدين، كما يمكن تسليط العقوبة عليه عندما يعترض تسليطها على فاعل آخر ظرف شخصي كالإعفاء من العقوبة بسبب القرابة في جرائم الأموال م 368 ق ع(8)
و في هذا الصدد اعتبرت المحكمة العليا فاعلا أصليا كل من ساهـم مساهمة مباشرة فـي ارتكاب الفعل الإجرامي وفقا للمادة 41 ق ع، و أنه قد يرتكب الفعل من طرف شخص واحد و قد يتعـدد الفاعلون في ارتكابه ماديا، كأن ينهـال أشخاص على الضحية بالضرب حتى وفاتها و قد تقسم الأدوار فيما بينهم، فيقوم أحدهم بالحراسة و الثاني بإمساك الضحية و الثالث بضربها وكل واحـد منهم يعتبر فاعلا أصليا مادامت نيتهم متحدة في ارتكاب الفعـل، و كانـوا متواجديـن في مسرح الجريمة(9).
كما قد يكـون الفاعل الأصلي فاعلا معنويا كالمحـرض فالمادة 41 ق ع اعتبرت فاعلا كل محرض على ارتكاب الفعل بالهبة أو الوعد أو التهديد أو إساءة استعمال السلطـة، أو الولايـة أو التحايل أو التدليس الإجرامي، فلابد لقيام التـحريض أن تتأثر إرادة الجاني مباشرة نحو ارتكاب الجريمة، و باستعمال إحدى الوسائل المبينة في صلب النص، و هناك صور أخرى للفاعل المعنوي أشار إليها المشرع في مواد مختلفة من قانون العقوبات.
و بالمقابل فإن الشريك ينحصر دوره في المعاونة على ارتكاب الجريمة بالقيام بعـمل مادي يختلف عن الركن المادي
----------------------
(7)- احسن بوسقيعة- الوجيز في القانون الجزائي العام- المرجع السابق- ص 150،151،152.
(8)- احسن بوسقيعة- المرجع أعلاه – ص 143.
(9)- قرار المحكمة العليا-الغرفة الجنلئية- بتاريخ 25/07/2000- ملف رقم 251929- المجلة القضائية- العدد2- سنة 2000- ص 201.
للجريمة، غير أن عقوبة الشريك هي نفسها عقوبـة الفاعل الأصلي لذا فأهميــة التمييز تترتب عنها نتائج؛ منها ما يتعلق بوصف الجريمة و التي تتوقـف على الصفة الشخصيـة للفاعل و ليس على صفة الشريك، و من ثمة فإن الظروف المشددة
و تقدير الأركان المكونة للجريمة يتم اعتبارا للفاعلين الأصليين و ليس الشركاء، و من النتائج ما يتعلق بالعقاب على الجريمة في حد ذاتها كما في المخالفة فيعاقب الفاعل دون الشريك إلا في حالات استثنائية، كمخالفـات الضــرب و الجروح العمدية و المشاجرة و أعمال العنف الأخرى المواد 442-1، 442 مكرر ق ع.
و كذلك إذا كان الحكم على الفاعل يتطلب إثبات الأركان المشكلة للجريمة فحسب، فإن معاقبـة الشريك يقتضي إثبات توافر الأركان المكونة للاشتراك و هذا ما سنراه في المبحث الثاني.
المبحــث الثاني شروط معاقبــة الشريــك
حتى يتم الحكم على الشريك يجب أن تتوافر شروط ، أهمها قيام أركان الاشـتراك و هذا ما سنراه في المطلب الأول و بعدها نعرض لجزاء الشريك في المطلب الثاني كالتالي.
المطلــب الأول أركــان الاشتراك
باعتبار أن أركان الاشتراك هي أهم جزء من شروط معاقبة الشريك، لذا سنتحدث عنها بشيء من التفصيل بالتكلم عن الأركان الثلاثة تباعا، الركن الشرعي ثم المادي فالركن المعنوي.
أولا : الركن الشرعي في الاشتراك
أفعال الشريك هي أعمال تحضيرية لا عقاب عليها، و إنما تنجذب إلى دائرة التجريم بوصفها حلقة من حلقات المساهمة الجنائية التبعية في ارتكاب الجريمة، فلا يعاقب عليـها إلا إذا ارتكب الفاعل الجريمة أو شرع فيها(10) و بذلك يتوقف تجريم عمل الشريك على عمل الفاعل الأصلي و يكون الفعل معاقبا عليه و يشكل جريمة (11) إذ لا يسأل عن الاشتراك إذا كان الفعل الأصلي غير مجرم، و كذلك لا يسأل عن الاشتراك في جريمة شرع فيها فقط و كان الشروع غير معاقب عليه كما في بعض الجـنح، أو إذا توقف عمل الفاعل عند الأعمال التحضيرية فقط ، و كذلك إذا كان للـجريمة المرتكبة لها ما يبررها قانونا كالدفاع الشرعي أو أمر أو إذن القانون، و لا يسأل عن الشروع في الاشتراك.
غير أنه لا يتوقف تجريم عمل الشريك على تسليط العقوبة فعلا على الفاعل الأصلي، كما إذا لم يكن محل متابعة جزائية
-----------------------
(10)- عبد الله سليمان- المرجع السابق- ص 178.
(11)- احسن بوسقيعة- الوجيز في القانون الجزائي العام- المرجع السابق- ص 153-154.
أو استـحال تسليط العقوبة عليه لكـونه ظل مجهولا، أو توفي أو كان صغير السن أو مجنونا أو استفاد من عفو شامل ذي
طبيعة شخصية أو استفاد من عذر معفي.
ثانيا: الركن المادي في الاشتراك
و يـتمثل العمل المادي هنا كما بينته المواد 42،43 في أعمال المساعدة أو المعاونة، و الأعمال التي تعد في حكم المساعدة كتقديم مسكن لإيواء الأشرار، و عليه سنوضح هذا الركن بالنظر إلـى العنصرين التاليين كالآتي:
1- المساعدة و المعاونة:
و تشمـل الأعمال التي يقـوم بها الشريك و التي من شأنها تسهيل القيام بالجريمة، سواء بالتحضير لها أو أثناء تنفيذها أو بعد تمامها، و يجب أن يتمثل الاشتراك في القيام بعمل إيجابي إذ لا اشتراك بالامتناع، و أن ينفذ هذا السلوك الإيجابي فلا محاولة في الاشتراك(12).
أما الأعمال التحضيرية أو السابقة المساعدة على ارتكاب الجريمة فتتمثل في الأعمال السابقة على مرحلة التنفيذ كاتخاذ تدابير من أجل تسهيل ارتكاب الجريمة.
أما الأعمال المعاصرة للجريمة فصورتها عندما يتدخل الشريك لتقديم يد المساعدة للفاعل الذي بدأ بتنفيذ الجريمة؛ بغية تمكينه من الاستمرار فيها و إنهائها على النحو الذي يضمن تحقيق النتيجة الإجرامية التي يصبو إليها(13).
أما الأعمال المساعدة اللاحقة على تمام الجريمة فليست وسيلة من وسائل الاشتراك(14)، و هذا لم يمنع المشرع من اللجوء إلى تجريم الأعمال المساعدة اللاحقة كجرائم خاصة مستقلـة، مثـل إخفاء أشياء متحصله من جناية أو جنحة المنصوص عليها في المادة 387 ق ع، و إخفاء الجناة م 180-1 .
2-إيواء الأشرار و مساعدتهم:
حصرت المادة 43 أعمال المساعدة لاعتبار من يقوم بها شريكا في تقديم مسكن أو ملجأ أو مكان للاجتماع لواحد أو أكثر من الأشرار اللذين يمارسون اللصوصية أو العنف ضد أمن الدولة، أو الأمـن العام أو ضد الأشخاص أو الأموال بتوافر شرطي الاعتياد و العلم بالسلوك الإجرامي.
-----------------------
(12)- احسن بوسقيعة- الوجيز في القانون الجزائي العام- المرجع السابق- ص 156.
(13)- محمود نجيب حسني- شرح قانون العقوبات- القسم العام- دار النهضة العربية-1977-رقم2- ص 456 – نقلا عن عبد الله سليمان- المرجع السابق - ص 180.
(14)-- احسن بوسقيعة- الوجيز في القانون الجزائي العام- المرجع أعلاه- ص157.
و هذه من صور المساعدة اللاحقة، ولا يقتصر هذا على تقديم المسكن بل هنـاك أعمال لاحقـة أخرى نصت عليها المادة 91-2 بأنه عـلاوة على الأشـخاص المبينين في المادة 42 يعاقب باعتباره شريكا؛ من يرتكب دون أن يكون فـاعلا أو شريكا أحد الأفعال التالية:
- تـزويد مرتكبي الجنايات و الجنح ضد أمن الدولة بالمـؤن أو وسائل المعيشة و تهيئة مـساكن لهم أو أماكن لاختفائهم أو لتجمعهم، و ذلك دون أن يكون وقع عليه إكراه و مع علمه بنواياهم.
- حمل مراسلات مـرتكبي هذه الجنايات و تلك الجنح،و تسهيل الوصول إلى مـوضوع الجناية أو الجنحة أو إخفائه أو نقله أو توصيله، و ذلك بأي طريقة كانت مع علمه بذلك.
ثــالثا: الركن المعنوي في الاشتراك
يقتضي على من ساعد الفاعل الأصلي أن يكون قد ساهم و هو على دراية في ارتكاب الجريمــة الرئيسية، و أن يكون يعلم بأنه يشترك في جناية أو جنحة، و يجب توافر نية الإسهام في عمل إجرامي نفذه أو حاول تنفيذه الغير.
فالنية لدى الشريك تتمثل دائما في خطأ قصدي، أي إرادة الاشتراك عمديا في الفعل الإجرامي للفاعل الرئيسـي، و لذلك لا يمكن متابعة مرتكب خطأ عدم الاحتياط كشريك(15)، و في هذا الصدد نقضـت المحكمة العليا الحكـم الذي تضمن سؤالا حول جريمة الاشتراك في اختلاس أموال عمومية بصيغة لم يبرز فيها عنصر العلم المعتبر العنصر الأساسي في هذه الجريمة(16).
المطلــب الثانــي جــزاء الشريــك
نصت المادة 44 من قانون العقوبات على أنه يعاقب الشريك في جناية أو جنحة بالعقوبة المقررة للجناية أو الجنحة.
و الـواضح من النص أنه قد تتطابق عقوبة الشريك مع عقوبة الفاعل الأصلي و هذا لا يؤخذ على إطلاقـه، فقد تؤثر الظروف الشخصية و الموضوعية بتشديد العقوبة أو بتخفيضها على أحدهما دون الآخر، فالظروف الشخصية كما نصت عليها م 44/2 و التي ينتج عنها تشديد أو تخفيف العقوبة لا تؤثر إلا بالنسبة للفاعل أو الشريك الذي تتصل به هذه الظروف.
إذن فالظروف الشخصية لصيقة بالشخص، كصغر السن أو الجنون أو حالة العود، فالظرف الشخصي لا يغير في الوصف القانوني للجريمة وإنما يغير فقط العقوبة بالتشديد أو التخفيض أو الإعفاء.
أما الظـروف الموضوعية اللصيقـة بالجريمـة حسب م 44/3 و التي تؤدي إلى تشديد أو تخفيض العقوبة التي توقع على من ساهم فيها، يترتب عليها تشديدها أو تخفيضها بحسب ما إذا كان يعلم أو لا يعلم بهذه الظروف.
------------------------------
(15)-- احسن بوسقيعة- الوجيز في القانون الجزائي العام- المرجع السابق- ص159.
(16)- قرارالمحكمة العليا – الغرفة الجنائية- بتاريخ 24/06/2003- ملف رقم 302683- المجلة القضائية- العدد 1- 2003 – ص 384،383.
إذن هذه الظروف تغير في وصف الجريمة كحمل السلاح في جريمة السرقة، يغير وصفها من جنحة إلى جناية فتشدد بالتالي العقوبة، و من هذه الظروف ما يخفف العقوبة كأعذار الاستفزاز، و هناك ظروف مختلطة أخذ بها القضاء الفرنسي.
فلقد قضت المحكمة العليا بأن واقعة الاشتراك في الجريمة مستقلة عن الجريمة الأصلية، و أن الظروف الشخصية المخففة أو المشددة لكل من الفاعل أو الشريك لا تؤثر في تخفيف أو تشديد العقوبة بالنسبة للآخر وفقا للمادة 44 ق ع.
و حـيث أنه لمعرفة تطبيق الظرف المشدد على الشريك أو عدمه؛ يتعين أن يدرس هذا الظرف أو لا هل هو شخصي أم موضوعي؟ فإذا تبين أنه موضوعي فإن العقوبة تكون مماثلة بالنسبة لكل منهما شرط أن يكون الشريك على علم بهذا الظرف.
و حيث أن الفرق بين الظرف الشخصي و الظرف الموضوعي هو أن الأول يشكل صفة أو حالة تتعلق بصاحبها وحده لا دخل للطرف الآخر فيها، أما الظرف الموضوعي فهو لصيــق بالجريمة ذاتها.
و حيث أن ظرفي سبق الإصرار و الترصد شخصيان يخصان الفاعل الأصلي وحده فإن معاقبة الشريك بهما يشكل خطأ في تطبيق القانون ينجر عنه النقض(17).
هذا مجل التفصيل الموجز حول القواعد العامة للاشتراك؛ كون المستفيد من الغش ليس سوى تطبيق خاص لهذه القواعد، فكيف تطور هذا النظام عبر مختلف الحقب الزمنية؟
هذا ما سنحاول تفصيله في الفصل الموالي آخذين بعين الاعتبار نشأته و تطوره في فرنسا ثم في الجزائر لتوافق التشريعين في هذا المجال.
----------------------------------
(17)- قرار المحكمة العليا- الغرفة الجنائية- بتاريخ 29/04/2003-ملف رقم 303401- المجلة القضائية- العدد1-2003- قسم الوثائق 2004- ص 388،387.
الفصــل الأول
تطــور مفهــوم المستفيــد من الغــش
إن مفهوم المستفيد من الغش عرف نشأته في فرنسـا ثم أخذ به المشرع الجزائري نظرا للاعتبارات التاريخية و عليه سنقسم دراسة هذا الفصل إلى مبحثين، الأول نتكلم فيه عن المستفيد من الغش في فرنسا، و الثاني عن المستفيد من الغش في الجزائر، كل هذا على ضوء النصوص القانونية و الآراء الفقهية، و الاجتهادات القضائية.
المبحــث الأول مفهــوم المستفيــد من الغــش في فرنســا
إن لمفهوم المستفيد من الغش دلالة تتميز بأصالتها الكبيرة(18)،و التي تجد دلالتها في الفقه و القضاء الفرنسي، و هو من خصوصيات قانون الجمارك(19)، و لتوضيح ذلك كان من الواجب معرفة كيفية تكون هذا النظام في مطلب أول، ثم تبيان دلالته في مطلب ثاني.
المطلــب الأول: تكــون نظــام الاستفادة من الغــش
لكي تستبين معالم نشأة مفهوم المستفيد من الغش، يجب بادئ ذي بدء التعرف على أسباب ظهوره، ثم تطور المراحل التي بلورت هذه الفكرة.
الفــرع الأول: أسبــاب ظهور نظــام المستفيــد من الغــش
إن تطبيق القواعد العامة التي تحكم التجريم و العقاب على الجرائم الجمركية التي تتميـز بخصوصيات معقدة و توسع دائرة المساهمين فيها، و المستفيدين منها نظرا لامتدادها في المكان و الزمان و صعوبة تنفيذها إلا بتخطيط محكم؛ فإن تلك القواعد لا تستجيب لكل متطلبات القمع الجمركي، خاصة ضيق الحدود المادية في الاشتراك واتساع رقعة القصد الجنائي بعنصريه الإدراك و الإرادة، هذه الأخيرة التي تضمحل في قانون الجمارك الذي يتميز بالتشدد و الصرامة، فكانت من أهم العوامل المتسببة في ظهور هذا النظام، لهذا نتطرق إليها تباعا.
-------------------------------
(18)- بلال مروش- المستفيد من الغش مميزاته و تأثيراته على القمع- مذكرة نهاية التربص- السنة الثالثة-المدرسة الوطنية للإدارة - فرع إدارة الجمارك- 2002/2003 – ص 4.
(19)- عمرو شوقي جبارة- محاضرات ألقيت في المدرسة العليا للقضاء- طلبة الدفعة 14- السنة الأولى- 2003/2004.
أولا: خصوصية الجريمة الجمركية و توسع دائرة المسؤولية
فالجريمة الجمركية مستمرة في الزمان و ممتدة في المكان، و تتطلب نشاطا جماعيا يوزع أداؤه على العديد من المتدخلين في إطار مخطط الغش يـصعب الوصول إليهم و معاقبتهم بتطبيق القواعد العامة للاشتراك ؛ خاصة و أن الجريمة الجمركية
هي جريمة لياقات بيضاء مرتكبوها ذووا مستويات فكرية و قانونية ؛ تـسمح لهم بالبحث عن الثغرات القانونية و تطوير الجريمة بشكل لا تحتويه القـواعد العامة حيث أن المستفيدين من الغش يسألون بالتضامن مما يوسع مجـال المتابعة و يعطي إمكانيـة أفضل لتحصيل الحقوق و الرسوم الجمركية(20).
ثانيــا: ضيق الركن المادي في القواعد العامة للاشتراك
حدد القانون الأعمـال التي تدخل في تكوين الركن المادي للاشتراك، و حصـرها في الأعمال السابقـة أو المعاصرة أي التحضيرية أو المنفذة كما سبق تبيانه في الفصل التمهيدي، و هذه الحدود يحترمها القضاة و بالتالي تخرج عن هذا النطاق الأعمال اللاحقة على تمام الجريمة أي من دائرة القواعد العامة للاشتراك و كذلك ضرورة إتيان نشاط إيجابي و مجرد الامتناع يتعارض مع مختلف مظاهر الركن المادي كما حددها القانون.
فهذه الحدود التي تضبطها القواعد العامة للاشتراك بالرغـم من أنها لا تمنع من تسليط العقاب على بعض المساهمين في الغش الجمركي باعتبارهم شركاء فيـه، إلا أنها لا تسمح في كثير من الحالات من توقيع العقاب على المستفيدين الحقيقيين من هذا الغش، مما يجعلها قاصرة و لا تستجيب بكفاية لمتطلبات القمع الجمركي(21).
فـقد كان القضاء في خلال القرن19 م يميز بين الشريك و المستفيد من الغش، على أساس أن الاستفادة من الغش تتميز بكونها مـساهمة مالية أ معنوية و مـن المستحيل أن تكون مساهمة مادية في الغش؛ و التي كانت تتابع على أسـاس الاشتراك(22) ، لكـن مع مرور الوقت و باعتبار الجريمة الجمركية مستمرة تغير موقف القضاء ليقر بإمكانية الاستفادة من الغش الناتجة عن مساهمة مادية في مخطط الغش، ليصبح مفهوم المـستفيد من الغش موازيا للشريك في روحه و يخالفه في خصائصه(23).
-------------------------------
(20)- يوسف ابرادشة-نظرية الاستفادة من الغش-مذكرة السنة الرابعة- إدارة الجمارك- المدرسة الوطنية للإدارة-2001 ص 12.
(21)- CL.J.BERR et H.TREMEAU.OP.CIT.2ème éd N 670 P396.
J.F.DURAND.pénal annexe art 110.
- نقلا عن عبد المجيد زعلاني- خصوصية قانون العقوبات الجمركي- أطروحة دكتوراه- جامعة الحقوق بن عكنون- 1998- ص 75.
(22)- بلال مروش- المرجع السابق- ص5.
(23)- أي أن المساهمة المادية في الاستفادة من الغش تتسع لتشمل الأعمال اللاحقة.
ثالثــا: اتساع الركن المعنوي في القواعد العامة للاشتراك
يشترط لقيام الاشتراك طبقا للقواعد العامة كما رأينا وجوب توافر القصد لدى الشريك أما في مجال الاستفادة من
الغش(24)؛ فتسودها قاعدة استبعاد حسن نية المتهم إلا ما أستثني بنـص خاص كما سنرى لاحقا.
فتتجاوز بذلك الاستفادة من الغش شرط الطبيعة العمدية لرابطة المساهمة المنصوص عليها في القواعد العامة للاشتراك، تحقيقا لـفكرة سائدة في القانون الجمركي مؤداها رغبة المشرع في تفادي فتح النقاش حول هذه النقطة أي القصد ، أمام القضاء الجزائي لإمكانية نطق القضاء ببراءة مجرمين خطيرين لعدم ثبوت سوء نيتهم؛ في حين هم الأدمغة المفكرة في عملية الغش و يستفيدون منها دون أن يظهروا كشركاء فيها.
و كذلك يترتب على فتح النقاش حول القصد في الميدان الجمركي إدخال نوع من التنـاقض في بنية القانون الجمركي الذي يقوم على أحد المبادئ الأساسية المتمثلة في استبعاد حسن نية المتهم(25)
الفــرع الثــاني تـطور نـظرية المـستفيد من الغــش
إن المفهوم الحديث للـمستفيد من الغش لم يتبلور إلا بعد مرحلة ساد فيها الغموض و التوسع سواء على المستوى التشريعي أو القضائي(26) و هذا بدءا بـصدور الأمر الإمبراطوري بتاريخ 18 أكتوبر 1810، ثم التعديلات التي أدخلت
على قانون الجـمارك الفرنسي لسنة 1934 بتأثير مواقف القضاء و كذلك إصلاحات 1948 و 1958.
و في هذا الصـدد و من أجل الوصول إلى المفهوم الحديث للمستفيد من الغش، لابد من معرفة المرحلة التي شملها توسع المفهوم و غموضه في نطاق التشريع (أولا) ثم في نطاق القضاء (ثانيا).
------------------------------------------------------------------------------،
(24)- عبد المجيد زعلاني- المرجع أعلاه- ص75-112.
(25)- غير أن المشرع الفرنسي أدخل إصلاحات على قانون الجمارك، لاسيما المادة 369 منه المقابلة للمادة 282 ق ج الجزائـري و التي تمت على مرحلتين، تم تعديل نص المادة 369-2 في المرحلة الأولى بموجب القانون رقم 77-1453 المؤرخ في 29-12-1977 بالتنصيص على عدم جواز تبرئة المخالف تأسيسا على نيته، و لم يلبث المشرع الفرنسي أن أعاد النظر في المادة المذكورة فخطا خطوة جريئة في سبيل إرساء دعائم دولة القانون و إحلال العدل بالرجوع على قواعد القانون العام، حيث ألغى المادة 369-2 المذكـورة في المـرحلة الثانية بمـوجب القـانون رقم 87-502 المؤرخ في 08-07-1987 و بذلك لم يعد ممنوعا على القاضي التصريح ببراءة المخالفين لغياب النية أو القصد، الأمر الذي صارت معه الجرائم الجمركية في كل صورها جرائم عمدية مثلها مثل جرائم القانون العام يلزم لقيامها توافر الركن المعنوي.
- أنظر في هذا الصدد – احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص 22.
(26)- عبد المجيد زعلاني- المرجع السابق- ص 76-77.
أولا: ظهور النظرية و غموضها في التشريع الفرنسي
لم تكن تترتب على مسؤولية المستفيدين من الغش سوى جزاءات ذات طابع مالي، أما العقاب فيسلط بالدرجة الأولى على منفذي الغش و هذا قبل ظهور فكرة الاستفادة من الغش(27).
و يتضح من المـرسوم الإمبراطوري أعلاه الذي أنشأ مجالس قـضائية تابعة للجمارك و أسند لها اختصاص النظر في جنايات التـهريب مع حمل السلاح، و الذي أملته على نابليون موجبات الحصار القـاري، و الـذي أفشلته إلى حد كبير مقاولات التهريب التي لم تنجح في هذه الفترة بالارتكاز على العنف؛ و إنما باللجوء إلى تنظـيم محكم يستند على شـبكة من الجواسيس و المساعدين في إخفاء بضائع الغش، و لذلك فقد استوجبت محاربة هذه المقاولات البحث عـن رؤوسـها القائمة في الخفاء بالتخطيط و التمويل و إعطاء الأوامر، و لهذا الغرض بالذات جاء النص الإمبراطوري(28).
و قـد شملت أحكام هذا النص إلى جانب المستفيدين من الغش؛ العديد ممن يمكن أن تكون لهم عـلاقة به كرؤساء العصابات و السائقين و المشرفين على اجتماعات المهربين و المقاولين و المؤمنين و شركائهم، و فضلا عن ذلك فإن القانون لم يميز بين المستفيدين من الغش عمن ذكروا إلى جانبهم من رؤساء مشاريع التهريب و المؤمنين و غيرهم، و لم يورد بشأنهم أي تعريف خاص بهم و لعل ذلك يرجع إلى أن الاستفادة من الغش تشكل مفهوما متطورا بالنسبة للوقت الذي عـرفت ظهورها فيه(29).
جاء قانون 28 أفريل 1816 الذي خول وكلاء الملك سلطات خاصة لغرض القيام بإجراء المتابعات ضد المساهمين في ارتكاب الغش ، حيث جاء في المادة 53 منه أن من بين الأشخاص الذين يمكن أن تشملهم أحكامه؛ و الـذين يتحملون بالتضامن الغرامة المحكوم بها مع غيرهم مـن المساهمين في الغش المستفيدين بكيفية ما من فعل التهريب، و غموض هذه العبارة التي كانت وقت ظهورها في حاجة ماسة إلى التوضيح فتح المجال أمام الاجتهاد القضائي.
ثــانيا: غــموض النظرية في الــقضاء الفرنسي
من النتائج المترتبة على غموض التشريع فيما يخص مفهوم المستفيد من الغش هو فتح الباب أمام الاجتهاد القضائي و الذي ما فتئ يحترم القواعد العامة و الحدود المرسومة فيها، و بالتالي التحفظ في تفسيره النصوص المتضمنة فكرة الاستفادة من الغش و التي ينظر إلـيها من زاوية المصلحة المالية أو المعنوية، أما المساهمة المادية فكانت تخضع لقواعد الاشتراك و هذا طيلة القرن التاسع عشر .
--------------------------- --------------------------------
- B.NEEL. l’intérèt . J.C.P. 199.I.doct 2448.(27)
- نقلا عن عبد المجيد زعلاني- المرجع اعلاه- ص 77.
(28)- M. PNAZARIO et M. HOGUET. OP.CIT.N 196 p113
- نقلا عن نفس المرجع أعلاه- ص 78.
(29)- B.NEEL.art.n3
- نقلا عن نفس المرجع أعلاه.
و مع حلول القرن الحالي خرج القضاء عن تحفظه و أخذ بمفهوم مـوسع للاستفادة من الـغش و كان هذا الانقلاب إثر جدل كبير ثار بصدد محاكمة شهيرة في قضية تهريب البضائع بين فرنـسا و سويسرا و يـعتبر هذا الاجتهاد القضائي حاسما في تحديد مفهوم الاستفادة من الغش، و لأهميته وجب التذكير بوقائعها و الخلاصة الصادرة بشأنها(30).
قرار مبدئي صادر في 22 نوفمبر 1900 – قضية روكبان-
في سـنة 1898 سلم مـقاول تهريب سويسري للسيد روكبان و هو ميكانيكي يعمل في السكك الحديدية، عدة مـرات دلاء مملوءة بعلب السجائر بغرض إدخالها على الـتراب الفرنسي، و قد كان يخفي تلك الدلاء في خزانات المياه لقاطرته لسترها عن أعين الرقابة الجمركية و يودعها بعد ذلك عند عائلة تروفي، و لم تتمكن مصالح الجمارك من اكتشاف الغش بل أكتشفه عرضا مراقبوا الضرائب غير المباشرة بمناسبة تفتيش هذه العائلة.
و من خلال التـحقيق القضائي اكتشف أن السيد روكبان قد حصل على مبلغ 400 فرنك فرنسي قدم له من مقاول التهريب مقابل مساهمته في المشروع، مما أدى إلى متابعته المزدوجة كمستفيد من الغش بناء على المـصلحة المالية المتمثلة في المبلغ المالي، و كفاعل لتنفيذه الأعمال المادية المؤدية إلى إدخال البضائع عبر الحدود.
أما الـحل النهائي الذي توصلت إليه محكمة النقض و الذي أخذ بعين الاعتبار في تعديل قانون الجمارك سنة 1934 و الفقرة الخاصة بمفهوم الاستفادة من الغش كانت كالآتي:
" وقائع التهريب المنسوبة إلى المتهم ليست أعمالا فردية صرفة ؛ فهي ترتبط بمجموعة أعمال قام بها عدد من الأفراد يعملون بتنـسيق معه وفقا لمخطط تهريب أعد مسبقا ، و قد دبر كل شئ من أجل ضمان النتيجة المراد تحقيقها من طرف الجميع و يستخلص من كل هذا أن المتهم كانت له مصلحة في مـشروع التهريب الذي ساهم فيه، و يـجب بالتالي أن تطبق عليه أحـكام المادتين 52-53 من قانون 28 أفريل1816."
فأصبح بالتالي المفهوم الموسع للاستفادة من الغش هو المعمول به أمام القضاء بوجه عام و على كـل المستويات(31)، و لم يتـغير الاتجاه بعد تعديل قانون الجمـارك سنة 1934 بل تأكد تطبيقا لنصوصه إذ أصبح القـضاء يعتبر استفادة من الغش؛ كل مساهمة أيا كانت و مـهما يكن شكلها في أعمال مرتكبي الجرائم الجمركية، منذ إعداد مخطط الغش إلى غاية إتمامه و كل فعل له صلة بالغش يتابع من صدر منه كمستفيد.
--------------------------------------------------------------------------------
- crim 27 janv 1905. B.C.n 40(30)
- نقلا عن عبد المجيد زعلاني- المرجع السابق- ص 80
(31)- حكم بتاريخ 01/02/1927 لمحكمة إبتدائية جاء فيه ان التكييف الجنائي للمستفيد من الغش يشمل بغض النظر عن كل علم بالجريمة و كل استفادة شخصية محتملة، كل تدخل يأخذ شكل مساعدة مادية في الغش و أيضا كل مساهمة احتياطية في الأعمال السابقة او المعاصرة لتمام الجريمة لان الأمر يتعلق هنا بكيفية خاصة من الاشتراك خارجة عن القواعد العامة و خاضعة بوجه خاص كأغلب الجنح الجمركية للقاعدة الأساسية التي تمنع القاضي من مسامحة المخالف بناء على نيته.
- أنظر عبد المجيد زعلاني- نفس المرجع أعلاه.
و في هذا الصدد قضي في فرنسا أن المحرض على التهريب بغرض ضمان التموين من بضاعة نادرة يصعب الحصول عليها، يعد مستفيدا من الغش(32).
إن هذا التميز الصارم أدى إلى ردود فعل في الفقه و القضاء الذي يميل إلى التخفيف من حدة المفهوم بل تحديثه طبقا للتغيرات و هذا ما سنراه في المطلب الموالي.
المــطلب الثــاني الــدلالة الحـديثة لـمؤسسة الـمستفيد من الــغش
إن الغـموض الذي ساد هذه الفكرة في نهاية القرن 19 م و بداية القرن20 و كذلك تضارب الآراء و اختلاف التفسير و التطبيق، أدى بالمـشرع الفرنسي إلى التدخل بمقتضى إصلاح قانون الجمارك سنة 1948 و الذي تمم بإصلاح سنة 1958 (33).
إصلاح سنة 1948:
اتجه التشريع الجديد نحو الحد من تضخم هذه النظرية؛ بوضع حدود واضحة محاولا التفرقة بين الحـالة التي يتم فيها حيازة و شراء بضائع محل غش بسوء نية؛ و التي تطبق فيها القواعد العامة للاستفادة من الغش، و الحالة التي يتم فيها ذلك بحسن نية فلا يطبق إلا نظام عقابي مخفف.
هذا التحديد القائم على أساس نية المتدخل في المرحلة اللاحقة على ارتكاب الغش، تم كذلك تحديد أحد أهم الجوانب في هذه النظرية و الذي يعتبر أكثر توسعا و هو مخطط الغش الذي عرف بدوره نوعا من التضييق فيما يعتبر مـساهمة فيه.
