المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : للفقيه العلامة المصلح الشيخ السعيد ابهلول الورتلاني


ابو مريم الجزائري
2008-07-29, 12:02
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

نترجم اليوم للفقيه العلامة المصلح الشيخ السعيد ابهلول الورتلاني رفض الوظيفة و زهد في جاهه العريض ، وسخر حياته من أجل محاربة البدع والدفاع عن الدين الإسلامي كما ساهم بجهوده في المجال التعليمي والتربوي الذي رابط فيه زهاء 60 سنة من عمره المديد ( 86 سنة)، كما ساهم في تنوير مجتمعه بتعاليم الإسلام السمحة ، وكان المرجع في بلاد زواوة في المسائل و الإفتاء ، فهو القاضي و المفتي الشعبي في المساجد و الأسواق و التجمعات.

مقدمة:لقد كانت لحالة الجزائريين المرضية في القرن 19 للميلاد من انتشار للضلالات وأسباب الغواية والانحراف ومحاولة الاستدمار طمس الشخصية ونشر الإلحاد والتنصير فبرز علماء جزائريون حاولوا بكل جهدهم تنوير قومهم ، و تعليمهم مبادئ الدين الإسلامي الحنيف ، بعيدا عن الخزعبلات و البدع التي انتشرت بسبب الجهل و الاستدمار، و من بين هؤلاء الرجال مترجمنا الذي عمل جاهدا مع ثلة من العلماء يتقدمهم الشيخين عبد الحميد بن باديس والإبراهيمي الذين عملوا على التصدي ومحاصرة هذه الأمراض التي فككت أواصر هذه الأمة ، و بذلوا الغالي و النفيس في سبيل تصحيح المفاهيم و إعداد الشعب الجزائري للعودة إلى منابع الإسلام القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة.

مولده و أسرته :

ولد في قرية ألموثن ببني ورتيلان، ولاية سطيف حاليا سنة 1276 هـ ( 1859 م ) ، و قد كتب والده في مجلد مخطوط بخط يده ما يلي : " .... في اليوم الثامن من رجب أحد شهور الله الحرم من عام 1276 هـ سنة ست و سبعين و مائتين وألف ، جعل الله البركة في عمره و أنبته نباتا حسنا و رزقه العلم النافع و القلب الخاشع و الرزق الواسع و العمل المتقبل ، و حفظه مما يخشى منه و جعله بارا لربه مع والديه و حشرنا و إياه مع أبائنا في زمرة مؤلفي هذا الكتاب و تغمدنا برحمته آمين".
ينتمي إلى أسرة " المرابطين الشرفاء " [ وأخيكم أبو مريم منهم ] الذين ينتسبون – و الناس مصدقون في أنسابهم – إلى الدوحة النبوية الشريفة ، و بقوا محافظين على هذا الشرف حتى حين امتزجوا بمختلف الأسر البربرية بالمصاهرة ، فيسبق اسمهم " بسيدي فلان" ، أما الأنثى فتدعى ب: " لـلا ".
و هذه الأسرة اشتهرت بالعلم و الدين ، فعائلة أبهلول ( البهاليل : الشجعان الصناديد ) لا يخلو جيل منها من عالم قرآني أو محدث أو فقيه أو أديب.

طلبه العلم و شيوخه:

أول شيوخه هو والده الشيخ الطاهر بن احمد ابهلول و قد عرف بعلمه وفقهه، كما كان من حفاظ القرآن الكريم ، فعلمه مبادئ العربية و رسم الكتابة ، و لما بلغ الخامسة من عمره بدأ في تحفيظه القرآن الكريم ، كما قام بتأديبه و تربته أحسن تربيه فلقته تعاليم الإسلام القويم، و قد طال العمر بالوالد حتى رأى ابنه عالما و مدرسا لا يشق له غبار.
و حفظ مترجمنا عن ظهر قلب بعض الأراجيز في القراءات و التوحيد و مبادئ الفقه و اللغة ، أثناء حفظه للقرآن الكريم الذي ختمه ثلاث ختمات متتالية ، ثم قرأ مختصر خليل في الفقه و ألفية ابن مالك ، و حفظ المتون المعروفة في وقته و استوعب النص و شروحه ، مما جعله مرجعا حجة في القضاء و الفتوى لا يجاري و لا يضاهي بإجماع علماء وقته ومشايخه.
بعد هذه المرحلة انتقل لطلب العلم عند علماء وشيوخ المعاهد و الزوايا المعروفين و منهم:
- الشيخ يحي حمودي امام و مدرس مسجد اولموتن ببني ورتيلان حتى وفاته ، اخذ عنه علوم الشريعة و الدين و قد أجازه بما لديه من مرويات و كتب بعد ان لمس بنفسه سعة علمه و أهليته لتلقي العلوم الشرعية.
- الشيخ عبد الله حمودي ابن الشيخ يحي حمودي و خليفته بعد وفاته و اخذ عنه علوم العربية و النحو و الصرف و البلاغة و البيان ، و قد أجازه هو الأخر كوالده لما تأكد له ضلوعه في العلوم المدروسة.
- الشيخ السعيد بن الحريزي العيدلي و عنه اخذ اصول الفقه و علوم اللسان و البلاغة و العروض.
- الشيخ محمد القاضي الصدوقي من قرية ثقاعت بلدة صدوق و لاية بجاية و عنه اخذ الفقه و التصوف و التفسير.
- الشيخ احمد رحاب المجاهد الذي شارك في ثورة الشريف المقراني سنة 1871م ، و عنه اخذ فنون المنطق و التاريخ الإسلامي عبر مؤلفات سعيد قدورة الازهري.

