الماسة الزرقاء
2011-01-29, 19:11
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما رأيكم بالرأي القائل بالتفويض أي تفويض هذه النصوص إلى الله تعالى وعدم الخوض فيها والإيمان بها على سبيل الإجمال، أي الإيمان بما علم الله أنه الحق، وإمرارها كما جاءت بلا كيف ولا معنى، مع تنـزيه الله تعالى عن الاتِّصاف بشيء من سمات نقص
وهذا هو الذي كان عليه جمهور السلف ، كانوا لا يخوضون في هذه الأمور ولا يتكلمون فيها، بل ينهون عامة الناس عن الكلام فيها، ويأمرونهم بتنـزيه الله تعالى عن سمات النقص.
http://al-ershaad.com/vb4/image/bsmlaa.gif (http://al-ershaad.com/vb4/image/bsmlaa.gif)
الجواب : التفويض ليس هو مذهب السلف ، بل هو مذهب الخلف الذين فـرُّوا من إثبات الصفات فقالوا بالتفويض ، فوقَعُوا في التأويل المذموم .
ومذهب السلف إثبات الصفات كما أثبتها الله تبارك وتعالى لنفسه من غير تمثيل ولا تكييف ولا تحريف ولا تعطيل ، ويُثبتون ما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم كذلك .
إلاّ أن سلف هذه الأمة لا يتكلّفون الكلام في كيفية الصفات ، إذ لا يجوز السؤال عن كيفية الصفة ، لقصور العقول عن إدراك بعض المحسوسات فكيف تُدرِك من لا تُدرِكه الأبصار ؟وقد اشتهر عن الإمام مالك رحمه الله أن رجلاً سأله فقال : ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) كيف استوى ؟
فأطرق مالكٌ وأخذته الرحضاء – يعني العَرَق - ثم رفع رأسه فقال : الرحمن على العرش استوى كما وصف نفسه ، ولا يُقال : كيف ، وكيف عنه مرفوع ، وأنت صاحب بدعة . أخْرِجُوه .وفي رواية قال : الكيف غير معقول ، والاستواء منه غير مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ، وإني أخاف أن تكون ضالاً ، وأمَرَ به فأُخْرِج .
وهذا معنى قولهم : أمرُّوها كما جاءت .
فالمقصود بها عند السلف عدم السؤال عن الكيفية ، أن لا يُسأل عن الكيفية بل تُمـرّ كما جاءت . روى أبو بكر الخلال في كتاب السنة عن الأوزاعي قال : سُئل مكحول والزهري عن تفسير الأحاديث ، فقال : أمرُّوها كما جاءت .
وروى أيضا عن الوليد بن مسلم قال : سألت مالك بن أنس وسفيان الثوري والليث بن سعد والأوزاعي عن الأخبار التي جاءت في الصفات ، فقالوا : أمروها كما جاءت ، وفي رواية ، فقالوا : أمروها كما جاءت بلا كيف . وكذاك قال الشافعي حكاه عنه البيهقي .
فهذا معنى قول السلف : أمرِّوها كما جاءت . أي بلا كيف ، لا أنه لا يُعرف معنى الاستواء - مثلا – ولذا لا يُسأل عن كيفية الاستواء لعدم العلم بها ، وهكذا القول في بقية الصِّفات . والله تبارك وتعالى أخبر عن نفسه أنه استوى على عرشه .
فإما أن يُثبت لله ما أثبته الله لنفسه ، وإما أن ينُكر ويُنفى ما أثبت الله لنفسه . وقد يقع إنكار ما أثبته الله لنفسه تحت اسم التأويل ، فـيُحرّف المعنى ويُصرف عن ظاهره . وهذا خلاف ما عليه سلف هذه الأمة ، فإن السلف يُثبتون لله ما أثبته لنفسه ، من غير تحريف ولا تمثيل ولا تعطيل ولا تكييف .
أي لا يسألون عن كيفية الصفة .
وهذا ما يدلّ عليه قوله عليه الصلاة والسلام : تفكّروا في آلاء الله ، ولا تفكّروا في الله . رواه الطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان ، وحسنه الألباني .
ومن حَـاد عن هذه الجادة فَقَدَ الصواب !
قال الإمام الرازي – وهو من المتكلّمين – بعد أن جرّب الطرق الكلامية ، والمذاهب الفلسفية قال :
لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلا ولا تروي غليلا .