إصلاح سنة 1958:
بمقتضى الأمر 58/1238 بتاريخ 17/12/1958 ، و الذي أتى بمكنة قانونية لإعفاء المستفيد من الغش من المسؤولية حالة ثبوتها إذا قام بالفعل و هو في حالة الضـرورة(34) ، أو كان فعله ناتجـا عن غلط قاهر؛ والذي عرفته محكمة النقض الفرنسية بأنه ذلك الغلط الذي لا يمكن تجنبه بقدر من الفحص و الحذر(35).
-----------------------------------------------------------
(32)- crim 22 nov 1918. D.1979.200
- نقلا عن احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص 407.
(33)- عبد المجيد زعلاني- المرجع السابق- ص 81-82.
(34)- و هي تلك الحالة التي يكون فيها الشخص مضطرا لارتكاب الجريمة و ذلك بدافع سلامة نفسه أو غيره أو للحفاظ على ملك أساسي.
- احسن بوسقيعة- المرجع أعلاه- ص410.
(35)- crim 24 nov 1980. bull . crim . n 313.
- نقلا عن احسن بوسقيعة- نفس المرجع أعلاه.
غير أن الصياغة المعتمدة في المادة 399 ق ج ف(36)، بخصوص الاستفادة من الغش و التي تحمل قراءة مزدوجة، أي استفادة مباشرة و غير مباشرة و هذا ما سنعرض له بشئ من التفصيل.
الــفرع الأول- الاستفادة الــمباشرة من الــغش
و في هذا الصدد نميز بين الاستفادة المباشرة من الغش بوجه عام ، و استفادة مباشرة مفترضة اعتبارا لصفات معينة أو لنشاط ممارس.
أولا : الاستفادة المباشرة الأصلية
و تعتبر هـذه الاستفادة الصورة المثلى للمستفيد من الغش(37)، و يدخل في هذا الإطار كل من يستفيد بكيفية مباشرة من الغش دون أن يقع تحت حكم القرائن المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 399 ق ج ف.
و هذه الاستفادة قد تتحقق بشكل واسع كقبض عائدات بيع بضائع الغش ، كذلك تـزويد مرتكبي الغش بمعلومات تسهل عملية التهريب و الإفلات من رقابة الجمارك، أو من خلال حـراسة الطرق و المسالك التي تـسلكها وسائل النقل التي تـخفي البضائع محل الغش، أو بتضليل الفرق العاملة في مختلف النقاط.
و المهم هو أن المستفيد من الغش في صورته المثالية ألا يدخل في حكم الفقرة الثانية من المادة 399 ق ج ف، كما سنراه ثانيا.
-----------------------------------------------------------
(36)-ARTCLE 399 ordonnance n 58-1238 du 17 décembre 1958 art. 13 journal officiel du 18 décembre 1958.
1-ceux qui ont participé comme intéressés d’une manière quelconque à un délit de contrebande ou un délit d’importation ou d’exportation sans déclaration sont passibles des mêmes peines que les auteurs ،de l’infraction et, en outre, des peines privatives de droit édictées par l’article 432 ci après
2- sont réputés intéressés :
a)- les entrepreneurs , membres d’entreprise, assureurs, assures, bailleurs de fonds, propriétaires de marchandises, et, en général, ceux qui ont un intérêt direct à la fraude.
b)- ceux qui ont coopéré d’une manière quelconque à un ensemble d’actes accomplis par un certain nombre d’individus agissant de concert,d’après un plan de fraude arrêté pour assurer le résultat poursuivi en commun ;
c)- ceux qui ont,sciemment , soit couvert les agissements des fraudeurs ou tenté de leur procurer
l’impunité soit acheté ou détenu même en dehors du rayon des marchandises provenant d’un délit de contrebande ou d’importation sans déclaration.
3- l’intérêt à la fraude ne peut être imputé à celui qui a agi en état de nécessité ou par suite d’erreur invincible.
(37)- بلال مروش- المرجع السابق- ص 12.
ثــانيا: الاستفادة من الغش اعتبارا لصفات أو وظائف معينة
إذ يعد مستفيدا من الغش حسب المادة 399/2 أ الأشخاص الآتي بيانهم :
- مسير مقاولة الغش: فكـرة مقاولة الغش تدل عموما على شكل عال من التنظيم تخضع العلاقات بين أعضائه لنوع من السلطة السلمية، و يستخلص القضاء وجودها خاصة من تكرار سلسلة الأفعال التي يقوم بها أفراد وفقا لخطة منظمة و تحت إشراف إدارة موحدة و يخرج عن تكييف المستفيد من الغش كعضو في مقاولة من يقوم بفعل معزول(38).
- أعـضاء مقاولة الغش: يعتبر أي عضو في مقاولة الغش مستفيدا من الغش الذي ترتكبه المقاولة دون أن تـكون إدارة الـجمارك بـحاجة إلى إثبات مشاركته الشخصية، غير أنه قضت محكمة النقض الـفرنسية بتاريخ 08 أكتوبر 1958، بـأنهم لا يعدون مستفيدين من الـغش الأشخاص اللذين ضبطوا داخل سيارة تحمل بضائع محل غش، إذا ثبت أنهم ركبوا فيها بصفتهم مستأجرين ليس إلا، و أنهم يجهلون إن كانت تحمل بضائع محل غش كما و اعترف السائق بأنه الـمسؤول الوحيد عن الغش(39).
- الممول: و في هذا الصدد قضي بأن مجرد دفع مبلغ من المال لتيسير ارتكاب جريمة جمركية من طـرف الغير، يشكل استفادة من الغش دون أن تكون الإدارة بحاجة إلى إثبات المشاركة الشخصية للمتهم في ارتكاب هذه الجريمة إذ يكفي لها أن تبين مصلحته المباشرة و الشخصية في ارتكابها(40).
- مالك البضائع محل الغش: و يعد مستفيدا من الغش بصفته هذه من غير حاجة إلى إثبات مشاركته في الـغش، و يجب إثبات صفة المالك عند بدء عملية الغش فلا تقوم هذه القرينة لمن حول قبل ذلك الملكية للغير، و لا لمن تلقاها بعد ارتكاب الجريمة الرئيسية غير أن هذا الأخـير يمكن أن يتهم كمشتر.
- المؤمنون و المؤمن لهم : لقد اعتبرت محكمة النقض بتاريخ 28 ماي 1928 هذه العقود مشروعة رغم مخالفتها للنظام العام حينما يكون محلها ضمان عمليات غـش ترتكب في الخارج، ويقصد بهذه الحالة ؛ وجود عقد تأمين يضمن بمقتضاه المؤمن دفع تعويض في حالة إخفاق عملية الغش و هي لا تخرج عن عقود التأمين البحري التي تضمن مقابل مبالغ مرتفعة أخطارا خاصة(41).
-------------------------------------- ----------------------------
(38)- عبد المجيد زعلاني- المرجع السابق- ص 84.
(39)- احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص 409.
40)- crim 09 nov 1944 . doc. Cont N 736.)
- نقلا عن احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص 409.
- كما يكيف استفادة مباشرة من الغش تقديم الوسائل المادية لمرتكبيه لأنه يحقق فعالية أكثر في العقاب باعتبار أن هذا التكييف يصح و لو تعلق الأمر بتدخل لاحق للممول الذي يعاقب في هذه الحالة على كل عمليات الغش بما فيها العمليات التي تمت قبل ذلك و حتى إذا لم يتم أي فعل غش بعد تحقق عملية التمويل و هذا ما لا يسمح به اشتراك القواعد العامة .
- crim 27 juillet 1944 . doc . cont N 732 .(41)
نقلا عن عبد المجيد زعلاني – المرجع السابق – ص 87 .
الــفرع الثــاني: الاستفادة غير المـباشرة مـن الـغش
و تتمثل هده الصورة أساسا في التعاون في تنفيذ مخطط الغش، و كذلك في الأعمال اللاحقة لتنفيذ الغش.
أولا: التعاون في تنفيذ مخطط الغش
إذ يعتبر في مفهوم المادة 399 ق ج ف مستفيدين من الغش الأشخاص الذين يتعاونون في أعمال تـقوم بها مجموعة من الأفراد، يعملون بتدبير حسب مخطط مضبوط لضمان الوصول إلى النتيجة التي يسعى إليها الجميع(42)، و من شروط قيام التعاون:
- أن يكون هذا العمل قد تم بين البدء في التنفيذ و إنجاز مخطط الغش.
- أن يكون مرتبطا بمخطط الغش و من أجل ضمان نجاح المخطط ، سواء بصورة مـباشرة أو غير مباشرة و لا يهم أن يكون المستفيد من الغش على علم بالمخطط أو أن يكون هذا المخطط قد تم إنجازه، و هذا ما قضت به محكمة النقض الفرنسية في 26 فيفري1963.
- أن يشكل تعاونا في أعمال مقاولة الغش أو مجموعة أشخاص يمتهنون الغش.
و المقصود بمخطط الغش حسب كلود بار أن بدايته تتوافق مع بدء الأعمال التنفيذية التي ترمي مباشرة إلى الحصول على النتيجة المبتغاة من قبل منفذي الغش و يمكن اعتباره بمثابة الشروع في التـهريب ، أما عن نهاية المخطط و التي يفترض أن تنتهي بتحقق النتيجة الإجرامية و هي وصول السلع إلى وجهتها الأخيرة.
و في ظل هذا الاتجاه التقليدي يمكن للإدارة فقط أن تثبت أن المعني ينتمي إلى مقاولة الغش حتى تثبت في جانبه مساهمته في الجريمة الجمركية.
غير أن القضاء حديثا تخلى عن هذا الموقف ليتبنى قاعدة مفادها ضرورة إثبات عمل مساهمة مادي صادر عن المتهم بجنحة الاستفادة من الغش(43)، هذا ما قضت به محكمة النقض الفـرنسية بتاريخ 18 مارس 1985 في قضية تصدير غير قانوني لموارد إستراتيجية، قضت بأن العمل المادي المتهم به الشخص المتابع كمستفيد من غش ارتكبه الغير يثبت بإظهار تعاون ما من طـرف هذا الشخص في أعمال الغش التي قام بها هذا الأخير، و ليس بمجرد مـساهمة المعني في مرحلة سابقة للعمل المجرم هي في ذاتها قـانونية و قابلة للفصل عن المرحلة النهائية المعلنة غير شرعية.
و لقد اعتبر القضاء أعمالا مساعدة ؛ وضـع منزل تحت تصرف المهربين، استكشاف الطريق التدليل عن الطريق، قيادة سيارة المهربين.
لـكن الاستفادة غير المـباشرة تتعدى هذه المحطة ، لتـشمل المستقبل النهائي للبضائع و هو الحائز أو المشتري كما سنرى لاحقا.
------------------------------
(42)- احسن بوسقيعة- المرجع أعلاه- ص 410.
(43)- عبد المجيد زعلاني- المرجع السابق- ص 92.
ثــانيا: الأعمال اللاحــقة عـن الــغش
و تنقسم بدورها إلى أعمال المساعدة اللاحقة و اقتناء بضائع الغش.
1- المساعدة اللاحــقة:
و في هذه الحالة يشترط سوء النية ليكيف فاعلها على أساس أنه مستفيد من الغش، و هذا طبقا للتعديـلات الجديدة لقانون الجمارك الفرنسي، أي يجب تـوافر القصد و هو الإرادة و العلم، و هذا يعتبر استثناء من القواعد العامة التي تعتد بالقصد فقط في الأعمال السابـقة أو المعاصرة لارتكاب الجريمة.
و على هذا الأساس قضت محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 16 فيفري 1950 باعتبارها استفادة من الغش؛ تغطية وكيل معتمد لدى الجمارك لتصريح كاذب خلال عمليات التحقيق الجمركية كذلك قبول عون جمركي لبيانات كاذبة مع علمه بذلك دون أن يضبط المخالفين.
و بصفة عامة يعتبر مستفيدا من الـغش و يعاقب على هذا الأساس؛ كـل من قدم عن دراية لمرتكبي الجنح الجمركية مساعدة قصد ضمان عدم عقابهم ؛ خاصة بتسهيل تهربهم من عمليات الـبحث و التحري التي تقوم بها إدارة الـجمارك و ذلك بإخفاء أدلة إثبات الجنح أو بتعطيل عمل العدالة؛ بتقديم معلومات أو وثائق أو شهادات خاطئة(44).
2- اقـتناء بــضائع الـغش:
يـعتبر قانون الجمارك كمستفيد؛ كل مـن يشتري أو يحوز بضائع الغش مع علمه بمصدرها و هذا بغرض حصار مخططات الغش بردع المشترين المحتملين لبضائع الغش و منع المهربين من تسريب بضائعهم(45)، و هذا الحكم يطبق فقط إذا تعلق الأمر ببضائع مهربة و يكون الشراء عن دراية.
فقد قضي في فرنسا بأن شراء بضائع من الخارج مصدرة عن طريق التهريب يعد فعلا مكونا للاستفادة من الغش متى ثبت أن الشراء تم عن دراية ، و أن يكون للشاري سبق المعرفة بالمصدر غير الشرعي للبضائع، و قضي كذلك أنه لا يكفي أن تكون البـضائع محل الإخفاء ناتجة عن جنحـة من القانون العام بل يجب أن يكون مـصدرها تهريبا أو استيراد بدون تصريح(46).
-----------------------------------------------------------------------------
F.DURAND.j.cl. pénal annex N 195 (44)-
- نقلا عن عبد المجيد زعلاني- المرجع أعلاه- ص 95.
(45)- يوسف ابرادشة- المرجع السابق- ص 19.
crim 30 oct 1965.doc.cont N 1477 (46)
-نقلا عن احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص408
المبحــث الثــاني المــستفيد من الغــش في الجــزائر
صدر أول قانون للجمارك بتاريخ 21 جويلية 1979 بمقتضى القانون رقم 79/07 الذي عدل و تمم بموجب القانون رقم 98/10 المؤرخ في 22 أوت 1998 و على هذا الأساس ستكون دراستنا لنظرية المستفيد من الغش عبر مراحل مختلفة في الزمن أخذا بتاريخ صدور قانون 1998 كمعيار للتقسيم.
المـطلب الأول الـمستفيد من الغـش قـبل سـنة 1998
و نقسمها إلى المستفيد من الغش قبل صدور قانون 79/10 في فرع أول ثم بعد صدوره في فرع ثان.
الفـرع الأول المستفيد من الغش قبل قانون 1979
بقيت النصوص الفرنسية سارية المفعول بموجب القانون رقم 62/157 المؤرخ في 31 ديسمبر 1962 المتضمن تمـديد العمل بالنصوص المعمول بها إلى غاية صدور قوانين جـزائرية ، هذا القانون الملغى بالأمر رقم 73/29 المؤرخ في 05 جويلية 1973 و يسري هذا الإلغاء بداية من تاريخ 05 جويلية 1975 بصدور قوانين جزائرية أي بعد سنتين و هذا ما كان فعلا.
غير أن قانون الجمارك لم يصدر إلا بتاريخ 21 جويلية 1979 بمعنى أنه ساد فراغ تشريعي طيلة مدة تقارب الأربع سنوات ، و التي طرحت إشكالات في القانون الـواجب التـطبيق.
و في هذا المضمار صدر قرار عن المجلس الأعلى- المحكمة العليا حاليا- الغرفة الجنائية الثانية القسم الثاني بتاريخ 30 أفريل 1981 ملف رقم 24730 في طعن قدمته إدارة الجمارك في قضية (جمارك ورقلة) ضد (ت ص) عن الوجه الوحيد المأخوذ من خـرق الأمر رقم 73/29 الصادر بتاريخ 05 جويلية 1973 لكونه يتضمن تحفظا بشأن تطبيقه – المادة 03 من الأمر - و بانعدام صدور هذه التعليمات يـظل قانون الجمارك القديم ساري المفعول، حين ارتكاب المخالفة الجمركية المعاقب عليها و بالفعل لا يزال هذا القانون مطبقا لعدم صدور التعليمة الرئاسية الوارد ذكرها في المادة 03 من الأمر ؛ إذ أن نشر قانون الجمارك الجديد بالجريدة الرسمية كان بتاريخ 21/07/1979.
مما يستتبع أن تصريح مجلس قضاء ورقلة بأن قانون الجمارك القديم كان ملغى حين ارتكاب الوقائع المؤاخذ عليها في 19/04/1979 و كان بذلك خارقا للقانون(47).
و عليه فإن أحكام القانون الفرنسي ظلت مطبقة إلى غاية صدور قانون الجمارك بتاريخ 21/07/1979 و بالتالي يصلح على هذه الفترة الزمنية كل ما قيل في المبحث السابق، و عليه ستقتصر دراستنا على الفترة الممتدة من هذا التاريخ إلى غاية تعديله سنة 1998 في الفرع الثاني كالآتي:
--------------------------------------
(47)- عمرو شوقي جبارة- A PROPS DU VIDE JURIDIQUE - المدرسة العليا للقضاء- المرجع السابق.
الفــرع الثاني: الاستفادة من الغش في ظل قانون 79/07
المــؤرخ في 21 جويــلية 1979
لقد ورد مفهوم المستفيد من الغش تحت عنوان الشركاء في الغش و المستفيدون منه، فبالنسبة للشريك فبمقتضى المادة 309 ق ج قبل إلغائها التي تنص على أنه تطبق أحكام المادتين 42 و 43 من قانون العقوبات على الشركاء في ارتكاب أي مخالفة جمركية، و في هذا الإطار يصلح كل ما قيل في الفصل التمهيدي عند التكلم عن الاشتراك.
لكن يثور التساؤل حول صياغة المادة بهذه الكيفية " على الشركاء في ارتكاب أي مخالفة جمركية " لأن في القواعد العامة لا اشتراك في المخالفة، و هذا ما يجعل النص متناقض في روحه.
أم أن قصد المشرع بالمخالفة يعني به الجريمة الجمركية على إطلاقها؛ الجنح و المخالفات، أم أنه أفرد المخالفة الجمركية بالطابع المـميز لقانون الجمارك فيطبق عليها أحكام الاشتراك، أما الجنح فيطبق عليها أحكام المستفيد من الغش و المتميز بعموميته ؟.
و ربما هذا ما أدى بالمشرع إلى إلغاء هذه المادة بموجب القانون 98/10 المؤرخ في 22/08/1998 لتفادي فتح النقاش في هذه المسألة، لأن القضاء الفرنسي قضى باستبعاد معاقبة الشريك عندما تكتسي الجريمة الجمركية طابع المخالفة(48).
غير أن ما ذهبت إليه محكمة النقض منتقد لسببين(49) :
من باب القانون تختلف المخالفة الجمركية عن المخالفة في قانون العقوبات من حيث الطبيعة؛ إذ تكتسي المخالفة في قانون الجمارك طابعا جبائيا يختلط فيه الجزاء بالتعويض؛ و تشمل الغرامة أو المصادرة أو قيمة الحقوق و الرسوم مضاعفة أو بالغرامة و المصادرة معا حسب المواد من 319 إلى 323، و من ثمة يصعب تسويتها بالمـخالفة في قانون العقوبات التي تكتسي طابعا جبائيا محضا ، و تكون العقوبة فيها إما الغرامة أو الحبس أو كليهما.
و من باب الملائمة فإن التكييف السائد للجرائم الجمركية يشمل المخالفات، و بتطبيق القواعد العامة للاشتراك في المخالفة يؤدي حتما إلى إفلات نسبة معتبرة من المجرمين من الجزاء الجمركي مما يؤثر سلبا على الخزينة العامة.
أما بخصوص المستفيد من الغش فنقسم دراسته بالتطرق إلى الاستفادة المباشرة ثم إلى الأعمال اللاحقة على الغش في النقطتين التاليتين بشئ من التفصيل.
------------------------------------------------------------------
(48)- crim 14 avril 1982 bull. crim, N 87
- نقلا عن احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص 405.
(49)- احسن بوسقيعة- نفس المصدر أعلاه.
أولا: الإستــفادة المـباشرة من الغـش في قانون 1979
تنص المادة 310/1 ق ج 79/07 على أنه يعتبر في مفهوم هذا القانون مستفيدين من الغش الذين شاركوا بصفة ما في جنحة أو جنحة إستيراد أو تصدير بدون تصريح و الذين يستفيدون مباشرة من هذا الغش.
أ- فيما يخص أعمال التهريب فسيأتي عنها تفصيل موجز لاحقا نظرا للتعديلات التي طرأت عليها بموجب قانون سنة 1998 و كذلك الأمر رقم 05/06 المؤرخ في 23 أوت 2005 المتعلق بمكافحة التهريب ، و عليه سنـقتصر بإيجاز على أعمال الإستيراد أو التصدير بدون تصريح في ظل القانونين 79/07 و 98/10 (50) ،كونها ملغاة من أحكام المادة 310 المتعلقة بالإستفادة من الغش الفعلية أو المباشرة بموجب قانون الجمارك لسنة 1998 كما تخلى عن هذا المصطلح و استبدل بالمخافات التي تضبط في المكاتب كما يلي:
و هو ذلك الإستيراد أو التـصدير الذي يتم عن طريق مكاتب جمركية بدون تصريح مفصل و هـذا التعريف يبقى صالحا في ظل القانون الجديد مع إضافة المراكز للمكاتب؛ إذ يقع على عاتق كـل مستورد أو مصدر أن يمر بمكتب جمركي و أن يصرح بالبضاعة، و انعدام التصريح المفصل يعد الصورة المثلى للمخالفات التي تضبط في المكاتب و هذا ما نصت عليه المادة 330 من قانون الجمارك لسنة 1979، و لتحقق هذا الفعل يجب توافر شرطين:
1- المرور ببضاعة على مكاتب جمركية.
2- عدم التصريح بالبضاعة؛ الذي يأخذ عدة أشكال و هي:
- التصريح بالنفي
- إخفاء البضائع عن تفتيش أعوان الجمارك و الذي كان يشكل تهريبا في ظل قانون 1979.
- الإنقاص من البضائع الموجودة تحت مراقبة الجمارك م 325/1 من قانون 1998.
- عدم التصريح بالبضائع المحظورة في بيانات الشحن و عدم ذكرها في وثائق النقل، عندما تكتشف هذه البضائع على متن السفن و المركبات الجوية الموجودة في حدود الموانئ و المطارات التجارية م 325/2.
- مخالفة أحكام المادة 21 ق ج؛ فإذا كان الفعل يتعلق ببضاعة محظورة حظرا مطلقا تقوم الجريمة بمجرد استيراد أو تصدير هذه البضاعة في حين لا تقوم الجريمة عندما يتعلق الأمر ببضاعة محظورة حظرا جزئيا؛ في حالة ما إذا رفعت القيود المضروبة عليها بصفة مشروعـة ، أما إذا كانت البضاعة المحظورة عند الجـمركة فتقوم الجريمة ؛ إذا لم تكن هذه البضاعة مصحوبة برخصة أو شهادة أو أي سند قانوني أو كان السند المقدم غير قابل للتطبيق أو إذا لم تتم الإجراءات الخاصة بالجمركة بصفة قانونية، كما ويمنع إعارة هذه الرخص أو التنازل عنها و يعد الإستيراد المخالف لهذا المنع؛ بدون تصريح(51).
- شحن أو تفريغ البضائع المصرح بها قانونا بدون ترخيص إدارة الجمارك م 325/7.
-------------------------------
(50)- لمزيد من التفصيل- أنظر احسن بوسقيعة – المنازعات الجمركية- المرجع السابق- الباب الأول- الفصل الأول- المبحث الثاني و الثالث- ص من93 إلى 121.
(51)- احسن بوسقيعة – المرجع أعلاه- ص 102-103.
- بيع أو شراء وسائل النقل من أصل أجنبي بطريقة غير شرعية و وضع لوحات ترقيم مخالفة للتنظيم.
تحويل البضائع عن مقصدها الإمتيازي.
أما الاستيراد أو التصدير بتصريح مزور فيأخذ عدة أشكال كالآتي:
- الحصول على إحدى السندات المنصوص عليها في المادة 21 ق ج أو محاولة الحصول إليها عن طريق التزوير.325/3.
- التصريح المزور قصد التغاضي من تدابير الحظر 325/4.
- التصريح المزور من حيث النوع و القيمة و المنشأ أو من حيث تعيين المرسل إليه الحقيقي.
- التصريح المزور أو المحاولة الرامية إلى استرداد أو إعفاء أو رسم مخفض أو أي امتياز آخر يتعلق بالاستيراد أو التصدير.
أما عن الأعمال الشبيهة بالإستيراد أو التصدير بدون تصريح فهي:
- عدم تقديم التصريحات و بيانات الحمولة م 319/ب.
- المخالفات المرتكبة بمناسبة نقل البضائع الموضوعة في نظام العبور ؛ كعدم احترام المسالك و الأوقات المحددة أو استبدال البضائع أثناء نقلها، و هذه الأفعال كانت تشكل تهريبا بموجب قانون 1979 في المادة 327-د قبل تعديلها.
- بعض المخالفات المتعلقة ببضائع محظورة عند الجمركة أو خاضعة لرسم مرتفع.
و هناك أعمال شبيهة بالاستيراد أو التصدير بتصريح مزور في المواد 319 إلى 322 ق 1998 :
- السهو أو عدم الصحة الذي يرد في محتوى التصريحات.
- النقص في التصريحات الموجزة و في بيانات الشحن و كذا الاختلاف في نوعية البضائع المقيدة فيها و النقص غير المبرر في الطرود.
- تقديم عدة رزم أو طرود مغلقة كوحدة في التصريحات الموجزة.
- التصريحات المزيفة من حيث نوع البضائع أو قيمتها أو منشئها أو من حيث تعيين المرسل إليه الحقيقي.
ب- فيما يخص مضمون النص ؛ فـقد تميز بالعمومية و يخلـو من التفصيل الذي جاءت به المادة 399 ق ج ف خاصة فيما يتعلق بالاستفادة المفترضة؛ اعتبارا لصفة أو وظيفة بعض الأشخاص .
غير أن هذه التفصيلات قد تحتويها المادة 310 نظرا لمرونتها ، و بالتالي يفتح المجال أمام إدارة الجمارك لمتابعة أي شخص يحتمل مساهمته في ارتكاب الغش؛ خاصة و أن الصياغة التي جاء بها المشرع - الذين شاركوا بصفة ما في جنحة أو جنحة إستيراد أو تصدير بدون تصريح، و الذين يستفيدون مـباشرة من هذا الغش- تفتح المجال أمام التفسيرات المختلفة للقضاء فيما يخص أعمال المساهمة و صفة الأشخاص المستفيدين من الغش .
أما فعل المـساهمة فيجب أن يكون مثبت و أن يكون فعال في تنفيذ الغش، بغض النظر عن كيفيته؛ سواء بالتدخل المـعنوي كالتحريض(52)، أو التدخل المادي؛ بإتـيان الأفعال المساعدة على إتمام عملية الغش شريطة أن تتحقق استفادة مباشرة جراء هذه المساهمة؛ سواء تجسدت في مصلحة مالية أو معنوية كالمجاملة.
أما صفة الأشخاص المستفيدين من الغش فتختلف بـاختلاف مركزهم القانوني إزاء الوقائع المساهم فيها؛ كالمسؤولية الشخصية للمصرح عن إرتكاب المخالفة و مسؤولية صاحب البضاعة كمستتفيد من الغش دونما حاجة إلى إثبات مساهمته في ارتكاب الغش لأن هذه مفترضة في حقه لأنه الممول للمشروع و المستفيد منه بالدرجة الأولى، و في هذا الصدد قضت
المحكمة العليا في قـرار لها بتاريخ 23/06/1995 أنه كان على المجلس القضائي التمسك بمسؤولية القائم بالعبور ؛ المصرح
المسؤول عن المخالفات المعاينة في التصريح طبقا لنص المادة 306 ق ج و بمسؤولية صاحب البضائع بصفته المـستفيد من الغش و ذلك تطبيقا لنص المـادة 310 ق ج، و في نفس السياق في قرار بتاريخ 17/12/1995 أنه كان على المجلس أن ينطق بمسؤولية المصرح لدى الجمارك بصفته مصرحا و كذا صاحب البضاعة بصفته مستفيدا من الغش وفق م 310 (53).
و لعل المحكمة العليا هنا أخذت بالاستفادة المباشرة المفترضة في صاحب البضاعة؛ إقتداء بالتشريع و القضاء الفرنسيين و أخذا كذلك بالمفاهيم الأخرى كمقاولات الغش و مخطط الغش، هذا ما يؤكد لجوء القضاء إلى التفسيرات التي جاء بها الفقه الفرنسي نظرا لعمومية و غموض المادة 310 ق ج و ما يؤكد ذلك الأمثلة التالية:
1- أمثلة عن الإستفادة من الغش في جنح التهريب:
جاء قرار بتاريخ 07/07/1987 ملف رقم 42953 أنه إذا كان الغش لا ينحصر في عمل واحد للتهريب فإنه يشمل عدة أفـعال تعرض أشخاص عديدين للمسؤولية ؛ إذ أن كل مشاركة على أي مستوى كان في مخطط الغش و بأية وسيلة كانت تعطي وصفا للمخالفة حسب المادة 310 ق ج(54).
كذلك في قـرار للمحكمة العليا بتاريخ 12/03/1990 ملف رقم 60152 أنه عندما لم يكن هناك فعل واحد للتهريب و إنما مؤسسة تهريب حقيقية ، يعد كل عنصر من هذه المؤسسة مسؤولا عن مجموع وقائع التهريب التي ارتكبتها الجماعة ؛ سواء كان فاعلا أو شريكا من دون أن يستوجب على إدارة الجمارك إثبات مسؤولية الشخص في كل واقعة طبقا لقاعدة ثابتة؛ أنه يعد جميع أعضاء منظمة التهريب مشاركين برمتهم في عملية التهريب(55).
------------------------------------
(52)- يعتبر المحرض طبقا للقواعد العامة فاعلا أصليا طبقا للمادة 41 من قانون العقوبات- أنظر الصفحة 04 – من الفصل التمهيدي
(53)- احسن بوسقيعة- التشريع الجمركي مدعم بالإجتهاد القضائي- الديوان الوطني للأشغال التربوية- الطبعة الثانية-2001- ص96.
(54)- عبد المجيد زعلاني- المرجع السابق- ص 89.
(55)- يوسف ابرادشة- المرجع السابق- ص 19.
2-أمثلة عن الإستفادة من الغش في جنح الاستيراد أو التصدير بدون تصريح:
سنعرض في هذا الصدد قرار للمحكمة العليا موجزين الوقائع و التسبيب ثم نبدي ملاحظات بشأنه كدليل على غموض مفهوم المستفيد من الغش.
ملف رقم 268482 بتاريخ 07/01/2003 (56)
قضية إدارة الجمارك ضد (ي ط) و ( النيابة العامة)
الموضوع: تهريب- مستفيد- مسؤول عن الغش- نعم.
المــبدأ : يعتبر مستفيدا من الغش كل شخص يشارك بصفة ما في التهريب و يستفيد مباشرة منه.
فصلا في الطعن بالنقض المؤرخ في 31/01/2000 الذي تقدم به الطرف المدني إدارة الجمارك، ضد القرار الصادر بتاريخ 30/01/2000 عن الغرفة الجزائية بمـجلس قضاء أم البواقي القاضي ببراءة المدعو (ي ط) مـن تهمة الإستيراد بدون تصريح حسب المواد 330/6-9 و المادة 324 من قانون الجمارك 79/07 مع مصادرة السيارة.
عن الوجه الوحيد المأخوذ من خرق القانون م 500/7 ق إ ج المقدم من قبل إدارة الجمارك.
إن المتهم يعترف أمام المحكمة بأنه اشترى السيارة محل النزاع من عند المدعو (ز م) بموجب عقد توثيقي، إن شراء سيارة
غير مجمركة و مرقمة في الخارج دخلت الإقليم الجمركي تحت نظام الدخول المؤقت؛ يعتبر مخالفة للقانون و يعتبر حائز هذه السيارة شريكا في التهريب طبقا لنص المادة 310 من ق ج التي تنص بأنه يعتبر مستفيدا من الغش؛ الأشخاص الذين شاركوا بصفة ما في جنحة تهريب و الذين يستفيدون مباشرة من هذا الغش، و المـتهم بشرائه للسيارة محل النزاع على الحالة التي هي عليها يكون حسب القانون شريكا في الغش نظرا لاستفادته المباشرة من هذا الغش، إضافة إلى ذلك أن المتهم ضبط و هو يقود السيارة محل الغش و المادة 303 ق ج تعتبر الحائز للبضاعة مسؤولا عن الغش و أن القضاء بخلاف ذلك يعد خرقا للقانون يتعين معه النقض.