كما اخذ علوم التفسير و الحديث الشريف و الفقه عن الأساتذة:

- الشيخ حمدان لونيسي دفين المدينة النبوية طيبة المطيبة ،الأستاذ الكبير و الأب الروحي للإمام عبد الحميد بن باديس، حيث تتلمذ له مترجمنا لما كان يزور مدينة قسنطينة ، كما كان يراسله يطلب رأيه في الفتاوي التي تعرض عليه ، و كان مترجمنا حين يخاطبه يحليه هكذا : " حضرة ذي المعارف الربانية و النفحات الرحمانية ، وارث علم الأولين ، ونخبة العلماء العاملين ، إمام التحقيق ، و علم التحرير و التدقيق، العلامة الجليل ، الدراكة النبيل...".
- العالم المفكر العامل بعلمه، الأستاذ المربي المعلم عبد القادر المجاوي القسنطيني المغربي ( ت سنة1332) المدرس بجامع الكتاني والمدرسة الكتانية بقسنطينة ، ثم بالمدرسة الثعالبية بالجزائر العاصمة ، من مؤلفات الكثيرة: " إرشاد المتعلمين" ، و" المرصاد في مسائل الاقتصاد" , و " شرح منظومة في إنكار البدع والمفاسد الاجتماعية " للمفتي الشيخ المولود بن الموهوب.

- الشيخ صالح بن مهنا القسنطيني الأزهري، أحد رجال الإصلاح في الجزائر الذين مع الأسف لا يعرفهم الكثير ، وقد كان المفكر الراحل مالك بن نبي رحمه الله يعتبره رمز الإصلاح في الجزائر وينوه بذكره في كتبه و مقالاته و مجالسه و مذكراته، درس بجامع الزيتونة المعمور ، و بالأزهر الشريف ، و عين إماما خطيبا بالجامع الكبير بقسنطينة بعد عودته إلى أرض الوطن ، كما شارك في التعليم و التدريس ، و التأليف أيضا حيث ترك مؤلفات منها " البدر الأسمى في بيان معاني نظم الأسماء الحسنى " و " كتاب شرح ابن عاشر "
و " تنبيه المغترين والرد على إخوان الشياطين " و " مختصر الترغيب والترهيب " و غيرها.
- الشيخ الفقيه الأديب الأريب ، عاشور الحنفي البسكري.

