المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مفهوم الجهاد عنداهل السنة والجماعة


عنتربن شداد
2011-01-26, 23:34
بسم الله الرحمن الرحيم

أولاً : تعريف الجهاد :
ذكر في ( مختار الصحاح:1/119) أن الجُّهْدَ بفتح الجيم وضمها الطاقة ، والجَهْدُ بالفتح المشقة ، يقال جَهَدَ الرجل في كذا أي جدَّ فيه وبالغ ، وجاهَدَ في سبيل الله مُجَاهَدَةً وجِهَادً والاجْتِهادُ والتَّجَاهُدُ بذل الوسع و المَجْهود. ولذا فيما روى أحمد والنسائي وصححه ابن حبان عن سَبْرَةَ بْنِ أَبِي فَاكِهٍ  قال  : "ثُمَّ قَعَدَ لَهُ ـ أي الشيطان ـ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ فَقَالَ لَهُ : هُوَ جَهْدُ النَّفْسِ وَالْمَالِ".
وأما في الشَّرعِ فله معنيان :
(المعنى الأول للجهاد ) : فالجهاد بمعناه العام يكون ببذل الوسع فيما يحبه الله ويرضاه ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية (الفتاوى:10/192) : "الجهاد هو بذل الوسع وهو القدرة في حصول محبوب الحق ودفع ما يكرهه الحق"أ.هـ. ويشير لهذا قوله  فيما رواه أحمد وصححه ابن حبان والحاكم :"والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله ". ولذا جاء عن النبي  إطلاق لفظ الجهاد بمعناه الأشمل على عبادات مختلفة : (أ) فأطلق الجهاد على العبادة المحضة كالحج فقد روى البخاري عن عائشة  عنه  قال : "أفضل الجهاد حج مبرور". (ب) وعلى بر الوالدين ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو  قال : جاء رجل إلى النبي  فاستأذنه في الجهاد فقال : "أحي والداك" ؟ قال : نعم ، قال : "ففيهما فجاهد". (ج) وعلى الجهاد على الإحسان إلى الخلق ففي الصحيحين عن أبي هريرة قال : قال : " الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله". (د) وعلى قول الحق كما روى الأربعة وحسنه الترمذي عن النبي  أفضل الجهاد كلمة عدل عند ذي سلطان جائر".
(*) والجهاد بمعناه العام قسمان :
1- باعتبار المُجَاهَدِ : وهو خمسة أنواع كما فصّله ابن القيم :
أولاً : جهاد النفس : وهو أربع مراتب ، جهادها على تعلم الهدى ودين الحق. ثم جهادها على العمل به بعد علمه. ثم جهادها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه. ثم جهادها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله. وفي الحديث قال:  : "والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله". صححه الترمذي وابن حبان والحاكم عن فضالة بن عبيد . وهذا الجهاد أعظم أنواع الجهاد ، قال ابن القيم (روضة المحبين:1/478) : "سمعت شيخنا يقول : جهاد النفس والهوى أصل جهاد الكفار والمنافقين ؛ فإنه لا يقدر على جهادهم حتى يجاهد نفسه وهواه أولاً"أ.هـ.
ثانياً : جهاد الشيطان : قال  :"إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ ، فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الإِسْلاَمِ ، فَقَالَ لَهُ : أَتُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ وَآبَاءِ أَبِيكَ ؟ قَالَ : فَعَصَاهُ فَأَسْلَمَ ، ثُمَّ قَعَدَ لهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ فَقَالَ: أَتُهَاجِرُ وَتَذَرُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ ، قَالَ : فَعَصَاهُ فَهَاجَرَ ، قَالَ : ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ فَقَالَ لَهُ : هُوَ جَهْدُ النَّفْسِ وَالْمَالِ ، فَتُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ فَتُنْكَحُ الْمَرْأَةُ وَيُقَسَّمُ الْمَالُ ، قَالَ : فَعَصَاهُ فَجَاهَدَ" صححه ابن حبان عن سَبْرَةَ بْنِ أَبِي فَاكِهٍ . وهو مرتبتان : إحداهما : جهاده على دفع ما يُلقي من الشبهات. وجهاده على دفع ما يُلقي إليه الشهوات. وهذا أخطر أنواع الجهاد بعد جهاد النفس لما رواه الشيخان عَنْ أَنَسٍ  مرفوعاً : "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ" ، ولأنه لا يتمكن من الجهاد اللاحق حتى يتمكن من جهاد المرتبتين الأوليين.
ثالثاً : جهاد المنافقين : وهو أربع مراتب : بالقلب واللسان والمال والنفس. وهو أخص باللسان ؛ لأنهم يظهرون الإسلام ، فيحتاجون إلى الجهاد بالبيان لدحض شبههم ، قال ابن القيم (زاد المعاد:3/5): "جهاد المنافقين أصعب من جهاد الكفار ، وهو جهاد خواص الأمة"أ.هـ.
رابعاً : جهاد أرباب البدع والمنكرات : لقوله  :"وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ" ، وله ثلاث مراتب : الأولى : باليد إذا قدر ، فإن عجز انتقل إلى اللسان ، فإن عجز جاهد بقلبه ، لما روى مسلم عن أبي سعيد  : "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَـانِ".
خامساً : جهاد الكفار : وهذا الجهاد بمعناه الخاص الذي يكون بالقتال في سبيل الله لإعلاء كلمة الله ، قال تعالى :  وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً ، وقال النبي  فيما خرجه الشيخان " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله" . وذهب كثير من العلماء إلى نسخ آيات الموادعة والصفح والعفـو بهذا ، والصحيح أن ذلك غير منسوخ ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية(الصارم المسلول:1/228) وذكر آيات الصفح والعفو : "فمن كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف أو في وقت هو فيه مستضعف فليعمل بآية الصبر والصفح والعفو عمن يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشركين ، و أما أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكفر الذين يطعنون في الدين"أ.هـ.
2- باعتبار المُجَاهِدِ نفسه : فإن الجهاد فيما يجري فيه الإيمان : في القلب ، واللسان ، والجوارح ، كما قال  فيما روى مسلم عن الخُلُوف : "فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ؛ وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل" ، فسمى النبي  بغض الخُلُوف بالقلب جهاداً ، كما سمَّى رد باطلهم باللسان جهاداً ، وتغيير ما يترتب عليه من فساد باليد جهاداً .
(المعنى الثاني للجهاد) : فيطلق بالمعنى الخاص على بذل الجهد في القتال في سبيل الله تعالى بالنفس والمال والسلاح أو غير ذلك ، ولذا فيأتي بمعناه الخاص مقروناً بسائر العبادات كما روى الشيخان عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ  لمّا سَاَلَ النبي  عن أَحَبِّ الأَعمَالِ ؟ فَقَالَ الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا .. ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ .. ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ". فخصَّ  الجهاد بمعناه الخاص وهو قتال الكفار ، مع أنه عدَّ بر الوالدين سابقاً من الجهاد. (*) ويكون جهاد الكفار كذلك بالقلب واللسان والجوارح ، فأما القلب : فكما روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  : "مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ ، وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ". قال شيخ الإسلام ابن تيمية(مجموع الفتاوى:7/16) : "والجهاد وإن كان فرضاً على الكفاية فجميع المؤمنين يخاطبون به ابتداء ، فعليهم كلهم اعتقاد وجوبه ، والعزم على فعله إذا تعين"أ.هـ. أما جهاد الكفار بالنفس واللسان فجمعهما النبي  فيما رواه أحمد والنسائي وصححه الحاكم َعَنْ أَنَسٍ  أَنَّ اَلنَّبِيَّ  قَالَ: "جَاهِدُوا اَلْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ, وَأَنْفُسِكُمْ, وَأَلْسِنَتِكُمْ".

الحكمة من مشروعية الجهاد
ثلاثة أمور : الأول : إعلاء كلمة الله وأن يكون الدين كله لله قال تعالى وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ [البقرة:193] ، وفي الصحيحين عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ  : "مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ". وقال ابن القيم عن شهادة التوحيد (زاد المعاد:1/35) : "وعليها نصبت القبلة ، وعليها أسست الملة ، ولأجلها جردت سيوف الجهاد ". الثاني : ردّ العدوان وحفظ الإسلام : قال الله تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ[البقرة:194]. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره : "ليس المقصود به سفك دماء الكفار وأخذ أموالهم ، ولكن المقصود به أن يكون الدين لله تعالى فيظهر دين الله تعالى ، على سائر الأديان ، ويدفع كل ما يعارضه من الشرك وغيره ، وهو المراد بالفتنة ، فإذا حصل هذا المقصود فلا قتل ولا قتال"أ.هـ. الثالث : نصرة المظلومين من أهل الإسلام : قال تعالى:وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا [النساء:75] ، ويقول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله وذكر الآية : "فصار جهادكم على هذا الوجه من باب القتال والذب عن عيلاتكم وأولادكم ومحارمكم ، لا من باب الجهاد الذي هو الطمع في الكفار ، فإنه وإن كان فيه فضل عظيم ويلام المتخلف عنه أعظم اللوم ، فالجهاد الذي فيه استنقاذ المستضعفين منكم أعظم أجراً وأكبر فائدة بحيث يكون من باب دفع الأعداء"أ.هـ.