فيما يخص تأسيس المحكمة العليا:
حيث حسب الملف فإنه بتاريخ 12/02/1998 تم إيقاف المدعى عليه من قبل رجال الدرك الوطني و هو يقود سيارة من نوع بيجو 205 المرقمة تحـت رقم تسجيل أجنبي ، كما تبين أن شهادة العبور من الجمارك لتلك السيارة المؤرخة في 31 أوت 1997 قد إنقضت مدة صلاحياتها منذ 30/09/1997.
------------------------------------
(56)- قرار المحكمة العليا- الغرفة الجزائية- العدد 2/2003- ص 364-365-366.
حيث زيادة على ذلك فإنه تبين من الخبرة القضائية أن سنة أول استعمال تلك السيارة هي سنة 1987 و ليس سنة 1994
كما هو مثبت من بطاقتها الرمادية و مثل هـذا الفعل يدخل تحت طائلة أحكام المادة 330/6-9 من قانون الجمارك و يعاقب عليها بالمادة 324 من هذا القانون ، و حـيث أن المدعى عليه ضـبط على متن السيارة عين النزاع تطبق عليه أحكام م 303.
حيث أنه بالنظر لكل ما سبق فإن المجلس تجاهل التشريع الجمركي و أخطأ في تطبيقه مما يجعل الوجه في محله و يترتب عنه النقض في الدعوى الجبائية.
و الملاحظ على هذا القرار أنه:
1- جاء في المبدأ أنه يعتبر مستفيدا من الغش ؛ كـل شخص يشارك بصفة ما في التهريب و يستفيد مباشرة منه و هذا يتناقض و قضية الحال المتعلقة باستيراد بدون تصريح و ليس بالتهريب.
و ما يؤكد ملاحظتنا ما استقر عليه قضاء المحكمة العليا في قضايا مشابهة بقيام الاستيراد بدون تصريح في حق مواطن جزائري اشترى سيارة استوردها أجنبي تحت قيد النظام السياحي، و قد سلمت له لهذا الغرض بطاقة سياحية قصد العبور بالتراب الوطني صـالحة لمدة ثمانية أيام يستوجب عند انقضائها تصدير السيارة ، غـير أن المستورد أخل بتعهده و تنازل عن السيارة للمواطن الجزائري الذي شرع في استعمالها في نشاطه التجاري(57).
و قضت كذلك بقيام فعل الاستيراد بدون تصريح في حق من يستورد سيارة من أصل أجنبي و يضع عليها لوحة ترقيم من شأنها أن توهم بأنها قد سجلت بصفة قانونية بالجزائر دون القيام بالإجراءات القانونية للجمركة(58).
2- العبارة الواردة في المبدأ ؛ مستـوحاة من المادة 310 ق ج المعدلة سنة 1998 في حين أن المادة المطبقة هي المادة 310 قبل تعديلها بما أن الوقائع يعود تاريخها إلى 12/02/1998 أي قبل صدور قانون الجـمارك الجديد ، و ما الجدوى من إيـراد هذا
المبدأ عن المستفيد من الغش في حين أن الإدانة كانت على أساس مسؤولية الحائز طبقا للمادة 303 ق ج.
3- عن الوجه الذي أثارته إدارة الجمارك و الذي جاء كالتالي " إن شراء سيارة غير مجمركة و مرقمة في الخارج دخلت الإقليم الجزائري تحت نظام الدخول المؤقت يعتبر مخافة للقانون و يعتبر حائز هذه السيارة شريكا في التهريب طبقا لنص المادة 310 من قانون الجمارك و التي تنص بـأنه يعتبر مستفيدا من الغش ؛ الأشخاص الذيـن شاركوا بصفة ما في جنحة التهريب و الذين يستفيدون مباشرة منه.
و الملاحظة المبـداة هي نفسها الأولى أي الخـطأ في الوصف القانوني ، لأن الفعل ليس تهريبا و إنما استيراد بدون تصريح و المادة المؤسس عليها الوجه هي المعدلة سنة 1998 رغم أن الوقائع ارتكبت و ضبطت قبل تعديلها.
----------------------------
(57)- ملف رقم 122170 قرار 04/12/1994 .
- احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية – المرجع السابق- ص 105.
(58)- ملف رقم 142256 قرار 17/03/1997 ، ملف رقم 143766 قرار 14/04/1997 - المرجع أعلاه- ص 104.
4- تضيف إدارة الجمارك أن المتهم ضبط و هو يقود السيارة محل الغش و المادة 303 تعتبر الحائز للبضاعة مسؤولا عن الغش فهل إضافة هذا الوجـه يعني أن الإدارة لا تثق في فعالـية المتابعة على أساس الاستفادة من الغش ؟ و هذا ما كان عليه موقف المحكمة العليا التي نقضت القرار على أساس مسؤولية الحائز وفقا للمادة 303 ، فرغم حداثة القرار نوعا ما فإن مفهوم المستفيد من الغش لا يزال غريبا عن القضاء الجزائري.
ثــانيا : الأعـمال اللاحـقة على الـغش
تنص المادة 311 ق ج 79/07 المؤرخ في 21/07/1979 على حالات ثلاث يعد فيها الشخص مستفيدا من الغش(59).
1- محاولة منح مرتكبي المخالفة إمكانية الإفلات من العقاب عن دراية ، على غرار قانون الجمارك الفرنسي الذي يتحدث في هذا المجال عن تغطية تصرفات مرتكبي الغش و لا يذكر المحاولة ، و يشترط لذلك أن يقوم الفاعل بسلوك إيجابي يتمثل في البدء في التنفيذ و أن يكون الغرض من هذا السلوك؛ منح مرتكبي الغش إمكانية الإفلات من العقاب بصرف النظر عن تحقق النتيجة و أن يكون هذا السلوك عن دراية.
2- حيازة بضائع مهربة بمكان ما عن دراية ، و يشترط القانون لذلك فقط أن تكون البضائع مهربة و لم يتحدث عن البضائع التي تكون محل استيراد أو تصدير بدون تصريح، و المقصود بالحيازة هنا ليست الحيازة الكاملة التي لا تتحقق إلا بتوافر السيطرة المادية على الشئ و الظهور عليها مظهر المالك أو صاحب الحق ؛ و إنما مجرد الإحراز الذي يتحقق بالاستيلاء المادي على الشئ.
3- شراء بضائع مهربة عن دراية ، و يشترط القانون لذلك أن يتم شراء البضاعة و أن تكون هذه الأخيرة مهربة.
هذا كقاعدة عامة ؛ بأن الاستفادة من الغش لا تكون إلا في الجنح الجمركية أما الاستثناء فقد جاءت به م 312 ق ج على أنه في حالة عدم توفر عنصر الدرايـة يعاقب الأشخاص الذيـن اشتروا أو حازوا بضائع مستوردة عن طريق التهريب أو بدون التصريح بها بكمية تفوق احتياجاتهم العائلية بالعقوبات المقررة للمخالفات من الصنف الثاني للفئة الثانية.
أ- الأعــمال اللاحــقة عن قــصد:
تنص المادة 311 على أنه يعتبر مستفيدين من المخالفة الأشخاص الذين حاولوا عن دراية منح مرتكبي المخالفات إمكانية الإفلات من العقاب و الذين حازوا بمكان ما بضائع مهربة أو اشتروها.
و الملاحظة الأولى على صياغة هذا النص؛ وجود عبارة مرتكبي المخالفات و التي تتميز بعدم الدقة فقد يفهم منها المخالفة كوصف قانوني للجريمة الجمركية في حين المقصود بها هو الجـرائم الجمركية عامة بل الجنح خاصـة ، بدليل أن المادة 311 لها ارتباط بالمادة 310 بل هي استثناء عن الاستفادة بغير قصد؛ حينما يكون التدخل لاحقا عن الغش بإتيان أعمال تغطية المخالفين
----------------------------------------
(59)- احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص 407-408.
أما المادة 312 فهي بمثابة استثناء عن الاستثناء في التدخل اللاحق عن الغش كما سنرى لاحقا.
و يشترط لتحقق هذه الأعمال توافر ركنين:
1- الــركن المــادي: و ينقسم بدوره إلى عدة عناصر:
- يمكن أن يدخل تحت تكييف الاستفادة من الغش على أساس المساعدة المقدمة لاحقا لمرتكبه؛ كل عمل أيا كان يكون الغرض منه منح هذا الأخير إمكانية الإفلات من العقاب، كحيلولة شخص دون توقيف مرتكبي الغش، تغطية وكيل معتمد لدى الجمارك لتصريح كاذب خلال عمليات التحقيق الجمركية، معارضة حجز بضائع....إلخ (60).
- حيازة بضائع الغش في مكان ما أو شراؤها، و قد سبق التطرق إلى هذه النقطة.
2- الــركن الــمعنوي: و المتمثل في العلم و الإرادة و هـو ما اصطلح عليه المشرع بالدراية، و لعل هذه المادة تعتبر استثناء عن عدم مسامحة المخالف في الجريمة الجمركية استنادا على نيته، و عن قاعدة ضعف الركن المعنوي في قانون الجمارك.
إذن الأعمال اللاحقة يشترط لقيامها توافر القصد، لكن هذا ليس على إطلاقه بل أورد المشرع استثناء كالآتي.
ب- الأعــمال اللاحــقة بدون قــصد:
تنص المادة 312 ق ج على أن الأشخاص الذين اشتروا أو حازوا بضائع مستوردة عن طريق التهريب أو بدون التصريح بها بكمية تفوق احتياجاتهم العائلية يخضعون لعقوبات المخالفات من الصنف الثاني للفئة الثانية.
فالحيازة لبضائع الغش هنا قد تصطدم مع الحيازة التي تقع تحت طائلة المادة 303 و التي حسب مقتضاها يعتبر مسؤولا عن الغش ؛ كل شخص يحوز بضائع محل غش ، فيجب إذا ألا تنطوي الحيازة على أفعال معزولة بل في إطار مخطط الغش.
إن التجـريم في هذه المادة مرتبط أساسا بكمية البضاعة، فيجب ألا تفوق الاحتياجات العائلية ، فما هو الضابط أو المعيار للفصل بين ما يعد كمية مسموح أو ممنـوع بها و لمن يعود تقديرها ؟ هل لإدارة الجمارك أم للقضاء ؟ و هي مسألة موضوعية تعود لاختصاص القضاء حسب الوقائع.
فـإذا كانت المادة 225 مكرر ب من قانون 84-21 المؤرخ في 24/12/1984 المعـدل لقانون الجمـارك تنص على الحاجيات العادية للـحائز المخصصة لتموينه العائلي أو المهني و المقدرة عند الاقتضاء حسب الاستعمال المحلي، فإن صفة الحائز و حالته العائلية لها أهمية بمكان لأن حاجيات الأعـزب غير حاجيات المتزوج، و حاجيات العائلة الصغيرة غير حاجيات العائلة الكبيرة وز يؤخذ في الحسبان سن الأفراد و مركزهم الاجتماعي و معدل استهلاكهم المحلي(61).
و لعل العلة من وجود هذا النص هو توسيع دائرة المسؤولية؛ ففيما يعاقب المستفيد في جنحة بتدخله اللاحق مع إثبات القصد وفق م 311 ق ج تأتي المادة 312 لتعاقب المستفيد من المخالفة دون قصده ضمانا لحقوق الخزينة(62).
-------------------------------
(60)- عبد المجيد زعلاني- المرجع السابق – ص 95-96.
(61)- احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص 83.
(62)- و يذهب البعض إلى اعتبار المساهمة في هذه الحالة من نوع خاص تطبق في مجال المخالفات و تتميز عن الاستفادة من الغش و عن الاشتراك و هذا الرأي يجد سندا في القضاء الفرنسي الذي يعتبرها مساهمة خاصة بمقتضى م 400 ق ج ف – أنظر في هذا الصدد- عبد المجيد زعلاني- المرجع أعلاه- ص 99.
الــمطلب الثــاني: الاستفادة مـن الــغش بـعد 1998
بصـدور قانون الجمارك 98/10 المؤرخ في 22/08/1998 ألغـيت المادتين 309 و 311 و حذفت جنح الاستيراد أو التصدير بدون تصريح من مضمون المادة 310 و أبقي على جـنح التهريب، هذه الأخيرة ألغيت بمقتضى الأمر رقم 05/06 المؤرخ في 23 أوت 2005 المتعلق بمكافحة التهريب و عليه سنبرز أحكام المستفيد من الغش في ظل قانون 1998 ثم نرى مدى تأثير الأمر على مفهوم المستفيد من الغش كما يلي:
الفـرع الأول: الاستـفادة مـن الـغش في ظـل القانـون رقم 98/10
المــؤرخ في 22 أوت 1998
بصدور قانون الجمارك 98/10 المؤرخ في 22/08/1998 ورد مفهوم المستفيد من الغش تحت عنوان المستفيدون من الغش و ألغي مصطلح الشركاء بمعنى تخلي المشرع عن تطبيق القواعد العامة للاشتراك بإلغاء المادتين 309 و 311 و هذا راجع لعدة أسباب كما سنرى و بالتالي تأثر مضمون النظرية و عليه سنعرض أولا أسباب التعديل ثم مضمون النظرية كالآتي:
أولا- أسبــاب التــعديل:
جاء التعديل لتفادي الفراغات و الإشكالات المطروحة في القانون السابق و لعل من أهمها:
1- قصور قواعد الإشتراك:
و هذا يبرز من خلال:
- إلـغاء أحكام المادة 309 و بالتالي إزالة الشك فيما يخص تطبيق أحكام المستفيد من الغش في المخالفات الجمركية لأن في القواعد العامة لا اشتراك في المخالفة، زيادة على ذلك إعطاء السيادة لنظرية المستفيد من الغش في مجال الجرائم الجمركية تأكيدا لأصالة النظرية(63).
- تفادي فتح النقاش حول القصد الجنائي و بالتالي العودة إلى خاصية التشدد التي تطبع القانون الجمركي؛ باستبعاد عنصر العلم عن أعمال المساعدة اللاحقة بإلغاء المادة 311.
- خلق نظام عقابي خاص بقانون الجمارك.
- تميز مفهوم المستفيد من الغش عن الشريك لأن له دلالة أوسع من حيث الأفعال و أضيق من حيث القصد لذا فهو لا يحتويه بل منفصل عنه.
----------------------------
(63)- يوسف ابرادشة- المرجع السابق- ص 27.
2- شمـولية نـص المـادة 310:
بإلغاء المشرع لنص المادة 309 ق ج يعتبر تخلي عن اشتراك القواعد العامة باعتبار أن الأفعال المكونة للركن المادي للاشتراك تحتويه المادة 310 ق ج في صياغتها " شاركوا بصفة ما " و بالتالي يشمل المساعدة بكل الطرق أو معاونة الفاعل أو الفاعلين على ارتكاب الأفعال التحضيرية أو المسهلة أو المنفذة لها؛ المنصوص عليها في المادة 42 ق ع، و حتى الأفعال المنصوص عليها في المادة 43 ق ع و المتمثلة في الاعتياد على تقديم مسكن أو ملجأ أو مكانا للاجتماع......... و لعل الإحالة على هذه الأخيرة كان بغير جدوى لأن قائمة الأشرار محددة و لا يوجد من بينها الجرائم الجمركية ، هذه الأفعال يبدو أنها تدخل في إطار مخطط
الغش بالمعنى الفني للمصطلح رغم عدم وروده في صلب النص.
أما فيما يخص إلغاء المادة 311 فهذا يعني أن شطرها الأول المتمثل في الركن المادي أي محاولة منح مرتكبي المخالفات إمكانية الإفلات من العقاب و الذين حازوا بمكان ما بضائع مهربة أو اشتروها ؛ تدخل ضمنيا في المشاركة بصفة ما الواردة في م 310 ق ج ، أما شطرها الثاني المتعلق بالدراية فقد تخلى عنه المشرع صراحة ليتأكد القول أن المستفيد من الغش هو اشتتراك و لكن بدون قصد.
ثـانيا- مضــمون النــظرية:
لعل الإشكالات التي طرحت في ظل قانون 79/07 و التأويلات المترتبة عنها على مستوى القضاء و النقاش الدائر حول القصد الجنائي و الذي يحترمه القضاة بشدة ؛ أدى بالمشرع في المجال الجمركي و احتراما لخصوصياته و محاولة الاستقلال بنظامه و تميـزه عن القانون العام ؛ إلى إلغاء المادتين 309 و 311 و الإبـقاء على المادتين 310 و 312 .
و باستقـراء هاتين المادتين نستنتج أن الاستفادة المباشرة الفعلية مقتصرة على جنح التهريب، أما التدخل اللاحق يكون في المخالفات و الذي نعتبره بدورنا استفادة من الغش بحكم القانون كما سنرى.
1- الاستفـادة الفـعلية مـن الـغش:
تنص المادة 310 من قانون 98/10 المؤرخ في 22/08/1998 على أنه يعتبر في مفهوم هذا القانون مستفيدين من الغش الأشخاص الذين شاركوا بصفة ما في جنحة تهريب و الذين يستفيدون مباشرة منه ، و لينـجلي الغموض بخصوص هذا النص و للأهمية في تحديد المسؤولية وجب التطرق إلى المعاني التي يتضمنها ؛ بخصوص جنـحة التهريب و كذلك المشاركة بصفة ما و الاستفادة المباشرة من الغش.
1 - 1- جنــح التــهريب:
و عليه كان لابد من التطرق إلى أعمال التهريب ليستبين التكييف القانوني لجنح التهريب كما يلي:
1-1-1- صور أعمال التهريب(64) :
* التهريب الفعلي: و يستخلص من المادة 324 ق ج و يشمل:
- استيراد البضائع أو تصديرها خارج المكاتب الجمركية و هي الصورة المثلى.
- عدم إحضار البضائع أمام الجمارك عند الاستيراد أو التصدير.
- تفريغ و شحن البضائع غشا.
- الإنقاص من البضائع الموضوعة تحت نظام العبور.
* التهريب الحكمي: و هو مستوحى من المادة 324/2 ق ج باعتباره تهريبا خرق أحكام المواد 25-221-222-223-225-225مكرر-226 ق ج وتصنف إلى مجموعتين:
المجموعة الأولى: أعمال التهريب ذات الصلة بالنطاق الجمركي:
- تنقل البضائع الخاضعة لرخصة التنقل في المنطقة البرية من النطاق الجمركي (65) مخالفة لأحكام المواد 221-222-223-225 ق ج و تتعلق بتنقل بضائع معينة محددة قائمتها بموجب قرار وزاري مشترك بين الوزير المكلف بالمالية و وزيـر الداخلية المـؤرخ في 23/02/1999 .
هذه الرخصة تمنحها إدارة الجمارك داخل النطاق الجمركي أما إذا كانت وجهتها من الإقليم إلى النـطاق فيمكن أن تمنحها إدارة الضرائب ، و يجـب احترام البيانات الواردة فيها بخصوص كمية البضاعة و نوعها و المسلك و المدة كما أن القرار السابق الإشارة إليه يحدد حالات الإعفاء من الرخصة ؛ إما بـسبب كمية البضاعة أو بالنظر إلى مكان ضبطها أو لصفة الأشخاص الحائزين للبضاعة(66).
-------------------------------------
(64) – لمزيد من التفصيل أنظر احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص 44 و ما يليها.
(65)- و النطاق الجمركي كما حددته المادة 29 ق ج يشمل منطقة بحرية تتكون من المياه الإقليمية و المنطقة المتاخمة لها و المياه الداخلية ، و المنطقة البرية تمتد على الحدود البحرية للساحل إلى خط مرسوم على بعد 30 كلم و على الحدود البرية من حد الإقليم الجمركي إلى خط مرسوم على بعد 30 كلم منه و يمكن أن تمدد المنطقة البرية من 30 إلى 60 كلم و تمدد هذه المسافة إلى 400 كلم في ولايات تندوف و أدرار و تمنراست.
(66)- قرار وزاري مشترك بتاريخ 23 فبراير 1999- أنظر احسن بوسقيعة- التشريع الجمركي مدعم بالاجتهاد القضائي- المرجع السابق- ص 127.
- الحيازة في النطاق الجمركي لأغراض تجارية لبضائع محظور استيرادها (67) أو خاضعة لرسم مرتفع(68) و نقلها دون أن تكون مصحوبة بمستندات قانونية ، و كذلك الحيازة في النطاق الجمركي لبضـائع محظور تصديرها دون أن تكون مبررة بالحاجيات العادية للحائز، مع ملاحظة أنه يصعب التمييز بين البضائع المحظورة عند الاستيراد من تلك المحظورة عند التصدير.
المجموعة الثانية: أعمال التهريب ذات الصلة بالإقليم الجمركي (69):
- نقل البضائع الحساسة القابلة للتهريب المحددة بموجب قرار وزير المالية المؤرخ في 30 نوفمبر 1994 دون أن تكون مرفقة بوثائق قانونية(70).
- حيازة البضائع الحساسة القابلة للتهريب لأغراض تجارية بدون وثائق مثبتة.
1-1- 2 – الـوصف الـجنحي للتهريب :
يقسم قانون الجمارك الجنح الجمركية المتعلقة بأعمال التهريب إلى ثلاث درجات الثانية و الثالثة و الرابعة أما جنحة الدرجة الأولى فتتعلق بجنح المكاتب و هي كالتالي:
- جنحة الدرجة الثانية: وردت في المادة 326 ق ج و هي الجنحة الأصلية لأنها لا تتضمن ظروف التشديد و يجب لقيامها أن يكون الفعل؛ عملا من أعمال التهريب و أن تكون البضاعة محل الغش من البضائع المحظورة أو الخاضعة لرسم مرتفع.
- جنحة الدرجة الثالثة: وردت في المادة 327 ق ج و هي المرتكبة من قبل ثلاثة أشخاص فأكثر سواء حملوا كلهم البضاعة محل الغش أم لا و لا يؤخذ في الاعتبار لتحديد التعدد إلا الأفراد الذين ساهموا مساهمة شخصية و نشطة في ارتكاب الجنحة و ينطبق هذا المفهوم على كاشفي الطريق غير أنه لا ينطبق على المدبرين و المستفيدين من الغش في حالة غيابهم عن مكان ارتكاب الجنحة(71).
-----------------------------
(67)- البضائع المحظورة عند الاستيراد ثلاثة أنواع:
- حظر مطلق: و يشمل البضائع التي منع استيرادها بصفة قطعية كالمنتجات المادية المتضمنة علامات منشأ مزور أو التي منشؤها بلد محل مقاطعة تجارية كإسرائيل أو المنتجات الفكرية كالنشريات التي تتضمن مساسا بالأخلاق الإسلامية و للقيم الوطنية و حقوق الإنسان أو التي تدفع إلى العنف و الانحراف أو مخالفة الآداب العامة
- حظر جزئي: و يتعلق الأمر بالبضائع الموقوف استيرادها على ترخيص من السلطات المختصة كالأعتدة الحربية و المخدرات و تجهيزات الاتصال و الأملاك الثقافية و النشريات الدورية الأجنبية و أصناف الحيوانات و النباتات المهددة بالانقراض و المنظار بعيد المدى و صفائح التدريع و أدوات القياس.
- قيود عند الجمركة: و هي البضائع التي لم يحظر استيرادها و لا تصديرها بصفة صريحة غير أن جمركتها معلقة على تقديم سند أو رخصة أو شهادة أو إتمام إجراءات خاصة كالسيارات السباحية و النفعية المستوردة من قبل المجاهدين و كذلك المستوردة من قبل الخواص، الحيوانات و المواد الحيوانية أو ذات مصدر حيواني و المواد الزراعية الغذائية الخاضعة لرقابة المطابقة و كذا مواد التجميل و غيرها.
أنظر لمزيد من الإيضاح- احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص من 69 إلى 76.
(68)- المادة 5/ق من قانون الجمارك تعرفها بأنها تلك البضائع الخاضعة للحقوق و الرسوم التي تتجاوز نسبتها 45 في المائة.
(69)- و المقصود بالإقليم الجمركي حسب المادة الأولى من ق ج؛ الإقليم الوطني و المياه الداخلية و المياه الإقليمية و المنطقة المتاخمة و الفضاء الجوي الذي يعلوها.
(70)-قرار وزير المالية بتاريخ 30/11/1994- أنظر احسن بوسقيعة- التشريع الجمركي مدعم بالإجتهاد القضائي- المرجع السابق- ص 127.
(71)- احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع أعلاه- ص 145.
- جنحة الدرجة الرابعة: منصوص عليها في المادة 328 ق ج و هي المقترنة بظرف استعمال وسيلة من وسائل النقل و تكون كذلك عند استعمال الحيوانات أو المراكب الجوية أو السيارات أو السفن التي تقل حمولتها عن 100 طنة صافية أو 500 طنة إجمالية أو سلاح ناري.
1-2- الارتبـاط بين المـشاركة و الاستفـادة:
فلكي تتحقق الاستفادة؛ لا بد من المساهمة بكيفية ما بمعنى فعل مساهمة مثبت، ثم الاستفادة المباشرة الناتجة عن هذا الفعل.
1-2-1- فعل مساهمة مثبت:
إن التشريع الجـمركي بتطلبه للاستفادة من الغش؛ فعل مساهمة مثبت اقتدى بالاجتهاد القضائي الفرنسي الحديث الذي يؤكد على ضرورة إثبات وجود عمل مساهمة مادي في الغش، خلافا للقاعدة التقليدية المستوحاة من مبررات وجود الاستفادة من الغش ذاتها؛ و التي كان مفادها أن واقعة كون الشخص مستفيدا من الغش كافية وحدها لقيام الجنحة، و دون أن تتحمل إدارة الجمارك عبء إثبات عمل مساهمة شخصية للمتهم، و خلافا لهذا الاتجاه تبنى القضاء الفرنسي حديثا قاعدة مقتضاها ضرورة إثبات عمل مساهمة مادي صادر عن المتهم بجنحة الاستفادة من الغش، و قد تبنى القضاء هذه القاعدة الجديدة بمقتضى حكم صادر عن الغرفة الجنائية لمحكمة النقض بتاريخ 13 مارس 1978 (72).
أما فيما يخص مشاركة المستفيد من الغش بصفة ما في ارتكاب الجنحة فلم يحصر المشرع وسائل الاشتراك في سلوك معين كما فعل بالنسبة للشريك، بل يفهم من عمومية العبارة أن أي سلوك آخر غير ذلك الذي ورد في تعريف الشريك يصلح شرطا لقيام الاستفادة من الغش متى توافرت باقي الشروط(73).
1-2-2- أن يستفيد الجاني مباشرة من الغش:
لم يوضـح قانون الجمارك الكيفية التي تتم بها الاستفادة من الغش و في غياب ذلك يقع عبء إثبات الاستفادة المباشرة من الغش على عاتق إدارة الجمارك، و لقد وضح القضاء الفرنسي هذا المفهوم بقضائه أن المحرض على التهريب بغرض ضمان تموينه من بضاعة نادرة يصعب الحصول عليها يعد مستفيدا من الغش ، و في نـفس السياق قضي بأن مسير الشركة الذي يساهم في التخطيط للغش يعد مستفيدا مباشرة منه(74).
هذا فيما يخص الاستفادة الفعلية المباشرة من الغش، غير أن المشرع أضاف صورة أخرى يعتبر فيها من تثبت في حقه أنه مستفيد من الغش بحكم القانون دونما حاجة لإثبات المساهمة الفعلية في الغش، و هو ما نصطلح عليه الاستفادة الحكمية .
-----------------------------
(72)- عبد المجيد زعلاني- المرجع السابق- ص 92.
(73)- (74)- احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص 407.
2- الاســتفادة الحكمية مــن الغــش
نصـت المادة 312 من قانون الجمارك على أن الأشخاص الذين اشتروا أو حازوا بضائع مستوردة عن طريق التهريب أو بدون التصريح بها بكمية تفوق احتياجاتهم العائلية، يخضعون لعقوبات المخالفات من الصنف الثاني للفئة الثانية.
نستنتـج أنه لقيام الاستفادة الحكمية يجـب توافر عدة شروط حتى نخلص إلى تكييف الاستفادة الحكمية طبقا لقانون الجمارك كالتالي:
2-1- شـروط قيام الاستفـادة الحكـمية:
من جملة الشروط الواردة في المادة 312 ق ج :
- أن تقوم على أفعال لاحقة تتمثل في الشراء و الحيازة، أي دون حاجة لإثبات المساهمة في الغش.
- أن تتجاوز كمية البضاعة الاحتياجات العائلية للحائز أو المشتري(75).
- أن تكون البضاعة مستوردة عن طريق التهريب أو دون التصريح بها و في هذه الحالة يجب ألا تكون البضاعة خاضعة لرسم مرتفع أو محظورة، فإما أن تكون خاضعة لرخصة التنقل و ضبطت في النطاق الجمركي، و إما أن تكون بضاعة حساسة ضبطت في كافة الإقليم الجمركي و هي صور التهريب الحكمي التي رأيناها سابقا و كذلك صور الاستيراد بدون تصريح.
و نظرا لارتباط هذه الحالة بالتكييف فستتضح جليا عند تطرقنا لذلك كالآتي:
2-2- تكـييف الاستـفادة الحكـمية:
أخضعت المادة 312 ق ج صراحة هذا الفعل إلى عقوبة المخالفات من الصنف الثاني للفئة الثانية، و عليه فإن إخضاع الفعل لصنف معين من العقاب؛ يجب أن يندرج الفعل في التكييف المتضمن للعقوبة، و بالتالي فهي مخالفة جمركية بمفهومها الضيق.
و الملاحظ على أن المادة 312 ق ج التي لم يشملها تعديل 1998؛ تحيل بخصوص الجزاءات إلى العقوبات المقررة للمخالفات من الصنف الثاني للفئة الثانية التي كانت تنص عليها المادة 322 ق ج لسنة 1979 المعدلة بموجب قانون 1998 حيث لم تعد تنص على هذا الصنف من العقوبات و من ثم يجب تعديل نص المادة 312 لضمان انسـجامها مع باقي أحكام القانون (76).
و بالرجوع إلى المادة 322 ق ج لسنة 1979 المعدلة بالقانون رقم 90/16 المؤرخ في 1990 و التي تعتبر مخالفات من الدرجة الثانية:
أ- كل عمل تهريبي و كذلك كل عمل استيراد أو تصدير بدون تصريح عندما تتعلق المخالفات ببضائع ليست من صنف البضائع المحظورة أو الخاضعة للرسم المرتفع عند الدخول أو المحظورة.
-----------------------------
(75)- أنظر الصفحة 27.
(76)- احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص 408.
و مـنه فإن التعديل يجب أن يحيل بخصوص الجزاءات إلى عقوبة المخالفات حسب الأفعال، و بالتالي يكون العمل تهريبي إذا تعلق ببضائع غير محظورة و غير خاضعة لرسم مرتفع و هي مخالفة من الدرجة الخامسة حسب المادة 323 ق ج الجديد و عليه يفترض أن تكون البضاعة حساسة قابلة للتـهريب ، أو بضاعة خاضعة لـرخصة التنقل على أن تضبط هذه الأخيرة في النطاق الجمركي، و تسمى مخالفات التهريب.
أما المخالفات الأخرى و المتعلقة باستيراد البضائع و تصديرها عند مرورها عبر المكاتب أو المراكز الجمركية أو أثناء تواجدها أو تنقلها داخل الإقليم و تضم مخالفات الدرجة الأولى و الثانية و الثالثة و الرابعة و تسمى مخالفات المكاتب(77).
فمخالفات الدرجة الأولى نصت عليها المادة 319 ق ج بأنها كل مخالفة لأحكام القوانين و الأنظمة التي تتولى إدارة الجمارك
تطبيقها عندما لا يعاقب عليها القانون بأكثر صرامة و أوردت المادة حالات على سبيل المثال لا الحصر.
و بالنسبة لمخالفات الدرجة الثانية حسب م 320 كل مخالفة لأحكام القوانين و الأنظمة التي تتولى إدارة الجمارك تطبيقها عندما يكـون الهدف منها أو نتيجتها هو التملص أو التغاضي من تحصيل الحقوق و الرسوم ، و عندما لا تتعلق هذه المخالفة ببضاعة محظورة أو خاضعة لرسم مرتفع، و الحالات محددة في صلب النص على سبيل الحصر.
