ابو مريم الجزائري
2008-07-30, 09:59
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
هذه ترجمة لأحد علماء الجزائر الذين كان لهم باع كبير في الحديث الشريف رواية و دراية ، و الفتيا و الفقه و الأدب ، حتى لقب بشيخ الإسلام ، والإمام ، هذا الذي حلاه الأفراني صاحب " صفوة من انتشر " : ((بالعالم المتفنن الزاهد الورع الموصوف بالصلاح، وله الفتوى بالجزائر فأحسن فيها)).
ووصفه العالمين المحدثين المسندين الفلاني ، و شاه ولي الله الدهلوي " بشيخ الإسلام وصدر الأئمة الأعلام أبي عثمان سعيد بن ابراهيم الجزائري مفتيها عرف بقدورة " [ [قطف الثمر في رفع أسانيد المصنفات في الفنون والأثر ج1/ ص21 ].
و أنظر [الإرشاد إلى مهمات علم الإسناد لشاه ولي الله الدهلوي] نشر أبو عبد الرحمن الطاهر – حفظه الله - .
أصله و نسبه و مولده:يرجع أصل أسرة مترجمنا سعيد قدورة إلى مدينة قدورة القريبة من جزيرة جربة على الساحل التونسي ، هاجرت أسرته في القرن العاشر الى الجزائر و أستقرت بعاصمتها، إسمه سعيد بن إبراهيم بن عبد الرحمن و شهرته قدورة ، و الجزائري ، كان يكنى بأبي عثمان و بأبي محمد، ولد بمدينة الجزائر حوالي سنة 979 هـ.
الجزائر في عصر المؤلف:
لقد كانت الجزائر في القرن الحادي عشر الهجري حاضرة للعلم والفقه، ومكانا يقرأ و يحفظ و يدرس فيه القرآن الكريم ، و يعتنى فيه بالسنة النبوية الشريفة رواية و دراية و خاصة الصحيحين ، وتحفظ فيه تعاليم الإسلام السمحة ، و الفقه على المذهبين المالكي و الحنفي، وكانت مدن الجزائر و حواضرها كالعاصمة و قسنطينة و تلمسان و بجاية قبلة للعلم تشد إليها الرحال من داخل الجزائر وخارجها، و الكتب التي كانت تدرس للطلاب يومئذ تمثل معظم جوانب الثقافة الإسلامية، وقسطا كبيرا من العلوم العقلية والنقلية من المنطق والحساب، والنحو والصرف والعروض، والتوحيد، وعلوم القرآن والحديث، وغيرها. أما طرائق التدريس في الجزائر آنذاك، فوصفها المؤرخون بأنها تتمثل في ملازمة الطالب شيوخه سنوات طويلة يحضر الجلسات، يشارك في الحلقات، ويجمع الشارد والوارد ويبرهن على الطاعة والإعجاب ليُتوج في النهاية بالإجازات وهي ما يقابل اليوم الشهادات الجامعية.
طلبه العلم و شيوخه:
أورد الدكتور أبو القاسم سعد الله – حفظه الله – في موسوعته " تاريخ الجزائر الثقافي ج 1 " أنه عثر على أوراق كتبها سعيد قدورة بنفسه ترجم فيها لحياته وقد ذكر فيها انه تلقى العلم على يد الشيخ محمد بن أبي القاسم المطماطي ، و ذكر أن هذا الخير سافر إلى الحج مع أبي علي ابهلول المجاجي و هو في سن المراهقة ( سنة 993 هـ ) ، كما ذكر أن والديه توفيا سنة 1001 هـ ، و لا يفصل بين تاريخ وفاتهما أكثر من أسبوعين
و أنه سافر بعدها الى زاوية الشيخ " العارف بالله " كما يسميه محمد و اخيه ابي علي بن ابهلول المجاجي الواقعة قرب مدينة تنس ، و قد ذكر في أوراقة أن ابني ابهلول ( علي و محمد ) : " كانا شديدي الاعتناء بالعلم و فنونه كالتفسير و الحديث و الأصول و المنطق و البيان والفقه و التوحيد و غيرهما... ".