رابعاً : فضل الجهاد
جاء في فضل الجهاد آيات وأحاديث كثيرة جداً تبين مكانة العظيمة في الإسلام وأنه من مبانيه العظام ، منها : قوله الله تعالى:  لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ]النساء:95[ ، وقال تعالى:  إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ  ]التوبة:111[ ، وأما الأحاديث فنذكر منها : ما روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  حَدَّثَهُ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ  فَقَالَ : دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَعْدِلُ الْجِهَادَ قَالَ : "لاَ أَجِدُهُ" ، قَالَ : "هَلْ تَسْتَطِيعُ إِذَا خَرَجَ الْمُجَاهِدُ : أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَكَ فَتَقُومَ وَلاَ تَفْتُرَ ، وَتَصُومَ وَلا تُفْطِرَ ؟" ، قَالَ : وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ". وروى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَصَامَ رَمَضَانَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ ، جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نُبَشِّرُ النَّاسَ ؟ قَالَ : إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ".

خامساً : حكم الجهاد وشروطه
الجهاد باعتبار حكمه ينقسم إلى قسمين كما نص عليه أهل العلم :
 القسم الأول : جهاد الطلب ، وهو طلب قتال الكفار وغزوهم في بلادهم لإعلاء كلمة الله وليكون الدين كله لله بشرط بلوغ الدعوة باتفاق العلماء ، فهذا فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين ، لقوله تعالى  فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى  ]النساء:95[ ، وقوله :  وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ  ]التوبة:122[. ولقوله  فيما روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  "مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَصَامَ رَمَضَانَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ ، جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا".
 شروط جهاد الطلب السبعة :
1- الإسلام : لأن الجهاد إنما شرع لأجل قتاله والشخص لا يخاطب بقتل نفسه ، مع أنه كونه غير مأمون في الجهاد غالباً ، وفي مسلم قَالَ  لكَافرٍ أرَادَ أَنْ يصِيبَ مَعَهُ: "ارْجِعْ ، فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ".
2- العقل : فالمجنون لا يتأتى منه الجهاد ، لما روى الثلاثة قال  : "رفع القلم عن ثلاثة : عن المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق ، وعن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يحتلم".
3- البلوغ : وقد روى الشيخان عَنْ ابْنِ عُمَرَ  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي ، ثُمَّ عَرَضَنِي يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي".
4- الذكورية : لقوله  : "عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لاَ قِتَالَ فِيهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ" صححه ابن خزيمة. ويخرجن مع الأمن للخدمة ، روى البخاري عَنْ الرُّبَيِّعِ  قَالَتْ : كُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ  فَنَسْقِي الْقَوْمَ وَنَخْدُمُهُمْ".
5- الحرية : فالمملوك منفعته لمالكه ، في مسلم : بَايَعَ النَّبِيَّ  عَبْدٌ عَلَى الْهِجْرَةِ وَلَمْ يَشْعُرْ أَنَّهُ عَبْدٌ ، فَجَاءَ سَيِّدُهُ يُرِيدُهُ ، فَقَالَ  :"بِعْنِيهِ"، فَاشْتَرَاهُ ، ثُمَّ لَمْ يُبَايِعْ أَحَدًا بَعْدُ حَتَّى يَسْأَلَهُ أَعَبْدٌ هُوَ ؟".
6- السلامة من الضرر : كالعمى والعرج الفاحش والمرض الشديد الذي يمنعه القتال لقول الله تعالى : لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَج. وقوله غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ.
7- القدرة على مؤنة الجهاد : أي القدرة على الزاد والراحلة ونفقة عائلته لقوله عز وجل : وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ. وقوله تعالى : وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ. وكذا القدرة الإعدادية وهي آلة الحرب ، والقدرة العددية لقوله تعالى فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ. فشرط العدد للثبات الواجب فكيف بالطلب .
 القسم الثاني : جهاد الدفع ، وهو قتال الدفاع عن البلد المسلم الذي وطئه الكفار ، وهو فرض عين على أهلها ممن يستطيع القتال ، فإن عجزوا تعيّن على من يليهم من بلاد المسلمين ممن لهم قدرة على القتال ، ومحل التعين على من بقربهم إن لم يخشوا على نسائهم وبيوتهم من عدو بتشاغلهم بمعاونة من فجأهم العدو. قال العلماء "ويتعين الجهاد في أربعة مواضع : (أحدها) : إذا نزل الكفار ببلد تعين على أهله قتالهم ودفعهم. (الثاني) : إذا حضر الصف حرم عليه الانصراف لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَار. (الثالث) : إذا استنفرهم الإمام لقول تعالى: مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ ، وقوله النبي  :" إذا استنفرتم فانفروا"أ.هـ. (الرابع) : إذا احتيج إليه بذاته في القتال كمن لا يعرف سلاحاً معيناً سواه.
 شرط جهاد الدفع : نص الفقهاء أن شروط جهاد الطلب تسقط في جهاد الدفع بدليل : أنه لمَّا أغار قوم على لقاح النبي  تبعهم سلمة بن الأكوع  بغير إذن فاستخلص ما بأيديهم ، فمدحه النبي  فقال : "خَيْر رَجَّالَتِنَا سَلَمَةُ" رواه مسلم ، ففيه سقوط أذن ولي الأمر في الدفع ، وفيه كذلك عدم اشتراط القوة والعدد لأنه  كان واحداً في مقابل سرية. قال ابن القيم (الفروسية:96) : "فقتال الدفع أوسع من قتال الطلب وأعم وجوباً ، ولهذا يتعين على كل أحد [و] يَعُمُّ ، ويجاهد فيه : العبد بإذن سيده وبدون إذنه ، والولد بدون إذن أبويه ، والغريم بغير إذن غريمه ، وهذا كجهاد المسلمين يوم أحد والخندق. ولا يشترط في هذا النوع من الجهاد أن يكون العدو ضعفي المسلمين فما دون ، فإنهم كانوا يوم أحد والخندق أضعاف المسلمين ، فكان الجهاد واجباً عليهم ؛ لأنه حينئذ جهاد ضـرورة ودفع لا جهاد اختيار"أ.هـ. ولكن قول أهل العلم بانتفاء هذه الشروط لا يعني انتفاء شرط القدرة والاستطاعة الذي هو شرط لوجوب جميع العبادات بلا استثناء كما قال تعالى عن الحجوَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ؛ وقال  عن الصلاة "صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ" ، بل حتى كلمة الكفر يجوز إظهارها عند عدم القدرة والعجز ، قال تعالىمَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ، وليس هناك أمر يوجبه الله على الأمة وهي لا تستطيعه ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية(مجموع الفتاوى:10/344) : "الأمر والنهي الذي يسميه بعض العلماء التكليف الشرعي هو مشروط بالممكن من العلم والقدرة ، فلا تجب الشريعة على من لا يمكنه العلم كالمجنون والطفل ، ولا تجب على من يعجز كالأعمى والأعرج والمريض في الجهاد ، وكما لا تجب الطهارة بالماء والصلاة قائماً والصوم وغير ذلك على من يعجز عنه"أ.هـ. فيكون المراد بقول العلماء ـ رحمهم الله ـ أنه لا يشترط له شرط أي من شروط الجهاد المذكورة في جهاد الطلب كاشتراط لعدد وإذن الوالد والسيد كما أشار ابن القيم في الكلام المنقول عنه آنفاً ، فإذا كان عدد الكفار يزيد على المسلمين بأكثر من الضعف فيجب الصمود مالم يصلْ إلى يقين أو غلبة ظن بأن دفعهم غير ممكن لكثرة عددهم أو لنفوذ أسلحتهم كما هو في عصرنا في الغالب ، ففي هذه الحالة يجوز لأئمة المسلمين استعمال السياسات الشرعية بدفع أعلى المفاسد بارتكاب أدناها ؛ لأن القول بالوجوب مطلقاً مع أن بعض المسلمين لن يقدر على دفع العدو يقيناً فيه اضمحلال الدين الذي شرع الجهاد من أجل نشره في الأرض ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية (مجموع الفتاوى:28/396) : "ومن كان عاجزاً عن إقامة الدين بالسلطان والجهاد ففعل ما يقدر عليه من النصيحة بقلبه والدعاء للأمة ومحبة الخير وفعل ما يقدر عليه من الخير ، لم يكلف ما يعجز"أ.هـ. ولنذكر شيئاً من أدلة هذه القاعدة الكلية في جهاد الدفع :
1- صبر المسلمين على فتنة الكفار بمكة في الدين والنفس ، روى البخاري عن خَبَّابِ  أنهم سألوا النبي  النصرة فأخبرهم بشَقِّ رَأَسِ مَنْ قَبْلهم بالمِنْشَارِ نِصْفَيْنِ والتَمْشِيْطِ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ اللَحْمِ وَالعَظْمِ فَمَا صُدَّهُم ذَلِكَ عَنْ دِينِهِم ، ومع ذلك لم يؤمروا بقتال لئلا يكون سبباً لاضمحلال الدين مع ضعفهم ، بل قال لهم  : "وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ" ، قال العلامة السعدي(التفسير:188) : "لو فرض عليهم القتال – مع قلة عددهم وعددهم، وكثرة أعدائهم- لأدى ذلك إلى اضمحلال الإسلام ، فروعي جانب المصلحة العظمى على ما دونها"أ.هـ. وقال شيخ الإسلام (الصارم المسلول:1/362) مقرراً عدم نسخ الأمر بالكف عن القتال : "حيث عجزنا عن جهاد الكفار عملنا بآية الكف عنهم والصفح ، وحيث ما حصل القوة و العز خوطبنا بقوله : جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ"أ.هـ. وذكر شيخنا محمد العثيمين أدلة اشتراط الاستطاعة لكل واجب ثم قال (شرح بلوغ المرام:الشريط الأول) :"وقال تعالى وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ، يعني حتّى لو أمرتم بالجهاد ، ما فيـه حرج ؛ إن قدرتم عليه فهو سهل ، وإن لم تقدروا عليه فهو حرج مرفوع. إذاً لا بد من القدرة والاستطاعة ... وأما الواقع فقد كان النبي  في مكة يدعو الناس إلى توحيد الله ، وبقي على هذا ثلاثة عشرة سنة لم يؤمر بجهاد مع شدة الإيذاء له ولمتبعيه عليه الصلاة والسلام ، وقلة التكاليف ، فأكثر أركان الإسلام ما وجبت إلا في المدينة ، ولكن هل أمروا بالقتال ؟ الجواب : لا ، لماذا ؟ لأنهم لا يستطيعون ، وهو خائفون على أنفسهم"أ.هـ.