أما مخالفات الدرجة الثالثة وفق المادة 321 ق ج هي التي يكون محلها إما بضاعة من البضائع الخاضعة لقيود عند الجمركة المنصوص عليها في المادة 21/2 ق ج و إما بضاعة من البضائع المزيفة أو التي تحمل علامات أو بيانات مزورة وإما بضاعة من البضائع الخاضعة لرسم مرتفع؛ عندما تضبط أثناء مراقبة الطرود و المظاريف البريدية أو عندما ترتكب هذه المخالفات من طرف المسافرين.
و بخصوص مخالفة الدرجة الرابعة م 322 فيتعلق الأمر بالتصريحات المزورة من حيث نوع البضاعة أو قيمتها أو منشئها أو في تعيين المرسل إليه الحقيقي، عندما تكون البضاعة ليست محظورة و لا خاضعة لرسم مرتفع.
الفـرع الثــاني: تأثــيرات الأمـر 05/06 المؤرخ في 23 أوت 2005
على مضــمون الاستــفادة مـن الـغش
بصدور الأمر 05/06 المؤرخ في 23/08/2005 المتعلق بمكافحة التهريب، وردت الإشارة إلى المستفيدين من الغش في المادة 26 من الأمر ، تحت عنوان المساهمون في الجريمة و التي نصت على أنه تطبق على أفعال التهريب المنصوص عليها في هذا الأمر؛ الأحـكام المنصوص عليها في قانون العقوبات بالنسبة للمساهمين في الجريمة ، و في قانون الجمارك بالنسبة للمستفيدين من الغش.
و الملاحظ مبدئيا ؛ عـودة المشرع إلى تطبيق القواعد العامة على المساهم الشريك ، فهل هذا يدل على قصور مفهوم المستفيد من الغش ؟ أم بسبب اتساعه و رغبة من المشرع في منح القـصد الجنائي مكانة في جرائم التهريب لمعاقبة المشاركين ؟ أم أن الغـاية المرجوة هي التأكيد على تميز هذا النظام تماما عن الاشتراك ؟ و من جهة أخرى تتضح إرادة المشرع في إخضاع المستفيدين من الغش لأحكام قانـون الجمارك المتـميزة بالتشدد و الصرامة حـتى لا يفلت من العقاب المدبرون و المخططون
-----------------------------
(77)- احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص 140-141.
لعـمليات التهريب.
و في هذه المناسبة سنحاول إبراز جوانب تأثير الأمر 05/06 على الاستفادة من الغش بسبب إلغائه المواد 326-327-328 من قانون الجمارك التي كانت تنص على جنح التهريب و التي يعاقب بمقتضاها المستفيد من الغش استفادة فعلية حسب المادة 310، ثم نعرض تأثيره على الاستفادة الحكمية في مخالفة التهريب حسب المادة 312 ق ج.
أولا على مستوى المادة 310 ق ج:
هذه المادة المتعلقة بالاستفادة الفعلية نصت على أنه يعتبر..... مستفيدين من الغش؛ الأشخاص الذين شاركوا بصفة ما في جنحة تهريب. و جـنح التهريب كانت تنص عليها المواد 326-327-328 أي الدرجة الثانية و الثالثة و الرابعة و يشترط أن تتعلق أعمال التهريب ببضـائع محظورة أو خاضعة لرسم مرتفع ، و التي ألغيت بموجب المادة 42 من الأمر 05/06 و لم تـعد لجنح التهريب درجات و لم يعد يقتصر على البضاعة المحظورة أو الخاضعة لـرسم مرتفع ، و لم يعد يقتصر التهريب على الجنح فقط كتهريب البضائع م 10/1 و التهريب بظرف التعدد م 10/2 و التهريب باستعمال وسـائل النقل م 12 و التـهريب مع حمـل سلاح ناري م 13؛ بل يتعداه ليوصف التهريب بالجناية كتهريب الأسلحة م 14 أو التهريب الذي يشكل تهديدا خطيرا حسب م 15، و لم ينـص الأمر صراحة على كونها جنح أو جنايات بل يستشف من التمييز بين مصطلحي الحبس و المتعلق بالجنح و مصطلح السجن المتعلق بالجنايات.
فبقاء المادة 310 على صياغتها الحالية؛ تعتبر قاصرة في تجسيد السياسة التشريعية عن طريق أمر بخصوص مكافحة التهريب و بروز الميول نحو التشدد و ليس الليونة، إذ لا يعقل أن نتصور الاستفادة من الغش في أعمال التهريب المتعلقة ببضائع مهما كان نوعها و لا يكون ذلك في أعمال التهريب المتعلقة بالأسلحة أو التهريب الذي يشكل تهديدا خطيرا و هذه الأخيرة أولى بالعقاب على الاستفادة من الغش فيها.
و من المفروض تعديل المادة 310 ق ج حتى تتوافق مع روح الأمر 05/06 و تـكون بحذف عبارة جنحة تهريب و استبدالها بـ..... أعمال التهريب.....
و الدليل من جـهة أخرى على الميول نحـو التشدد ؛ ليس فقط عقوبة السجن المؤبد بل في إلغاء المواد 326/327/328 و التخلي عن التـجنيح الذي يقتصر على البضائع المحظورة أو الخاضعة لرسم مرتفع، هو التوسيع من دائرة تخصيص البضائع في المادة 10 مـن الأمر التي نصت على أنه يعاقب على تهريب المحروقات أو الوقود أو الحبوب أو الدقيق أو المواد المطحونة المماثلة أو المواد الغذائية أو الماشية أو منتجات البـحر أو الكحول أو التـبغ أو المواد الصيدلانية أو الأسمدة التجارية أو التحف الفنية أو الممتلكات الأثرية أو المفرقعات – هذا على سبيل المثال- أو أي بضاعة أخرى بمفهوم المادة 2 من الأمر و التي تعرف البضائع على أنها كل المنتجات و الأشياء التجارية أو غير التجارية و بصفة عـامة جميع الأشياء القابلة للتداول و التملك ، وهـو نفسه التعريف الذي جاءت به المادة 5 من قانون الجمارك في فقرتها ج.
و واضح جـليا من عمومية المادة 10 من الأمر المتـمثلة في عبارة أي بضاعة أخرى، و حتى من البضائع الواردة في صلب النص أن هناك من البضائع ما كانت تشكل مخالـفة في ظل القانون 98/10 كحيازة البـضائع الحساسة القابلة للتهريب في الإقليم الجـمركي دون وثائق تثبت الحالة القـانونية و هي مخالفة من الدرجة الخامسة ؛ ستصبح جنحا في ظل الأمر 05/06 و نفس الشئ يقال عن البضاعة الخاضعة لرخصة التنقل إذا توافرت عناصر التهريب بشأنها و المذكورة آنفا.
إذ من بين البـضائع الحساسة الوارد ذكرها في قرار 30/11/1994 و ذكـرت صراحة في المادة 10 من الأمر ؛ سوائل كحولية، تبغ، مواد صيدلانية.
و مـن بين البضائع الخاضعة لرخصة تنقل الواردة في القرار المؤرخ في 23/02/1999 و ذكرت في النص السالف الذكر الماشية و الحبوب و الدقيق و البنزين.
و لعل الغاية المنشودة من إيراد نوع من البضائع على سبيل المثال في المادة 10 هو تجنيح أعمال التهريب المتعلقة بهذه البضائع مما يؤكد نظرتنا نحو ميول الأمر إلى التشدد ليشمل أعمال التهريب المتعلقة بكافة الإقليم الجمركي.
ثـانيا على مستوى المادة 312:
و تتعـلق هذه المادة كما رأينا ؛ بالاستـفادة الاعتبارية من الغش بسبب حـيازة أو شراء بضائع مستوردة عن طريق التهريب أو بدون التصريح بها بكمية تفوق الاحتياجات العائلية، و التي تخضع لعقوبة المخالفات .
و لقد أشـرنا سابقا إلى الانتقادات الموجهة بشأن صياغتها و ضرورة تعديلها سابـقا، و قلنا كذلك أن إخضاع فعل ما لعقوبة مخالفة فيجب أن يوصف الفعل بوصفها أي أن يكون مخالفة، كحيازة أو شراء بضائع مستوردة عن طريق التهريب لكي تكـون مخالفة طبقا لقانون 98/10 المادة 323 أن تكون بضـاعة حساسة ضبطت في كافة الإقليم الجمركي مخالفة للتشريع، أو بضاعة خاضعة لرخصة التنقل مضبوطة في النطاق الجمركي مخالفة للتشريع، هذه الأفعال التي أصبحت تشكل جنحا في ظل الأمر 05/06 ، فلا يمـكن إخضاع فعل يشكل جنحة إلى عقوبة مخالفة مما يقتضي معه تعديل المادة 312 كإلغاء الجزء المتعلق بالتهريب لأنه أصبح يشكل على الأقل جنحة في ظل الأمر الجديد.
بعد عرض الملامح الرئيسية للسياسة التشريعية في مجال الاستفادة من الغش في كل من القانون الفرنسي و مثيله الجزائري عبر مختلف الحقب الزمنية و أسباب مجاراة التعديلات الحديثة للمفهوم، بقي لنا أن نعرض في الفصل الثاني إلى المسؤولية عن الاستفادة من الغش ، و النتائج المترتبة عن قيامها.
الفــصل الثــاني
المســؤولية عـن الاستــفادة مـن الغـش
إن المسؤولية عن الاستفادة من الغش لها ارتباط بالمسؤولية المقررة طبقا للقواعد العامة، سواء في القانون الجزائي أو المدني لوحدة القانون بصفة عامة، و تختلف عنها في بعض الجوانب نظرا لخصوصية القانون الجمركي و عدم استيعاب نطاق المسؤولية الجزائية التقـليدية لكافة الجزاءات الجمركية بل و تعتبر المسؤولية عن الاستفادة من الغش ؛ أحد أهم المجالات التي لا تستوعبها دائرة المسؤولية في القواعد العامـة نظرا لارتباط هذه الأخيرة بالركن المعنوي و مـوانعه هي موانع المسؤولية. هذا الركن الذي يضمحل وجوده في تطبيق القواعد الخاصة بالاستفادة من الغش أي الاشتراك بدون قصد كما سنرى.
فما هي الأسس التي تقوم عليها المسؤولية عن الاستفادة من الغش ؟ و هل تؤدي حتما إلى قيام مسؤوليات طبقا للاتجاهات الحديثة حول المسؤولية ؟ و ما هي أهم النتائج المترتبة عن قيامها ؟.
هذا ما سنحاول الإجابة عنه بالتطرق إلى أسس قيام المسؤولية و أسباب الإعفاء منها في مبحث أول، ثم النتائج المترتبة عنها كجزاء المستفيد من الغش و التضامن في المبحث الثاني على التوالي.
المبــحث الأول أسس قيام المسؤولية و أسباب الإعفاء منها
تستمد مسؤولية المستفيد من الغش أساسها من قواعد العامة للقانون سواء الجزائي أو المدني بصفة عامة و من خصوصيات قانون الجمارك في مجال الاستفادة من الغش بصفة خاصة، و نفس الشئ بالنسبة لشروط الإعفاء من المسؤولية عند قيامها و هذا ما نفصله بإيجاز في مطلبين على التوالي.
المطــلب الأول: أسس قيــام المســؤولية
لتقرير العقاب في حق من استفاد من الغش؛ لا بد من إثبات قيام المسؤولية في حقه سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا و سواء كانت مؤسسة على أحكام القانون الجزائي أو المدني، أو مؤسسة على أحكام قانون الجمارك و هذا ما سنتناوله بشئ من التفصيل في الفرعين المواليين نظرا لأهمية قيام المسؤولية في تقرير الجزاء.
الفــرع الأول : المسـؤولية المـؤسسة على أحكـام القـانون الجـزائي
و نقسم دراستها إلى قسمين:
- المسؤولية الجزائية للشخص الطبيعي.
- المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي.
أولا: المسؤولية الجـزائية الشخـص الطبيـعي:
المسؤولية الجزائية تعني تحمل الشخص تبعة عمله المجرم(78) ، و هذا بالطبع تطبيقا للقاعدة التي مفادها هو شخصية الجزاء و تفريده ، و هي النتيجة الحتمية المترتبة عن قيام المسؤولية، و هي مسؤولية مباشرة عن الخطأ الشخصي.
و لم يكن الخطأ أساسا للمسؤولية الجزائية بل كان الفعل المادي هو أساسها و كان الإنسان يسأل عن فعله باعتباره مصدرا للضرر بصرف النظر عما إذا كان قاصدا فعله أو غير قاصد له (79).
في حـين هناك من يرى أن الخطأ لا يرتبط مطلقا بالقـصد بل قد يتحقق بصورة موضوعية ؛ عندما يحصل خرق للقاعدة الجزائية ، إلا أن المساءلة عنه تستوجب توافر الإدراك و الوعي لدى الفاعل ، و يقصد به المقدرة العقلية التي تمكنه من أن يفقه أعماله و تجعله حرا في اختيارها، ففاقد الوعي و الإدراك يخطئ إلا أنه لا يتحمل نتائج خطئه و منها العقاب، كالمجنون و صغير السن كما سنراه لاحقا في أسباب الإعفاء من المسؤولية.
فضلا على أن المسؤولية الجزائية للشخص الطبيعي لا تثير جدلا باعتبار أن الكائن الإنساني له القدرة وحده على تحمل المسؤولية الجزائية و إنما الجدل يثور حول مسؤولية الشخص المعنوي و الذي نعرضه بشئ من التفصيل كالآتي.
ثـانيا: المسـؤولية الجـزائية للشـخص المـعنوي:
لقد ثار نقاش فقهي حول أساس قيام مسؤولية الشخص المعنوي و لكل مواقفه و حججه، حتى أن موقف المشرع تميز بعدم الوضوح إلا مؤخرا و عليه ستقتصر دراستنا على نظرة حول القوانين التي أقرت المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي طبقا للتسلسل الزمني ثم شروط إقامة مسؤولية الشخص المعنوي.
-------------------------------------
(78)- عبد الله سليمان- المرجع السابق- ص 199.
(79)- احسن بوسقيعة- الوجيز في القانون الجزائي العام- المرجع السابق- ص 166-167-168.
1- القوانين التي أقرت المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي:
- الأمر 69/107 المؤرخ في 31/12/1969 المتضمن قانون المالية لسنة 1970 و المتعلق بتنظيم الصرف في المادة 55 منه الذي فرض أحد الشروط الأساسية لقيام المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية، يتمثل في كون جرائم الصرف المعاقب عليها قد ارتكبت من طرف قائمين بإدارة الشخص المعنوي، و قد ألغي العمل بهذه التشريعات الخاصة سنة 1975 بمقتضى الأمـر رقم 75/47 المؤرخ في 17/06/1975 المعدل لقانون العقوبات الذي ألغى العديد من القوانين الخاصة و أدمجت ضمنه (80) .
و لقد حل محله الأمر 96/22 المؤرخ في 09/07/1996 المتعلق بقمع مخالفة التشريع و التنظيم الخاصين بالصرف و حركة رؤوس الأموال الذي أقر صـراحة المسؤولية الجزائية للشخص المـعنوي في المادة 5 على أنه تطبق على الشخص المعنوي الذي ارتكب المخالفات .... المنصوص عليها في هذا الأمر العقوبات الآتية.... غرامة... مصادرة محل الجنحة، مصادرة وسيلة النقل المستعـملة في الغش ، فضلا عن عقوبات أخـرى متمثلة في المنع من مزاولة عمليات تجارية و من عقد صفقات عمومية و من الدعوة العلنية للإدخار، هذا النص الذي لم يحدد نطاق المسؤولية الجزائية فعدل بموجب أمر 19/02/ 2003 و حصر المسؤولية الجزائية في بعض المؤسسات مستبعدا الدولة و الجماعات المحلية.
- الأمر 75/37 المؤرخ في 29/04/1975 المتعلق بالأسعار و قمع المخالفات الخاصة بتنظيم الأسعار حيث أقرت المادة 61 منه صـراحة المسؤولية الجزائية للشخص الـمعنوي ، و ألغي هذا النص بموجب القانون رقم 89/12 في 05/07/1989 المتعلق بالأسعار و هو القانون الذي تخلى عـن المسؤولية الجزائية للشخص المـعنوي ، و هذا الأخير ألغي بدوره بموجب الأمر 95/06 المؤرخ في 25/01/1995 المتضمن قانون المنافسة الذي ألغي في 20/07/2003 بالأمر 03/03 (81).
- قانون الضرائب المباشرة و الرسوم المماثلة الصادر بموجب القانون رقم 90/36 المؤرخ في 31/12/1990 المتضمن قانون المالية لسنة 1991 المادة 38 منه المعدل بالقانون رقم 91/25 المؤرخ في 18/12/1991 المتضمن قـانون المالية لسـنة 1992 المواد من 4 إلى 57 حـيث كرست النصوص الضريبية كلها المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي، و هكذا نصت المادة
303 في المقطع 9 من قانون الضـرائب المباشرة أنه عندما ترتكب المخالفة من قبل شركة أو شخص معنوي آخر تابع للقانون الخاص يصدر الحكم بعقوبات الحبس المستحقة و العقوبات التكميلية ضد المتصرفين و الممثلين الشرعيين أو القانونيين للمجموعة و تضيف الفقرة الثانية .. و يصدر الحكم بالغرامات الجزائية المستحقة ضد المتصرفين أو الممثلين الشرعيين و ضد الشخص المعنوي دون الإخلال فيما يخص هذا الأخير بالغرامات الجبائية المنصوص على تطبيقها (82).
- قانون رقم 03/09 مؤرخ في 19/07/2003 المتضمن قمع الجرائم الكيمـاوية م 18 نصت على فرض عقوبات على الشخص المعنوي الذي يرتكب إحدى الجرائم المتعلقة بالأسلحة الكيماوية.
----------------------------
(80)- عبد المجيد زعلاني- الإتجاهات الحديثة لتشريع جرائم الصرف- محاضرة ألقيت بالمحكمة العليا يوم الأثنين 19/05/1997- المجلة القضائية- العدد 1/1996 ص 67.
(81)- احسن بوسقيعة- الوجيز في القانون الجزائي العام- المرجع السابق- ص 191.
(82)- احسن بوسقيعة- المخالفات الضريبية ( الغش الضريبي)- دراسة منشورة – المجلة القضائية العدد 1 – سنة 1998 – ص 9.
- القانون رقم 04/14 المؤرخ في 10/11/2004 المـعدل لقانون الإجراءات الجزائية:
في المواد 65 مكرر إلى 65 مكرر 4 و المتضمنة قـواعد المتابعة و التحقيق و المحاكمة في الفصل الثالث بعنوان المتابعة الجـزائية للشخص المعنوي من الباب الثاني في التحقيقات، و كـذلك المادة 172 منه المتعلقة باستئناف أوامر قاضي التحقيق و منها التدابير المنصوص عليها في م 65 مكرر 4 و التي يجوز استئنافها من طرف الشخص المعنوي أو من ينوبه.
- القانون رقم 04/15 المؤرخ في 10/11/2004 المعدل لقانون العقوبات:
نـص صراحة على العقوبات التي تطبق على الشخص المعنوي في مواد الجنح و الجنايات في م 18 مكرر و العقوبات المطبقة عليه في مواد المخالفات في م 18 مكرر1 و هذا في الباب الأول مكرر تحت عنوان العقوبات المطبقة على الأشخاص المعنوية كذلك في أحكام المادة 177 مكرر1 أن الشخص المعنوي يكون مسؤولا جزائيا وفقا للشروط المنصوص عليها في المادة 51 مكرر عن الجرائم المنصوص عليها في م 176 المتعلقة بتكوين جمعيات الأشرار.
- القانون رقم04/18 المؤرخ في 25/12/2004 المتعلق بالـوقاية من المـخدرات و المؤثرات العقلية و قمع الاستعمال و الاتجار غير المشروعين بها:
في م 25..... يعاقب الشخص المعنوي الذي يرتكب جريمة أو أكثر من الجرائم المنصوص عليها في المـواد من 13 إلى 17 من هذا القانون بغرامة تعادل خمس (5) مرات الغرامة المقررة للشـخص الطبيعي، و في حالة ارتكاب الجـرائم المنصوص علـيها في المواد من 18 إلى 21 يـعاقب الشخص المـعنوي بغرامة تتراوح من 000 000 50 د ج إلى 000 000 250 دج و في جميع الحالات يتم الحكم بحل المؤسسة أو غلقها لمدة لا تفوق 5 سنوات.
- القانون رقم 05/01 المؤرخ في 26/02/2005 المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال و تمويل الإرهاب و مكافحتهما:
في المادة 24 التي نصت على أنه يعفى الأشخاص الطبيعيون و المعنويون الخاضعون للإخطار بالشبهة و الذين تصرفوا بحسن نية من أية مسؤولية إدارية أو مدنية أو جزائية.
- الأمر 05/06 المؤرخ في 23/08/2005 المتعلق بمكافحة التهريب:
و الـذي أقر المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في المادة 24 مـنه بنصها على معاقبة الشخص المعنوي الذي قـامت مسؤوليته الجزائية لارتكاب الأفعال المجرمة في هذا الأمر بغرامة قيمتها ثلاثة (3) أضعاف الحد الأقصى للغرامة التي يتعرض لها الشخص الطـبيعي الذي يرتكب نفس الأفعال و تضيف الفـقرة الثانية أنه إذا كانت العقوبة المقـررة للشخص الطبيعي هي السجن المؤبد؛ يعاقب الشخص المعنوي الذي ارتكب نفس الأفعال بغرامة تتراوح بين 000 000 50- 000 000 250 دج .
2- شـروط إقـامة مسـؤولية الشـخص المعنـوي (83) :
تخـضع الأشخاص المعنوية من القانون الخاص للمساءلة الجزائية أيا كان هدفها ، سواء كانت تهدف إلى كسب الـربح أو كانت خيرية و هكذا تسأل جزائيا الشركات التجارية و التجمعات ذات المصلحة الاقتصادية و الشركات المدنية، كما تسأل الجمعيات ذات الطابع الاجتماعي أو الثقافي أو الرياضي.
و تستثنى الدولة و المقصود بها الإدارة المركزية ( رئاسة الجمهورية، رئاسة الحكومة، الوزارات ... ) ، أما الجماعات المحلية لا تسأل عن الأعمال التي تصدر عنها بمناسبة ممارسة صلاحيات السلطة العامة في حين تخضع كل الأشخاص المعنوية من القانون العـام للمساءلة الجزائية أيا كانت هيكلتها القانونية ( شركة ذات أسهم ، هيئة عمومية ذات طابع صناعي و تجاري أو إداري أو شركة اقتصادية مختلطة ) ، هـذا ما جاءت به م 51 مكرر من القـانون 04/15 المعـدل لقانون العقوبات التي اسـتثنت الدولة و الجماعات المحلية و الأشخاص التابعة للقانون العام كما أضـافت أن المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي لا تمنـع من مساءلة الشخص الطبيعي كفاعل أصلي أو كشريك في نفس الأفعال.
فبخـصوص السلوك محل المساءلة فإن المادة 121/2 من قانون العقوبات الفرنسي نصت على أن الشخص المعنوي يكون مسؤولا عن الجرائم المرتكبة لحسابه من طرف هيئاته أو ممثليه، أي أنه يسأل عن الأفعال التي يتم تحقيقها لمصلحته و فائدته و لا يسأل عن الأعمال المنجزة لحساب المدير أو شخص آخر ، و هيئات الشخص المعنوي يقصد بها ؛ الممثلين القانونيين كالـرئيس و المدير العام و المسير و كـذا مجلس الإدارة و الجمعية العامة للشركاء أو للأعضاء و المصفي في حالة تصفية الشركة أما المدير الفعلي فيستبعده الفقهاء لعدم النص عليه صراحة، و عليه يستبعد كذلك المستخدمين و الأجراء إذا ارتكبت الجريمة بمبادرة منهم حتى و إن استفاد منها الشخص المعنوي نظرا لقصر النص على الممـثلين ، و قـد ذهبت محكمة النقض الفـرنسية إلى اعتبار الشخص الطبيعي الذي تلقى تفويض سلطات من هيئات الشخص المعنوي فيكون ممثلا عنه كمدير مصنع أو مدير وحدة إنتاج.
فضـلا عن ذلك فإنه لا يجوز متابعة الشخص المعنوي إلا إذا وجد نص يجيز ذلك صراحة لكونها مسؤولية خاصة و متميزة و لـعل هذا ما جعل القضاء الجزائري يستبعد صـراحة المسؤولية الجزائية للشخص المـعنوي بناء على مبدأ شخصية العقوبة و تفريدها فرفض الحكم على الشخص المعنوي بالجزاءات الجبائية المقررة في قانون الجمارك (84) ، غير أن هذا المبدأ لا يصلح في ظل الأمر 05/06 الذي نص صراحة على المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في جرائم التهريب.
و في هذا الصدد نقضت محكمة النقض الفرنسية قرار محكمة الاستئناف إيكس أون بروفانس الصادر بتاريخ 27/02/2002 القاضي ببراءة المتهم بصفته تقني تجاري في المؤسسة و كذلك شركة office maritime monegasque de marseille من تهمة
الاستـفادة من الغش على أساس أن قانون الجمارك لا يـعرف المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي ، و مما جاء في قرار محكمة النقض أن القانون العام يطبق إذا لم يوجد نص مخالف في قانون الجمارك، و بما أن المادة 131-37 ق ع تقر المسؤولية الجزائية
للأشخاص المعنوية و بما أن قانون الجمارك لا يتضمن أحكام مخالفة فإن قضـاء مجلس الاستئناف بأن قانون الجمارك لا يعرف المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي فإنهم يكونون قد خرقوا المواد 399-407 من قانون الجمارك (85).
--------------------------------------------------------------------------------------------
(83) – احسن بوسقيعة – الوجيز في القانون الجزائي العام – المرجع السابق – ص 194 و ما يليها.
(84)- ملف رقم 115884 قرار بتاريخ 22/12/1997 غ ج م ق 3 – احسن بوسقيعة – المرجع اعلاه ص 190.
(85)-élargissement jurisprudentiel du domaine d’application de la responsabilité pénale des personnes morales . jean claude planque, n sous cass 5-02 – 2003 Dalloz 2003 j 2855 in : www.courdecassation.org .
و إن كانت المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي لا تحـجب مسؤولية الشخص الطبيعي و إن قام بالعمل الجرمي لحساب الشخص المعنوي ، فإن متابعة الشخص الطبيعي ليست شرطا ضروريا لمساءلة الشخص المعنوي ، فوفاة الشخص الطبيعي مثلا لا يحول دون متابعة الشخص المعنوي للجريمة المرتكبة من أجله و كذلك الحال إذا استحال التعرف على الشخص الطبيعي الذي ارتكب الجريمة لحساب الشخص المعنوي (86).
المقدمـــــــــــة
الأصل أن المنازعات الجمركية الجزائية جزء من المنازعات الجزائية التي تعرض على القضاء و تطبق عليها ذات القواعد الإجرائية ، غير أن قانون الجمارك تضمن بعض الأحكام المتميزة التــي تخرج عن نطاق و أحكام القانون العام ، مما أضفى عـليها طابعا مميزا جعلها توصف بقانون عقوبـات خاص (1) و تنـصب بالخصوص على قواعد التجريم كالتوسع في تحديد الركن المادي ، و إسهـام السلطة التنفيذية في تحديده و كذا التضييق من نـطاق الشروع في الجريمة و ضعف الركن المعنوي و كذلك من حيث الإثبات و تحديد المسؤولية الجزائية التي تقع أساسا على الفاعل الظاهر في القانـون الجمركي؛ و هـو إما حائز البضاعة محل الغش و إما ناقلها و إما المصرح بها أو الوكيل لدى الجمارك.
و نتيجة لذلك كثيرا ما يفلت من العقاب الجناة الحقيقيون ، و يحل محلهم مجرد وسطاء غالبـا ما تكون مسؤوليتهم دون خـطأ لعدم الاعتداد بالنية في الجرائم الجمركية ، و لقد لطف المـشرع من حدة هذه المسؤولية بحصر نطاقها في المجال الجبائي و اشترط لتطبيق عقوبات الحبس ارتكاب خطأ شخصـي.
إن ما يـضفي هذا الطابع المتميز و الخصوصي للمنازعات الجمركية ؛ سـواء من حيث التجريـم أو من حيث العقاب أو المسؤولية و عبء الإثبات يرجعه الباحثون في هذا المجال إلى سببين أحدهمــا بسيكولوجي و الآخر تقني(2).
أما السبب البسيكولوجي فهو أن الرأي العام لا يستهجن الجريمة الجمركية بقدر ما يستهجن جرائـم القانون العام، و أن مرتكبها يجد تعاطفا بين الناس وحتى في الوسط القضائي لتعلقها بالحقوق و الرسوم المستحقة للدولة في ظل سواد عقلية البايلك.
و أما السبب التقني فيعود إلى تميز الجرائم الجمركية لاسيما التهريب بالسرعة و بالتـالي زوالـها و عدم ثباتها و صعوبة اكتشافها في تلك اللحظة.
و هناك من الدارسين من يضيف(3) أن القانون الجمركي يستمد أسس تشدده في المنازعات الجزائية من أسباب اجتماعية؛ فالرأي العام يتأثر و يتألم من العنف الممارس ضد السلامة الجسدية أكثر من تأثره من الجنحة الضريبية أو الجمركية، و قد ظهر الميل إلى التشدد في العقاب عندما صار المساس الخفـي أو الظاهر بالاقتصاد و الإضرار به من خلال الجرائم الجمركية كبيرا.
أما على صعيد الاعتبارات المحضة للجريمة الجمركية، و زيــادة على كون الغـش الضـريبي يمتـاز بالسرعة ، فإن أولئك الذين يتصرفون بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، بحسن أو بسوء نيـة في إطـار مخطط الغش، يجب أن يتأكدوا من أنهم سيعاقبون على إتيانهم تصرفا من تصرفات الغش.
و لما كان نظام الاشتراك المنصوص عليه في القانون العام، لا يتسع لاحتواء نطـاق المسؤوليـة الجزائية الجمركية بسبب اشتراطه توافر القصد الجزائي لدى الشريك، لجأ المشرع إلى إحداث نظــام للاشتراك بدون قصد جزائي خاص بالمنازعات
--------------------------
(1)- احسن بوسقيعة – خصوصيات المنازعات الجمركية – دراسة منشورة في المجلة القضائية – العدد 2 / 2000 – ص 15 .
(2)- احسن بوسقيعة – المنازعات الجمركية – الطبعة الثانية 2001 – ص39..
(3)- عمرو شوقي جبارة– الإقتناع الشخصي للقضاة على محك القانون الجمركي – ترجمة قسم الوثائق بالمحكمة العليا –المجلة القضائية – عدد خاص – الجزء الثاني -2002 – ص 58 و59.
الجـمركية و هو ما يسمى بالاستفادة من الغش ؛ و الذي يطبق في أوسـع نطاق ممكن لما يتيحه من مـزايا عملية لا يمكن أن تتحقق في ظل اشتراك القواعـد العامة.
فما هي يا ترى مميزات هذا النظام بالمقارنة مع الشريك في القانون العام؟ و كيف تطـور مفهـوم المستفيد من الغش عبر الحقب الزمنية للسياسة التشريعية في المجال الجمركي؟
و ما هي الآثار و النتائج المترتبة عن قيام المسؤولية عن الاستفادة من الغش؟
هذا ما سنحاول الإجابة عنه في هذه الدراسة؛ من خلال التعرض إلى القواعد العامة للاشتراك فـي فصل تمهيدي باعتبار أن الاستفادة من الغش ما هي إلا تطبيق خاص لاشتراك القواعد العامة ، و عليـه ارتأينا أن نبدأ من العام إلى الخاص، و هذا حتى تتضح الفوارق الجوهرية بين المفهوميـن وفي نفـس الوقت لكثرة الإحالة إلى مفهوم الشريك عند دراسة المستفيد من الغش.
أما في الـفصل الأول من هذه الدراسة فنتحدث فيه عن تـطور مفهوم المستفيد من الغـش؛ بـدءا بما جاء في الـنظام التشريعي الفرنسي باعتباره الرائد في هذه النظريـة، وصولا إلى التشريع الجمـركي الجزائري عبر مختلف مراحله، كون هذا الأخير مقتبس من الأول نظرا للاعتبارات التاريخية.
و في الفصل الثاني نتطرق إلى المسؤولية عن الاستفادة من الغش بإبراز أسس قيامها، و تأثيـرها على الغير و النتائج المترتبة عن قيامها من جزاء و تضامن.