و بعد ثلاث سنوات من الدراسة في الزاوية أي سنة 1008 هـ ، يقع حادث مؤلم اثر أيما تأثير في حياة مترجمنا إذ قام رجل نقم من فتوى لمحمد ابهلول يحرم فيها عليه الزواج من سيدة غاب زوجها ، فطعنه بخنجر ظل حيا بضع ساعات لفظ أنفاسه بعدها بين يدي تلميذه سعيد قدورة ، فتأثر كما قلنا من هذا الحادث ، فرثى شيخه بقصيدة اعتبره فيها شهيد العلم ، تابع بعدها دروسه على يد الأخ الآخر لشيخه علي قبل أن يعود إلى الجزائر ليتصل بشيخه المطماطي الذي عاد من الحجاز يدرس في الجامع الكبير فدرس عليه مختصر خليل و ابن الحاجب في الفقه و الفرائض و التوحيد.
و نظرا لرغبته الشديدة في الاستزادة من المعارف و العلوم فقد سافر إلى تلمسان حوالي سنة 1012 هـ ليتتلمذ على الشيخ سعيد المقري الذي بلغت شهرته في ذلك الوقت القاصي و الداني و خصوصا في العلوم العقلية ، فتتلمذ عليه في الحديث الشريف و الأدب و التاريخ و البلاغة و البيان و غيرهما، و قد أجازه سعيد المقري بتلمسان بسنده في الكتب الستة إلى القاضي عياض رفقة أبوالعباس أحمد المقري الذي نشأت بينهما صداقة و محبة و أخوة، إذ يخبرنا المقري في كتابه ((رحلة المقري إلى المغرب والمشرق، أبوالعباس أحمد المقري، تحقيق: د.محمد بن معمر، مكتبة الرشاد، الجزائر، 2004 - ص 72.)) : " ... بأنه نزل بالجزائر العاصمة يوم الخامس والعشرين من ذي الحجة سنة 1027 هـ، حيث خرج إلى رأس تافورة صحبة جماعة من الأعيان منهم مفتي الحنفية الخطيب محمود بن حسين بن قرمان، والشاعر الأديب محمد بن راس العين الذي تبادلت معه نظم الشعر بمناسبة هذا الاجتماع، كما التقيت بعالم الجزائر وفقيهها الأخ في الله سيدي سعيد الشهير بقدورة ، الذي كنت قد رافقه في الأخذ عن عمي سعيد المقري."
ويذكر المقري أنه أثناء هذا اللقاء لاغز [من اللغز] سعيد قدورة المؤلف في لفظ القوس نثراً فأجابه، كما لاغزه في لفظ الصنّبر بتسعة أبيات، وأجابه المؤلف بأحد عشر بيتاً في حل هذا اللغز
ومما ذكره حول لغز المفتي سعيد قدورة مايلي: "كتب إلي مفتي الجزائر وعالمها وإمامها وخطيبها الأخ في الله سيدي سعيد الشهير بقدورة حفظه الله/ملغزاً في القوس:
يا بارعاً أربى على ذوي النهى ... ولامعاً يسمو على نجم السهى
لفظ تراه في كتاب الله ... أتى مثنى يا أخا انتباه
ولم يثن فيه واصطحبه ... في السفر المبرور تستطبه
فأجابه المؤلف بما نصه:
الحمد لله الذي ألهمـا ... لحل مُشْكلٍ عَرَا وأفهما
وصلواته على المُقَرَّبِ ... كقاب قوسين النبيِّ العربي
ثم الرضى عن صحبه وعترتِهْ ... الفائزين بمزايا إثرته
ووارثيه علماء الملـة ... السعداء العاملين الجلـة
وبعد:
يا صدر الكمال والورع فقد أتانا نظمك الذي عجز عن ألفاظه قاريها، فأسلم القوس إلى باريها، وكيف لا وقد رمى عنها، فلم تحط شريد الفهم.."
ثم سافر في طلب العلم و ملاقاة الشيوخ و المحدثين للأخذ عنهم الى صحراء فجيج و تافيلالت و سجلماسة وواحة توات ، و قد أختير ضمن وفد مدينة تلمسان للذهاب الى سجلمساسة لتهنئة احمد بن عبد الله السجلماسي الشاعر المعروف بابن المحلى الذي استولى عليها [الفقيه أبو العباس أحمد بن عبد الله السجلماسي المعروف بأبي محلي توفي مقتولا في ثورته على السلطان زيدان سنة ثامن رمضان سنة اثنتين وعشرين وألف...الذي خرج يؤم سجلماسة وكان خليفة زيدان عليها يومئذ يسمى الحاج المير فخرج عامل زيدان لمصادمته وهو في نحو أربعة آلاف وابن أبي محلي في نحو أربعمائة فلما التقى الجمعان كانت الدبرة على جيش زيدان ...ولما دخل سجلماسة أظهر العدل وغير المناكر فأحبته العامة وقدمت عليه وفود أهل تلمسان والراشدية يهنئونه وفيهم الفقيه العلامة أبو عثمان سعيد الجزائري المعروف بقدورة شارح السلم وهو من تلامذة ابن أبي محلي كما ذكره في الأصليت " كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى للشيخ أبو العباس الناصري ج1 "] ، ثم سافر إلى فاس و بقي يطلب العلم حتى سنة 1019 هـ حيث دامت غربته اكثر من سبع (07 ) سنوات قبل ان يعود الى الجزائر.