2- روى البخاري عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ  في قتال أحد للكفار قَالَ : "وَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ  فِرْقَتَيْنِ فِرْقَةً تَقُولُ نُقَاتِلُهُمْ وَفِرْقَةً تَقُولُ لاَ نُقَاتِلُهُمْ" ، وروى أحمد والنسائي عَنْ جَابِرِ أَنَّه  قَالَ لأَصْحَابِهِ : "لَوْ أَنَّا أَقَمْنَا بِالْمَدِينَةِ ؛ فَإِنْ دَخَلُوا عَلَيْنَا فِيهَا قَاتَلْنَاهُمْ" فأبوا. فالصحابة في جهاد دفع لغزو الكفار لهم في المدينة كما تقدم في كلام ابن القيم ، ومع ذلك لم يعلن النبي  النفير العام على الجميع ، بل أراد التحصن في المدينة مراعاة لضعف المسلمين وكثرة عدد أعدائهم ، مما يدل على أن القتال ليس بلازم في كل جهاد دفع إذا تمكن ولي الأمر أن يدفعه عن المسلمين تفويتًا لأعظم المفسدتين.
3- روى أحمد وأبو داود عَنْ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ  قَالَ  : "مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ" في رواية "ثَلاَثًا يَقُولُهَا" ، والدجال من أعظم الأعداء الصائلين على الأنفس والأموال بنص حديث النبي  فيما روى مسلم عن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ  ـ : "مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ أَمْرٌ أَكْبَرُ مِنْ الدَّجَّالِ" ، وفي المسند عنْ هشَامِ بْنِ عَامرٍ  "أَكْبَرُ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ" ، ومع ذلك لم يأمر  بقتاله لعدم القدرة على ذلك لما أعطاه الله من القوة الخارقة كما في حديث النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ  عند مسلم ، ولو كان بالإمكان قتاله لكان من أوجب الواجبات.
4- روى مسلم عَنْ النَّوَّاسَ بْنَ سَمْعَانَ  قال عند خروج جوج ومأجوج ، : "فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي لاَ يَدَانِ لأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ". قال النووي(المنهاج:18/68) : "قال العلماء : معناه لا قدرة ولا طاقة" ، وفي سنن أبي داود ومسند أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ  قَالَ : "وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ ، أَفْلَحَ مَنْ كَفَّ يَدَهُ". ولو كان جهاد الدفع واجباً بلا شرط القدرة لم يأمرهم عزوجل بترك قتال يأجوج ومأجوج ليفسدوا في الأرض ، وباللجوء إلى الطور ، ولم يجعل النبي  الفلاح فيمن كف يده عن القتال.
5- كفار مكة تسلطوا على المسلمين وأموالهم وأخرجوهم من ديارهم كما قال كما قال تعالى: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ، فهم في حكم العدو الصائل الذي يجب دفعه ، ومع ذلك فقد صالحهم النبي  في الحديبية على شروط فيها حيف ، قال ابن القيم في ذكر أحكام صلح الحديبية ( زاد المعاد::3/272) : "ومنها : أن مصالحة المشركين ببعض ما فيه ضيم على المسلمين جائزة للمصلحة الراجحة ودفع ما هو شر منه ، ففيه دفع أعلى المفسدتين باحتمال أدناهما"أ.هـ. وقال (ص:371) : "إذا كان بالمسلمين ضعف وعدوهم أقوى منهم"أ.هـ.
6 – مما يدل على أن سقوط الشروط في الدفع لا يعني سقوط شرط القدرة : أنه  كان في جهاد الدفع يعرض الصبيان فمن بلغ أجازه في القتال ، كما روى الشيخان عَنْ ابْنِ عُمَرَ  أَنَّه عُرِض يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْه ، وَأَجازَهُ في الْخَنْدَقِ وَهْوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً ، وهذا دليلُ مراعاةِ شرط التكاليف الشرعية وهي القدرة في جهاد الدفع ، كذا النساء لا يعرف أنه  استنفرهن في جهاد الدفع كأحد والخندق ، روى البخاري في {بَاب غَزْوِ النِّسَاءِ وَقِتَالِهِنَّ مَعَ الرِّجَالِ} أَنَّ عَائِشَةَ وَأُمَّ سُلَيْمٍ كَانتَا تَنْقُلاَنِ الْقِرَبَ ، فَذَكَرَ الشُّراح أنَّ البخاري أرادَ أعَانَتَهُنَّ لِلْغُزَاةِ غَزْوٌ ، أَوْ أرادَ دِفَاعِهِنَّ عَنْ أَنْفُسِهِنَّ ، وأَشَارَ ابنُ حَجَرٍ إلى احْتِمَالِ أنه أرَادَ أَنَّهُنَّ لاَ يُقَاتِلْنَ وَإِنْ خَرَجْنَ فِي اَلْغَزْوِ.


7- قول الله تعالى إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا ، يقرر أنه عند عدم القدرة على دفع الكفار وإظهار الدين أنه يجب عليهم الهجرة ، ولو كان جهاد الدفع واجباً بكل حال لوجب على المسلمين هنا القتال ولو أدى لفنائهم. قال الكاساني في بدائع الصنائع (7/98) : "الغزاة إذا جاءهم جمع من المشركين مالا طاقة لهم به وخافوهم أن يقتلوهم فلا بأس أن ينحازوا إلى بعض أمصار المسلمين أو إلى بعض جيوشهم ، والحكم في هذا الباب لغالب الرأي وأكبر الظن دون العدد ، فإن غلب على ظن الغزاة أنهم يقاومونهم يلزمهم الثبات وإن كانوا أقل عدداً منهم ، وإن كان غالب ظنهم أنهم يغلبون فلا بأس أن ينحازوا إلى المسلمين ليستعينوا بهم"أ.هـ. وأشار ابن عاشور (التحرير والتنوير:1/1014) لواقعة هجرة المسلمين من الأندلس لما غلبهم النصارى وأكرهوهم على التنصر فخرجوا تاركين أموالهم وديارهم ناجين بأنفسهم وإيمانهم ، ثم ذكر تغلب الكفار على غرناطة بشرط جريان الأحكام بين المسلمين على مقتضى شريعة الإسلام ، فأقام فيها علماؤهم يلون القضاء والفتوى ونحو ذلك ، وهاجر فريق منهم ، فلم يعب المهاجر على القاطن ولا القاطن على المهاجر.
8 - أن العلماء الذين ذكروا أنه لا يشترط شرط لجهاد الدفع لم يقصدوا عدم اشتراط القدرة ، وإنما تركوا الإشارة إليها لكون هذا معلوماً بالضرورة : قال القرطبي في تعين جهاد الدفع (أحكام القرآن:8/136) : "وكذلك كل من علم بضعفهم عن عدوهم ، وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهم لزمه أيضاً الخروج إليهم" ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية(الاختيارات الفقهية:532): "فلا يشترط له شرط ، بل يدفع بحسب الإمكان"أ.هـ. فعلقا الوجوب بإمكان إغاثتهم ، وبحسب الإمكان ، ولذا قال شيخ الإسلام (مجموع الفتاوى:28/396) : "ومن كان عاجزاً عن إقامة الدين بالسلطان والجهاد ففعل ما يقدر عليه من النصيحة بقلبه والدعاء للأمة ومحبة الخير وفعل ما يقدر عليه من الخير ، لم يكلف ما يعجز عنه"أ.هـ. وقال(الفتاوى الكبرى:5/537): "والجهاد منه ما هو باليد ، ومنه ما هو بالقلب ، والدعوة والحجة واللسان والرأي والتدبير والصناعة ، فيجب بغاية ما يمكنه"أ.هـ.وقال شيخنا محمد العثيمين عن الجهاد(لقاء الباب المفتوح:2/420- سؤال42) : "إذا كان فرض كفاية أو فرض عين ؛ فلا بد لـه من شروط. من أهمها : القدرة ، فإن لم يكن لدى الإنسان قدرة فإنه لا يلقي بنفسه إلى التهلكة"أ.هـ. وقال(لقاء الباب المفتوح:2/261- سؤال 977) :"لكن الآن ليس بأيدي المسلمين ما يستطيعون به جهاد الكفار ، حتى ولا جهاد مدافعة "أ.هـ.