كل هذا على ضوء القانون و الآراء الفقهية للمختصين في هذا المجال، و في كنف الممارسات القضائية على أعلى مستوياتها مبرزين في ذلك المزايا من استحداث هذه المؤسسة، سواء الفعالية فـي تحصيل الحقوق و الرسوم المستحقة للخزينة العامة و هي الغاية المباشـرة، أو مرد وديتها فـي قمـع الجرائم خاصة مع الاتجاهات الحديثة لمكافحة التهريب و كل ما له صلة به كالجريمة المنظمة بتأثيراتها السلبية على الصعيد العالمي، خاصة مع توجه الجـزائر إلى الانفتاح على السـوق العالمية بالانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة، و ما يفرضه من تشدد في القمع على كل المستويات و منها الجمركي.
و محاولين في نفس الوقت تقريب وجهات النظر بين المفارقات التي قد تحصل عند تطبيق مفهوم المستفيد من الغش، و هذا أمام المحاكم الفاصلة في القضايا الجزائية خاصة مع قصر معرفة القضـاة بالمجال الجمركي هذا من جهة ،و قصر معرفة المهنيين الجمركيين بالمجال القانوني من جهة أخرى.
الفصــل التمهيــدي
القواعــد العامــة للاشتراك
سنقسم دراستنا لهذا الفصل التمهيدي إلى مبحثين
1- مفهوم الاشتراك
2- شروط معاقبة الشريك
المبحــث الأول مفهــوم الإشتــرااك
لقد ورد تعريف الشريك في الفصل الأول من الباب الثاني من قانون العقوبات، تحـت عنـوان المساهمون في الجريمة؛ فعندما ترتكب الجريمة الواحدة من عدة أشخـاص نكون بصدد المساهمة الجنائية.
وإذا كان تعدد المساهمين لا يثير جدلا، فإن وحدة الجريمة تقتضي توافر ركنين، الأول هو الوحدة المادية للجريمة فتعدد أفعال المساهمين قد تختلف لكنها تلتقي لإحداث واقعة إجرامية واحدة، بحيث يؤدي كل فعل منها دوره في تحقيق النتيـجة من حيث وقوعها أو جسامتها أو وقت حدوثـها، أما الركن الثاني فهو الوحدة المعنوية للجريمة؛ و التي مؤداها أن يتحقق لدى الجناة رابطة ذهنية واحدة تجمعهـم على ارتكاب الجريمة، كالاتفاق السابق على ارتكابـها و التخطيط لتنفيـذها و توزيع الأدوار(4)، و عليه وجب التطرق إلى تعريف الشريك و تمييزه عن الفاعل الأصلي في مطلبين.
المطلــب الأول تعريــف الشريــك
تنص المادة 42 من قانون العقوبات على أنه يعتبر شريكا في الجريمة، من لم يشترك اشتراكا مباشرا و لكنه ساعد بكل الطـرق و عاون الفاعل أو الفاعليـن على ارتكاب الأفعال التحضيرية أو المسهلـة أو المنفذة لها مع علمه بذلك.
فـقد حصر المشرع عمل الشريك، في المساعدة أو المعاونة على ارتكاب الأفعـال التحضيريـة عرضية أو ثانوية(5)، و لقد اعتبرت المحكمة العليا أن العناصر المكونـة لجريمـة المشاركـة هي المساعدة بكافة الطرق على الأعمال التحضيرية أو المسهلة أو المنفذة، و إن خلو سؤال الإدانة من إبراز كيفية أو طريقة مساعدة الفاعلين يجعله غامضا يترتب عنه النقض(6)
-------------------------
(4)- عبد الله سليمان- شرح قانون العقوبات القسم العام- الجزء الأول- الجريمة- دار الهدى- عين مليلة- ص156 و 157.
(5)- احسن بوسقيعة- الوجيز في القانون الجزائي العام- الديوان الوطني للأشغال التربوية- طبعة2002- ص 148.
(6)- قرار المحكمة العليا-الغرفة الجنائية- بتاريخ 01/10/2002 ملف رقم 277625 – المجلة القضائية العدد 2/2002- قسم الوثائق 2004.
و تنص المادة 43 من نفس القانـون على أنه يأخـذ حكم الشريـك، من اعتاد أن يقدم مسكنا أو ملجــأ أو مكانا للاجتماع لواحد أو أكثر من الأشرار اللذين يمارسون اللصوصية أو العنف ضد أمن الدولة أو الأمن العام، أو ضد الأشخاص أو الأموال مع علمه بسلوكهم الإجرامي.
و لما كان عمل الشريك يقتصر على الأعمال التحضيرية و المساعدة، فهو فرعي غير مجـرم بذاته بل استمد الصفة الإجرامية لاتصاله بالفعل الإجرامي الذي ارتكبه الفاعل، و عليه سنميـز بينه و بين الفاعل الأصلي في المطلب الموالي.
المطلــب الثاني التمييــز بين الفاعل و الشريــك
لقد اختلفت التشريعات حول الوضعية القانونية للشريك مقارنة بالفاعل الأصلي، و أن المشـرع الجزائري أخذ بتبعية الشريك للفاعل الأصلي تبعية كاملة من حيث التجريم، و تبعية نسبية من حيث العقاب(7).
فـالفاعل هو من يقوم بالأعمال المادية المشكلة للجريمـة، و تتحقق في شخصه أركان الجريمـة كاملة، و قد يكون الفاعل الأصلي فاعلا ماديا مع غيـره و هو من قـام شخصيا بالأعمال الماديـة المكونة للجريمة، غير أنه لم يرتكبها بمفرده و إنما برفقة شخص آخر أو أكثر إذ يكون كلهم فاعلين ماديين للجريمة، و التمييز بين الفاعل المادي مع غيره و الشريك لها أهمية من حيث المسؤولية في التشريعات التي أخذت بنظام تبعية مسؤولية الشريك لمسؤولية الفاعل تبعية تامة كما في فرنسا إذ يمكن متابعة الفاعل الأصلي المساعد مستقلا عن باقي المساعدين، كما يمكن تسليط العقوبة عليه عندما يعترض تسليطها على فاعل آخر ظرف شخصي كالإعفاء من العقوبة بسبب القرابة في جرائم الأموال م 368 ق ع(8)
و في هذا الصدد اعتبرت المحكمة العليا فاعلا أصليا كل من ساهـم مساهمة مباشرة فـي ارتكاب الفعل الإجرامي وفقا للمادة 41 ق ع، و أنه قد يرتكب الفعل من طرف شخص واحد و قد يتعـدد الفاعلون في ارتكابه ماديا، كأن ينهـال أشخاص على الضحية بالضرب حتى وفاتها و قد تقسم الأدوار فيما بينهم، فيقوم أحدهم بالحراسة و الثاني بإمساك الضحية و الثالث بضربها وكل واحـد منهم يعتبر فاعلا أصليا مادامت نيتهم متحدة في ارتكاب الفعـل، و كانـوا متواجديـن في مسرح الجريمة(9).
كما قد يكـون الفاعل الأصلي فاعلا معنويا كالمحـرض فالمادة 41 ق ع اعتبرت فاعلا كل محرض على ارتكاب الفعل بالهبة أو الوعد أو التهديد أو إساءة استعمال السلطـة، أو الولايـة أو التحايل أو التدليس الإجرامي، فلابد لقيام التـحريض أن تتأثر إرادة الجاني مباشرة نحو ارتكاب الجريمة، و باستعمال إحدى الوسائل المبينة في صلب النص، و هناك صور أخرى للفاعل المعنوي أشار إليها المشرع في مواد مختلفة من قانون العقوبات.
و بالمقابل فإن الشريك ينحصر دوره في المعاونة على ارتكاب الجريمة بالقيام بعـمل مادي يختلف عن الركن المادي
----------------------
(7)- احسن بوسقيعة- الوجيز في القانون الجزائي العام- المرجع السابق- ص 150،151،152.
(8)- احسن بوسقيعة- المرجع أعلاه – ص 143.
(9)- قرار المحكمة العليا-الغرفة الجنلئية- بتاريخ 25/07/2000- ملف رقم 251929- المجلة القضائية- العدد2- سنة 2000- ص 201.
للجريمة، غير أن عقوبة الشريك هي نفسها عقوبـة الفاعل الأصلي لذا فأهميــة التمييز تترتب عنها نتائج؛ منها ما يتعلق بوصف الجريمة و التي تتوقـف على الصفة الشخصيـة للفاعل و ليس على صفة الشريك، و من ثمة فإن الظروف المشددة
و تقدير الأركان المكونة للجريمة يتم اعتبارا للفاعلين الأصليين و ليس الشركاء، و من النتائج ما يتعلق بالعقاب على الجريمة في حد ذاتها كما في المخالفة فيعاقب الفاعل دون الشريك إلا في حالات استثنائية، كمخالفـات الضــرب و الجروح العمدية و المشاجرة و أعمال العنف الأخرى المواد 442-1، 442 مكرر ق ع.
و كذلك إذا كان الحكم على الفاعل يتطلب إثبات الأركان المشكلة للجريمة فحسب، فإن معاقبـة الشريك يقتضي إثبات توافر الأركان المكونة للاشتراك و هذا ما سنراه في المبحث الثاني.
المبحــث الثاني شروط معاقبــة الشريــك
حتى يتم الحكم على الشريك يجب أن تتوافر شروط ، أهمها قيام أركان الاشـتراك و هذا ما سنراه في المطلب الأول و بعدها نعرض لجزاء الشريك في المطلب الثاني كالتالي.
المطلــب الأول أركــان الاشتراك
باعتبار أن أركان الاشتراك هي أهم جزء من شروط معاقبة الشريك، لذا سنتحدث عنها بشيء من التفصيل بالتكلم عن الأركان الثلاثة تباعا، الركن الشرعي ثم المادي فالركن المعنوي.
أولا : الركن الشرعي في الاشتراك
أفعال الشريك هي أعمال تحضيرية لا عقاب عليها، و إنما تنجذب إلى دائرة التجريم بوصفها حلقة من حلقات المساهمة الجنائية التبعية في ارتكاب الجريمة، فلا يعاقب عليـها إلا إذا ارتكب الفاعل الجريمة أو شرع فيها(10) و بذلك يتوقف تجريم عمل الشريك على عمل الفاعل الأصلي و يكون الفعل معاقبا عليه و يشكل جريمة (11) إذ لا يسأل عن الاشتراك إذا كان الفعل الأصلي غير مجرم، و كذلك لا يسأل عن الاشتراك في جريمة شرع فيها فقط و كان الشروع غير معاقب عليه كما في بعض الجـنح، أو إذا توقف عمل الفاعل عند الأعمال التحضيرية فقط ، و كذلك إذا كان للـجريمة المرتكبة لها ما يبررها قانونا كالدفاع الشرعي أو أمر أو إذن القانون، و لا يسأل عن الشروع في الاشتراك.
غير أنه لا يتوقف تجريم عمل الشريك على تسليط العقوبة فعلا على الفاعل الأصلي، كما إذا لم يكن محل متابعة جزائية
-----------------------
(10)- عبد الله سليمان- المرجع السابق- ص 178.
(11)- احسن بوسقيعة- الوجيز في القانون الجزائي العام- المرجع السابق- ص 153-154.
أو استـحال تسليط العقوبة عليه لكـونه ظل مجهولا، أو توفي أو كان صغير السن أو مجنونا أو استفاد من عفو شامل ذي
طبيعة شخصية أو استفاد من عذر معفي.
ثانيا: الركن المادي في الاشتراك
و يـتمثل العمل المادي هنا كما بينته المواد 42،43 في أعمال المساعدة أو المعاونة، و الأعمال التي تعد في حكم المساعدة كتقديم مسكن لإيواء الأشرار، و عليه سنوضح هذا الركن بالنظر إلـى العنصرين التاليين كالآتي:
1- المساعدة و المعاونة:
و تشمـل الأعمال التي يقـوم بها الشريك و التي من شأنها تسهيل القيام بالجريمة، سواء بالتحضير لها أو أثناء تنفيذها أو بعد تمامها، و يجب أن يتمثل الاشتراك في القيام بعمل إيجابي إذ لا اشتراك بالامتناع، و أن ينفذ هذا السلوك الإيجابي فلا محاولة في الاشتراك(12).
أما الأعمال التحضيرية أو السابقة المساعدة على ارتكاب الجريمة فتتمثل في الأعمال السابقة على مرحلة التنفيذ كاتخاذ تدابير من أجل تسهيل ارتكاب الجريمة.
أما الأعمال المعاصرة للجريمة فصورتها عندما يتدخل الشريك لتقديم يد المساعدة للفاعل الذي بدأ بتنفيذ الجريمة؛ بغية تمكينه من الاستمرار فيها و إنهائها على النحو الذي يضمن تحقيق النتيجة الإجرامية التي يصبو إليها(13).
أما الأعمال المساعدة اللاحقة على تمام الجريمة فليست وسيلة من وسائل الاشتراك(14)، و هذا لم يمنع المشرع من اللجوء إلى تجريم الأعمال المساعدة اللاحقة كجرائم خاصة مستقلـة، مثـل إخفاء أشياء متحصله من جناية أو جنحة المنصوص عليها في المادة 387 ق ع، و إخفاء الجناة م 180-1 .
2-إيواء الأشرار و مساعدتهم:
حصرت المادة 43 أعمال المساعدة لاعتبار من يقوم بها شريكا في تقديم مسكن أو ملجأ أو مكان للاجتماع لواحد أو أكثر من الأشرار اللذين يمارسون اللصوصية أو العنف ضد أمن الدولة، أو الأمـن العام أو ضد الأشخاص أو الأموال بتوافر شرطي الاعتياد و العلم بالسلوك الإجرامي.
-----------------------
(12)- احسن بوسقيعة- الوجيز في القانون الجزائي العام- المرجع السابق- ص 156.
(13)- محمود نجيب حسني- شرح قانون العقوبات- القسم العام- دار النهضة العربية-1977-رقم2- ص 456 – نقلا عن عبد الله سليمان- المرجع السابق - ص 180.
(14)-- احسن بوسقيعة- الوجيز في القانون الجزائي العام- المرجع أعلاه- ص157.
و هذه من صور المساعدة اللاحقة، ولا يقتصر هذا على تقديم المسكن بل هنـاك أعمال لاحقـة أخرى نصت عليها المادة 91-2 بأنه عـلاوة على الأشـخاص المبينين في المادة 42 يعاقب باعتباره شريكا؛ من يرتكب دون أن يكون فـاعلا أو شريكا أحد الأفعال التالية:
- تـزويد مرتكبي الجنايات و الجنح ضد أمن الدولة بالمـؤن أو وسائل المعيشة و تهيئة مـساكن لهم أو أماكن لاختفائهم أو لتجمعهم، و ذلك دون أن يكون وقع عليه إكراه و مع علمه بنواياهم.
- حمل مراسلات مـرتكبي هذه الجنايات و تلك الجنح،و تسهيل الوصول إلى مـوضوع الجناية أو الجنحة أو إخفائه أو نقله أو توصيله، و ذلك بأي طريقة كانت مع علمه بذلك.
ثــالثا: الركن المعنوي في الاشتراك
يقتضي على من ساعد الفاعل الأصلي أن يكون قد ساهم و هو على دراية في ارتكاب الجريمــة الرئيسية، و أن يكون يعلم بأنه يشترك في جناية أو جنحة، و يجب توافر نية الإسهام في عمل إجرامي نفذه أو حاول تنفيذه الغير.
فالنية لدى الشريك تتمثل دائما في خطأ قصدي، أي إرادة الاشتراك عمديا في الفعل الإجرامي للفاعل الرئيسـي، و لذلك لا يمكن متابعة مرتكب خطأ عدم الاحتياط كشريك(15)، و في هذا الصدد نقضـت المحكمة العليا الحكـم الذي تضمن سؤالا حول جريمة الاشتراك في اختلاس أموال عمومية بصيغة لم يبرز فيها عنصر العلم المعتبر العنصر الأساسي في هذه الجريمة(16).
المطلــب الثانــي جــزاء الشريــك
نصت المادة 44 من قانون العقوبات على أنه يعاقب الشريك في جناية أو جنحة بالعقوبة المقررة للجناية أو الجنحة.
و الـواضح من النص أنه قد تتطابق عقوبة الشريك مع عقوبة الفاعل الأصلي و هذا لا يؤخذ على إطلاقـه، فقد تؤثر الظروف الشخصية و الموضوعية بتشديد العقوبة أو بتخفيضها على أحدهما دون الآخر، فالظروف الشخصية كما نصت عليها م 44/2 و التي ينتج عنها تشديد أو تخفيف العقوبة لا تؤثر إلا بالنسبة للفاعل أو الشريك الذي تتصل به هذه الظروف.
إذن فالظروف الشخصية لصيقة بالشخص، كصغر السن أو الجنون أو حالة العود، فالظرف الشخصي لا يغير في الوصف القانوني للجريمة وإنما يغير فقط العقوبة بالتشديد أو التخفيض أو الإعفاء.
أما الظـروف الموضوعية اللصيقـة بالجريمـة حسب م 44/3 و التي تؤدي إلى تشديد أو تخفيض العقوبة التي توقع على من ساهم فيها، يترتب عليها تشديدها أو تخفيضها بحسب ما إذا كان يعلم أو لا يعلم بهذه الظروف.
------------------------------
(15)-- احسن بوسقيعة- الوجيز في القانون الجزائي العام- المرجع السابق- ص159.
(16)- قرارالمحكمة العليا – الغرفة الجنائية- بتاريخ 24/06/2003- ملف رقم 302683- المجلة القضائية- العدد 1- 2003 – ص 384،383.
إذن هذه الظروف تغير في وصف الجريمة كحمل السلاح في جريمة السرقة، يغير وصفها من جنحة إلى جناية فتشدد بالتالي العقوبة، و من هذه الظروف ما يخفف العقوبة كأعذار الاستفزاز، و هناك ظروف مختلطة أخذ بها القضاء الفرنسي.
فلقد قضت المحكمة العليا بأن واقعة الاشتراك في الجريمة مستقلة عن الجريمة الأصلية، و أن الظروف الشخصية المخففة أو المشددة لكل من الفاعل أو الشريك لا تؤثر في تخفيف أو تشديد العقوبة بالنسبة للآخر وفقا للمادة 44 ق ع.
و حـيث أنه لمعرفة تطبيق الظرف المشدد على الشريك أو عدمه؛ يتعين أن يدرس هذا الظرف أو لا هل هو شخصي أم موضوعي؟ فإذا تبين أنه موضوعي فإن العقوبة تكون مماثلة بالنسبة لكل منهما شرط أن يكون الشريك على علم بهذا الظرف.
و حيث أن الفرق بين الظرف الشخصي و الظرف الموضوعي هو أن الأول يشكل صفة أو حالة تتعلق بصاحبها وحده لا دخل للطرف الآخر فيها، أما الظرف الموضوعي فهو لصيــق بالجريمة ذاتها.
و حيث أن ظرفي سبق الإصرار و الترصد شخصيان يخصان الفاعل الأصلي وحده فإن معاقبة الشريك بهما يشكل خطأ في تطبيق القانون ينجر عنه النقض(17).
هذا مجل التفصيل الموجز حول القواعد العامة للاشتراك؛ كون المستفيد من الغش ليس سوى تطبيق خاص لهذه القواعد، فكيف تطور هذا النظام عبر مختلف الحقب الزمنية؟
هذا ما سنحاول تفصيله في الفصل الموالي آخذين بعين الاعتبار نشأته و تطوره في فرنسا ثم في الجزائر لتوافق التشريعين في هذا المجال.
----------------------------------
(17)- قرار المحكمة العليا- الغرفة الجنائية- بتاريخ 29/04/2003-ملف رقم 303401- المجلة القضائية- العدد1-2003- قسم الوثائق 2004- ص 388،387.
الفصــل الأول
تطــور مفهــوم المستفيــد من الغــش
إن مفهوم المستفيد من الغش عرف نشأته في فرنسـا ثم أخذ به المشرع الجزائري نظرا للاعتبارات التاريخية و عليه سنقسم دراسة هذا الفصل إلى مبحثين، الأول نتكلم فيه عن المستفيد من الغش في فرنسا، و الثاني عن المستفيد من الغش في الجزائر، كل هذا على ضوء النصوص القانونية و الآراء الفقهية، و الاجتهادات القضائية.
المبحــث الأول مفهــوم المستفيــد من الغــش في فرنســا
إن لمفهوم المستفيد من الغش دلالة تتميز بأصالتها الكبيرة(18)،و التي تجد دلالتها في الفقه و القضاء الفرنسي، و هو من خصوصيات قانون الجمارك(19)، و لتوضيح ذلك كان من الواجب معرفة كيفية تكون هذا النظام في مطلب أول، ثم تبيان دلالته في مطلب ثاني.
المطلــب الأول: تكــون نظــام الاستفادة من الغــش
لكي تستبين معالم نشأة مفهوم المستفيد من الغش، يجب بادئ ذي بدء التعرف على أسباب ظهوره، ثم تطور المراحل التي بلورت هذه الفكرة.
الفــرع الأول: أسبــاب ظهور نظــام المستفيــد من الغــش
إن تطبيق القواعد العامة التي تحكم التجريم و العقاب على الجرائم الجمركية التي تتميـز بخصوصيات معقدة و توسع دائرة المساهمين فيها، و المستفيدين منها نظرا لامتدادها في المكان و الزمان و صعوبة تنفيذها إلا بتخطيط محكم؛ فإن تلك القواعد لا تستجيب لكل متطلبات القمع الجمركي، خاصة ضيق الحدود المادية في الاشتراك واتساع رقعة القصد الجنائي بعنصريه الإدراك و الإرادة، هذه الأخيرة التي تضمحل في قانون الجمارك الذي يتميز بالتشدد و الصرامة، فكانت من أهم العوامل المتسببة في ظهور هذا النظام، لهذا نتطرق إليها تباعا.
-------------------------------
(18)- بلال مروش- المستفيد من الغش مميزاته و تأثيراته على القمع- مذكرة نهاية التربص- السنة الثالثة-المدرسة الوطنية للإدارة - فرع إدارة الجمارك- 2002/2003 – ص 4.
(19)- عمرو شوقي جبارة- محاضرات ألقيت في المدرسة العليا للقضاء- طلبة الدفعة 14- السنة الأولى- 2003/2004.
أولا: خصوصية الجريمة الجمركية و توسع دائرة المسؤولية
فالجريمة الجمركية مستمرة في الزمان و ممتدة في المكان، و تتطلب نشاطا جماعيا يوزع أداؤه على العديد من المتدخلين في إطار مخطط الغش يـصعب الوصول إليهم و معاقبتهم بتطبيق القواعد العامة للاشتراك ؛ خاصة و أن الجريمة الجمركية
هي جريمة لياقات بيضاء مرتكبوها ذووا مستويات فكرية و قانونية ؛ تـسمح لهم بالبحث عن الثغرات القانونية و تطوير الجريمة بشكل لا تحتويه القـواعد العامة حيث أن المستفيدين من الغش يسألون بالتضامن مما يوسع مجـال المتابعة و يعطي إمكانيـة أفضل لتحصيل الحقوق و الرسوم الجمركية(20).
ثانيــا: ضيق الركن المادي في القواعد العامة للاشتراك
حدد القانون الأعمـال التي تدخل في تكوين الركن المادي للاشتراك، و حصـرها في الأعمال السابقـة أو المعاصرة أي التحضيرية أو المنفذة كما سبق تبيانه في الفصل التمهيدي، و هذه الحدود يحترمها القضاة و بالتالي تخرج عن هذا النطاق الأعمال اللاحقة على تمام الجريمة أي من دائرة القواعد العامة للاشتراك و كذلك ضرورة إتيان نشاط إيجابي و مجرد الامتناع يتعارض مع مختلف مظاهر الركن المادي كما حددها القانون.
فهذه الحدود التي تضبطها القواعد العامة للاشتراك بالرغـم من أنها لا تمنع من تسليط العقاب على بعض المساهمين في الغش الجمركي باعتبارهم شركاء فيـه، إلا أنها لا تسمح في كثير من الحالات من توقيع العقاب على المستفيدين الحقيقيين من هذا الغش، مما يجعلها قاصرة و لا تستجيب بكفاية لمتطلبات القمع الجمركي(21).
فـقد كان القضاء في خلال القرن19 م يميز بين الشريك و المستفيد من الغش، على أساس أن الاستفادة من الغش تتميز بكونها مـساهمة مالية أ معنوية و مـن المستحيل أن تكون مساهمة مادية في الغش؛ و التي كانت تتابع على أسـاس الاشتراك(22) ، لكـن مع مرور الوقت و باعتبار الجريمة الجمركية مستمرة تغير موقف القضاء ليقر بإمكانية الاستفادة من الغش الناتجة عن مساهمة مادية في مخطط الغش، ليصبح مفهوم المـستفيد من الغش موازيا للشريك في روحه و يخالفه في خصائصه(23).
-------------------------------
(20)- يوسف ابرادشة-نظرية الاستفادة من الغش-مذكرة السنة الرابعة- إدارة الجمارك- المدرسة الوطنية للإدارة-2001 ص 12.
(21)- CL.J.BERR et H.TREMEAU.OP.CIT.2ème éd N 670 P396.
J.F.DURAND.pénal annexe art 110.
- نقلا عن عبد المجيد زعلاني- خصوصية قانون العقوبات الجمركي- أطروحة دكتوراه- جامعة الحقوق بن عكنون- 1998- ص 75.
(22)- بلال مروش- المرجع السابق- ص5.
(23)- أي أن المساهمة المادية في الاستفادة من الغش تتسع لتشمل الأعمال اللاحقة.
ثالثــا: اتساع الركن المعنوي في القواعد العامة للاشتراك
يشترط لقيام الاشتراك طبقا للقواعد العامة كما رأينا وجوب توافر القصد لدى الشريك أما في مجال الاستفادة من
الغش(24)؛ فتسودها قاعدة استبعاد حسن نية المتهم إلا ما أستثني بنـص خاص كما سنرى لاحقا.
فتتجاوز بذلك الاستفادة من الغش شرط الطبيعة العمدية لرابطة المساهمة المنصوص عليها في القواعد العامة للاشتراك، تحقيقا لـفكرة سائدة في القانون الجمركي مؤداها رغبة المشرع في تفادي فتح النقاش حول هذه النقطة أي القصد ، أمام القضاء الجزائي لإمكانية نطق القضاء ببراءة مجرمين خطيرين لعدم ثبوت سوء نيتهم؛ في حين هم الأدمغة المفكرة في عملية الغش و يستفيدون منها دون أن يظهروا كشركاء فيها.
و كذلك يترتب على فتح النقاش حول القصد في الميدان الجمركي إدخال نوع من التنـاقض في بنية القانون الجمركي الذي يقوم على أحد المبادئ الأساسية المتمثلة في استبعاد حسن نية المتهم(25)
الفــرع الثــاني تـطور نـظرية المـستفيد من الغــش
إن المفهوم الحديث للـمستفيد من الغش لم يتبلور إلا بعد مرحلة ساد فيها الغموض و التوسع سواء على المستوى التشريعي أو القضائي(26) و هذا بدءا بـصدور الأمر الإمبراطوري بتاريخ 18 أكتوبر 1810، ثم التعديلات التي أدخلت
على قانون الجـمارك الفرنسي لسنة 1934 بتأثير مواقف القضاء و كذلك إصلاحات 1948 و 1958.
و في هذا الصـدد و من أجل الوصول إلى المفهوم الحديث للمستفيد من الغش، لابد من معرفة المرحلة التي شملها توسع المفهوم و غموضه في نطاق التشريع (أولا) ثم في نطاق القضاء (ثانيا).
------------------------------------------------------------------------------،
(24)- عبد المجيد زعلاني- المرجع أعلاه- ص75-112.
(25)- غير أن المشرع الفرنسي أدخل إصلاحات على قانون الجمارك، لاسيما المادة 369 منه المقابلة للمادة 282 ق ج الجزائـري و التي تمت على مرحلتين، تم تعديل نص المادة 369-2 في المرحلة الأولى بموجب القانون رقم 77-1453 المؤرخ في 29-12-1977 بالتنصيص على عدم جواز تبرئة المخالف تأسيسا على نيته، و لم يلبث المشرع الفرنسي أن أعاد النظر في المادة المذكورة فخطا خطوة جريئة في سبيل إرساء دعائم دولة القانون و إحلال العدل بالرجوع على قواعد القانون العام، حيث ألغى المادة 369-2 المذكـورة في المـرحلة الثانية بمـوجب القـانون رقم 87-502 المؤرخ في 08-07-1987 و بذلك لم يعد ممنوعا على القاضي التصريح ببراءة المخالفين لغياب النية أو القصد، الأمر الذي صارت معه الجرائم الجمركية في كل صورها جرائم عمدية مثلها مثل جرائم القانون العام يلزم لقيامها توافر الركن المعنوي.
- أنظر في هذا الصدد – احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص 22.
(26)- عبد المجيد زعلاني- المرجع السابق- ص 76-77.
أولا: ظهور النظرية و غموضها في التشريع الفرنسي
لم تكن تترتب على مسؤولية المستفيدين من الغش سوى جزاءات ذات طابع مالي، أما العقاب فيسلط بالدرجة الأولى على منفذي الغش و هذا قبل ظهور فكرة الاستفادة من الغش(27).
و يتضح من المـرسوم الإمبراطوري أعلاه الذي أنشأ مجالس قـضائية تابعة للجمارك و أسند لها اختصاص النظر في جنايات التـهريب مع حمل السلاح، و الذي أملته على نابليون موجبات الحصار القـاري، و الـذي أفشلته إلى حد كبير مقاولات التهريب التي لم تنجح في هذه الفترة بالارتكاز على العنف؛ و إنما باللجوء إلى تنظـيم محكم يستند على شـبكة من الجواسيس و المساعدين في إخفاء بضائع الغش، و لذلك فقد استوجبت محاربة هذه المقاولات البحث عـن رؤوسـها القائمة في الخفاء بالتخطيط و التمويل و إعطاء الأوامر، و لهذا الغرض بالذات جاء النص الإمبراطوري(28).
و قـد شملت أحكام هذا النص إلى جانب المستفيدين من الغش؛ العديد ممن يمكن أن تكون لهم عـلاقة به كرؤساء العصابات و السائقين و المشرفين على اجتماعات المهربين و المقاولين و المؤمنين و شركائهم، و فضلا عن ذلك فإن القانون لم يميز بين المستفيدين من الغش عمن ذكروا إلى جانبهم من رؤساء مشاريع التهريب و المؤمنين و غيرهم، و لم يورد بشأنهم أي تعريف خاص بهم و لعل ذلك يرجع إلى أن الاستفادة من الغش تشكل مفهوما متطورا بالنسبة للوقت الذي عـرفت ظهورها فيه(29).
جاء قانون 28 أفريل 1816 الذي خول وكلاء الملك سلطات خاصة لغرض القيام بإجراء المتابعات ضد المساهمين في ارتكاب الغش ، حيث جاء في المادة 53 منه أن من بين الأشخاص الذين يمكن أن تشملهم أحكامه؛ و الـذين يتحملون بالتضامن الغرامة المحكوم بها مع غيرهم مـن المساهمين في الغش المستفيدين بكيفية ما من فعل التهريب، و غموض هذه العبارة التي كانت وقت ظهورها في حاجة ماسة إلى التوضيح فتح المجال أمام الاجتهاد القضائي.
ثــانيا: غــموض النظرية في الــقضاء الفرنسي
من النتائج المترتبة على غموض التشريع فيما يخص مفهوم المستفيد من الغش هو فتح الباب أمام الاجتهاد القضائي و الذي ما فتئ يحترم القواعد العامة و الحدود المرسومة فيها، و بالتالي التحفظ في تفسيره النصوص المتضمنة فكرة الاستفادة من الغش و التي ينظر إلـيها من زاوية المصلحة المالية أو المعنوية، أما المساهمة المادية فكانت تخضع لقواعد الاشتراك و هذا طيلة القرن التاسع عشر .
--------------------------- --------------------------------
- B.NEEL. l’intérèt . J.C.P. 199.I.doct 2448.(27)
- نقلا عن عبد المجيد زعلاني- المرجع اعلاه- ص 77.
(28)- M. PNAZARIO et M. HOGUET. OP.CIT.N 196 p113
- نقلا عن نفس المرجع أعلاه- ص 78.
(29)- B.NEEL.art.n3
- نقلا عن نفس المرجع أعلاه.