ومن الشيوخ الذين أخذ عنهم و أجازوه:
- إبراهيم بن الحسن بن علي اللقاني المالكي المصري ( ت سنة 1041 هـ ) : أبو إسحاق عالم مصر وإمامها أحد الأعلام المشار لهم بسعة الاطلاع في علم الحديث والتبحر في بقية العلوم ومن مؤلفاته " قضاء الوطر في توضيح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر" و " إجمال الرسائل وبهجة المحافل في التعريف برواة الشمائل " و جزءا في مشيخته سماه " نشر المآثر فيمن أدرك من أهل القرن العاشر".
عودته الى الجزائر و وظائفه بها:
عاد من غربته ليجد شيخه المطماطي يعاني من المرض الشديد فيعينه خليفة له للتدريس بالجامع الكبير ووكيلا لأوقافه ، وبعد اشتهار أمره عين مفتيا للمالكية ابتداء من سنة 1028 هـ ، و قد ظل في هذا المنصب الخطير حتى وفاته سنة 1066 هـ ،
تذكر المصادر أن أوقاف الجامع الكبير كانت من أغنى مصادر الوقف في الجزائر ، عرف عن سعيد قدورة انه من أسرة غنية و لذلك ذكرت المصادر التي ترجمت له انه كان يدفع لنوابه الأربع في الخطبة بمساجد العاصمة من ماله الخاص ، وانه كان يتاجر بأمواله مع التجار الكبار ، و انه يملك أراضي شاسعة تدر عليه أموالا طائلة.
قام سعيد قدورة بالإنفاق على الجامع الكبير فأجرى تحسينات و إضافات و توسعة عليه ، كما اشترى مكتبة قيمه تحتوى على أمهات الكتب و المخطوطات أضافها إلى ما يوجد من كتب داخل المسجد ، و كذلك شيد زاوية قرب الجامع أصبحت تعرف باسم زاوية الجامع الكبير ، و كذلك شيد مدرسة و مأوى لفقراء الطلبة و الغرباء منهم يقدم لهم المأكل و المشرب و الإقامة و المبيت مجانا ، كل ذلك من فائض أوقاف الجامع الكبير.
و تصدر لتدريس الصحيحين و الموطأ رواية و دراية فحضر دروسه خلق عظيم من الطلبة و العلماء و المشايخ ، و قصده طالبي الإجازات و علو الإسناد من سائر ربوع الجزائر و من خارجها ، و اشتهر بعلمه و فتاويه فأحبه الناس ، و كبر في عيونهم فهابه الحكام العثمانيين، وقد بلغ من هيبة و قيمة سعيد قدورة أن كان الباشوات - رغم تعددهم و شهرة بعضهم بالبطش و الطغيان و الظلم - يقفون له إجلالا و يقبلون يده ، و يقدمونه على المفتى الحنفي - شيخ الإسلام كما يلقبه الحكام الأتراك في الجزائر لأنه يمثل مذهب الحكام - كما أن المجلس العلمي و القضائي الذي كان ينعقد في دار السلطان للنظر في الأمور الهامة ، أصبح ينعقد في عصر سعيد قدورة في الجامع الكبير الذي كان يُدَرِسُ فيه ( و هو أي المجلس يضم المفتيان المالكي و الحنفي ، و قضاة المذهبين و يحضره الباشا أو ممثله و العلماء من الفئتين) و قد بقي هذا التقليد ساريا طيلة العهد العثماني في الجزائر.
تذكر المصادر التي ترجمت له أيضا انه سافر في مهمة إلى اسطنبول و انه التقى بمفتييها سعيد افندي ، و قد ذكر هذه السفرية الشاعر احمد المانجلاتي في قصيدة بعث بها إلى مفتى اسطنبول يعرفها فيها بمنزلة و مرتبة سعيد قدورة.يتبع ان شاء الله ....