 ضوابط لجهاد الدفع 
الضابط الأول : ليس مقصود أهل العلم بشرط القدرة في جهاد الدفع بأن يترك المسلمون عدوهم يفعل ما شاء من قتل سلب وهتك للأعراض ؛ لأننا إذا تيقنا من أن العدو الكافر سيفعل ذلك لا محالة وجب الدفع عن النفس والعرض حتى المرأة ولو قتلت ، قال ابن حزم رحمه الله(المحلى:7/478) : "ولا إثم بعد الكفر من إثم من نهى عن جهاد الكفار وأمر بإسلام حريم المسلمين إليهم" ، لكن المقصود هو الاسترشاد بالهدي النبوي من الأخذ بالأسباب الشرعية والحسية بتفويت أعلى المفاسد عن المسلمين ولو بالوقوع بأدناهما كما هي القواعد الكلية المقررة ، ومن ذلك :
1- الركون إلى الصلح ولو ببعض التنازلات لصالح المشركين كما فعل النبي  في الحديبية حين مسح "بسم الله" ، و "رسول الله" ، وأقر تسليم بعض من أسلم للكفار ، قال ابن القيم(زاد المعاد:3/272) : "ومنها : أن مصالحة المشركين ببعض ما فيه ضيم على المسلمين جائزة للمصلحة الراجحة ودفع ما هو شر منه ، ففيه دفع أعلى المفسدتين باحتمال أدناهما"أ.هـ.
2- الدخول بمحالفات مع بعض الكفرة الأقوياء ، فقد كانت خزاعة مسلمها وكافرها في جيش النبي  في غزوة الفتح ، وروى أبو داود فِي {بَاب فِي صُلْحِ الْعَدُوِّ} ، وابن ماجة وأحمد بإسناد صحيح عن ذِي مِخْبَرٍ  قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ  يَقُولُ : سَتُصَالِحُونَ الرُّومَ صُلْحًا آمِنًا ، فَتَغْزُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوًّا مِنْ وَرَائِكُمْ" ، قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز (فتاوى ومقالات:6/185) :"فهذا معناه الاستعانة بهم على قتال العدو الذي من وراءنا"أ.هـ.
3- الدخول تحت حماية عدو كافر أقوى من العدو الصائل لدفعه ، فقد أمر أصحابه بالدخول تحت حماية ملك الحبشة النصراني ، ودخل  مكة تحت حمايـة المطعم بن عدي ، وأبو بكر تحت حماية ابن الدَّغِنَة ، قال ابن القيم (زاد المعاد:1/95) : "فأذن لهم رسول الله  في الهجرة إلى الحبشة ، وقـال : إن بها ملكًا لا يظلم الناس عنده ... فأقاموا في الحبشة في أحسن جوار"أ.هـ.
4- دفع المال للصائل لدفعه عن بلاد المسلمين ، فقد روى البزار والطبراني أن النبي  أراد في الخندق إعطاء بعض الكفار مالاً ليردهم عن المدينة ، قال ابن القيم(زاد المعاد:3/241) : "أراد رسول الله  أن يصالح عيينة بن حصن والحارث بن عوف رئيسي غطفان على ثلث ثمار المدينة وينصرفا بقومهما وجرت المراوضة على ذلك"أ.هـ. بل ذكر العلماء أن من المؤلفة قلوبهم الكافر يعطى من الزكاة لدفع شره ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية (السياسة الشرعية:1/46): " والمؤلفة قلوبهم نوعان: كافر ومسلم، فالكافر إما أن تُرْجَى بعطيته منفعة كإسلامه ، أو دفع مضرّته إذا لم يندفع إلا بذلك"أ.هـ.
4- إذا تُيِقنَ عدم القدرة على مقاومة العدو وحصول الفتنة بالدين وجب الفرار إلى مكان يسلمون فيه على دينهم لقوله تعالى فيهم أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً ، ولقوله  "مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ" ، وقول الله عزوجل لعيسى عليه السلام "حَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ". قال الكاساني في بدائع الصنائع (7/98) : "الغزاة إذا جاءهم جمع من المشركين مالا طاقة لهم به وخافوهم أن يقتلوهم فلا بأس أن ينحازوا إلى بعض أمصار المسلمين"أ.هـ. وقد ذكر ذلك الطاهر بن عاشور من الحالات الست التي يتغلب فيها الكفار فقال(التحرير والتنوير:1/1014) : "الحالة الأولى : أن يكون المؤمن ببلد يفتن فيه في إيمانه فيرغم على الكفر ، وهو يستطيع الخروج فهذا حكمه حكم الذين نزلت فيهم الآية"أ.هـ.
5- أو يصالحوهم على يكون للكفار حكم القوة وتجري الأحكام بينهم على مقتضى الشريعة ، وقد أشار شيخ الإسلام إلى ذلك حينما سئل عن بلدة "ماردين" لا تجرى عليها أحكام الإسلام وجندها مسلمون ، فقال (مجموع الفتاوى:28 /240) : "والمقيم بها إن كان عاجزًا عن إقامة دينه وجبت الهجرة عليه ، و إلا استحبت ولم تجب"أ.هـ. وقال ابن عاشور (التحرير والتنوير:1/1014) : "الحالة الرابعة : أن يتغلب الكفار على بلد أهله مسلمون ولا يفتنوهم في دينهم ولا في عبادتهم ولا في أموالهم، ولكنهم يكون لهم حكم القوة عليهم فقط وتجري الأحكام بينهم على مقتضى شريعة الإسلام ، كما وقع في صقلية حين استولى عليها رجير النرمندي . وكما وقع في بلاد غرناطة حين استولى عليها طاغيـة الجلالقة على شروط منها احترام دينهم ، فإن أهلها أقاموا بها مدة وأقام منهم علماؤهم ، وكانوا يلون القضاء والفتوى والعدالة والأمانة ونحو ذلك ، وهاجر فريق منهم فلم يعب المهاجر على القاطن ولا القاطن على المهاجر".
الضابط الثاني : أن نصرة المسلم لأخيه إذا اعتـدى عليه الكفار من جهاد الدفع الواجب على الأعيان ، لكن هذه النصرة الواجبة ليست مطلقة بل مقيدة بقيود ، منها :
1- عند العجز عن النصرة : فقد ترك النبي  نصرة المستضعفين في مكة لمّا سألوه النصرة لعدم قدرته فأمرهم بالصبر ، روى البخاري عن خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ قَالَ : شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ  وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ ، فَقُلْنَا : أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا ؟ أَلاَ تَدْعُو لَنَا ؟ فَقَالَ : "قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهَا فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ". وكذلك ترك نصرة بعض أصحابه كأبي بصير وأبي جندل  بسبب الضعف الذين ألجأهم للصلح والمعاهدة.
2- وجود العهد لبعض المسلمين مع هؤلاء الكفار ، لقوله لله  عن المؤمنينوَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ ، قال ابن عاشور(التحرير:6/86) :"إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ استثناء من متعلق النصر وهو المنصور عليهم ، ووجه ذلك أن الميثاق يقتضي عدم قتالهم إلا إذا نكثوا عهدهم مع المسلمين ، وعهدهم مع المسلمين لا يتعلق إلا بالمسلمين المتميزين بجماعة ووطن واحد"أ.هـ. وقال شيخنا صالح الفوزان لما سئل هل : يجوز للمسلمين المعاهدين مناصرة المسلمين الذين اعتدي عليهم من عاهدوهم (شرح نواقض الإسلام:167) :"لا يجوز نقض العهد إلا إذا كان فيه شرطٌ : أنكم إذا قاتلتم المسلمين فإنه ينتقض العهدُ الذي بيننا وبينكم"أ.هـ. وأدلته من السنة : (أ) ما روى مسلم عَنْ حُذَيْفَةَ  لمّا لَقِيه كُفَّارُ قُرَيْشٍ وَابَاهُ فَأَخَذُوا مِنَّهما عَهْدَ اللَّهِ َلاَ يقَاتِلاَنِ مَعَ النَّبِي  . فَأَتَيْاه  فَأَخْبَرَاه الْخَبَرَ ، فَقَالَ : "انْصَرِفَا نَفِيْ لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَنَسْتَعِينُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ" ومع كون المعركة فاصلة والجهاد فرض عين في حقهما لحضورهما الصف فقد قدّم  العهد على النصرة. (ب) ما روى البخاري في صلح الحديبية من الشروط رضي بها النبي : [فَقَالَ : سُهَيْلٌ : وَعَلَى أَنَّهُ لاَ يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلاَّ رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا" ، وفي رواية " فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ  أَبَا جَنْدَلِ بْنَ سُهَيْلٍ يَوْمَئِذٍ إِلَى أَبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو ، وَلَمْ يَأْتِ رَسُولَ اللَّهِ  أَحَدٌ مِنْ الرِّجَالِ إِلاَّ رَدَّهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا" ، ففي هذا الحديث إسلام بعض المسلمين للكفار إذا كان ذلك مقتضى ميثاق لمصلحة الإسلام أو دفع شرًّ عن أهله ، وهذا أعظم من مجرد ترك نصرتهم إذا قوتلوا.