و مع حلول القرن الحالي خرج القضاء عن تحفظه و أخذ بمفهوم مـوسع للاستفادة من الـغش و كان هذا الانقلاب إثر جدل كبير ثار بصدد محاكمة شهيرة في قضية تهريب البضائع بين فرنـسا و سويسرا و يـعتبر هذا الاجتهاد القضائي حاسما في تحديد مفهوم الاستفادة من الغش، و لأهميته وجب التذكير بوقائعها و الخلاصة الصادرة بشأنها(30).
قرار مبدئي صادر في 22 نوفمبر 1900 – قضية روكبان-
في سـنة 1898 سلم مـقاول تهريب سويسري للسيد روكبان و هو ميكانيكي يعمل في السكك الحديدية، عدة مـرات دلاء مملوءة بعلب السجائر بغرض إدخالها على الـتراب الفرنسي، و قد كان يخفي تلك الدلاء في خزانات المياه لقاطرته لسترها عن أعين الرقابة الجمركية و يودعها بعد ذلك عند عائلة تروفي، و لم تتمكن مصالح الجمارك من اكتشاف الغش بل أكتشفه عرضا مراقبوا الضرائب غير المباشرة بمناسبة تفتيش هذه العائلة.
و من خلال التـحقيق القضائي اكتشف أن السيد روكبان قد حصل على مبلغ 400 فرنك فرنسي قدم له من مقاول التهريب مقابل مساهمته في المشروع، مما أدى إلى متابعته المزدوجة كمستفيد من الغش بناء على المـصلحة المالية المتمثلة في المبلغ المالي، و كفاعل لتنفيذه الأعمال المادية المؤدية إلى إدخال البضائع عبر الحدود.
أما الـحل النهائي الذي توصلت إليه محكمة النقض و الذي أخذ بعين الاعتبار في تعديل قانون الجمارك سنة 1934 و الفقرة الخاصة بمفهوم الاستفادة من الغش كانت كالآتي:
" وقائع التهريب المنسوبة إلى المتهم ليست أعمالا فردية صرفة ؛ فهي ترتبط بمجموعة أعمال قام بها عدد من الأفراد يعملون بتنـسيق معه وفقا لمخطط تهريب أعد مسبقا ، و قد دبر كل شئ من أجل ضمان النتيجة المراد تحقيقها من طرف الجميع و يستخلص من كل هذا أن المتهم كانت له مصلحة في مـشروع التهريب الذي ساهم فيه، و يـجب بالتالي أن تطبق عليه أحـكام المادتين 52-53 من قانون 28 أفريل1816."
فأصبح بالتالي المفهوم الموسع للاستفادة من الغش هو المعمول به أمام القضاء بوجه عام و على كـل المستويات(31)، و لم يتـغير الاتجاه بعد تعديل قانون الجمـارك سنة 1934 بل تأكد تطبيقا لنصوصه إذ أصبح القـضاء يعتبر استفادة من الغش؛ كل مساهمة أيا كانت و مـهما يكن شكلها في أعمال مرتكبي الجرائم الجمركية، منذ إعداد مخطط الغش إلى غاية إتمامه و كل فعل له صلة بالغش يتابع من صدر منه كمستفيد.
--------------------------------------------------------------------------------
- crim 27 janv 1905. B.C.n 40(30)
- نقلا عن عبد المجيد زعلاني- المرجع السابق- ص 80
(31)- حكم بتاريخ 01/02/1927 لمحكمة إبتدائية جاء فيه ان التكييف الجنائي للمستفيد من الغش يشمل بغض النظر عن كل علم بالجريمة و كل استفادة شخصية محتملة، كل تدخل يأخذ شكل مساعدة مادية في الغش و أيضا كل مساهمة احتياطية في الأعمال السابقة او المعاصرة لتمام الجريمة لان الأمر يتعلق هنا بكيفية خاصة من الاشتراك خارجة عن القواعد العامة و خاضعة بوجه خاص كأغلب الجنح الجمركية للقاعدة الأساسية التي تمنع القاضي من مسامحة المخالف بناء على نيته.
- أنظر عبد المجيد زعلاني- نفس المرجع أعلاه.
و في هذا الصدد قضي في فرنسا أن المحرض على التهريب بغرض ضمان التموين من بضاعة نادرة يصعب الحصول عليها، يعد مستفيدا من الغش(32).
إن هذا التميز الصارم أدى إلى ردود فعل في الفقه و القضاء الذي يميل إلى التخفيف من حدة المفهوم بل تحديثه طبقا للتغيرات و هذا ما سنراه في المطلب الموالي.
المــطلب الثــاني الــدلالة الحـديثة لـمؤسسة الـمستفيد من الــغش
إن الغـموض الذي ساد هذه الفكرة في نهاية القرن 19 م و بداية القرن20 و كذلك تضارب الآراء و اختلاف التفسير و التطبيق، أدى بالمـشرع الفرنسي إلى التدخل بمقتضى إصلاح قانون الجمارك سنة 1948 و الذي تمم بإصلاح سنة 1958 (33).
إصلاح سنة 1948:
اتجه التشريع الجديد نحو الحد من تضخم هذه النظرية؛ بوضع حدود واضحة محاولا التفرقة بين الحـالة التي يتم فيها حيازة و شراء بضائع محل غش بسوء نية؛ و التي تطبق فيها القواعد العامة للاستفادة من الغش، و الحالة التي يتم فيها ذلك بحسن نية فلا يطبق إلا نظام عقابي مخفف.
هذا التحديد القائم على أساس نية المتدخل في المرحلة اللاحقة على ارتكاب الغش، تم كذلك تحديد أحد أهم الجوانب في هذه النظرية و الذي يعتبر أكثر توسعا و هو مخطط الغش الذي عرف بدوره نوعا من التضييق فيما يعتبر مـساهمة فيه.
إصلاح سنة 1958:
بمقتضى الأمر 58/1238 بتاريخ 17/12/1958 ، و الذي أتى بمكنة قانونية لإعفاء المستفيد من الغش من المسؤولية حالة ثبوتها إذا قام بالفعل و هو في حالة الضـرورة(34) ، أو كان فعله ناتجـا عن غلط قاهر؛ والذي عرفته محكمة النقض الفرنسية بأنه ذلك الغلط الذي لا يمكن تجنبه بقدر من الفحص و الحذر(35).
-----------------------------------------------------------
(32)- crim 22 nov 1918. D.1979.200
- نقلا عن احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص 407.
(33)- عبد المجيد زعلاني- المرجع السابق- ص 81-82.
(34)- و هي تلك الحالة التي يكون فيها الشخص مضطرا لارتكاب الجريمة و ذلك بدافع سلامة نفسه أو غيره أو للحفاظ على ملك أساسي.
- احسن بوسقيعة- المرجع أعلاه- ص410.
(35)- crim 24 nov 1980. bull . crim . n 313.
- نقلا عن احسن بوسقيعة- نفس المرجع أعلاه.
غير أن الصياغة المعتمدة في المادة 399 ق ج ف(36)، بخصوص الاستفادة من الغش و التي تحمل قراءة مزدوجة، أي استفادة مباشرة و غير مباشرة و هذا ما سنعرض له بشئ من التفصيل.
الــفرع الأول- الاستفادة الــمباشرة من الــغش
و في هذا الصدد نميز بين الاستفادة المباشرة من الغش بوجه عام ، و استفادة مباشرة مفترضة اعتبارا لصفات معينة أو لنشاط ممارس.
أولا : الاستفادة المباشرة الأصلية
و تعتبر هـذه الاستفادة الصورة المثلى للمستفيد من الغش(37)، و يدخل في هذا الإطار كل من يستفيد بكيفية مباشرة من الغش دون أن يقع تحت حكم القرائن المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 399 ق ج ف.
و هذه الاستفادة قد تتحقق بشكل واسع كقبض عائدات بيع بضائع الغش ، كذلك تـزويد مرتكبي الغش بمعلومات تسهل عملية التهريب و الإفلات من رقابة الجمارك، أو من خلال حـراسة الطرق و المسالك التي تـسلكها وسائل النقل التي تـخفي البضائع محل الغش، أو بتضليل الفرق العاملة في مختلف النقاط.
و المهم هو أن المستفيد من الغش في صورته المثالية ألا يدخل في حكم الفقرة الثانية من المادة 399 ق ج ف، كما سنراه ثانيا.
-----------------------------------------------------------
(36)-ARTCLE 399 ordonnance n 58-1238 du 17 décembre 1958 art. 13 journal officiel du 18 décembre 1958.
1-ceux qui ont participé comme intéressés d’une manière quelconque à un délit de contrebande ou un délit d’importation ou d’exportation sans déclaration sont passibles des mêmes peines que les auteurs ،de l’infraction et, en outre, des peines privatives de droit édictées par l’article 432 ci après
2- sont réputés intéressés :
a)- les entrepreneurs , membres d’entreprise, assureurs, assures, bailleurs de fonds, propriétaires de marchandises, et, en général, ceux qui ont un intérêt direct à la fraude.
b)- ceux qui ont coopéré d’une manière quelconque à un ensemble d’actes accomplis par un certain nombre d’individus agissant de concert,d’après un plan de fraude arrêté pour assurer le résultat poursuivi en commun ;
c)- ceux qui ont,sciemment , soit couvert les agissements des fraudeurs ou tenté de leur procurer
l’impunité soit acheté ou détenu même en dehors du rayon des marchandises provenant d’un délit de contrebande ou d’importation sans déclaration.
3- l’intérêt à la fraude ne peut être imputé à celui qui a agi en état de nécessité ou par suite d’erreur invincible.
(37)- بلال مروش- المرجع السابق- ص 12.
ثــانيا: الاستفادة من الغش اعتبارا لصفات أو وظائف معينة
إذ يعد مستفيدا من الغش حسب المادة 399/2 أ الأشخاص الآتي بيانهم :
- مسير مقاولة الغش: فكـرة مقاولة الغش تدل عموما على شكل عال من التنظيم تخضع العلاقات بين أعضائه لنوع من السلطة السلمية، و يستخلص القضاء وجودها خاصة من تكرار سلسلة الأفعال التي يقوم بها أفراد وفقا لخطة منظمة و تحت إشراف إدارة موحدة و يخرج عن تكييف المستفيد من الغش كعضو في مقاولة من يقوم بفعل معزول(38).
- أعـضاء مقاولة الغش: يعتبر أي عضو في مقاولة الغش مستفيدا من الغش الذي ترتكبه المقاولة دون أن تـكون إدارة الـجمارك بـحاجة إلى إثبات مشاركته الشخصية، غير أنه قضت محكمة النقض الـفرنسية بتاريخ 08 أكتوبر 1958، بـأنهم لا يعدون مستفيدين من الـغش الأشخاص اللذين ضبطوا داخل سيارة تحمل بضائع محل غش، إذا ثبت أنهم ركبوا فيها بصفتهم مستأجرين ليس إلا، و أنهم يجهلون إن كانت تحمل بضائع محل غش كما و اعترف السائق بأنه الـمسؤول الوحيد عن الغش(39).
- الممول: و في هذا الصدد قضي بأن مجرد دفع مبلغ من المال لتيسير ارتكاب جريمة جمركية من طـرف الغير، يشكل استفادة من الغش دون أن تكون الإدارة بحاجة إلى إثبات المشاركة الشخصية للمتهم في ارتكاب هذه الجريمة إذ يكفي لها أن تبين مصلحته المباشرة و الشخصية في ارتكابها(40).
- مالك البضائع محل الغش: و يعد مستفيدا من الغش بصفته هذه من غير حاجة إلى إثبات مشاركته في الـغش، و يجب إثبات صفة المالك عند بدء عملية الغش فلا تقوم هذه القرينة لمن حول قبل ذلك الملكية للغير، و لا لمن تلقاها بعد ارتكاب الجريمة الرئيسية غير أن هذا الأخـير يمكن أن يتهم كمشتر.
- المؤمنون و المؤمن لهم : لقد اعتبرت محكمة النقض بتاريخ 28 ماي 1928 هذه العقود مشروعة رغم مخالفتها للنظام العام حينما يكون محلها ضمان عمليات غـش ترتكب في الخارج، ويقصد بهذه الحالة ؛ وجود عقد تأمين يضمن بمقتضاه المؤمن دفع تعويض في حالة إخفاق عملية الغش و هي لا تخرج عن عقود التأمين البحري التي تضمن مقابل مبالغ مرتفعة أخطارا خاصة(41).
-------------------------------------- ----------------------------
(38)- عبد المجيد زعلاني- المرجع السابق- ص 84.
(39)- احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص 409.
40)- crim 09 nov 1944 . doc. Cont N 736.)
- نقلا عن احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص 409.
- كما يكيف استفادة مباشرة من الغش تقديم الوسائل المادية لمرتكبيه لأنه يحقق فعالية أكثر في العقاب باعتبار أن هذا التكييف يصح و لو تعلق الأمر بتدخل لاحق للممول الذي يعاقب في هذه الحالة على كل عمليات الغش بما فيها العمليات التي تمت قبل ذلك و حتى إذا لم يتم أي فعل غش بعد تحقق عملية التمويل و هذا ما لا يسمح به اشتراك القواعد العامة .
- crim 27 juillet 1944 . doc . cont N 732 .(41)
نقلا عن عبد المجيد زعلاني – المرجع السابق – ص 87 .
الــفرع الثــاني: الاستفادة غير المـباشرة مـن الـغش
و تتمثل هده الصورة أساسا في التعاون في تنفيذ مخطط الغش، و كذلك في الأعمال اللاحقة لتنفيذ الغش.
أولا: التعاون في تنفيذ مخطط الغش
إذ يعتبر في مفهوم المادة 399 ق ج ف مستفيدين من الغش الأشخاص الذين يتعاونون في أعمال تـقوم بها مجموعة من الأفراد، يعملون بتدبير حسب مخطط مضبوط لضمان الوصول إلى النتيجة التي يسعى إليها الجميع(42)، و من شروط قيام التعاون:
- أن يكون هذا العمل قد تم بين البدء في التنفيذ و إنجاز مخطط الغش.
- أن يكون مرتبطا بمخطط الغش و من أجل ضمان نجاح المخطط ، سواء بصورة مـباشرة أو غير مباشرة و لا يهم أن يكون المستفيد من الغش على علم بالمخطط أو أن يكون هذا المخطط قد تم إنجازه، و هذا ما قضت به محكمة النقض الفرنسية في 26 فيفري1963.
- أن يشكل تعاونا في أعمال مقاولة الغش أو مجموعة أشخاص يمتهنون الغش.
و المقصود بمخطط الغش حسب كلود بار أن بدايته تتوافق مع بدء الأعمال التنفيذية التي ترمي مباشرة إلى الحصول على النتيجة المبتغاة من قبل منفذي الغش و يمكن اعتباره بمثابة الشروع في التـهريب ، أما عن نهاية المخطط و التي يفترض أن تنتهي بتحقق النتيجة الإجرامية و هي وصول السلع إلى وجهتها الأخيرة.
و في ظل هذا الاتجاه التقليدي يمكن للإدارة فقط أن تثبت أن المعني ينتمي إلى مقاولة الغش حتى تثبت في جانبه مساهمته في الجريمة الجمركية.
غير أن القضاء حديثا تخلى عن هذا الموقف ليتبنى قاعدة مفادها ضرورة إثبات عمل مساهمة مادي صادر عن المتهم بجنحة الاستفادة من الغش(43)، هذا ما قضت به محكمة النقض الفـرنسية بتاريخ 18 مارس 1985 في قضية تصدير غير قانوني لموارد إستراتيجية، قضت بأن العمل المادي المتهم به الشخص المتابع كمستفيد من غش ارتكبه الغير يثبت بإظهار تعاون ما من طـرف هذا الشخص في أعمال الغش التي قام بها هذا الأخير، و ليس بمجرد مـساهمة المعني في مرحلة سابقة للعمل المجرم هي في ذاتها قـانونية و قابلة للفصل عن المرحلة النهائية المعلنة غير شرعية.
و لقد اعتبر القضاء أعمالا مساعدة ؛ وضـع منزل تحت تصرف المهربين، استكشاف الطريق التدليل عن الطريق، قيادة سيارة المهربين.
لـكن الاستفادة غير المـباشرة تتعدى هذه المحطة ، لتـشمل المستقبل النهائي للبضائع و هو الحائز أو المشتري كما سنرى لاحقا.
------------------------------
(42)- احسن بوسقيعة- المرجع أعلاه- ص 410.
(43)- عبد المجيد زعلاني- المرجع السابق- ص 92.
ثــانيا: الأعمال اللاحــقة عـن الــغش
و تنقسم بدورها إلى أعمال المساعدة اللاحقة و اقتناء بضائع الغش.
1- المساعدة اللاحــقة:
و في هذه الحالة يشترط سوء النية ليكيف فاعلها على أساس أنه مستفيد من الغش، و هذا طبقا للتعديـلات الجديدة لقانون الجمارك الفرنسي، أي يجب تـوافر القصد و هو الإرادة و العلم، و هذا يعتبر استثناء من القواعد العامة التي تعتد بالقصد فقط في الأعمال السابـقة أو المعاصرة لارتكاب الجريمة.
و على هذا الأساس قضت محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 16 فيفري 1950 باعتبارها استفادة من الغش؛ تغطية وكيل معتمد لدى الجمارك لتصريح كاذب خلال عمليات التحقيق الجمركية كذلك قبول عون جمركي لبيانات كاذبة مع علمه بذلك دون أن يضبط المخالفين.
و بصفة عامة يعتبر مستفيدا من الـغش و يعاقب على هذا الأساس؛ كـل من قدم عن دراية لمرتكبي الجنح الجمركية مساعدة قصد ضمان عدم عقابهم ؛ خاصة بتسهيل تهربهم من عمليات الـبحث و التحري التي تقوم بها إدارة الـجمارك و ذلك بإخفاء أدلة إثبات الجنح أو بتعطيل عمل العدالة؛ بتقديم معلومات أو وثائق أو شهادات خاطئة(44).
2- اقـتناء بــضائع الـغش:
يـعتبر قانون الجمارك كمستفيد؛ كل مـن يشتري أو يحوز بضائع الغش مع علمه بمصدرها و هذا بغرض حصار مخططات الغش بردع المشترين المحتملين لبضائع الغش و منع المهربين من تسريب بضائعهم(45)، و هذا الحكم يطبق فقط إذا تعلق الأمر ببضائع مهربة و يكون الشراء عن دراية.
فقد قضي في فرنسا بأن شراء بضائع من الخارج مصدرة عن طريق التهريب يعد فعلا مكونا للاستفادة من الغش متى ثبت أن الشراء تم عن دراية ، و أن يكون للشاري سبق المعرفة بالمصدر غير الشرعي للبضائع، و قضي كذلك أنه لا يكفي أن تكون البـضائع محل الإخفاء ناتجة عن جنحـة من القانون العام بل يجب أن يكون مـصدرها تهريبا أو استيراد بدون تصريح(46).
-----------------------------------------------------------------------------
F.DURAND.j.cl. pénal annex N 195 (44)-
- نقلا عن عبد المجيد زعلاني- المرجع أعلاه- ص 95.
(45)- يوسف ابرادشة- المرجع السابق- ص 19.
crim 30 oct 1965.doc.cont N 1477 (46)
-نقلا عن احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص408
المبحــث الثــاني المــستفيد من الغــش في الجــزائر
صدر أول قانون للجمارك بتاريخ 21 جويلية 1979 بمقتضى القانون رقم 79/07 الذي عدل و تمم بموجب القانون رقم 98/10 المؤرخ في 22 أوت 1998 و على هذا الأساس ستكون دراستنا لنظرية المستفيد من الغش عبر مراحل مختلفة في الزمن أخذا بتاريخ صدور قانون 1998 كمعيار للتقسيم.
المـطلب الأول الـمستفيد من الغـش قـبل سـنة 1998
و نقسمها إلى المستفيد من الغش قبل صدور قانون 79/10 في فرع أول ثم بعد صدوره في فرع ثان.
الفـرع الأول المستفيد من الغش قبل قانون 1979
بقيت النصوص الفرنسية سارية المفعول بموجب القانون رقم 62/157 المؤرخ في 31 ديسمبر 1962 المتضمن تمـديد العمل بالنصوص المعمول بها إلى غاية صدور قوانين جـزائرية ، هذا القانون الملغى بالأمر رقم 73/29 المؤرخ في 05 جويلية 1973 و يسري هذا الإلغاء بداية من تاريخ 05 جويلية 1975 بصدور قوانين جزائرية أي بعد سنتين و هذا ما كان فعلا.
غير أن قانون الجمارك لم يصدر إلا بتاريخ 21 جويلية 1979 بمعنى أنه ساد فراغ تشريعي طيلة مدة تقارب الأربع سنوات ، و التي طرحت إشكالات في القانون الـواجب التـطبيق.
و في هذا المضمار صدر قرار عن المجلس الأعلى- المحكمة العليا حاليا- الغرفة الجنائية الثانية القسم الثاني بتاريخ 30 أفريل 1981 ملف رقم 24730 في طعن قدمته إدارة الجمارك في قضية (جمارك ورقلة) ضد (ت ص) عن الوجه الوحيد المأخوذ من خـرق الأمر رقم 73/29 الصادر بتاريخ 05 جويلية 1973 لكونه يتضمن تحفظا بشأن تطبيقه – المادة 03 من الأمر - و بانعدام صدور هذه التعليمات يـظل قانون الجمارك القديم ساري المفعول، حين ارتكاب المخالفة الجمركية المعاقب عليها و بالفعل لا يزال هذا القانون مطبقا لعدم صدور التعليمة الرئاسية الوارد ذكرها في المادة 03 من الأمر ؛ إذ أن نشر قانون الجمارك الجديد بالجريدة الرسمية كان بتاريخ 21/07/1979.
مما يستتبع أن تصريح مجلس قضاء ورقلة بأن قانون الجمارك القديم كان ملغى حين ارتكاب الوقائع المؤاخذ عليها في 19/04/1979 و كان بذلك خارقا للقانون(47).
و عليه فإن أحكام القانون الفرنسي ظلت مطبقة إلى غاية صدور قانون الجمارك بتاريخ 21/07/1979 و بالتالي يصلح على هذه الفترة الزمنية كل ما قيل في المبحث السابق، و عليه ستقتصر دراستنا على الفترة الممتدة من هذا التاريخ إلى غاية تعديله سنة 1998 في الفرع الثاني كالآتي:
--------------------------------------
(47)- عمرو شوقي جبارة- A PROPS DU VIDE JURIDIQUE - المدرسة العليا للقضاء- المرجع السابق.
الفــرع الثاني: الاستفادة من الغش في ظل قانون 79/07
المــؤرخ في 21 جويــلية 1979
لقد ورد مفهوم المستفيد من الغش تحت عنوان الشركاء في الغش و المستفيدون منه، فبالنسبة للشريك فبمقتضى المادة 309 ق ج قبل إلغائها التي تنص على أنه تطبق أحكام المادتين 42 و 43 من قانون العقوبات على الشركاء في ارتكاب أي مخالفة جمركية، و في هذا الإطار يصلح كل ما قيل في الفصل التمهيدي عند التكلم عن الاشتراك.
لكن يثور التساؤل حول صياغة المادة بهذه الكيفية " على الشركاء في ارتكاب أي مخالفة جمركية " لأن في القواعد العامة لا اشتراك في المخالفة، و هذا ما يجعل النص متناقض في روحه.
أم أن قصد المشرع بالمخالفة يعني به الجريمة الجمركية على إطلاقها؛ الجنح و المخالفات، أم أنه أفرد المخالفة الجمركية بالطابع المـميز لقانون الجمارك فيطبق عليها أحكام الاشتراك، أما الجنح فيطبق عليها أحكام المستفيد من الغش و المتميز بعموميته ؟.
و ربما هذا ما أدى بالمشرع إلى إلغاء هذه المادة بموجب القانون 98/10 المؤرخ في 22/08/1998 لتفادي فتح النقاش في هذه المسألة، لأن القضاء الفرنسي قضى باستبعاد معاقبة الشريك عندما تكتسي الجريمة الجمركية طابع المخالفة(48).
غير أن ما ذهبت إليه محكمة النقض منتقد لسببين(49) :
من باب القانون تختلف المخالفة الجمركية عن المخالفة في قانون العقوبات من حيث الطبيعة؛ إذ تكتسي المخالفة في قانون الجمارك طابعا جبائيا يختلط فيه الجزاء بالتعويض؛ و تشمل الغرامة أو المصادرة أو قيمة الحقوق و الرسوم مضاعفة أو بالغرامة و المصادرة معا حسب المواد من 319 إلى 323، و من ثمة يصعب تسويتها بالمـخالفة في قانون العقوبات التي تكتسي طابعا جبائيا محضا ، و تكون العقوبة فيها إما الغرامة أو الحبس أو كليهما.
و من باب الملائمة فإن التكييف السائد للجرائم الجمركية يشمل المخالفات، و بتطبيق القواعد العامة للاشتراك في المخالفة يؤدي حتما إلى إفلات نسبة معتبرة من المجرمين من الجزاء الجمركي مما يؤثر سلبا على الخزينة العامة.
أما بخصوص المستفيد من الغش فنقسم دراسته بالتطرق إلى الاستفادة المباشرة ثم إلى الأعمال اللاحقة على الغش في النقطتين التاليتين بشئ من التفصيل.
------------------------------------------------------------------
(48)- crim 14 avril 1982 bull. crim, N 87
- نقلا عن احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص 405.
(49)- احسن بوسقيعة- نفس المصدر أعلاه.
أولا: الإستــفادة المـباشرة من الغـش في قانون 1979
تنص المادة 310/1 ق ج 79/07 على أنه يعتبر في مفهوم هذا القانون مستفيدين من الغش الذين شاركوا بصفة ما في جنحة أو جنحة إستيراد أو تصدير بدون تصريح و الذين يستفيدون مباشرة من هذا الغش.
أ- فيما يخص أعمال التهريب فسيأتي عنها تفصيل موجز لاحقا نظرا للتعديلات التي طرأت عليها بموجب قانون سنة 1998 و كذلك الأمر رقم 05/06 المؤرخ في 23 أوت 2005 المتعلق بمكافحة التهريب ، و عليه سنـقتصر بإيجاز على أعمال الإستيراد أو التصدير بدون تصريح في ظل القانونين 79/07 و 98/10 (50) ،كونها ملغاة من أحكام المادة 310 المتعلقة بالإستفادة من الغش الفعلية أو المباشرة بموجب قانون الجمارك لسنة 1998 كما تخلى عن هذا المصطلح و استبدل بالمخافات التي تضبط في المكاتب كما يلي:
و هو ذلك الإستيراد أو التـصدير الذي يتم عن طريق مكاتب جمركية بدون تصريح مفصل و هـذا التعريف يبقى صالحا في ظل القانون الجديد مع إضافة المراكز للمكاتب؛ إذ يقع على عاتق كـل مستورد أو مصدر أن يمر بمكتب جمركي و أن يصرح بالبضاعة، و انعدام التصريح المفصل يعد الصورة المثلى للمخالفات التي تضبط في المكاتب و هذا ما نصت عليه المادة 330 من قانون الجمارك لسنة 1979، و لتحقق هذا الفعل يجب توافر شرطين:
1- المرور ببضاعة على مكاتب جمركية.
2- عدم التصريح بالبضاعة؛ الذي يأخذ عدة أشكال و هي:
- التصريح بالنفي
- إخفاء البضائع عن تفتيش أعوان الجمارك و الذي كان يشكل تهريبا في ظل قانون 1979.
- الإنقاص من البضائع الموجودة تحت مراقبة الجمارك م 325/1 من قانون 1998.
- عدم التصريح بالبضائع المحظورة في بيانات الشحن و عدم ذكرها في وثائق النقل، عندما تكتشف هذه البضائع على متن السفن و المركبات الجوية الموجودة في حدود الموانئ و المطارات التجارية م 325/2.
- مخالفة أحكام المادة 21 ق ج؛ فإذا كان الفعل يتعلق ببضاعة محظورة حظرا مطلقا تقوم الجريمة بمجرد استيراد أو تصدير هذه البضاعة في حين لا تقوم الجريمة عندما يتعلق الأمر ببضاعة محظورة حظرا جزئيا؛ في حالة ما إذا رفعت القيود المضروبة عليها بصفة مشروعـة ، أما إذا كانت البضاعة المحظورة عند الجـمركة فتقوم الجريمة ؛ إذا لم تكن هذه البضاعة مصحوبة برخصة أو شهادة أو أي سند قانوني أو كان السند المقدم غير قابل للتطبيق أو إذا لم تتم الإجراءات الخاصة بالجمركة بصفة قانونية، كما ويمنع إعارة هذه الرخص أو التنازل عنها و يعد الإستيراد المخالف لهذا المنع؛ بدون تصريح(51).
- شحن أو تفريغ البضائع المصرح بها قانونا بدون ترخيص إدارة الجمارك م 325/7.
-------------------------------
(50)- لمزيد من التفصيل- أنظر احسن بوسقيعة – المنازعات الجمركية- المرجع السابق- الباب الأول- الفصل الأول- المبحث الثاني و الثالث- ص من93 إلى 121.
(51)- احسن بوسقيعة – المرجع أعلاه- ص 102-103.
- بيع أو شراء وسائل النقل من أصل أجنبي بطريقة غير شرعية و وضع لوحات ترقيم مخالفة للتنظيم.
تحويل البضائع عن مقصدها الإمتيازي.
أما الاستيراد أو التصدير بتصريح مزور فيأخذ عدة أشكال كالآتي:
- الحصول على إحدى السندات المنصوص عليها في المادة 21 ق ج أو محاولة الحصول إليها عن طريق التزوير.325/3.
- التصريح المزور قصد التغاضي من تدابير الحظر 325/4.
- التصريح المزور من حيث النوع و القيمة و المنشأ أو من حيث تعيين المرسل إليه الحقيقي.
- التصريح المزور أو المحاولة الرامية إلى استرداد أو إعفاء أو رسم مخفض أو أي امتياز آخر يتعلق بالاستيراد أو التصدير.
أما عن الأعمال الشبيهة بالإستيراد أو التصدير بدون تصريح فهي:
- عدم تقديم التصريحات و بيانات الحمولة م 319/ب.
- المخالفات المرتكبة بمناسبة نقل البضائع الموضوعة في نظام العبور ؛ كعدم احترام المسالك و الأوقات المحددة أو استبدال البضائع أثناء نقلها، و هذه الأفعال كانت تشكل تهريبا بموجب قانون 1979 في المادة 327-د قبل تعديلها.
- بعض المخالفات المتعلقة ببضائع محظورة عند الجمركة أو خاضعة لرسم مرتفع.
و هناك أعمال شبيهة بالاستيراد أو التصدير بتصريح مزور في المواد 319 إلى 322 ق 1998 :
- السهو أو عدم الصحة الذي يرد في محتوى التصريحات.
- النقص في التصريحات الموجزة و في بيانات الشحن و كذا الاختلاف في نوعية البضائع المقيدة فيها و النقص غير المبرر في الطرود.
- تقديم عدة رزم أو طرود مغلقة كوحدة في التصريحات الموجزة.
- التصريحات المزيفة من حيث نوع البضائع أو قيمتها أو منشئها أو من حيث تعيين المرسل إليه الحقيقي.
ب- فيما يخص مضمون النص ؛ فـقد تميز بالعمومية و يخلـو من التفصيل الذي جاءت به المادة 399 ق ج ف خاصة فيما يتعلق بالاستفادة المفترضة؛ اعتبارا لصفة أو وظيفة بعض الأشخاص .
غير أن هذه التفصيلات قد تحتويها المادة 310 نظرا لمرونتها ، و بالتالي يفتح المجال أمام إدارة الجمارك لمتابعة أي شخص يحتمل مساهمته في ارتكاب الغش؛ خاصة و أن الصياغة التي جاء بها المشرع - الذين شاركوا بصفة ما في جنحة أو جنحة إستيراد أو تصدير بدون تصريح، و الذين يستفيدون مـباشرة من هذا الغش- تفتح المجال أمام التفسيرات المختلفة للقضاء فيما يخص أعمال المساهمة و صفة الأشخاص المستفيدين من الغش .
أما فعل المـساهمة فيجب أن يكون مثبت و أن يكون فعال في تنفيذ الغش، بغض النظر عن كيفيته؛ سواء بالتدخل المـعنوي كالتحريض(52)، أو التدخل المادي؛ بإتـيان الأفعال المساعدة على إتمام عملية الغش شريطة أن تتحقق استفادة مباشرة جراء هذه المساهمة؛ سواء تجسدت في مصلحة مالية أو معنوية كالمجاملة.