هذه ترجمة لأحد علماء الجزائر الذين كان لهم باع كبير في الحديث الشريف رواية و دراية ، و الفتيا و الفقه و الأدب ، حتى لقب بشيخ الإسلام ، والإمام ، هذا الذي حلاه الأفراني صاحب " صفوة من انتشر " : ((بالعالم المتفنن الزاهد الورع الموصوف بالصلاح، وله الفتوى بالجزائر فأحسن فيها)).
ووصفه العالمين المحدثين المسندين الفلاني ، و شاه ولي الله الدهلوي " بشيخ الإسلام وصدر الأئمة الأعلام أبي عثمان سعيد بن ابراهيم الجزائري مفتيها عرف بقدورة " [ [قطف الثمر في رفع أسانيد المصنفات في الفنون والأثر ج1/ ص21 ].
و أنظر [الإرشاد إلى مهمات علم الإسناد لشاه ولي الله الدهلوي] نشر أبو عبد الرحمن الطاهر – حفظه الله - .
أصله و نسبه و مولده:يرجع أصل أسرة مترجمنا سعيد قدورة إلى مدينة قدورة القريبة من جزيرة جربة على الساحل التونسي ، هاجرت أسرته في القرن العاشر الى الجزائر و أستقرت بعاصمتها، إسمه سعيد بن إبراهيم بن عبد الرحمن و شهرته قدورة ، و الجزائري ، كان يكنى بأبي عثمان و بأبي محمد، ولد بمدينة الجزائر حوالي سنة 979 هـ.
الجزائر في عصر المؤلف:
لقد كانت الجزائر في القرن الحادي عشر الهجري حاضرة للعلم والفقه، ومكانا يقرأ و يحفظ و يدرس فيه القرآن الكريم ، و يعتنى فيه بالسنة النبوية الشريفة رواية و دراية و خاصة الصحيحين ، وتحفظ فيه تعاليم الإسلام السمحة ، و الفقه على المذهبين المالكي و الحنفي، وكانت مدن الجزائر و حواضرها كالعاصمة و قسنطينة و تلمسان و بجاية قبلة للعلم تشد إليها الرحال من داخل الجزائر وخارجها، و الكتب التي كانت تدرس للطلاب يومئذ تمثل معظم جوانب الثقافة الإسلامية، وقسطا كبيرا من العلوم العقلية والنقلية من المنطق والحساب، والنحو والصرف والعروض، والتوحيد، وعلوم القرآن والحديث، وغيرها. أما طرائق التدريس في الجزائر آنذاك، فوصفها المؤرخون بأنها تتمثل في ملازمة الطالب شيوخه سنوات طويلة يحضر الجلسات، يشارك في الحلقات، ويجمع الشارد والوارد ويبرهن على الطاعة والإعجاب ليُتوج في النهاية بالإجازات وهي ما يقابل اليوم الشهادات الجامعية.
طلبه العلم و شيوخه:
أورد الدكتور أبو القاسم سعد الله – حفظه الله – في موسوعته " تاريخ الجزائر الثقافي ج 1 " أنه عثر على أوراق كتبها سعيد قدورة بنفسه ترجم فيها لحياته وقد ذكر فيها انه تلقى العلم على يد الشيخ محمد بن أبي القاسم المطماطي ، و ذكر أن هذا الخير سافر إلى الحج مع أبي علي ابهلول المجاجي و هو في سن المراهقة ( سنة 993 هـ ) ، كما ذكر أن والديه توفيا سنة 1001 هـ ، و لا يفصل بين تاريخ وفاتهما أكثر من أسبوعين
و أنه سافر بعدها الى زاوية الشيخ " العارف بالله " كما يسميه محمد و اخيه ابي علي بن ابهلول المجاجي الواقعة قرب مدينة تنس ، و قد ذكر في أوراقة أن ابني ابهلول ( علي و محمد ) : " كانا شديدي الاعتناء بالعلم و فنونه كالتفسير و الحديث و الأصول و المنطق و البيان والفقه و التوحيد و غيرهما... ".