وقال أيضا :
واعلم أن بعد التوغل في هذه المضائق والتعمق في الاستكشاف عن أسرار هذه الحقائق رأيت الأصوب الأصلح في هذا الباب طريقة القرآن العظيم والفرقان الكريم وهو ترك التعمق والاستدلال بأقسام أجسام السموات والأرضين على وجود رب العالمين ثم المبالغة في التعظيم من غير خوض في التفاصيل ،
فاقرأ في التنـزيه قوله تعالى : ( والله الغني وأنتم الفقراء ) وقوله تعالى : ( ليس كمثله شيء ) وقوله تعالى : ( قل هو الله أحد ) واقرأ في الإثبات قوله : ( الرحمن على العرش استوى ) وقوله تعالى : ( يخافون ربهم من فوقهم ) وقوله تعالى : ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) وقوله تعالى : ( قل كلٌّ من عند الله ) وفي تنـزيهه عما لا ينبغي قوله : ( ما أصابك من حسنة فمن الله ) الآية ، وعلى هذا القانون فَقِس . اهـ .
والخلاصة – حفظك الله – أن السلف يُثبتون المعنى دون الكيف ، فالمعنى معلوم والكيف مجهول .
فَـرَدّ الأخ الفاضل :
الأخ الشيخ المحترم
أرجو أن تتحمل مناقشتي لك.
أنت قلت : ( فهذا معنى قول السلف : أمرِّوها كما جاءت . أي بلا كيف ، لا أنه لا يُعرف معنى الاستواء مثلا ، وإنما لا يُسأل عن كيفية الاستواء لعدم العلم بها) وهذا لم أفهمه من قول السلف.
ما فهمته هو أن المعنى غير معروف لهم لذلك نهوا عن الخوض فيها وكان تفسيرها هو إعادة قراءتها وكذلك الكلام في الكيفيات - فالكيفيات من خواص المخلوقات.
أما إذا كان المعنى معروفا فقل لي لو سمحت ما المعنى الذي قالوه للاستواء واليد والساق والعلو- الخ
أرجو أن تكون صبورا معي
فأجبته :فيما نقلته أعلاه :
روى أبو بكر الخلال في كتاب السنة عن الأوزاعي قال : سئل مكحول والزهري عن تفسير الأحاديث ، فقال : أمرُّوها كما جاءت .
وروى أيضا عن الوليد بن مسلم قال : سألت مالك بن أنس وسفيان الثوري والليث بن سعد والأوزاعي عن الأخبار التي جاءت في الصفات ، فقالوا : أمروها كما جاءت ، وفي رواية ، فقالوا : أمروها كما جاءت بلا كيف . وكذاك قال الشافعي حكاه عنه البيهقي .
وأنت قلت - حفظك الله - :
وهذا لم أفهمه من قول السلف.
هذا هو قول السلف صراحة وفقك الله .
أمروها كما جاءت بلا كيف .
وقولك – وفقك الله - : فالكيفيات من خواص المخلوقات .
هذا ليس مُمتنِعاً في حق الله إلا لجهلنا بكيفية الغيبيّات عموما ، حتى ما يتعلّق بالحياة البرزخية – مثلا – لا يُسأل عنه بـ ( كيف ) مع تعلّقه بالمخلوق .أما معنى الاستواء فقد أطال ابن جرير الطبري في تفسيره في ذِكر معنى الاستواء
وقد أطال في تقرير مسألة الاستواء في أوائل سورة البقرة عند تفسيره لقوله تعالى : ( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ ) وقد استغرق تحقيق هذه المسألة عشر صفحات وقرر المسألة وناقش المخالِف .
ورجّح ما رآه في الآية فقال : وأولى المعاني بقول الله جل ثناؤه : (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ) علا عليهن وارتفع ، فدبّـرهن بقدرته ، وخلقهن سبع سماوات .
فائدة :
العلماء يُفرِّقون بين ( استوى إلى ) وبين ( استوى على ) وبين ( استوى ) مُجرّدة ، فالاستواء في اللغة يُطلق على معان تدور على الكمال والانتهاء ، وقد ورد في القرآن على ثلاثة وجوه :
1 - مُطلق ، كقوله تعالى : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى ) أي كَمُل .
2 - مُقيّد بـ " إلى " ، كقوله تعالى ( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ ) أي قَصَد بإرادة تامة .
3 - ومُقيّد بـ " على " ، كقوله تعالى ( لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ) ومعناه حينئذ : العلو والاستقرار . فاستواء الله على عرشه معناه : علوه واستقراره عليه علوا واستقراراً يليق بجلاله وعظمته . انتهى من فتح رب البرية بتلخيص الحموية لشيخ الإسلام ابن تيمية ، والتلخيص للشيخ ابن عثيمين .