أما صفة الأشخاص المستفيدين من الغش فتختلف بـاختلاف مركزهم القانوني إزاء الوقائع المساهم فيها؛ كالمسؤولية الشخصية للمصرح عن إرتكاب المخالفة و مسؤولية صاحب البضاعة كمستتفيد من الغش دونما حاجة إلى إثبات مساهمته في ارتكاب الغش لأن هذه مفترضة في حقه لأنه الممول للمشروع و المستفيد منه بالدرجة الأولى، و في هذا الصدد قضت
المحكمة العليا في قـرار لها بتاريخ 23/06/1995 أنه كان على المجلس القضائي التمسك بمسؤولية القائم بالعبور ؛ المصرح
المسؤول عن المخالفات المعاينة في التصريح طبقا لنص المادة 306 ق ج و بمسؤولية صاحب البضائع بصفته المـستفيد من الغش و ذلك تطبيقا لنص المـادة 310 ق ج، و في نفس السياق في قرار بتاريخ 17/12/1995 أنه كان على المجلس أن ينطق بمسؤولية المصرح لدى الجمارك بصفته مصرحا و كذا صاحب البضاعة بصفته مستفيدا من الغش وفق م 310 (53).
و لعل المحكمة العليا هنا أخذت بالاستفادة المباشرة المفترضة في صاحب البضاعة؛ إقتداء بالتشريع و القضاء الفرنسيين و أخذا كذلك بالمفاهيم الأخرى كمقاولات الغش و مخطط الغش، هذا ما يؤكد لجوء القضاء إلى التفسيرات التي جاء بها الفقه الفرنسي نظرا لعمومية و غموض المادة 310 ق ج و ما يؤكد ذلك الأمثلة التالية:
1- أمثلة عن الإستفادة من الغش في جنح التهريب:
جاء قرار بتاريخ 07/07/1987 ملف رقم 42953 أنه إذا كان الغش لا ينحصر في عمل واحد للتهريب فإنه يشمل عدة أفـعال تعرض أشخاص عديدين للمسؤولية ؛ إذ أن كل مشاركة على أي مستوى كان في مخطط الغش و بأية وسيلة كانت تعطي وصفا للمخالفة حسب المادة 310 ق ج(54).
كذلك في قـرار للمحكمة العليا بتاريخ 12/03/1990 ملف رقم 60152 أنه عندما لم يكن هناك فعل واحد للتهريب و إنما مؤسسة تهريب حقيقية ، يعد كل عنصر من هذه المؤسسة مسؤولا عن مجموع وقائع التهريب التي ارتكبتها الجماعة ؛ سواء كان فاعلا أو شريكا من دون أن يستوجب على إدارة الجمارك إثبات مسؤولية الشخص في كل واقعة طبقا لقاعدة ثابتة؛ أنه يعد جميع أعضاء منظمة التهريب مشاركين برمتهم في عملية التهريب(55).
------------------------------------
(52)- يعتبر المحرض طبقا للقواعد العامة فاعلا أصليا طبقا للمادة 41 من قانون العقوبات- أنظر الصفحة 04 – من الفصل التمهيدي
(53)- احسن بوسقيعة- التشريع الجمركي مدعم بالإجتهاد القضائي- الديوان الوطني للأشغال التربوية- الطبعة الثانية-2001- ص96.
(54)- عبد المجيد زعلاني- المرجع السابق- ص 89.
(55)- يوسف ابرادشة- المرجع السابق- ص 19.
2-أمثلة عن الإستفادة من الغش في جنح الاستيراد أو التصدير بدون تصريح:
سنعرض في هذا الصدد قرار للمحكمة العليا موجزين الوقائع و التسبيب ثم نبدي ملاحظات بشأنه كدليل على غموض مفهوم المستفيد من الغش.
ملف رقم 268482 بتاريخ 07/01/2003 (56)
قضية إدارة الجمارك ضد (ي ط) و ( النيابة العامة)
الموضوع: تهريب- مستفيد- مسؤول عن الغش- نعم.
المــبدأ : يعتبر مستفيدا من الغش كل شخص يشارك بصفة ما في التهريب و يستفيد مباشرة منه.
فصلا في الطعن بالنقض المؤرخ في 31/01/2000 الذي تقدم به الطرف المدني إدارة الجمارك، ضد القرار الصادر بتاريخ 30/01/2000 عن الغرفة الجزائية بمـجلس قضاء أم البواقي القاضي ببراءة المدعو (ي ط) مـن تهمة الإستيراد بدون تصريح حسب المواد 330/6-9 و المادة 324 من قانون الجمارك 79/07 مع مصادرة السيارة.
عن الوجه الوحيد المأخوذ من خرق القانون م 500/7 ق إ ج المقدم من قبل إدارة الجمارك.
إن المتهم يعترف أمام المحكمة بأنه اشترى السيارة محل النزاع من عند المدعو (ز م) بموجب عقد توثيقي، إن شراء سيارة
غير مجمركة و مرقمة في الخارج دخلت الإقليم الجمركي تحت نظام الدخول المؤقت؛ يعتبر مخالفة للقانون و يعتبر حائز هذه السيارة شريكا في التهريب طبقا لنص المادة 310 من ق ج التي تنص بأنه يعتبر مستفيدا من الغش؛ الأشخاص الذين شاركوا بصفة ما في جنحة تهريب و الذين يستفيدون مباشرة من هذا الغش، و المـتهم بشرائه للسيارة محل النزاع على الحالة التي هي عليها يكون حسب القانون شريكا في الغش نظرا لاستفادته المباشرة من هذا الغش، إضافة إلى ذلك أن المتهم ضبط و هو يقود السيارة محل الغش و المادة 303 ق ج تعتبر الحائز للبضاعة مسؤولا عن الغش و أن القضاء بخلاف ذلك يعد خرقا للقانون يتعين معه النقض.
فيما يخص تأسيس المحكمة العليا:
حيث حسب الملف فإنه بتاريخ 12/02/1998 تم إيقاف المدعى عليه من قبل رجال الدرك الوطني و هو يقود سيارة من نوع بيجو 205 المرقمة تحـت رقم تسجيل أجنبي ، كما تبين أن شهادة العبور من الجمارك لتلك السيارة المؤرخة في 31 أوت 1997 قد إنقضت مدة صلاحياتها منذ 30/09/1997.
------------------------------------
(56)- قرار المحكمة العليا- الغرفة الجزائية- العدد 2/2003- ص 364-365-366.
حيث زيادة على ذلك فإنه تبين من الخبرة القضائية أن سنة أول استعمال تلك السيارة هي سنة 1987 و ليس سنة 1994
كما هو مثبت من بطاقتها الرمادية و مثل هـذا الفعل يدخل تحت طائلة أحكام المادة 330/6-9 من قانون الجمارك و يعاقب عليها بالمادة 324 من هذا القانون ، و حـيث أن المدعى عليه ضـبط على متن السيارة عين النزاع تطبق عليه أحكام م 303.
حيث أنه بالنظر لكل ما سبق فإن المجلس تجاهل التشريع الجمركي و أخطأ في تطبيقه مما يجعل الوجه في محله و يترتب عنه النقض في الدعوى الجبائية.
و الملاحظ على هذا القرار أنه:
1- جاء في المبدأ أنه يعتبر مستفيدا من الغش ؛ كـل شخص يشارك بصفة ما في التهريب و يستفيد مباشرة منه و هذا يتناقض و قضية الحال المتعلقة باستيراد بدون تصريح و ليس بالتهريب.
و ما يؤكد ملاحظتنا ما استقر عليه قضاء المحكمة العليا في قضايا مشابهة بقيام الاستيراد بدون تصريح في حق مواطن جزائري اشترى سيارة استوردها أجنبي تحت قيد النظام السياحي، و قد سلمت له لهذا الغرض بطاقة سياحية قصد العبور بالتراب الوطني صـالحة لمدة ثمانية أيام يستوجب عند انقضائها تصدير السيارة ، غـير أن المستورد أخل بتعهده و تنازل عن السيارة للمواطن الجزائري الذي شرع في استعمالها في نشاطه التجاري(57).
و قضت كذلك بقيام فعل الاستيراد بدون تصريح في حق من يستورد سيارة من أصل أجنبي و يضع عليها لوحة ترقيم من شأنها أن توهم بأنها قد سجلت بصفة قانونية بالجزائر دون القيام بالإجراءات القانونية للجمركة(58).
2- العبارة الواردة في المبدأ ؛ مستـوحاة من المادة 310 ق ج المعدلة سنة 1998 في حين أن المادة المطبقة هي المادة 310 قبل تعديلها بما أن الوقائع يعود تاريخها إلى 12/02/1998 أي قبل صدور قانون الجـمارك الجديد ، و ما الجدوى من إيـراد هذا
المبدأ عن المستفيد من الغش في حين أن الإدانة كانت على أساس مسؤولية الحائز طبقا للمادة 303 ق ج.
3- عن الوجه الذي أثارته إدارة الجمارك و الذي جاء كالتالي " إن شراء سيارة غير مجمركة و مرقمة في الخارج دخلت الإقليم الجزائري تحت نظام الدخول المؤقت يعتبر مخافة للقانون و يعتبر حائز هذه السيارة شريكا في التهريب طبقا لنص المادة 310 من قانون الجمارك و التي تنص بـأنه يعتبر مستفيدا من الغش ؛ الأشخاص الذيـن شاركوا بصفة ما في جنحة التهريب و الذين يستفيدون مباشرة منه.
و الملاحظة المبـداة هي نفسها الأولى أي الخـطأ في الوصف القانوني ، لأن الفعل ليس تهريبا و إنما استيراد بدون تصريح و المادة المؤسس عليها الوجه هي المعدلة سنة 1998 رغم أن الوقائع ارتكبت و ضبطت قبل تعديلها.
----------------------------
(57)- ملف رقم 122170 قرار 04/12/1994 .
- احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية – المرجع السابق- ص 105.
(58)- ملف رقم 142256 قرار 17/03/1997 ، ملف رقم 143766 قرار 14/04/1997 - المرجع أعلاه- ص 104.
4- تضيف إدارة الجمارك أن المتهم ضبط و هو يقود السيارة محل الغش و المادة 303 تعتبر الحائز للبضاعة مسؤولا عن الغش فهل إضافة هذا الوجـه يعني أن الإدارة لا تثق في فعالـية المتابعة على أساس الاستفادة من الغش ؟ و هذا ما كان عليه موقف المحكمة العليا التي نقضت القرار على أساس مسؤولية الحائز وفقا للمادة 303 ، فرغم حداثة القرار نوعا ما فإن مفهوم المستفيد من الغش لا يزال غريبا عن القضاء الجزائري.
ثــانيا : الأعـمال اللاحـقة على الـغش
تنص المادة 311 ق ج 79/07 المؤرخ في 21/07/1979 على حالات ثلاث يعد فيها الشخص مستفيدا من الغش(59).
1- محاولة منح مرتكبي المخالفة إمكانية الإفلات من العقاب عن دراية ، على غرار قانون الجمارك الفرنسي الذي يتحدث في هذا المجال عن تغطية تصرفات مرتكبي الغش و لا يذكر المحاولة ، و يشترط لذلك أن يقوم الفاعل بسلوك إيجابي يتمثل في البدء في التنفيذ و أن يكون الغرض من هذا السلوك؛ منح مرتكبي الغش إمكانية الإفلات من العقاب بصرف النظر عن تحقق النتيجة و أن يكون هذا السلوك عن دراية.
2- حيازة بضائع مهربة بمكان ما عن دراية ، و يشترط القانون لذلك فقط أن تكون البضائع مهربة و لم يتحدث عن البضائع التي تكون محل استيراد أو تصدير بدون تصريح، و المقصود بالحيازة هنا ليست الحيازة الكاملة التي لا تتحقق إلا بتوافر السيطرة المادية على الشئ و الظهور عليها مظهر المالك أو صاحب الحق ؛ و إنما مجرد الإحراز الذي يتحقق بالاستيلاء المادي على الشئ.
3- شراء بضائع مهربة عن دراية ، و يشترط القانون لذلك أن يتم شراء البضاعة و أن تكون هذه الأخيرة مهربة.
هذا كقاعدة عامة ؛ بأن الاستفادة من الغش لا تكون إلا في الجنح الجمركية أما الاستثناء فقد جاءت به م 312 ق ج على أنه في حالة عدم توفر عنصر الدرايـة يعاقب الأشخاص الذيـن اشتروا أو حازوا بضائع مستوردة عن طريق التهريب أو بدون التصريح بها بكمية تفوق احتياجاتهم العائلية بالعقوبات المقررة للمخالفات من الصنف الثاني للفئة الثانية.
أ- الأعــمال اللاحــقة عن قــصد:
تنص المادة 311 على أنه يعتبر مستفيدين من المخالفة الأشخاص الذين حاولوا عن دراية منح مرتكبي المخالفات إمكانية الإفلات من العقاب و الذين حازوا بمكان ما بضائع مهربة أو اشتروها.
و الملاحظة الأولى على صياغة هذا النص؛ وجود عبارة مرتكبي المخالفات و التي تتميز بعدم الدقة فقد يفهم منها المخالفة كوصف قانوني للجريمة الجمركية في حين المقصود بها هو الجـرائم الجمركية عامة بل الجنح خاصـة ، بدليل أن المادة 311 لها ارتباط بالمادة 310 بل هي استثناء عن الاستفادة بغير قصد؛ حينما يكون التدخل لاحقا عن الغش بإتيان أعمال تغطية المخالفين
----------------------------------------
(59)- احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص 407-408.
أما المادة 312 فهي بمثابة استثناء عن الاستثناء في التدخل اللاحق عن الغش كما سنرى لاحقا.
و يشترط لتحقق هذه الأعمال توافر ركنين:
1- الــركن المــادي: و ينقسم بدوره إلى عدة عناصر:
- يمكن أن يدخل تحت تكييف الاستفادة من الغش على أساس المساعدة المقدمة لاحقا لمرتكبه؛ كل عمل أيا كان يكون الغرض منه منح هذا الأخير إمكانية الإفلات من العقاب، كحيلولة شخص دون توقيف مرتكبي الغش، تغطية وكيل معتمد لدى الجمارك لتصريح كاذب خلال عمليات التحقيق الجمركية، معارضة حجز بضائع....إلخ (60).
- حيازة بضائع الغش في مكان ما أو شراؤها، و قد سبق التطرق إلى هذه النقطة.
2- الــركن الــمعنوي: و المتمثل في العلم و الإرادة و هـو ما اصطلح عليه المشرع بالدراية، و لعل هذه المادة تعتبر استثناء عن عدم مسامحة المخالف في الجريمة الجمركية استنادا على نيته، و عن قاعدة ضعف الركن المعنوي في قانون الجمارك.
إذن الأعمال اللاحقة يشترط لقيامها توافر القصد، لكن هذا ليس على إطلاقه بل أورد المشرع استثناء كالآتي.
ب- الأعــمال اللاحــقة بدون قــصد:
تنص المادة 312 ق ج على أن الأشخاص الذين اشتروا أو حازوا بضائع مستوردة عن طريق التهريب أو بدون التصريح بها بكمية تفوق احتياجاتهم العائلية يخضعون لعقوبات المخالفات من الصنف الثاني للفئة الثانية.
فالحيازة لبضائع الغش هنا قد تصطدم مع الحيازة التي تقع تحت طائلة المادة 303 و التي حسب مقتضاها يعتبر مسؤولا عن الغش ؛ كل شخص يحوز بضائع محل غش ، فيجب إذا ألا تنطوي الحيازة على أفعال معزولة بل في إطار مخطط الغش.
إن التجـريم في هذه المادة مرتبط أساسا بكمية البضاعة، فيجب ألا تفوق الاحتياجات العائلية ، فما هو الضابط أو المعيار للفصل بين ما يعد كمية مسموح أو ممنـوع بها و لمن يعود تقديرها ؟ هل لإدارة الجمارك أم للقضاء ؟ و هي مسألة موضوعية تعود لاختصاص القضاء حسب الوقائع.
فـإذا كانت المادة 225 مكرر ب من قانون 84-21 المؤرخ في 24/12/1984 المعـدل لقانون الجمـارك تنص على الحاجيات العادية للـحائز المخصصة لتموينه العائلي أو المهني و المقدرة عند الاقتضاء حسب الاستعمال المحلي، فإن صفة الحائز و حالته العائلية لها أهمية بمكان لأن حاجيات الأعـزب غير حاجيات المتزوج، و حاجيات العائلة الصغيرة غير حاجيات العائلة الكبيرة وز يؤخذ في الحسبان سن الأفراد و مركزهم الاجتماعي و معدل استهلاكهم المحلي(61).
و لعل العلة من وجود هذا النص هو توسيع دائرة المسؤولية؛ ففيما يعاقب المستفيد في جنحة بتدخله اللاحق مع إثبات القصد وفق م 311 ق ج تأتي المادة 312 لتعاقب المستفيد من المخالفة دون قصده ضمانا لحقوق الخزينة(62).
-------------------------------
(60)- عبد المجيد زعلاني- المرجع السابق – ص 95-96.
(61)- احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص 83.
(62)- و يذهب البعض إلى اعتبار المساهمة في هذه الحالة من نوع خاص تطبق في مجال المخالفات و تتميز عن الاستفادة من الغش و عن الاشتراك و هذا الرأي يجد سندا في القضاء الفرنسي الذي يعتبرها مساهمة خاصة بمقتضى م 400 ق ج ف – أنظر في هذا الصدد- عبد المجيد زعلاني- المرجع أعلاه- ص 99.
الــمطلب الثــاني: الاستفادة مـن الــغش بـعد 1998
بصـدور قانون الجمارك 98/10 المؤرخ في 22/08/1998 ألغـيت المادتين 309 و 311 و حذفت جنح الاستيراد أو التصدير بدون تصريح من مضمون المادة 310 و أبقي على جـنح التهريب، هذه الأخيرة ألغيت بمقتضى الأمر رقم 05/06 المؤرخ في 23 أوت 2005 المتعلق بمكافحة التهريب و عليه سنبرز أحكام المستفيد من الغش في ظل قانون 1998 ثم نرى مدى تأثير الأمر على مفهوم المستفيد من الغش كما يلي:
الفـرع الأول: الاستـفادة مـن الـغش في ظـل القانـون رقم 98/10
المــؤرخ في 22 أوت 1998
بصدور قانون الجمارك 98/10 المؤرخ في 22/08/1998 ورد مفهوم المستفيد من الغش تحت عنوان المستفيدون من الغش و ألغي مصطلح الشركاء بمعنى تخلي المشرع عن تطبيق القواعد العامة للاشتراك بإلغاء المادتين 309 و 311 و هذا راجع لعدة أسباب كما سنرى و بالتالي تأثر مضمون النظرية و عليه سنعرض أولا أسباب التعديل ثم مضمون النظرية كالآتي:
أولا- أسبــاب التــعديل:
جاء التعديل لتفادي الفراغات و الإشكالات المطروحة في القانون السابق و لعل من أهمها:
1- قصور قواعد الإشتراك:
و هذا يبرز من خلال:
- إلـغاء أحكام المادة 309 و بالتالي إزالة الشك فيما يخص تطبيق أحكام المستفيد من الغش في المخالفات الجمركية لأن في القواعد العامة لا اشتراك في المخالفة، زيادة على ذلك إعطاء السيادة لنظرية المستفيد من الغش في مجال الجرائم الجمركية تأكيدا لأصالة النظرية(63).
- تفادي فتح النقاش حول القصد الجنائي و بالتالي العودة إلى خاصية التشدد التي تطبع القانون الجمركي؛ باستبعاد عنصر العلم عن أعمال المساعدة اللاحقة بإلغاء المادة 311.
- خلق نظام عقابي خاص بقانون الجمارك.
- تميز مفهوم المستفيد من الغش عن الشريك لأن له دلالة أوسع من حيث الأفعال و أضيق من حيث القصد لذا فهو لا يحتويه بل منفصل عنه.
----------------------------
(63)- يوسف ابرادشة- المرجع السابق- ص 27.
2- شمـولية نـص المـادة 310:
بإلغاء المشرع لنص المادة 309 ق ج يعتبر تخلي عن اشتراك القواعد العامة باعتبار أن الأفعال المكونة للركن المادي للاشتراك تحتويه المادة 310 ق ج في صياغتها " شاركوا بصفة ما " و بالتالي يشمل المساعدة بكل الطرق أو معاونة الفاعل أو الفاعلين على ارتكاب الأفعال التحضيرية أو المسهلة أو المنفذة لها؛ المنصوص عليها في المادة 42 ق ع، و حتى الأفعال المنصوص عليها في المادة 43 ق ع و المتمثلة في الاعتياد على تقديم مسكن أو ملجأ أو مكانا للاجتماع......... و لعل الإحالة على هذه الأخيرة كان بغير جدوى لأن قائمة الأشرار محددة و لا يوجد من بينها الجرائم الجمركية ، هذه الأفعال يبدو أنها تدخل في إطار مخطط
الغش بالمعنى الفني للمصطلح رغم عدم وروده في صلب النص.
أما فيما يخص إلغاء المادة 311 فهذا يعني أن شطرها الأول المتمثل في الركن المادي أي محاولة منح مرتكبي المخالفات إمكانية الإفلات من العقاب و الذين حازوا بمكان ما بضائع مهربة أو اشتروها ؛ تدخل ضمنيا في المشاركة بصفة ما الواردة في م 310 ق ج ، أما شطرها الثاني المتعلق بالدراية فقد تخلى عنه المشرع صراحة ليتأكد القول أن المستفيد من الغش هو اشتتراك و لكن بدون قصد.
ثـانيا- مضــمون النــظرية:
لعل الإشكالات التي طرحت في ظل قانون 79/07 و التأويلات المترتبة عنها على مستوى القضاء و النقاش الدائر حول القصد الجنائي و الذي يحترمه القضاة بشدة ؛ أدى بالمشرع في المجال الجمركي و احتراما لخصوصياته و محاولة الاستقلال بنظامه و تميـزه عن القانون العام ؛ إلى إلغاء المادتين 309 و 311 و الإبـقاء على المادتين 310 و 312 .
و باستقـراء هاتين المادتين نستنتج أن الاستفادة المباشرة الفعلية مقتصرة على جنح التهريب، أما التدخل اللاحق يكون في المخالفات و الذي نعتبره بدورنا استفادة من الغش بحكم القانون كما سنرى.
1- الاستفـادة الفـعلية مـن الـغش:
تنص المادة 310 من قانون 98/10 المؤرخ في 22/08/1998 على أنه يعتبر في مفهوم هذا القانون مستفيدين من الغش الأشخاص الذين شاركوا بصفة ما في جنحة تهريب و الذين يستفيدون مباشرة منه ، و لينـجلي الغموض بخصوص هذا النص و للأهمية في تحديد المسؤولية وجب التطرق إلى المعاني التي يتضمنها ؛ بخصوص جنـحة التهريب و كذلك المشاركة بصفة ما و الاستفادة المباشرة من الغش.
1 - 1- جنــح التــهريب:
و عليه كان لابد من التطرق إلى أعمال التهريب ليستبين التكييف القانوني لجنح التهريب كما يلي:
1-1-1- صور أعمال التهريب(64) :
* التهريب الفعلي: و يستخلص من المادة 324 ق ج و يشمل:
- استيراد البضائع أو تصديرها خارج المكاتب الجمركية و هي الصورة المثلى.
- عدم إحضار البضائع أمام الجمارك عند الاستيراد أو التصدير.
- تفريغ و شحن البضائع غشا.
- الإنقاص من البضائع الموضوعة تحت نظام العبور.
* التهريب الحكمي: و هو مستوحى من المادة 324/2 ق ج باعتباره تهريبا خرق أحكام المواد 25-221-222-223-225-225مكرر-226 ق ج وتصنف إلى مجموعتين:
المجموعة الأولى: أعمال التهريب ذات الصلة بالنطاق الجمركي:
- تنقل البضائع الخاضعة لرخصة التنقل في المنطقة البرية من النطاق الجمركي (65) مخالفة لأحكام المواد 221-222-223-225 ق ج و تتعلق بتنقل بضائع معينة محددة قائمتها بموجب قرار وزاري مشترك بين الوزير المكلف بالمالية و وزيـر الداخلية المـؤرخ في 23/02/1999 .
هذه الرخصة تمنحها إدارة الجمارك داخل النطاق الجمركي أما إذا كانت وجهتها من الإقليم إلى النـطاق فيمكن أن تمنحها إدارة الضرائب ، و يجـب احترام البيانات الواردة فيها بخصوص كمية البضاعة و نوعها و المسلك و المدة كما أن القرار السابق الإشارة إليه يحدد حالات الإعفاء من الرخصة ؛ إما بـسبب كمية البضاعة أو بالنظر إلى مكان ضبطها أو لصفة الأشخاص الحائزين للبضاعة(66).
-------------------------------------
(64) – لمزيد من التفصيل أنظر احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص 44 و ما يليها.
(65)- و النطاق الجمركي كما حددته المادة 29 ق ج يشمل منطقة بحرية تتكون من المياه الإقليمية و المنطقة المتاخمة لها و المياه الداخلية ، و المنطقة البرية تمتد على الحدود البحرية للساحل إلى خط مرسوم على بعد 30 كلم و على الحدود البرية من حد الإقليم الجمركي إلى خط مرسوم على بعد 30 كلم منه و يمكن أن تمدد المنطقة البرية من 30 إلى 60 كلم و تمدد هذه المسافة إلى 400 كلم في ولايات تندوف و أدرار و تمنراست.
(66)- قرار وزاري مشترك بتاريخ 23 فبراير 1999- أنظر احسن بوسقيعة- التشريع الجمركي مدعم بالاجتهاد القضائي- المرجع السابق- ص 127.
- الحيازة في النطاق الجمركي لأغراض تجارية لبضائع محظور استيرادها (67) أو خاضعة لرسم مرتفع(68) و نقلها دون أن تكون مصحوبة بمستندات قانونية ، و كذلك الحيازة في النطاق الجمركي لبضـائع محظور تصديرها دون أن تكون مبررة بالحاجيات العادية للحائز، مع ملاحظة أنه يصعب التمييز بين البضائع المحظورة عند الاستيراد من تلك المحظورة عند التصدير.
المجموعة الثانية: أعمال التهريب ذات الصلة بالإقليم الجمركي (69):
- نقل البضائع الحساسة القابلة للتهريب المحددة بموجب قرار وزير المالية المؤرخ في 30 نوفمبر 1994 دون أن تكون مرفقة بوثائق قانونية(70).
- حيازة البضائع الحساسة القابلة للتهريب لأغراض تجارية بدون وثائق مثبتة.
1-1- 2 – الـوصف الـجنحي للتهريب :
يقسم قانون الجمارك الجنح الجمركية المتعلقة بأعمال التهريب إلى ثلاث درجات الثانية و الثالثة و الرابعة أما جنحة الدرجة الأولى فتتعلق بجنح المكاتب و هي كالتالي:
- جنحة الدرجة الثانية: وردت في المادة 326 ق ج و هي الجنحة الأصلية لأنها لا تتضمن ظروف التشديد و يجب لقيامها أن يكون الفعل؛ عملا من أعمال التهريب و أن تكون البضاعة محل الغش من البضائع المحظورة أو الخاضعة لرسم مرتفع.
- جنحة الدرجة الثالثة: وردت في المادة 327 ق ج و هي المرتكبة من قبل ثلاثة أشخاص فأكثر سواء حملوا كلهم البضاعة محل الغش أم لا و لا يؤخذ في الاعتبار لتحديد التعدد إلا الأفراد الذين ساهموا مساهمة شخصية و نشطة في ارتكاب الجنحة و ينطبق هذا المفهوم على كاشفي الطريق غير أنه لا ينطبق على المدبرين و المستفيدين من الغش في حالة غيابهم عن مكان ارتكاب الجنحة(71).
-----------------------------
(67)- البضائع المحظورة عند الاستيراد ثلاثة أنواع:
- حظر مطلق: و يشمل البضائع التي منع استيرادها بصفة قطعية كالمنتجات المادية المتضمنة علامات منشأ مزور أو التي منشؤها بلد محل مقاطعة تجارية كإسرائيل أو المنتجات الفكرية كالنشريات التي تتضمن مساسا بالأخلاق الإسلامية و للقيم الوطنية و حقوق الإنسان أو التي تدفع إلى العنف و الانحراف أو مخالفة الآداب العامة
- حظر جزئي: و يتعلق الأمر بالبضائع الموقوف استيرادها على ترخيص من السلطات المختصة كالأعتدة الحربية و المخدرات و تجهيزات الاتصال و الأملاك الثقافية و النشريات الدورية الأجنبية و أصناف الحيوانات و النباتات المهددة بالانقراض و المنظار بعيد المدى و صفائح التدريع و أدوات القياس.
- قيود عند الجمركة: و هي البضائع التي لم يحظر استيرادها و لا تصديرها بصفة صريحة غير أن جمركتها معلقة على تقديم سند أو رخصة أو شهادة أو إتمام إجراءات خاصة كالسيارات السباحية و النفعية المستوردة من قبل المجاهدين و كذلك المستوردة من قبل الخواص، الحيوانات و المواد الحيوانية أو ذات مصدر حيواني و المواد الزراعية الغذائية الخاضعة لرقابة المطابقة و كذا مواد التجميل و غيرها.
أنظر لمزيد من الإيضاح- احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص من 69 إلى 76.
(68)- المادة 5/ق من قانون الجمارك تعرفها بأنها تلك البضائع الخاضعة للحقوق و الرسوم التي تتجاوز نسبتها 45 في المائة.
(69)- و المقصود بالإقليم الجمركي حسب المادة الأولى من ق ج؛ الإقليم الوطني و المياه الداخلية و المياه الإقليمية و المنطقة المتاخمة و الفضاء الجوي الذي يعلوها.
(70)-قرار وزير المالية بتاريخ 30/11/1994- أنظر احسن بوسقيعة- التشريع الجمركي مدعم بالإجتهاد القضائي- المرجع السابق- ص 127.
(71)- احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع أعلاه- ص 145.
- جنحة الدرجة الرابعة: منصوص عليها في المادة 328 ق ج و هي المقترنة بظرف استعمال وسيلة من وسائل النقل و تكون كذلك عند استعمال الحيوانات أو المراكب الجوية أو السيارات أو السفن التي تقل حمولتها عن 100 طنة صافية أو 500 طنة إجمالية أو سلاح ناري.
1-2- الارتبـاط بين المـشاركة و الاستفـادة:
فلكي تتحقق الاستفادة؛ لا بد من المساهمة بكيفية ما بمعنى فعل مساهمة مثبت، ثم الاستفادة المباشرة الناتجة عن هذا الفعل.
1-2-1- فعل مساهمة مثبت:
إن التشريع الجـمركي بتطلبه للاستفادة من الغش؛ فعل مساهمة مثبت اقتدى بالاجتهاد القضائي الفرنسي الحديث الذي يؤكد على ضرورة إثبات وجود عمل مساهمة مادي في الغش، خلافا للقاعدة التقليدية المستوحاة من مبررات وجود الاستفادة من الغش ذاتها؛ و التي كان مفادها أن واقعة كون الشخص مستفيدا من الغش كافية وحدها لقيام الجنحة، و دون أن تتحمل إدارة الجمارك عبء إثبات عمل مساهمة شخصية للمتهم، و خلافا لهذا الاتجاه تبنى القضاء الفرنسي حديثا قاعدة مقتضاها ضرورة إثبات عمل مساهمة مادي صادر عن المتهم بجنحة الاستفادة من الغش، و قد تبنى القضاء هذه القاعدة الجديدة بمقتضى حكم صادر عن الغرفة الجنائية لمحكمة النقض بتاريخ 13 مارس 1978 (72).
أما فيما يخص مشاركة المستفيد من الغش بصفة ما في ارتكاب الجنحة فلم يحصر المشرع وسائل الاشتراك في سلوك معين كما فعل بالنسبة للشريك، بل يفهم من عمومية العبارة أن أي سلوك آخر غير ذلك الذي ورد في تعريف الشريك يصلح شرطا لقيام الاستفادة من الغش متى توافرت باقي الشروط(73).