3- أن يكون قتال المسلمين للكفار قتالاً دينياً لإعلاء كلمة الله وتحقيق التوحيد ، لا لمقاصد دنيوية كتحرير الأرض أو لعصبية قبلية أو لتحقيق طموح سياسي ، ففي مثل هذه الحالات تكون النصرة لهؤلاء غير واجبة لقوله تعالى :"وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ [الأنفال:72] ، قال العلامة عبد الرحمن السعدي: "قوله تعالى:"وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ أي : لأجل قتال من قاتلهم لأجل دينهم فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ ، والقتال معهم. وأما من قاتلوهم لغير ذلك من المقاصد فليس عليكم نصرهم"أ.هـ. وقال العلامة ابن عاشور (التحرير:1/1799) : "أي : طلبوا أن تنصروهم لأجل الدين ، أي: لرد الفتنة عنهم في دينهم إذ حاول المشركون إرجاعهم إلى دين الشرك وجب نصرهم ؛ لأن نصرهم للدين ليس من الولاية لهم ، بل هو من الولاية للدين ونصره"أ.هـ. قلت : فما الظن بمن يقاتل الكفار وهو لا يعرف من التوحيد أكثر مما يعرفه أبو جهل ، بل أبو جهل أعلم منه بذلك ؛ لأن أبا جهل عند الشدائد يدعو الله مخلصاً له الدين ، أما هؤلاء فيدعون الله في الرخاء فإذا أشتد الخطب سألوا المدد من الأولياء والمقبورين كما ذكر شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في "كشف الشبهات".
4 - روى البخاري في [بَاب غَزْوَةِ أُحُدٍٍ] عَنْ الْبَرَاءِ  قَالَ :" لَقِينَا الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ وَأَجْلَسَ النَّبِيُّ  جَيْشًا مِنْ الرُّمَاةِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ ، وَقَالَ لاَ تَبْرَحُوا إِنْ رَأَيْتُمُونَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ فَلاَ تَبْرَحُوا ، وَإِنْ رَأَيْتُمُوهُمْ ظَهَرُوا عَلَيْنَا فَلاَ تُعِينُونَا" ، وفي رواية أخرى:"فَقَالَ إِنْ رَأَيْتُمُونَا تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ فَلاَ تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ". ففي هذا الحديث دلالة على أن قد يمتنع المسلم من نصرة أخيـه المسلم حتى في جهاد الدفع إذا كان ثمَّ مصلحة أعظم تمنع ذلك ؛ فإن حماية ظهور المسلمين في أحد أولى من القتال معهم وإن ظهر المشركون وتخطفت المسلمين الطير ، ولذا نص الفقهاء على أن محل تعين جهاد الدفع على من بقرب الذين هجم عليهم من المسلمين إن لم يخشوا على نسائهم وبيوتهم من عدو بتشاغلهم بمعاونة من فجأهم العدو , و إلا تركوا إعانتهم.
الضابط الثالث : نص كبار العلماء المعاصرين على أن العصر الذي نعيش فيه يكون الجهاد بالدعوة والعلم أخص من الجهاد باليد والسيف لضعف المسلمين ، ولأن القتال يعود عليهم في الغالب بنقص في دينهم ودنياهم : ولما ذكر ابن القيم ـ رحمه الله ـ (مفتاح دار السعادة:1/70) جهاد العلم وجهاد السيف عند قوله تعالى وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً فقال: "فهذا جهاد لهم بالقرآن وهو أكبر الجهادين"أ.هـ. ويقول الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (الفتاوى:؟/؟؟) :"لكن مسألة الجهاد مثل وقتنا هذا يتعين الذب عن الكيان بالمقالات ، وتفنيد مقالات الفسقة ، فإن هذا واجب. والأصحاب ذكروا هذا في المطولات ، ذكروا أنه يجب أن تكون طائفة تكشف الشبه"أ.هـ. وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز وذكر ضعف أمر الجهاد (مجموع الفتاوى:3/ 122): "وبهذا يعلم طالب العلم ومن آتاه الله بصيرة أن الدعوة إلى الله -عز وجل- من أهم المهمات وأن واجبها اليوم عظيم لأن الجهاد اليوم مفقود في غالب المعمورة والناس في أشد الحاجة إلى الدعاة والمرشدين على ضوء الكتاب والسنة"أ.هـ. وقال الشيخ الألباني (شريط فرضية الجهاد – رقم 720) : "من أراد أن يجاهد : فعليه أن يتخذ أسباب الجهاد أولاً ، وأسباب أكتساب النصر ثانياً ، وهذا وذاك غير متحقق مع الأسف في هذا الزمان"أ.هـ. وقال شيخنا محمد العثيمين (مجموع الفتاوى:18/388): "إنه في عصرنا الحاضر يتعذر القيام بالجهاد في سبيل الله بالسيف ونحوه ؛ لضعف المسلمين مادياً ومعنوياً ، وعدم إتيانهم بأسباب النصر الحقيقية ، ولأجل دخولهم في المواثيق والعهود الدولية ، فلم يبق إلا الجهاد بالدعوة إلى الله على بصيرة"أ.هـ.
الضابط الرابع : ما ذكره العلماء من جواز الخروج دون أذن الحاكم والوالد والغريم في جهاد الدفع للضرورة الموجبة للنفير على الجميع ، لكن هذا محله إذا لم يمكن الاستئذان وخيف من التأخير ضرر كبير ، فأما إذا أمكن ذلك دون ضرر فإنه يجب بناء على الأصل خاصة فيما يتعلق في أذن الإمام ، فإذن الإمام لا يسقط إلا مع العجز ، ولذا قال عبدالله ابن الإمام أحمد (مسائل عبدالله لأبيه:2/258): "قلتُ لأبي : فإن خرجوا بغير إذن الإمام ؟ قـال : لا , إلا أن يأذن الإمـام , إلا أن يكون يفاجئهم أمرٌ مِن العدو ولا يُمكِنُهم أن يستأذنوا الإمام فأرجو أن يكون ذلك دفعاً مِن المسلمين". وسيأتي أدلة ذلك مبسوطة في الضابط الثاني من ضوابط الجهاد عند ذكر أن الجهاد لا يكون إلا بإذن الإمام.

 تنزيل ما تقدم من الشروط والضوابط على مثالين معاصرين :
(المثال الأول) : في نازلة العراق حينما غزت الدولة النصرانية الكبرى ومن حالفها بلاد العراق لإسقاط حكم صدام حسين البعثي تنادى كثير من الشباب في السعودية للجهاد ضد هذه الدولة دون مراعاة لكثير من الضوابط الشرعية للجهاد السابقة ، وموازنة المصالح والمفاسد المترتبة عليه ، ومنها :
1- وجود المعاهدة والميثاق بين البلاد السعودية والدولة النصرانية التي تمنعها من الدخول في هذه الحرب ، وقد قدمنا ذلك عند قوله  وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ ، وما روى مسلم عَنْ حُذَيْفَةَ وَأَبيْه  لمّا أَخَذَ عَلَيْهِمْا الكُفَّارُ العَهْدَ لاَ يُقَاتِلاَنِ مَعَ النَّبِيِّ  ، فقال  : "انْصَرِفَا نَفِيْ لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَنَسْتَعِينُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ". ومثله ما روى البخاري في مصالحةِ النبي  كفارَ قريشٍ عَلى [أَنَّهُ لاَ يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلاَّ رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا ... فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ  أَبَا جَنْدَلِ بْنَ سُهَيْلٍ يَوْمَئِذٍ إِلَى أَبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو ، وَلَمْ يَأْتِ رَسُولَ اللَّهِ  أَحَدٌ مِنْ الرِّجَالِ إِلاَّ رَدَّهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا] ، فالعهد في الشرع مانع من نصرة المسلمين المتميزين إذا حاربهم أهل ميثاقنا ، فالنبي  قدم العهد على النصرة الواجبة العينية على حضرا الصف ، وأبلغ من ذلك أنه أسلم بعض المسلمين للكفار بمقتضى المعاهدة ، ولذا وقال الشوكاني(فتح القدير2/479 ) في تفسير الآية فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ : "إلا أن يستنصروا على قوم بينهم وبين النبي  ميثاق ، فلا نصر لهم عليهم إلا على العدو الذي لا ميثاق لهم"أ.هـ. وقال الطاهر بن عاشور (التحرير والتنوير:6/86) : "أن الميثاق يقتضي عدم قتالهم إلا إذا نكثوا عهدهم مع المسلمين ، وعهدهم مع المسلمين لا يتعلق إلا بالمسلمين المتميزين بجماعة ووطن واحد"أ.هـ. وسئل شيخنا صالح الفوزان (شرح نواقض الإسلام:167) هل يجوز للمسلمين مناصرة المسلمين أهل عهدنا ؟ فقال مستدلاً بالآية :"لا يجوز نقض العهد إلا إذا كان فيه شرطٌ : أنكم إذا قاتلتم المسلمين فإنه ينتقض العهدُ الذي بيننا وبينكم". وقال (الفتاوى الشرعية في القضايا العصرية:158) : "الدول بينها معاهدات فلابد أنك تأخذ إذن الإمام بالخروج لتلك الدولة ، المسائل لها أصول ما هي فوضى ، فإذا أذن لك ولي الأمر وأذن لك والداك وعندك استطاعة فلا بأس"أ.هـ.