أما ( واليد والساق والعلو ) فإن السلف يُثبتونها لله كما أثبتها لنفسه من غير تشبيه ولا تعطيل ولا تحريف ولا تكييف ، بل يُثبتون لله يـداً تليق بجلاله سبحانه ، ويُثبتون لله الساق ، لمجيء ذكره في الكتاب والسنة .
أما في الكتاب ففي قوله تعالى : ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ )
وجاء تفسيره في صحيح وصريح السنة .
روى البخاري من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : يكشف ربنا عن ساقِـه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ، ويبقى كل من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة ، فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقا واحدا .
هذا لفظ البخاري .
وهو مُخرّج في الصحيحين بأطول من هذه الرواية
فقد أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري قال : قلنا : يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟
قال : هل تضارون في رؤية الشمس والقمر إذا كانت صَحْواً ؟
قلنا : لا .
قال : فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم يومئذ إلا كما تضارون في رؤيتهما .
ثم قال : يُنادي منادٍ ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون ، فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم ، وأصحاب الأوثان مع أوثانهم ، وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم ، حتى يبقى من كان يعبد الله من بَـرٍّ أو فاجر وغبرات من أهل الكتاب ، ثم يؤتى بجهنم تُعرض كأنها سراب ، فيقال لليهود : ما كنتم تعبدون ؟
قالوا : كنا نعبد عزير ابن الله .
فيُقال : كذبتم لم يكن لله صاحبة ولا ولد ، فما تريدون ؟
قالوا : نريد أن تسقينا .
فيقال : اشربوا فيتساقطون في جهنم .
ثم يُقال للنصارى : ما كنتم تعبدون ؟
فيقولون : كنا نعبد المسيح ابن الله .
فيقال : كذبتم لم يكن لله صاحبة ولا ولد ، فما تريدون ؟
فيقولون : نريد أن تسقينا .
فيقال : اشربوا فيتساقطون في جهنم .
حتى يبقى من كان يعبد الله من بَـرٍّ أو فاجر ، فيقال لهم : ما يحبسكم وقد ذهب الناس ؟
فيقولون : فارقناهم ونحن أحوج منا إليهم اليوم ، وإنا سمعنا مناديا ينادي : ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون ، وإنما ننتظر ربنا .
قال : فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة ، فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : أنت ربنا فلا يكلمه إلا الأنبياء ، فيقول : هل بينكم وبينه آية تعرفونه ؟
فيقولون : الساق ، فيكشف عن ساقِـه فيسجد له كل مؤمن ، ويبقى من كان يسجد لله رياء وسمعة ، فيذهب كيما يسجد فيعود ظهره طبقا واحدا ، ثم يُؤتى بالجسر فيجعل بين ظهري جهنم .
قال أبو سعيد : قلنا : يا رسول الله وما الجسر ؟
قال مدحضة مزلة عليه خطاطيف وكلاليب وحسكة مفلطحة لها شكوة عقيفة تكون بنجد ، يُقال لها : السعدان ؛ المؤمن عليها كالطرف وكالبرق وكالريح وكأجاويد الخيل والركاب ، فَنَاجٍ مسلّم ، وناجٍ مخدوش ، ومكدوس في نار جهنم ، حتى يمر آخرهم يسحب سحبا ، فما أنتم بأشد لي مناشدة في الحق قد تبين لكم من المؤمن يومئذ للجبار وإذا رأوا أنهم قد نجوا في إخوانهم يقولون : ربنا إخواننا كانوا يُصلون معنا ويصومون معنا ويعملون معنا .
فيقول الله تعالى : اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه ، ويحرم الله صورهم على النار ، فيأتونهم وبعضهم قد غاب في النار إلى قدمه ، وإلى أنصاف ساقيه ، فيُخرِجون من عرفوا ، ثم يعودون فيقول : اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار فأخرجوه ، فيُخرِجون من عرفوا ، ثم يعودون ، فيقول : اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه ، فيخرجون من عرفوا ... الحديث .
ولا يُتصوّر أن النبي العربي صلى الله عليه وسلم يُخاطِب أصحابه بما لا يفهمونه !
وإنما يُخاطبهم بلسان عربي مُبين .
فمذهب سلف هذه الأمة وعقيدة أهل السنة والجماعة إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تشبيه ولا تمثيل ولا تعطيل .