التدريس:انتصب للتدريس و هو دون الثلاثين من عمره ، و استمر فيه أكثر من ستين سنة ، و كانت له طريقة في التعليم يستعمل فيها مختلف الطرق منها إيراد الأقوال و الأمثال و الحكم و الأشعار، و قد استقبل الطلبة القادمين من مختلف جهات الوطن ، و كان يوزعهم على محسني القرية للتكفل بهم ، الى جانب هذا كان ينتقل إلى أماكن النزاع بنفسه للإصلاح بين المتنازعين ، و قد اشتهرت فتاويه حتى اعتمدها القضاة و راسله الكثير منهم في شأنها ، و قد علق على فتاويه و أعجب بها و رضي بما فيه شيخه حمدان لونيسي ، كما قرضها الشيخ عبد الحميد بن باديس.
علم في نواحي عين البيضاء ( أم البواقي ) ، وادي زناتي ( ولاية قالمة) ،
زاوية بوقشابية ( عنابة) حيث درس مختصر خليل و السنوسية في التوحيد و الاجرومية في النحو و غيرها
معهد زاوية فريحة الساحلية ببني ورتيلان و له تلاميذ نجباء خلفوه في التدريس منهم التلميذ الوفي الشيخ صالح الفريحي
مسجد الشيخ الرحالة الشريف الحسين الورتيلاني ومن تلامذته فيه الشيخ الداعية الفضيل الورتيلاني و غيره من الطلبة الذين انتقلوا إلى قسنطينة للالتحاق بمعهد ابن باديس ( الجامع الاخضر ) و أصبحوا قادة الحركات الإصلاحية و العلمية و الوطنية و استشهد غالبهم في الثورة التحريرية المباركة في سن متقدمة
معهد الزاوية الزورقية بمشارف بني وغليس شمال وادي الصومام ، و هي تنسب الى الشيخ احمد زروق البرنوسي.
معهد زاوية سيدي موسى بني وغليس في سفح جبال جرجرة شمال وادي الصومام الذي يصب قرب ميناء بجاية الحمادية ، و هو معهد مشهور في بلاد القبائل الصغرى و الكبرى لما له من أوقاف و شيوخ حيث يؤمه مئات الطلبة من جهات القطر الجزائري ، و قد اشتهر بتخريج أئمة الصلوات و الخطباء ، فحفظة القرآن الكريم منه يعدون بالمئات من خراطة عين الكبيرة نقاوس باتنه الزاب و غيرها.
مسجد سيدي عيش ( بجاية ) حيث كان الشيخ ينزل كل يوم أربعاء ، و هو يوم تنعقد فيه سوق عمومية مزدهرة و مشهورة يقصدها الناس بكثرة من القرى و المداشر المجاورة ، فكان يعقد مجلس فتوى و قضاء يفتى فيه الناس ـ، يتلوه دروسا للشيخ في الفقه و النحو و كتاب السلم في المنطق للشيخ الاخضري.

تلامذته:تخرج على يدي الشيخ خلق و أمم لا تعد و لا تحصى ، و قد رأينا كثرة المعاهد و الزوايا التي درس و علم فيها ، و كيف كان من المجددين في الحركة الاصلاحية ، و من أشهر تلامذته:
أبناؤه :
- شهيد الثورة التحريرية المباركة ،الأستاذ المربي الأديب الشاعر عبد الملك فضلاء ( 1920 – 1957 م ).
- العالم الأديب المسرحي محمد الطاهر فضلاء رحمه الله ( 30 / 03 / 1918 م - 19 / 07 / 2005 م).
- الأديب المسرحي محمد الباهي فضلاء حفظه الله .
و العلماء و المشايخ :
- الشيخ المصلح الرحالة الفضيل الورتيلاني.
- الهادي الزروقي مؤسس الحركة الاصلاحية ببجاية
- العربي الشريف امام مسجد سيدي عيش و شهيد الثورة التحريرية
- يحي الحافظي امام حر و مدرس
- محمد الطاهر شرفاوي امام و مدرس
- محمد الشريف شرفاء امام و مدرس و صهر الشيخ السعيد.
- احمد بلعياضي امام بأولاد أبراهم بلد الشيخ الإبراهيمي و لاية برج بوعريريج. وعشرات غيرهم.