2- أن ولي الأمر بالمملكة العربية السعودية بمقتضى هذه المعاهدة ولأمور ستأتي لا يرضى لمن هم تحت ولايته أن يفتاتوا عليه فيقاتلوا دون إذنه ؛ لأن أمر الجهاد موكلٌ إلى إمام كل بلد لمن تحت يده بدلالة الكتاب والسنة ، قال البغوي (تفسيره:1/66) قوله  : وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوه : "قال أهل العلم : وكذلك كل أمر اجتمع عليه المسلمون مع الإمام لا يخالفونه ولا يرجعون عنه إلا بإذن"أ.هـ. روى الشيخان عن أبي هريرة  قال رسول الله  : "مَنْ يُطِعْ الأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ يَعْصِ الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي ، وَإِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ ، فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَعَدَلَ فَإِنَّ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرًا ، وَإِنْ قَالَ بِغَيْرِهِ فَإِنَّ عَلَيْهِ مِنْهُ". بل حتّى في جهاد الدفع : (1) يقول  في غزوة الأحزاب وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ ، وروى مسلم قال  لحذيفة  : "اذْهَبْ فَأْتِنِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ وَلاَ تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ" رواه مسلم ، وفي لفظ أحمد "وَلاَ تُحْدِثَنَّ شَيْئًا". (2) في غزوة أحد قال النبي  للرماة :"إِنْ رَأَيْتُمُونَا تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ فَََلاَ تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ هَذَا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ" ، بوّب عليه البخاري {بَاب مَا يُكْرَهُ مِنْ التَّنَازُعِ وَالاخْتِلاَفِ فِي الْحَرْبِ وَعُقُوبَةِ مَنْ عَصَى إِمَامَهُ} ، ولذا قال ابن قدامة (المغنى:8/354) : "وأمر الجهاد موكول إلى الإمام ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك"أ.هـ. فجهاد الدولة الصليبية المعتدية على العراق ممنوع على أهل البلاد السعودية شرعاً ما لم يأذن ولي أمرهم ، وإلا دخل المخالف في الوعيد المترتب على خلع اليد من الطاعة كما روى مسلم عَنْ ابْنَ عُمَرَ عَنْ النبَِي  قَالَ :"مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ حُجَّةَ لَهُ ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً". وفيما روى الشيخان عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ  عَنْ النَّبِيِّ  قَالَ : "مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ ؛ فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنْ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً". ولذا سئل فضيلة الشيخ صالح الفوزان بعد أن حرّم الذهاب لأي جهاد إلا بإذن ولي الأمر : هل يكون شهيداً لو قتل ، فقال(الفتاوى الشرعية في القضايا العصرية:163) : "يكون غير مأذون له بالقتال ، فلا يكون قتاله شرعياً ، ولا يظهر لي أن يكون شهيداً"أ.هـ. وقال عمن لا يشترط إذن الإمام (الإجابات المهمة في المشاكل الملمة:65) : "أما أهل السنة فيقولون : لا بد من راية ولا بد من إمام ، هذا منهج المسلمين من عهد رسول الله  ، فالذي يفتي بأنه لا إمام ولا راية وكلٌّ يتبع هواه ، هذا رأي الخوارج"أ.هـ.
3- أن علماء السعودية الكبار الراسخين منعوا من الذهاب للقتال في العراق بناء على القواعد الكلية الشرعية ، ومن المعلوم أن المرجع في بيان أحكام الجهاد الشرعي هم أهل العلم لقوله  في سياق ذكر المغازي : وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ، قال الشوكاني(فتح القدير:1/741) : "وهم أهل العلم والعقول الراجحة الذين يرجعون إليهم في أمورهم، أو هم الولاة عليهم"أ.هـ. ولذا أنكر  وهو المرجعية الشرعية على أسامة  قتله الرجل فقال : "أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ؟" ، وَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ مَرَّتَيْنِ" لمّا قتل  الذين قالوا : صَبَأْنا. قال شيخ الإسلام ابن تيمية لما ذكر كراهية بعض الصحابة  لشروط صلح الحديبية(منهاج السنة النبوية:8/409): "وأصل الشر من تقديم الرأي على النص والهوى على الشرع، فمن نور الله قلبه فرأى ما في النص والشرع من الصلاح والخير ، وإلا فعليه الانقياد لنص رسول الله  وشرعه ، وليس له معارضته برأيه وهواه"أ.هـ. وفي نازلة العراق رأى علماؤنا الكبار الذين يستنبطونه عدم جواز ذهاب الشباب السعودي للجهاد في العراق بسبب المعاهدات وعدم إذن ولي الأمر وعدم وجود الراية والمفاسد المترتبة على ذهابهم ، فمن ذهب وعاند فقد خالف أمر الله الذي جعله ديناً وشرعاً قبل الشروع بالجهاد ، وقد نقلت (جريدة عكاظ- 17/9/1427هـ - العدد1940) عن سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ مفتي عام المملكة أنه قال : "إن سفرهم لا يصلح لأن في العراق أموراً خفية لا يدري الإنسان عن وضعها ، أنا أدعو الجميع إلى الدعاء باجتماع كلمتهم ، وأما الخروج والسفر والمشاركة واقتحام الأمور فلا يصح ، مع كل هذا لا يقبل ولا يليق بشبابنا السفر للعراق انصحهم بعدم الذهاب بل أحذرهم أيضاً .. أرجو ممن يحرض شبابنا أن يتبصر في الواقع ويعلم أن تحريضهم خطأ"أ.هـ. وقال فضيلة الشيخ صالح الفوزان(الفتاوى الشرعية:157) : "لا يجوز لهم أن يذهبوا إلا بإذن الإمام لأنهم رعية ، والرعية لا بد أن تطيع الإمام"أ.هـ.
4- لو أرادت السعودية نصرة المسلمين في العراق فإنه لا طاقة لها بقتال الدولة النصرانية ، ودخولها في مثل تلك الحروب هو نوع من المغامرة التي ستودي لمضاعفة مصائب المسلمين ، فبدل تدمير دولتين : أفغانستان والعراق ، ستدمر بلاد الحرمين وقبلة المسلمين ، وهذا لا يقول به إلا معتوه فاقد الشعور أو خارجي يرى أنها دار كفر ، وقد قدمنا أنه لا أثم بترك نصرة المسلمين مع العجز كما ترك النبي  نصرة المستضعفين من أصحابه في مكة ، بل قال لهم وقد سألوه النصرة وأمرهم بالصبر :"وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ". وترك كذلك  نصرة بعض أصحابه الهاربين من تعذيب الكفار كأبي بصير وأبي جندل  بسبب ضعف المسلمين الذي ألجأهم للصلح. قال فضيلة الشيخ صالح الفوزان (فتاوى الأئمة في النوازل المدلهمة:205) : "شروط الجهاد معلومة : أن يكون في المسلمين قوة وإمكانية لمجاهدة الكفار , أما إن لم يكن عندهم إمكانية ولا قوة فإنه لا جهاد عليهم , فالرسول  وأصحابه كانوا في مكة قبل الهجرة ولم يُشرع لهم الجهاد , لأنهم لا يستطيعون"أ.هـ. وما عمله ولاة الأمور في البلاد السعودية من إحراز الدين والبلاد والأنفس من التدمير هو السياسة الحكيمة المأخوذة من معنى الأمر الإلهي الذي أوحاه لنبيه : "إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي لاَ يَدَانِ لأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ".
5- عدم وجود الراية الشرعية مانع من الذهاب إلى العراق ، وإذا لم تكن هناك راية فالقتال يدخل فيما قَالَ  : "وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ : يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ". قال النووي عن الراية العمية(شرح مسلم :12/ 238( : "قالوا : هي الأمر الأعمى لا يستبين وجهه"أ.هـ. والقتال في العراق ليس تحت راية ظاهرة تروم إعلاء كلمة الله ، بل هي رايات كثيرة يضرب بعضها بعضاً ، قال فضيلة الشيخ العلاّمة محمد بن صالح العثيمين عن شروط الجهاد(تفسير القرآن:3/49) : "منها أن يكونوا تحت راية إمام يجاهدون بأمره"أ.هـ. وقال الشيخ صالح الفوزان(فتاوى الأئمة:205) : "وليست من صلاحيات أي أحد أو أي جماعة تذهب أو تغزو بدون إذن ولي الأمر"أ.هـ. بل قال سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ عن قتال العراق(جريدة عكاظ:28/9/1425هـ) : "ليس هناك راية يقاتلون تحتها ولا أرضية يقفون عليها ، والذهاب إلى هناك من باب التهلكة وهو ما لا يصلح"أ.هـ.