1-2-2- أن يستفيد الجاني مباشرة من الغش:
لم يوضـح قانون الجمارك الكيفية التي تتم بها الاستفادة من الغش و في غياب ذلك يقع عبء إثبات الاستفادة المباشرة من الغش على عاتق إدارة الجمارك، و لقد وضح القضاء الفرنسي هذا المفهوم بقضائه أن المحرض على التهريب بغرض ضمان تموينه من بضاعة نادرة يصعب الحصول عليها يعد مستفيدا من الغش ، و في نـفس السياق قضي بأن مسير الشركة الذي يساهم في التخطيط للغش يعد مستفيدا مباشرة منه(74).
هذا فيما يخص الاستفادة الفعلية المباشرة من الغش، غير أن المشرع أضاف صورة أخرى يعتبر فيها من تثبت في حقه أنه مستفيد من الغش بحكم القانون دونما حاجة لإثبات المساهمة الفعلية في الغش، و هو ما نصطلح عليه الاستفادة الحكمية .
-----------------------------
(72)- عبد المجيد زعلاني- المرجع السابق- ص 92.
(73)- (74)- احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص 407.
2- الاســتفادة الحكمية مــن الغــش
نصـت المادة 312 من قانون الجمارك على أن الأشخاص الذين اشتروا أو حازوا بضائع مستوردة عن طريق التهريب أو بدون التصريح بها بكمية تفوق احتياجاتهم العائلية، يخضعون لعقوبات المخالفات من الصنف الثاني للفئة الثانية.
نستنتـج أنه لقيام الاستفادة الحكمية يجـب توافر عدة شروط حتى نخلص إلى تكييف الاستفادة الحكمية طبقا لقانون الجمارك كالتالي:
2-1- شـروط قيام الاستفـادة الحكـمية:
من جملة الشروط الواردة في المادة 312 ق ج :
- أن تقوم على أفعال لاحقة تتمثل في الشراء و الحيازة، أي دون حاجة لإثبات المساهمة في الغش.
- أن تتجاوز كمية البضاعة الاحتياجات العائلية للحائز أو المشتري(75).
- أن تكون البضاعة مستوردة عن طريق التهريب أو دون التصريح بها و في هذه الحالة يجب ألا تكون البضاعة خاضعة لرسم مرتفع أو محظورة، فإما أن تكون خاضعة لرخصة التنقل و ضبطت في النطاق الجمركي، و إما أن تكون بضاعة حساسة ضبطت في كافة الإقليم الجمركي و هي صور التهريب الحكمي التي رأيناها سابقا و كذلك صور الاستيراد بدون تصريح.
و نظرا لارتباط هذه الحالة بالتكييف فستتضح جليا عند تطرقنا لذلك كالآتي:
2-2- تكـييف الاستـفادة الحكـمية:
أخضعت المادة 312 ق ج صراحة هذا الفعل إلى عقوبة المخالفات من الصنف الثاني للفئة الثانية، و عليه فإن إخضاع الفعل لصنف معين من العقاب؛ يجب أن يندرج الفعل في التكييف المتضمن للعقوبة، و بالتالي فهي مخالفة جمركية بمفهومها الضيق.
و الملاحظ على أن المادة 312 ق ج التي لم يشملها تعديل 1998؛ تحيل بخصوص الجزاءات إلى العقوبات المقررة للمخالفات من الصنف الثاني للفئة الثانية التي كانت تنص عليها المادة 322 ق ج لسنة 1979 المعدلة بموجب قانون 1998 حيث لم تعد تنص على هذا الصنف من العقوبات و من ثم يجب تعديل نص المادة 312 لضمان انسـجامها مع باقي أحكام القانون (76).
و بالرجوع إلى المادة 322 ق ج لسنة 1979 المعدلة بالقانون رقم 90/16 المؤرخ في 1990 و التي تعتبر مخالفات من الدرجة الثانية:
أ- كل عمل تهريبي و كذلك كل عمل استيراد أو تصدير بدون تصريح عندما تتعلق المخالفات ببضائع ليست من صنف البضائع المحظورة أو الخاضعة للرسم المرتفع عند الدخول أو المحظورة.
-----------------------------
(75)- أنظر الصفحة 27.
(76)- احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص 408.
و مـنه فإن التعديل يجب أن يحيل بخصوص الجزاءات إلى عقوبة المخالفات حسب الأفعال، و بالتالي يكون العمل تهريبي إذا تعلق ببضائع غير محظورة و غير خاضعة لرسم مرتفع و هي مخالفة من الدرجة الخامسة حسب المادة 323 ق ج الجديد و عليه يفترض أن تكون البضاعة حساسة قابلة للتـهريب ، أو بضاعة خاضعة لـرخصة التنقل على أن تضبط هذه الأخيرة في النطاق الجمركي، و تسمى مخالفات التهريب.
أما المخالفات الأخرى و المتعلقة باستيراد البضائع و تصديرها عند مرورها عبر المكاتب أو المراكز الجمركية أو أثناء تواجدها أو تنقلها داخل الإقليم و تضم مخالفات الدرجة الأولى و الثانية و الثالثة و الرابعة و تسمى مخالفات المكاتب(77).
فمخالفات الدرجة الأولى نصت عليها المادة 319 ق ج بأنها كل مخالفة لأحكام القوانين و الأنظمة التي تتولى إدارة الجمارك
تطبيقها عندما لا يعاقب عليها القانون بأكثر صرامة و أوردت المادة حالات على سبيل المثال لا الحصر.
و بالنسبة لمخالفات الدرجة الثانية حسب م 320 كل مخالفة لأحكام القوانين و الأنظمة التي تتولى إدارة الجمارك تطبيقها عندما يكـون الهدف منها أو نتيجتها هو التملص أو التغاضي من تحصيل الحقوق و الرسوم ، و عندما لا تتعلق هذه المخالفة ببضاعة محظورة أو خاضعة لرسم مرتفع، و الحالات محددة في صلب النص على سبيل الحصر.
أما مخالفات الدرجة الثالثة وفق المادة 321 ق ج هي التي يكون محلها إما بضاعة من البضائع الخاضعة لقيود عند الجمركة المنصوص عليها في المادة 21/2 ق ج و إما بضاعة من البضائع المزيفة أو التي تحمل علامات أو بيانات مزورة وإما بضاعة من البضائع الخاضعة لرسم مرتفع؛ عندما تضبط أثناء مراقبة الطرود و المظاريف البريدية أو عندما ترتكب هذه المخالفات من طرف المسافرين.
و بخصوص مخالفة الدرجة الرابعة م 322 فيتعلق الأمر بالتصريحات المزورة من حيث نوع البضاعة أو قيمتها أو منشئها أو في تعيين المرسل إليه الحقيقي، عندما تكون البضاعة ليست محظورة و لا خاضعة لرسم مرتفع.
الفـرع الثــاني: تأثــيرات الأمـر 05/06 المؤرخ في 23 أوت 2005
على مضــمون الاستــفادة مـن الـغش
بصدور الأمر 05/06 المؤرخ في 23/08/2005 المتعلق بمكافحة التهريب، وردت الإشارة إلى المستفيدين من الغش في المادة 26 من الأمر ، تحت عنوان المساهمون في الجريمة و التي نصت على أنه تطبق على أفعال التهريب المنصوص عليها في هذا الأمر؛ الأحـكام المنصوص عليها في قانون العقوبات بالنسبة للمساهمين في الجريمة ، و في قانون الجمارك بالنسبة للمستفيدين من الغش.
و الملاحظ مبدئيا ؛ عـودة المشرع إلى تطبيق القواعد العامة على المساهم الشريك ، فهل هذا يدل على قصور مفهوم المستفيد من الغش ؟ أم بسبب اتساعه و رغبة من المشرع في منح القـصد الجنائي مكانة في جرائم التهريب لمعاقبة المشاركين ؟ أم أن الغـاية المرجوة هي التأكيد على تميز هذا النظام تماما عن الاشتراك ؟ و من جهة أخرى تتضح إرادة المشرع في إخضاع المستفيدين من الغش لأحكام قانـون الجمارك المتـميزة بالتشدد و الصرامة حـتى لا يفلت من العقاب المدبرون و المخططون
-----------------------------
(77)- احسن بوسقيعة- المنازعات الجمركية- المرجع السابق- ص 140-141.
لعـمليات التهريب.
و في هذه المناسبة سنحاول إبراز جوانب تأثير الأمر 05/06 على الاستفادة من الغش بسبب إلغائه المواد 326-327-328 من قانون الجمارك التي كانت تنص على جنح التهريب و التي يعاقب بمقتضاها المستفيد من الغش استفادة فعلية حسب المادة 310، ثم نعرض تأثيره على الاستفادة الحكمية في مخالفة التهريب حسب المادة 312 ق ج.
أولا على مستوى المادة 310 ق ج:
هذه المادة المتعلقة بالاستفادة الفعلية نصت على أنه يعتبر..... مستفيدين من الغش؛ الأشخاص الذين شاركوا بصفة ما في جنحة تهريب. و جـنح التهريب كانت تنص عليها المواد 326-327-328 أي الدرجة الثانية و الثالثة و الرابعة و يشترط أن تتعلق أعمال التهريب ببضـائع محظورة أو خاضعة لرسم مرتفع ، و التي ألغيت بموجب المادة 42 من الأمر 05/06 و لم تـعد لجنح التهريب درجات و لم يعد يقتصر على البضاعة المحظورة أو الخاضعة لـرسم مرتفع ، و لم يعد يقتصر التهريب على الجنح فقط كتهريب البضائع م 10/1 و التهريب بظرف التعدد م 10/2 و التهريب باستعمال وسـائل النقل م 12 و التـهريب مع حمـل سلاح ناري م 13؛ بل يتعداه ليوصف التهريب بالجناية كتهريب الأسلحة م 14 أو التهريب الذي يشكل تهديدا خطيرا حسب م 15، و لم ينـص الأمر صراحة على كونها جنح أو جنايات بل يستشف من التمييز بين مصطلحي الحبس و المتعلق بالجنح و مصطلح السجن المتعلق بالجنايات.
فبقاء المادة 310 على صياغتها الحالية؛ تعتبر قاصرة في تجسيد السياسة التشريعية عن طريق أمر بخصوص مكافحة التهريب و بروز الميول نحو التشدد و ليس الليونة، إذ لا يعقل أن نتصور الاستفادة من الغش في أعمال التهريب المتعلقة ببضائع مهما كان نوعها و لا يكون ذلك في أعمال التهريب المتعلقة بالأسلحة أو التهريب الذي يشكل تهديدا خطيرا و هذه الأخيرة أولى بالعقاب على الاستفادة من الغش فيها.
و من المفروض تعديل المادة 310 ق ج حتى تتوافق مع روح الأمر 05/06 و تـكون بحذف عبارة جنحة تهريب و استبدالها بـ..... أعمال التهريب.....
و الدليل من جـهة أخرى على الميول نحـو التشدد ؛ ليس فقط عقوبة السجن المؤبد بل في إلغاء المواد 326/327/328 و التخلي عن التـجنيح الذي يقتصر على البضائع المحظورة أو الخاضعة لرسم مرتفع، هو التوسيع من دائرة تخصيص البضائع في المادة 10 مـن الأمر التي نصت على أنه يعاقب على تهريب المحروقات أو الوقود أو الحبوب أو الدقيق أو المواد المطحونة المماثلة أو المواد الغذائية أو الماشية أو منتجات البـحر أو الكحول أو التـبغ أو المواد الصيدلانية أو الأسمدة التجارية أو التحف الفنية أو الممتلكات الأثرية أو المفرقعات – هذا على سبيل المثال- أو أي بضاعة أخرى بمفهوم المادة 2 من الأمر و التي تعرف البضائع على أنها كل المنتجات و الأشياء التجارية أو غير التجارية و بصفة عـامة جميع الأشياء القابلة للتداول و التملك ، وهـو نفسه التعريف الذي جاءت به المادة 5 من قانون الجمارك في فقرتها ج.
و واضح جـليا من عمومية المادة 10 من الأمر المتـمثلة في عبارة أي بضاعة أخرى، و حتى من البضائع الواردة في صلب النص أن هناك من البضائع ما كانت تشكل مخالـفة في ظل القانون 98/10 كحيازة البـضائع الحساسة القابلة للتهريب في الإقليم الجـمركي دون وثائق تثبت الحالة القـانونية و هي مخالفة من الدرجة الخامسة ؛ ستصبح جنحا في ظل الأمر 05/06 و نفس الشئ يقال عن البضاعة الخاضعة لرخصة التنقل إذا توافرت عناصر التهريب بشأنها و المذكورة آنفا.
إذ من بين البـضائع الحساسة الوارد ذكرها في قرار 30/11/1994 و ذكـرت صراحة في المادة 10 من الأمر ؛ سوائل كحولية، تبغ، مواد صيدلانية.
و مـن بين البضائع الخاضعة لرخصة تنقل الواردة في القرار المؤرخ في 23/02/1999 و ذكرت في النص السالف الذكر الماشية و الحبوب و الدقيق و البنزين.
و لعل الغاية المنشودة من إيراد نوع من البضائع على سبيل المثال في المادة 10 هو تجنيح أعمال التهريب المتعلقة بهذه البضائع مما يؤكد نظرتنا نحو ميول الأمر إلى التشدد ليشمل أعمال التهريب المتعلقة بكافة الإقليم الجمركي.
ثـانيا على مستوى المادة 312:
و تتعـلق هذه المادة كما رأينا ؛ بالاستـفادة الاعتبارية من الغش بسبب حـيازة أو شراء بضائع مستوردة عن طريق التهريب أو بدون التصريح بها بكمية تفوق الاحتياجات العائلية، و التي تخضع لعقوبة المخالفات .
و لقد أشـرنا سابقا إلى الانتقادات الموجهة بشأن صياغتها و ضرورة تعديلها سابـقا، و قلنا كذلك أن إخضاع فعل ما لعقوبة مخالفة فيجب أن يوصف الفعل بوصفها أي أن يكون مخالفة، كحيازة أو شراء بضائع مستوردة عن طريق التهريب لكي تكـون مخالفة طبقا لقانون 98/10 المادة 323 أن تكون بضـاعة حساسة ضبطت في كافة الإقليم الجمركي مخالفة للتشريع، أو بضاعة خاضعة لرخصة التنقل مضبوطة في النطاق الجمركي مخالفة للتشريع، هذه الأفعال التي أصبحت تشكل جنحا في ظل الأمر 05/06 ، فلا يمـكن إخضاع فعل يشكل جنحة إلى عقوبة مخالفة مما يقتضي معه تعديل المادة 312 كإلغاء الجزء المتعلق بالتهريب لأنه أصبح يشكل على الأقل جنحة في ظل الأمر الجديد.
بعد عرض الملامح الرئيسية للسياسة التشريعية في مجال الاستفادة من الغش في كل من القانون الفرنسي و مثيله الجزائري عبر مختلف الحقب الزمنية و أسباب مجاراة التعديلات الحديثة للمفهوم، بقي لنا أن نعرض في الفصل الثاني إلى المسؤولية عن الاستفادة من الغش ، و النتائج المترتبة عن قيامها.
الفــصل الثــاني
المســؤولية عـن الاستــفادة مـن الغـش
إن المسؤولية عن الاستفادة من الغش لها ارتباط بالمسؤولية المقررة طبقا للقواعد العامة، سواء في القانون الجزائي أو المدني لوحدة القانون بصفة عامة، و تختلف عنها في بعض الجوانب نظرا لخصوصية القانون الجمركي و عدم استيعاب نطاق المسؤولية الجزائية التقـليدية لكافة الجزاءات الجمركية بل و تعتبر المسؤولية عن الاستفادة من الغش ؛ أحد أهم المجالات التي لا تستوعبها دائرة المسؤولية في القواعد العامـة نظرا لارتباط هذه الأخيرة بالركن المعنوي و مـوانعه هي موانع المسؤولية. هذا الركن الذي يضمحل وجوده في تطبيق القواعد الخاصة بالاستفادة من الغش أي الاشتراك بدون قصد كما سنرى.
فما هي الأسس التي تقوم عليها المسؤولية عن الاستفادة من الغش ؟ و هل تؤدي حتما إلى قيام مسؤوليات طبقا للاتجاهات الحديثة حول المسؤولية ؟ و ما هي أهم النتائج المترتبة عن قيامها ؟.
هذا ما سنحاول الإجابة عنه بالتطرق إلى أسس قيام المسؤولية و أسباب الإعفاء منها في مبحث أول، ثم النتائج المترتبة عنها كجزاء المستفيد من الغش و التضامن في المبحث الثاني على التوالي.
المبــحث الأول أسس قيام المسؤولية و أسباب الإعفاء منها
تستمد مسؤولية المستفيد من الغش أساسها من قواعد العامة للقانون سواء الجزائي أو المدني بصفة عامة و من خصوصيات قانون الجمارك في مجال الاستفادة من الغش بصفة خاصة، و نفس الشئ بالنسبة لشروط الإعفاء من المسؤولية عند قيامها و هذا ما نفصله بإيجاز في مطلبين على التوالي.
المطــلب الأول: أسس قيــام المســؤولية
لتقرير العقاب في حق من استفاد من الغش؛ لا بد من إثبات قيام المسؤولية في حقه سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا و سواء كانت مؤسسة على أحكام القانون الجزائي أو المدني، أو مؤسسة على أحكام قانون الجمارك و هذا ما سنتناوله بشئ من التفصيل في الفرعين المواليين نظرا لأهمية قيام المسؤولية في تقرير الجزاء.
الفــرع الأول : المسـؤولية المـؤسسة على أحكـام القـانون الجـزائي
و نقسم دراستها إلى قسمين:
- المسؤولية الجزائية للشخص الطبيعي.
- المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي.
أولا: المسؤولية الجـزائية الشخـص الطبيـعي:
المسؤولية الجزائية تعني تحمل الشخص تبعة عمله المجرم(78) ، و هذا بالطبع تطبيقا للقاعدة التي مفادها هو شخصية الجزاء و تفريده ، و هي النتيجة الحتمية المترتبة عن قيام المسؤولية، و هي مسؤولية مباشرة عن الخطأ الشخصي.
و لم يكن الخطأ أساسا للمسؤولية الجزائية بل كان الفعل المادي هو أساسها و كان الإنسان يسأل عن فعله باعتباره مصدرا للضرر بصرف النظر عما إذا كان قاصدا فعله أو غير قاصد له (79).
في حـين هناك من يرى أن الخطأ لا يرتبط مطلقا بالقـصد بل قد يتحقق بصورة موضوعية ؛ عندما يحصل خرق للقاعدة الجزائية ، إلا أن المساءلة عنه تستوجب توافر الإدراك و الوعي لدى الفاعل ، و يقصد به المقدرة العقلية التي تمكنه من أن يفقه أعماله و تجعله حرا في اختيارها، ففاقد الوعي و الإدراك يخطئ إلا أنه لا يتحمل نتائج خطئه و منها العقاب، كالمجنون و صغير السن كما سنراه لاحقا في أسباب الإعفاء من المسؤولية.
فضلا على أن المسؤولية الجزائية للشخص الطبيعي لا تثير جدلا باعتبار أن الكائن الإنساني له القدرة وحده على تحمل المسؤولية الجزائية و إنما الجدل يثور حول مسؤولية الشخص المعنوي و الذي نعرضه بشئ من التفصيل كالآتي.
ثـانيا: المسـؤولية الجـزائية للشـخص المـعنوي:
لقد ثار نقاش فقهي حول أساس قيام مسؤولية الشخص المعنوي و لكل مواقفه و حججه، حتى أن موقف المشرع تميز بعدم الوضوح إلا مؤخرا و عليه ستقتصر دراستنا على نظرة حول القوانين التي أقرت المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي طبقا للتسلسل الزمني ثم شروط إقامة مسؤولية الشخص المعنوي.
-------------------------------------
(78)- عبد الله سليمان- المرجع السابق- ص 199.
(79)- احسن بوسقيعة- الوجيز في القانون الجزائي العام- المرجع السابق- ص 166-167-168.
1- القوانين التي أقرت المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي:
- الأمر 69/107 المؤرخ في 31/12/1969 المتضمن قانون المالية لسنة 1970 و المتعلق بتنظيم الصرف في المادة 55 منه الذي فرض أحد الشروط الأساسية لقيام المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية، يتمثل في كون جرائم الصرف المعاقب عليها قد ارتكبت من طرف قائمين بإدارة الشخص المعنوي، و قد ألغي العمل بهذه التشريعات الخاصة سنة 1975 بمقتضى الأمـر رقم 75/47 المؤرخ في 17/06/1975 المعدل لقانون العقوبات الذي ألغى العديد من القوانين الخاصة و أدمجت ضمنه (80) .
و لقد حل محله الأمر 96/22 المؤرخ في 09/07/1996 المتعلق بقمع مخالفة التشريع و التنظيم الخاصين بالصرف و حركة رؤوس الأموال الذي أقر صـراحة المسؤولية الجزائية للشخص المـعنوي في المادة 5 على أنه تطبق على الشخص المعنوي الذي ارتكب المخالفات .... المنصوص عليها في هذا الأمر العقوبات الآتية.... غرامة... مصادرة محل الجنحة، مصادرة وسيلة النقل المستعـملة في الغش ، فضلا عن عقوبات أخـرى متمثلة في المنع من مزاولة عمليات تجارية و من عقد صفقات عمومية و من الدعوة العلنية للإدخار، هذا النص الذي لم يحدد نطاق المسؤولية الجزائية فعدل بموجب أمر 19/02/ 2003 و حصر المسؤولية الجزائية في بعض المؤسسات مستبعدا الدولة و الجماعات المحلية.
- الأمر 75/37 المؤرخ في 29/04/1975 المتعلق بالأسعار و قمع المخالفات الخاصة بتنظيم الأسعار حيث أقرت المادة 61 منه صـراحة المسؤولية الجزائية للشخص الـمعنوي ، و ألغي هذا النص بموجب القانون رقم 89/12 في 05/07/1989 المتعلق بالأسعار و هو القانون الذي تخلى عـن المسؤولية الجزائية للشخص المـعنوي ، و هذا الأخير ألغي بدوره بموجب الأمر 95/06 المؤرخ في 25/01/1995 المتضمن قانون المنافسة الذي ألغي في 20/07/2003 بالأمر 03/03 (81).
- قانون الضرائب المباشرة و الرسوم المماثلة الصادر بموجب القانون رقم 90/36 المؤرخ في 31/12/1990 المتضمن قانون المالية لسنة 1991 المادة 38 منه المعدل بالقانون رقم 91/25 المؤرخ في 18/12/1991 المتضمن قـانون المالية لسـنة 1992 المواد من 4 إلى 57 حـيث كرست النصوص الضريبية كلها المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي، و هكذا نصت المادة
303 في المقطع 9 من قانون الضـرائب المباشرة أنه عندما ترتكب المخالفة من قبل شركة أو شخص معنوي آخر تابع للقانون الخاص يصدر الحكم بعقوبات الحبس المستحقة و العقوبات التكميلية ضد المتصرفين و الممثلين الشرعيين أو القانونيين للمجموعة و تضيف الفقرة الثانية .. و يصدر الحكم بالغرامات الجزائية المستحقة ضد المتصرفين أو الممثلين الشرعيين و ضد الشخص المعنوي دون الإخلال فيما يخص هذا الأخير بالغرامات الجبائية المنصوص على تطبيقها (82).
- قانون رقم 03/09 مؤرخ في 19/07/2003 المتضمن قمع الجرائم الكيمـاوية م 18 نصت على فرض عقوبات على الشخص المعنوي الذي يرتكب إحدى الجرائم المتعلقة بالأسلحة الكيماوية.
----------------------------
(80)- عبد المجيد زعلاني- الإتجاهات الحديثة لتشريع جرائم الصرف- محاضرة ألقيت بالمحكمة العليا يوم الأثنين 19/05/1997- المجلة القضائية- العدد 1/1996 ص 67.
(81)- احسن بوسقيعة- الوجيز في القانون الجزائي العام- المرجع السابق- ص 191.
(82)- احسن بوسقيعة- المخالفات الضريبية ( الغش الضريبي)- دراسة منشورة – المجلة القضائية العدد 1 – سنة 1998 – ص 9.
- القانون رقم 04/14 المؤرخ في 10/11/2004 المـعدل لقانون الإجراءات الجزائية:
في المواد 65 مكرر إلى 65 مكرر 4 و المتضمنة قـواعد المتابعة و التحقيق و المحاكمة في الفصل الثالث بعنوان المتابعة الجـزائية للشخص المعنوي من الباب الثاني في التحقيقات، و كـذلك المادة 172 منه المتعلقة باستئناف أوامر قاضي التحقيق و منها التدابير المنصوص عليها في م 65 مكرر 4 و التي يجوز استئنافها من طرف الشخص المعنوي أو من ينوبه.
- القانون رقم 04/15 المؤرخ في 10/11/2004 المعدل لقانون العقوبات:
نـص صراحة على العقوبات التي تطبق على الشخص المعنوي في مواد الجنح و الجنايات في م 18 مكرر و العقوبات المطبقة عليه في مواد المخالفات في م 18 مكرر1 و هذا في الباب الأول مكرر تحت عنوان العقوبات المطبقة على الأشخاص المعنوية كذلك في أحكام المادة 177 مكرر1 أن الشخص المعنوي يكون مسؤولا جزائيا وفقا للشروط المنصوص عليها في المادة 51 مكرر عن الجرائم المنصوص عليها في م 176 المتعلقة بتكوين جمعيات الأشرار.
- القانون رقم04/18 المؤرخ في 25/12/2004 المتعلق بالـوقاية من المـخدرات و المؤثرات العقلية و قمع الاستعمال و الاتجار غير المشروعين بها:
في م 25..... يعاقب الشخص المعنوي الذي يرتكب جريمة أو أكثر من الجرائم المنصوص عليها في المـواد من 13 إلى 17 من هذا القانون بغرامة تعادل خمس (5) مرات الغرامة المقررة للشـخص الطبيعي، و في حالة ارتكاب الجـرائم المنصوص علـيها في المواد من 18 إلى 21 يـعاقب الشخص المـعنوي بغرامة تتراوح من 000 000 50 د ج إلى 000 000 250 دج و في جميع الحالات يتم الحكم بحل المؤسسة أو غلقها لمدة لا تفوق 5 سنوات.
- القانون رقم 05/01 المؤرخ في 26/02/2005 المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال و تمويل الإرهاب و مكافحتهما:
في المادة 24 التي نصت على أنه يعفى الأشخاص الطبيعيون و المعنويون الخاضعون للإخطار بالشبهة و الذين تصرفوا بحسن نية من أية مسؤولية إدارية أو مدنية أو جزائية.
- الأمر 05/06 المؤرخ في 23/08/2005 المتعلق بمكافحة التهريب:
و الـذي أقر المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في المادة 24 مـنه بنصها على معاقبة الشخص المعنوي الذي قـامت مسؤوليته الجزائية لارتكاب الأفعال المجرمة في هذا الأمر بغرامة قيمتها ثلاثة (3) أضعاف الحد الأقصى للغرامة التي يتعرض لها الشخص الطـبيعي الذي يرتكب نفس الأفعال و تضيف الفـقرة الثانية أنه إذا كانت العقوبة المقـررة للشخص الطبيعي هي السجن المؤبد؛ يعاقب الشخص المعنوي الذي ارتكب نفس الأفعال بغرامة تتراوح بين 000 000 50- 000 000 250 دج .
2- شـروط إقـامة مسـؤولية الشـخص المعنـوي (83) :
تخـضع الأشخاص المعنوية من القانون الخاص للمساءلة الجزائية أيا كان هدفها ، سواء كانت تهدف إلى كسب الـربح أو كانت خيرية و هكذا تسأل جزائيا الشركات التجارية و التجمعات ذات المصلحة الاقتصادية و الشركات المدنية، كما تسأل الجمعيات ذات الطابع الاجتماعي أو الثقافي أو الرياضي.
و تستثنى الدولة و المقصود بها الإدارة المركزية ( رئاسة الجمهورية، رئاسة الحكومة، الوزارات ... ) ، أما الجماعات المحلية لا تسأل عن الأعمال التي تصدر عنها بمناسبة ممارسة صلاحيات السلطة العامة في حين تخضع كل الأشخاص المعنوية من القانون العـام للمساءلة الجزائية أيا كانت هيكلتها القانونية ( شركة ذات أسهم ، هيئة عمومية ذات طابع صناعي و تجاري أو إداري أو شركة اقتصادية مختلطة ) ، هـذا ما جاءت به م 51 مكرر من القـانون 04/15 المعـدل لقانون العقوبات التي اسـتثنت الدولة و الجماعات المحلية و الأشخاص التابعة للقانون العام كما أضـافت أن المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي لا تمنـع من مساءلة الشخص الطبيعي كفاعل أصلي أو كشريك في نفس الأفعال.
فبخـصوص السلوك محل المساءلة فإن المادة 121/2 من قانون العقوبات الفرنسي نصت على أن الشخص المعنوي يكون مسؤولا عن الجرائم المرتكبة لحسابه من طرف هيئاته أو ممثليه، أي أنه يسأل عن الأفعال التي يتم تحقيقها لمصلحته و فائدته و لا يسأل عن الأعمال المنجزة لحساب المدير أو شخص آخر ، و هيئات الشخص المعنوي يقصد بها ؛ الممثلين القانونيين كالـرئيس و المدير العام و المسير و كـذا مجلس الإدارة و الجمعية العامة للشركاء أو للأعضاء و المصفي في حالة تصفية الشركة أما المدير الفعلي فيستبعده الفقهاء لعدم النص عليه صراحة، و عليه يستبعد كذلك المستخدمين و الأجراء إذا ارتكبت الجريمة بمبادرة منهم حتى و إن استفاد منها الشخص المعنوي نظرا لقصر النص على الممـثلين ، و قـد ذهبت محكمة النقض الفـرنسية إلى اعتبار الشخص الطبيعي الذي تلقى تفويض سلطات من هيئات الشخص المعنوي فيكون ممثلا عنه كمدير مصنع أو مدير وحدة إنتاج.
فضـلا عن ذلك فإنه لا يجوز متابعة الشخص المعنوي إلا إذا وجد نص يجيز ذلك صراحة لكونها مسؤولية خاصة و متميزة و لـعل هذا ما جعل القضاء الجزائري يستبعد صـراحة المسؤولية الجزائية للشخص المـعنوي بناء على مبدأ شخصية العقوبة و تفريدها فرفض الحكم على الشخص المعنوي بالجزاءات الجبائية المقررة في قانون الجمارك (84) ، غير أن هذا المبدأ لا يصلح في ظل الأمر 05/06 الذي نص صراحة على المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في جرائم التهريب.
و في هذا الصدد نقضت محكمة النقض الفرنسية قرار محكمة الاستئناف إيكس أون بروفانس الصادر بتاريخ 27/02/2002 القاضي ببراءة المتهم بصفته تقني تجاري في المؤسسة و كذلك شركة office maritime monegasque de marseille من تهمة
الاستـفادة من الغش على أساس أن قانون الجمارك لا يـعرف المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي ، و مما جاء في قرار محكمة النقض أن القانون العام يطبق إذا لم يوجد نص مخالف في قانون الجمارك، و بما أن المادة 131-37 ق ع تقر المسؤولية الجزائية
للأشخاص المعنوية و بما أن قانون الجمارك لا يتضمن أحكام مخالفة فإن قضـاء مجلس الاستئناف بأن قانون الجمارك لا يعرف المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي فإنهم يكونون قد خرقوا المواد 399-407 من قانون الجمارك (85).
--------------------------------------------------------------------------------------------
(83) – احسن بوسقيعة – الوجيز في القانون الجزائي العام – المرجع السابق – ص 194 و ما يليها.
(84)- ملف رقم 115884 قرار بتاريخ 22/12/1997 غ ج م ق 3 – احسن بوسقيعة – المرجع اعلاه ص 190.
(85)-élargissement jurisprudentiel du domaine d’application de la responsabilité pénale des personnes morales . jean claude planque, n sous cass 5-02 – 2003 Dalloz 2003 j 2855 in : www.courdecassation.org .
و إن كانت المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي لا تحـجب مسؤولية الشخص الطبيعي و إن قام بالعمل الجرمي لحساب الشخص المعنوي ، فإن متابعة الشخص الطبيعي ليست شرطا ضروريا لمساءلة الشخص المعنوي ، فوفاة الشخص الطبيعي مثلا لا يحول دون متابعة الشخص المعنوي للجريمة المرتكبة من أجله و كذلك الحال إذا استحال التعرف على الشخص الطبيعي الذي ارتكب الجريمة لحساب الشخص المعنوي (86).