ما رأيكم بالرأي القائل بالتفويض أي تفويض هذه النصوص إلى الله تعالى وعدم الخوض فيها والإيمان بها على سبيل الإجمال، أي الإيمان بما علم الله أنه الحق، وإمرارها كما جاءت بلا كيف ولا معنى، مع تنـزيه الله تعالى عن الاتِّصاف بشيء من سمات نقص
وهذا هو الذي كان عليه جمهور السلف ، كانوا لا يخوضون في هذه الأمور ولا يتكلمون فيها، بل ينهون عامة الناس عن الكلام فيها، ويأمرونهم بتنـزيه الله تعالى عن سمات النقص.
http://al-ershaad.com/vb4/image/bsmlaa.gif (http://al-ershaad.com/vb4/image/bsmlaa.gif)
الجواب : التفويض ليس هو مذهب السلف ، بل هو مذهب الخلف الذين فـرُّوا من إثبات الصفات فقالوا بالتفويض ، فوقَعُوا في التأويل المذموم .
ومذهب السلف إثبات الصفات كما أثبتها الله تبارك وتعالى لنفسه من غير تمثيل ولا تكييف ولا تحريف ولا تعطيل ، ويُثبتون ما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم كذلك .
إلاّ أن سلف هذه الأمة لا يتكلّفون الكلام في كيفية الصفات ، إذ لا يجوز السؤال عن كيفية الصفة ، لقصور العقول عن إدراك بعض المحسوسات فكيف تُدرِك من لا تُدرِكه الأبصار ؟وقد اشتهر عن الإمام مالك رحمه الله أن رجلاً سأله فقال : ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) كيف استوى ؟
فأطرق مالكٌ وأخذته الرحضاء – يعني العَرَق - ثم رفع رأسه فقال : الرحمن على العرش استوى كما وصف نفسه ، ولا يُقال : كيف ، وكيف عنه مرفوع ، وأنت صاحب بدعة . أخْرِجُوه .وفي رواية قال : الكيف غير معقول ، والاستواء منه غير مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ، وإني أخاف أن تكون ضالاً ، وأمَرَ به فأُخْرِج .
وهذا معنى قولهم : أمرُّوها كما جاءت .
فالمقصود بها عند السلف عدم السؤال عن الكيفية ، أن لا يُسأل عن الكيفية بل تُمـرّ كما جاءت . روى أبو بكر الخلال في كتاب السنة عن الأوزاعي قال : سُئل مكحول والزهري عن تفسير الأحاديث ، فقال : أمرُّوها كما جاءت .
وروى أيضا عن الوليد بن مسلم قال : سألت مالك بن أنس وسفيان الثوري والليث بن سعد والأوزاعي عن الأخبار التي جاءت في الصفات ، فقالوا : أمروها كما جاءت ، وفي رواية ، فقالوا : أمروها كما جاءت بلا كيف . وكذاك قال الشافعي حكاه عنه البيهقي .
فهذا معنى قول السلف : أمرِّوها كما جاءت . أي بلا كيف ، لا أنه لا يُعرف معنى الاستواء - مثلا – ولذا لا يُسأل عن كيفية الاستواء لعدم العلم بها ، وهكذا القول في بقية الصِّفات . والله تبارك وتعالى أخبر عن نفسه أنه استوى على عرشه .
فإما أن يُثبت لله ما أثبته الله لنفسه ، وإما أن ينُكر ويُنفى ما أثبت الله لنفسه . وقد يقع إنكار ما أثبته الله لنفسه تحت اسم التأويل ، فـيُحرّف المعنى ويُصرف عن ظاهره . وهذا خلاف ما عليه سلف هذه الأمة ، فإن السلف يُثبتون لله ما أثبته لنفسه ، من غير تحريف ولا تمثيل ولا تعطيل ولا تكييف .
أي لا يسألون عن كيفية الصفة .
وهذا ما يدلّ عليه قوله عليه الصلاة والسلام : تفكّروا في آلاء الله ، ولا تفكّروا في الله . رواه الطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان ، وحسنه الألباني .
ومن حَـاد عن هذه الجادة فَقَدَ الصواب !
قال الإمام الرازي – وهو من المتكلّمين – بعد أن جرّب الطرق الكلامية ، والمذاهب الفلسفية قال :
لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلا ولا تروي غليلا .