مؤلفاته:
ترك رسائل كثيرة منها :
رسالة في الرد على القائلين من الطرقيين بوجوب تلقين الأوراد للعوام من المريدين و هي الرسالة التي طبعت سنة 1928 م بمطبعة رودوسي ، و قد قرضها و أثنى عليها عدد من العلماء آنذاك منهم الشيخ البشير الإبراهيمي الذي كتب إليه رسالة مطولة بخصوصها أنقلها هنا:
" الحمد لله
جناب العلامة الاديب أخينا سيدي محمد السعيد البهلولي أطال الله بقاءه و رزقنا لقاءه
السلام عليكم و رحمة الله :
وفاء للثناء الذي أنتم أهله ، و كفاء للفضل الذي أنتم قراراته و محله...
نقدم لكم تهانينا القلبية بهذا العيد، راجين أن يكون طليعة خير و فأل يمن لجميع المسلمين.
و ننهي لأخوتكم الكاملة ، إني اتصلت في أثناء السنة الماضية ، بواسطة الأخ محمد السعيد بن الشيخ الحسن برسالة من وضعكم ، و ابلغني اقتراحا من فضيلتكم على هذا الحقير ، أن يلقي عليها نظرة ، و يعطي فكرة فيما تضمنته ، ثم يرشد إلى طبعها إن رآها صالحة.
هزتني أريحية الثناء على جنابكم أولا لكمال إنصافكم و حسن ظنكم في هذا العاجز و أكبرت صنيعكم في ذلك.
ثم تأملت الرسالة ، فإذا انتم ترمون عن قوس فكرتي ، و ترودون مراد انتجاعي ، فحمدت الله ، و أيقنت أن ذلك نتيجة التعارف الروحي.
المسألة التي كتبتم فيها هي المسألة الشاغلة لأفكار دعاة الإصلاح الديني في الشرق...و لأخيكم الضعيف في هذا الميدان جولة ظهرت آثارها في الشرق مؤيدة بجند الله و البرهان العقلي ، و سلاح الأصلين الأصيلين : كتاب الله و ما صح من سنن نبيه [ صلى الله عليه و على آله وسلم ] القولية و الفعلية ...بيد أن حالة الشرق غير حالة بلادنا ، فالأنصار في الشرق متوافرون ، و فكرة الإصلاح قد تسربت الى نفوس كثير من الطبقات ، و تشربتها و خالطتها بشاشتها ، و شعر الجمهور بفظاعة الحالة الحاضرة ووجوب التزحزح عنها ...
لذلك تضاعف فرحي و ابتهاجي حين طلعت على فكركم في هذه المسألة و أنا أعدكم من أنصار هذه الحركة المباركة – حركة الإصلاح الديني – و أقوى ظهرانينا في هذه البلاد المنكوبة التي ابتليت بجدب العقول و قحط الرجال .
مولاي
نحن في فوضى دينية لا يدرك لها غور، و من كتم داءه قتله ، و نهج السلامة واضح ، و ما هو إلا الرجوع إلى الحق و الخضوع لسلطانه ، و ما الحق إلا ما كان عليه سلفنا الصالح تحققا و اتصافا ثم تبليغا و إرشادا " الكتاب و السنة ، منهما المبدأ و اليهما المرجع"
قامت علينا الحجة بقوله تعالى : " و أن هذا صراطي مستقيما فأتبعوه " الآية.
فخالفناه و اتبعنا السبل، فتفرقت بنا عن سبيل الله ...و بقوله تعالى: " , أن أقيموا الدين و لا تتفرقوا فيه " ، و تبرأ منا نبينا صلى الله عليه و على آله وسلم كما علمه سبحانه و تعالى : " إن الذين فرقوا دينهم و كانوا شيعا لست منهم" .
إن الباحثين في أحوال الإسلام وبنيه و المنقبين عن عللهم الاجتماعية كانوا يحصرون أسباب انحطاطهم بعد ذلك الصعود ، و ذلهم بعد تلك العزة القعساء في سبب واحد هو ما نحن فيه : خلاف في الدين و مكابرة في اليقين ، و أهواء مطاعة على غير بينة ، و لا هدى و لا كتاب منير ...
... و إنني أهنئ نفسي بوجودكم ، و حسن ذوقكم، وأتوسم فيكم على بعد الدار – عضدا للإصلاح الذي ننشده ، و أن الله لمع الصابرين "
محمد البشير الإبراهيمي
في 4 شوال 1346 هـ [ أفريل 1928م].

- رسالة بعنوان " الدين النصيحة "
كما كان الشيخ ينسخ المصاحف و الكتب ، و قد قال بنفسه بأنه ينسخ مصحفا كاملا في اقل من نصف شهر ، ثم يبيعه ليشتري بثمنه الكتب التي يفتقدها مطبوعة كانت أم منسوخة اثراءا لمكتبه و دعما لطلبته و غيرهم من المهتمين ، وكان لا يكل و لا يمل فقد نسخ المئات من الكتب و المخطوطات و المجلدات
و كان خطه مغربيا أصيلا جميلا سهل القراءة لا اعوجاج في سطروه و لا انحناء و كأنه خط مطبعي.

انتقاله إلى بني اشبانة:انتقل بعد وفاة أبيه و نشوب خلاف بينه و بين قائد دوار بني ورتيلان الى قرية بني شبانة حيث استقر بها إلى غاية وفاته رحمه الله.
مع العلم انه قبل هذه الفترة جرت عملية تلقيب العائلات الجزائرية ( الألقاب العائلية حتى تستطيع السلطات الإستدمارية الفرنسية و التحكم في الهجرة و التنقل ) فاختير له لقب " فضلاء " عوض لقب ابهلول الذي بقيت بعض أبناء عمومته يلقبون به.