6- ما تبين من كلام سماحة المفتي ـ حفظه الله ـ أن الذهاب إلى العراق إلقاء للنفس بالتهلكة ، لأن الخارجين بلا راية ظاهرة وجيش يتحيزون إليه ، بل يدفعون للانتحار بقتل أنفسهم ، كما شاهدنا على بعض القنوات المرئية حين تكلم بعض المغرر بهم ، فصرحوا بأنهم ذهبوا للجهاد هناك فأعطوا سيارات مفخخة دون علمهم ليقودوها إلى مكان ما ، فإذا توجهت إلى المكان الذي خطط له قام الخونة ففجروها بهذا الغافل الذي لا يدري ما يراد به ، ولذا ففي المقال نقله الشيخ أبو عمر العتيبي في موقعه المسمى باسمه عن الشيخ أبي عبد الرحمن محمد الطائي البغدادي ، قال : "اعلموا أنه لا يوجد للمقاتلين هنا ملاذ آمن!! وهم لا يستطيعون حماية أنفسهم فكيف حمايتكم وإيواؤكم ؟ وهل تظنون أن لهم مكاناً متحرزين فيه أو جبهة يُقاتلون منها ؟ ما ينتظركم حزامٌ ناسف ، وبعدها يقولون لكم : إلى الجنَّة ، ما ينتظركم سيارةٌ مفخخة ، وبعدها يقولون لكم: تنتظركم الحور العين!! أما فكَّرتم يا شباب الأمة لماذا الذي أفتاك أو أرسلك لا يذهب إلى الجنَّة ، وإلى الحور العين ؟ أم هو قد زهد فيهما ودفع غيره لهما!! ينتظركم يا شباب الأمة أن تباعوا وأنتم لا تدرون"أ.هـ.
7- ومما يمنع من الذهاب أن قيام الحرب في العراق كان بين دولة نصرانية وحزب الطاغوتي كافر ، فتصوير هذا القتال أنه حرب بين الكفر والإسلام تزوير للحقائق الشرعية ، فلم تكن دولة العراق دولة إسلام وسنة ، بل دولة يحكمها طاغوت بعثي ، وشعبها أخلاط من جميع الديانات الفاسدة ، وأهل السنة على ضعفهم أكثرهم في عماية عن التوحيد والسنة إلا قلة من السلفيين ، فقد ينطبق على هذه الدولة ما ذكره شيخ لإسلام ابن تيمية عن "ماردين" التي فيها حاكم كافر وسكان اخلاط بين كافر ومسلم(مجموع الفتاوى:28 /240): "ليست بمنزلة دار السلم التي تجرى عليها أحكام الإسلام لكون جندها مسلمين ، ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار ، بل هي قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحقه ، ويقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه"أ.هـ. بل قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز عن حاكم العراق (مجموع الفتاوى:7/387) : "لا ريب أن مبايعة مثل هذا الطاغوت ومناصرته من أعظم الجرائم ، ومن أعظم الجناية على المسلمين وإدخال الضرر عليهم ؛ لأن من شرط البيعة أن يكون المبايع مسلماً ينفع المسلمين ولا يضرهم. أما حاكم العراق فهو بعثي ملحد قد أضر المسلمين بأنواع من الضرر في بلاده ، ثم اعتدى على جيرانه ، فجمع بين أنواع الظلم علاوة على ما هو عليه من العقيدة الباطلة البعثية"أ.هـ. فبالأمس أفتى علماؤنا بجواز جهاد حاكم العراق مع التحالف الدولي حين غزا دولة الكويت ، فما الذي جعل اليوم إسقاطهم لهذا الطاغوت من أعظم الجهاد حتى يجب فيه على جميع المسلمين الخروج بدون إذن حكامهم؟!!.
8- ما جاء في كتب أهل العلم من أحكام دفع العدو الصائل الذي يهلك الحرث والنسل لا ينزل على واقع الحروب اليوم كما حصل في العراق وغيرها ، لأن الحروب في هذا العصر هي حروب لتغيير الأنظمة والولاءات ، فالدولة النصرانية غزت العراق لأجل إسقاط نظام بعثي من أخبث الأنظمة على وجه الأرض وإبداله بنظام علماني يكون أكثر ولاء لها يقل عنه خبثاً ، وعامة الناس إذا ابتعدوا عن المعارك الدائرة سلموا غالباً على أنفسهم وأهليهم ودينهم حتى تنتهي الحرب ، وذهاب الشباب للعراق فيه توسيع لدائرة الحرب وتعريض للأبرياء للهلاك بلا فائدة مرجوة كما هو حاصل الآن في العراق من فتن أكلت الأخضر واليابس ، ولا يدري المقتول من العراقيين فيما قُتِل ، روى البخاري في كتـاب الفتن : {بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ  الْفِتْنَةُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ} عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قِيْلَ لَهُ : حَدِّثْنَا عَنْ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ ، وَاللَّهُ يَقُولُ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ ، فَقَالَ هَلْ تَدْرِي مَا الْفِتْنَةُ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ ؟ إِنَّمَا كَانَ مُحَمَّدٌ  يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ وَكَانَ الدُّخُولُ فِي دِينِهِمْ فِتْنَةً ، وَلَيْسَ كَقِتَالِكُمْ عَلَى الْمُلْكِ".
9 – إن رجوع كثير من الشباب العائدين من أفغانستان بعد تعلمهم وسائل القتل والتدمير بأفكار منحرفة تتضمن تكفير ولاة الأمر وجعل التفجير والقتل فيها جهاداً يجعل تكرار التجربة مسألة تردد ، والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين ، ولقد سمعت شيخنا العثيمين ـ رحمه الله ـ في مرض موته يقول : "أفتينا الشباب بالذهاب لأفغانستان لجهاد الكفار ، فرجعوا وعاطفة أحدهم تكاد تحمله بين السماء والأرض ليقول : أفتني أقتل فلاناً وفلاناً ، وكأن الناس دجاج أو نعاج"أ.هـ. فعلماء وعقلاء هذه البلد يتوقفون بعد هذا ألف مرة قبل أن يقدم أحدهم على إباحة إرسال الشباب ليكون مكاناً جـديداً لنشر الأفكار التكفيرية الإرهابية بين أبنائنا ، خاصة أن تنظيم القاعدة صار له وجود عظيم في العراق ، فقد أعـلن أفراده البيعة لأسامة بن لادن ، وخرج علينا الزرقاوي يصرح بتكفير حكام البلاد السعودية وتهديدهم ، فهل يتردد عاقل فضلاً عن مسلم بعد هـذا بمنع هؤلاء الشباب من الذهاب إلى تلك البلاد ، وأن ذهابهم من أعظم الخطر على البلاد السعودية.
(المثال الثاني) : واقع السعودية ودولة طالبان الأفغانية : طلبت أمريكا النصرانية من دولة طالبان تسليمها من اتهمته بتدمير برج التجارة لديها ، فأبت فغزوت الدولة النصرانية أفغانستان ، فلم يقل أحد من العلماء المعتبرين أن الحكم في هذه المسألة ينطبق عليه حكم النفير العام الواجب في جهاد الدفع لأمور :
1- أنه صار لكل بلد إمامه وأحكامه وعهوده الخاصة بالإجماع ، قال شيخ الإسلام الإمام محمـد بن عبد الوهاب(الدرر السنية:7/239) : الأئمة مجمعون من كل مذهب ، على أن من تغلب على بلد أو بلدان له حكم الإمام في جميع الأشياء"أ.هـ. وقال الشوكاني عن تعدد الأئمة(السيل الجرار:4/512) فقال: "ويجب الطاعة لكل واحد منهم بعد البيعة له على أهل القطر الذي ينفذ فيه أوامره ونواهيه وكذلك صاحب القطر الآخر ، فإذا قام من ينازعه في القطر الذي قد ثبتت فيه ولايته وبايعه أهله كان الحكم فيه أن يقتل إذا لم يتب ، ولا تجب على أهل القطر الآخر طاعته ولا الدخول تحت ولايته لتباعد الأقطار"أ.هـ. وقال ابن القيم مبيناً أن عهده  مع المشركين لم يكن عهدًا بين أبي بصير وبينهم حينما قتل الرسولين وانحاز بمن معه بالساحل : "وعلى هذا فإذا كان بين بعض ملوك المسلمين وبعض أهل الذمة من النصارى وغيرهم عهدٌ جاز لملك آخر من ملوك المسلمين أن يغزوهم ويغنم أموالهم إذا لم يكن بينه وبينهم عهد"أ.هـ. وقال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رداً على الشيخ أحمد شاكر لما أوجب على المسلمين قتل كل أنجليزي حيثما وجدوا مدنيين أو عسكريين(الرسائل المتبادلة بين الشيخ ابن باز والعلماء:595) : "والصواب أن يُستثنى من ذلك من كان من المسلمين رعية لدولة أخرى من الدول المنتسبة للإسلام التي بينها وبين الإنجليز مهادنة ؛ لأن محاربة الإنجليز لمصر لا توجب انتقاض الهدنة التي بينها وبين دولة أخرى من الدول الإسلامية ، ولا يجوز لأي مسلم من رعية الدولة المهادنة محاربة الإنجليز ؛ لعدوانهم على مصر وعدم جلائهم عنها ، والدليل على ذلك قوله ـ سبحانه ـ في حق المسلمين الذين لم يهاجروا : وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاق ، ومن السنة قصة أبي جندل وأبي بصير لمّا هربا من قريش وقت الهدنة ، والقصة لا تخفى فضيلتكم"أ.هـ. فنقول : فالسعودية قد عاهدت تلك الدولة الغربية كما عاهد  كفار مكة ، فإذا قاتلت دولة طالبان مثلاً تلك الدولة الغربية فليس للسعودية أن تنقض عهدها لقتال هؤلاء الكفار على فرض قدرتها كما تقدم لقوله تعالى وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ ، وَلذا قال لحُذَيْفَة وَأَبيه  لَما أَخَذَ عليهما الكُفَارُ العَهدَ بعدم القتال : "انْصَرِفَا نَفِيْ لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَنَسْتَعِينُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ" مع أنهما قد حضرا الصف.