وقال أيضا :
واعلم أن بعد التوغل في هذه المضائق والتعمق في الاستكشاف عن أسرار هذه الحقائق رأيت الأصوب الأصلح في هذا الباب طريقة القرآن العظيم والفرقان الكريم وهو ترك التعمق والاستدلال بأقسام أجسام السموات والأرضين على وجود رب العالمين ثم المبالغة في التعظيم من غير خوض في التفاصيل ،
فاقرأ في التنـزيه قوله تعالى : ( والله الغني وأنتم الفقراء ) وقوله تعالى : ( ليس كمثله شيء ) وقوله تعالى : ( قل هو الله أحد ) واقرأ في الإثبات قوله : ( الرحمن على العرش استوى ) وقوله تعالى : ( يخافون ربهم من فوقهم ) وقوله تعالى : ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) وقوله تعالى : ( قل كلٌّ من عند الله ) وفي تنـزيهه عما لا ينبغي قوله : ( ما أصابك من حسنة فمن الله ) الآية ، وعلى هذا القانون فَقِس . اهـ .
والخلاصة – حفظك الله – أن السلف يُثبتون المعنى دون الكيف ، فالمعنى معلوم والكيف مجهول .
فَـرَدّ الأخ الفاضل :
الأخ الشيخ المحترم
أرجو أن تتحمل مناقشتي لك.
أنت قلت : ( فهذا معنى قول السلف : أمرِّوها كما جاءت . أي بلا كيف ، لا أنه لا يُعرف معنى الاستواء مثلا ، وإنما لا يُسأل عن كيفية الاستواء لعدم العلم بها) وهذا لم أفهمه من قول السلف.
ما فهمته هو أن المعنى غير معروف لهم لذلك نهوا عن الخوض فيها وكان تفسيرها هو إعادة قراءتها وكذلك الكلام في الكيفيات - فالكيفيات من خواص المخلوقات.
أما إذا كان المعنى معروفا فقل لي لو سمحت ما المعنى الذي قالوه للاستواء واليد والساق والعلو- الخ
أرجو أن تكون صبورا معي
فأجبته :فيما نقلته أعلاه :
روى أبو بكر الخلال في كتاب السنة عن الأوزاعي قال : سئل مكحول والزهري عن تفسير الأحاديث ، فقال : أمرُّوها كما جاءت .
وروى أيضا عن الوليد بن مسلم قال : سألت مالك بن أنس وسفيان الثوري والليث بن سعد والأوزاعي عن الأخبار التي جاءت في الصفات ، فقالوا : أمروها كما جاءت ، وفي رواية ، فقالوا : أمروها كما جاءت بلا كيف . وكذاك قال الشافعي حكاه عنه البيهقي .
وأنت قلت - حفظك الله - :
وهذا لم أفهمه من قول السلف.
هذا هو قول السلف صراحة وفقك الله .
أمروها كما جاءت بلا كيف .
وقولك – وفقك الله - : فالكيفيات من خواص المخلوقات .
هذا ليس مُمتنِعاً في حق الله إلا لجهلنا بكيفية الغيبيّات عموما ، حتى ما يتعلّق بالحياة البرزخية – مثلا – لا يُسأل عنه بـ ( كيف ) مع تعلّقه بالمخلوق .أما معنى الاستواء فقد أطال ابن جرير الطبري في تفسيره في ذِكر معنى الاستواء
وقد أطال في تقرير مسألة الاستواء في أوائل سورة البقرة عند تفسيره لقوله تعالى : ( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ ) وقد استغرق تحقيق هذه المسألة عشر صفحات وقرر المسألة وناقش المخالِف .
ورجّح ما رآه في الآية فقال : وأولى المعاني بقول الله جل ثناؤه : (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ) علا عليهن وارتفع ، فدبّـرهن بقدرته ، وخلقهن سبع سماوات .
فائدة :
العلماء يُفرِّقون بين ( استوى إلى ) وبين ( استوى على ) وبين ( استوى ) مُجرّدة ، فالاستواء في اللغة يُطلق على معان تدور على الكمال والانتهاء ، وقد ورد في القرآن على ثلاثة وجوه :
1 - مُطلق ، كقوله تعالى : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى ) أي كَمُل .
2 - مُقيّد بـ " إلى " ، كقوله تعالى ( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ ) أي قَصَد بإرادة تامة .
3 - ومُقيّد بـ " على " ، كقوله تعالى ( لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ) ومعناه حينئذ : العلو والاستقرار . فاستواء الله على عرشه معناه : علوه واستقراره عليه علوا واستقراراً يليق بجلاله وعظمته . انتهى من فتح رب البرية بتلخيص الحموية لشيخ الإسلام ابن تيمية ، والتلخيص للشيخ ابن عثيمين .