و بعد ثلاث سنوات من الدراسة في الزاوية أي سنة 1008 هـ ، يقع حادث مؤلم اثر أيما تأثير في حياة مترجمنا إذ قام رجل نقم من فتوى لمحمد ابهلول يحرم فيها عليه الزواج من سيدة غاب زوجها ، فطعنه بخنجر ظل حيا بضع ساعات لفظ أنفاسه بعدها بين يدي تلميذه سعيد قدورة ، فتأثر كما قلنا من هذا الحادث ، فرثى شيخه بقصيدة اعتبره فيها شهيد العلم ، تابع بعدها دروسه على يد الأخ الآخر لشيخه علي قبل أن يعود إلى الجزائر ليتصل بشيخه المطماطي الذي عاد من الحجاز يدرس في الجامع الكبير فدرس عليه مختصر خليل و ابن الحاجب في الفقه و الفرائض و التوحيد.
و نظرا لرغبته الشديدة في الاستزادة من المعارف و العلوم فقد سافر إلى تلمسان حوالي سنة 1012 هـ ليتتلمذ على الشيخ سعيد المقري الذي بلغت شهرته في ذلك الوقت القاصي و الداني و خصوصا في العلوم العقلية ، فتتلمذ عليه في الحديث الشريف و الأدب و التاريخ و البلاغة و البيان و غيرهما، و قد أجازه سعيد المقري بتلمسان بسنده في الكتب الستة إلى القاضي عياض رفقة أبوالعباس أحمد المقري الذي نشأت بينهما صداقة و محبة و أخوة، إذ يخبرنا المقري في كتابه ((رحلة المقري إلى المغرب والمشرق، أبوالعباس أحمد المقري، تحقيق: د.محمد بن معمر، مكتبة الرشاد، الجزائر، 2004 - ص 72.)) : " ... بأنه نزل بالجزائر العاصمة يوم الخامس والعشرين من ذي الحجة سنة 1027 هـ، حيث خرج إلى رأس تافورة صحبة جماعة من الأعيان منهم مفتي الحنفية الخطيب محمود بن حسين بن قرمان، والشاعر الأديب محمد بن راس العين الذي تبادلت معه نظم الشعر بمناسبة هذا الاجتماع، كما التقيت بعالم الجزائر وفقيهها الأخ في الله سيدي سعيد الشهير بقدورة ، الذي كنت قد رافقه في الأخذ عن عمي سعيد المقري."
ويذكر المقري أنه أثناء هذا اللقاء لاغز [من اللغز] سعيد قدورة المؤلف في لفظ القوس نثراً فأجابه، كما لاغزه في لفظ الصنّبر بتسعة أبيات، وأجابه المؤلف بأحد عشر بيتاً في حل هذا اللغز
ومما ذكره حول لغز المفتي سعيد قدورة مايلي: "كتب إلي مفتي الجزائر وعالمها وإمامها وخطيبها الأخ في الله سيدي سعيد الشهير بقدورة حفظه الله/ملغزاً في القوس:
يا بارعاً أربى على ذوي النهى ... ولامعاً يسمو على نجم السهى
لفظ تراه في كتاب الله ... أتى مثنى يا أخا انتباه
ولم يثن فيه واصطحبه ... في السفر المبرور تستطبه
فأجابه المؤلف بما نصه:
الحمد لله الذي ألهمـا ... لحل مُشْكلٍ عَرَا وأفهما
وصلواته على المُقَرَّبِ ... كقاب قوسين النبيِّ العربي
ثم الرضى عن صحبه وعترتِهْ ... الفائزين بمزايا إثرته
ووارثيه علماء الملـة ... السعداء العاملين الجلـة
وبعد:
يا صدر الكمال والورع فقد أتانا نظمك الذي عجز عن ألفاظه قاريها، فأسلم القوس إلى باريها، وكيف لا وقد رمى عنها، فلم تحط شريد الفهم.."
ثم سافر في طلب العلم و ملاقاة الشيوخ و المحدثين للأخذ عنهم الى صحراء فجيج و تافيلالت و سجلماسة وواحة توات ، و قد أختير ضمن وفد مدينة تلمسان للذهاب الى سجلمساسة لتهنئة احمد بن عبد الله السجلماسي الشاعر المعروف بابن المحلى الذي استولى عليها [الفقيه أبو العباس أحمد بن عبد الله السجلماسي المعروف بأبي محلي توفي مقتولا في ثورته على السلطان زيدان سنة ثامن رمضان سنة اثنتين وعشرين وألف...الذي خرج يؤم سجلماسة وكان خليفة زيدان عليها يومئذ يسمى الحاج المير فخرج عامل زيدان لمصادمته وهو في نحو أربعة آلاف وابن أبي محلي في نحو أربعمائة فلما التقى الجمعان كانت الدبرة على جيش زيدان ...ولما دخل سجلماسة أظهر العدل وغير المناكر فأحبته العامة وقدمت عليه وفود أهل تلمسان والراشدية يهنئونه وفيهم الفقيه العلامة أبو عثمان سعيد الجزائري المعروف بقدورة شارح السلم وهو من تلامذة ابن أبي محلي كما ذكره في الأصليت " كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى للشيخ أبو العباس الناصري ج1 "] ، ثم سافر إلى فاس و بقي يطلب العلم حتى سنة 1019 هـ حيث دامت غربته اكثر من سبع (07 ) سنوات قبل ان يعود الى الجزائر.