2- لو انتفى ما سبق فإن امتناع السعودية عن النصرة لضعف قوتها العسكرية بمقابل القوة الضاربة للدولة النصرانية لا أثم فيه كما لم يأثم النبي  بترك نصرة المستضعفين من أصحابه في مكة لعدم قدرته على نصرتهم كما في حديث خباب  ، ولم يمنعه  تعذيب أصحابه من قبل الكفار أن يدخل هو  تحت حماية بعضهم ممن لهم نفوذ بمكة كأبي طالب والمطعم بن عدي ، روى أحمد وصحّحه ابن حبان عن ابْنُ مسْعُودٍ  قال :"فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ  فَمَنَعَهُ اللَّهُ بِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ ، وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَمَنَعَهُ اللَّهُ بِقَوْمِهِ ، وَأَمَّا سَائِرُهُمْ فَأَخَذَهُمْ الْمُشْرِكُونَ فَأَلْبَسُوهُمْ أَدْرَاعَ الْحَدِيدِ وَصَهَرُوهُمْ فِي الشَّمْسِ". ولذا قال تعالى : لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً. قال ابن كثير : "أي إلا من خاف في بعض البلدان والأوقات من شرهم ، فله أن يتقيهم بظاهره لا بباطنه ونيته"أ.هـ. وقال شيخ الإسلام (الصارم المسلول:1/229) : "فمن كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف ، أو في وقت هو فيه مستضعف ، فليعمل بآية الصبر والصفح والعفو عمن يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشركين"أ.هـ
3- إذا ثبت أن سبب القتال دخول المفجرين بأمان وعقود مشروطة لهذه الدولة ، ثم خطفوا طائراتها بعد أن أمنتهم فدمروا أبراجها وقتلوا الآلاف من سكانها حتى طالبت بمدبر هذه الأمور فأبت طالبان ، وهذا من الغدر المحرم ولو اعتبروهم حربيين ؛ لأن شيخ الإسلام ابن تيمية يقول(الصارم المسلول:1/408) : "الحربي إذا قُلتَ له أو عَمِلتَ معه ما يعتقد أنه أمانٌ صار له أمانٌ"أ.هـ. بل قال أيضاً(الصارم المسلول:2/522) : "ومعلوم أن شبهة الأمان كحقيقته في حقن الدماء"أ.هـ. والدولة السعودية لا يلزمها أن تتحمل وزر الغدر أو تدافع عن أهله ، والنبي  يقول كما روى أحمد والترمذي : "أَلاَ لاَ يَجْنِي جَانٍ إِلاَّ عَلَى نَفْسِهِ" ، ولو تنزلنا فقلنا : إن دولة طالبان حالها كحال أبي بصير  حين قتل الرسولين دفعاً عن نفسه ، فنقول : والدولة السعودية حالها كحال النبي  ومن معه ليس عليهم أن ينصروا أبا بصير بسبب العهود الخاصة ، بل الواجب عليها تسليم المعتدي التي تكون مقتضى العهود على تسليمه كما سلم النبي  أبا بصير وأبا جندل  بمقتضى العهد والميثاق.
4- يضاف لذلك أن الشخص الذي تطالب به هذه الدولة النصرانية هو من يكفر حكام السعودية علانية ويرسل أتباعه للتفجير فيها ، فهل يقول عاقل : إن على الدولة السعودية أن تنصر دولة سبب قتالها هو إيواء من ترى وجوب قتاله لكونه يكفرها ويخطط للتفجير في بلادها ويرى ذلك جهاداً ، وهنا يأتي قول شيخ الإسلام عن المسلمين (منهاج السنة:8/349) : "فإن أمر بعضهم بشيء وأمر آخر بضده لم يكن موالاة هذا بأولى من موالاة هذا ، فكانت الموالاة في حال النزاع بالرد إلى الله والرسول"أ.هـ. فإذا أضيف لهذا ما عليه غلب على بلاد الأفغان من العقائد المنحرفة و البناء على القبور والاعتقاد بأهلها تبينت الحقيقة واضحة.
5- إن السياسة الشرعية الصحيحة كانت تقتضي أن تسلم دولة طالبان للدولة الغربية من اتهمته بقتل سكانها دفعاً لأعلى المفسدين ، وهو تدمير البلد وإسقاط الحكم وتشريد السكان ، وهم في ذلك ليسوا بأفضل من محمد  ، وليس المتهم بالتفجير بأفضل من أبي جندل وأبي بصير  حينما سلمهم النبي  لكفار مكة تطبيقاً لنص المعاهدة التي جاءت في صحيح البخاري : [وَعَلَى أَنَّهُ لاَ يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلاَّ رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا] ، والتي ذكر ابن القيم من فوائدها(زاد المعاد:3/272) : "أن مصالحة المشركين ببعض ما فيه ضيم على المسلمين جائزة للمصلحة الراجحة ودفع ما هو شر منه ، ففيه دفع أعلى المفسدتين باحتمال أدناهما"أ.هـ.
6- ظهر الفرق العظيم في تطبيق السياسة الشرعية في هذه الفتنة بين الدولتين ، فلقد شنت الدولة النصرانية حملة كبيرة على السعودية ومناهجها ومذهبها السلفي مع تهديد مبطن للحكم زامن غزو العراق ، ففي الوقت التي عاندت دولة طالبان دون مراعاة للقواعد الشرعية التي توجب عليها حماية البيضة والدين ، نجحت المملكة السعودية بتطبيق هذه السياسة الشرعية بمدارات الدولة النصرانية : (أ) بإعلان براءتها من التفجيرات ومن خلفها في تلك البلاد وأنها لا تتحمل وزرها ، كما لم يحمل النبي  وزر قتل أبي بصير  لرسولي قريش ولم يعد نقضاً للعهد ، كمـا روى البخاري قال : "فَجَاءَ أَبُو بَصِيرٍ ، فَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ! قَدْ وَاللَّهِ أَوْفَى اللَّهُ ذِمَّتَكَ : قَدْ رَدَدْتَنِي إِلَيْهِمْ ثُمَّ أَنْجَانِي اللَّهُ مِنْهُمْ ، قَالَ النَّبِيُّ  : وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ لَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ. فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عَرَفَ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ ، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى سِيفَ الْبَحْرِ". قال ابن القيم (زاد المعاد:3/267) : "ومنها أن المعاهدين إذا تسلموه وتمكنوا منه فقتل أحداً منهم لم يضمنه بدية ولا قود ولم يضمنه الإمام بل يكون حكمه في ذلك حكم قتله لهم في ديارهم حيث لا حكم للإمام عليهم"أ.هـ. (ب) وربما هدأت ولينت في بعض العبارات التي قد تقلل من صولة العدو الصائل فحمت بذلك الدين والأرواح والبلاد خلافاً لطالبان ، وهذا الذي فعله النبي  في صلح الحديبية حينما صالح قريش على بعض الشروط التي بها حيف أو ظلم لـدفع أعلى المفاسد ، والتي منها : محو البسملة ، ومحو وصفه  بالرسالة من العهد ، ورد بعض المسلمين إلى الكفار ، والتي ذكر ابن القيم كما مر قريباً في فوائدها : أن ذلك جائزة للمصلحة الراجحة ودفع ما هو شر منه ، ففيه دفع أعلى المفسدتين باحتمال أدناهما.

mustafa.B14
2011-01-27, 07:36
بارك الله فيك

chrysanthemum
2011-01-27, 07:40
بارك الله فيك
جزاك الله خيرا