أما ( واليد والساق والعلو ) فإن السلف يُثبتونها لله كما أثبتها لنفسه من غير تشبيه ولا تعطيل ولا تحريف ولا تكييف ، بل يُثبتون لله يـداً تليق بجلاله سبحانه ، ويُثبتون لله الساق ، لمجيء ذكره في الكتاب والسنة .
أما في الكتاب ففي قوله تعالى : ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ )
وجاء تفسيره في صحيح وصريح السنة .
روى البخاري من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : يكشف ربنا عن ساقِـه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ، ويبقى كل من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة ، فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقا واحدا .
هذا لفظ البخاري .
وهو مُخرّج في الصحيحين بأطول من هذه الرواية
فقد أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري قال : قلنا : يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟
قال : هل تضارون في رؤية الشمس والقمر إذا كانت صَحْواً ؟
قلنا : لا .
قال : فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم يومئذ إلا كما تضارون في رؤيتهما .
ثم قال : يُنادي منادٍ ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون ، فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم ، وأصحاب الأوثان مع أوثانهم ، وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم ، حتى يبقى من كان يعبد الله من بَـرٍّ أو فاجر وغبرات من أهل الكتاب ، ثم يؤتى بجهنم تُعرض كأنها سراب ، فيقال لليهود : ما كنتم تعبدون ؟
قالوا : كنا نعبد عزير ابن الله .
فيُقال : كذبتم لم يكن لله صاحبة ولا ولد ، فما تريدون ؟
قالوا : نريد أن تسقينا .
فيقال : اشربوا فيتساقطون في جهنم .
ثم يُقال للنصارى : ما كنتم تعبدون ؟
فيقولون : كنا نعبد المسيح ابن الله .
فيقال : كذبتم لم يكن لله صاحبة ولا ولد ، فما تريدون ؟
فيقولون : نريد أن تسقينا .
فيقال : اشربوا فيتساقطون في جهنم .
حتى يبقى من كان يعبد الله من بَـرٍّ أو فاجر ، فيقال لهم : ما يحبسكم وقد ذهب الناس ؟
فيقولون : فارقناهم ونحن أحوج منا إليهم اليوم ، وإنا سمعنا مناديا ينادي : ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون ، وإنما ننتظر ربنا .
قال : فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة ، فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : أنت ربنا فلا يكلمه إلا الأنبياء ، فيقول : هل بينكم وبينه آية تعرفونه ؟
فيقولون : الساق ، فيكشف عن ساقِـه فيسجد له كل مؤمن ، ويبقى من كان يسجد لله رياء وسمعة ، فيذهب كيما يسجد فيعود ظهره طبقا واحدا ، ثم يُؤتى بالجسر فيجعل بين ظهري جهنم .
قال أبو سعيد : قلنا : يا رسول الله وما الجسر ؟
قال مدحضة مزلة عليه خطاطيف وكلاليب وحسكة مفلطحة لها شكوة عقيفة تكون بنجد ، يُقال لها : السعدان ؛ المؤمن عليها كالطرف وكالبرق وكالريح وكأجاويد الخيل والركاب ، فَنَاجٍ مسلّم ، وناجٍ مخدوش ، ومكدوس في نار جهنم ، حتى يمر آخرهم يسحب سحبا ، فما أنتم بأشد لي مناشدة في الحق قد تبين لكم من المؤمن يومئذ للجبار وإذا رأوا أنهم قد نجوا في إخوانهم يقولون : ربنا إخواننا كانوا يُصلون معنا ويصومون معنا ويعملون معنا .
فيقول الله تعالى : اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه ، ويحرم الله صورهم على النار ، فيأتونهم وبعضهم قد غاب في النار إلى قدمه ، وإلى أنصاف ساقيه ، فيُخرِجون من عرفوا ، ثم يعودون فيقول : اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار فأخرجوه ، فيُخرِجون من عرفوا ، ثم يعودون ، فيقول : اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه ، فيخرجون من عرفوا ... الحديث .
ولا يُتصوّر أن النبي العربي صلى الله عليه وسلم يُخاطِب أصحابه بما لا يفهمونه !
وإنما يُخاطبهم بلسان عربي مُبين .
فمذهب سلف هذه الأمة وعقيدة أهل السنة والجماعة إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تشبيه ولا تمثيل ولا تعطيل .