ومن الشيوخ الذين أخذ عنهم و أجازوه:
- إبراهيم بن الحسن بن علي اللقاني المالكي المصري ( ت سنة 1041 هـ ) : أبو إسحاق عالم مصر وإمامها أحد الأعلام المشار لهم بسعة الاطلاع في علم الحديث والتبحر في بقية العلوم ومن مؤلفاته " قضاء الوطر في توضيح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر" و " إجمال الرسائل وبهجة المحافل في التعريف برواة الشمائل " و جزءا في مشيخته سماه " نشر المآثر فيمن أدرك من أهل القرن العاشر".
عودته الى الجزائر و وظائفه بها:
عاد من غربته ليجد شيخه المطماطي يعاني من المرض الشديد فيعينه خليفة له للتدريس بالجامع الكبير ووكيلا لأوقافه ، وبعد اشتهار أمره عين مفتيا للمالكية ابتداء من سنة 1028 هـ ، و قد ظل في هذا المنصب الخطير حتى وفاته سنة 1066 هـ ،
تذكر المصادر أن أوقاف الجامع الكبير كانت من أغنى مصادر الوقف في الجزائر ، عرف عن سعيد قدورة انه من أسرة غنية و لذلك ذكرت المصادر التي ترجمت له انه كان يدفع لنوابه الأربع في الخطبة بمساجد العاصمة من ماله الخاص ، وانه كان يتاجر بأمواله مع التجار الكبار ، و انه يملك أراضي شاسعة تدر عليه أموالا طائلة.
قام سعيد قدورة بالإنفاق على الجامع الكبير فأجرى تحسينات و إضافات و توسعة عليه ، كما اشترى مكتبة قيمه تحتوى على أمهات الكتب و المخطوطات أضافها إلى ما يوجد من كتب داخل المسجد ، و كذلك شيد زاوية قرب الجامع أصبحت تعرف باسم زاوية الجامع الكبير ، و كذلك شيد مدرسة و مأوى لفقراء الطلبة و الغرباء منهم يقدم لهم المأكل و المشرب و الإقامة و المبيت مجانا ، كل ذلك من فائض أوقاف الجامع الكبير.
و تصدر لتدريس الصحيحين و الموطأ رواية و دراية فحضر دروسه خلق عظيم من الطلبة و العلماء و المشايخ ، و قصده طالبي الإجازات و علو الإسناد من سائر ربوع الجزائر و من خارجها ، و اشتهر بعلمه و فتاويه فأحبه الناس ، و كبر في عيونهم فهابه الحكام العثمانيين، وقد بلغ من هيبة و قيمة سعيد قدورة أن كان الباشوات - رغم تعددهم و شهرة بعضهم بالبطش و الطغيان و الظلم - يقفون له إجلالا و يقبلون يده ، و يقدمونه على المفتى الحنفي - شيخ الإسلام كما يلقبه الحكام الأتراك في الجزائر لأنه يمثل مذهب الحكام - كما أن المجلس العلمي و القضائي الذي كان ينعقد في دار السلطان للنظر في الأمور الهامة ، أصبح ينعقد في عصر سعيد قدورة في الجامع الكبير الذي كان يُدَرِسُ فيه ( و هو أي المجلس يضم المفتيان المالكي و الحنفي ، و قضاة المذهبين و يحضره الباشا أو ممثله و العلماء من الفئتين) و قد بقي هذا التقليد ساريا طيلة العهد العثماني في الجزائر.
تذكر المصادر التي ترجمت له أيضا انه سافر في مهمة إلى اسطنبول و انه التقى بمفتييها سعيد افندي ، و قد ذكر هذه السفرية الشاعر احمد المانجلاتي في قصيدة بعث بها إلى مفتى اسطنبول يعرفها فيها بمنزلة و مرتبة سعيد قدورة.يتبع ان شاء الله ....