وفاته:ذكر إبنه محمد الطاهر فضلاء رحمه الله سنة وفاته و كيفيتها فقال: " اجتمع بطلبته في دروسه التي لم ينقطع عنها يوم الأربعاء 21 جانفي ( يناير) 1945 م بقاعة الدرس في معهد زاوية سيدي موسى الوغليسي و كان موضوع درسه الحديث القدسي " أنا عند حسن ظن عبدي بي ..." وقد جلس نحو الساعتين يحلل و يشرح و يعلق ، أحس إثرها بصداع حاد اجبره على التوقف و مغادرة القاعة ، مرفوقا ببعض طلبته إلى منزله الذي لا يبعد إلا أمتارا قليلة عن المعهد ، و بمجرد وصوله إلى البيت استلقى على الفراش فداهمته حمى قوية و أليمة ظل بها أربعة أيام فما تخف تارة الا لتشتد تارة أخرى ، و في يوم الأحد 21 صفر 1346 هـ الموافق ل 4 فيفري 1945 م على الساعة السابعة صباحا اسلم الروح إلى بارئها رحمه الله ، و دفن في ضريح سيدي موسى الوغليسي.

من صفاته و أخلاقه :

كان عالي الهمة و عاش عزيزا كريما ، شجاعا صادقا ، دعا الناس إلى نبذ الخرافات لأنها عين الجمود و الاستكانة و كان سلاحه الإيمان بالله و حجته الكتاب و السنة و أقوال العلماء من السلف الصالح.
رفض إلا أن يكون عالم دين حر فتفرغ كليا لنشر الدين الحنيف و العلم الصحيح، كان رغم ظروف عصره الذي استفحلت فيه الشعوذة و انتشر فيه التدجيل اقرب ما يكون من العلماء المجددين بحكم توسع علمه ووعيه فكان – و في غير هذا – من الأعلام الممهدين للحركة الإصلاحية الباديسية و من المرحبين بها.
وقد وجهت له دعوة للانضمام الى الحركة الإصلاحية الناشئة فرد مؤيدا لها معتذرا عن الانضمام لها لأسباب صحية نظرا لتقدم سنه.
و مما جاء في رده :
" بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله لا رب غيره ، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد نور الخلق و خيره [ صلى الله عليه و على آله وسلم]
إلى إخواننا في الله ، سلام عليكم و رحمة الله و بركاته ما دامت روحات اليوم و غدواته
أما بعد:
فان مكتوبكم اتصل بأيدينا و فيه أنكم رغبتم في موافقتنا لما تحاولونه من انشاء اجتماع علماء الوطن لنهج لنهج الطريق الإسلامي لمن يهتدي عملا بقوله تعالى : " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة" الآية.
وقوله تعالى : " و تعاونوا على البر و التقوى" الآية
هذا و إن ما يقتضيه غرضكم ، و أردتم صرف الهمة نحوه من اكبر الطاعات على ظاهر الحال عملا بقوله صلى الله عليه و سلم " لان يهدي الله على يديك رجلا خير ..."
فان ظهر لكم موافقة ما تحاولونه لما تقتضيه شريعة الإسلام ، باجتماع الكلمة من الجميع و انتفاع السامعين، فَنِعم السعي سعيكم ، أعانكم الله على ذلك ، فنحن معكم بالدعاء ، لان السعي في إصلاح الدين من اكبر الطاعات كما تقدم في الحديث ، لا سيما أهل هذا الوطن في وقتنا هذا ، و أما قدومي إليكم فمتعذر علي لكبر سني و عدم طاقتي و السلام من العبد الفقير خديم العلم و اهله السعيد بن الطاهر البهلولي."

عرف عنه تقديره لعلماء التصوف الحقيقيين المخلصين، أما شطحات الصوفية فقد اعتبرها ظاهرة دخيلة على الإسلام و منافية للطبيعة و الفطرة لأنها تبنت فهما خاصا للكون و الحياة و الإنسان لا تتماشى في شطحاتها و غلوها مع تعاليم الإسلام السمحة البسيطة المعتدلة، الذين تجردوا من علائقهم النفسية ، و قد سجل عبارة " لله در القائل " فوق هذين البيتين:
و الروض و الصراخ و التصفيق ... عمدا بذكر الله لا يليق
و إنما المطلوب في الاذكــار... الذكر بالخشوع و الوقار.
كما كان يستمتع بترديد هذه الأبيات:
إن لله عبادا فطنا ... طلقوا الدنيا و عافوا الفتنا
فكروا فيها فلما علموا... إنها ليست لحيِ وطنا
جعلوها لَجة و اتخذوا...صالح الأعمال فيها سفنا

المراجع:

- الشيخ السعيد ابهلول الورتيلاني في مجموعة من رسائله و مجالسه و فتاويه.
لمحمد الطاهر فضلاء، نشر دار هومة – 2004 .
- تاريخ الجزائر الثقافي ، أبو القاسم سعد الله ، المؤسسة الوطنية للكتابة، الجزائر،1985.
- مقال بعنوان " جهود أمازيغية في خدمة العربية " لمحمد ارزقي فراد.